تحرير الأصول - ج ١

آية الله الشيخ مرتضى النجفي المظاهري الإصبهاني

تحرير الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ مرتضى النجفي المظاهري الإصبهاني


المحقق: حمزة حمزوي
الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

«فى الامر بالامر»

«فصل» هل الامر بالامر بالشىء امر بذلك الشىء او لا؟ وجهان من جواز اشتمال الامر الثانى على مصلحة فى صدوره من الامر الثانى من غير ان يكون فى العمل المأمور به بالامر الثانى المصلحة ، فلا يكون فى الامر الاول دلالة على الامر بذلك الشىء اصلا اذ لا دلالة للعام على الخاص.

ومن ان الامر الثانى فى نظر العرف يرى وسيلة لسراية المطلوبية الى العمل ، فهو نظير ما لو امر المولى عبده بتناول الماء ، فانه يستفاد منه ان المقصود الاصلى فى الطلب هو شربه الماء لرفع عطشه اذ المنساق من تعلق الطلب بمناولة الماء التوصل به الى رفع العطش بالشرب لا غيره من سائر الاستعمالات ، وهكذا المقام.

«فى ورود الامر بشىء بعد الامر به وقبل امتثاله»

فصل : اذا ورد امر بشىء بعد الامر به وقبل امتثاله فهل يوجب تكرار ذلك الشىء او تأكيد الامر الاول والبعث الحاصل به؟ الحق اجمال الكلام من هذا الوجه لتعارض اقتضاء المادة والهيئة ، فإن المادة بمقتضى اتحادها فى الصيغتين تقضى بالتأكيد ، والهيئة باعتبار اقتضائها البعث فى المقامين تقضى بتوارد التحميلين على الطبيعة ، ولازم ذلك التقييد فى الطبيعة بالمرة الاولى فى الامر الاول ، وبالمرة الثانية فى الامر الثانى فيحصل من ذلك الاجمال فى

٣٢١

المراد والمرجع فيه اصالة البراءة عن وجوب التكرار فتدبر.

«حول النواهى»

«المقصد الثانى فى النواهى فصل» : اختلفوا فى النهى هل اريد منه طلب الترك او طلب الكف؟ وعمدة نظر القول الاول ومستنده الى ان النهى نفى فى المعنى فلا دلالة فيه الا على الترك الذى هو مساوق لمعنى النفى ، ونظر القول الثانى الى ان الترك وان كان موافقا لظاهر اللفظ ، إلّا ان امتناع تحققه من المكلف باختياره صار قرينة عقلية على كون المطلوب منه الكف الذى هو امر وجودى وداخل تحت القدرة ، وسندهم على الامتناع ان العدم الازلى سابق على القدرة فلا يجوز ان يكون من آثار القدرة ومترتبا عليها. ورد بأن الممتنع على المكلف هو العدم الازلى وليس هو المطلوب بالنهى بالضرورة بل المطلوب فيه الاستمرار على العدم وابقائه وعدم قلبه الى الوجود وهذا جائز مقدور بالضرورة.

اقول : هذا النزاع بين الفريقين يبتنى على اعتبار الماهية المنهى عنها امرا فى قبال الوجود الخارجى وهذا خلاف التحقيق عندنا كما تقدم الكلام فيه فى مبحث تعلق الاوامر بالطبائع ، بل لم تعتبر فى حيز الامر والنهى إلّا بعنوان الحاكى عن الايجاد الخارجى متحدة معه اتحاد المراءة مع المرئى ، وعليه فيكون مفاد النهى هو الزجر عن الايجاد كما ان مفاد الامر هو البعث اليه ، ومعه لا حاجة الى تكلف البحث عن حال الترك انه مقدور او غير مقدور ، لا نافى غنية عنه بعد ما سمعت من كون المتعلق فى الامر والنهى هو الوجود والايجاد وهو مقدور بالبديهة ولا نزاع فيه من احد.

٣٢٢

«فى دلالة النهى على التكرار والدوام وعدم دلالته عليه»

ثم ليعلم انه قد وقع النزاع بينهم فى دلالة النهى على التكرار والدوام وعدم دلالته عليه. ونظر القول بالدلالة الى ان النهى يقتضى المنع من ادخال الماهية فى الوجود وهو لا يتحقق إلّا بالامتناع من ادخال كل فرد فيه. ويرد عليه ان التكرار المدعى هو التكرار الذى يستتبع العصيانات المتكررة ، ومثل هذا التكرار انما يستتبع عصيانا واحدا اذ العصيان نقيض الطاعة وقد كانت الطاعة موقوفة على ترك الطبيعة والانزجار عن ايجادها بالمرة ، فيكون العصيان فى عدم الانزجار عنها بهذا النحو وهو انما يحصل بالمخالفة مرة واحدة ولازمه سقوط العصيان فى حقه بعد العصيان الاول ولا يكاد يلتزم به احد فى النواهى النفسية لما هو المعلوم من ضرورة المذهب ان الزانى يتكرر فى حقه العصيان بتكرار الزنا ، بل لا يكاد يخطر بالبال من احد الا انفهام السريان فى النهى المستلزم لتكرار العصيان ، وظاهر ان مجرد النهى عن الطبيعة لا يقتضى السريان فى مدلول النهى فهذا التقريب من الاستدلال غير مطابق للدعوى.

