تحرير الأصول - ج ١

آية الله الشيخ مرتضى النجفي المظاهري الإصبهاني

تحرير الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ مرتضى النجفي المظاهري الإصبهاني


المحقق: حمزة حمزوي
الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

بين الشرط والجزاء ، ونحن نقول : انها تدل على امرين على الملازمة كما قاله الماتن قده ، وعلى الترتب ايضا علاوة على الملازمة ، والشاهد على ذلك فهم العرف ولا اظن بالماتن قده ولا غيره انكار الدلالة على ذلك ، وان لم يقع التصريح به فى عبارته هنا ، إلّا انه يعترف فى غير المقام هو وغيره بأن الجملة الشرطية لها دلالة على اناطة الجزاء بالشرط ، وهو بعينه الترتب الذى نقوله.

«فى ذكر وجوه التمسك بالاطلاق فى الباب»

اذا عرفت ذلك فنقول وبالله نستعين قد ذكر للتمسك بالاطلاق وجوه :

«منها :» اطلاق الملازمة فان الملازمة ذات مراتب كالطلب وهى تختلف بحسب الملزومات قلة وكثرة وسعة وضيقا ، فلو كان للازم الواحد ملزومات كثيرة ، كانت الملازمة بمرتبة غيرها لو كانت له ملزومات قليلة وظاهر الاطلاق يقتضى انحصار تمام المراتب المفروضة ، لتلك الملازمة فى خصوص تلك الملازمة الواقعة بين شخص ذلك الجزاء والشرط ، ومعلوم انه يلزم من ذلك انحصار الملزوم فى ذلك الشرط المذكور ، فى تلك الجملة ، فاذا انتفى ذلك الملزوم المساوى انتفى ذلك الجزاء المساوى له ، وبهذا البيان يظهر لك اندفاع الاشكال فى التمسك باطلاق الملازمة بما ذكره الماتن قده من ان انحاء اللزوم والترتب كلها محتاجة الى بيان ، فلا يكون فى عدم بيان نحو خاص دلالة على الانحصار.

وتوضيح المقال بأن يقال ، فى اندفاع الاشكال : ان المحتاج الى البيان الخصوصية الخاصة من مرتبة اللزوم واما المرتبة الوافية

٣٨١

بتمام المراتب ، فانما يدل عليها عناية البيان فى مقام التعبير والكلام ، بل ترك البيان وعدم التعرض لخصوصية المرتبة النازلة من تلك الملازمة ، دليل على ان المتكلم قد اراد المرتبة العليا منها نظير الطلب اذا ذكر بصيغته مع التجرد عن بيان حد من حدوده ، فانه يستدل باطلاقه على ان المتكلم طالب بتمام مراتب الطلب ، وهذا معنى مساوق للوجوب ، واما الاشكال فى ذلك بأن دلالة الهيئة الشرطية على الملازمة بنحو الدلالة الحرفية ، والمعنى الحرفى لا يقبل الاطلاق والتقييد ، لكونه ملحوظا آلة وتبعا للغير ، والاطلاق والتقييد يستدعيان الاستقلال فى اللحاظ ، فقد عرفت الجواب عنه آنفا بما لا مزيد عليه ، وتبين لك ان الاطلاق والتقييد يعتبران فى المعنى قبل الاستعمال آليا على ذلك المعنى الملحوظ مطلقا او مقيدا وهذا جائز لا محذور فيه اصلا كما لا يخفى.

«ومنها :» اطلاق الشرط «بتقريب انه لو لم يكن بمنحصر يلزم تقييده ، ضرورة انه لو قارنه او سبقه الآخر لما اثر وحده وقضية اطلاقه انه يؤثر كذلك مطلقا ، وفيه» اولا «انه لا يكاد تنكر الدلالة على المفهوم مع اطلاقه كذلك ، إلّا انه من المعلوم ندرة تحققه لو لم نقل بعدم اتفاقه.»

وثانيا : انه من الجائز ان يكون للجزاء علتان متضادتان فى عالم الوجود ، مثلا تأثر الحاسة يتسبب عن الحرارة والبرودة ، وهما لا يجتمعان فى شيء واحد ، وفى هذا الفرض يصح اسناد التأثر الى احدى العلتين على نحو الاطلاق فيقال : ان الحرارة اذا ماست الحاسة تأثرت الحاسة بتلك الحرارة مطلقا ، ولا يصح القول بانتفاء التأثر عند انتفاء ملامسة الحرارة ، لانه يجوز حصول التأثر من ملامسة البرودة.

«ومنها :» اطلاق الجزاء بتقريب ان الجزاء بإطلاقه يدل على انه

٣٨٢

حيثما يوجد ويتحقق تأثر الحاسة فلا يكون ذلك التأثر الا من الحرارة ، اذا كان الشرط فى الجملة هو حصول الحرارة ، فإن مثل هذا الجزاء يدل على انتفاء التأثر بغير الحرارة وهو بعينه المفهوم المدعى.

ويرد عليه الايراد الاول المذكور فى تقريب اطلاق الشرط ، ولا يرد عليه الايراد الثانى ، بل قد يقال : بعدم تمامية هذا التمسك بالاطلاق فى ناحية الجزاء اصلا ، اذ المفروض ان الحكم الجزائى قد ذكر معلقا على شرطه ، فلا يدل الا على انه اذا اتفق وجود الحرارة وملامستها للحاسة تتأثر الحاسة به ، وليس فيه دلالة على انه مهما يتحقق التأثر بالحاسة يكون استناده الى الحرارة حتى يدل ذلك على المفهوم كما هو ظاهر.

