تحرير الأصول - ج ١

آية الله الشيخ مرتضى النجفي المظاهري الإصبهاني

تحرير الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ مرتضى النجفي المظاهري الإصبهاني


المحقق: حمزة حمزوي
الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

من مستحدثات شرعنا لا من الشرائع السابقة ، وحينئذ فيتجه الاشكال عليه بانه اذا كان هذا المعنى متبادرا فى محاورات الشارع كيف ينكر شرعية بمجرد وجود صلاة ما فى الشرائع السابقة وهل هذا الا تهافت؟

بقى فى المقام اشكال آخر على ظاهر عبارته قده فانه بعد احتماله وضع الالفاظ فى الشرائع السابقة قال بصورة الجزم ان الالفاظ بناء عليه تكون حقائق لغوية لا شرعية انتهى.

مع انه من المعلوم ان وجود الاحتمال لا يكاد يستنتج منه إلّا احتمال كونها حقائق لغوية لا الجزم بذلك.

ثم ان الثمرة على زعمهم «تظهر فى لزوم حمل الالفاظ الواقعة فى كلام الشارع بلا قرينة على معانيها اللغوية مع عدم الثبوت وعلى معانيها الشرعية على الثبوت فيما اذا علم تاخر الاستعمال» ولا يخلو ذلك من نظر واشكال اذ القائل بالحقيقة الشرعية لا يقتضى دليله الا تجدد وضع جديد لهذه الالفاظ فى معانيها الشرعية ، فى قبال النافى الذى لم يثبت عنده مثل هذا الوضع الجديد الحادث ، او ثبت عدمه عنده ومن الواضح ان مجرد حدوث وضع جديد للفظ فى معنى لا يستدعى هجر معناه اللغوى السابق ، وحينئذ فيكون اللفظ مشتركا لفظيا عند القائل بالحقيقة الشرعية واذا كان مشتركا فلا مجال للالتزام بحمله على المعنى الشرعى الابدال آخر وإلّا فمجرد اللفظ بنفسه صالح للمعنيين ، فينبغى على هذا ان تكون الثمرة بين القولين هى اجمال اللفظ فى معناه على القول بثبوتها فيتوقف الى ان يحصل المعين ، بخلافه على القول الآخر فانه يتعين بناء عليه حمل اللفظ المجرد على معناه اللغوى.

٦١

«حول الصحيح والاعم»

العاشر فى ان الفاظ العبادات اسام لخصوص الصحيحة او الاعم منها وقبل الخوض فى ادلة الطرفين ينبغى التنبيه على امور : منها ان المقصود من الصحيح والاعم فى المقام ليس هو مفهومهما ولا مصداقيهما بل المعنى الملزوم لهما ، بداهة ان الصحة التى هى فى الحقيقة بمعنى التمامية امر منتزع من ملاحظة الشىء وافيا بالغرض ، والفساد بعكس ذلك فحينئذ كانا من العناوين المنتزعة المتاخرة عن ذات الشى فلا يعقل اعتبار فى ذات الشىء كما لا يخفى.

«فى ان الصلاة اسم للجامع الوحدانى»

ومنها ان مصاديق الصحيح كمصاديق الاعم مختلفة ، لا يكاد يجتمع تحت جامع مشترك بينها ظاهرا فمن ثم ذهب شيخنا المرتضى قده فيما حكى عنه ، الى ان الصلاة اسم لصلاة الكامل المختار وان ما عداها من المراتب النازلة كلها ابدال لا صلاة على الحقيقة بل بالتنزيل والعناية (١).

ويرد عليه ان الاختلاف موجود فى صلاة المختار ايضا اذ هى فى صلاة اليومية على نحو مغاير لها فى صلاة جعفر (ع) ، وفى صلاة الكسوف على نحو مغاير لها فى صلاة العيدين فما فر منه قده وقع فيه.

__________________

(١) ـ مطارح الانظار : ص : ٧.

٦٢

على ان المراتب النازلة اذا كانت وافية بالغرض المطلوب من صلاة المختار ، كشف ذلك انا عن تحقق عنوان وحدانى تشترك فيه جميع الصلوات هو المسمى بالصلاة.

وبهذا يستدل على ان الصلاة اسم للجامع الوحدانى ، فان الاثر الواحد لا ينبعث ولا ينشا إلّا من مؤثر واحد ، ببرهان السنخية بين العلة والمعلول ، وان الواحد لا يصدر إلّا من الواحد.

فلما كانت الصلاة قربان كل تقى ، وكان هذا الاثر بسيطا دل ذلك على بساطة المؤثر فيه.

والحاصل ان قوله عليه‌السلام : الصلاة قربان كل تقى (١) قضية حملية حمل فيها الاثر الواحد البسيط على الصلاة ، فلو لا ان الصلاة ، حقيقة فى ذلك المعنى الجامع البسيط المؤثر فى هذا الاثر ، لما صح مثل هذا الاطلاق ، والاستعمال الغير المبنى على رعاية علاقة واعمال عناية.