نعم يتم فى النواهى الغيرية التى يسقط النهى فيها بالمخالفة بالمرة الاولى خاصة ، فمن احدث فى صلاته انتقض وضوئه وبطلت صلاته ، فلو احدث ثانيا لم يكن لحدثه الثانى اثر فى الانتقاض ، اذ لا معنى لانتقاض المنتقض ، بل هو تحصيل الحاصل ولا يكاد يصدر النهى عن الحاصل من المولى الحكيم.

والاحسن فى تقريب الاستدلال للمدعى ان يقال : ان لكل من

٣٢٣

مدلول الامر والنهى صيغة ومادة ، ومقتضى اطلاق الهيئة فى كل منهما سريان البعث فى الاوامر والزجر فى النواهى الى تمام الافراد ولازم ذلك تعدد الطلب فى كل منهما ، وقضية التعدد فى الطلب تعدد العصيان فى المخالفة ، ومقتضى ذلك ان يكون الامر كالنهى فى الدلالة على الدوام والتكرار ، إلّا انه منع عن ذلك فى الاوامر لاستلزام التكرار فيها الحرج المنفى فى الشريعة فيكون ارتكازية انتفاء الحرج فى الشريعة مانعا عن انسباق التكرار من اطلاق الهيئة فى الاوامر خاصة ، دون النواهى اذ لا حرج فى الاستمرار على الترك فيها.

وربما يعارض الاطلاق فى جانب الهيئة بإطلاق المادة القاضى بمطلوبية الانتهاء عن صرف الوجود ، ومرجعه الى نهى واحد متعلق بطبيعة المنهى عنه ، وهو وان استلزام الاستمرار فى الانتهاء عنها فى مقام الامتثال ، والاطاعة ، إلّا انه فى جانب العصيان لا يكون إلّا عصيان واحد بالمخالفة بصرف الوجود ، ولا ترجيح لاحد الاطلاقين على الآخر. ويمكن ترجيح الاطلاق فى جانب الهيئة بان الهيئة ترى فى عالم الاعتبار علة لحصول المادة فى عالم الخارج والعلة مقدمة على المعلول رتبة ، فانه يرى المعلول فى مقام الاستفادة من الكلام تابعا للعلة ، فيكون اطلاق العلة هو المتبع دون اطلاق المادة فأفهم واغتنم.

«القول فى جواز اجتماع الامر والنهى او امتناعه»

«فصل اختلفوا فى جواز اجتماع الامر والنهى فى واحد وامتناعه على اقوال ثالثها جوازه عقلا وامتناعه عرفا ، وقبل الخوض فى المقصود يقدم امور :»

«الاول : المراد بالواحد مطلق ما كان ذا وجهين ومندرجا تحت

٣٢٤

عنوانين بأحدهما كان موردا وبالآخر للنهى وان كان كليا مقولا على كثيرين كالصلاة فى المغصوب.» فإن الصلاة فى المغصوب بهذا العنوان كلى تندرج تحت الكون الصلاتى المأمور به ، والكون الغصبى المنهى عنه كما يندرج الكون الشخص تحت كل من العنوانين ، ويجرى النزاع فيه كما يجرى فى الشخصى ، فإن اطلاق الادلة الآتية يشمل الفرضين بلا فرق بينهما ، كما ان اطلاق كلمات الاصحاب رضوان الله عليهم فى تحرير محل البحث شامل لهما ايضا وانما ذكر الواحد فى صدر المبحث احترازا عن مثل «السجود لله تعالى والسجود للضم» الغير المجتمعين وجودا وان كانا مجتمعين مفهوما وليس المقصود من ذلك الاحتراز عن «الواحد الجنسى او النوعى كالحركة والسكون الكليين المعنونين بالصلاتيّة والغصبية» لانطباق كل من المأمور به والمنهى عنه على هذه الصلاة التى هى مجمع العنوانين فان ما تشتمل عليه من الحركات والسكنات يندرج فى مسمى الصلاة المأمور به وفى مسمى الغصب المنهى عنه ، ومن ذلك يظهر لك الاشكال فى ما وقع فى المعالم (١) وكذا فى الفصول (٢) والقوانين (٣) من تخصيص محل البحث فى الواحد الشخصى دون الجنسى او النوعى ، فان ذلك تخصيص بلا مخصص بعد اشتراكهما فى مشمولية الادلة واطلاق الكلمات.

__________________

(١) ـ المعالم : ٩٨.

(٢) ـ الفصول : ١٢٤.

(٣) ـ القوانين : ١٤٠.

٣٢٥

«فى التمايز بين المسألتين»

