تحرير الأصول - ج ١

آية الله الشيخ مرتضى النجفي المظاهري الإصبهاني

تحرير الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ مرتضى النجفي المظاهري الإصبهاني


المحقق: حمزة حمزوي
الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

النسبة الايقاعية ، ومن هذا الوجه يحصل الفرق بين الانشاء والاخبار ، وبين الحروف والاسماء ، حيث ان التبعية والاستقلالية اللتين بهما يفترق الاسماء عن الحروف وان كانا من شئون المستعمل فيه إلّا انهما معلولان للحاظ. وهذا بخلاف الموقعية والحكاية اللتين بهما اقتران الاخبارات عن الإنشاءات فانهما بانفسهما متعلقان للحاظ. فكان الاخبار والانشاء تشترك مع الاسم والحرف فى اتحاد المستعمل فيه فى كل منهما ، فان الابتداء الاسمى ، و «من» الحرفى مشتركان فى ان المستعمل فيه فى كليها معنى الابتداء وان افترقا باللحاظ الاستقلالى والتبعى الذين هما من شئون المستعمل فيه. كما ان الانشاء والاخبار يشتركان فى انهما مستعملان فى معنى الايقاع ، وان افترقا فى حيثية الحكاية والموقعية اللتين هما من شئون المعنى الايقاعى إلّا أنّك قد عرفت الفارق بين كلتا الطائفتين من حيث المعلولية اللحاظ فى الحروف والاسماء ، ومتعلق اللحاظ فى الاخبارات والانشاءات.

ولعله الى هذا المقدار من الفرق اشار بالامر بالتامل بعد ما حكم بالمساوات بين الاخبار والانشاء وبين الاسم والحرف.

وعلى اى حال هذه ، الجهة الزائدة على اصل معنى الايقاع فى قسمى الاخبار والانشاء ، والجهة الزائدة على معنى الابتداء ، الفارقة بين من الحرفى والابتداء الاسمى ، لم تكن الا من اشتراط الواضع فى «من» بان يستعمل تبعا ، وفى الابتداء ليستعمل استقلالا ، كما هو الحال فى الاخبار بان يستعمل بقصد الحكاية وفى الانشاء بقصد التحقق والثبوت.

واما المرتبة الثالثة التى هى داعى الجد والهزل ، فمن المعلوم ان ذلك من الدواعى الداعية للتكلم ، والدواعى خارجة عن المستعمل

٤١

فيه لا داخلة فيه كما انه فى المرتبة الرابعة التى هى مرتبة الثبوت الواقعى لم يكن ذلك من شئون الاستعمال ، ولا المستعمل فيه ابدا ، بل هو تابع لواقعه فان تحققت شرائط المقررة للوقوع يقع خارجا كالانشاء وإلّا فلا.

وليعلم ان النسبة الايقاعية التى هى مقوم الكلام كفحوى الاخبار والانشاء خفيف المئونة يصح للمتكلم اعتبارها فى كل مقام كقولك : الارض تحتنا ، والسماء فوقنا ، وملكت السماء وهكذا ، بخلاف الانشاء الجدى فانه لا يمكن اعتباره الا فيما يمكن تحققه بذاك الداعى وذلك انما يكون فى الاعتباريات الخارجية المعبر عنها بخارج المحمول نحو الملكية ، فقول المنشئ بداعى الجد يترتب عليه الملكية والانتقال مع اجتماع سائر الشرائط.

ثم ان هذا كله فيما يصلح الخبرية والانشائية ، كما فى مثل بعت ، وزوجتى طالق فبقى فى صيغتى الامر الدالين بهيئتهما على الانشاء مع عدم صلاحيته لصرفه الى الاخبار والسر فى ذلك ان فى ذاك القسم من الكلام كان ما تحت الهيئة الكلامية معنى الصدور والايقاع الذى هو صالح لصرفه الى جنسى الاخبار والانشاء. بخلاف مثل صيغة الامر اذ هى لا تدل الا على الارسال والبعث نحو المطلوب بلا توسيط جهة ايقاعية فى البين فلا مدلول لها الا هذا المعنى. ولا نعنى من الارسال والبعث ما يكون خارجيا حتى يتجه على ذلك انه اذا لم يقع فى الخارج الانبعاث نحو المطلوب ، لا يكون اللفظ مقصودا فيكون استعماله مجازا بل المراد منه البعث المتصور ذهنا المنطبق تصورا على ما فى الخارج وان لم يتحقق فى الخارج بعث ولا انبعاث.

وكذا كل معنى انشائى او اخبارى ، حرفى او اسمى لا يراد منه الا الصور الذهنية ، طابقت الخارج او لم تطابقه ، وقع بازائها شىء

٤٢

خارجا او لم يقع.

واذا عرفت ان معنى صيغة الامر هو الارسال والبعث ، وبعبارة اخرى كانه يحرك الامر المامور نحو الفعل ، ظهر لك ان الطلب خارج عن مدلول الصيغة ، بل هو مدلول التزامى لها اذ الارسال يستدعى الطلب والارادة ، وإلّا فلو كان معنى الصيغة نفس الطلب لكان مفادها من المحمولات بالضميمة وهى الاعراض القائمة بالمحل الواحد ، وقد تقدم آنفا ان هذا المعنى معنى الاسماء دون الحروف وما شاكلها من الهيئات ، وانما مفادها من قبيل خارج المحمول اى الاعتبارات المفتقرة الى طرفين ، إلّا ان هذا مبنى على اتحاد الطلب والارادة حتى يكون الطلب معنى عرضيا قائما بالنفس ، فيكون كسائر الاعراض القائمة بمحالها.

