تحرير الأصول - ج ١

آية الله الشيخ مرتضى النجفي المظاهري الإصبهاني

تحرير الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ مرتضى النجفي المظاهري الإصبهاني


المحقق: حمزة حمزوي
الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

ومما ذكرناه ينقدح لك وجه القول المنسوب الى المشهور فى تفصيلهم بين متحد العنوان الجزائى ، فاختاروا فيه القول بعدم التداخل مطلقا ، وبين مختلفه فاختاروا فيه القول بالتداخل مطلقا ، واما لو قلنا بأن تكثر المتعلق فى ناحية الجزاء تابع لتكثر الطلب المتعلق به فلا يتجه التفصيل المزبور ، بل يلزمهم القول بعدم التداخل فى مختلف العنوان ايضا بناء على جواز الاجتماع ، فلا ضير فى الحكم بالتداخل فكان ينبغى لهم التفصيل بحسب اختلاف النظر الواقع فى مسئلة اجتماع الامر والنهى ، وهم لم يفصلوا بذلك التفصيل ، فينبئ ذلك عن ان نظرهم فى التفصيل المذكور الى ما ذكرناه من الوجه ، وهو الأوجه فى النظر بل لا يكاد يتم الوجه الآخر بمقتضى الصناعة ايضا ، اذ الجملة الشرطية اذا كانت ظاهرة فى اطلاق الطلب الجزائى ، ولكن رعاية الخصوصية فى الشروط المتعددة ادى الى رفع اليد عن ظاهر الاطلاق ، فما الدليل على اعتبار خصوصية فى الطلب ، حتى يستتبع ذلك تعدد المتعلق ، فلم لا يكون الملحوظ الطلب على وجه الاهمال ، بل اعتبار الخصوصية الشخصية يحتاج الى قرينة تدل على ذلك ، وهى مفقودة ، فيجب بحكم العقل بعد التنزل عن الاطلاق ، ان يؤخذ بمقتضى الاهمال حتى يثبت رعاية الخصوصية فى الطلب ، ومعلوم ان مقتضى الاهمال فى الطلب ان يحكم بالتفصيل بين صورتى تخلل الامتثال ، فلا تداخل ، وعدمه فيتداخل ، لا القول بعدم التداخل مطلقا.

فان قلت : لا دليل على رفع اليد عن الطلب فى ناحية الجزاء ، فلم لا يرفع اليد عن ظهور الشرط فى اعتبار الخصوصية ، ويكون الشرط هو الجامع دون افراده الخاصة ، لا اقل من احتمال ذلك فلا يبقى مجال معه للحكم بلا بدية رفع اليد عن اطلاق الطلب فى ناحية الجزاء بل يحتمل الامران.

٤٠١

قلت : ظاهر الجملة الشرطية على ترتب الجزاء على المشروط ، فهو يرى تبعا للشرط وفى الرتبة المتأخرة عنه ، فيكون الجزاء فى دلالته على معناه الاطلاقى متفرعا على شرطه ، فإن لم يكن فى الشرط ما يدل على خلاف ظاهره الاطلاقى فقد تمت دلالته الاطلاقية ، ومعلوم ان الخصوصية الشرطية ، تقتضى التعدد فى ناحية الطلب الجزائى بناء على ان الجزاء هو الطلب ، لا متعلقه ، إلّا ان الشأن كله فى ذلك التعدد المعتبر فى ناحية الطلب الجزائى هل هو تعدد مرتبة او خصوصية؟ فان كان تعدد مرتبة لم يلزم فيه تعدد المتعلق ، بل يتأكد الطلب فى مورد الاجتماع بناء على امتناع اجتماع الامر والنهى ، واما بناء على جواز الاجتماع فيجتمع الحكمان من غير تأكد بخلافه على تعدد الخصوصية.

والحاصل ان اعتبار الاطلاق فى ناحية الجزاء ، لا يكون إلّا بعد تمامية مقدمات الحكمة ، وهى لا يكاد تتم بعد ظهور الجملة فى اعتبار الخصوصية فى الشرط ، اذ ظهور اعتبار الخصوصية فى الشرط ظهور تنجيزى ، وظهور الجزاء فى الاطلاق ظهور تعليقى ، والتأثير دائما ابدا يستند الى المقتضى التنجيزى دون التعليقى.

فالعمدة حينئذ فى تقريب الاستدلال للقوم بعدم التداخل فى متحد العنوان ، والقول بالتداخل فى متعددة ، هو ما ذكرناه من ادعاء الملازمة بين الشرط ومتعلق الحكم الجزائى ، لا بينه وبين الحكم الجزائى ، وهذا القول هو المختار عندنا.

وقيل : بالتفصيل بين ما يكون الشرط فيه متحد الجنس فيختار فيه التداخل وبين ما يكون فيه مختلف الجنس فيختار فيه عدم التداخل ، وعزى هذا التفصيل الى الحلى قدس‌سره صاحب السرائر (١) ولعله

__________________

(١) ـ كتاب السرائر : ٣٦٠.

٤٠٢

ناظر الى ان الشرط ليس إلّا الماهية المعتبرة بنحو صرف الوجود وهى ان تحققت بالمرة الاولى ترتب عليها الجزاء ولا يتكرر الجزاء بتكرر الشرط ، لانعزال الماهية بعد المرة الاولى عن التأثير ، فلا يترتب على الوجودات المتكررة تكرر الحكم الجزائى حتى يلزم فيه تعدد الامتثال.