الثانى : الفرق بين هذه المسألة وما يأتى من مسئلة النهى فى العبادات ، ان الكلام فى هذه المسألة ناظر الى حيثية التزاحم فى المقتضيات وفى المسألة الآتية الى التعارض بين الادلة ، فمن قال هنا بالامتناع وبنى على تقديم جانب النهى فانما يحكم بفساد العبادة لتأثير مقتضى الفساد فيها ، وغلبته على مقتضى الصحة وهذا يختلف بحسب العلم والجهل ، فمن علم بغصبية المكان وصلى فيه بطلت صلاته لتعذر تمشى نية التقرب منه فى صلاته مع هذا الحال سواء كان علمه مطابقا للواقع او مخالفا له ، كما انه اذا جهل ذلك وصلى فيه صحت صلاته اذا لم يكن قد اخل بنية التقرب ، فكان التأثير فى الغصبية على هذا منوطا بالعلم والجهل ، اذ ليست مانعيتها الا فى الاخلال بنية التقرب وهذا انما يتأتى مع العلم والالتفات دون الجهل والغفلة ، وهذا بخلاف الصحة والبطلان فى المسألة الآتية ، اذ القائل فيها بالفساد يرى تقديم النهى على عموم بملاك التخصيص ومعلوم ان باب التخصيص يمنع عن وجود المقتضى للصحة ، فلو صلى فى الدار الغصبى كانت صلاته باطلة ، لعدم مقتضى الصحة فيها واقعا لا فى مرحلة الامتثال كما هو محط البحث فى هذه المسألة ، ولا يفرق الحال فيه بين صورتى العلم والجهل كما ان القائل بعدم دلالة النهى فيها على الفساد لا يتفاوت الحال عنده بين صورتى العلم والجهل ، فكم فرق بين المسألتين؟.

ومن ذلك ينقدح لك الاشكال فيما ذكر هنا من وجوه الفرق

٣٢٦

المذكورة فى كلام بعضهم منهم الماتن قده حيث تمايز بين المسألتين باختلاف جهة البحث باعتبار ان النزاع هنا قد وقع «فى سراية كل من الامر والنهى الى متعلق الآخر لاتحاد متعلقيها وجودا وعدم سرايته لتعددهما وجها ، وهذا بخلاف الجهة المبحوث عنها فى المسألة الاخرى فإن البحث فيها فى ان النهى فى العبادة يوجب فسادها بعد الفراغ عن التوجه اليها.»

وقد عرفت ما فيه من الاشكال لابتنائه على اتحاد المناط فى الحكم بالفساد فى المقامين حتى يكون البحث فى هذه المسألة مما يتنقح به الصغرى للكبرى المبحوث عنها فى تلك المسألة.

ومنهم صاحب القوانين المحقق القمى طاب ثراه حيث تمايز بين المسألتين بأن محل البحث والكلام فى هذه المسألة ما يكون بين المأمور به والمنهى عنه عموم من وجه ، وفى المسألة الآتية ما يكون بين المأمور به والمنهى عنه عموم وخصوص مطلق. (١) صرح بذلك فى المقدمة الثالثة التى مهدها فى المسألة الآتية ، وكأنه اخذ ذلك مما اشتهر فى تمثيلهم هنا بالصلاة والغصب ، وهناك بالصلاة والصلاة فى الدار الغصبية.

ويشكل ذلك بمثل ما لو ورد اكرم العلماء ، ولا تكرم الفساق ، فان النسبة بينهما بالعموم من وجه ومثله خارج عن محط البحث والنزاع لاتحاد المتعلق فى المأمور به والمنهى عنه ، كما انه لو ورد صل ولا تغصب فى صلاتك ، كان ذلك داخلا فى المتنازع فيه هذه المسألة ، والتمثيل بهذا المثال للعموم والخصوص المطلق اولى مما مثل به صاحب الفصول ره بما لو امره بالحركة ونهاه عن التدانى الى موضع

__________________

(١) ـ القوانين : ١٥٥.

٣٢٧

مخصوص فتحرك اليه (١) اذ العموم والخصوص والمطلق المشمول للمتنازع فيه فى هذه المسألة ما يكون عموما وخصوصا مطلقا باعتبار الاتحاد فى الوجود الخارجى كما عرفته فيما ذكرناه من المثال ، وفى مثاله العموم والخصوص بينهما موردى لا وجودى ، لظهور ان التدانى من البيت ناش عن الحركة الخارجية لا عينها ومتحد معها فى الخارج فمثاله اجنبى عن الممثل.

ومنهم صاحب الفصول قده حيث تمايز بين المسألتين باعتبار اتحاد الحقيقة فى المسألة الآتية واختلافها هنا (٢) ويتجه عليه مضافا الى ما سمعته منا من اختلاف المسألتين عن غير هذا الوجه وعدم ارتباط إحداهما بالاخرى ، الاشكال بما ذكره الماتن قده من «ان مجرد تعدد الموضوعات وتغايرها بحسب الذوات ، لا يوجب التمايز بين المسائل ما لم يكن هناك اختلاف الجهات ومعه لا حاجة اصلا الى تعددها ، بل لا بد من عقد مسألتين مع وحدة الموضوع وتعدد الجهة المبحوث عنها وعقد مسئلة واحدة فى صورة العكس.» اللهم إلّا ان يذب عنه بأنه ربما يكون الفصول ناظرا الى انه لا يتوهم احد عدم سراية النهى مع فرض اتحاد الحقيقة حتى يجىء النزاع فيه ، وانما يجىء النزاع ويكون مورد احتمال السراية وعدمها مع فرض الاختلاف فى الحقيقة ، فهو والماتن يتوافقان فى ان محط البحث وموضع النزاع فى هذه المسألة هو السراية وعدمها إلّا انه لا يرى صاحب الفصول موقعا لهذا النزاع الا مع فرض اختلاف الحقيقة ، اذ لا يحتمل عاقل عدم السراية فى صورة اتحاد الحقيقة ، فلا يكون على هذا مخالفا للماتن قده فى مبناه ويندفع عنه اشكاله حينئذ فأفهم وتأمل.

