تحرير الأصول - ج ١

آية الله الشيخ مرتضى النجفي المظاهري الإصبهاني

تحرير الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ مرتضى النجفي المظاهري الإصبهاني


المحقق: حمزة حمزوي
الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

الالتزام بالمجازية فى مدلول العالم والتاجر ، اذ العلم والتجارة قد اعتبر فيهما بالمعنى الذى اعتبر فى اخواتهما من سائر المشتقات المأخوذة من العلم والتجارة وهو الفعلية دون الملكة من نحو علم يعلم ، واتجر يتجر ، بل الظاهر من المصدر ايضا ذلك ، فالقول بان العالم والتاجر بمعنى من له ملكة العلم وحرمة التجارة ، خروج عن مدلول الكلمة التى هى على حد اخواتهما فى ارادة الفعلية من مباديها ، بل لا محيص من القول بتعدد الوضع الهيئى والمادى فى المشتقات من الالتزام بارادة الفعلية من صيغتى العالم والتاجر فان طرو هيئة فاعل على المادة التى هى ظاهرة فى نفسها بالفعلية لا يوجب اختلافا فيها عما كانت عليه اذ لكل من الهيئة والمادة وضع مستقل يختص به.

نعم تتجه دعوى الاختلاف لو بنى على وضع واحد فى المشتقات لمجموع الكلمة المؤتلفة من الهيئة والمادة ، إلّا ان هذا القول على خلاف التحقيق ولا يساعد عليه النظر الدقيق.

والحاصل ان مثل هذه الصيغ اقرب شاهد لصحة مقالة الاعمى وإلّا فلو بنى على الوضع لخصوص حال التلبس فلا محيص الا من ارتكاب التجوز ، اما فى الكلمة او فى امر عقلى ، وكلاهما تعسف وخروج عن مقتضى الظاهر من غير شاهد. بيان الملازمة اما لزوم التجوز فى الكلمة فذاك قضية حمل العلم على الملكة والتجارة على الحرفة والصناعة وقد تقدم توضيحه ان شئت فراجع. واما لزوم التجوز فى امر عقلى فذاك بعد المحافظة على ارادة الظاهر من المادة والمبدإ ، بارادة الفعلية منها مع التصرف فى الآنات الخالية عن التلبس ، بتنزيلها بالقياس الى آنات التلبس منزلة العدم ادعاء ، فانه على هذا الوجه لم يطلق العالم ولا التاجر الا على من تلبس بالعلم والتجارة بالفعل حقيقة فى ازمنة التشاغل وادعاء فى غيرها وهذا

١٠١

ارتكاب لخلاف الظاهر من غير دليل.

اللهم إلّا ان يستشهد لذلك بما ستسمعه من دليل القول باعتبار حال التلبس فانه ان تم يصلح ان يكون شاهد الارتكاب مثل هذه التمحلات إلّا ان الشأن فى تماميته وستعرفه فى محله إن شاء الله تعالى.

«فى انقسام المشتقات باعتبار مباديها»

ومنها ان المشتقات تنقسم باعتبار مباديها الى قسمين آنية واستمرارية ، فمن الآنيات نحو القاتل والسارق والزانى ، ومن الاستمراريات نحو العالم والفاسق ، ومن هذا القبيل كلمة المثمرة فى عبارات الفقهاء يكره البول تحت الشجرة المثمرة ، ويختلف حال الكلام المتضمن لكل واحد من القسمين فانه اذا تضمن المشتق الآني لم يكن لهيئة الكلام دلالة على مقارنة بين النسبة الحكمية وزمان الجرى ان لم يكن له دلالة على عدم التقارن ، لجريان عادة المحاورة غالبا على تعليق الحكم على مثل تلك الصفات الآنية بعد مضى زمان جريها مثل قوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ)(١) وقوله تبارك وتعالى : (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما.)(٢).

وان تضمن المشتق الاستمرارى افاد التقارن بين زمانى النسبة الحكمية والجرى ، لكونه المتبادر من مثل ذلك ، نحو اكرم العالم فانه يتبادر منه مقارنة الاكرام لزمان التلبس بالعلم ، وكذلك فى اهن الفاسق.

__________________

(١) ـ سورة النور : ٢

(٢) ـ سورة المائدة : ٣٨

١٠٢

ومنها انه لا اصل لنا لفظيا يقضى بتعيين احد القولين او الأقوال فى المسألة ، كما ان الاصول العملية تختلف بحسب الموارد اذ الذات ان كانت مسبوقة بحكم من الاحكام ، استصحب حكمها فى زمان الانقضاء وإلّا جرى اصل البراءة عن التكليف.

«حول ادلة الطرفين»

فاذا اتضحت لك هذه المقدمات فنقول : وبالله نستعين : انه قد استدل للقول باعتبار خصوص حال التلبس بان مرتكزات العرف والاذهان المستقيمة ، تابى عن وضع المشتق للاعم ألا ترى ان النائم فى حال نومه لا يقال له مستيقظ مع انه قد كان مستيقظا فى الزمان الماضى ، وان الذى كان قائما ثم قعد لا يقال له فى حال قعوده انه قائم ، بل ارتكازهم على المناقضة فى مثل هذه الاوصاف دليل انى كالتبادر على ان وضع المشتق لخصوص حال التلبس دون الاعم ومن الماضى ، بل هذا الارتكاز الذهنى منشؤه التبادر ، فانه لو لا تبادرهم التلبس الفعلى بالمبدإ عند اطلاق المشتق واستعماله ، ما كان ذلك عندهم مؤديا الى ما يرونه من المناقضة عند ذكر الاوصاف المتقابلة.