نعم اذا كان الشرط مختلف الجنس يجب تكرر الجزاء بحسب تكرر الاجناس المختلفة ، لان كل جنس قد وقع شرطا لجزائه ، فكان يجب رعايته اذ كل شرط له تأثير فى ترتب الحكم الجزائى عليه ، فلو قال المولى ان ظاهرت فكفر ، وان افطرت فكفر وجب التكرار فى الكفارة لو جمع بين الظهار والافطار ، وهنا لا ينافى اعتبار الماهية فى ناحية الشرط صرف الوجود ، اذ اعتبار صرف الوجود فى كل شرط لا يقتضى الاجتزاء بكفارة الظهار عن كفارة الافطار ، وانما يقتضى الاجتزاء بالكفارة الواحدة عن تكررها لو كرر فى الافطار او فى الظهار.

فانقدح مما ذكرنا ان عمدة الوجه فى هذا التفصيل اعتبار طبيعة الشرط بنحو صرف الوجود ، وهذا ان تم كان لما ذكر من التفصيل وجه ، وفيه نظر اذ المنساق من اطلاق كل شرط يذكر فى الجملة الشرطية هو العلية وهى ظاهرة فى علية الطبيعة السارية فى تمام الافراد ، فكل فرد يوجد من افراد الطبيعة تتحقق العلة وهى تستتبع تحقق المعلول من غير فرق بين متحد الجنس ومختلفه فتأمل جيدا.

«تذنيب» : هل حكم العلل المختلفة فى قضايا متكثرة حكم الشروط المتعددة فى وجوب تكرر المعلول فيها على حسب تكرر العلة ، او يكون تلك العلل عللا لامر واحد فلا يلزم تكرره؟ احتمالان الظاهر هو الاول ، فلو قال : الشارع صل اربع ركعات نافلة بعد المغرب وذكر

٤٠٣

علة ، ثم امر ثانيا بصلاة ركعتين للوصية وعلل بعلة اخرى ، ثم امر ثالثا بصلاة الغفيلة وعلل علة ثالثة ، فهل يتداخل صلوتا الوصية والغفيلة مع نافلة المغرب حتى يجتزى فى اداء الوظائف كلها بأربع ركعات بعد المغرب ، او يفتقر العمل بالوظيفة الاستحبابية الى التكرر؟

اختار بعض متأخرى المتأخرين فى مصباحه القول بالتداخل (١) والذى يقوى فى النظر هو عدم التداخل ، لجريان المناط الذى ذكرناه فى الشرط بعينه فى هذا المقام فتأمل.

«فى مفهوم الوصف»

«فصل :» اختلفوا فى دلالة الوصف على انتفاء الحكم بانتفائه ، فقائل بالدلالة ، وقائل بعدمها ، وهو الاقرب ، لعدم انفهام ذلك منه ، سيما فى غير المعتمد منه على الموصوف ، وليس للخصم الا استشعار العلية منه ، وهو غير الظهور الذى عليه مدار اعتبار الدلالة كما لا يخفى ، على اولى الدراية ، وقد يكتنف الكلام بقرائن تقتضى الدلالة على ذلك كما فهم من قوله (ص) : اختلاف امتى رحمة ، حتى احتيج الى السؤال عن انه اذا كان اختلافهم رحمة فاتفاقهم عذاب؟ (٢) اذ خروج الكلام مخرج الرحمة والنقمة ، هو الذى ادى الى انفهام الانتفاء عند الانتفاء ، وربما يتفق غالبا مثل هذا الانفهام فى الاوصاف التى تذكر فى الحدود المبنية على ذكر القيود الاحترازية ، فالمدار حينئذ ليس إلّا على القرينة لا على ظهور الوصف فى نفى الحكم بانتفائه ، اذ لا ظهور له فى نفسه كما هو ظاهر لا اظن ان يخفى

__________________

(١) ـ كتاب الصلاة من مصباح الفقيه لمؤلفه العلامة الفقيه الهمدانى قده ص : ١٠.

(٢) ـ وسائل ج : ١٨ ابواب صفات القاضى باب : ١١ حديث : ١٠.

٤٠٤

عليك.

ثم انك عرفت فيما سبق ان اعتبار المفهوم فى موارد اعتباره ليس إلّا بالغاء جهة اضافة الحكم الى ذلك الذى يعتبر مفهومه مع المحافظة على بقية الخصوصيات ، فمن قال بمفهوم الوصف يلزمه المحافظة على خصوصيات الحكم غير خصوصية انتسابه الى الوصف ، فمفهوم الوصف فى قوله (ع) فى الغنم السائمة زكاة (١) ليس إلّا انتفاء الزكاة عن معلوفة الغنم لا عن معلوفة الا بل كما هو المغرى الى الشافعى فتدبر جيدا.

