تحرير الأصول - ج ١

آية الله الشيخ مرتضى النجفي المظاهري الإصبهاني

تحرير الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ مرتضى النجفي المظاهري الإصبهاني


المحقق: حمزة حمزوي
الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

بين المحرم من افرادها وغيره تكون واجبة ، فينوى بها التقرب باعتبار ذلك الجامع ولا بأس به بناء على القول بجواز الاجتماع ، وليس الجامع فيها هو عنوان المقدمية لكى يرد عليه ما فى المتن من «ان الواجب ما هو بالحمل الشائع مقدمة لا بعنوان المقدمة فيكون على الملازمة من باب النهى فى العبادة والمعاملة» انتهى.

لان عنوان المقدمية منتزع عن الشىء بعد اتصافه بشأنية الايصال ، فيستحيل استناد التأثير الى ما هو متأخر عن شأنية الايصال الذى هو عنوان المقدمية ، لان استناد التأثير الى ذات المقدمة هو العلة والسبب فى اتصاف الذات بالمقدمية ، فتكون المقدمية على هذا التقدير معلولة لصلاحية التأثير القائم بذات المقدمة.

وان شئت قلت : ان صلاحية التأثير القائمة بذات المقدمة هى منشأ انتزاع المقدمية عن ذات المقدمة فحينئذ يكون المقدمية صفة متأخرة رتبة عن صلاحية التأثير والايصال الى ذى المقدمة ، ويمتنع استناد التأثير الى صفة متأخرة عن اعتبار التأثير نفسه ، فلا بد من استناده الى جهة اخرى قائمة بذات المقدمة غير عنوان المقدمية ، فاذا كانت المقدمة منحصرة فى فرد واحد امكن ان يكون لخصوصية ذلك الفرد دخل فى الايصال واستناد الاثر.

واما اذا لم تكن منحصرة فى فرد واحد بل كانت ذات فردين احدهما فرد مباح والآخر محرم ، فلا بد ان يكون المؤثر فى حصول ذى المقدمة هو معنى جامع بين الفردين غير عنوان المقدمية ، فإن قلنا بجواز الاجتماع الامر والنهى كان له ان يأتى بالمقدمة المحرمة بقصد التقرب بذلك الجامع كما فى الصلاة فى الدار المغصوبة.

ان قلت : «لا يكاد يلزم الاجتماع اصلا لاختصاص الوجوب بغير المحرم فى غير صورة الانحصار به.»

٢٦١

قلت : ان كان المقصود من اختصاص الوجوب بغير المحرم ، هو ارشاد العقل تعيينا الى التوصل بالفرد المباح فهو مسلم ، إلّا ان ذلك لا يخرج الفرد المحرم عن الفردية لذلك العنوان الجامع المشترك بين الفردين ، وان كان المقصود منه خروج الفرد المحرم عن الفردية لذلك العنوان الجامع ، ففيه منع واضح لا يكاد يخفى ، واذا كان الفرد المحرم باقيا على فرديته كان من قبيل الصلاة فى الدار المغصوبة لو اختار المكلف امتثال الامر المتعلق بكليه فى ضمن ذلك الفرد الحرام ، جاء فيه الكلام المقرر فى مسئلة الاجتماع الامر والنهى واتجه القول بالاجتزاء بذلك الفرد الحرام بناء على جواز الاجتماع

وبالجملة ليس المقام الا من موارد المسألة المبحوث عنها فى اجتماع الامر والنهى ويجىء فيه الكلام المقرر ثمة ، وتظهر ثمرة القول بوجوب المقدمة فيه بما بيناه آنفا من زيادة التوسعة فى مقام الامتثال والطاعة.

ومنه يعلم ما فى المتن من «ان الاجتماع وعدمه لا دخل له بالتوصل بالمقدمة المحرمة وعدمه اصلا.» الى آخر كلامه المذكور فى ايراده الثالث.

اذ الغرض المقصود من ذكر هذه الثمرة ما عرفت من زيادة التوسعة فى طريق الامتثال وكيفية التقرب ، فانه على القول بوجوب المقدمة يتمكن المكلف فى مقام امتثاله بالمقدمة ان يأتى بها بداعى الارادة المتعلقة بها ، كما يتمكن من امتثاله بها مع قصد التوصل الى المحبوب النفسى الذى هو ذو المقدمة ، او مع قصد تحصيل الغرض المترتب على حصول ذى المقدمة.

اللهم إلّا ان يكون نظره قده فى كلامه هذا الى ان مثل ذلك لا يصلح ان يكون ثمرة بحيالها يمتاز بها مسئلة اجتماع الامر والنهى

٢٦٢

عن غيرها ، فإن التوسعة فى كيفية الامتثال يتحقق فى كل مقدمة ترشح اليها الوجوب الشرعى سواء كان من موارد اجتماع الامر والنهى او من غيرها ، فتفريع اجتماع الامر والنهى على القول بوجوب المقدمة غير جيد ، وكيف كان فالامر سهل بعد تحقق الثمرة وترتبها على القول بوجوب المقدمة بما عرفته آنفا بما لا مزيد عليه.

