تحرير الأصول - ج ١

آية الله الشيخ مرتضى النجفي المظاهري الإصبهاني

تحرير الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ مرتضى النجفي المظاهري الإصبهاني


المحقق: حمزة حمزوي
الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

لا وجه لالتزام الاستطراد ، فى مثل هذه المهمات.»

بل قد يشكل هذا التعريف على مختاره من وجه آخر : بأن فيه جمعا بين أدلة الاجتهادية والاصول العملية ، وهما متناقضان بحسب الجعل ، حيث ان الدليل الاجتهادى مجعول كاشفا عن الواقع ، والاصل العملى مجعول عند انستار الواقع ، فهما طرفا نقيض من حيث الاعتبار ولا جامع بين النقيضين ، وإذا لم يكن ثمة جامع فكيف يصح اعتبار موضوع جامع بين موضوعات شتات المسائل المتناقضة بحسب الاعتبار والجعل.

وهذا من أوضح الشواهد على صحة ما ذكرناه ، آنفا ، من عدم لزوم تحقق جامع موضوعى بين موضوعات المسائل ، يكون انطباقه عليها من انطباق الكلى على أفراده.

وبالجملة يعتبر فى التعريف أن يكون جامعا اجماليا لشتات المسائل الباحثة ، عن أحوال موضوع العلم الوجدانى المنطبق على موضوعات مسائله ، ويستحيل تحقق الجامع بين المتناقضات فاما أن يقتصر على ذكر إحدى الفقرتين فى التعريف ، أو لا يعتبر اشتراكها فى البحث عن حال موضوع وجدانى كما اخترناه فافهم وأغتنم فانه دقيق.

«حول الوضع»

«الامر الثانى الوضع» على ما عرفه الماتن «هو نحو اختصاص للفظ بالمعنى وارتباط خاص بينهما» وهذا أولى من تعريفه ، بانه تعيين اللفظ للدلالة على المعنى بنفسه ، لخروج الوضع التعينى عن التعريف الثانى فلا يكون جامعا بخلاف الاول فانه شامل للوضع بكلا قسميه

٢١

اذ الاختصاص المزبور «ناش من تخصيصه به تارة ومن كثرة استعماله فيه أخرى» والاول هو الوضع التعيينى والثانى التعينى وبسبب هذا المعنى الذى عرفته «صح تقسيمه الى التعيينى والتعينى.»

ثم ان فى كلام المصنف الماتن هنا حيث عبر بنحو اختصاص تلويحا الى أن للاختصاص أنحاء وليس الوضع إلّا أحد تلك الانحاء وكان المناسب ذكره ولو على سبيل الاجمال ، ولعل تركه لوضوح الحال ولا بأس أن نشير اليه تنبيها وتتميما لمزيد الفائدة وبالله نستعين فانه خير معين.

فاعلم أن النسب والاضافات ، التى هى عبارة أخرى عن الاختصاصات الواقعة بين الاشياء على قسمين : الاول : أن يكون لها حظ فى الخارج نحو الاضافات ، والنسب الواقعة بين اجزاء السرير التى هى منشأ حدوث الهيئة السريرية ، ونحو هيئة المقاتل الحادثة من محاذات الشخصين مثلا ، فان للخارج دخل فى هذا النحو من الاختصاص على اختلاف فى كون الخارج ظرفا لوجوده أو ظرفا لنفسه.

الثانى : ما لا يكون للخارج دخل فيه أصلا بمعنى أنه لا موطن لها الا الذهن ، وأنما كان الخارج ظرفا لمنشا انتزاعه كنسبة الكلى الى أحد افراده فى قولك زيد إنسان ، لان موطن هذه النسبة فى الذهن وليس فى الخارج الا الفرد الذى هو منشأ انتزاع هذه النسبة الذهنية ، والاختصاص الوضعى من قبيل القسم الثانى ، اذ لا وجود له فى الخارج ، الا بوجود منشإ انتزاعه الذى هو الجعل أو كثرة الاستعمال ، غاية الامر : منشأ هذا الاختصاص اما لاتحادهما فى الخارج كالكلى والفرد ، لان العقل لا يرى فى الخارج اثنينية فيهما خارجا ، واما من جهة جعل الجاعل هذا اللفظ بازاء المعنى وما نحن فيه من القسم الثانى كما لا يخفى.

٢٢

ثم ان هذا الاختلاف باعتبار موطن الاختصاص خارجا أو ذهنا ، وله اختلاف آخر باعتبار كيفية الاضافة والاختصاص ، وهى اما أن يكون من باب اختصاص الملك بمالكه ، أو من باب اختصاص الامارة بذيها ، أو من باب اختصاص المرآة بمرئيها ، فهذه صور ثلث فى كيفية الاختصاص.

والحق أن الاختصاص الوضعى من قبيل الصورة الاخيرة ، لما نجد فى موارد الاستعمالات أن اللفظ يرى فانيا فى المعنى ، بسبب وحدة الاعتبارية الواقعة بين اللفظ والمعنى. ومن ثم ربما يسرى قبح اللفظ الى المعنى بحيث يشمئز الانسان من سماعه ، وقد يسرى حسن اللفظ الى معناه بحيث يحب الانسان سماعه ، وليس هذا إلّا من شدة الاتحاد بينهما اعتبارا ، فاذا كان هذا الاختصاص متحققا بين اللفظ والمعنى فى مقام الاستعمال ، كشف ذلك أنا عن اعتبار هذا النحو من الاختصاص فى مقام الوضع لظهور أن الاستعمالات اللفظية كلها ، تبع وضع الواضع ، فاذا أحرزت خصوصية فى الاستعمال أنبأ ذلك عن اعتبارها فى الوضع أيضا.