و «منها :» اطلاق الشرط بتقريب آخر غير ما ذكر سابقا ، فان الجزاء لو لم ينحصر شرطه فى خصوص الشرط المذكور فى القضية ، لافتقر الكلام الى زيادة كلمة «او» لكى تنضم الى الشرط المذكور فتجرد الكلام عنها دليل على انحصار الشرط فى ذلك الشرط المذكور فى الكلام ، فلو قال المولى : ان جاءك زيد فأكرمه ، فلو لم تكن العلة فى وجوب اكرامه منحصرة فى المجيء لقال المولى مثلا : ان جاءك زيد او سلم عليك فأكرمه ، فحيث لم يقيد الشرط بهذا التقييد ولم يضم اليه هذه الضميمة ، دل ظاهر الكلام بإطلاقه على انحصار العلة فى المجيء.

واجاب الماتن قده عنه فى الكفاية بأن تعدد الشرط واتحاده ، لا يوجب اختلافا فى ناحية الشرط ، فإن الشرط «واحدا كان او متعددا كان نحوه واحدا ودخله فى الشرط بنحو واحد ، لا يتفاوت الحال فيه ثبوتا كى يتفاوت عند الاطلاق اثباتا ، وكان الاطلاق مثبتا لنحو لا يكون له عدل ، لاحتياج ما له العدل الى زيادة مئونة وهو ذكره

٣٨٣

بمثل «او كذا» واحتياج ما اذا كان الشرط متعددا الى ذلك ، انما يكون لبيان التعدد لا لبيان نحو الشرطية فنسبة اطلاق الشرط اليه لا يختلف ، كان هناك شرط آخر ام لا ، حيث كان مسوقا لبيان شرطيته بلا اهمال ولا اجمال بخلاف اطلاق الامر ، فانه لو لم يكن لبيان خصوص الوجوب النفسى ، فلا محالة يكون فى مقام الاهمال او الاجمال تأمل تعرف.»

ويمكن الذب عن ذلك بأن الشرط اذا لم يكن له عديل مثله كان الجزاء ينتفى بانتفائه مطلقا ، كان غيره موجودا لو لم يكن موجودا ، ففى المثال المتقدم يكون انتفاء المجيء يترتب عليه انتفاء وجوب الاكرام ، سواء كان انتفاء المجيء مقارنا لانتفاء السلام او لا ، فانتفاء المجيء المقارن لعدم السلام ، وانتفاء المقارن لوجود السلام ، سيان فى ترتب انتفاء الوجوب ، فيكون المجيء على هذا بجميع حدود وجوده شرطا لذلك الجزاء كما يقتضيه ظاهر الاطلاق ، واما اذا كان للشرط عديل يشاركه فى الشرطية ، فانما ينتفى الجزاء بانتفائه فى الجملة لا مطلقا ، وذلك فى الانتفاء المقارن ، لعدم ذلك العديل لا مع وجوده ، فلا يكون للشرط بتمام حدود وجوده دخالة فى الشرطية ، وهذا خلاف ظاهر الاطلاق ، ومحصله ان فرض وجود العديل يمنع استناد التأثير الى خصوصية الشرط ، بل الى الجامع وهو مناف لظاهر القضية المشتملة على التعليق بالشرط بما له من الخصوصية الشخصية.

فتحصل من جميع ما تقدم ان الصحيح من هذه الوجوه الاربعة ، هو الاول والوجه الرابع ، والسقيم منها هو الوجه الثانى والثالث تأمل لعلك تعرف إن شاء الله تعالى.

وقد استدل بعض من منكرى المفهوم بأية التحصن «لا تكرهوا فتياتكم على البغاء ان اردن تحصنا» (١) لما هو المعلوم بالضرورة من

__________________

(١) ـ النور : ٣٣.

٣٨٤

حرمة الاكراه على البغاء فى غير حال ارادة التحصن.

واجيب عنه : بوجوه امتنها ما قيل من خروج الآية لبيان تحقق الموضوع ، اذ الاكراه على الزنا والبغاء لا يكون إلّا عند ارادة التحصن ، فعند عدم ارادته يستحيل تحقق الاكراه حتى يترتب عليه الحكم بالحرمة ، فانتفاء حرمة الاكراه عند عدم ارادة التحصن ، انما هو لعدم موضوع الحرمة الذى هو الاكراه وانتفاء الحرمة لذلك ليس منافيا للضرورة ، لوضوح ان كل حكم من الاحكام يستدعى موضوعا يثبت له ذلك الحكم ، فهو من قبيل العرض الذى لا يوجد إلّا فى موضوع فمع عدم الموضوع وانتفائه يجب انتفاء المحمول اللاحق له ، وهذا هو اللوازم العقلية وهو خارج عن المفهوم المصطلح المستفاد من دلالة الالفاظ.

«فى ان انتفاء كل محمول عند انتفاء موضوعه عقلى»

«بقى فى المقام امور ينبغى التنبيه عليها الاول :» انك قد دريت ان انتفاء كل محمول عند انتفاء موضوعه عقلى لا بد منه ولا يرتبط ذلك بالمفهوم المبحوث عنه اصلا ، بل يقوم به القائل بالمفهوم وغيره ، وهذا ظاهر لا شبهة فيه ولا ريب يعتريه ، ومن ثم تراهم متسالمون «على» القول «بالانتفاء عند الانتفاء فى باب الوصايا والاوقاف والنذور والايمان ،» لانه «اذا صار شىء وقفا على احد او اوصى به او نذر له الى غير ذلك ، لا يقبل ان يصير وقفا على غيره او وصية او نذرا له» بلا ريب «و» لا اشكال ، «اذ انتفاء شخص النذر او الوصية عن غير مورد المتعلق قد عرفت انه عقلى مطلقا ، ولو قيل : بعدم المفهوم فى مورد صالح له.»