نعم ما ذكره قده فى هذا المقام من ظهور الثمرة فى بر النذر بإتيان مقدمة الواجب عند نذر الواجب وغير ذلك من الثمرات المنقولة فى الكفاية ، غير خال عن النظر سيما فى النذر ، فإن تطبيق الحكم الفرعى الكلى على بعض مصاديقه ليس يعد ثمرة لمسألة اصولية فلو نذر ان يأتى بواجب شرعى لزمه الوفاء بنذره ، فاذا بنى على وجوب المقدمة تحقق فرد للواجب الشرعى وهو المقدمة فانطبق عليه الوجوب الشرعى الذى لزمه اتيانه ، وليس مثل هذا من ثمرات المسألة الاصولية اذ ليس ذلك من قبيل الحكم الفرعى الكلى الذى مهدت لاستنباطه المسألة الاصولية ، بل هو مورد شخصى انطبق عليه ما هو واجب يلزمه اتيانه بالنذر. والحاصل ان هذا ونظائره لا ينبغى جعله ثمرة من ثمرات المسائل الاصولية.

واما الكلام فى بقية الثمرات فيظهر من مراجعة الكفاية فلا نطيل الكلام فيما يرد عليها من الاشكال والاختلال.

٢٦٣

«فى تأسيس الاصل فى المسألة»

«بقى الكلام» فى تأسيس الاصل فى المسألة وينبغى ان يعلم انه لا مجرى للاصل فى المقدمة الا على فرض الشك فى وجوبها ، ولا يشك فى وجوبها الا على فرض الشك فى تحقق الملازمة بين وجوبها ووجوب ذى المقدمة ، واذا شك فى الملازمة فقد حصل القطع والجزم بانتفاء الدلالة الالتزامية ، لان الدلالة لا تتحقق الا بعد العلم بالملازمة فمع عدم العلم بالملازمة تنتفى الدلالة جزما ، نظير الشك فى حجية الظن فانه مساوق للقطع بعدم حجيته ، وحينئذ مع الجزم بعدم الوجوب لا يبقى مجال للتمسك بالاصل حتى يتجه فى ذلك ما افاده الماتن قده من ان «نفس وجوب المقدمة يكون مسبوقا بالعدم حيث يكون حادثا بحدوث وجوب ذى المقدمة فالاصل عدم وجوبه». انتهى

ولئن سلم تبعية الدلالة الالتزامية لواقع الملازمة لا للعلم بها ، امكن الخدشة فى جريانه بأن مفاد الاصل ليس إلّا نفى الوجوب فى الظاهر دون الواقع ، ومن البين المعلوم عند البصير انه على فرض الملازمة الواقعية يمتنع انتفاء الوجوب ظاهرا عن المقدمة بعد تنجز الوجوب وفعليته بالنسبة الى ذى المقدمة ، كما هو المفروض لامتناع التفكيك بين الوجوبين.

ودعوى جواز التفكيك بينهما فى مرحلة الفعلية كما بنى عليه الماتن ، كلام لا نفهم محصله بعد ان كان وجوب المقدمة بطبعه تبع وجوب ذيها.

٢٦٤

ولئن سلم جواز التفكيك بينهما فى مرتبة الفعلية نقول ان من المقرر فى غير هذا المقام ان جريان الاصول يتبع الاثر العملى وان مآلها فى باب الاستصحاب الى الامر بالمعاملة فى زمان الشك معاملة اليقين السابق ، ولا ريب انه مع لزوم الاتيان بالمقدمة من باب اللابدية بحكم العقل لا يبقى فى البين اثر عملى يترتب على البناء على عدم وجوب المقدمة.

اللهم إلّا ان يقال : انه يكفى فى الاثر العملى عدم برء النذر بها مع استصحاب عدم وجوبها هذا.

والمسألة بعد محتاجة الى تجديد نظر وتأمل.

«نقل الاقوال فى الملازمة وعدمها والمختار منها»

واذ قد عرفت ما تلوناه عليك ، فأعلم ان القوم فى القول بالملازمة بين وجوب المقدمة وذى المقدمة على اقوال :

فقائل منهم بالملازمة مطلقا وهو الاقرب وقائل بعدمها كذلك ، ومفصل بين الشرط الشرعى فكالاول وغيره فكالثانى ، ومفصل آخر بين السبب فكالاول وغيره فكالثانى.

لنا شهادة الوجدان وهو من اعظم البرهان ، على ان القصد والارادة اذا تعلقا بشىء لزمه تبعية ارادة مقدماته بالضرورة ، أفلا تنظر فى نظائر المقام التى تردد بصورة التكليف الصادر من غير الشارع نحو الامر بالسقى وشراء اللحم ونحوهما مما تعلقت ارادة المولى بها ، ومع ذلك هى فى نفس الامر والواقع ليست إلّا ارادات غيرية برزت فى عالم التكليف بصورة الارادة النفسية ، فلو لا انها مرادة بسبب تعلق الارادة بما يترتب عليها من الاغراض

٢٦٥

والمقاصد من رفع العطش وسد الرمق ، لما كان فى التكليف بها مجال ، فمثل ذلك كاشف عن انجبال النفوس كلية على ان الشىء اذا كان مرادا للطالب كانت مقدماته مطلوبة بالتبع ، هذا مع ان حال الارادة التشريعية كحال الارادة التكوينية ، فكما ان فى الارادة التكوينية اذا تعلق القصد بإيجاد شىء يتشاغل اولا فى تحصيل مقدماته ، فكلما يوقعه من تلك المقدمات يوقعها عن قصد وارادة ، فكذلك فى الارادة التشريعية اذا تعلقت ارادة المولى بإيجاد شىء على يد عبده وباختياره فانما يريده ويريد مقدماته المتوصل بها اليه ايضا بالارادة المولوية كما فى ذى المقدمة.