وايضا لو فرض ان زيدا كان يصلى بصلاة الاشارة ، وعمروا يصلى بصلاة المضطجع ، وبكرا يصلى بصلاة المختار وهكذا ، فانه يصح فى هذا الفرض ان يقال زيد وعمرو وبكر مشتغلون بالصلاة ، من غير تجوز فلو لا ان الصلاة اسم للمعنى الجامع للزم الاستعمال فى اكثر من معنى واحد وهو محال.

وايضا انا نجد استعمالات الصلاة فى الموارد المختلفة كلها ، بدالين يدل احدهما على اصل المعنى والآخر يدل على الخصوصية ، فلو لا ان الصلاة اسم للمعنى الجامع ، لكانت الدلالة على الخصوصية وذيها من حاق اللفظ ، مع انه ليس كذلك ، ألا ترى انك لو قلت زيد

__________________

(١) ـ الوسائل ج : ٣ ص : ٣٠ حديث ١

٦٣

يصلى لا يستفاد منه الا معنى يحتمل ان يكون فى خصوصية الاشارة او الاضطجاع او القيام ، وغير ذلك فتحتاج فى افادة الخصوصية الى دال آخر.

فهذه وجوه ثلاثة دالة على ان الصلاة اسم للجامع الوحدانى.

«فى توهم الاشكالين على الجامع»

وقد يتوهم ان لازم القول بالجامع ، الاجتزاء بكل صلاة لكل مكلف ، ولم يدر ان ذلك انما يلزم لو كان مصداقية الافراد متحققة ، فى كل حال وفى كل ان ، وليس كذلك فان صلاة الغريق لا تكون مصداقا للصلاة الا فى حال الغرق وكذلك صلاة المضطجع لا تكون صلاة الا فى حالة خاصة من المرض وهكذا.

وهناك توهم آخر وهو ان لازم القول بالجامع الذهاب الى الاحتياط فى مقام الشك فى جزئية شىء للصلاة ، او شرطيته لها من حيث رجوع الشك فى ذلك الى الشك فى المحصل ومحقق الجامع المطلوب ، مع ان المشهور القائلين بالصحيح قائلون بالبراءة فى الشك فى الاجزاء والشرائط.

يظهر فساده ببيان الفرق بين صورتى الشك فى المحصل والمقام ، فان المطلوب تارة يكون هو الجامع بما هو جامع ، واخرى يكون الجامع بمرتبة خاصة منه مطلوبا ، وان كان المسمى هو الجامع نفسه ، نظير الحمرة لو كانت مطلوبة بمرتبة خاصة من مراتبها الضعيفة او الشديدة فان كان المطلوب من قبيل الاول ، كان ذلك شكا فى المحصل ولزم فيه مراعاة الاحتياط وان كان من قبيل الثانى ، كما هو كذلك فى الصلاة وجب على الحكيم بيان تحديد مرتبة المطلوب ، فان بينه

٦٤

على وجهه تماما وكمالا بحيث لم يبق شك فى المطلوب ، كانت الحجة تامة ووجب الامتثال واتيان المطلوب على حسب امره ، وان لم يبينه كذلك فبمقدار ما علم اشتغال الذمة به من الاجزاء يلزم مراعاته بالامتثال والزائد على ذلك مما يشك فيه تجرى فيه اصالة البراءة هذا.

وقد يجاب عن هذا التوهم بما فى المتن «من ان الجامع انما هو مفهوم واحد منتزع عن هذه المركبات المختلفة زيادة ونقيصة بحسب اختلاف الحالات متحد معها نحو اتحاد وفى مثله تجرى البراءة ، وانما لا تجرى فيما اذا كان المامور به امرا واحدا خارجيا مسببا عن مركب مردد بين الاقل والاكثر كالطهارة المسببة عن الغسل والوضوء فيما اذا شك فى اجزائهما انتهى».

وظاهره ان الجامع الصلاتى مفهوم انتزاعى لا تاصل فى الوجود وهو كما ترى ولعله يريد ما نريده والله العالم بما فى الضمائر.

فقد عرفت من جميع ما قدمناه ان تصوير الجامع عند الصحيح معقول وممكن ذاتا وهو واقع خارجا.

«فى تصوير الجامع عند الاعمى»

واما عند الاعمى فيمكن تصوير الجامع مع رأيه بان يقال : انك اذا تعقلت جامعا بين الافراد الصحيحة لزم من ذلك تعقل الجامع بين الاعم منها ومن الفاسدة.

وبيان ذلك ان كل فرد من تلك الافراد والمصاديق الصحيحة ، لا بد وان يحتوى على اجزاء وشرائط بها تحققت فرديتها وصار لها التاثير الفعلى فى ذلك الاثر الواحد البسيط ، فكل جزء من تلك الاجزاء له دخالة ما فى حصول الاثر وان لم يكن هو تمام العلة بل

٦٥

جزئها ، نظير القوة القائمة بعشرة رجال البالغة درجة حمل الحجر الثقيل ، فكل رجل من تلك العشرة له قوة ما على الحمل ، إلّا انها قوة شأنية لا فعلية ، فيتصور جامع مشترك بين المرتبة الفعلية وما ينقص عنها مما يتلوها من المراتب الشانية ، اذ القوة الغير المحدودة بحدها الضعفى الشانى ولا بالمرتبة الفعلية هى جامع بين قوة العشرة والتسعة. وهذا هو مرام الاعمى ومقصوده فكل من التزم بجامع بين الافراد يلزمه الالتزام باعتبار ذلك الجامع بين الاجزاء ، اذ لا يتصور الجامع بين الافراد الا حيث يكون الجامع من المعانى التشكيكية التى لا يكون الامتياز فيما بين افراده الا بعين ما به الاشتراك ، فحينئذ وان يكون جامع معنى ساريا فى الاجزاء والافراد وهو المعنى الاعم.