وبالجملة فرق بين الآلة والامارة اذ فى الاول يكون الانتقال بسبب وحدة اللحاظ ، وفى الثانى بسبب الملازمة ، فحيثية الاثنينية ملحوظة فى الثانى ، دون الاول ، والاختصاص الوضعى اختصاص آلى لا أمارى.

ويدل على ذلك الاستعمالات الكاشفة ، عن اعتبارها خصوصية الآلية فى الوضع.

ثم أنه يمكن القول بعدم لزوم وجود طرفين للاضافة فى الخارج ، فيكون أمرا اعتباريا محضا وليس لهما وجود الا ذهنا كما أنه يتصور غولا ويجعل له أنيابا ، وهذه الاضافة فى غاية خفة المئونة ولذلك

٢٣

قيل أن فى الاضافة يكفى أدنى مناسبة.

ثم أعلم أنه ربما يجعل الوضع كالاحكام الوضعية عند القائلين بأنها منتزعات من الاحكام التكليفية مثلا اذا قال الشارع ، من حاز شيئا لا يجوز لاحد التصرف فيما حازه ، ينتزع من هذا الحكم التكليفى الحكم الوضعى ، وهو الملكية التى هى عبارة أخرى عن الاختصاص الواقع بين المحيز والمحاز.

وقس على ذلك الوضع ، لانه ليس إلّا منتزعا من تعهد الواضع إرادة المعنى عند ذكر اللفظ.

وبعبارة أخرى ، ذكر اللفظ عند تفهيم المعنى ، فأرادته ذلك وتعهده بمنزلة التكليف المنتزع منه الحكم الوضعى.

وهذا الكلام وان كان بمكان من الامكان ، إلّا أنه غير واقع فى المقامين :

أما المقام الاول : أعنى الوضع فلان هذه الارادة التعهدية ، ان لم تكن مسبوقة بجعل وهو الذى نسميه بالوضع فلا يخلو اما أن تكون إرادة نفسية وهو باطل بالضرورة ، لان الواضع ليس غرضه من ذكر اللفظ الا التوصل الى تفهيم المعنى. واما أن تكون لك الإرادة ارادة غيرية ، فحينئذ. لا محيص من كون تلك الارادة الغيرية ، ناشئة من مقدمية اللفظ للتفهيم ، ومن المعلوم أن المقدمية فى اللفظ لا بد من أن تكون ، مسبوقة بجعل من الواضع ، لان دلالة الالفاظ ليست ذاتية على ما هو الحق والتحقيق ، فحينئذ ننقل الكلام الى ذلك الجعل ، ونقول لا يعقل أن يكون ناشيا عن الارادة الاولى ، لان الارادة الاولى متفرعة على المقدمية الناشية من الجعل ، فهل يعقل نشوا الجعل منها وحينئذ لا بدو أن ينشأ الجعل من إرادة أخرى ، وليست هى نفسية بالضرورة ، وغيريتها لا تكون الا عن مقدمية اللفظ للمعنى ، وهكذا

٢٤

فى الثالث والرابع فيلزم التسلسل ، أو ينتهى الى جعل مستقل وهو المطلوب ، ويمكن تصوير الدور فى المقام ، فتأمل تدرك.

وأما المقام الثانى : فلانا نرى بالوجدان خلاف ذلك ، لان قول الشارع : الناس مسلطون على أموالهم (١) وأيضا لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه (٢) نص بمجعولية الاحكام الوضعية جعلا مستقلا ، حيث ان إضافة المال الى الغير ، أخذت فى موضوع الحكم فى الروايتين ، وموضوع الحكم مقدم على الحكم تقدما رتبيا ، فحينئذ يستحيل أنتزع الملكية من الحكم المتأخر عنها رتبتا ، فلا بد من فرض حكم أخر ينتزع منه الملكية ، فيلزم اما اجتماع المثلين أو الضدين وكلاهما محال عقلا ، فعلى ذلك لا بد من سبق هذه الاضافة والاختصاص ، بجعل مستقل للحكم الوضعى كما هو الحق.

ثم انك قد عرفت أن الوضع على قسمين ، تعيينى وتعينى ، ومنهم من أنكر القسم الثانى وتخيل أن العلاقة الوضعية لا تكون الا دفعية ، فاذا تواردت الاستعمالات لا يحصل الوضع الا بواحد منها قصد بها انشاء الوضع لا بالمجموع تدريجا ، وذلك الاستعمال الواحد المحقق للوضع يكون من قبيل إنشاء البيع بالمعاطاة ، فالتعينى بمنزلة الوضع القولى ، والتعيينى بمنزلة الوضع الفعلى وبالجملة استحالة حصول الوضع تدريجا بحسب نظر المتوهم ، دعاه الى الالتزام بالوضع فى أحد الاستعمالات التدريجية ، وذلك توهم فاسد كما يشهد به الوجدان ، لان الاستعمال الاول يحدث علاقة ضعيفة بين اللفظ والمعنى ، وكلما يتكرر الاستعمال تتقوى تلك العلاقة الى درجة

__________________

(١) ـ عوالى اللئالى ج ٢ ص : ١٣٨ حديث : ٣٨٣.