وقد انقدح بذلك ضعف التفصيل بين انحاء المقدمات بنحو السببية او غيرها والشرط الشرعى وغيره لعدم فرق الوجدان بينها كما هو ظاهر لا يكاد يخفى.

ولا حجة فيما احتج به ابو الحسن البصرى للمدعى وان كان مدعاه حقا ، إلّا ان دليله غير واف بالدلالة على مدعاه كما يعرف ذلك من مراجعة الكفاية.

واما ما احتج به المفصل بين السبب وغيره ، بأن المسبب لما لم يكن مقدورا إلّا بسببه ، انصرف التكليف الى سببه لانه المقدور دون مسببه ، ففيه ان المسبب تارة يكون وجوده مستندا الى السبب وحده ويكون السبب تمام العلة فى وجود ذلك المسبب كجز الرقبة الذى هو تمام العلة للقتل بحسب العادة ، واخرى لا يكون كذلك بل يستند وجود المسبب اليه والى غيره نحو القاء الخشب فى النار فانه ليس تمام العلة للاحتراق بل الاحتراق يستند الى النار والالقاء معا بل وعدم المانع نحو الرطوبة ، فان كان من قبيل الاول كان المسبب بتمام مراتب وجوده مقدورا للمكلف بالواسطة وجاز تعلق التكليف به ، وان كان

٢٦٦

من قبيل الثانى كان المسبب مقدورا للمكلف من ناحية ما يقدر عليه من الالقاء دون تأثير النار فى الخشب ، فالتكليف وان كان بحسب ظاهره متوجها الى الاحراق والاحتراق بتمام مراتب وجوده ، إلّا ان المطلوب من المكلف ليس إلّا ما يتأتى من قبله من الالقاء دون ما يتأتى من قبل النار.

واما المقدمة الحرام والمكروه ففى اتصافهما بالحرمة او الكراهة لو ترتب عليهما الحرام والمكروه او لا؟ وجهان او قولان مختار الماتن هو الثانى والاقرب هو الاول ، وينبغى ان يعلم اولا ان محل النزاع والخلاف ليس فى المقدمة التى هى جزء اخير للعلة التامة ، اذ لا يكاد يشك فى اتصافهما بالحرمة او الكراهة عند الفريقين ، كما انه من المعلوم البين عند كل احد انه لا بأس بالمقدمة التى لم يترتب عليها الحرام او المكروه اذا لم يقصد بها التوصل اليهما ، واما اذا قصد بها التوصل اليهما فليس عليه لا حرمة التجرى مع عدم ترتب الحرام او المكروه على تلك المقدمة ، فان ترتبا عليها يجىء فيها الخلاف فى ترشح الحرمة او الكراهة اليها فانقدح مما ذكرناه ان مورد الخلاف بين الفريقين فى ترشح الحرمة او الكراهة من ذى المقدمة الى المقدمة ، انما هو فى المقدمة التى ترتب عليها الحرام او المكروه غير الجزء الاخير من العلة التامة ، سواء قصد بها الايصال الى ذى المقدمة او لم يقصد ذلك.

وتظهر ثمرة الخلاف فيمن توضأ بماء مباح وصار يتقاطر منه الماء المستعمل فى وضوئه على الاناء الغصبى او الارض المغصوبة ، فانه بناء على المختار يبطل الوضوء مع تمكنه من حبس القطرات المتقاطرة من اعضائه ، ولو بوضع كفه تحت وجهه لجمع القطرات التى تتقاطر من وجهه مثلا ، فان وضوئه ذلك بأجمعه مقدمة للتصرف فى الاناء

٢٦٧

المغصوب فيترشح اليه الحرمة من ذى المقدمة ويختل بها القربة المعتبرة فى صحة الوضوء.

واما بناء على القول الآخر فلا يبطل وضوئه وان حرم عليه ارسال الماء المتقاطر من اعضائه الى الاناء الغصبى ، لان الحرمة على ذلك القول لا تسرى الا الى الجزء الاخير الذى هو عدم حبس القطرات المتقاطرة على الاناء الغصبى ، فيبقى الوضوء على حكمه الرجحانى المصحح للتقرب به.

وكيف كان فقد احتج الماتن قده لما اختاره بأن باب الاختيار بعد لم ينسد على المكلف لو اتى بالمقدمة لانه «يتمكن معها من ترك الحرام او المكروه اختيارا كما كان متمكنا قبل اتيانها ، فلا دخل لها اصلا فى حصول ما هو المطلوب من ترك الحرام او المكروه ، فلم يترشح من طلبه طلب ترك مقدمتهما.»