ومما يمكن ان يستدل به لعموم الجامع بين الصحيح والفاسد ما تراه من تمسك الصحيحى بالتبادر فان مثل هذا الاستدلال منه على اثبات مرامه فى قبال الاعمى ، دليل على ان فى ارتكاز ذهنه بحسب طبعه هو ثبوت جامع عام وهو يريد لنفى وضع اللفظ له بالتبادر فى خصوص الصحيحى ، وإلّا فلو استحيل الجامع العام على حسب ما يقوله الصحيحى لم يكن داع الى تعيين الصحيح بالتبادر لتعينه بانتفاء عديله الذى هو المعنى العام ، لعدم قائل بوضعه لخصوص الفاسد كما لا قائل باشتراكه لفظيا بين الصحيح والفاسد ، فانحصر الامر والخلاف فى وضعه لخصوص الصحيح او الاعم فاذا انتفى الثانى بعدم معقولية الجامع بمقتضى دعوى الصحيحى ، فلا بد وان يتعين كونه موضوعا لخصوص الصحيح اذ ليس اللفظ مهملا قطعا ، وبالجملة هذا الزام للصحيحى بحسب ارتكاز ذهنه.

هذا ما استفدت من مجلس البحث ، ويمكن الخدشة فيه بان استدلال الصحيحى بالتبادر ليس من جهة ان الجامع مرتكز فى ذهنه

٦٦

بل من باب التسليم وعلى سبيل التنزل كما ان هذا ديدن القوم فى استدلالاتهم وذلك واضح للمتتبع البصير بحيث لا يكاد يخفى فتامل فى المقام فانه من مزال الاقدام.

وايضا يمكن الاستدلال للجامع العام بان الشارع من ديدنه مع عدم التنبيه ان يكون فى عادته على حسب عادة الناس ، كما ان الحكمة تقتضى ذلك فاذا اراد وضع الفاظ عنده لمعان مخصوصة كالصلاة والصيام وغير ذلك ، فلا بد وان يكون وضعه لمعانيها على حسب وضع الواضعين ، ونحن نرى بالوجدان من حال الواضعين انهم يضعون الالفاظ للمعانى على وجه لا يقدح فيه اختلال بعض اجزائه وشرائطه ، وما ذاك إلّا لكونه موضوعا عندهم لمعنى عام يشترك فيه الناقص والكامل فكذلك الشارع هذا ان قلنا بثبوت الحقيقة الشرعية وان لم نقل وكانت هذه الالفاظ حقائق عرفية فى معانيها فالامر اوضح من ان يخفى ، اذ هى على هذا التقدير تكون كسائر الالفاظ العرفية التى لا يتفاوت الحال فى اطلاقها على مسمياتها بين نقصان المسمى وكماله كلفظى الساعة والكتاب مثلا ، فانك تجد صحة استعمالهما فيما ينقص عنه ورقة من الكتاب او بعض آلات الساعة.

لا يقال : ليس الغرض من الاوضاع الا تعيين المسميات والمسمى الذى يكون الحاجة الى تعيينه هو الصحيح الموافق للغرض ولا داعى للوضع الى يعم الفاسد.

لانه يقال : يجوز ان يكون الداعى للوضع للمعنى الاعم هو فتح باب التمسك بالاطلاق فى الفاظ العبادات ، اذ لو اقتصر فى الوضع على خصوص الصحيح كان اللفظ مجملا لا يسع الناظر فيه الا الرجوع الى الاصول العملية بخلاف ما لو وضع للاعم فانه يصح معه التمسك باطلاق اللفظ لنفى مشكوك الجزئية ، او الشرطية.

٦٧

فان قلت : ربما يكون الصحيحى قائلا بالبراءة فى الشك فى الاجزاء والشرائط فيتوافق الصحيحى على هذا مع الاعمى ، فى التمسك باطلاق اللفظ فى نفى شكوك الجزئية والشرطية اذ كل منهما لم يعتبر الجزء او الشرط المشكوك الجزئية والشرطية وان كانا مختلفين مدركا.

قلت : كفى باختلاف المدرك فارقا ، اذ الثمرة بين التمسك بدليل الاجتهادى والفقاهتى لا يكاد يخفى ، لظهور ان الاصل العملى يرتفع موضوعه حكما بورود ادنى دليل معتبر من رواية او ظهور آية ، بخلاف الاطلاق فانه لا يقاومه من الادلة الاجتهادية الا ما يفوقه فى قوة الدلالة والسند.