اما لو قلنا بتغايرهما فلا غرو اصلا من دعوى ان مدلول صيغة الامر هو الطلب ، اذ الطلب على هذا هو عين الارسال المعبر عنه بالفارسية «خواهش كردن» والارادة هى المعنى القائم بالنفس المعبر عنها ايضا «بخواهش داشتن».

هذا كله الكلام فى الانشاء وقد عرفت ان منه ما لا يصلح للاخبار ومنه ما يصلح لذلك.

واما الحروف فهى ايضا ربما تختلف ، منها ما يكون حاكية عن نسبة ثابتة على حذو النسب التقييدية مثلا فى قولك بدو السير من البصرة ، او كون على السطح وغير ذلك من التراكيب الغير التامة المشتملة على حرف من حروف الجر لا يراد منه الا الاشارة ، وبيان ما كان وتحقق فى الخارج من النسبة الكذائية ، فهى دالة فى مثل هذه التراكيب على نسبة محققة ، خارجية بالمعنى الذى سبق من كونها صورا منطبقة على ما فى الخارج بحسب التصور والتعقل.

٤٣

ومنها ما تكون صادرة للايقاع والموجدية نحو حرف النداء الذى لم يصدر الا لاحداث النداء بحسب نظر المنادى وان لم يتحقق فى الخارج نداء حقيقى ، فلو نودى الجبل او سائر الجمادات لم يكن اللفظ خارجا عن معناه الحقيقى ، بل قد استعمل حقيقة فى النداء وان لم يكن المنادى ممن له شعور وادراك.

ومنها ما يدل على الاضافة نحو حروف المشبهة بالفعل فانها دالة على اضافة بين معنى الترجى فى لعل والتمنى فى ليت وهكذا وبين مداليل الجمل الواقعة من زيد قائم وعمرو جالس وامثال ذلك ، فيكون نسبة الترجى ونحوه الى هذه الحروف كنسبة الطلب الى صيغة الامر فهى مدلولات التزامية خارجة عن اصل المعنى ، وانما يكون معناها الاضافة المتحققة بين هذه الصفات والجمل التى هى داخلة عليها وعاملة فيها فافهم واغتنم.

«حول الاسماء المبهمة»

«ثم انه قد انقدح مما حققناه» الى قوله «غير مجازفة»

وليعلم مقدمة لتوضيح ما افاده قده ان تصور الشىء تارة بنحو الاجمال ، واخرى بنحو التفصيل مثلا قد يتصور زيد مجملا لا بنحو التفصيل وذلك تحصل بالنظر الى شبحه ، وقد يتصور تفصيلا وذلك بالنظر الى شخصه وخصوصيته ، ولا ريب ان نحوى التصور فى ذلك مختلفان فى عالم الذهن والانتقال إلّا انه بعد حصول المعرفة التفصيلية يتحقق الانطباق والتطابق بين كلتا الصورتين ويعدان بعد ذلك شيئا واحدا من جميع الوجوه والحيثيات. وذلك بخلاف ما اذا تصور زيدا بعنوانه الكلى ثم تصوره ثانيا بعنوانه التفصيلى

٤٤

الجزئى ، فان الكلى وان كان مع ملاحظته مع جزئية فى الخارج متحدان وجودا إلّا ان اتحادهما ليس إلّا من هذا الوجه الذى هو الوجود الخارجى ، وإلّا قمع قطع النظر عن ذلك لم يكن الكلى الا جزءا من جزئية ذاتا او عرضا لتركب الجزئى من الكلى والخصوصية.

والحاصل انه فرق بين اتحاد الصورة الاجمالية مع الصورة التفصيلية ، وبين اتحاد الكلى مع افراده.

فان الاول اتحاد من جميع الوجوه والحيثيات ، والثانى اتحاد من جهة دون جهة ، ولا يغرنك ما تراه من صحة حمل الكلى على افراده ، فان الحمل يكفيه اتحاد ما ، فلا دلالة فيه على اتحاد التام كما هو كذلك بين الصورة الاجمالية والتفصيلية.

ثم ان الصورة المنتقشة فى الذهن تارة تكون متصورة بلا توجه نفسى اليها واخرى مع توجه كذلك كما هو المشاهد فيمن يرى زيدا فانه بمجرد النظر اليه تنتقش صورته فى الذهن ، إلّا انه ربما ينقدح له داع للمخاطبة والمحاورة معه ، واخرى لا ينقدح له مثل ذلك الداعى فتبقى الصورة حينئذ معراة فى عالم الذهن عن توجه نفسى اليها ، وهذا التوجه متاخر تبعا عن اللحاظ اذ ما لم يكن المعنى مسبوقا باللحاظ لا يكاد يحصل ثمة توجه من النفس اليه والنسبة بين اللحاظ والتوجه عموم وخصوص مطلقا بحسب الموارد فكل مورد كان فيه توجه نفسى الى المعنى ، لا بد وان يكون ذلك المعنى ملحوظا سابقا ولا عكس لما عرفت انه ربما يحصل اللحاظ والتصور للمعنى ، بلا تحقق توجه من النفس اليه.