ويدفعه ان المناط فى سراية الحرمة ليس هو عدم التمكن من ترك الحرام حتى يدور الحكم بحرمة المقدمة مداره ، بل المناط هو الدخالة وهى قائمة فى تمام المقدمات لا بخصوص جزء الاخير الذى «لا يتمكن معه من الترك المطلوب» ولا محالة ان ما له الدخالة فى تحقق الحرام او المكروه «يكون مطلوب الترك ويترشح من طلب تركهما» طلب ترك لا «ترك خصوص» مثل «هذه المقدمة.»

إلّا ان حال هذه المقدمات فى اتصافها بالحرمة كحال مقدمات الواجب فى اتصافها بالوجوب وقد عرفت ان اتصاف الواجب بالوجوب ضمنى ، فكذلك هذه المقدمات لا تتصف بالحرمة الا ضمنا لا استقلالا ، اذ لا جهة لحرمة المقدمات الا حرمة ذيها ، وظاهر ان الحرام لم يكن محرما إلّا اذا اتى به تماما وكمالا بالوجود المطلق الساد لجميع الابواب المتصور فيها انعدامه من قبل انعدام واحد من مقدماته

٢٦٨

فوجوده المطلق المتوقف على وجود المقدمات هو المبغوض ، فيترشح منه المبغوضية الى جميع المقدمات على حسب ما هو متوقف عليها ، فيلحق كل مقدمة من تلك المقدمات حرمة ومبغوضية ضمنية على نحو ما سمعته فى مقدمات الواجب المطلق فتأمل جيدا.

«حول اقتضاء الامر النهى عن ضده»

«فصل الامر بالشىء هل يقتضى النهى عن ضده او لا؟ فيه اقوال» وتحقيق الحق فيه ان الضد ان كان ضدا خاصا فلا دلالة فى الامر بالشىء على النهى عنه ، فلو امر بإزالة النجاسة عن المسجد لم يدل ذلك على النهى عن الصلاة ، وان كان ضدا عاما كان للامر بالشىء دلالة على النهى عنه التزاما ، بل كان الامر بالشىء عين النهى عنه بوجه كما سيأتى بيانه إن شاء الله تعالى.

«الكلام فى الضد الخاص»

ولنقدم البحث اولا فى الضد الخاص ثم نتبعه بالبحث عن الضد العام ، فنقول مستعينا بالله ومتوكلا عليه فى كل الامور.

اعلم ان ما يتوهم منه الاستدلال على الدلالة على النهى عن الضد الخاص احد الامرين : احدهما مقدمية ترك الصلاة لفعل الازالة مثلا. ثانيهما استلزام فعل الازالة لترك الصلاة.

والتقريب فى الاول ان وجود احد الضدين مانع عن وجود الآخر ، ومعلوم ان عدم المانع شرط لوجود الممنوع ، ولما كان بين الصلاة والازالة مضادة كان وجود الصلاة مانعا عن وجود الازالة فكان ترك

٢٦٩

الصلاة شرطا لوجود الازالة ، واذا كان ترك الصلاة شرطا لوجود الازالة كان مقدمة وجودية لتحققها فاذا وجبت الازالة كما هو المفروض لاهميتها من الصلاة ، كان ترك الصلاة واجبا ايضا لكونه مقدمة وشرطا فى تحقق الازالة ، وقد عرفت فى المبحث السابق اختيار تبعية المقدمة لذيها فى الوجوب فاذا وجب ترك الصلاة كان فعل الصلاة محرما وهو عين المدعى.

ويمكن الواجب عنه عن وجوه.

الاول : انا لا نسلم اقتضاء المضادة بين الشيئين مقدمية ترك احدهما لوجود الآخر ، اذ ذلك من شئون التمانع بين الشيئين دون التضاد وفرق بين الضد والمانع ، فان الضد ما زاحم ضده فى الوجود والمانع ما زاحم المقتضى فى التأثير ، فمثل الهواء يزاحم الضياء فى تأثيره فى الإضاءة فهو يسمى عندهم مانعا ، ومثل السواد يزاحم البياض فى وجوده ويسمى عندهم بالضد ، ومورد البحث من قبيل الثانى فلا يكون عدمه شرطا فى وجود الضد الآخر.

الثانى : انه يلزم من مقدمية ترك الصلاة لوجود الازالة تقدم الشىء على نفسه وهو محال ، بيان الملازمة انه من المتسالم عليه بينهم ان كل شىء كان مقدما على شىء آخر فى الرتبة ، كان نقيض ذلك الشىء مقدما على الشىء الآخر كذلك ، كما انه اذا كان شيء متاخرا عن شىء آخر رتبة كان نقيضه متأخرا عن ذلك الشىء الآخر كذلك ، فرتبة العلة لما كانت مقدمة على رتبة المعلول ، كان رتبة نقيضها مقدمة على رتبة المعلول ايضا وحينئذ نقول : هنا ان ترك الصلاة اذا كان شرطا فى تحقق الازالة كان رتبة مقدما على الازالة وعلى ترك الازالة ايضا لتوافق النقيضين فى الرتبة حسب الفرض.