وعمدة الوجه فى ذلك ان الخلاف فى المفهوم وعدمه ، يبتنى على

٣٨٥

ان المعلق فى الجزاء هو السنخ او الشخص ، فمن قال : بالمفهوم قال : بالاول ومن لم يقل : به قال : بالثانى ، ولكن باب الوصايا وما يشاكلها من الاوقات والنذور والايمان ، لم يعلق فيها سنخ الملكية والوقفية بل الشخص ، وقد اعترف به الجميع وقد علمت ان تعليق الشخص بشىء يتبع تحقق ذلك الشىء ، فما دام باقيا يلحقه شخص حكمه من الملكية والوقفية فإذا انتفى وجب انتفاء ذلك الحكم الشخصى التابع لبقاء موضوعه ، فلا ينبغى الاشكال على منكرى المفهوم بالنقض عليهم بمثل هذه الابواب التى لا بد فيها من انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه ، لان التعليق فيها شخصى عند الفريقين والانتفاء فيها عقلى خارج عن مداليل الالفاظ.

ومن هنا يظهر لك صحة ما مر منا فى ابتناء الخلاف على السنخية والشخصية ، لا على العلية المنحصرة وعدمها كما بنى عليه الماتن قده فلا تغفل ، ضرورة انه لو كان الوجه فى انكار المفهوم انكار انحصار العلية فى الشرط كما زعمه الماتن قده ، لم يرتفع الاشكال عن منكرى المفهوم بما سمعته من النقض المذكور اذ الملكية الموصى بها لزيد يجوز ان يكون قد انشأت بسنخها لا بشخص خاص ومنها والسنخ من قبيل الكلى القابل للانطباق على كثيرين ولم يكن فى الموضوع ما يدل على انحصاره بتلك الملكية حسب الفرض المبنى عليه انكار المفهوم ، فيستحيل الاشكال على منكرى المفهوم بذلك كما لا يخفى.

والحاصل انه ان كان مبنى انكار المفهوم على انكار العلية المنحصرة ، فتخلصهم عن الاشكال بالنقض المزبور لا يكون إلّا بالالتزام باستفادة العلية المنحصرة فى تلك النقوض ، وهذا الالتزام منهم فى غاية السخافة جدا وان هى الا دعوى بلا بينة وبرهان ، لوضوح عدم ما يدل على انحصار الملكية فى زيد اذا اوصى له بملكية الدار ، وان

٣٨٦

كان مبنى انكار المفهوم على انكار تعليق السنخ فى القضايا الشرطية ، بل المعلق فيها هو شخص الحكم لا سنخه ، امكن لهم التقضى عن النقض المزبور بما سمعت آنفا ، بأن شخص الحكم لما كان فى القضايا الشرطية ثابتا لموضوع ولم يكن ينتفى الموضوع فيها بانتفاء الشرط ، فكان ذلك الحكم الشخصى باقيا بحاله عند انتفاء الشرط ، فلا يكون فى الشرطية دلالة على الانتفاء عند الانتفاء. واما فى موارد النقض لما كان الموضوع ينتفى ، فلا بد فيها من انتفاء ذلك الحكم الشخصى لتبعية الحكم الشخصى لموضوعه ، فيكون بهذا الوجه يفترق النقوض عن محل البحث.

«فى ان السنخ بمنزلة الكلى»

«الثانى» : ان السنخ الذى يراد تعليقه فى الجملة الشرطية وكذا فى غيرها من الجمل التى يكون لها مفهوم كمفهوم الغاية ، او مفهوم الوصف ، او مفهوم اللقب ، بمنزلة الكلى بل هو عبارة اخرى عنه ، ومعلوم ان الكلى وكل معنى عام تارة ينحصر افراده فى الخارج فى فرد واحد ، واخرى لا ينحصر فى ذلك بل يكون له افراد كثيرة ، فمثل ان وجد زيد فأكرمه قضية شرطية اريد منها وجوب تعليق وجوب اكرام زيد بوجوده ، ومعلوم ان الاكرام المضاف الى زيد ، لا يتحقق إلّا عند وجود زيد ، فوجوب هذا الاكرام الكذائى لو اريد به سنخه ، كان فرده منحصرا فى فرض وجود زيد ، ولا يكون له فرض آخر غيره ، ومع ذلك لا ينافى ارادة السنخية فيه كما هو ظاهر.

نعم اذا لم يعتبر اضافة الاكرام الى زيد ، وكان المعلق على وجود زيد كلى وجوب الاكرام ، كان ذلك المعنى العام ذا افراد ، ولم يكن

٣٨٧

ينحصر فى خصوص فرد واحد ، إلّا ان ذلك لا يكون من باب مفهوم الشرط بل من باب مفهوم اللقب ، وهو غير معتبر عند المحققين والفارق بين اعتبارى المفهوم ، انه على اعتبار مفهوم الشرط تكون الاضافة الى خصوص زيد مرعية فى الجزاء ، ويكون الجزاء هو وجوب اكرام زيد ويكون هذا هو المعلق على الشرط ، وهذا بخلافه على اعتبار مفهوم اللقب ، فان وجوب الاكرام بناء عليه معرى عن قيد الاضافة الى زيد ، وانما وجوب الاكرام يكون منوطا بالشرط ، وهو مع قيد الاناطة بشرط يكون محمولا على زيد فيكون المنسوب الى زيد هو وجوب الاكرام المنوط بشرطه ، فيستفاد منه عند القائلين بمفهوم اللقب انتفاء وجوب اكرام عمرو.