«فى مفهوم الغاية»

«فصل :» فى مفهوم الغاية ، وقد اختلفوا فيه على قولين ، وقد عرفت ان القول بالمفهوم يبتنى على ان يكون المغيى فى القضية سنخ الحكم لا شخصه ولم يثبت عندنا ذلك ، والمتيقن منها خروج ما بعد الغاية عن شخص الحكم ، وهل الغاية فيها قيد للموضوع او للمحمول ، او للحكم؟ احتمالات اقربها الاخير الا فيما قامت القرينة فيه على الخلاف كما فى غاية الاماكن ، نحو سر من البصرة الى الكوفة ، فان الغاية فى مثله لا تصلح ان تكون غاية لغير السير ، بخلافه فى قول الشارع ، لو قال : يجب الصيام الى الليل ، فانه يحتمل فيه انتهاء الصوم الواجب الى الليل ، فتكون الغاية حينئذ قيدا للموضوع ، كما يحتمل فيه انتهاء الوجوب الى الليل فتكون الغاية حينئذ قيدا للمحمول ، ويحتمل ثالثا ان تكون الغاية قيدا للحكم بانتساب الاتمام الى الصيام فتأمل.

__________________

(١) ـ عوالى اللئالى ج ١ ص : ٣٩٩ حديث : ٥٠.

٤٠٥

«فى مفهوم الاستثناء»

«فصل : لا شبهة فى دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم سلبا وايجابا بالمستثنى منه ، ولا يعم المستثنى ولذلك يكون الاستثناء من النفى اثباتا ، ومن الإثبات نفيا ، وذلك للانسباق عند الاطلاق قطعا» كما انه لا شبهة فى دلالته على الاخراج لا على تقيد المستثنى منه وتعنونه به كما هو كذلك فى باب الاطلاق والتقييد ، فان التقييد يقضى بتعنون المقيد بعنوان القيد ، فيخرج المطلق بالتقييد عن كونه تمام الموضوع ويصير جزء الموضوع ، فإن الرقبة قبل التقييد كانت تمام الموضوع للحكم بوجوب الاعتاق وبعد التقييد ، يصير تمام الموضوع ، الرقبة المؤمنة ، فيخرج الرقبة بذلك عن كونها تمام الموضوع ، فتصير جزءا من الموضوع وهذا بخلاف الاستثناء لكونه اخراجا ، والاخراج بمنزلة انفقاد ذلك الامر المخرج ، وهو لا يقتضى تعنون المخرج عنه بعنوان ، كما كان ذلك كذلك فى الاطلاق والتقييد ، وتظهر الثمرة فى صحة جريان الاستصحاب فى الرقبة المشكوكة ايمانها ، اذا كانت مسبوقة بالايمان ، فإن الموضوع قد احرز جزء منه بالوجدان والجزء الآخر بالاستصحاب ، ولا يصح جريانه فى باب الاستثناء ، فلو قيل : اكرم العلماء الا الفساق منهم وشك فى فسق زيد العالم لم يجز التمسك باستصحاب عدم فسقه لو كان مسبوقا بعدم الفسق ، اذ عدم الفسق لا ينقح اندراج زيد فى المستثنى منه ، إلّا بناء

٤٠٦

على اعتبار الاصل المثبت ، ولم يثبت اعتباره عندنا ودعوى ان اندراجه فيه لا يستدعى إلّا احراز عالميته وهو معلوم حسب الفرض ، مدفوعة جدا بأن التمسك بعالميته فى الحكم باندراجه فى مصاديق المستثنى منه ، تمسك بالعام فى الشبهة المصداقية ، وهو غير جائز على لتحقيق الذى عليه اهله.

فإن قلت : ان الوجه فى عدم جواز التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية ليس إلّا تعنون المستثنى منه بما عدا المستثنى ، فاذا لم يتعنون به كما هو المفروض ، فما المانع من التمسك بالعام فى المصداق المشكوك فسقه بعد احراز عالميته؟.

قلت : المانع من التمسك به لا ينحصر بما ذكرت كما توهمت ، بل هناك مانع آخر نذكره ونرسمه فى باب العموم والخصوص إن شاء الله تعالى فانتظر له.

ثم ان للحصر ادوات أخر لا يهمنا البحث عنها بعد ان كانت مذكورة فى الكفاية فراجعها فان فيها الكفاية ، واما مفهوم اللقب والعدد فلا سبيل الى القول به الا مع القرينة فتأمل جيدا.

«حول العام والخاص»

«المقصد الرابع فى العام والخاص :»

«فى تعريف العام واقسامه»

«فصل : قد عرف العام بتعاريف» والظاهر عدم الاحتياج اليها ، لانه لا يترتب عليها ما يترتب على تعريف غيره من الالفاظ المصطلحة بين الاصوليين ، من كون التعريف ضابطا لجزئيات محدوده وموجبا

٤٠٧

لمعرفة الافراد وتميزها عن ما عداها ، حيث ان معرفة الالفاظ الدالة عليه معلومة ومحصورة بنفسها ، من غير حاجة الى ضابط الجزئيات افراد محدوده ، ومع الشك فيها لا يجدينا بيان الضابط برفع الشك ، بل يبقى على حاله من الشك فى الافادة وعدم الافادة.

هذا كله مع وضوح معنى العام المتعارف عند الاصولى ، وحينئذ فلا حاجة ولا مقصود لهم الا بيان جامع بالنسبة الى الموارد المعلومة المحصورة ، وهو غير فائدة مهمة ، فيا ليتهم لم يتعرضوا لذكر هذه التعاريف التى لا فائدة فيها غير تضييع العمر الشريف ، فان لم تقنع بما ذكرناه فالعام يدل على استيعاب الافراد بخصوصياتها ، وهذا هو الفارق بينه وبين اعتبار الطبيعة سارية فى تمام الافراد ، لخروج الخصوصيات عن حيز اللحاظ فى الطبيعة السارية ، بخلافه فى العموم ، وتظهر الثمرة فيما لو نوى الامتثال بالخصوصية الفردية ، فعلى العموم يكون ممتثلا بخلافه على الطبيعة السارية ، فانه يكون مشرعا وممتثلا او غير ممتثل بناء على الخلاف فيه وتحقيقه فى محله.