(٢) ـ عوالى اللئالى ج ٢ ص : ١١٢ حديث : ٣٠٩ قال «ص» لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه.

٢٥

الاختصاص الوضعى ، والشاهد على ذلك أقوائية دلالة الحقيقة التى ليس لها مجاز من الحقيقة التى لها مجاز.

وأيضا أنه جرى ديدن القوم على ترجيح العام الذى قل مخصصه على العام الذى كثر مخصصه وليس ذلك إلّا من جهة ضعف دلالة العام الذى كثر مخصصه ، ولعل الماتن قده أراد بقوله ومن كثرة استعماله ما ذكرناه من الرد على المتوهم.

«فى أقسام الوضع»

«ثم ان الملحوظ حال الوضع ، اما ان يكون معنى عاما فيوضع اللفظ له تارة ، ولافراده ومصاديقه أخرى ، وأما ان يكون معنى خاصا لا يكاد يصح الا وضع اللفظ له دون العام ، فتكون الاقسام ثلاثة ، وذلك لان العام يصلح آلة للحاظ أفراده ومصاديقه ، بما هو كذلك فانه من وجوهها ومعرفة وجه الشىء معرفته بوجه ، بخلاف الخاص فانه بما هو خاص لا يكون وجها للعام ولا لسائر الافراد ، فلا تكون معرفته وتصوره معرفة له ولا لها اصلا ولو بوجه».

وان شئت قلت حيث تحقق فى محله ان كل مقوم للعالى مقوم للسافل بخلاف العكس ، يصلح العام أن يكون مرآتا حاكيا عن أفراده ، لتضمن العام كل ما فى الخاص ، بخلاف العكس ، اذ الحكاية من الخاص للعام ، ان كان بخصوصية الخاص فهى مباينة للعام لا تصلح لحكايتها عنه وان كان بالعام الذى هو فى ضمنه كان هو نفسه لا غيره ، فهل يعقل أن يكون حاكيا عنه؟

وبعبارة أخرى : حيث أن الفرد واجد للطبيعة ، يمكن أن يكون مرآة للخاص ، بخلاف الطبيعة ، فانها غير واجدة للفرد ، بل مغايرة

٢٦

معه ذهنا ، ومتحدة معه خارجا ، فالفرد مباين للطبيعة ، والمباين مع الشىء يستحيل أن يكون مرآة للشىء ، وإلا يلزم مرآتية كل شىء لشىء وهو باطل بالضرورة.

نعم ربما يوجب تصوره تصور العام بنفسه فيوضع له اللفظ فيكون الوضع عاما كما كان الموضوع له عاما وهذا بخلاف ما فى الوضع العام والموضوع له الخاص ، فان الموضوع له وهى الافراد لا يكون متصورا الا بوجهه وعنوانه وهو العام ، وفرق واضح بين تصور الشى بوجهه وتصوره بنفسه ولو كان بسبب تصور أمر آخر. ثم أن نسبة الوضع الى الموضوع له كنسبة الحكم الى موضوعه فكما أن الحكم المتعلق بالموضوع يختلف بحسب اختلاف الموضوع فإن كان الموضوع جزئيا وشخصيا كان الحكم كذلك ، وان كان كليا ، فتارة يكون لعنوان ذلك الكلى دخل فى ثبوت الحكم نحو أكرم العالم ، كان ذلك الحكم كليا ، وتارة يكون عنوانا مشيرا الى افراده نحو اكرم من فى الصحن اذا لم يكن للكون فى الصحن مدخلية فى وجوب الاكرام بل كان ذكره لتعريف الاشخاص ، منتهى الامر للاختصار جمع فى التعبير ، أو لمكان ضيق الخناق ، وانحصار التعريف عنده بذلك العنوان أخذه معرفا لتلك الافراد ، هذه الصور الثلث متصورة فى الحكم وكذلك هى متصورة فى الوضع ، وهذا بخلاف الصورة الرابعة ، فانه كما لا يمكن من الخصوصية الى معرفة حال العالم ، لكى يحكم عليه ، كذلك الحال فى الوضع لا يمكن التوصل من خصوصية الخاص الى معرفة حال العام حتى يوضع له اللفظ ، فأقسام الوضع على هذا ثلاثة فقط.

«ولعل خفاء ذلك على بعض الاعلام وعدم تميزه بينهما ، كان موجبا لتوهم إمكان ثبوت قسم رابع ، وهو أن يكون الوضع خاصا مع

٢٧

كون الموضوع له عاما ، مع أنه واضح لمن كان له أدنى تأمل».

نعم هناك قسم آخر من الوضع العام والموضوع له العام ، حيث ان الافراد المشتركة الحقيقة فى الخارج يرى بينها حسا ، جهة مشتركة بها تمتاز عن الافراد المشتركة فى جامع غير هذا الجامع ، مثلا اذا نظرت على قطار من أفراد الانسان تراه ممتازا من أفراد الفرس ، كما يشهد به الوجدان ، فمثل هذا الجامع المندك فى ضمن الخصوصيات ، له وجود فى الخارج.