واما بناء على اعتبار مفهوم الشرط ورعاية الاضافة الى زيد ، فيكون المفهوم انتفاء وجوب اكرام زيد عند انتفاء وجوده ، وهذا مساوق للشرطية الواردة لتحقق الموضوع كما فى ان رزقت ولدا فأختنه ، فتدل على المفهوم اذا كان المراد منها تعليق سنخ الحكم ، فتكون نظير الشرطية فى قوله تبارك وتعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)(١) الدالة بمفهومها على انتفاء وجوب التبين عند عدم مجيء الفاسق بالنباء ، فان عدم التبين هنا لعدم ما يتبين عنه ، فينحصر مورد التبين عن نباء الفاسق بفرض تحققه ووجوده ، فلا يكون للتبين فرد آخر غير فرض وجود ذلك النبإ ، ومع ذلك لم تخرج القضية عن كونها شرطية ذات مفهوم اصطلاحى ، ومن ثم ترى شيخنا العلامة الانصارى قده لما ذكر الآية المباركة فى بحث خبر الواحد ، بنى على انها قضية شرطية لها مفهوم سلبى قد حكم فيه بعدم التبين عن نباء

__________________

(١) ـ الحجرات : ٦.

٣٨٨

الفاسق اذا لم يجئ الفاسق به (١) وهذا لا يكون إلّا باعتبار ارادة السنخية فى ناحية الجزاء ، لما تقرر عنده وعند غيره من ابتناء الدلالة المفهومية فى ذوات المفهوم على ارادة السنخية فى ناحية الجزاء ، وبالجملة المقصودان ارادة السنخية من الجزاء وغيره لا ينافى انحصاره فى فرد واحد ، فكم قد وقع فى كلماتهم ما يدل عليه ، منها ما سمعت آنفا فى كلام شيخنا العلامة قده فى آية النبإ فراجع كلامه فى ذلك المبحث لكى يتضح لك المطلب ، ومنها ما وقع من الماتن قده هنا فى الامر الثانى فى مسئلة خفاء الجدران والاذان والاقامة ، فانه من المعلوم ان الوجوب المعلق على كل منهما واحد فى الشريعة غير متعدد وان تكررت القضية فى لسان الشرع فلا يراد من قوله (ع) اذا خفى الاذان فقصر (٢) ومن قوله (ع) اذا خفى الجدران فقصر (٣) الا وجوب التقصير من غير تكرار فيه ، فمثل هذا ان كان له مفهوم اصطلاحى ، فلا بد من تنزيل الجزاء فيه على ارادة السنخ ، والمفروض انحصار فرده فى وجوب واحد لا اكثر بقرينة الاجماع ، وهذا كلام الماتن قده فى الامر الثانى ينادى بأن له مفهوم اصطلاحى فلاحظه لكى تزداد بصيرة وايمانا بما ذكرناه.

ومنها : ما ذكره الماتن قده ايضا فى مفهوم الغاية فانه قد مثل لما له مفهوم الغاية بأمثلة وذكر منها قوله (ع) : كل شىء لك حلال حتى تعلم انه حرام (٤) وقوله (ع) : كل شىء طاهر حتى تعلم انه

__________________

(١) ـ الرسائل : ٧١.

(٢ ـ ٣) ـ ليست الرواية بهذه العبارة موجودة فى كتب الحديث والمنقول فيها بلفظ «اذا توارى من البيوت» وكذا «اذا كنت فى الموضع الذى لا تسمع فيه الاذان نقصر» راجع الوسائل : ج : ٥ ابواب صلاة المسافر باب : ٦ والمستدرك ج ١ ص ٥٠١.

(٤) ـ الوسائل ج : ١٧ ابواب الاطعمة المباحة باب : ٦١ حديث : ١ و ٧ وفى المحاسن ص : ٤٩٥ مثله.

٣٨٩

قذر (١) ومن الواضح ان الحكم الظاهرى بالحلية والطهارة ، ينحصر مورده بفرض الشك ، ويستحيل تناوله لصورة العلم بهما ومع ذلك قال فى مثل ذلك بالدلالة المفهومية.

ومنها ما ذكره قده ايضا فى باب الاستصحاب حيث استدل على اعتباره بأخبار وعد منها خبرى الحل والطهارة المزبورين ، وبنى فيهما على الدلالة المفهومية ، فمن الغريب بعد هذا كله ما يظهر من الماتن فى تعليقته على كلام شيخنا الانصارى قدس‌سرهما المذكور فى آية النبإ ، حيث اعترض عليه بأن القضية المسوقة لبيان تحقق الموضوع لا مفهوم لها ، وما يتراءى فيها من انتفاء التبين عند انتفاء تحقق البناء فانما ذلك من لوازم الحكم الشخصى الذى لا بد من ارتفاعه بارتفاع موضوعه ، ثم ذكر بعد ذلك تقريب الدلالة بالمفهوم بما حاصله ، ان اعتبار المفهوم فى القضية يبتنى على تجرد التبين الواقع جزءا فى الآية عن حيثية اضافته الى نباء الفاسق ، رعاية للسنخية المطلوب اعتبارها فى جزاء الشرطية ، واذا انتفى التبين بسنخه عند انتفاء نباء الفاسق ، افادت القضية بمفهومها انتفاء التبين عن نباء العادل ، وإلّا لما كان التبين منتفيا بسنخه ، وهو كما ترى مقتضاه التنافى بين اعتبار السنخية فى الجزاء واعتبار اضافته الى الموضوع المذكور فى القضية ، وهذا لا يكون إلّا بناء على انكار اعتبار السنخية فيما ينحصر فرد الجزاء بواحد خارجى (٢).