ثم نقول : ان ترك الازالة ينبغى ان يكون شرطا فى تحقق الصلاة

٢٧٠

ايضا لان الازالة ضد للصلاة كما ان الصلاة ضد لها ، وقد اعترف المستدل بأن ترك كل ضد شرط لوجود الضد الآخر ، واذا كان ترك الازالة شرطا لوجود الصلاة كان ذلك الترك مقدما على وجود الصلاة وعلى تركها ايضا بمقتضى ما عرفت من توافق النقيضين فى الرتبة ، وحينئذ يكون ترك الازالة مقدما على ترك الصلاة الذى كان «اى ترك الصلاة» متقدما عليه «اى على ترك الازالة» بمقتضى شرطيته لوجود الازالة ، وهذا بعينه تقدم الشىء على نفسه لاقتضائه تقدم ترك الازالة على ترك الازالة وهو محال.

الثالث : انه يلزم على ذلك مقدمية الازالة لترك الصلاة اذ المانع بوجوده علة تامة لانتفاء الممنوع ، فكانت الازالة على هذا اولى بالمقدمية من ترك الصلاة ، وحينئذ نقول : فعل الازالة يتوقف على ترك الصلاة لان ترك الصلاة شرطا فى وجود الازالة وترك الصلاة يتوقف على فعل الازالة ، لان فعل الازالة علة تامة وسبب لترك الصلاة ، فتوقف الشىء على ما يتوقف عليه وهو الدور المحال.

وهو ناش من البناء على مقدمية ترك الصلاة لفعل الازالة فكان ذلك باطلا لاستلزامه المحال وما يستلزم منه المحال فهو محال.

ولا يرد عليه ما قيل : من ان ترك الصلاة لم يستند الى وجود الازالة بل الى الصارف الذى هو عدم ارادة الصلاة.

لانا نقول فى جوابه : انا نقيم البرهان الجزمى على استناده اليها ايضا كاستنادها الى الصارف ، فان الصلاة لو اريد ايجادها توقف ايجادها على ارادة هى المقتضى لوجودها وانتفاء المانع الذى بزعم المستدل ينطبق على ترك الازالة ، فكانت ارادة الصلاة مع عدم الازالة مجموعا علة واحدة لتحقق الصلاة ، ومعلوم ان انتفاء المعلول الذى هو الصلاة يكفى فيه انتفاء جزء واحد من اجزاء علته

٢٧١

المركبة ، فيكون انتفاء كل واحد من أجزاء علته علة تامة لانتفاء المعلول ، فاذا انتفت ارادة الصلاة كفى ذلك فى انتفاء الصلاة ، كما انه مع فرض حصول ارادة الصلاة لو انتفى ترك الازالة بأن تحققت الازالة المانعة عن الصلاة انتفت الصلاة ايضا ، فأما اذا انتفى كل واحد منهما استند ترك الصلاة اليهما معا ، لان العلتين اذا اجتمعتا معا استند التأثير اليهما ، لا الى احدهما المعين لبطلان الترجيح بلا مرجح ، ولا الغير المعين لامتناع التأثير من واحد مبهم واقعا وفى نفس الامر ، فلا محيص حينئذ عند تحقق الازالة وعدم تحقق ارادة الصلاة من ان يكون عدم الصلاة مستندا الى كليهما معا لا الى خصوص الصارف ، واذا كان مستندا الى وجود الازالة يجىء فيه محذور الدور من غير فرق فى ذلك بين انتهاء الارادة الى شخص واحد او الى شخصين كما «اذا كان كل منهما متعلقا لارادة شخص فأراد مثلا احد الشخصين حركة شىء واراد الآخر سكونه» ، بل ورود الاشكال ولزوم الدور المحال فى الصورة الثانية اظهر منه فى الصورة الاولى ، لان المقتضى لكل منهما حينئذ يكون «موجودا فالعدم لا محالة يكون فعلا مستند الى وجود المانع» لا اليه مع الصارف كما كان كذلك فى الصورة الاولى.

اللهم إلّا ان يمنع الفرق بينهما فيدعى «هاهنا ايضا» اشتراك الصارف معه فى التأثير ، غاية ما فى الباب ان الصارف هنا هو عدم «قدرة المغلوب منهما فى ارادته وهى» اى القدرة فى الارادة مما لا بد منه فى وجود المراد «فلا يكاد يكون» يتحقق المراد «بمجرد» الارادة بدون قدرته على انفاذ «ها» لا «الى وجود الضد» خاصة.

ان قلت : كيف يكون التأثير مستندا اليهما ، والحال ان الاثر يستند الى اسبق العلتين كما فى فرض مثال الحركة «لكون» المانع هنا «مسبوقا

٢٧٢

بعدم قدرته» على انفاذ ارادته فيستند الترك فى فرض المثال الى الصارف الذى هو عدم القدرة خاصة لا اليه مع وجود الضد.

قلت : من الواضح ان عدم القدرة على انفاذ ارادته انما يكون علة لعدم حصول المراد فى زمانه خاصة لا فيما بعده من الزمان ، فلو لم يكن قادرا على الحركة فيما قبل الظهر كان ذلك علة لانتفاء الحركة فى ذلك الزمان الذى هو قبل الظهر ، فأما بعده فيفتقر عدم الحركة الى بقاء عدم قدرته على ايجاد الحركة فى ذلك الحين الذى هو من بعد الظهر ، لظهور انه لو تجددت له القدرة فيما بعد الظهر لتحققت الحركة منه ، واذا كانت العلة فى عدم الحركة فيما بعد الظهر انتفاء القدرة عليها فى ذلك الحين ، وفرض اقتران العلة فى زمانها التأثيرى مع الضد الخاص ، كان الاثر فى عدم تحقق المراد مستندا اليهما لا الى عدم القدرة خاصة.