ثم ان مختار الماتن قده ان اختلاف اقسام العام بالاستغراق والبدلية والمجموعية ، ناش من اختلاف كيفية تعلق الاحكام به ووافقه شيخنا الاستاذ دام ظله فى الاستغراقية وتاليه دون الاخير ، اذ العموم البدلى فى قبال الاستيعاب العرضى ، وهما عنده من المعانى الواقعية التى تكون فى عالم تصورها ، غير محتاجة الى تحقق شىء آخر من الجهات الخارجية من حكم او مصلحة او غير ذلك ، فاذا لوحظ الحكم فى الاستيعاب العرضى : انقسم الى قسمين استغراقى ومجموعى ، فيكون تقابل العموم البدلى للاستغراقى والمجموعى ، بلحاظ تقابله مع المقسم المنقسم اليهما لا بلحاظ تقابله معهما.

ثم ليعلم ان من جملة ادوات العموم كلمة كل وتمام وما شاكلهما ،

٤٠٨

وهى تدل على الاحاطة والشمول ولا يستفاد منها التكرار بحسب الوجود الا بمعونة القرائن المقامية ، ومن ثم تراها غير دالة على التكرار الوجودى فى مثل اكلت السمك كله ، ولا فى اكلت كل جزء من هذه السمكة ، بل الاول يراد منه استيعاب الطبيعة محضا بلا اعتبار تكرر فى الاكل ، كما انه فى الثانى يراد منه التكرار الاعتبارى قطعا ، نعم فى مثل قولك اكلت كل سمكة يراد منه التكرار الوجودى ، اى تكرر الاكل بحسب افراد السمك ، إلّا ان هذا المعنى ليس إلّا من خصوصية المثال لا بسبب الوضع ، وإلّا لكان اللفظ مشتركا وهو بعيد للغاية ، بل الظاهر ان اللفظ مشترك معنوى قد وضع لمعنى عام ، والظاهر ان معناه من سنخ المقادير التى يقدر بها الشىء ، فكلمة كل من قبيل النصف والربع من المقادير التى تلحق الشىء ، فاذا انتسب الحكم الى الشىء المحدود بواحد من تلك المقادير ، استفيد منه استيعاب الحكم لتمام المنسوب اليه المقدر بواحد منها نصفا كان او ربعا او كلا ، وليس مفاد كل معنى يغاير المقدار كما ربما يتوهم ذلك من كثير من العبائر ، ومن هنا يتبين ان دلالتها على العموم والإحاطة ، ليس إلّا بملاحظة ما عرفت من انتساب الحكم الى موضوعه القاضى بموافقته معه ، بلا زيارة ولا نقيصة ، وليست الاحاطة بما هى احاطة مدلولا لكلمة كل لا مفهومها ، لعدم تبادر المفهوم ، ولا مصداقها ، لان مصداق الاحاطة من سنخ الاضافات التى تحسب من المعانى الحرفية ، فلا تصلح ان تكون مدلولا للاسم الذى هو كلمة كل كما هو واضح.

ومن هنا ينقدح الاشكال فى تعريف العموم ، بأنه ما دل على الاحاطة ، لا دائه الى خروج مثل كلمة كل عن العموم ، لعدم وضعها للاحاطة التى هى من الاضافات والنسب التى هى من مداليل الحروف

٤٠٩

دون الاسماء ، ولو عممت الدلالة فى التعريف الى الدلالة الالتزامية كان ذلك اوقع فى الاشكال ، لان الدلالة الالتزامية مهجورة فى التعاريف فلا بد حينئذ من تعريف العموم بما يساوق مفاد كل ، حتى لا يلزم منه خروج كل ونحوها من ادوات العموم ، والامر سهل بعد ان كان المقصود فى امثال هذه التعاريف شرح الاسم ، لا بيان الحقيقة.

«فيما يمتاز به ادوات العموم بعضها عن بعض»

وانما المهم صرف النظر الى ما يمتاز به ادوات العموم بعضها عن بعض ، فنقول : وبالله تعالى نستعين ، فانه خير معين ، ان المتكثرات فى عالم الخارج ، تارة تلحظ منضمة بعضها الى بعض ، واخرى تكون معراة عن هذا اللحاظ ، فإن كانت ملحوظة بالانضمام ، كانت مفاد جميع ، فيكون مدلول جميع ، تمام الافراد الملحوظة بنحو الانضمام ، ومن ثم تراها لا تضاف الا الى الجماعة ، نحو جميع الناس ، ولا يقال : جميع انسان ، بخلاف كل ، فان مفادها تمام الافراد المعراة عن خصوصية الانضمام ، فلذا يصح اضافتها الى انسان ، على ان يكون المقصود من كلمة الانسان ، الطبيعة الانسانية الملغى فيها اعتبار الانضمام فيما ينطبق عليه من الافراد المتكثرة ، فيكون مفاد ، كل اعم موردا من مفاد ، جميع ، كما ان مفاد ، اى ، اوسع دائرة من كل ، لجواز استعمالها فى العموم البدلى ، فتقول : اكرم رجلا اى رجل ، ولا يجوز استعمال الكل فيه ، بل لا بد من استعمالها فى العموم الشمولى خاصة ، ولا يجوز استعمالها فى العموم البدلى.