ثم ان التوجه واللحاظ اذا تحققا وتعلقا بالذات ، كانا من قبيل اللحاظ الحرفى والاسمى غير مأخوذين فى المتعلق ، ضرورة انه ليست الذات بقيد اللحاظ او التوجه متعلقة لهما ، بل الذات البحت

٤٥

المعراة عن القيدين متعلق لهما ، واذا كانت الذات بما هى متعلقة لهما يظهر لك الحال فى الاسماء المبهمة من كونها موضوعة بالوضع العام والموضوع له العام. كما قال قده : «ان المستعمل فيه فى مثل اسماء الاشارة والضمائر ايضا عام ، وان تشخصه انما نشاء من قبل طور استعمالها ، حيث ان اسماء الاشارة وضعت ليشار بها الى معانيها ، وكذا بعض الضمائر وبعضها ليخاطب به المعنى ، والاشارة ، والتخاطب يستدعيان التشخص كما لا يخفى».

وتوضيح ذلك ان الاسماء المبهمة ليست موضوعة الا لتلك الصورة الاجمالية التى تراها متحدة مع كل مورد اريد فيه شخص خاص وهى تتضمن التوجه النفسى الذى به افترقت عما عداها من اسماء الاجناس والنكرات ، وقد عرفت آنفا تجرد الذات الملحوظة مع التوجه عن مراعاة التقييد بقيدى اللحاظ والتوجه النفسى ، ولم يكن الاستعمال الا ذكر اللفظ ولحاظ المعنى.

فيستنتج من مجموع هذه المقدمات ، ان المستعمل فيه امر عام وهى الذات المطلقة الخالية عن تقييد ما واذا كان هذا حال المستعمل فيه ، استكشف عنه حال الموضوع له فى كونه مثله فى العموم ، وإلّا فلو كان الموضوع له خاصا بقيدى التوجه واللحاظ دون المستعمل فيه لحصل التخالف بين الموضوع له والمستعمل فيه ، وكانت الاستعمالات فى مثل هذا المبهمات طرا مجازية ، وهو بديهى الفساد فانقدح بذلك صحة المدعى من كون الوضع عاما والموضوع له عاما ايضا.

وما تراه من التخصيص والانحصار فى ارادة فرد شخصى حين الاستعمال ، فانما ذلك ناش من تضمنها قيد التوجه الذى هو آت من كيفية الاستعمال ، وليس هو معتبرا فى مفاهيمها.

هذا تمام الكلام فى توضيح ما افاده ، إلّا انه يتجه عليه ما مر منا

٤٦

نظيره فى المعانى الحرفية ، من ان خروج الاشارة والتخاطب عن معنى اللفظ لا ينافى تخصص المعنى وصيرورته بمقدار يكون تواما مع الاشارة والتخاطب بحيث لا يكون له اطلاق ، يشمل حال ضده ونقيضه ، وحينئذ فيخرج المعنى بذلك عن الكلية الى الجزئية ويكون من متكثر المعنى ، الا على ما سمعت منا فى كيفية تصوير وضع العام والموضوع له العام هذا.

بقى الكلام فى شرح حال الاسماء المبهمة من الموصولات واسماء الاشارة والمضمرات.

وحاصل الكلام انها تحتوى على جهات ثلاث ، الاسمية والبناء ، والتعريف وهذه لا تكون الا عن منشإ وسبب معنوى لاحق لها ، وكشف الغطاء عنه انها باعتبار دلالتها على المعانى الاجمالية التى هى الذات الملحوظة فى عالم التصور المتحدة مع الصور التفصيلية عند لحاظ الاشخاص باعيانهم وخصوصياتهم بعنوان الزيدية والبكرية ، كانت اسماء لانها بهذا المعنى مستقلة فى المفهومية.

وباعتبار تضمنها لمعنى الاشارة والتخاطب والمعهودية فى ضمير الغائب والموصولات ، كانت مبنية لان هذه المعانى نوع من النسب والاضافات.

وباعتبار دلالتها على تعيين مسماها بالاستعمال كانت معرفة هذا ما افاده دام ظله فى مجلس البحث.

ويمكن الاستشكال فيما ذكر من وجه تعريفها من حيث ان هذا الوجه لو اقتضى تعريفها لاقتضى تعريف «من» الموصولة ايضا فكانت مثل من الموصولة خرجت عن النكارة الى التعريف لاتحاد المناط فيهما بسبب ان الموصولة فيها ايضا دلالة على الذات المعهودة بالصفة فهى كمن الموصولة دالة على الذات المعهودة بالصلة.

٤٧

فان قلت : ان العهدية فى من الموصولة معتبرة فى الموضوع له بخلاف الموصوفة فان العهد فيها آت من قبل الاستعمال.

قلت : قد تبين لك الحال من اول البحث الى هنا ان المعهودية فى الموصولات كالاشارة والتخاطب فى اسماء الاشارة وضمير المخاطب من شئون الاستعمال وليست هى من قيود المستعمل فيه فتوافقت الموصولة والموصوفة من حيث خروج المعهودية عن اصل المعنى فعاد الاشكال فتأمل.

«فى استعمال اللفظ فى نوعه ، وشخصه ومثله»

هذا كله الكلام فيما يتعلق بالامر الثانى.