وبعبارة أخرى الطبيعة السارية فى ضمن الافراد موجودة خارجا لا مستقلا بل فى ضمن الافراد فالواضع تصور هذه الطبيعة السارية ، ووضع لها اللفظ ، فمثل هذا الجامع العام بهذا النحو ، غير الجامع الملحوظ معرى عن الخصوصيات ، فإن الثانى لا موطن له الا فى الذهن ، بخلاف الاول ، فانه كما هو متحقق فى الخارج ، يمكن لحاظه كذلك فى الذهن ، فحينئذ ربما يوضع اللفظ لذلك المعنى العام ـ المندك فى ضمن الخصوصيات ، كما أنه ربما يوضع اللفظ للمعنى العام المعرى عن لحاظ الخصوصيات فللوضع العام حينئذ قسمان وليكن ببالك لينفعك فيما سيأتى.

«التحقيق فى معانى الحروف»

«ثم انه لا ريب فى ثبوت وضع الخاص والموضوع له الخاص كوضع الاعلام ، وكذا وضع العام والموضوع له العام» بالمعنى المشهور الذى هو معرى عن الخصوصيات «كوضع اسماء الاجناس» واما القسم الثانى من الموضوع له العام الذى نحن تصورنا فسيبين لك مثاله فيما ياتى إن شاء الله.

٢٨

«واما الوضع العام والموضوع له الخاص فقد توهم انه وضع الحروف ، وما الحق بها من الاسماء كما توهم ايضا ان المستعمل فيه فيها خاص مع كون الموضوع له كالوضع عاما» وكلا القولين فيه ما لا يخفى «والتحقيق حسبما يؤدى اليه النظر الدقيق ان حال المستعمل فيه والموضوع له فيها حالهما فى الاسماء ، وذلك لان الخصوصية المتوهمة ان كانت هى الموجبة لكون المعنى المتخصص بها جزئيا خارجيا ، فمن الواضح ان كثيرا ما لا يكون المستعمل فيه فيها كذلك ، بل كليا» ضرورة ان الابتداء المستفاد من لفظة «من» فى قولك سرت من البصرة ، لا يختص بواحد معين من نقاط البصرة فما يفهم من لفظة «من» فى هذا الكلام ما يساوق المستفاد من لفظ الابتداء فى قولك ابتداء سيرى من البصرة «ولذا التجأ بعض الفحول (١) الى جعله جزئيا اضافيا وهو كما ترى» ضعفه ظاهر ، ضرورة انه اذا جاز ان يكون المعنى الحرفى عنده بمعنى عام تحت ما هو اعم منه بحسب ما سماه جزئيا اضافيا ، فليكن الموضوع له عاما ، ولا داعى للالتزام بكون الموضوع له فيها خاصا.

وبالجملة اعتبار الجزئية الخارجية فى المعانى الحرفية ، خلاف الوجدان ، وما اعتذر به البعض واضح البطلان.

ويزيدك تصديقا فى بطلان اعتبار الجزئية الخارجية ، انه يصح ان يقال : اكلت ، وشربت ، وسرت من البصرة ، مع انه بناء على اعتبارها يلزم استعمال اللفظ الواحد فى معان عديدة وهو باطل. هذا اذا كانت الخصوصية المعتبرة خارجية ، وقد عرفت فساد اعتبارها.

وان كانت الخصوصية المعتبرة هى الخصوصية الذهنية الموجبة

__________________

(١) ـ هو صاحب الفصول فى كتابه ص : ١٦.

٢٩

لكونه ، اى المعنى الحرفى «جزئيا ذهنيا حيث انه لا يكاد يكون المعنى حرفيا ، إلّا اذا لوحظ حالة لمعنى آخر ، ومن خصوصياته القائمة به ويكون حاله كحال العرض ، فكما لا يكون فى الخارج الا فى الموضوع ، كذلك هو لا يكون فى الذهن الا فى مفهوم آخر ، ولذا قيل فى تعريفه ما دل على معنى فى غيره ، فالمعنى وان كان لا محالة يصير جزئيا» لان التبعية للغير المعتبرة للمعنى الحرفى من لوازم شخص اللحاظ الخاص المتعلق بذلك المعنى الحرفى فلا محالة يصير جزئيا «بهذا اللحاظ بحيث يباينه اذا لوحظ ثانيا ، كما لوحظ اولا ولو كان اللاحظ واحدا إلّا ان هذا لا يكاد يكون ماخوذا فى المستعمل فيه وإلّا» فلو كان ماخوذا فيه لزم اجتماع لحاظين على ملحوظ واحد وهو محال ، وجه الملازمة انه لا بد له من لحاظ محقق للمعنى ، ولحاظ مصحح للاستعمال ضرورة ان المستعمل لا بد له من ملاحظة المعنى ثم استعمال اللفظ ، فيكون معنى الابتداء المستفاد من «من» فى سرت من البصرة ، قد تعلق به لحاظان وهو بديهى الفساد. وهذا معنى قوله : «فلا بد من لحاظ آخر متعلق بما هو ملحوظ بهذا اللحاظ بداهة ان تصور المستعمل فيه مما لا بد منه فى استعمال الالفاظ وهو كما ترى».

وايضا لو قال المولى : سر من البصرة ، فلا يمكن الامتثال لاستحالة وجود الملحوظ باللحاظ الذهنى مقيدا باللحاظ الذهنى فى الخارج.

وايضا يلزم مساواة الحروف والاسماء فى الوضع ، لان الالية والاستقلالية كلاهما على السواء فى اقتضائهما شخصية المعنى ، فلزم ان يكون كل منهما موضوعا بالوضع العام ، والموضوع له الخاص الى آخر ما ذكره فى الكفاية وختم كلامه بالامر بالتامل «فانه دقيق وقد ذل فيه اقدام غير واحد من اهل التحقيق والتدقيق».