__________________

(١) ـ الفصول : ١٢٥.

(٢) ـ الفصول : ١٤٠.

٣٢٨

«فى اعتبار المندوحة وعدم اعتبارها فى محل النزاع»

الثالث : اشترط بعضهم فى محل النزاع ان يكون للمكلف مندوحة فى الامتثال بأن لم يحضر مصداق الكلى فى الفرد الذى هو مجمع العنوانين.

واورد عليه الماتن بما حاصله ان المنظور اليه فى هذه المسألة هو التكليف المحال لا التكليف بالمحال وفرق بينهما ، اذ الاول ينشأ من اجتماع حكمين المتضادين على محل واحد ، فمن قال بالجواز بنى على تعدد المحل والموضوع بتعدد الجهة ، ومن قال بالامتناع بنى على عدم كفاية التعدد فى الجهة فى رفع غائلة المحذور ولا فرق فى ذلك بين وجود المندوحة وعدم وجودها ، واما التكليف بالمحال فيفترق الحال فيه بين وجود المندوحة وعدمها ، اذ التكليف بالمحال محصله التكليف بغير المقدور ولا يكون الشىء غير مقدور الا مع فرض عدم المندوحة ، فهذا الشرط انما يتجه لو كان المحذور المنظور اليه فى نزاعهم فى هذه المسألة هو التكليف بالمحال ، وليس كذلك بل المنظور اليه فى كلماتهم هو التكليف المحال الذى لا يفترق الحال فيه بين وجود المندوحة وعدمها كما لا يخفى.

نعم القائل بالجواز لا بد له من اعتبار المندوحة اذ بدونها يكون التكليف تكليفا بالمحال ، ويكون ذلك مانعا عن التكليف فلا يكون التكليف به جائزا هذا.

واقول : انما يتجه اعتبار المندوحة واشتراطها بناء على القول بالجواز اذا بنى على عدم سراية الطلب من الطبيعة الى افرادها اذ

٣٢٩

حينئذ يصح الشرط المذكور ، اذ مع عدم المندوحة يستحيل التكليف بالجامع لتعذر امتثاله من غير طريق الفرد الغصبى والفرد الغصبى مردوع عنه بحكم العقل فرارا عن مخالفة النهى عن الغصب ، فيكون امتثال التكليف بالصلاة على هذا التقدير غير مقدور عليه بوجه من الوجوه.

واما على تقدير المندوحة فيمكن امتثاله فى غير الفرد الذى هو مجمع العنوانين وحينئذ لم يكن بأس فى التكليف بالجامع ويكون التكليف به جائزا.

واما اذا قلنا بالسراية كما هو المختار ، فلا وجه لهذا الشرط على القول بالجواز ، فضلا على القول بالامتناع لما تقدم من ان لازم السراية تعلق وجوب تخييرى فى الافراد المنحل الى طلب كل فرد مع المنع عن تركه حال ترك بقية الافراد ، فهذا الفرد الذى يكون مجمعا للعنوانين يكون منهيا عن تركه عند ترك بقية الافراد ومعناه لزوم ايجاده عند ترك بقية الافراد والفرض انه منهى عنه ايضا ، لكونه تحت النهى الشرعى ايضا بمقتضى ما سمعت منافى النهى من اقتضائه السراية الى تمام افراد متعلقه تقديما لمراعاة جانب الهيئة على جانب المادة وتحكيما له اياه ، ويستحيل البعث الى ايجاد شيء مع النهى بالبديهة.

فلا بد حينئذ من تقييد الطبيعة المأمور بها بغير هذا الفرد فيكون هذا الفرد خارجا عن حيز الامر ، فحينئذ ان اكتفينا فى الصحة بمجرد المحبوبية الذاتية ولم نقل بكون العبادة محتاجا الى الامر الفعلى كما قال به شيخنا البهائى قده على ما حكى عنه (١) صحت الصلاة

__________________

(١) ـ لم نعثر عليه.

٣٣٠

سواء كان للمكلف مندوحة او لم يكن له مندوحة ، وان لم نكتف بذلك واعتبرنا الداعوية عن الامر والبعث الفعلى بطلت هذه الصلاة سواء كان هناك مندوحة او لم تكن.

نعم يمكن القول بصحة الصلاة بناء على مختار الماتن الذاهب الى جواز ان يكون الامر داعيا الى غير متعلقه كما تقدم منه اختيار ذلك فى مسئلة الضد ، إلّا انه تقدم هناك الخدشة منا فيما اختاره بأن الداعوية المعتبرة فى صحة العبادة ما تكون بنحو العلة الفاعلية دون العلة الغائية ، والمتصور من الداعوية فى الفرد الخارج عن حيز الامر انما هو ما يكون بنحو الغاية التى لا تكاد تجدى فى صحة العبادة فتأمل فى المقام فانه من مزال اقدام الاعلام.

ثم انه ربما يتوهم جواز صدور العمل هنا عن داعوية الامر بالعلة الفاعلية بناء على القول بالترتب ، حيث انه يجوز للمولى النهى عن التصرف الغصبى فى هذه الدار المغصوبة ، وان تصرف فليكن تصرفه بنحو الصلاة كما لو قال المولى لعبده : لا تلق نفسك عن الشاهق وان ألقيت فألقها على بطنك لا على ظهرك كما مثل بذلك شيخنا الاستاذ دام ظله فيكون الامر بالصلاة على هذا مرتبا على النهى عن التصرف الغصبى وهو جائز عند القائل بالترتب كما لا يخفى.