«واما الامر الرابع» المتضمن لاستعمال اللفظ فى نوعه وصنفه ومثله فقد صدع قده فيه بالحق قائلا ان استعمال اللفظ فيها كما فى المجازات الجارية على اقتضاء السليقة ، لا من باب الوضع بل من باب الدلالة الطبعية ، وهل يجوز استعماله فى شخصه؟ فيه خلاف ومقتضى كلامه قده فيه ، اختيار الجواز بوجه تغاير الدال والمدلول اعتبارا ، ويتجه عليه ان الاستعمال كما اعترف به فى بحث المشترك ليس إلّا التوصل الى المعنى باللفظ العبرى ونظر المرآتى ، بحيث لا يكون اللفظ فى جنب المعنى شيئا بحياله ملحوظا بالاستقلال ، بل هو فان فيه فناء الوجه فى ذى الوجه والعنوان فى المعنون وهذا المعنى من الاستعمال ينافى اعتبار الشىء بنحوين من اللحاظ فى استعمال واحد عبوريا واستقلاليا ، وإلّا لزم اجتماع اللحاظين المتباينين فى الشىء الواحد وهذا محال ، بل اللازم فى مثل هذا النحو من الاستعمال اعتبار المغايرة الذاتية بلا اكتفاء بالمغايرة الاعتبارية ، فمتى لم تحصل

٤٨

المغايرة الذاتية لم يكن للقضية موضوع قد استعمل لفظه فى معناه ، فتخلو القضية على هذا من الموضوع وتصير مركبة من جزءين نسبة ومحمول كما ذكره فى الفصول (١) بل اللازم تفردها بجزء واحد الذى هو المحمول خاصة من دون نسبة ، لافتقار النسبة الى منتسبين فمع انتفاء احد طرفيها تنتفى هى قطعا ، فيبقى المحمول لا بوصف المحمولية ، بل باعتبار ذاته وشخصه.

نعم لو كان الاستعمال عبارة عن جعل اللفظ علامة وامارة لارادة المعنى لجاز ان يكون اللفظ ملحوظا بالاستقلال باعتبارين دالا ومدلولا ، إلّا ان هذا مع كونه خلاف التحقيق خلاف مختاره قده فى مبحث المشترك.

«فى ان الدلالة تتبع الارادة»

«الخامس لا ريب فى كون الالفاظ موضوعة بازاء معاينها من حيث هى لا من حيث هى مرادة للافظها» سواء فسرت الارادة بالارادة اللحاظية او التصديقية التى هى بمعنى ارادة التفهيم ووجه يعلم من الكفاية ، وحاصلها ان ما يتاتى من قبل الاستعمال يستحيل اعتباره فى مفهوم المستعمل فيه ولا يكاد يكون من قيوده ، وايضا الوجدان شاهد آخر على تجرد المعنى عن مثل هذا اللحاظ والارادة من حيث خلو الاطراف فى الجمل والقضايا عن اعتبار الارادة فى مفهومها ، لعدم الانسباق.

وايضا يلزم من اعتبار الارادة فى المعنى «كون وضع عامة الالفاظ عاما والموضوع له خاصا لمكان اعتبار خصوص ارادة

__________________

(١) ـ الفصول فى الاصول : ٢٢.

٤٩

اللافظين فيما وضع له اللفظ» ، لكنك خبير بان مفاد هذه باسرها ، ليس إلّا عدم اعتبار الارادة داخلة فى معنى اللفظ ، ولا ينافى ذلك خروجها عنه مع استتباعها تحصص المعنى بحصص تكون تواما مع الارادة اللحاظية بل والارادة التصديقية ايضا كما ستعرفه إن شاء الله.

كما قلنا بمثل ذلك فى المعانى الحرفية فحينئذ يستلزم ذلك عدم الرخصة فى التعدى فى مدلول اللفظ عن المعنى الملحوظ من دون حاجة الى الالتزام بدخول الارادة حتى يشكل علينا بالوجهين الاولين.

بل الاشكال الاخير لا يرد ايضا فى مختارنا فى الوضع العام والموضوع له العام ، من تصوير معنى سار فى الحصص الخارجية والذهنية الملحوظة فى عالم الذهن ، ويكون اللفظ موضوعا لذلك المعنى ، وحينئذ فلا يلزم القول باعتبار الارادة بالمعنى الذى بيناه ، القول بكون وضع عامة الالفاظ عاما والموضوع له خاصا هذا كله فى الارادة اللحاظية.

واما الارادة التصديقية التى يبتنى عليها كلام «العلمين الشيخ الرئيس والمحقق الطوسى قده» (١) ، الذاهبين «الى ان الدلالة تتبع الارادة» فاحسن ما قال شيخنا العلامة الاستاذ مد ظله فى وجهه ان غرض الواضع فى وضعه ، ليس إلّا ارادة تفهيم المعنى بالبداهة ، فاذا كان هذا هو الغرض من الوضع فذلك يستلزم ان يكون الموضوع له خصوص المعنى المقصود تفهيمه ، لتبعية الوضع سعة وضيقا دائرة الغرض ، فاذا لم يكن للغرض سعة عموم شاملة للمعنى بجميع شئونه واطواره ، كيف يترتب عليه الوضع العام متعلقا بالمعنى باى نحو يكون ويتحقق! فمن ملاحظة الغرض يستكشف لما ان الوضع لم

__________________

(١) ـ الاشارات والتنبيهات : ج ١ ص : ٣٢.