واما الفرق بين كلمتى «الجميع والمجموع» ، فهو الذى تراه بوجد انك من الفرق بينهما ، بتبادر العموم الاستغراقى فى الكلمة

٤١٠

الاولى ، والعموم المجموعى فى الكلمة الثانية ، وسر الفرق بذلك ان كلمة «جميع» من الصفات المشبهة التى هى بمنزلة اسم الفاعل تدل على تلبس الذات بالمبدإ من قبل الذات نفسها ، فان ضاربا يدل على تلبس الذات بالضرب من قبل نفسه ، فيكون تلبس الذات فى مدلول «جميع» بالاستيعاب من قبل الذات نفسها ، فيلغى فيها اعتبار الاستيعاب من قبل الغير الذى هو الحكم او المصلحة ، كما هو معتبر فى مدلول كلمة «مجموع» اذ هذه الكلمة ككلمة مضروب تدل على تلبس الذات بالمبدإ من قبل الغير ، فيكون استفادة الاستيعاب فى كلمة «مجموع» بملاحظة طرو الاستيعاب على الذات ، بملاحظة التكثر فى الافراد المندرجة تحت جامع واحد ، غير ملاحظة الانضمام الذاتى القائم فى نفس مدلول الكلمة ، بل بملاحظة وحدتها فى الحكم الخارج عن المدلول ، والامر سهل بعد وضوح الفرق بينهما بحسب التبادر والانسباق الذهنى.

«فيما يفيد العموم بالوضع او بالاطلاق»

«فصل :» للعموم صيغة تخصه ككل وما يراد فها من الالفاظ المختصة بالعموم وضعا ، واستعمالها فى الخصوص بالقرينة فى بعض المقامات ، غير ضائر لانه مجاز وبابه واسع ، وهل النكرة الواقعة فى سياق النفى او النهى من تلك الالفاظ المختصة بالعموم وضعا او لا وانما يستفاد العموم منها بالاطلاق وبمقدمات الحكمة؟ الاقرب هو الاول للتبادر الذى هو المعيار فى استعلام الاوضاع ، المعانى الحقيقية فتأمل.

والذى قواه شيخنا الاستاذ فى بحثه هو الثانى ، قال : لان مفاد

٤١١

النكرة ليس إلّا المعنى الاطلاقى ، والمختار فى المطلق هو ما يختاره سلطان العلماء ، من كونه موضوعا للطبيعة المهملة التى تقبل التقييد والاطلاق ، ومعلوم ان انتفاء المعنى الاهمالى لا يستفاد منه الا انتفاء الطبيعة فى الجملة على وجه يحتمل انتفائها بانتفاء المعنى المساوق للتقييد ، او المعنى المساوق للاطلاق ، فيفتقر الدلالة على المعنى الثانى ، الى قرينة حالية او مقالية.

نعم لو بنينا فى المطلق على انه موضوع للمعنى الاطلاقى كما عليه المشهور ، كان للقول بالدلالة العمومية هنا وضعا مجال ، إلّا انه خلاف التحقيق كما ستعرفه إن شاء الله تعالى فى باب المطلق والمقيد.

واما المفرد المحلى باللام ، فقد قيل : بأنه يدل على العموم بالوضع ، والأقرب خلافه ، لعدم التبادر ، ومن ثم تجد استعماله بغير معنى العموم ، غير محتاج فيه الى علاقة ، او رعاية عناية ، وليس فيه خروج عن ظاهر اللفظ.

واما الجمع المحلى باللام ، فيقوى فيه الدلالة على العموم بالوضع لا بالقرينة ومقدمات الحكمة ، والحجة على ذلك بعد التبادر ، قول أئمة اللغة والعربية ، على ما حكى عنهم ، فان كلامهم متبع فى الاوضاع اللغوية ، والذى يظهر من شيخنا الاستاذ ، بل صريح كلامه فى مجلس البحث ، هو منع دلالته الوضعية على العموم ، وفيه اشكال بل منع والله اعلم.

٤١٢

«فى حجية العام المخصص»

«فصل :» العام حجة فيما بقى من افراده بعد خروج الخارج منه بنحو التقييد والتخصيص ، فمن الاول ما كان بنحو التوصيف نحو اكرم العلماء العدول ، ومن الثانى ما كان بنحو الاستثناء ، والاخراج نحو اكرم العلماء الا الفساق منهم ، والفرق ان الاول يتغير به العنوان السابق على التوصيف ، فان العالم قبل التوصيف كان تمام الموضوع وبعده يكون جزء الموضوع ، وهذا بخلاف الاستثناء ، فان العالم باق على ما كان عليه ، من انه تمام الموضوع من غير ان يكون للاستثناء جهة تأثير فى تغيير عنوانه ، وعليه يبتنى الاشكال :

بأن مقتضى الاستثناء اجتماع الحكمين المتناقضين على الفرد الخارج فلو قال القائل : جاء القوم الا زيدا ، كان زيد محكوما بالمجيء وعدمه ، وهذا تناقض.