__________________

(١) ـ الوسائل : ج ٢ ابواب النجاسات باب : ٣٧ حديث : ٤ ... عن عمار عن ابى عبد الله «ع» (فى حديث) قال : كل شىء نظيف حتى تعلم انه قدر ، فإذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم فليس عليك. والظاهر ان كلمة نظيف منقول على طاهر فى اصطلاحهم.

وفى المستدرك ج ١ ص : ١٦٤ نقلا عن مقنع الصدوق ره وكل شىء طاهر حتى تعلم انه قذر.

(٢) ـ حاشية كتاب فرائد الاصول : ٦١.

٣٩٠

وفيه مع منافاته لما سمعت منه فيما تقدم ، ان اعتبارها بمكان من الامكان كما هو واضح لاهل البرهان.

«اشكال وجواب»

«الثالث :» قد يستشكل فى اعتبار السنخية فى مدلول الهيئة الجزائية ، بناء على جزئية المعنى الانشائى على حد غيره من المعانى الحرفية ، اذ السنخية من سنخ الكليات التى هى تباين الجزئيات ، فكيف يسوغ اعتبارها فيما يعتبر فيه الجزئية ، بل قد يستشكل فى اعتبارها ايضا بناء على عدم اعتبار الخصوصية والجزئية فى المعانى الحرفية والانشائية كما اختاره الماتن قده اذ الانشاء من قبيل الايجاد ، فهو من باب العلة الباعثة على وجود المعلول ومعلوم ان خصوصية العلة وان لم تتسر الى معلولها ، إلّا انها لا تستتبع الا تحقق المعلول على حسب اقتضائها بلا سعة فى دائرة المعلول ، لاستحالة اقتضاء العلة تحقق المعلول بأزيد مما لها من الاقتضاء الذاتى ، فلا بد من لحوق المعلول ضيقا بتضيق علته على وجه يستحيل معه اعتبار السنخية فى ذلك المعلول ، ولا يقاس باب العلل بباب الاخبارات التى يجوز فيها الاخبار عن معنى عام ، اذ الاخبارات من شأنها الحكاية عن الواقع ، ولا يجب فى الواقع المحكى بها ان يكون متخصصا بخصوصية الحاكى ، ألا ترى جواز توارد الحكايات المتكثرة عن محكى واحد ، فلو كانت خصوصية الحاكى تستدعى جزئية المحكى ، لكان فى مثل ذلك محكيات متكثرة على حسب تكثر حاكيها ، وليس كذلك قطعا ، فيكون هذا اقوى شاهد على ان باب الحكاية اوسع من باب العلة ، فما ظنه الماتن قده من عدم ورود الاشكال عليه ، وانه قد استراح منه على مختاره ، فى غير محله.

٣٩١

وتمحل شيخنا المرتضى قده على ما حكى عنه فى التقريرات فى التفصى عن هذا الاشكال ، بأن استفادة ارتفاع مطلق الوجوب عند ارتفاع الشرط ، ليس ذلك من باب اعتبار السنخية فى ناحية الجزاء ، بل لانفهام العلية من الجملة الشرطية ، فان الشرط اذا كان علة لشخص الوجوب ، فارتفاع شخص الوجوب عند ارتفاع علته دليل على ارتفاع سنخ الوجوب ايضا (١) وكأنه اخذ ذلك من وحدة المناط ، وهو كما ترى التزام بالاشكال وتمحل فى الجواب.

فالصواب فى ذلك ان يجاب بأن الانشاء على نحوين ، تارة لا يكون لمنشئه واقع يستعلم تحققه من طريق الانشاء بل الانشاء يكون تمام العلة لوجوده ، كما فى انشاء الملكية بصيغة بعت مثلا ، واخرى يكون لمنشئه واقع كشف عنه الانشاء بطريق الإنّ ، لا بطريق الحكاية كما فى موارد الطلب ، فان الطلب المنشا بصيغة اضرب مثلا وان لم يكن محكيا بالصيغة ، إلّا ان له واقعا من الطلب القائم بنفس الطالب ، كشف عنه ذلك الانشاء بمعونة مقدمات أخر ، وذلك الامر الواقعى هو مورد حكم العقل بوجوب الاطاعة وحرمة المعصية لا هذا المنشا بالصيغة.

ومن ثم لو كان المتكلم فى مقام السخرية والاستهزاء ، وانشاء الطلب بصيغة ، لم يجب اتباعه فى ذلك الطلب ، فيكون هذا النحو من الانشاء مشوبا بالاخبار باعتبار استعلام واقع مجهول منه عند تحققه وذلك الواقع ليس معلولا للانشاء حتى يتضيق بتضيقه ، بل مستعلما منه ، فهو نحو الواقع المجهول المستعلم من الاخبار ، وان فارقه فى كيفية الاستعلام من حيث ان الاستعلام فى الاخبار بنحو الحكاية ، وفى الطلب بنحو الاستدلال الإنّي الذى هو العلم من المعلول بالعلة كما قرر فى محله فأفهم واغتنم.

__________________

(١) ـ مطارح الانظار : ١٧٣.