٥٠

يتعلق الا بحصة من المعنى ، وهو الحصة التى تكون تواما مع ارادة التفهيم ، لا بنحو الدخول والجزئية ، وحينئذ فاذا استعمل اللفظ فى المعنى بقصد التفهيم ، كان ذلك على وفق الوضع وكان حقيقة ، واذا استعمل فيه لا بهذا الوجه ومن دون هذا القصد كان مجازا لاستعماله فى غير المعنى الموضوع له.

ولعله الى هذا المعنى نظره قده فى قوله «ويتفرع عليها تبعية مقام الاثبات للثبوت وتفرع الكشف على الواقع المكشوف».

ان قلت : هذا انما يتم فى الوضع التعيينى دون التعينى ، وذلك لان ارادة التفهيم من الامور الاختيارية القصدية ، فيفتقر صدوره من مختار ويكون باعثا لتخصيصه اللفظ بالمعنى لكيما يترتب عليه غرضه المقصود بمعونة الوضع ، وهذا انما يتاتى فى الوضع التعيينى خاصة ، اذ الوضع التعينى قهرى الحصول ينشأ من كثرة الاستعمال ، وليس هو متفرعا عن ارادة وقصد ، فكيف يتصور فيه اختصاص المعنى بما يكون تواما مع ارادة التفهيم.

قلت : الوضع التعينى لما كان ناشيا عن كثرة الاستعمالات الخارجية ، ولا ريب فى ان الاستعمالات الخاصة الواقعة فى الخارج لم تقع الا عن ارادة التفهيم ، فهى اذ تراكمت وتكاثرت ، توجب بمقتضى العادة اختصاص اللفظ بالمعنى على النهج الذى صدرت من المستعملين ، وقد كانت فى حال صدورها عنهم منبعثة عن داعى ارادة التفهيم ، لا باى وجه كان ، فيكون الاختصاص المتسبب عنها غير خارج عن دائرة مسببه ، فلا يكاد يكون الا اختصاص بين اللفظ بحصته الخاصة منه التى هى توأم مع ارادة التفهيم.

٥١

«القول فى وضع المركبات»

الامر السادس اختلفوا فى ان المركبات بما هى مركبات هل هى موضوعة بوضع على حدة غير الوضع المتعلق بموادها وهيئاتها ام لا؟ وينشأ الخلاف اختلاف انظارهم فى بحث المطلق والمقيد فانه قد وقع الخلاف بينهم ثمة فى ان المطلق هل هو موضوع للحصة الشائعة والطبيعة السارية كما هو مختار المشهور ، او هو موضوع للماهية اللابشرط المقسمى التى لا يكاد ينافيها طرو التقييد فى المقيد كما هو الحق وعليه التحقيق ، او لهم فيما اعلم سلطان العلماء؟

ويتفرع على خلافهم ثمة ان استعمال المقيدات على القول الاول مجاز ، وعلى الثانى حقيقة. واما وجه ابتناء الخلاف هنا على الخلاف ثمة ، هو ان الاسماء المفردة باسرها لو نظرت اليها بعين البصيرة تراها غير خارجة عن الاطلاق والتقييد ، حتى ان مثل زيد الذى هو علم شخصى غير منطبق على متكثرات فردية ، لو اعتبرته بالنظر الى حالاته كان مطلقا ، لصلاحيته للقيام والقعود والاكل والشرب وامثال ذلك ، فاذا تقيد بواحد منها صار مقيدا ، فاذا بنينا على وضع المطلقات للحصة الشائعة ، لزم التجوز فى المواد المفردة الواقعة فى ضمن هيئات المركبات ، لخروجها بذلك عن الشيوع الى التقييد ، وهذا مما لا يلتزم به احد بل الوجدان يشهد بخلافه ، حيث انا لا نجد فى تركيب زيد قائم وعمرو جالس ونحو ذلك خواص المجاز من رعاية علاقة واعمال عناية ، فهذا شاهد صدق على أنها لم تستعمل المواد فى حال التركيب الا فى المعنى الحقيقى ، ولا يكون ذلك بناء

٥٢

على القول الاول إلّا بارتكاب وضع آخر للمجموع المركب من الهيئة والمادة ، وهذا بخلافه على القول الثانى ، اذ لا يلزمنا التجوز فى المواد وان لم نقل فيها بالوضع الآخر ، اذ المعنى الموضوع له محفوظ فى ضمن الهيئة التركيبية ، فاستغنى بوضع المواد فى نفسها والهيئات فى نفسها عن تكلف وضع آخر للمجموع التركيبى.

لوفاء الوضعين الاولين بالمعنى الذى يراد استفادته من الوضع الثالث هذا.