«فى ما استدل به الاعمى على مرامه»

واستدل للاعمى ايضا بظاهر التقسيم الى الصحيح والفاسد فانه لو لا عموم المقسم لما صح التقسيم بالبديهة واما تاويله الى تقسيم المسمى بالصلاة ، فمع ما فيه من التعسف لا يكاد يتم ايضا ، اذ الصحة والفساد ليسا من عوارض المسمى بما هو مسمى بل بما هو معنى من سائر المعانى ، فحيثية التسمية اجنبية عن الاتصاف بالصحة والفساد ، فان الشىء ان وافق الغرض كان صحيحا وإلّا يكون فاسدا ، سمى باسم خاص او لم يسم باسم خاص اصلا ، فاذا على تقدير ارتكاب هذا التاويل فى المقسم لا بد وان يكون ذكر المسمى ولحاظه عبرة ووسيلة الى ذلك المعنى القابل للاتصاف بالصحة والفساد ولازم ذلك وجود جامع فى نفس الامر والواقع يشار اليه ببعض العناوين وهذا هو قرة عين الاعمى.

٦٨

واستدل له ايضا بما ورد فى بعض الاخبار عنه (ع) بنى الاسلام على الخمس ، الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم ، والولاية ، ولم يناد احد بشىء كما نودى بالولاية فاخذ الناس بالاربع وتركوا هذه فلو ان احدا صام نهاره وقام ليله ومات بغير ولاية لم يقبل له صوم ولا صلاة (١).

تقريب الاستدلال ان الاخذ بالاربع ، عبارة اخرى عن الاخذ بالصلاة والزكاة والحج والصوم ... فلو لا ان اسماء هذه العبادات موضوعة للاعم ، لم يكونوا آخذين بالاربع لبطلان عبادتهم بناء على اشتراط صحة العبادات بالايمان.

لا يقال : يجوز ان يكون المراد آخذين بالاربع الصحيحة بحسب معتقدهم وحينئذ فلا دلالة فى الرواية على اعمية المعنى.

لانا نقول : هذا تاويل فى الرواية يا باه ظهورها من تعلق الاخذ بعين ما ذكر سابقا ، فلو كان المذكور فى السابق مرادا منه ، الصحيح من حاق اللفظ كما هو مرام الصحيحى ، تعين فيه ارادة الصحيح الواقعى اذ هو الذى بنى عليه‌السلام لا الصحيح الاعتقادى ، فلو اريد من الاربع المذكورات على ان تكون صحيحه اعتقادية لا واقعية لزم الاختلاف بين المشار به والمشار اليه ، وهذا خلاف ظاهر الكلام ولا يلزم هذا المحذور بناء على الاعم ، اذ من الجائز ان يكون المراد من المذكورات فى صدر الكلام هو الصحيح بدالين اصل الماهية من حاق اللفظ ، والصحة من دال آخر ، كما ان المراد من الاربع فى ذيل الكلام خصوص

__________________

(١) ـ هكذا نقلت الرواية ... عن فضيل بن يسار عن ابى جعفر «ع» قال : بنى الاسلام على خمس : على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم يناد بشىء كما نودى بالولاية ، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه «يعنى الولاية» الكافى ج ٢ : ص ١٨ بحار الانوار ج ٦٥ : ص ٣٢٩.

٦٩

الفاسد منها بفقد شرط الولاية ، ويكون ارادة ذلك ايضا بدالين كما تقدم آنفا وحينئذ فلا اختلاف بين المشار به والمشار اليه لكن المعنى فى كل منهما واحدا وهو المعنى العام وما بينهما من الاختلاف بالصحة والفساد ، خارج عن مدلول اللفظ.

هذا غاية ما يمكن ان يذكر فى تقريب الاستدلال بهذه الرواية لمدعى الاعمى.

ويرد عليه اولا انه بناء على ارادة المعنى العام من اللفظين صدرا وذيلا يلزم ان يكونوا قد اخذوا بالاربع الغير المبنى عليها الاسلام ضرورة ابتناء الاسلام على الصحيح الواقعى منها لا الاعتقادى ولا لفاسد منها ، فلا محيص اذن على كلا القولين من لزوم تاويل فى سوق الرواية والخروج عن ظاهرها ، فلم يكن فى البين مستمسك للاعمى من طريق الاخذ بالظهور.

وثانيا ان اقصى ما يتحصل من هذا الاستدلال بالرواية ، هو مجرد الاستعمال فى المعنى الاعم ، واما انه على سبيل الحقيقة فلا ، على ان مثل هذا الدليل انما يفيد عدم اعتبار الشرط فى مسمى اللفظ فهو انما يصلح ردا على الصحيحى المعتبر للاجزاء والشرائط فى المسمى ، اما اذا كان ممن يقول باعتبار الاجزاء خاصة فلا يصلح الاستدلال بهذا النحو ردا عليه.