٣٩٢

«فى ان الشرط فى خفاء الاذان والجدران

هو الجامع المحدود بما بين الشرطين»

«الرابع :» من الامور التى قلنا ينبغى التنبيه عليها هو انه قد مرت الاشارة الى ان الجزاء فى اذا خفى الاذان فقصر واذا خفى الجدران فقصر واحد لا تعدد فيه بالاجماع على الظاهر ، وعليه فلا بد من رفع اليد عن ظهور الشرط فى استقلاله بالعلية المنحصرة وذلك انما يكون بأحد أمرين ، اما برفع اليد عن ظهوره بالاستقلال فيكون الشرط على هذا مجموع الامرين من خفاء الاذان والجدران ، واما برفع اليد عن ظهوره فى انحصار العلية بما ذكر من الشرط الواقع فى كل من القضيتين ، ولكن الواجب على التصرف الثانى ان يقتصر فى رفع اليد عن ظهوره فى الانحصار بمقدار ما دعت الضرورة اليه لا مطلقا ، فإن الضرورات تتقدر بقدرها ، لان الجملة الشرطية فى كل منهما لو خليت ونفسها تدل على ان ليس ثمة علة وراء الشرط المذكور فى تلك الجملة ، وبعد ورود الجملة الثانية يحكم بأن العلة فى ترتب الجزاء احد الامرين ، وبملاحظة دليل ان الواحد لا يصدر إلّا من الواحد ، يستعلم ان المؤثر فى ذلك الجزاء الواحد هو الجامع بين الامرين لا الجامع الأعم منهما ، اذ لا دليل يقتضيه لا من العقل ولا من النقل ، بل المحافظة عن ظهور الكلام يقضى بالاقتصار فى رفع اليد عن ظهور الشرطية فى انتفاء علية ما سوى الشرط على الحكم بعلية الجامع بين الشرطين خاصة ، وانتفاء العلية عن غيره ، ولعل هذا هو الا وفق بالجمع بين مراعاة الحكم العقلى وبين مراعاة قواعد اللفظ ،

٣٩٣

فيؤخذ بظاهر اللفظ النافى لعلية ما سوى الشرطين ، ويؤخذ بحكم العقل بأن الواحد لا يصدر إلّا من الواحد ، ويرفع اليد عن ظهور كل من الشرطيتين فى نفى علية الشرط الآخر المذكور فى القضية الاخرى.

لا يقال : اذا رفعت اليد عن ظهور الشرطية فى دخل خصوصية الشرط المذكور فيها ، فمن اين يبقى لك ظهور فى نفى دخالة غير الشرطين ، اذ هذا النفى انما جاء من لزوم رعاية الخصوصية فى الشرط ، فاذا لغيت هذه الخصوصية بورود الشرطية الثانية ، فقد انتفى الدليل النافى لعلية غير الشرطين وكان نسبة الشرطين الى الجزاء كنسبة غيرهما اليه لا مدخلية لهما فى ترتبه عليهما ، وانما الدخيل فى ترتب الجزاء هو الجامع ولم يقم ما يدل على ان ذلك الجامع ، لا بد وان يكون ما يجمعهما خاصة كما زعمت ، بل يجوز فيه ان يكون جامعا يعمهما وغيرهما فما المزيل لهذا الاحتمال؟

لانا نقول : المزيل لهذا الاحتمال ظهور الشرطية فى دخالة الخصوصية فى كل من الشرطين المذكورين فى الشرطيتين غاية ما هناك انا رفعنا اليد عن حجية كل من ظهوريهما ، فى عدم مدخلية الشرط الآخر المذكور فى كل من القضيتين ، ولم ترفع اليد عن الظهور ، بل الظهور فيهما باق بحاله ، وهو بعد على دلالته على نفى دخالة جميع الاغيار ، الا انا لم تعتبر هذا السلب الكلى المستفاد من الظهور الا فيما عد الشرطين المذكورين فى الشرطيتين ، ويلغى اعتباره بالنسبة الى خصوص الشرطين ، فالتفكيك انما هو فى الحجية دون الظهور.

وبالجملة التصرف بالنحو الثانى اقرب الى النظر ، واليه يرجع قول الماتن قده «اما بتخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر فيقال :

٣٩٤

بانتفاء وجوب القصر عند انتفاء الشرطين.» كما انه الى ما سمعت فى الاعتراض بلا يقال يرجع قوله : «واما برفع اليد عن المفهوم فيهما ، فلا دلالة لهما على عدم مدخلية شىء آخر فى الجزاء.» لكنك قد عرفت وهنه آنفا ، كما ان القول بتخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر لا يخلو عن تسامح ، اذ ليس المفهوم الا لازم الكلام ، وليس هو بنفسه قضية مستقلة حتى يجىء فيها ارتكاب التخصيص ، بل انما هو تبع المنطوق فالتصرف اولا وبالذات انما يلحق المنطوق ، فاذا لحقه ذلك التصرف نظر الى مقدار ما يلزمه من المفهوم والامر سهل بعد وضوح المقصود.

واما قوله : «واما بتقييد اطلاق الشرط فى كل منهما بالآخر ، فيكون الشرط هو خفاء الاذان والجدران معا ، فاذا خفيا وجب القصر ، ولا يجب عند انتفاء خفائهما ، ولو خفى احدهما.» فهو ناظر الى الوجه الاول من التصرف برفع اليد عن ظهور الشرط فى الاستقلال بالعلية لكنه احتمال بعيد جدا.

فتلخص من جميع ما قررناه ان امر التصرف فى الشرطية لا يخرج عن الوجهين المتقدمين ، ومقتضاهما احتمال الشرطية لاحد من امور ثلث : اما ان يكون الشرط هو الجامع المحدود بما بين الشرطين ، او الغير المحدود بذلك ، او يكون الشرط هو مجموع الشرطين ، وقد عرفت ان الاحتمال الاول منها هو الاقرب.

واما الاحتمال الرابع الذى ذكره الماتن قده بقوله : «واما بجعل الشرط هو القدر المشترك بينهما ، بأن يكون تعدد الشرط قرينة على ان الشرط فى كل منهما ليس بعنوانه الخاص ، بل بما هو مصداق لما يعمهما من العنوان.»