ولمانع ان يمنع توقف التحرز عن المجازية فى الموارد الواقعية فى ضمن الهيئات عند المشهور ، على الالتزام بوضع مستقل للمجموع المركب المؤتلف من المادة والهيئة ، اذ التحرز عنها كما يحصل بمثل هذا الوضع يمكن حصوله بوضع مستقل للمواد فى حال اندراجها فى الهيئات ، لا بنحو التقييد والانضمام حتى يرجع الى الاول ، ولا بنحو التجريد حتى يرجع الى الوضع الاصلى الذى هو مقرر للمفردات ، بل بنحو الظرفية ومن قبيل القضايا الحينية التى لا يستفاد منها الا التحصص واختصاص الوضع بحصة خاصة من المادة المشار اليها بما وقعت فى ضمن الهيئات ، فيكون الوضع على هذا متعلقا بخصوص المادة المظروفة لا بالمجموع المركب من الظرف والمظروف ، كما كان عليه بناء الكلام السابق ، وحينئذ فلا يتجه الاستشهاد بانتفاء المجازية عن المواد وجدانا فى نظر المشهور على تعلق الوضع الاستقلالى بالمجموع المركب الذى يبتنى عليه الخلاف فى هذه المسألة.

فتلخص مما قررناه ان الدليل على القول بالوضع المستقل للمجموع المركب ، اعم من المدعى ولا دلالة للاعم على الاخص ، فاما ان يكون دعوى ابتناء الخلاف هنا على الخلاف الواقع فى تلك المسألة

٥٣

حدسية على خلاف الواقع واما ان تكون هى على وفق الواقع ، إلّا ان دليلهم هنا غير تام لانه من الاستدلال بالعام على الخاص.

«حول علائم الحقيقة والمجاز»

«السابع» فى علائم الحقيقة والمجاز

منها تنصيص اهل اللغة على ان اللفظ الكذائى معناه كذا ، وفى اعتبار هذه العلامة وعدم اعتبارها خلاف ، وعلى تقدير اعتبارها فهل الرجوع اليهم من باب الرجوع الى اهل الخبرة ، او من باب الشهادة او الرواية ، او لدليل الانسداد؟ فيه كلام بين الاعلام ، والتحقيق عدم اعتبارها فى غير ما لم يحرز فيه ارادة التنصيص على المعنى الحقيقى خاصة ، وقلما يتفق من لغوى احراز هذا المعنى منه اذ الغالب المعهود فيما وفقنا عليه من كتبهم ذكر موارد الاستعمالات التى ، لا تختص بالاستعمالات الحقيقية فلاحظ وتبصر.

ومنها التبادر وعدم صحة السلب فانهما دليلان على الحقيقة ، كما ان خلافهما دليلان على الخلاف.

وشبهة الدور المعروف إيرادها فى المقام ، بينة الاندفاع بما بينوه من تحقق المغايرة بين الموقوف والموقوف عليه بالاجمال والتفصيل ، وان التبادر عند العالم علامة للمستعلم الجاهل ، وهكذا الحال فى جانب عدم صحة السلب ، وهذا واضح.

وربما يستشكل فى أماريتهما بعدم دلالتهما الا على الحقيقة فى زمان التبادر ، لا ما قبله من زمان صدور اللفظ من الشارع ، مثلا لو ورد ان الكنز فيه الخمس وشك فى معنى الكنز بانه هل هو مختص بالنقدين او يعم غيرهما من الجواهر وامثالها؟ فتبادر احد المعنيين

٥٤

لا يجدى فى المهم المقصود اثباته فى الاحكام الشرعية. والتشبث باصالة عدم النقل انما يجدى لو كان يثبت بمثل هذا الاصل استناد الظهور اللفظى الى الوضع ، ولا يثبت به إلّا بناء على غير المختار من حجية الاصول المثبتة.

على انه لم يقم دليل على اعتبار هذه الاصل المعبر عنه بالاستصحاب القهقرى كما سيجىء فى محله إن شاء الله تعالى نعم ربما يتمسك لتوافق الزمانين ، باصالة تشابه الازمان الماخوذة من سيرة عموم الناس على استنباط المعانى من الالفاظ القديمة ، بما يفهمونه بحسب مرتكزاتهم من غير نكير من بعضهم على بعض

ومنها الاطراد وعدمه وهو ان يوجد لفظ مستعمل فى مورد لمعنى لا يختص بمورده ويكون صحة استعمال اللفظ دائرة مدار ذلك المعنى وجودا وعدما ، بلا رعاية علاقة ولا اعمال عناية وهو المعنى من قولهم من غير تاويل ، او على وجه الحقيقة ، فان تحقق هذا النحو من الاستعمال فى اللفظ كان ذلك علامة كونه حقيقة فى ذلك المعنى العام ، الذى يدور مداره الاستعمال ، كعالم فانا نجد اطلاقه على زيد لتلبسه بصفة العلمية ، كما انا نجد استعماله بارتكازياتنا لم يكن عن تاويل ، بل يستفاد المعنى من اللفظ من حاقه وحينئذ ، فيستدل بمثل هذا على ان لفظ العالم حقيقة فى المتلبس بالعلم اى متلبس كان وهذا بخلاف استعمال اسأل القرية فانا نجد حسن الاستعمال مختصا بمورده ، لا يتجاوز الى قولك اسأل الجدار فمثل هذا يكشف عن مجازية اللفظ فى مورد استعماله.

ثم انه لا يخفى عليك ان شبهة الدور المزبورة واردة هنا ايضا ، والجواب عنها واحد ، وربما يمنع تاتى التفصى عن الدور هنا بما ذكر ثمة نظرا الى «انه مع العلم بكون الاستعمال على نحو الحقيقة

٥٥

لا يبقى مجال لاستعلام حال الاستعمال بالاطراد او بغيره».