ومن جملة ما استدل به للاعمى قوله (ع) دعى الصلاة ايام اقرائك (١)

بتقريب ظهور النهى فى المولوية ، ومقتضى ذلك تحريم الصلاة ذاتا عليها فى ايام الحيض ، فيكون محصل ما افيد فى هذه الرواية ، ان ما كنت تاتينه من الصلاة قبل ايام الحيض محرم عليك

__________________

(١) ـ الوسائل الشيعة : ج ٢ باب ٧ ابواب الحيض ص ٥٤٥ وعوالى اللئالى ج ٢ ص : ٢٠٧ حديث : ١٢٤.

٧٠

اتيانه فى ايام الحيض ، فلو لا ان الصلاة للاعم لحصل التغاير بين ما تاتينه قبل الحيض وبعده ، ولم يكن بحسن حينئذ مثل هذا التعبير الظاهر فى الاتحاد وعدم المائز بينهما الا من حيث القبلية والبعدية.

وجوابه يظهر مما مر ، فان غاية ما يتحصل من ذلك الاستعمال فى المعنى الاعم الذى هو اعم من الحقيقة والمجاز.

واستدل له ايضا بانه «لا شبهة فى صحة تعلق النذر وشبهه بترك الصلاة فى مكان تكره فيه وحصول الحنث بفعلها» ولا يكاد يحصل الحنث إلّا باتيان ما يكون مصداقا من مصاديق المنذور تركه ومن المعلوم ان الصلاة المتحقق بها الحنث لا بد وان تكون فاسدة لتعلق النذر بتركها ، فكونها فاسدة ومع ذلك كانت مصداقا للصلاة دليل على عموم معنى الصلاة.

على ان الصلاة لو كانت مختصة بالصحيحة لاستحال انعقاد النذر اذ هو فرع القدرة والتمكن من موافقته فيبرّ النذر ومخالفته فيحنث به ولا يكاد يتمكن من الحنث بعد النذر اذ كل ما ياتى به يكون فاسدا لا صحيحا ، وبناء على الوضع للصحيح يكون المنذور تركه هو الصلاة الصحيحة ، ويستحيل على هذا الحنث بالمخالفة ولا بر النذر بالموافقة ، لان تركه للصلاة الصحيحة على هذا يكون قهرى الحصول لا بالاختيار هذا.

واجاب عنه الماتن بما حاصله ان المتحصل من هذا الاستدلال ليس إلّا ان متعلق النذر هو الاعم واين هذا من اثبات الوضع للاعم.

على انه بناء على الوضع للصحيح يمكن القول بان المنذور تركه هو الصلاة الصحيحة لو لا النذر ومثل هذه الصلاة يمكن تحققها بعد النذر ولو كانت فاسدة بالنذر إلّا انها صحيحة لو لا النذر نعم لو اريد الصحيحة بالفعل «لكان منع حصول الحنث بفعلها بمكان من

٧١

الامكان».

والصواب فى الجواب ان يقال ان الصلاة المنذور ترك ايقاعها فى مكان خاص لا بد وان تكون مكروهة كى يصح تعلق النذر بتركها ضرورة اشتراط الرجحان فى متعلق النذر.

وقد اختلفوا فى معنى كراهة العبادة هل هى بمعنى المرجوحية او اقلية الصواب؟ فمنهم من اختار الاول نظرا الى ان المرجوحية ، راجعة الى الخصوصية وهى الكينونة فى الحمام لا فى ذات العبادة ، ومنهم من اختار الثانى بملاحظة تعلق النهى بحسب ظاهر اللفظ بالصلاة المكيفة بالخصوصية الخاصة ، ولما لم يكن يتصور مرجوحية العبادة فى نفسها لم يكن بد من ارتكاب التاويل فى النهى المتعلق بتنزيله على اقلية الثواب ، وعلى هذا فلا تكون العبادة الا راجحة وان كانت برجحان ضعيف ، فبناء على المرجوحية لا بد وان يكون متعلق النذر ترك الخصوصية اذ هى التى يكون تركها راجحا وإلّا فذات الصلاة متمحضة للرجحان لا يصح تعلق النذر بتركها ، فلو تعلق النذر بمثل هذه العبادة ذات الخصوصية المرجوحة ، لزم توجهه الى الخصوصية لا الى ذات العبادة ، وحينئذ فلا دلالة فى صحة النذر على ان الصلاة بمعنى الاعم ، بل لو اريد منها الصحيح ايضا امكن القول بصحة النذر وكانت الصلاة صحيحة ، وبناء على اقلية الثواب لا يصح النذر لمرجوحية ترك هذه العبادة وهو مانع من تعلق النذر به فتامل.

٧٢

«حول ثمرة النزاع»

وكيف كان فالثمرة بين القولين بينة ، وهى كما فى الكفاية «اجمال الخطاب على القول الصحيحى وعدم جواز الرجوع الى اطلاقه فى رفع ما اذا شك فى جزئية شىء للمامور به او شرطيته اصلا لاحتمال دخوله فى المسمى كما لا يخفى ، وجواز الرجوع اليه فى ذلك على القول الاعمى فى غير ما احتمل دخوله فيه مما شك فى جزئيته او شرطيته ، نعم لا بد فى الرجوع اليه فيما ذكر من كون واردا مورد البيان كما لا بد منه فى الرجوع الى سائر المطلقات ، وبدونه لا مرجع ايضا الا البراءة او الاشتغال.» انتهى.