فلم نعرف مأخذه ، اذ التصرف فى الشرطية قد عرفت دورانه

٣٩٥

بين احد امرين بلا ثالث لهما فى البين ، فكل منهما يستتبع لازما من مدلول القضية ، ومدلولها لا يخرج عن الاحتمالات الثلث ، بل ربما يكون هذا الاحتمال الرابع الذى ذكره بعينه الاحتمال الثانى الذى استضعفناه ، وقلنا ان الجامع لا يجوز ان يكون معنى عاما يعم الشرطين وغيرهما ، ولعل نظره قده الى شىء لم يخطر ببالنا ، وعليك بالتأمل فلعلك تقف على توجيه العبارة والله اعلم.

«فى تداخل الاسباب والمسببات»

«الامر الخامس :» انه اذا تعدد الشرط واتحد الجزاء ، فتارة يكون الجزاء متحد العنوان ، واخرى متعددة ، وعلى الاول ، فاما ان يقبل التكرار واما ان لا يقبله ، وقد تقدم الكلام فيما لا يقبل التكرار من متحد العنوان بما لا مزيد عليه ولا احب تكراره ، واما اذا كان يقبل التكرار من متحده فيجيء فيه الكلام الذى سمعته فى متحد العنوان من وجوه التصرف فى ناحية الشرط ، ويزيد عليه بالتصرف فى ناحية الجزاء ، لو اغمض النظر عن التصرف فى ناحية الشرط ، ولا بد من الخروج عن ظاهر الكلام فى كل من التصرفين ، اما فى التصرف فى ناحية الشرط فلاقتضاء ظاهر الشرط رعاية الخصوصية المأخوذة فيه ، واذا تصرفنا فيه بالغاء خصوصيته ، فقد اخذنا الشرط الجامع بين ما يذكر من الشروط فى تلك الجملة ، وهو خلاف الظاهر ، كما انه فى التصرف فى ناحية الجزاء لا بد من ، رفع اليد عن ظاهر اطلاقه الدال على الطلب المطلق والبناء على ارادة مطلق الطلب بوجه الاهمال بلا اعتبار خصوصية فيه ، او البناء على ارادة طلب شخصى محدود بالخصوصية الخاصة.

٣٩٦

وثمرة الفرق بين الاهمال واعتبار الخصوصية تظهر عند توارد الطلبين على العنوان الواحد ، فعلى الاهمال يزداد الطلب قوة ، ويتأكد ، ويكون المطلوب امرا واحدا بطلب اكيد بخلافه على اعتبار الخصوصية الشخصية ، فانه يستحيل توارد الطلبين الشخصين على امر واحد ، إلّا بتكرار ذلك المطلوب مرتين ، فيكون كل طلب شخصى من ذينك الطلبين متعلقا بفرد واحد من افراد ذلك العنوان الواحد الجزائى ، فلو قال المولى : ان افطرت فكفر وان ظاهرت فكفر ، فعلى الاهمال لا يلزمه إلّا كفارة واحدة لو جمع بين الافطار والظهار بخلافه على اعتبار الخصوصية.

فان قلت : كيف يكون فى الطلب اهمال ، وهل هو الا كيفية نفسانية لها تقرر خارجى فى نفس الطالب ، والشىء ما لم يتشخص لم يوجد؟

قلت : ذلك الطلب النفسانى وان لم يعر عن الخصوصية ، إلّا ان اعتباره فى عالم الانشاء مختلف فقد يعتبر منشأ بمرتبة غير ملحوظ فيها الخصوصية الخارجية ، وقد يعتبر منشأ مع الخصوصية ، فالاهمال وعدمه ملحوظان فى الطلب المنشأ بالصيغة لا بما له من التقرر الخارجى ، وحينئذ لو لم يعتبر الطلب متخصصا بالخصوصية الخارجية ، جاز اجتماعه مع مثله فى متعلق واحد ، ويحصل بذلك التأكد ، فيجتزى بالخروج عن العهدة بكفارة واحدة لو افطر وظاهر.

نعم لو افطر وكفر ثم ظاهر ، وجب عليه كفارة اخرى ، لانتفاء التأكد فى هذا الفرض فيستقل كل من الشرطين بالتأثير ، ولعله الى هذا الوجه نظر القائل بالتفصيل بين صورتى تخلل الشرطين بالامتثال وعدمه ، كما ان القول باطلاق التداخل ناظر الى اعتبار الشرط ، وهو الجامع ، فاذا تحقق فرد واحد منه فقد حصل ذلك الجامع ذو التأثير ، فلا اثر لما يوجد من افراده بعد وجود الفرد الاول مطلقا ،

٣٩٧

سواء تعاقبت الافراد او تخللها امتثال فيما بينها ، اذا لمؤثر فى التكليف ليس إلّا الجامع المعتبر بنحو صرف الطبيعة دون الطبيعة السارية ، وقد تحققت الطبيعة الكذائية بالفرد الاول منها واستعقبت تكليفا ، فاذا امتثل ذلك التكليف سقط الطلب ولا يبقى مجال لبقائه عند حدوث بقية الافراد.