ويدفعه ان مسئلة الترتب تبتنى على اختلاف الرتبة كما تقدم ذلك فى مسئلة الضد وهنا لم تختلف الرتبة بين الامر والنهى وانما هما فى عرض واحد ، فلا يلزم من القول بالترتب فى تلك المسألة القول بجواز الامر هنا بشيء مع فرض النهى عن ذلك الشىء فى رتبة واحدة كما لا يخفى وذلك ظاهر فتأمل فيه.

«الرابع انه ربما يتوهم تارة ان النزاع فى الجواز والامتناع يبتنى على القول بتعلق الاحكام بالطبائع واما الامتناع على

٣٣١

القول بتعلقها بالافراد ، فلا يكاد يخفى ضرورة لزوم تعلق الحكمين بواحد شخصى ولو كان ذا وجهين على هذا القول ، واخرى ان القول بالجواز مبنى على القول بالطبائع لتعدد متعلق الامر والنهى ذاتا عليه وان اتحدا وجودا والقول بالامتناع على القول بالافراد لاتحاد متعلقهما شخصا خارجا وكونه فردا واحدا.»

واجاب عنه الماتن قده بما حاصله ان محط نظر القولين جوازا وامتناعا ليس إلّا على تعدد الجهة وانه هل هو مجد فى توارد الحكمين المختلفين على شىء واحد او لا يجدى ، فبناء القول بالجواز على الاول ، وبناء القول بالامتناع على الثانى ، لا على القول بالطبائع او الافراد ، اذ من البين «ان تعدد الوجه ان كان يجدى بحيث لا يضر معه الاتحاد بحسب الوجود والايجاد لكان يجدى ولو على القول بالافراد فان الموجود الخارجى الموجه بوجهين يكون فردا لكل من الطبيعتين فيكون مجمعا لفردين موجودين بوجود واحد ، فكما لا يضر وحدة الوجود بتعدد الطبيعتين ، لا يضر بكون المجمع الاثنين بما هو مصداق وفرد لكل من الطبيعتين ، وإلّا لما كان يجدى اصلا حتى على القول بالطبائع كما لا يخفى لوحدة الطبيعتين وجودا واتحادهما خارجا.»

«فى اختلاف الجهات التى يبتنى القول بالجواز عليه»

ثم انه بعد ما عرفت من بناء القول بالجواز على كفاية تعدد الجهة فى اجتماع الامر والنهى ، فينبغى النظر فى الجهات المتعددة التى يمكن ابتناء القول بالجواز عليه ، وتهذيب القول فى ذلك ان من الجهات ما يكون اختلافها بالاجمال والتفصيل نحو اختلاف الانسان فى تصوره بالانسانية التى هى مرآة اجمالية حاكية عن حقيقته وتصوره بالحيوانية والناطقية التى هى مرأة تفصيلية لحقيقته ومثل هذا

٣٣٢

الاختلاف لا يكاد يجدى مصححا للقول بالجواز عند القائل به ، لحكاية الصورتين عن منشإ واحد متحد الذات متغاير المفهوم.

ومنها ما يكون اختلافها بحسب الاعتبار واللحاظ كاعتبار الشىء الواحد لا بشرط او بشرط لا ، فان اعتبر لا بشرط كان ذلك من قبيل الجنس والفصل يصح حملهما على ذلك الشىء وان اعتبر بشرط لا كان ذلك من قبيل الهيولى والصورة ، فيمتنع حملهما على ذلك الشىء.

وتوضيح المقال بأن يقال : ان اللحاظ اذا تعلق بقطعة من الذات فان اعتبرت متباينة للقطعة الآخر منها كانت القطعتان متباينتى اللحاظ وامتنع بذلك الحمل ، فلا يجوز حمل كل منهما على مجموع الذات ولا حمل احدهما على الآخر ، واذا تعلق بها باعتبار ما لها من الجهة المشتركة بينهما وبين صاحبها من الذاتية ، كانت بعينها الكل فكان يجوز حمل كل من الملحوظين على الآخر كما يجوز حمل كل منهما على تمام الذات ، فكأنك لاحظت الذات بتمامها من ناحية جزئها ، فكانت الذات بهذه الملاحظة متحدة مع جزئها فساغ الحمل بهذا الاعتبار ، ومثل هذا الاختلاف كالاختلاف بالنحو المتقدم ، ليس إلّا اختلاف اعتبارى مفهومى لا يجدى القول بالجواز ، اذ لا يكون إلّا حاكيا عن منشإ واحد لا اختلاف فيه اصلا كما لا يخفى.

ومنها ما يكون اختلافها اختلافا بالمنشإ إلّا ان الجهتين لا يجوز اعتبارهما جهتين تقييديين كى يصلحان لورود الحكمين عليهما لكونهما من الصفات الاعتبارية التى لا واقع لها الا بمنشإ انتزاعها كالملكية والزوجية ، فلو امر بإيجاد مملوك زيد ونهى عن ايجاد زوج هند لم يكن مثل هذا التغاير بين العنوانين يجدى مصححا للقول بالجواز ، ضرورة انه لا تصلح الزوجية ولا الملكية لتعلق الحكمين عليهما بنحو تعلقهما بسائر الطبائع المقررة فى نفس الامر والواقع

٣٣٣

اذ لا واقع لهما إلّا بالجعل وهو انما اعتبر فى فرض المثال جهة تعليلية لا تقييدية.