وبعبارة اخرى ان ذكر الحقيقة وجعلها قيدا فى العلامة ومعتبرة يوجب سبق معرفتها تفصيلا على ذى العلامة ، اذ ما لم تستكمل القيود المعتبرة فى المعرف «بالكسر» وتستعلم باسرها على نحو التفصيل لا يتعرف به المعرف «بالفتح» ومن ثم بنوا على ان الفارق بين المعرف والمعرف هو الاجمال والتفصيل ، والاجمال فى جانب المعرف بالفتح والتفضيل فى جانب المعرف بالكسر ، فاذا كان اللازم فى استعمال الشىء تعرف تمام قيود العلامة على نحو التفصيل ، وكان من جملة قيودها نفس المعرف الذى هو ذو العلامة يجىء الدور ، فيقال معرفة الحقيقة على التفصيل موقوفة على علامتها التى هو الاطراد على وجه الحقيقة ، ولا تعرف هذه العلامة الا بعد معرفة تمام قيودها تفصيلا ، ومن جملة قيودها هى نفس الحقيقة ، فتوقفت معرفتها كذلك وهذا هو الدور المحال. هذا غاية ما يمكن ان يؤيد به كلام المانع.

ويمكن الجواب عنه بان قيد الماخوذ فى العلاقة هاهنا هو الحقيقة الملحوظة على سبيل الاجمال ، ويعبر عنها بالمرتكز الذهنى الذى يستعان به على معرفة اطراد اللفظ فى تمام موارد استعمالاته بمعنى واحد ، على نحو الاستناد الى حاق اللفظ ، ويكون هذا المقدار من الارتكاز الذهنى وسيلة الى الوقوف على معرفة المعنى تفصيلا ، فظهر بهذا بطلان ما ذكره من لزوم معرفة الاجزاء باسرها فى العلامة على وجه التفصيل ، لظهور ان المعرفة الاجمالية فى بعض القيود اذا كانت وافية بالغرض المقصود للمستعلم من تحصيل معرفة الحقيقة تفصيلا ، فلا داعى الى لزوم لحاظه تفصيلا.

«الامر الثامن» اختلقت كلمات الاصوليين فى مبحث تعارض الاحوال اللاحقة للفظ ، اذا تردد الامر فيه بين الاشتراك ، والاضمار ،

٥٦

والتخصيص ، والتجوز ، والنقل ، وأوردوا «لترجيح بعضها على بعض وجوها استحسانية ، لا اعتبار بها إلّا اذا كانت موجبة لظهور اللفظ فى المعنى ، لعدم مساعدة دليل على اعتبارها بدون ذلك كما لا يخفى» اذا العبرة بالظهور ومن ثم لو كان اللفظ حقيقة فى معنى وشك فى ارادة ذلك المعنى عند الاستعمال حمل اللفظ على ذلك المعنى ولا يعبأ التجوز ما لم تقم قرنية بينة عليه.

«القول فى الحقيقة الشرعية»

«الامر التاسع انه اختلفوا فى ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه على اقوال»

وقد عرفت آنفا ان الوضع على قسمين تعيينى وتعينى فهل الثابت على القول بثبوتها هو الاول او الثانى؟ وربما يستبعد الاول من حيث انه لم يعهد من النبى (ص) قيامه فى ملاء من الناس واعلامهم بانى وضعت هذه الالفاظ الكثيرة الدوران الى معانيها المعهودة ، ولو كان لبان.

نعم «دعوى الوضع التعينى» فيها قريبة جدا عند القائل بثبوتها ، وقد يقرب الاول ايضا «بان الوضع التعيينى كما يحصل بالتصريح بلسانه كذلك يحصل باستعمال اللفظ فى غير ما وضع له» بقصد تخصيص اللفظ به ، فيصح لمن يريد تسمية ولده باسم ان يصرح بالتسمية والجعل بان يقول سميته محمدا او يقول جئنى بولدى محمد مريدا به تسميته بهذا الاسم فانه لا ريب فى صحته وهو نحو من الوضع التعيينى.

لا يقال : هذا محال لانه مستلزم للجمع بين لحاظين متباينين ،

٥٧

وهما لحاظ الالية والاستقلالية فى اللفظ الموضوع ، وجه الملازمة ان استعماله فى المعنى لا يكون إلّا بالنظر الآلي ، وكون المقصود من ذلك وضع اللفظ للمعنى لا يكون إلّا بنظر استقلالى للفظ وبطلان اللازم بديهى.

لانه يقال : نعم فى المقام اجتماع لحاظين ، متباينين إلّا ان الملحوظ فى كل من اللحاظين غير الملحوظ باللحاظ فان الملحوظ آلة ، هو شخص اللفظ بالنسبة الى شخص المعنى ، والملحوظ استقلالا طبيعة اللفظ بالنسبة الى طبيعة المعنى ، فلم يجتمع فى موضوع واحد لحاظان متنافيان ، بل فى موضوعين ولا باس به كما لا يخفى.

فتلخص مما ذكرناه ان الحقيقة الشرعية بناء على ثبوتها يمكن تحققها فى مرحلة الخارج بكلا نحوى التعيين والتعين.