فتلخص من جميع ما قدمناه ان احد الضدين يتوقف فى وجوده على ترك الضد الآخر اذا اخذ الترك شرطا ومقدمة لوجود الضد الآخر ، كما بنى عليه المستدل ، وترك الضد الآخر يتوقف على وجود الضد المشروط اما توقفا استقلاليا او منضما مع الصارف توقف المعلول على علته او جزء علته ، فلزم من ذلك التوقف الفعلى من الجانبين واقتضى ذلك تقدم الشىء على نفسه وهو محال.

ولئن سلم ان لا فعلية فى التوقف الحاصل بين الطرفين وهما الازالة وترك الصلاة ، إلّا ان ملاك المحالية متحقق اما بما سمعته منا آنفا فى الوجه الثانى ، او لما ذكره الماتن قده فى الكفاية وحاصله انه اذا كان الضد المشروط مما يصح ان يستند اليه ترك ضده الآخر دل ذلك على رتبة الضد المشروط مقدمة على ترك الضد الآخر وقد فرض ان ترك الضد الآخر كان شرطا مقدما على فعل الضد ، فكان

٢٧٣

فعل الضد الذى هو الازالة مقدما على ترك الصلاة الذى هو مقدم على الازالة فلزم من ذلك تقدم الازالة على نفسها وهو بديهى البطلان. هذا كله الكلام فى التقريب الاول.

واما الكلام فى التقريب الثانى فمحصله ان فعل الازالة يستلزم ترك الصلاة ويمتنع اختلاف المتلازمين فى الحكم ، فإذا كان الملزوم واجبا كما هو كذلك فى فرض مثال الازالة ، كان لازمه الذى هو ترك الصلاة واجبا كذلك ، واذا وجب ترك الصلاة فقد حرم فعلها وكانت الصلاة منهيا عنها وهو المطلوب.

ويرد عليه ما فى المتن من ان امتناع اختلاف المتلازمين فى الحكم لا يقضى بلزوم توافقهما فى الحكم ، فمن الجائز ان يكون اللازم غير محكوم بحكم اصلا. وتوهم عدم خلو الواقعة عن الحكم مندفع بأن ذلك «انما يكون بحسب الحكم الواقعى لا الفعلى فلا حرمة للضد من هذه الجهة ايضا ، بل على ما هو عليه لو لا الابتلاء بهذه المضاة للواجب الفعلى من الحكم الواقعى.»

«الكلام فى الضد العام»

بقى الكلام فى الضد العام وهو بمعنى الترك ، ومعلوم ان محبوبية كل شىء تستلزم مبغوضية ما يناقضه ، فمن اراد الازالة حتما لم يكن مريدا لتركها وكان تركها مبغوضا لديه ولا ينبغى ان يكون فى ذلك خلاف بين الاعلام.

وانما الخلاف بينهم على تقديره فى دعوى العينية بينهما او التلازم. والتحقيق فى ذلك ان النهى عن الشىء ان كان بمعنى الزجر عنه كان الامر بالشىء والنهى عن نقيضه العام متحدين انشاء خاصة

٢٧٤

لا مفهوما ، فانه اذا أنشأ الطالب طلبه وقال افعل فقد افاد فى كلامه ذلك ارادته للمطلوب ، وبغضه عن نقيضه وزجره عنه فهما مفهومان متحصلان من انشاء واحد. وان كان بمعنى طلب الترك كان الامر بالشىء عين النهى عن ضده العام إنشاء ومفهوما لان طلب الايجاد بعينه طلب ترك تركه.

«حول الترتب» «فى معنى الواجب التخييرى»

ثم ليعلم انه من البديهى ان الوجود نقيض العدم ، فاذا تعلقت ارادة المولى بوجود شىء وجب تحصيل المقتضى للوجود وازاحة موانعه ومزاحماته من الاضداد الوجودية ، ولا ريب فى ان ارتفاع الوجود وتبدله الى العدم يكفى فيه ارتفاع بعض اجزاء علته ، فيكون عدم الوجود تارة بانتفاء مقتضيه واخرى بوجود ما يمنع عن وجوده او التشاغل بما يزاحمه فى الوجود من سائر اضداده ، فلو فرض للشىء ضدان احدهما ذو صلاح يساوى صلاحه صلاح الضد المطلوب لم يجز للحكيم تخصيص طلبه بضد واحد معين ، بل يكون الضدان عنده سواء فى متعلق ارادته وطلبه ، ويتحصل من ذلك التخيير فيجوز للمأمور فى مقام الامتثال اختيار احدهما وترك الآخر ، اذ ليس للمولى الحكيم فى مثل ذلك الا ايجاب تخييرى متحصل من تعلق امريه بالضدين المتساويين فى المصلحة ، فلا يلزم العبد بحكم العقل الا امتثال احد الامرين ، ومعنى التخيير فى الواجب على ما افاده المحقق العلامة صاحب الحاشية اعلى الله مقامه هو طلب الشىء مع المنع من بعض

٢٧٥

انحاء تروكه (١)

فأنك قد عرفت ان ترك الشىء تارة يستند الى عدم مقتضى الوجود واخرى الى وجود المانع او المزاحم لذلك الشىء فى وجوده ، وهاهنا لما كان الضد يشترك مع ضده فيما له من الصلاح ومقداره لم يكن بأس فى ترك المأمور به من جهة التشاغل بضده كما ان ترك الضد لا بأس به اذا كان متسببا عن التشاغل بالمأمور به المضاد له فيكون المتحصل من مجموع الامرين على هذا مطلوبية المتمم للوجود لا تمام الوجود.