وربما يتوهم ان الوجه فى خروج مثله عن محط نظر القائل بالجواز هو اتحاد المتعلق فيه كاتحاده فى قولك اكرم العلماء ولا تكرم الفساق فان مثل هذا المثال لم يختلف فيه المتعلق ، فلا يتجه فيه القول بالجواز بناء على اعتبار تعدد الجهة ، وهنا قد وقع المتعلق فى مثال المملوكية والزوجية متحدا كما فى الاكرام اذ المطلوب فيه الايجاد وجودا وعدما.

ولكنك خبير بأنه توهم فاسد اذ الجهة فى مثال الاكرام لا بد وان تكون متحدة لا يسرى فيها الاختلاف الواقع فيما بين العلماء والفساق الى الاكرام الذى هو متعلق الامر والنهى لاختلاف مقوليتهما من حيث ان الاكرام من مقولة الفعل ، والعلم والفسق من مقولة الكيف ، وهذا بخلاف ما فرضناه من المثال اذ الايجاد المضاف الى الزوج والمملوك بعينه وجودهما لا يختلفان إلّا بالاعتبار فما يلحق الوجود من الاختلاف يكون لاحقا للايجاد وذلك ظاهر لا اظن ان يخفى عليك.

ومنها ما يكون اختلافها بالمنشإ والاعتبار وتكون من المحمولات بالضميمة التى لها ما بحذاء فى الخارج لا من خارجات المحمول التى ليس لها ما بازاء فى الخارج كما فى مثال الزوجية والمملوكية ، وذلك مثل الحلو وإلّا بيض ومثله انما يجدى الاختلاف فيه بهذا الوجه ، اذا لم يجتمع الوصفان فى مجمع واحد مشترك بينهما كالسكر وهو انما يكون كذلك لو قلنا بتجرد المشتق عن اعتبار الذات وقلنا ببساطته وعدم تركبه من الذات والمبدإ ، وإلّا فبناء على التركب لم يكن الجهتان بتمامهما متغايرتين حتى يكاد يجدى القائل بالجواز ، بل على البساطة لا يكاد يجديه ايضا بناء على ما قدمناه فى باب المشتق من ابتناء

٣٣٤

الحمل فيها على ملاحظة المشتق وجهة وعنوانا للذات بنحو النظر الآلي المرآتي ، اذ هو بناء على ذلك يكون حاكيا عن الذات وهى مشتركة بين الوصفين.

نعم لو قلنا ان مصحح الحمل فى المشتقات هو اعتبارها لا بشرط يتجه التغاير بين الوصفين بتمام الجهات والحيثيات ، والكلام فى ذلك قد تقدم فى بحث المشتق بما لا مزيد عليه ان شئت فراجع.

ومنها ما يكون الاختلاف فيما بينها بنحو اختلاف الجنسية والفصلية والنوعية والشخصية ، فان كلا منها يحكى عما لا يحكى عنه الآخر ومثل هذا الاختلاف هو الذى ينبغى ان يكون المتيقن فى كلام القائل بالجواز المجتزى بتعدد الجهة. إلّا ان المعروف فى المثال المضروب فى كلامهم هنا هو الصلاة والغصب وقد اختلف الانظار فى بيان معناهما :

فقيل : هى الخضوع الذى هو امر معنوى متولد من الاكوان الخاصة المقصودة ، وعلى هذا لا تكون الصلاة فى عرض الغصب ، بل هما طوليان لانتزاع الغصبية من الكون المتحد مع الافعال الخاصة المترتب عليها الخضوع.

وقيل : ان الصلاة هى الاوضاع الخاصة من الركوع والسجود وغير ذلك والغصب هو الكون فى مكان لا يرضى به صاحبه وعلى هذا يكون الغصب والصلاة متغايرين مصداقا مجتمعين فى الوجود.

وقيل : ان الصلاة هى الكون الخاص والغصب هو الكينونة فى مكان لا يرضى به صاحبه وهذا نظير سابقه فى التغاير المصداقى.

وقيل : ان الصلاة هى كون خاص والغصب ايضا كون خاص فيشتركان على هذا فى الكون ويفترقان بالخصوصية فيكون تمايزهما بتمايز الاضافة فباعتبار اضافة الكون الى ما لها من هيئات الركوعية

٣٣٥

والسجودية والموالات والترتيب ونحو ذلك يمتاز به الصلاة عن الغصب ، وباعتبار اضافة الكون الى المكان الذى لا يرضى به صاحبه يمتاز به الغصب عن الصلاة ، وليست هاتان الاضافتان من قبيل الاعتبارات التى لا واقع لها الا بمنشإ انتزاعها كما سمعته فى الملكية والزوجية ، ضرورة ان الهيئات الوضعية فى الحركات الصلاتية متحققة الوجود فى عالم الخارج ولا ينحصر واقعيتها باللحاظ الذهنى كما فى الاعتباريات المحضة ، وكذلك الاضافة الى مكان لا يرضى به مالكه متحققة الوجود سواء كان هناك لاحظ او لم يكن ، فيجوز حينئذ ان تكون هاتان الاضافتان متعلقين للاحكام ويصح اعتبارهما جهتين تقييديتين.