ولعلك تقول لا فرق بين القولين فى عدم جواز الرجوع الى اطلاق المامور به فى نفى مشكوك الشرطية او الجزئية فان الاعمى انما يقول بالتعميم فى المسمى لا فى المامور به فيجوز عنده اطلاق اسم الصلاة على الفاسدة ، إلّا ان الامر لا يتعلق عنده الا بالصحيح من العبادة ضرورة استحالة طلب الشارع عبادة غير وافية بالمصلحة الواقعية ، فاذا فرق بين بين المامور به وبين المسمى ومن الواضح ان ملاك التمسك بالاطلاق هو اعتبار حال المامور به ، وهو لا يكون إلّا الصحيح على كلا القولين والصحيح مجمل فيمتنع التمسك باطلاق المامور به عند الفريقين وبطلت الثمرة المذكورة.

قلنا هذا اشتباه وخلط بين مرحلتى الاثبات والثبوت ، بيان ذلك وتوضيحه انه لا شك فى توقف الطلب فى مرحلة الواقع على صحة المطلوب وتماميته فى الوفاء بالمصلحة والفرض وهذا هو مرحلة

٧٣

الثبوت ، فمطلوبية الشىء واقعا موقوفة على الصحة واما احراز مطلوبية ذلك الشىء والعلم به فلا يتوقف على احراز صحته ، بل على انطباق ذلك العنوان الواقع تلو الامر على ذلك الشىء الخارجى بحسب متفاهم العرف فاذا انطبق عليه كان من ثمراته استكشاف صحة الواقعية ، فالصحة عند الاعمى ليست عنوانا معتبرا فى مفهوم متعلق الامر حتى يلزم منه الاجمال والتوقف فى المراد كما هو كذلك عند الصحيحى بل الاعمى يقتفى الموارد التى يصح فيها اطلاق لفظ الصلاة عرفا ، فان وجد المورد مما يصح فيه اطلاق لفظ الصلاة عليه بنى على صحته واقعا وإلّا فلا.

وبالجملة الفرق بينهما ان الصحيحى يتخذ الصحة عنوانا فى المامور به ، والاعمى يتخذه ثمرة لما ينطبق عليه عنوان المامور به ، والعنوان اذا كان مجملا اقتضى ذلك ، التوقف والحيرة فى تعيين المامور به. ومن ثم لا يسع الصحيحى التمسك باطلاق المامور به لاجماله عنده ، بخلاف الاعمى اذ هو قد اتخذ الصلاة بما هى صلاة فى نظر العرف عنوانا وهى تصدق على كل صلاة لم يفقد منها مقومات التسمية فله التمسك باطلاقها على تلك الموارد المستتبع ذلك الحكم بصحتها شرعا.

٧٤

«الكلام فى المعاملات»

هذا كله فيما يتعلق بالعبادات واما فى المعاملات فنقول : ان مثل قوله تبارك وتعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١) وقوله (ع) الصلح جائز بين المسلمين (٢) يفيد التقرير وامضاء طريقة العرف وليس هو كالعبادات التى يجهل المراد منها على الصحيحى ، ومنشأ الفرق ان العبادات تكاليف متعلقة بموضوعات شرعية ، فلا سبيل لنا فى معرفة الموضوع الشرعى إلّا بالرجوع اليه فان بينه فهو ، وإلّا يلحق بالمجملات ، ولا اطلاق فيها حينئذ كى يتمسك به فى مقام الشك وهذا بخلاف المعاملات ، فانها من الامضائيات وليس فيها تاسيس تكليف جديد ، بل تقرير لما يرونه العرف بيعا وصلحا ، فكان تطبيق عنوان المتعلق على الفرد المشكوك اعتبار جزء كذائى فى صحته معلوما ويقطع بانه بيع عرفا ، وانما الشك فى انه هل للشارع فيه تاسيس من حيث اعتبار شىء آخر فيه زائدا على ما عند العرف او لا؟ فيتمسك باطلاق اللفظ على نفيه.

وربما تجعل الثمرة بين القولين عند بعضهم فى النذر فمن نذر ان يعطى دينارا لمن يصلى ، او ياتى بمسمى الصلاة فعلى الصحيحى لا تبرأ الذمة إلّا اذا احرز صحة صلاة من يعطيه من المصلين وهذا بخلاف الاعمى فانه يبر نذره ولو علم بفساد صلاة من يعطيه.

__________________

(١) ـ البقرة : ٢٧٥.

(٢) ـ الوسائل ج : ١٣ كتاب الصلح باب : ٣ حديث : ٢ فيه : الا صلحا أحل حراما او حرم حلالا.

٧٥

وانت خبير بما فيه اذ الثمرة فى المسائل الاصولية لا بد وان يكون مما يستنبط بها الحكم الفرعى الكلى ، او مما يقع فى طريق الاستنباط لا فى مثل النذر الذى هو ليس إلّا مسئلة فرعية ثابتة بدليل آية ورواية ، على ان كل منذور يجب الوفاء به ، فيكون محصل الثمرة بناء على ذلك ان الصلاة الخارجية الفاسدة الصادرة من زيد مثلا هل هى مما ينطبق عليها عنوان الحكم الفرعى الكلى او لا؟ فعلى الصحيحى لا ينطبق فلا يبر النذر باعطائه الدينار.