٣٠

وبعد هذا كله فنقول : ان هذا الكلام منه ناظر الى كلام صاحب الفصول ، فلا باس بذكر بعض فقرات كلامه.

قال صاحب الفصول فى معانى الحروف : ان التحقيق ان الواضع لاحظ فى وضعها معانيها الكلية ، ووضعها بازائها باعتبار كونها آلة ومرآة لملاحظة حال متعلقاتها الخاصة ، فلاحظ فى وضع «من» مثلا مفهوم الابتداء المطلق ، ووضعها بازائه باعتبار كونه آلة ومرآة لملاحظة حال متعلقاتها الخاصة ، من السير والبصرة مثلا ، فيكون مداليلها خاصة لا محالة. (١)

وقال فى موضع آخر : اعلم ان الحروف حيث كانت موضوعة بازاء المفاهيم الملحوظ بها حال ما تعلقت به ، لا جرم كان معانيها الحقيقية معان خاصة مقيدة بمتعلقاتها الخاصة ، وتلك المعانى وان كانت فى حد انفسها كلية ، إلّا ان اعتبار تقيدها باللحاظ على الوجه الذى سبق ، يصيرها شخصية ممتنعة الصدق على الافراد المتكثرة ، فان الماهية متى اعتبرت بشرط التقييد بالوجود الذهنى وهو المراد باللحاظ او بالوجود الخارجى ، خرجت عن كونها كلية لا محالة ، فانها من صفات الماهية الموجودة فى الذهن عند تجريد النظر عن وجودها فيه ، ولا يلزم مما قررناه ان يكون الحروف باعتبار كل واحد من معاينها من متكثر المعنى ذاتا ، نظرا الى تعدد ما يعتريها من اللحاظ لان المسمى نفس المفهوم ، وهو لا يختلف فى موارده وان تعدد القيد المعتبر فى لحوق الوضع له فانه شرط خارج عن المسمى ، وليس بشرط داخل فيه ، فهى عند التحقيق موضوعة بازاء المفاهيم المقيدة باحد افراد الوجود الذهنى الآلي من غير ان يكون القيد و

__________________

(١) ـ الفصول فى الاصول : ١٦.

٣١

التقيد داخلا ، فيكون مداليلها جزئيات حقيقية متحدة فى مواردها ذاتا ومتعددة الحقيقة تقييدا وقيدا. انتهى موضع الحاجة من كلامه قده (١).

ويمكن الذب عن الفصول بان الاشكال عليه ، يبتنى على ان اللحاظ الذهنى الذى صير معنى الابتداء شخصيا ، قد اخذ فى معنى الحرف جزءا مقوما ، وليس كذلك بل بسببه يحدث لتلك الحصة من الابتداء المتعلق بها اللحاظ الذهنى نحو ضيق ، على وجه لا يتناول الحصة الاخرى من الابتداء الملحوظة بلحاظ آخر ، فهى حصة مهملة لا اطلاق لها ، ولا هى مقيدة باللحاظ ، وهذا شان كل معروض اذا قيس الى عارضه ، او موضوع قيس الى محموله ، فان الموضوع لم يعتبر مقيدا بالمحمول ، وإلّا لزم تاخر ما هو مقدم رتبة ، اذ المقيد بوصف التقييد ، مؤخر طبعا عن القيد ، وهذا ينافى الموضوعية اذ الموضوع ، له تقدم طبعى على محموله.

نعم لتلك الحصة جهة كلية من حيث الانطباق على الافراد الخارجية ، فهى جزئية ذهنية ، لا تنطبق على سائر الحصص الذهنية ، وان كانت كلية من حيث الانطباق على الخارجيات.

واذا عرفت ذلك نقول : قولك : يلزم تعدد اللحاظ قلنا : لا نحتاج الا الى لحاظ واحد استعمالى به يتحصص المعنى الحرفى ويصير جزئيا ولا يحتاج الى لحاظ آخر يكون مقوما للمعنى الحرفى ، لما عرفت من ان المعنى الحرفى معرى عن اللحاظ ذاتا ، وانما باللحاظ يتحدد المعنى ويتحصص ، وهذا يكفيه اللحاظ الاستعمالى واما قولك : انه مع قيد اللحاظ لا يكاد يوجد المعنى فى الخارج ، وحينئذ فلا يمكن

__________________

(١) ـ الفصول فى الاصول : ١٣.

٣٢

الامتثال.

قلنا : قد عرفت ان اللحاظ لم يكن ماخوذا فى المعنى حصة قابلة الانطباق على الخارجيات ، وان كانت لا تشتمل الجزئيات الذهنية ، واما قولك : يلزم من هذا خروج الاسماء ايضا من متحد المعنى ودخولها فى متكثره لاعتبار الاستقلال فى مفهومها. قلنا : قد عرفت آنفا ان لنا فى الوضع العام والموضوع له العام قسمين ، تارة يلحظ العام معرى عن الخصوصيات ويوضع اللفظ له ، واخرى يلحظ فى ضمن الخصوصيات ، بحيث يجىء العام مع الخصوصيات فى الذهن ويوضع اللفظ له ، فنقول الحروف طرا وضعها بهذا النحو.

واما الاسماء فيجىء فيها القسمان وعلى كلا الوجهين لم تخرج من متحد المعنى ، وان اختلف اعتبار المعنى بحسب اللحاظ ، هذا على المختار.