ولا يبعد القول بصحة قول الاخير ، وربما يستأنس لذلك فى الصلاة بما اشترطوه فى بعض الاوضاع الصلاتية كالقيام مثلا من اعتبار الاستقلال فيه ، فلا يجتزى بالقيام لو كان بنحو الاستناد على الحائط او العصاء فمثل هذا يقرب اعتبارا لكون من مفهوم الصلاة كما ان الغصب على ما هو المتبادر منه ليس إلّا التصرف فيما لا يرضى به صاحبه ولا ريب ان هذا المعنى يتضمن الكون ايضا كالصلاة فأشترك الغصب والصلاة بناء على ذلك فى جزء ، هو الكون وانفرد كل منهما عن الآخر بإضافة خاصة مختصة به ، وليس فى العقل ما يحيل ذلك الاشتراك بين المفهومين فى جزء ذاتى بينهما حتى يتخذ ذلك قرينة عقلية على الخروج عن المتفاهم العرفى كما لا يخفى.

فإن قلت : اشتراك عنوانى الصلاة والغصب فى مقولة الفعل يستلزم اجتماع الفعلين فى فعل واحد يكون ذلك مجمعا للعنوانين وهو محال ، لاستحالة اتحاد الفعلين فى فعل واحد ، فلا محيص من الالتزام بالمغايرة بينهما والاختلاف فى المقولة ، فتكون الصلاة على هذا من مقولة الفعل ، والغصب من مقولة الاين وهى الكينونة

٣٣٦

فى المكان الغصبى كما قال المحقق السبزوارى فى منظومته :

هيئة كون الشىء فى المكان

اين متى الهيئة فى الزمان (١)

قلت : لم يعلم معنى محصل لدعوى استحالة اجتماع الفعلين واتحادهما فى فعل واحد ، فإن اريد من ذلك امتناع اجتماع الفعلين المتمايزين خارجا فى فعل واحد شخصى ، فهو حق إلّا انه لا مساس له بالمدعى ومحل البحث اصلا كما لا يخفى ، فإن المدعى انطباق عنوانين كليين على مصداق واحد سواء كان العنوانان من مقولة واحدة او مقولتين. وان اريد من ذلك امتناع انتزاع عنوانين متفقى المقولة من منشإ واحد وانه يستحيل انطباق عنوانين متوافقى الذات والحقيقة على مصداق واحد ، فهو واضح الضعف اذ كما يجوز فى المجمع ان يكون حاويا لجامعين مختلفى المقولة بالفعل والوضع ، كذلك يجوز فيه ان يكون حاويا لجامعين متفقى الحقيقة متغايرى الحد كأن يكون كل واحد من المفهومين محدودا بحد يغاير الحد الآخر ، فينطبق العنوانان بما هما عليه من التمايز الحدى على ذلك الجمع ، فيكون المجمع على هذا واجدا للحدين ومثاله ان نفرض انتزاع جامع انسانى مضيق الدائرة على وجه لا يكون له سعة انطباق على ازيد من فردين معينين من الانسان هما زيد وعمرو ، ثم ننتزع جامع آخر انسانى محدود بحد آخر متضيق الدائرة على وجه لا يكون له سعة انطباق على ازيد من فردين معينين من الانسان ايضا وهما زيد وبكر خاصة فأشترك العنوانان فى زيد ، فاذا انطبقا عليه لم يكن بينهما تمايز فيه الا بالحد لا بالحقيقة والماهية لكونهما متوافقين فى الحقيقة الانسانية ، وانما تمايزا بالحد خاصة ، فهذا ممكن لا يأباه العقل

__________________

(١) ـ المنظومة فى الحكمة : ١٤٣.

٣٣٧

ولم يقم برهان على استحالته ، فلم يبق لنا ما يتبين به معنى المراد من عنوانى الغصب والصلاة الا الوضع ومتفاهم العرف وهو انما يقضى بما سمعته آنفا من ان الصلاة كون مشوب بوضع خاص وكذلك الغصب فاشتركا حينئذ فى جزء ذاتى هو الكون ، وافترقا باختلاف نحوى الوضع فيهما كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام فى بيان الصور المفروضة فى تعدد الجهات ، وقد عرفت ان اختلافها بالاجمال والتفصيل او باعتبار اللابشرط وبشرط لا ، او بنحو الزوجية والملكية ، لا يكاد يجدى فى القول بجواز الاجتماع الا المجدى من تعدد الجهة ما يكون تعددها مفهوما وبمنشإ الاعتبار ويكون اعتبار الجهة فى الموضوع بنحو الجهة التقييدية دون التعليلية ولم يجتمع هذان الشرطان فيما ذكرناه من هذه الصور الثلث لاتحاد المنشا فى الصورتين الاولين واعتبار الجهة جهة تعليلية فى الصورة الثالثة.