ويدفعه : ان ظاهر العام وان كان قاضيا باندراج الأفراد كلها تحت العام وصيرورتها محكومة بحكمه ، إلّا ان ذلك على جهة الاقتضاء منوط بعدم منع المانع ، والاستثناء مانع وهو انما يمنع عن اندراج خصوص الخارج لا غيره ، فيبقى غيره على اقتضاء الظهور الوضعى مستقرا بالنسبة الى بقية الافراد ويكون حجة فيها ، فوزان اللفظ فى دلالته على الافراد ، وزان المرآة الحاكية عن متكثرات ، فانها بطبعها ولحاظ نفسها ، تقتضى الحكاية عن جميع المتكثرات ما لم يمنع عن الحكاية مانع ، فاذا حصل مانع كان ذلك مانعا عن الحكاية بمقدار منعه ، فيبقى البقية على ما تقتضيه طبيعة المرآة فى

٤١٣

حكايتها لها.

واما الجواب عن الاشكال ، بأن الاستثناء ، ان كان متصلا ، فهو انما يقتضى تضييقا فى دائرة المدخول ، ويكون الاستغراق على حسب تضييق المدخول ، فلم تخرج الاداة عن وضعها المقرر لها فى استيعاب تمام افراد ما يراد من مدخولها ، وان كان منفصلا ، كان ذلك تضييقا فى حجية العام ، وان كان الاستعمال اوسع دائرة من الحجية.

ففيه : ان التضييق يبتنى على ان يكون وزان الاستثناء وزان التقييد ، وقد عرفت الفرق بينهما كما ان التضييق من حيث الحجية بدون الاستعمال مما يأباه العرف فى محاوراتهم ، فهو مستبعد جدا.

واجيب عن الاشكال بأن الباقى اقرب المجازات. وفيه ان ذلك يبتنى على ان يكون للاستثناء قرينة فى خروج الخارج ودخول البقية وهو محل نظر بل منع كما لا يخفى.

بقى شىء وهو ان المدار الحجية فى باب الالفاظ ، على الظهور المستقر المنعقد للكلام المسكوت عليه فى مقام البيان ، كما جرى عليه بناء العقلاء فأنهم بنوا على اتباع الظهور التصديقى ، اى الظهور المقرون بظهور حال المتكلم فى بيان مرامه ومراده ، لا مطلق الظهور الاعم من ذلك ، ومما لم يكن المتكلم فى ذلك الحال ، كالكلام الصادر منه فى حالتى الغفلة والنوم مثلا ، ولا يشترط فى اعتبار الظهور ، احتفاف الكلام بما يوجب الظن الشخصى بالمراد ، ولا تجرده عما يوجب الظن على الخلاف ، بل مجرد الظهور وكونه فى مقام البيان ، كاف فى الحجية وان لم يتحقق فيه الامران ، لاستقرار البناء عليه كذلك ، كما انه لا يشترط فى حجية الظهور اللفظى ، استعمال اللفظ فى المعنى ، بالمعنى الذى عرفته فى بحث المشترك الذى هو فناء اللفظ فى معناه على وجه ، يكون تعلق اللحاظ باللفظ آليا باللحاظ الحرفى ، بل

٤١٤

لو جيء باللفظ دليلا على المعنى بنحو دلالة العلامة على ذيها ، كان ذلك اللفظ حجة على المخاطب فى لزوم رعايته والحركة على طبقه ، فكان دائرة حجيته اوسع من دائرة الاستعمال وعليه فلا داعى لارتكاب الفرق فى هذا المقام ، بين الارادة الاستعمالية والارادة الجدية ، كما بنى عليه الماتن فى الكفاية ، ولا لارتكاب المجازية فى الباقى كما بنى عليه شيخنا العلامة على ما حكى عنه بعض افاضل مقررى بحثه (١) اذ ذلك انما هو مبنى على التلازم بين الظهور والاستعمال ، وهو اى التلازم ، مما لم يقم عليه دليل بينة ، ولا برهان نيرة فلا تغفل.

«فى تخصيص العام بمخصص مجمل متصل»

«فصل :» اذا تخصص العام بمخصص مجمل ، فان دار امره بين الاقل والاكثر ، وكان التخصيص بالمتصل ، فقد سقط العام عن الاعتبار بالنسبة الى خصوص المشتبه ولم يكن حجة فيه ، وكذا ان دار امره بين المتباينين ، وربما يتخيل الفرق بين القسمين فيحكم بسقوطه عن الاعتبار فى الاول دون الثانى ، وبيانه مع توضيح بالمثال ، ان نفرض لفظ زيد موضوع لزيد بن عمرو وزيد بن خالد كل منهما بوضع مستقل ، ووضع ثالثا لهما معا بوضع مستقل ، فكان لفظ زيد بهذا الوضع الاخير بمنزلة لفظة التثنية يدل على متعدد ، فلو قيل : اكرم العلماء الا زيدا جاء فى الخارج احتمالات ثلث ، احتمال خروج زيد بن عمرو خاصة ، واحتمال خروج الآخر كذلك ، واحتمال خروجهما معا ، فيكون خروج احدهما يقينيا ، وان لم يكن معلوم العنوان تفصيلا ،

__________________

(١) ـ مطارح الانظار : ١٩٢.