واما على ما اختاره الفصول فى الاسماء من انها يجوز ان تستعمل تبعا ، كما يجوز ان تستعمل استقلالا (١).

فذاك مسلك آخر. محتاج به بيان آخر ليعلم مقدمة : انهم اختلفوا فى المطلق والمقيد فى ان المطلق موضوع للطبيعة الشائعة بين الافراد ، او صرف الطبيعة المهملة؟ المشهور على الاول وسلطان العلماء على الثانى (٢) وتظهر الثمرة عند التقييد ، فعلى المشهور يكون استعمال المقيد مجازا اذ التقييد ضد الشيوع ، بخلافه على القول الثانى اذ الطبيعة اللابشرط تجامع مع الف شرط ، ولما كان المختار عندنا وعند جل المتاخرين هو ما اختاره السلطان ، فنقول : معنى

__________________

(١) ـ الفصول فى الاصول : ١٣.

(٢) ـ شرح معالم الدين «للمولى محمد صالح المازندرانى» ويليه حاشية سلطان العلماء قده ص : ٢٧٤.

٣٣

الابتداء اذا تعلق به اللحاظ صار ملحوظا ، فهو معروض اللحاظ والمعرضية ، تارة تطلق ويراد بها عنوانا مشيرا الى الذات المعروضة ، واخرى يراد بها المتصف بالعارض بشرط الاتصاف بحيث يكون العارض دخيلا فى اصل المعنى ، والذى أراده الفصول هو الاول لانه اعتبر اللحاظ شرطا خارجا ، فالابتداء الملحوظ آلة بمنزلة المطلق الذى يعتريه التقييد ، ليس إلّا الماهية البحث الخالية عن جهة الاطلاق والتقييد.

وبعبارة اخرى الماهية التى يعرضها الاطلاق والتقييد ، لا محيص تكون معراة عنهما فحينئذ لم تكن هى الا مهملة ، وهى بهذا الاعتبار يمتنع صدقها على سائر الملحوظات ، وان كانت تنطبق على كثيرين فى الخارج ، فهى فى حال تعلق اللحاظ بها جزئية ذهنية ، وان كانت بالقياس الى الخارجيات كلية ، وحينئذ فلا موقع لاشكالين الاولين عليه لعدم اخذ اللحاظ فى حقيقة المعنى الحرفى ، ويكفى لحاظ واحد للاستعمال.

نعم يتجه عليه الاشكال الاخير وحاصله ، ان مثل هذا اللحاظ اذا حكم بصيرورة الحروف من متكثرات المعنى ، فليحكم ذلك فى الاسماء ايضا من حيث انها ملحوظة ، بالاستقلال.

وما اجاب عنه قده بعدم اعتبار الاستقلال فى الاسماء ، حتى انها يجوزان تستعمل تبعا.

لا يجديه ، ولا يرتفع به غائلة الاشكال ، اذ الاسم الملحوظ ، ان كان معتبرا مطلقا ، فليعتبر ذلك فى الحروف ايضا ، وان اعتبر مقيدا ففى الحروف ايضا مثل ذلك ، وان كان مهملا ففى المقامين كذلك.

وبالجملة الاسم بعد تعلق اللحاظ باى نحو كان لا يفترق به عن الحرف ، فبأي نحو يمكن اعتبار الاسم فى ذلك اللحاظ ، يمكن اعتبار

٣٤

الحرف كذلك ، فبناء على ذلك لا يتصور وضع العام والموضوع له العام فى الاسماء والحروف ، اذ لا بد من تشخص ذهنى فى الملحوظ منهما تبعا او استقلالا ، ومع هذا التشخص الذهنى كيف يتصور عموم فى المعنى حتى يكون الوضع فيه عاما والموضوع له كذلك.

نعم بالنسبة الى الخارجيات يمكن تصوير العموم والانطباق على المتكثرات ، وهذا بخلاف التشخصات الذهنية ، فانها جزئيات ذهنية لا يكاد يكون لها انطباق على ما فى الذهن من الحصص المتكثرة بمعونة اللحاظ ، فلا يتصور فيها الا الوضع العام والموضوع له الخاص ، وذلك بتوسيط مفهوم عرضى مشيرا به الى الحصص الذهنية الملحوظة ، فيقال تلك الحصص قد وضع لها اللفظ ، وحينئذ فتحرج الحروف والاسماء من متحد المعنى الى متكثر المعنى ، وهذا لا يلتزم به صاحب الفصول ولا غيره فلا محيص الا من الذهاب الى ما تصورناه فى الوضع العام والموضوع له العام ، من القسم الآخر المغاير لما عليه المشهور.

فنقول : هنا لما كانت الحصص المتكثرة الملحوظة ، تبعا من الابتداء ، تشترك فى جامع ملحوظ فى الضمن تبعا للخصوصيات الابتدائية الذهنية ، فتضع لفظ «من» لذلك الجامع ، كما ان هذه الحصص اذا لوحظت استقلالا ، وضع لما فيها من الجامع الملحوظ لفظ الابتداء ، فيكون مثل هذا الجامع فى المقامين مجامعا للخصوصيات لا هو معرى عنها ، وبهذا افترقت الاسماء عن الحروف ، حيث ان المعنى الحرفى ذلك الجامع بين الحصص الملحوظة تبعا ، والمعنى الاسمى ذلك الجامع بين الحصص الملحوظة استقلالا ، وان كانت تشترك فى ان كلا منهما من قسم متحد المعنى لا متكثره.