وليس هذا إلّا مسئلة جزئية شخصية فرعية من مصاديق المسألة الفرعية الكلية ، وليس من شان الاصولى البحث عنها ، فلا يصلح ان تكون ثمرة للمسألة الاصولية ، والله الهادى الى سواء السبيل.

«فى الاشتراك»

«الامر الحادي عشر» وقع الكلام بين الاعلام فى امكان الاشتراك ووقوعه او امتناعه او وجوبه والقول الاول اقرب الى الصواب وادل دليل على عدم امتناعه هو وقوعه وسيجىء ابطال دليل القائل بالوجوب.

واستدل للقول بالامتناع بمنافاة الاشتراك للغرض المقصود من الوضع وهو التفهيم اذ مع الاشتراك يحصل الاجمال فى اللفظ لتردده بين معنيين ، وحينئذ فينتفى الغرض الاصلى الذى هو التفهيم فيلزم من القول بالاشتراك نقض الغرض وهو محال.

وفيه ان الغرض من الوضع لا ينحصر فى التفهيم ، فربما يكون الوضع لداعى الاجمال والابهام كما فى النكرات.

وقد يستدل له بوجه آخر ، وهو ان يقال : على ما تبين لك شرحه سابقا ، هو نحو اختصاص للفظ بالمعنى ومن لوازم الاختصاص

٧٦

نفى الاغيار قطعا ، فمع حصول الوضع لمعنى خاص يحصل للفظ نحو اختصاص بذلك المعنى لا يتعدى عنه الى غيره ، وإلّا لما كان وضعا واذا اختص اللفظ بذلك المعنى كيف يجوز وضعه لمعنى آخر ، فان وضعه للمعنى الآخر ينافى اختصاصه بالمعنى الاول.

وربما يجاب كما فى الفصول على ما هو ببالى (١) بمنع كون الوضع معناه هو جعل الاختصاص بين اللفظ والمعنى بل جعل علاقة بينهما ، وهذا المقدار لا ينافى جعل علاقة اخرى بينه وبين معنى آخر.

ويمكن ان يجاب عنه بعد تسليم كون الوضع بمعنى الاختصاص ، بان الاختصاص المجعول بين لفظ العين والباصرة ، انما هو فى حال استعماله فيها ، ولا ينافى ذلك جعل اختصاص آخر بين هذا اللفظ وبين النابعة فى حال استعماله فى المعنى الثانى.

وبالجملة الاختصاص المجعول بالنسبة الى المعنيين يتعدد بتعدد حالات الاستعمال ، فان استعمل اللفظ فى الباصرة ، كان ثمة اختصاص بين العين والباصرة ، وان استعمل فى النابعة كان اختصاص آخر مجعول بين العين والنابعة.

واستدل للقول بالوجوب بان الالفاظ متناهية والمعانى غير متناهية فلا بد من الاشتراك.

واجيب عنه بان الغير المتناهى من المعانى الجزئية واما كلياتها فمتناهية ويستغنى بوضع الالفاظ لها عن وضعها لجزئياتها ومن المعلوم ان مراد القائل بالوجوب الوجوب الغيرى ضرورة ان الشىء ما لم يجب لم يوجد ، فيرجع النزاع بينه وبين القائل بالامكان لفظيا ، اذ القائل بالامكان لا يمنع طرو الوجوب بسبب اجتماع تمام اجزاء

__________________

(١) ـ لم اجد فى الفصول هذا الجواب.

٧٧

علة الوجود المستتبع ، لصيرورته حينئذ واجبا وانما هو يمنع الوجوب الذاتى والخصم يوافقه على ذلك ويقول بالوجوب الغيرى.

«حول استعمال اللفظ فى اكثر من معنى واحد»

«الثاني عشر فى استعمال اللفظ فى اكثر من معنى واحد على سبيل الانفراد والاستقلال ، بان يراد منه كل واحد كما اذا لم يستعمل الا فيه» وقد اختلفوا فى جواز مثل هذا الاستعمال وعدمه «على اقوال اظهرها عدم جواز الاستعمال فى الاكثر عقلا».

وليعلم او لا ان الاستقلال تارة يعتبر بالنسبة الى اللحاظ بان يلحظ كل معنى بحياله ، بلحاظ مستقل به ، وفى قباله تعلق لحاظ واحد بمتكثرات كاللحظة الواحدة المتعلقة بالنقاط المتعددة.

واخرى يعتبر بالنسبة الى ارادة مع قطع النظر عن اللحاظ ، فربما يكون اللحاظ واحدا متعلقا بالمتكثرات ، إلّا ان كل واحد من تلك المتكثرات مراد بالتفهيم مستقلا وفى قباله ما لو اريد تفهيم متكثرات بارادة واحدة متعلقة بتلك المتكثرات.