٤١٥

إلّا انه بعنوانه الاجمالى متيقن الخروج ، فيسقط اعتبار العام بالنسبة الى المشكوك كسقوط اعتباره بالنسبة الى المعلوم ، اذ خروج المشكوك لم يكن بتخصيص زائدا على واحد ، بل التخصيص الواحد الذى يعطيه الاستثناء المذكور فى الكلام يتكفل اخراجهما معا لو كانا خارجين ، فخروج الزائد على الواحد ، تخصيص محتمل ناش من اجمال لفظ زيد المحتمل على واحد او اثنين ، وهذا بخلاف المتباينين كما فى مفروض المثال لو لم يكن هناك وضع ثالث وتردد الخارج فيه بين احد الزيدين ، فان الزائد على المتيقن خروجه من احدهما لو كان خارجا فانما هو خارج بتخصيص آخر واستثناء مستقل ، وهو امر محتمل منفى بأصالة العموم ، وذلك الواحد المحتمل خروجه ، وان لم يكن معلوما بعنوانه التفصيلى ، إلّا انه معلوم بعنوانه الاجمالى ، وهو احدهما فيكون العام حينئذ حجة فى احدهما دون الآخر المتيقن خروجه بعنوانه الاجمالى.

فإن قلت : لا يكاد تظهر الثمرة فى القول باعتبار العموم بالنسبة الى ذلك الغير المعلوم تفصيلا ، لعدم امتيازه فى الخارج ، حتى يلزم على المكلف مراعاة التكليف فيه بوجوب اكرامه بمقتضى العموم.

قلت : تظهر الثمرة فيه فى مورد العلم الاجمالى لو اشتبه الحال فيه وتردد زيد فى عالم الخارج بين زيد بن عمرو وابن خالد ، فانه يجب حينئذ مراعاة التكليف المعلوم بالاجمال ، ولا يخرج عن العهدة الا بإكرامهما معا ، لو قيل : باعتبار اصالة العموم بالنسبة الى المشكوك ، دون المعلوم خروجه ، ولا يجب ذلك لو قيل : بعدم اعتباره فيه ، كما فى المعلوم خروجه هذا.

ولكن دقيق النظر قاض بمساواة القسمين ، واشتراكهما فى عدم الاعتبار ، من غير فرق بين صورتى دوران الخارج بين المتباينين

٤١٦

او بين الاقل والاكثر ، لظهور ان العام لا يكون حجة إلّا باعتبار حكايته لما يندرج تحته من الافراد بعناوينها التفصيلية ، دون الاجمالية ، فالملحوظ فى العام ليس إلّا ذوات الافراد واشخاصها ، دون طوريه من العناوين ، فاذا جاء التخصيص فقد اختل ذلك الظهور وانسد باب تلك الحكاية ، فلم يبق فيه ملاك الحجية بالنسبة الى الفرد المشكوك.

وان شئت قلت ان اعتبار العام تابع الطريقة المألوفة بين ارباب المحاورة والتفاهم العرفى ، المستقر عليه بناء العقلاء ، وهو انما يقضى بحجية العام فيما يحكيه من اشخاص الافراد بخصوصياتها الشخصية ، دون ما لها من سائر العناوين ولا اقل من الشك فى اعتباره من ذلك الوجه ، وهو كاف فى سقوط اعتباره بالنسبة الى المشكوك ، فيشترك حكمه مع العام المخصص بمجمل مردد بين المتباينين ، ولا فرق فى ذلك فيهما بين الشبهة المفهومية والمصداقية هذا ملخص الكلام فيما يكون المخصص متصلا.

«فى تخصيص العام بمخصص مجمل منفصل»

واما اذا كان منفصلا ، فان دار بين الاقل والاكثر ، فى الشبهة المفهومية ، كان المتيقن خروجه معلوم التخصيص ، وما عداه محكوم بحكم العام ، اذ هو حجة فى جميع افراده ، الا الفرد المعلوم خروجه ، وبهذا يفترق المقام عن المخصص المتصل ، لاختلال الظهور فيه دون المقام ، فكان العام حجة فيما له من الظهور الشامل لما يحتمل خروجه من غير المتيقن خروجه بالتخصيص.

نعم اذا كان المخصص دائرا بين المتباينين فى الشبهة المفهومية ، سقط اعتبار العام فى كل منهما ، اذ الواحد المردد بينهما لما علم

٤١٧

خروجه عن حكم العام ، فقد سقط اعتباره فيه ، وحيث لم يعلم ذلك الخارج وتردد الامر فيه بين فردين متباينين ، ولم يكن اندراج احدهما بعينه فى العام ، وخروج الآخر اولى من العكس ، كان العام ملغى الاعتبار فى كل منهما ، وكان المرجع فيهما الاصول العملية دون العموم.

«منشأ القولين فى التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية»

واذا دار الامر بين الاقل والاكثر فى الشبهة المصداقية ، فهل يجوز التمسك بالعام فى المصداق المشتبه المحتمل خروجه منه او لا؟ فيه خلاف ، وقبل الخوض فى تحقيق الحق وبيان المختار فى هذه المسألة ، لا بد من التنبيه على مقدار اعتبار العام فنقول وبالله نستعين : لو ورد اكرم العلماء ، ثم ورد فى دليل آخر لا تكرم النحويين منهم ، واشتبه الحال فى زيد العالم ، هل هو من النحويين او من غيرهم؟ فقد يتمسك بالعموم للحكم بوجوب اكرامه نظرا الى ان اندراجه فى العلماء قطعى ، وخروجه عن حكمهم لكونه نحويا غير معلوم ، فيكون ذلك شكا فى التخصيص زائدا على ما يعلم تخصيصه من معلوم الخروج ، فيرجع فيه الى اصالة العموم القاضية بوجوب اكرامه.