وهل بينهما اختلاف آخر بحسب الذات علاوة عن اللحاظ ام لا؟ والظاهر وجوب الاختلاف بينهما بحسب الذات ، ببيان ان من الاعراض

٣٥

ما يفتقر الى محل واحد فى الخارج ، كالكيفيات والكميات ، وان كانت فى عالم التصور ، لا تفتقر الى محل ، بل يمكن تصورها مجردة عن معروضها.

ومنها ، ما يحتاج الى محلين وطرفين كالنسب والاضافات ، فانها تفتقر الى المنسوب ، والمنسوب اليه والمضاف والمضاف اليه ، وحينئذ فتقول مفهوم الابتداء الاسمى من قبيل الاول ، فان الابتداء لا يحتاج إلّا الى وجود مسبوق بالعدم ، ولا يفتقر الى شىء آخر ، بخلاف مفهوم «من» فانها لا تكاد تتحقق لها مفهوم ومعنى إلّا بملاحظة طرفيها من السير والبصرة مثلا ، كما هو مشاهد فى قولك : بدو سيرى من البصرة ، فانك ترى البدو الذى هو معنى اسمى للابتداء ، لا يفتقر إلّا الى السير الذى هو المحل المعروض للابتداء ، بخلاف معنى «من» فانه يفتقر الى امرين ، السير والبصرة وهكذا الحال فى كل ما كان من قبيل «من» مما دل على النسب والاضافات ، كهيئات الافعال والمشتقات.

وفى تلك الاضافات والنسب اختلافات فيما بينها ، بحسب اختلاف اطرافها ، فان النسبة التى بين زيد على السطح ، غير النسبة التى بين عمرو على السطح ، او زيد على السطح غير زيد على الفرس وهكذا ، بل النسبة التى بين خصوصية وخصوصية ، غير النسبة التى بين كلتيهما ، مثلا الخصوصية التى هى نسبة بين زيد وكونه على نقطة خاصة من السطح ، غير كون الانسان على السطح ، فهما بحسب الذهن والتعقل نسبة بين كليين ، ونسبة بين جزئيين ، وان كانت النسبتان فى الخارج منطبقين على شىء واحد.

وهكذا الكلام فى النسب الظرفية ، والابتدائية ، والانتهائية ، فانها فيما بينها مختلفة بحسب اختلاف اطرافها.

٣٦

ومن هنا اشكل النهاوندى قده (١) فى تشريحه بان الحروف لا يتعقل فيها غير وضع العام والموضوع له الخاص ، اذ الحروف كلها على ما عرفت ، نسب جزئية خاصة لا تندرج تحت ضابط (٢).

لانك قد عرفت منا تصوير وضع العام والموضوع له العام فيها ، حيث ان النسب الابتدائية وان كانت مختلفة فيما بينها ، إلّا انها تشترك كلها فى كونها نسب ابتدائية ، وهكذا فى النسب الظرفية وغيرها من اقسام النسب الحرفية ، فهى بما فيها من الجامع المنتظم مع الخصوصيات تفترق من جهة الخصوصيات ، وتأتلف بالجامع ، وهى بهذا النحو التى هى فى الخارج من كونها خصوصيات منضمة الى جامع يمكن تصورها فى عالم الذهن ، فاذا وضع الحرف لمثل هذا الجامع الضمنى كان وضعه عاما والموضوع له عاما ، ولا ينافى مع ذلك تصور الخصوصية. من لفظ الحرف لكون الجامع حسب الفرض مصاحبا مع الخصوصية ، فكانت الحروف على هذا من متحد المعنى لا متكثره ، ومثلها هيئات للافعال والمشتقات.

«حول الخبر والانشاء»

«ثم لا يبعد ان يكون الاختلاف فى الخبر والانشاء ايضا كذلك ، فيكون الخبر موضوعا ليستعمل فى حكاية ثبوت معناه فى موطنه ، والانشاء يستعمل فى قصد تحققه وثبوته وان اتفقا فيما استعملا فيه فتامل».

__________________

(١) ـ هو العلامة المؤسس شيخنا المولى على بن المولى فتح الله النهاوندى النجفى ... راجع الذريعة ج ٤ ص ١٨٥.

(٢) ـ تشريح الاصول : ص : ٤١.

٣٧

وتوضيح المقام ان لكل شىء اعتبارين ، الوجود والايجاد ، فان اعتبر متحركا من كتم العدم الى عالم الوجود كان ذلك ايجادا ويعبر عنه بالفارسية «وجود گرفتن» وان اعتبر متلبسا بالوجود كان ذلك وجودا ويعبر عنه ايضا «بوجود داشتن» ومنه يظهر ان اعتبار الوجود مؤخر رتبة عن اعتبار الايجاد. وبهذا يمكن الفرق بين الفعل واسم فاعله ، حيث ان الاول يدل على حالة التحرك ، وبعد ذلك اذا حصلت الحركة وتحصل المتحرك ، تعنون بعنوان اسم الفاعل الذى هو فى الحقيقة دال على المتلبس بعد الفراغ عن تلبسه ، بخلاف الفعل الدال على حدوث التلبس والى ذلك اشير فى الخبر ، الاسم ما دل على المسمى ، والفعل ما دل على حركة المسمى (١) والمراد بالمسمى هو المعنى المدلول عليه باللفظ ، فكان هذا هو الفارق بين الاسماء والافعال ، ففى الاسم دلالة على الوجود ، وفى الفعل دلالة على الايجاد ، وهذا الايجاد هو معنى الجملة ، اسمية كانت او فعلية ، خبرية كانت او انشائية ، كما ان معنى الوجود هو معنى الاسم مفردا او مركبا فان المركبات التقييدية ، كغلام زيد مثلا ، حالها حال المفردات فى دلالتها على شىء مفروض الوجود ، اى دالة على نسب واضافة متحققة ، لا كالمركبات التامة الدالة على احداث النسبة وايقاعها ، ومن هذا الباب قولهم : ان الاوصاف قبل العلم بها اخبار وبعد العلم بها اوصاف والسر فى ذلك ما ذكرناه من ان مفاد الايجاد واحداث التلبس ، لا يكون إلّا قبل العلم لافادة المخاطب ، وبعد ان علم بها بالاخبار ، صارت الذات