وتوضيحه : ان تمام الوجود ما يكون طاردا لجميع الاعدام حتى ما يكون انعدامه من قبل التشاغل بالضد المساوى وليس هذا مطلوب المولى ، بل مطلوبه ليس إلّا حفظ الوجود فى ظرف عدم التشاغل بالضد المساوى له ، ماله الى انى لا اريد انعدام المطلوب من قبل انتفاء مقتضيه ، او من قبل التشاغل بضد آخر غير الضد المساوى له فى المصلحة ، فيكون هذا فى المعنى تبعيضا فى مطلوبية الوجود ، فلو ترك العبد الضدين كان يستحق حينئذ عقا بين لتحقق شرط كل من التكليفين ولا ضير فيه اصلا.

وتوهم ان العقوبة على المخالفة تدور مدار القدرة على الموافقة ، والفرض انتفاء قدرته على امتثال الامرين معا بل لا قدرة له الا على امتثال احدهما.

مدفوع بمنع توقف استحقاق العقوبة فى المخالفة على القدرة على خصوص الامتثال ، بل على القدرة عليه او على رفع التكليف عنه بوجه من الوجوه المقبولة لدى الشارع ، بشهادة ما نجده فى الكافر

__________________

(١) ـ هداية المسترشدين فى شرح معالم الدين ص : ٢٤٧.

٢٧٦

المكلف بالقضاء مع انه لا يسعه امتثال التكليف لا فى حال كفره لان صحة الاعمال مشروط بالاسلام ، ولا فى حال اسلامه لان الاسلام يجب ما قبله ، مع انه لو مات كافرا يستحق العقوبة على مخالفة التكليف بالقضاء وليس ذلك إلّا لكونه متمكنا من رفع التكليف عن نفسه بإسلامه الموجب للامتنان عليه بارتفاع التكليف بالقضاء عنه ، وفى المقام كذلك فان المأمور به ان يأتى بأحد الضدين لكى يسقط عنه التكليف بالضد الآخر ، ومع ذلك قد تماهل حتى ترك الضدين معا فلم تمتثل التكليف ولا عمل ما يؤدى الى سقوط عنه ، وقد كان يسعه امتثال احد تكليفيه واسقاط الآخر عنه بوجه مقبول عند الشارع ، فأستحق بذلك عقوبتين على ما فوت على نفسه من التكليفين اللذين توجها اليه ، وهو متمكن من الخروج عن عهد تهما بامتثال احدهما واسقاط الآخر ولم يفعل ذلك فان العقل لا يستقبح عقاب مثل هذا العبد بعقوبتين.

ولا ينتقض علينا بالواجبات التخييرية فى غير المقام كخصال الكفارة المستتبعة للعقوبة الواحدة ، اذ لا فرق بين المقام وسائر المقامات ، لتعدد الغرض هنا بخلافه فى الكفارة وقد ذكرنا فى مطاوى كلماتنا فى المباحث السابقة ان تعدد العقوبة ووحدتها تابعة لوحدة الغرض وتعدده ، وهنا لما كان الغرض متعددا على حسب تعدد التكليف استاهل العبد فى عصيانه عقوبتين ، واما اذا اطاع استحق بذلك مثوبة واحدة لانه لم تمتثل الا تكليفا واحدا ، لتعذر امتثاله التكليفين معا من جهة المزاحمة والتضاد ، ولو لا المزاحمة بينهما لكان يلزمه مراعاة التكليفين معا ، إلّا انه لمكان التنافى الحاصل بينهما من جهة التضاد والمزاحمة ، حكم العقل بسقوط المقدار الذى يجىء منه التنافى فى التكليف وهو التكليف بالضد فى حال التشاغل بالضد الآخر المساوى له فى المصلحة ، فيسقط ذلك المقدار

٢٧٧

ويبقى التكليف بكل من الضدين ناقصا اريد منه المحافظة على الوجود من قبل عدم المقتضى او التشاغل بسائر الاضداد ، فيكون فى البين تكليفان ناقصان قصد فى كل منهما البعث نحو المطلوب فى ظرف عدم التشاغل بعديله ، ولا نجد فى العقل ما يمنعه ويحيله.

فبطل بذلك القول بأنا لا نتعقل الزاما مشوبا بالترخيص ، ولعل القول بذلك نشأ من مقايسة الارادة التشريعية بالارادة التكوينية المستحيل فيها تعلق ارادتين فعليتين بشيئين متضادين ، وبطلان المقايسة اوضح من ان يخفى كما لا يخفى ، لظهور كمال الفرق بين الارادتين فان الارادة التكوينية علة تامة لحصول المراد فى الخارج ، والعلة التامة يستحيل تعلقها بشيئين متضادين ، اذا العلة التامة تستلزم وجود المعلوم باللابدية فاذا تعلقت بالمتضادين استتبع ذلك اجتماع المتضادين فى عالم الخارج وهو محال بالضرورة.