وربما يقال : بكفاية القول بتعدد المفهوم وحده فى القول بالجواز ، لان الاحكام انما تتعلق بالصور ولا تتعدى الى الخارجيات ، فلا يضر فيها وحدة المنشا وبهذا الوجه وبما نقول بجواز الحكم بالوجوب الغيرى فى اجزاء المركب اذا لوحظت مستقلة بحيالها ، والوجوب النفسى اذا لوحظت فى ضمن الكل لاختلاف الصورة فى مرحلة اللحاظ والتصور ، فاذا اختلفت الصورة جاز فيها اختلاف الحكم المتعلق بها وان اتحدت فى المنشا ، اذ المدار فى لحوق الاحكام لموضوعاتها على الملحوظات الذهنية دون الخارجية بناء على ما هو التحقيق من عدم سراية الاحكام الى الخارجيات ، فأذن لا مانع من توارد الحكمين المتضادين او متماثلين على صورتين ذهنيتين اذا كانا متحدتين منشأ فضلا عما اذا كانا مختلفين بالمنشإ ، فجاز فى صورتى

٣٣٨

الاختلاف بالاجمال والتفصيل او اللابشرط وبشرط لا ، ان يجتمع فيهما الامر والنهى.

نعم يمتنع اجتماعهما فى الصورة الثالثة لما سمعت من اعتبار الجهة فيها تعليلية لا يمكن تعلق الحكم بها ، فإن تعلق حكم فلا بد من البناء على تعلقه بالخارج وما فى الخارج واحد لا تعدد فيه هذا.

ولكن يتجه على ما ذكر من القول بالجواز فى الصورتين الاوليين بأن الصورة فيهما وان اختلفت بالمفهوم إلّا انها بما هى حاكية عما فى الخارج ترى عين الخارج المتحد فيتسرى الاتحاد والوحدة الى الصورة الحاكية ايضا بالتبع ، ويكون ذلك مانعا عن توارد الحكمين على تلك الصورة المرئية واحدا بالنظر العبورى المرآتي ، ومن ذلك يظهر لك بطلان القول بجواز اجتماع الوجوب الغيرى والنفسى فى اجزاء المركب.

فالتحقيق حسب ما يؤدى اليه النظر الدقيق خروج الصورتين الاوليين كالصورة الثالثة عن مورد اعتبار تعدد الجهة فى كلام القائل بالجواز ، واما بقية الصور فربما يمنع تعقل الاجتماع فيما يشترك فيه الجهتان فى جزء واحد كما فى مثال الغصب والصلاة بناء على المختار من اعتبار الكون جزء لكل منهما وكما فى مثال الحلو وإلّا بيض بناء على اعتبار الذات جزءا من مفهوم المشق ، وصورة الشبهة ان اختلاف الحكمين بالوجوب والحرمة يستدعى تعدد الموضوع فاذا اشترك الموضوعان فى جزء واحد ذاتى كان ذلك الجزء مركبا لمجموعى الحكمين ، وهو مستحيل لامتناع اجتماع المتضادين فى محل واحد.

وبعبارة اخرى : لما كان الغصب عبارة عن الكون المقيد بالكينونة فى محل لا يرضى به صاحبه والصلاة عبارة عن الكون المقيد بنحو خاص عن الركوع والسجود وغير ذلك من أجزائها الخارجية ، فاذا

٣٣٩

كانت الصلاة واجبة كانت بتمام اجزاء مفهومها تحت الحكم الوجوبى فيلحق الكون طرف من الوجوب يسمى بالوجوب الضمنى وكذلك الغصب اذا كان حراما كان بتمام اجزاء مفهومه تحت حكم الحرمة ، فيلحق الكون طرف من الحرمة يسمى بالحرمة الضمنية فاجتمع فى الكون الواحد وجوب وحرمة ضمنيان وهو محال ، فلا بد فى مورد الاجتماع والتصادق من الالتزام بارتفاع واحد من الحكمين الضمنيين واذا ارتفع الحكم الضمنى عن الكون لزم منه ارتفاعه ايضا عن الخصوصية ، ضرورة ان بقاء الحكم على ضمنيته فى جانب الخصوصية ، يلازم بقاء الحكم بتمامه وهو مستحيل بعد ارتفاع ضمنيته عن الكون المفروض جزئيته للصلاة ، لاستحالة بقاء الكل بعد ارتفاع جزئه.

نعم يجوز استقلال الخصوصية بحكم استقلالى اذا قام الدليل عليه والمفروض خلافه ، اذ لا دليل يدل على وجوب الخصوصية الصلاتية الا الامر بالصلاة المنبسط على تمام اجزاء مفهومها وذلك الامر لما استحال اجتماعه مع النهى عن الغصب فى مورد الاجتماع والتصادق ، فلا بد من الحكم بسقوط الوجوب الضمنى عن الكون وذلك يستلزم سقوطه عن الخصوصية الصلاتية ايضا فتكون الصلاة بتمام اجزاء مفهومها خالية عن الحكم الوجوبى ضمنا واستقلالا ، اما الضمنى فلما عرفته واما الاستقلالى فلعدم الدليل عليه.

قلت : الدليل على الوجوب الاستقلالى موجود لظهور ان المصلحة الالزامية القائمة فى الصلاة باقية فيها لم يرفعها تزاحم الحكمين فى الكون المتحقق فى المجمع وتلك المصلحة قد منع عن فعليتها المزاحمة بالنسبة الى جزء الكون الخاصة ، فتبقى المصلحة فى الاضافة الى الخصوصية بحالها غير مزاحمة بشىء فيلزم مراعاتها فى جانب الخصوصية ، فان كانت مفسدة الحرمة فى الكون الذى هو

٣٤٠