لا يقال : الشك المتعلق بزيد تارة يكون من جهة الشبهة الحكمية ، واخرى من جهة الشبهة الموضوعة ، فأما الجهة الاولى ، فذلك الشك الناشى من جهة احتمال مطابقة الحكم العمومى للواقع وعدم مطابقته له ، واما الجهة الثانية فذلك الشك الناشى من جهة تردد الحال فى زيد ، هل هو من النحويين او من غيرهم ، واصالة العموم انما ترفع الشك من الجهة الاولى دون الثانية ، والوجه فيه ان وظيفة الشرع ، ليس

٤١٨

إلّا بيان الحكم دون الموضوع وانما على المكلف تشخيص موضوع التكليف ، فيكون العام من حيثية الموضوع مسكوتا عنه ، ويبقى زيد على اجماله مردد الحال بين كونه نحويا او غيره ، فلا يكون العام دليلا ، على انه غير نحوى حتى يجب اكرامه.

لانه يقال : لا يلزم احراز كونه غير نحوى فى الحكم بوجوب اكرامه ، بل عالميته كافية فى اندراجه فى مصاديق العام ، المفروض انحصار عنوانه فى العالمية ، وزيد عالم حسب الفرض فيجب اكرامه ، فان العام حجة فى جميع ما يندرج فيه وكان يصدق عليه عنوانه ، والمفروض ان المصداق المشتبه المتحمل اندراجه فى المخصص ، معلوم الاندراج فى عنوان العام ، فيجرى عليه حكمه حتى تقوم الحجة على الخلاف ، وهى لم تقم إلّا بالنسبة الى من علم خروجه ، ممن ثبتت نحويته بعلم او علمى ، وليس زيد كذلك.

ولئن سلم اعتبار احراز كونه غير نحوى ، قلنا : يمكن احراز ذلك فى زيد بأصالة العموم ، وظهور العام فى استيعاب حكمه لجميع ما يندرج تحته من الافراد ، وهو يستلزم ان لا يكون زيد نحويا ، فيكون قد احرز فى زيد كونه غير نحوى بأمارية الظهور الذى هو حجة فى اثبات اللوازم ، وقولك : ان الشارع ليس من وظيفته الا بيان الاحكام دون الموضوعات. مندفع بأن الشارع له جعل الا مادة معتبرة فى تشخيص الموضوعات ، كما نراه اعتبر البينة واليد والسوق ، دليلا على تشخيص الموضوع ، فليكن الظهور من قبيل تلك الامارة ، فلو بنى على اعتبار الظهور وجرى عليه بناء العقلاء فى اتباعه لرفع الشبهة من كلتا الجهتين ، لم يكن فيما ذكره المعترض ما يمنع اعتباره من الجهة الثانية ، إلّا ان الشأن كله فى تنقيح هذه الجهة من اعتبار الظهور ، وستسمع الكلام فيه انشأ الله تعالى.

٤١٩

والى هذا نظر القائل بجواز التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية ، وتحصل منه ان نظره فى ذلك الى احد امرين ، اما اعتبار العام فى غير ما يعلم خروجه من افراد الخاص فيندرج فيه المشكوك ، واما اعتباره فى غير عنوان الخاص ، وقد احرزت الغيرية بامارية ظهور العام على ما عرفت ، وليس لخصمه الا منع اعتباره من الوجهين ، اما منع اعتباره من الوجه الثانى ، فلعله لم يثبت عنده بناء من العقلاء ، على اتباع الظهور واما ريته ، على ان زيدا غير نحوى حتى يجب اكرامه ، واما منع اعتباره من الوجه الاول ، فلانه من المحقق فى غير المقام ان الالفاظ موضوعة للمعانى النفس الامرية ، فدليل الخاص يكون حجة على خروج من كان نحويا فى الواقع ونفس الامر علم به المكلف او لم يعلم به ، فهو يوجب قصر الحجية فى العام على ما عدا الخاص ، فيكون المتبع من ظهور العام فى المثال المذكور ، هو العالم الغير النحوى ، ولم يحرز هذا العنوان فى زيد المشكوك نحويته ، فيسقط اعتبار العام فيه.

ولا ينتقض ذلك بالشبهة المفهومية المرددة بين الاقل والاكثر التى قد عرفت انحصار الخارج فيها بالمتيقن خروجه واعتبار العام فيها بالنسبة الى المشكوك.

للفرق الواضح بينها وبين المقام ، اذ الخاص فيها حجة فى المتيقن خروجه دون غيره ، لاجماله ، بخلافه فى المقام لتبين مفهومه حسب الفرض ، فالخاص يكون حجة فى مفهومه ، وان تردد مصداقه بين الاقل والاكثر.

ولا يذهب عليك ان المراد من الحجة فى محل البحث ، ما يندفع بها احتمال الخلاف تعبدا ، لا مصحح العقوبة ، كما فى باب البراءة والاحتياط ، ومن ثم ترى القوم يقولون بالبراءة فى الشبهات

٤٢٠