وثالثة يعتبر بالنسبة الى تعلق الحكم الواقعى بالمتكثرات فيكون كل من تلك المتكثرات محكوما بحكم مستقل ، وان كانت المتكثرات باجمعها مجتمعة تحت لحاظ واحد نحو قوله «ص» رفع عن امتى تسعة (١).

ومورد البحث من الاستقلال فى الاستعمال هو المعنى الاول اذ لا شبهة فى جواز الاخيرين.

__________________

(١) ـ كتاب الخصال : ص ٤١٧ وفى الوسائل ج ٥ ابواب الخلل الواقع فى الصلاة : باب : ٣٠ وضع عن امتى.

٧٨

وربما يتوهم من كلام صاحب المعالم قده ان محل النزاع هو الاستقلال فى الحكم حيث جعل المدار على ان يكون كل من المعنيين مناطا للنفى والاثبات ، وهذا هو عبارة اخرى عن اعتبار الاستقلال فى الحكم الذى هو المعنى الاخير الذى نفينا النزاع منه. (١)

ويدفعه ان المراد من النفى والاثبات فى كلامه هو الحكم المستفاد من النسبة الكلامية دون الحكم الواقعى وفرق بينهما ، فان الاستقلال بالحكم الواقعى لا يلزم الاستقلال فى اللحاظ كما عرفته فى حديث الرفع بخلاف الاستقلال بالحكم المستفاد من ظاهر الكلام وهو النسبة الكلامية ، فانه يلازم الاستقلال فى اللحاظ وكيف كان فحيث عرفت اعتبار الاستقلال لحاظا فى محل النزاع ، للاحتراز عن خلاف ذلك من فرض الاتحاد اللحاظى المتعلق بالمتكثرات ، فاعلم انه قد يتخيل ان ذكر هذا القيد مستدرك فى الكلام اذ الاستعمال فى اكثر من معنى واحد لا يتصور إلّا ان تعتبر المتكثرات شيئا واحدا من قبيل المركب فاذا اريد استعمال اللفظ فى متكثرات بوصف التكثر ، فلا بد وان يكون ذلك على نحو الاستقلال ، فالتعبير باستعمال اللفظ فى اكثر من معنى واحد هو بنفسه يفيد الاستقلال ، وإلّا فلو لم يكن على نحو الاستقلال بل بنحو وحدة اللحاظ لم يكن الملحوظ والمستعمل فيه الا معنى واحدا لا اكثر من معنى واحد.

وفيه ان اللحاظ المتعلق بالمعانى المتعددة كالنقاط لا يعقل اعتباره فى الملحوظ اذ هو بالنسبة الى ملحوظه كالحكم بالنسبة الى موضوعه يستحيل اعتباره فيه ، وحينئذ فلم يبق فى جانب الملحوظ الا حيثية التكثر دون الوحدة ، فاذن لا ملازمة بين وحدة اللحاظ ووحدة

__________________

(١) ـ المعالم الدين : ص ٣٣.

٧٩

الملحوظ ، فربما يكون اللحاظ واحدا والملحوظ متكثرا كلحاظ النقاط بلحاظ واحد ، وربما يكونان كلاهما متحدين ، كلحاظ الواحد المتعلق بالخط المستقيم ، فلا دلالة فى قولهم استعمال اللفظ فى اكثر من معنى واحد على قيد الاستقلال حتى يكون ذكره فى الكلام مستدركا.

فتخلص مما ذكرنا ان محل البحث ومورد النزاع هو الاستقلال فى اللحاظ الاستعمالى.

ومنه انقدح وجه الامتناع على ما هو المختار لاستحالة تعدد اللحاظ فى ان واحد من لاحظ واحد سواء قلنا ان اللفظ امارة وعلامة للمعنى ، او قلنا هو مرآة للمعنى فان فيه فناء الوجه فى ذى الوجه والعنوان فى المعنون.

غاية ما فى الباب ان الامتناع على الثانى من جهتين بخلاف الاول ، اذ الاستحالة فى الاول ليست هى إلّا من حيث قيام اللحاظين الاستقلاليين بنفس اللاحظ ، وان نشا ذلك من سماع اللفظ لم يكن معبرا يستطرق منه الى معرفة المعنى ، كما هو كذلك على المرآتية فان المرآة وسيلة وآلة لمعرفة المعنى فاللحاظان يتوجهان الى اللفظ على المرآتية دون الامارية ، وكما يستحيل قيامها على نحو الاستقلال بنفس اللاحظ ، كذلك يستحيل توجههما على ذلك النحو الى اللفظ الواحد فالاستحالة على المراتبة من وجهين ، وفى الامارية من وجه واحد كما لا يخفى.

ومن هذا يظهر لك ما فى كلام الماتن فى هذا المقام ، حيث قال : «ان حقيقة الاستعمال ليس مجرد جعل اللفظ علامة لارادة المعنى ، بل جعله وجها وعنوانا له.» الى آخر ما افاده لظهوره فى تسليم الجواز ، بناء على ان الاستعمال جعل اللفظ علامة ، وقد عرفت بما لا مزيد عليه عدم الفرق فى الامتناع بين كلتا الصورتين ، وان كان الامتناع على المرآتية من وجهين.

٨٠