وهذا بخلاف الارادة التشريعية والتكاليف الشرعية فانما هى مقتضيات لحصول المراد فى الخارج اذ لا يكون لها التأثير الفعلى الا بمعونة حكم العقل بلزوم الاطاعة والامتثال فاذا تعذر امتثال التكليف جازت المخالفة لقبح التكليف بما لا يطاق فان تعذر امتثاله من جميع الوجوه سقط التكليف رأسا وان تعذر امتثاله من وجه سقط التكليف من ذلك الوجه وبقى اقتضاء ذلك التكليف من غير ذلك الوجه بحاله يلزم مراعاته بحكم العقل فيتولد من ذلك تكليف ناقص اريد منه البعث نحو المطلوب من غير ناحية المتعذر فيه امتثاله.

وبالجملة الفرق واضح كمال الوضوح بل كالشمس فى رابعة النهار وكالنار على المنار بين الارادة التشريعية والتكوينية فانه فى الاول يجوز اجتماع ارادتين وتكليفين ناقصين بضدين ، بخلافه فى الثانى.

٢٧٨

«الاقوال فى التخييرى»

فتلخص مما قررناه وبيناه ان معنى التخيير فى المقام وغيره هو طلب الفعل مع المنع من بعض انحاء تروكه وقيل : فى التخيير اقوال أخر لا بأس بذكرها وذكر ما فيها ثم نعود الى محل الكلام والبحث إن شاء الله تعالى.

منها : ان الواجب فى الواجب التخييرى هو الجامع بين الافراد والتكليف فيه متحد لا تعدد فيه.

وفيه ان الافراد فى التخييرى ربما لا تكون من سنخ واحد اذ قد يتفق فرد منها وجودى والآخر عدمى ، وظاهر انه لا جامع بين الوجودى والعدمى فكيف يسوغ اعتبار الجامع بين مثل هذه الافراد ولكن يجوز اعتبار الجامع فى غير المقام كما فى خصال الكفارة لكن يكفينا مورد واحد لا يمكن فيه تصوير الجامع نقضا على الماتن قده.

ومنها : ان الواجب فى الواجب التخييرى احد الافراد بلا تعيين فيه فيكون ترك كل منهما منهيا عنه فى حال ترك بقية الافراد.

وفيه ان المقصود والغرض من التكليف ان كان هو المحافظة على وجود المأمور به بقول مطلق بنحو الطلب التام الحافظ للوجود الطارد لجميع اضداده ، فقد عرفت ان هذا مما يستحيل صدوره من الحكيم العالم بامتناع اجتماع المتضادين فى عالم الخارج ، وان كان المقصود منه المحافظة على الوجود من غير ناحية الضد المساوى كان ذلك طلبا ناقصا ورجع الى ما قلناه ونعم الوفاق.

ومنها : ان استحالة تعلق التكليفين المطلقين بالمتضادين

٢٧٩

يستدعى سقوط احدهما عن الاعتبار وبقاء الآخر على اعتباره بلا تعيين وامتياز فى الباقى منهما عن الساقط.

وفيه ان بقاء الباقى بلا خصوصية مستحيل عقلا ضرورة ان الشىء ما لم يتشخص لم يوجد فوجوده الخارجى يستلزم التشخص الخارجى عقلا.

نعم يمكن ملاحظة الشىء بلا خصوصية فى عالم الذهن فمن ثم كان الذهن اوسع ساحة من الخارج يرتسم فيه الكليات والجزئيات ، بخلاف الخارج فانه لا يكون إلّا ظرفا للجزئيات خاصة دون الكليات.

ومن ذلك يظهر لك بطلان النقض على ما ذكرناه بالحجّتين المتعارضين على مختار الماتن قده فى غير هذا المقام حيث بنى فيهما على اعتبار احدهما بلا تعيين فى نفى احتمال الثالث الخارج عن مفاد الحجتين بالمعنى المطابقى ، اذ فيه او لا ضعف المبنى على ما هو التحقيق عندنا فان انتفاء الاحتمال الثالث يستند الى مجموع الحجتين لا الى احدهما ، فان مانع التعارض انما يصادم اعتبار المدلول المطابقى دون الالتزامى ، فيبقى المدلول الالتزامى فى كل منهما بحاله معتبرا لا يسوغ رفع اليد عنه ، فلو ورد مثلا دليل معتبر دل بمدلوله المطابقى على ان الجائى ليس إلّا زيد لا غيره ، وورد فى قباله دليل آخر معتبر مثله دل بمدلوله المطابقى ان الجائى عمرو لا غيره ، فتعارض الدليلان بالنسبة الى مجيء زيد وعمرو الذى هو مدلول المطابقى لهما ، فسقطا عن الاعتبار بالنسبة الى هذه الدلالة المطابقية ، وتبقى الدلالة الالتزامية المستفادة منهما على نفى مجيء بكر بحالها معتبرة فيحكم بمقتضاها من الحكم بعدم مجىء بكر ، اذ لا تعارض بينهما بالنسبة الى هذه الدلالة الالتزامية مشمولة لادلة اعتبار الدلالات بلا معارض لها فى البين.

٢٨٠