__________________

(١) ـ الخبر المروى فى هذه المسألة مشهور من كلام مولانا وامامنا على بن أبي طالب «ع» حيث رمى الى ابى الاسود الدؤلى رقعة فيها .... الاسم ما انباء عن المسمى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى ، والحرف ما اوجد معنى فى غيره ... تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام ص ٦٠.

٣٨

مميزة بذلك الوصف ، ويلحق المحمول بالاوصاف.

ثم انهم ربما يطلقون على القضية ، اسم التصديق ، فيقولون قضية تصديقية ، باعتبار كون نسبتها متعلقة للتصديق والاذعان ، وربما يتوسعون ، فيطلقون ، على كل قضية انها تصديقية حتى فى مثل المشكوكات ، والموهومات منها ، وذلك منهم مسامحة فى مسامحة فلا تغفل.

واذا عرفت اشتراك تمام الجمل فى حيثية الايجاد والايقاع ، كما يساعد عليه الوجدان.

ظهر لك انه لا مائز بين الاخبار والانشاء بالذات ، وانما يفترقان باعتبار آخر ، حيث ان هذا المعنى الإيقاعى ، تارة يتخذ وسيلة للحكاية ويقصد به اعلام ما فى الخارج ، واخرى يتخذ وسيلة لتحقق معناه وثبوته فى الخارج ، مثلا اذا قيل «بعت» فلا شك فى ان قصده ايقاع هذه النسبة ، وهذا المعنى جامع بين الاخبارية والانشائية ، فان قصد بذلك المعنى ، التوسل الى حكاية ما فى الخارج ، كان ذلك اخبارا ، وان قصد به التوسل الى وقوع بيع مملك فى الخارج ، كان ذلك انشاء.

فالجملتان بحسب الذات والمستعمل فيه متفقان ، وانما الاختلاف بينهما فى كيفية الاستعمال نظير الاسماء والحروف.

ثم ان كل من الاخبار والانشاء ، ينقسم الى الجد والهزل فتارة يخبر او ينشئ عن جد وارادة واقعية واخرى عن داعى الهزل والسخرية ، والجد فى الانشاء ، يكون بقصد الموجدية والمؤثرية لا محالة ، إلّا انه قد يترتب عليه فى الخارج ، ما قصده واراد وقوعه ، وقد لا يترتب كما فى البيع الفضولى فانه وان كان يصدر عن العاقد بداعى الجد والتاثير ، إلّا انه ما لم تلحقه الاجازة لا يكاد يكون له

٣٩

تاثير واقعا ، وكذلك الهبة قبل القبض بناء على اشتراط صحتها به.

فتلخص مما ذكرنا ان للكلام وما يتبعه من الوقوع واللاوقوع فى الخارج مراتب.

اوليها : مرتبة الايقاع الذى هو محفوظ فى الكلام بجميع اقسامه. ثانيها مرتبة الحكاية والموقعية التى بها يحصل الامتياز بين الخبر والانشاء. ثالثها مرتبة الجد والهزل التى هى مشتركة بين الاخبار والانشاء. رابعها : مرتبة الوقوع وتحقق مفاد الجملة فى الخارج اخبارا وانشاء.

اذا عرفت هذه المراتب ، فينبغى بعد ذلك لمزيد توضيح كلام الماتن قده ، بيان ان اى مرتبة من هذه المراتب داخلة فى المستعمل فيه وايها خارجة؟

فنقول : اما المرتبة الاولى ، التى هى مرتبة الايقاع والانتزاع فهى من مقومات الكلام ولا يحصل بدونه ، فكما ان الموضوع والمحمول والفعل والفاعل مما يتقوم بها معنى الكلام ، فكذلك النسبة الايقاعية التى هى مدلول الهيئة الكلامية ، لا يحصل معناه الا باعتبارها وملاحظتها.

واما المرتبة الثانية التى هى الفارقة بين الاخبار والانشاء ، من حيث الحكاية والموقعية فهى من شئون المستعمل فيه ، ملحوظة بتبع لحاظ الايقاع الكلامى ، فاللاحظ يلاحظ النسبة الايقاعية المكيفة بحيثية الحكاية او التحقيق ، فهناك لحاظ واحد متعلق بالمجموع من الايقاع المكيف بكيفية الاخبارية والانشائية ، لا لحاظان ، احدهما للايقاع ، والآخر لشئونه من كيفية الاخبار والانشاء ، وان كان بالتحليل العقلى لحاظان إلّا ان المتحقق فى عالم الذهن ليس إلّا شخص لحاظ واحد.

فقد انقدح بذلك ان كيفية الاخبارية والانشائية ملحوظان بلحاظ

٤٠