واما القول بعدم التداخل مطلقا ، فهو ناظر الى ان كل شرط يستدعى طلبا شخصيا ، فيكون هناك طلبات شخصية متكثرة بتكثر الشروط ، فيجب الخروج عن عهدتها بالتكرار ، وهل تكثر الطلبات الشخصية فى ناحية الجزء فرع عن تكثر متعلقاتها ، او الامر بالعكس فيكون تكثر المتعلقات فرعا عن تكثر ما يتعلق بها من الطلبات الشخصية؟ وجهان مبنيان على ان الجزاء حقيقة هو الطلب المتعلق بالمطلوب ، او هو المطلوب نفسه وانما جعل الطلب جزءا فى ظاهر القضية الشرطية ثانيا وبالعرض ، وتظهر الثمرة فى الجزاء المختلف عنوانه نحو ان جاءك زيد فأكرم عالما ، وان جاءك عمرو فأكرم هاشميا ، فانه على الاول يجب الالتزام بعدم التداخل فى مجمع العنوانين عند تحقيق الشرطين ، فلو جاء زيد وعمرو لا يجتزى باكرام العالم الهاشمى مرة واحدة ، بل لا بد من تعدد الاكرام مرتين بخلافه على الثانى ، فانه يجتزى فيه بإكرامه مرة واحدة ، والسر فى ذلك ان تكثر الشروط ، يستدعى تكثر الجزاء ، اذ الشرط فيه سمة العلية وتعدد العلل المؤثرة يستتبع تعدد المعلول قطعا ، فإذا كان المتأثر من ناحية الشرط هو الطلب الجزائى ، لزم تكرره على حسب تكرر الشروط ، واذا اشخاص الطلب ، لزم التكرار فى متعلقاتها لاستحالة توارد اشخاص الطلب على امر واحد ، فلا محيص من القول بعدم التداخل فى مختلف العنوان ومتعددة فضلا عن متحده ، وهذا بخلاف ما لو كان

٣٩٨

المتأثر من ناحية الشرط هو متعلق الطلب اذ ذلك انما يستدعى تكرره بالوجود اذا لم يكن متعدد العنوان ، وإلّا فتعدد العنوان واختلافه يغنى عن تعدد الوجود.

وبعبارة اخرى تعدد الاسباب يستدعى تعدد المسبب ، فاذا كان الجزاء المفروض مسببيته عن الشرط متحد العنوان ، فلا بد من صرف التعدد فيه الى عالم وجوده وتحققه فى الخارج ، واما اذا كان متعدد العنوان ، فلا ضرورة فى البين تدعوا الى الالتزام بتعدد الوجود ، بل كان تعدد العنوان كافيا فى تكثر المتأثرات من قبل تلك الشروط المتكثرة.

«فى الملازمة بين الشرط ومتعلق الحكم الجزائى»

فالمهم تحقق الحال فى بيان المتأثر من ناحية الشرط ، هل هو الطلب الجزائى او متعلقه؟

فنقول : وبالله تعالى نستعين ، التحقيق يقضى بالثانى ، اذ الملازمة بين المقدم والتالى فى القضايا التكوينية ، والقضايا التشريعية على حد سواء ، لا يفترقان الا فى ان الملازمة فى الاولى حقيقية ، وفى الثانية ادعائية ، فلو قال القائل : ان طلعت الشمس كان النهار موجودا ، افاد ذلك ملازمة خارجية بين طلوع الشمس ووجود النهار ، لا بين طلوعها ، والحكم بوجود النهار كما هو ظاهر بين جدا ، وانما جيء بالحكم المذكور اعلاما بالملازمة الخارجية بلا ان يكون له موضوعية ودخالة فى طرفى الملازمة.

وعلى هذا المنوال الملازمة المعتبرة فى القضايا الشرطية التشريعية نحو ما لو قال المولى : ان جاءك زيد فاكرمه فان المولى

٣٩٩

لما كان يرى فى اكرام زيد مصلحة عند مجيئه ، فكان هناك مقتض لاكرامه عند المجيء ، فنزل ذلك عنده بمنزلة العلة التامة المستوجبة لحصول الاكرام ، من بعد المجيء ، فادعى الملازمة بينهما ، واستعمل الوجوب فى ناحية الجزاء مدعيا بأن المجيء يوجب الاكرام ، كما ان طلوع الشمس يوجب وجود النهار ، فكان مأخوذ الوجوب فى القضايا التشريعية هو الوجوب الملحوظ فى القضايا التكوينية ، ويشتركان فى انهما يذكران فى القضية اللفظية تبعا ، للملازمة الملحوظة فى الخارج حقيقة فى القضايا التكوينية وادعاء فى القضايا التشريعية ، فالاصيل بالملازمة ليس إلّا الخارج ، وانما الانشاء اللفظى يتفرع عليه ، ومعلوم ان الخارج عرى من الحكم ، فلا معنى لاعتبار الملازمة بين الشرط والحكم الجزائى ، بل بينه وبين متعلق الحكم ، وحينئذ ان كان فى الشرط تكثر وتعدد ، فهو انما يستدعى تعدد المتعلق فان كان المتعلق متحد العنوان ، انحصر تعدده بتعدد الوجود ، فلا يخرج عن عهدة التكليف إلّا بتكرار الامتثال مرتين وان كان متعدد العنوان ، كان لكل شرط تأثير فى حصول عنوان من تلك العناوين ، ولم يلزم التكرر فى عالم الوجود ، فيجتزى بامتثال التكاليف لو جمع بين العناوين بوجود واحد.

لا يقال : المتأثر من قبل الشرط وجود المعنون لا العنوان نفسه ، فلا بد من تكرر الوجود على حسب تكرر الشروط لانا نقول : نمنع ذلك بل المتأثر هو العنوان نفسه ، وان كان الحاصل للعناوين وجودا واحدا ، فكما جاز فى مجمع العنوانين الصلاتى والغصبى ان يكون مؤثرا فى امرين مصلحة ومفسدة ، فكذلك يجوز تأثر الجمع بشرطين كل يستدعى عنوانا غير ما يستدعيه الآخر ، وان كان العنوانان مجتمعين فى وجود واحد.

٤٠٠