وبعد هذا نقول : ان القائل بها لا يسعه القول بها فى الالفاظ المتداولة فى لسان الشارع إلّا اذا لم يقم فيها احتمال وضعها لمعانيها فى الاعصار السالفة والشرائع السابقة ، واما مع قيام مثل هذا الاحتمال فيها كما يقتضيه غير واحد من الآيات فلا مجال ودعوى القطع بثبوتها على هذا التقدير مجازفة ، بل ليس معه الا الاحتمال ، فان الاحتمالات العقلية المتصورة فى المقام حينئذ لا تخرج عن واحد من ثلث ، اذ هذه المعانى القديمية ، ان كانت مسماة بهذه الاسماء من اول زمان اختراعها ، كانت الالفاظ حقايق لغوية ، لا شرعية نظرا الى كون واضعها اهل اللغة.

وان لم تكن مسماة بهذه الاسماء من سابق الزمان ، بل من زمان الشارع على لسانه ، كانت الالفاظ حقائق شرعية ، لان التسمية من الشارع وان كان المسمى بذاته ليس من مخترعاته ، فعلى هذا يحتاج فى دلالة الالفاظ على ما يزيد على تلك المعانى من الشرائط والاجزاء

٥٨

المستحدثة منه (ص) ، الى دال آخر اذ المسمى بناء على هذا الاحتمال الثانى ، معرى عن هذه الشرائط والاجزاء لا هو الحاوى لها ، فعليه فتسقط الثمرة المطلوبة للقائل بثبوت الحقيقة الشرعية اذ على كلا تقديرى الثبوت وعدمه ، لا بد من حمل اللفظ على معناه الموضوع له وهو هنا على الاحتمالين ليس إلّا المعنى القديم.

غاية ما فى الباب انه على فرض الاحتمال الاول يكون اللفظ حقيقة لغوية ، وعلى الثانى شرعية باعتبار ملاحظة حال الواضع ، وهذا المقدار من التغاير لم يكن محط نظرهم فى الاختلاف ، فى ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه ، لانه نزاع لفظى تابى عنه كلام الاعلام ، وما رتبوا عليه من الثمرة فى هذا المقام ، فلا بد وان يكون نظر القائل بثبوتها الى احتمال ثالث ، وهو ان تكون الالفاظ اسماء للمعانى المعهودة فى شرعنا الحاوية لتمام الاجزاء والشرائط المقررة فيها ، على ان يكون استفادة تلك الاجزاء والشرائط من حاق اللفظ لا من دال آخر وعليه فيتجه النزاع وتظهر الثمرة بين القولين إلّا ان هذا الاحتمال يفتقر تعيينه الى دليل وهو مفقود فى المقام.

ويمكن الانتصار للقول بثبوتها ، بان الدليل عليه موجود وهو تبادر المعانى الشرعية منها فى محاوراته «ص» واجيب عن ذلك بان هذا انما يتجه لو لم يحتمل وضعها قديما للمعانى «ومع هذا الاحتمال لا مجال لدعوى الوثوق فضلا عن القطع بكونها حقايق شرعية ، ولا لتوهم دلالة الوجوه التى ذكروها على ثبوتها لو سلم دلالتها على الثبوت لولاه».

وفيه ان التبادر جهة معتبرة يلغى به الاحتمالات المخالفة ، للمعنى المتبادر كما فى غير المقام فهو كالظهور اللفظى الذى لا يكاد يقدح معه احتمال الخلاف فمع تسليمه قده التبادر لو لا هذا الاحتمال

٥٩

كما اعترف به فى كلامه قده كيف يسوغ له انكاره مع صرف هذا الاحتمال.

لا يقال : لا منافاة بين تبادر المعنى الشرعى فى محاوراته ، وبين قدم المعنى اذ ربما يكون اللفظ حقيقة فى معنى من قديم الزمان ويبقى على حقيقته الى عصر الشارع ، فيستعمل فيه بلحاظ وضعه الاولى ولا يكون حينئذ حقيقة شرعية.

لانا نقول : كيف يكون ذلك المعنى شرعيا ولم يكن مخترعا فى زمان الشارع؟

فان قلت : انما صار شرعيا لانه كان مستحدثا فى الشرائع السابقة فنسب الى الشرع بتلك الجهة.

قلت اذن لم يكن النزاع بين مثبت الحقيقة الشرعية ونافيها الا لفظيا لتسالم الطرفين على تبادر المعنى الشرعى ، إلّا ان الاول يقول : بذلك بوضع جديد من الشارع ، والثانى يقول به بوضع سابق من الشرائع السابقة ، وحينئذ فلم يكن ثمرة على هذا الوجه بين القولين.

لا يقال : الثمرة تظهر بين القولين على القول بالاعم فى اسماء العبادات ، فمن قال بالحقيقة الشرعية وهو قائل بالاعم يلتزم بتبادر معنى حاو لبعض الاجزاء والشرائط الزائدة على معنى الدعاء الذى هو المعنى اللغوى مدعيا قدم تلك الزيادة فى السابق باقية الى عصرنا هذا ، فاستفادتها بناء عليه يكون من حاق اللفظ ، وعلى قول النافى من دال آخر وكفى بذلك ثمرة وفارقا بين القولين.

لانا نقول : مبنى الاشكال لم يكن على الاعمى حتى يتفصى عنه بما ذكر بل على الماتن قده الذاهب الى ان اسماء العبادات موضوعة للصحيحة فانه على هذا المبنى لا يسعه التفصى عنه بدعوى قدم هذا المعنى الشرعى الصحيح ، للقطع بان المعنى الصحيح من الصلاة ،

٦٠