وكذلك الاستدلال مع ذلك بصحة السلب عمن انقضى عنه المبدأ ، فان الضارب الامسى ليس بضارب فى هذا اليوم.

فان قلت : هذا سلب للمقيد وعلامة المجاز سلب المطلق. قلت : هذا اذا اعتبر الضرب قيدا للمحمول ، وإلّا فلو اعتبر قيدا للنسبة صح السلب وكان المسلوب مطلقا غير مقيد ، فانك لو قلت فى مفروض المثال زيد ليس اليوم بضارب بلا تقييد فى جانب المحمول ، صح السلب وكان المحمول مطلقا غير مقيد ، ولو كان المشتق حقيقة

١٠٣

فى الاعم لما صح ذلك والتالى باطل.

ومن هذا الوجهين يظهر لك الحال فيما اختاره صاحب الفصول قده من التفصيل بين المشتقات الماخوذة من المبادى المتعدية الى الغير ، فحقيقة فى القدر المشترك بين الماضى والحال ، وبين غيرها فحقيقة فى خصوص الحال (١).

ويضعفه ان ذلك على خلاف التبادر وصحة السلب كما عرفت.

ويمكن الخدشة فى وجهى الاستدلال بان التبادر وما شاكله من الامارات لا يثبت بها الحقيقة فى عصر المعصومين الا بعد ضم مقدمة اخرى اليها من اصالة عدم النقل او اصالة تشابه الأزمان ومن المعلوم ان الاعتماد على مثل هذين الاصلين ، انما هو فيما لم يثبت المخالفة بين العصرين بالدليل ، وقد ثبت هنا باستدلال الامام «ع» فى غير واحد من الاخبار بقوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(٢) على عدم لياقة من عبد صنما بمنصب الامامة والخلافة مريدين به التعريض على الثلاثة ، والتنبيه على جورهم فى الخلافة الظاهرية. (٣)

فان دلالة الآية على ذلك تتوقف على كون المشتق وهو الظالم موضوعا للاعم من المتلبس كما لا يخفى.

واجيب عنه بضعف السند اولا ، وضعف الدلالة ثانيا ، اما ضعف الدلالة فوجهه ان غاية ما ثبت منها اطلاق الظالم فى الآية وارادة

__________________

(١) ـ الفصول فى الاصول : ٦٠.

(٢) ـ البقرة : ١٢٤.

(٣) ـ الاصول من الكافى ج ١ ص : ١٧٤ باب طبقات الانبياء والرسل والائمة حديث : ١ محمد بن يحيى ، عن احمد بن محمد ، عن ابى يحيى الواسطى ، عن هشام بن سالم ، ودرست ابن ابى منصور عنه قال : قال ابو عبد الله «ع» ... وقد كان ابراهيم «ع» نبيا وليس بامام حتى قال الله («إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً» قالَ : وَمِنْ ذُرِّيَّتِي؟) فقال الله : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ») من عبد صنما او وثنا لا يكون اماما.

١٠٤

ما يعم المتلبس والمنقضى والاطلاق اعم من الحقيقة.

ونوقش فى ذلك بان ضعف السند غير قادح ، لحصول الاطمينان بصدورها بشهادة ما فيها من المضامين الناطقة بالحق ، الشاهدة للصدق ، مع تجاوزها عن حد الاثنين.

واما الدلالة فيتعين فيها ان تكون دلالة حقيقة ، وإلّا لما صح الاستدلال عنه (ع) ردا على خصمه فان المجاز يفتقر الى قرينة ، ولا قرنية فى البين.

وقد يقال : ان القرينة هنا موجودة لان مساق الآية بيان تعظيم منصب الامامة وذكر شرفها ، وعظم خطرها ، ورفعة محلها ، وجلالة قدرها وكرامتها عند الله تعالى ، ولا يجامع ذلك كون المراد به خصوص المتلبس بالظلم فى زمان تلك الرئاسة ، بان يكون شرط الامامة الفعلية عدم الظلم بكفر ونحوه فى حينها ، ولو مع الظلم قبلها بساعة ، لان جميع المناصب الشرعية وما يشبهها كالامامة والشهادة مشروطة بعدم الظلم فى حينها ، فلا مزية حينئذ للامامة التى هى صنو النبوة على غيرها.

او يقال : ان الاستعمال فى الآية الشريفة قد وقع بلحاظ حال التلبس ، فلا دلالة فيها على مرام الاعمى ، فان الظالم حينئذ يكون مستعملا فى خصوص حال التلبس دون الانقضاء.

ويرد على الاول ان القرينة ان كانت بملاحظة المقايسة على إمامة الجماعة والشهادة فهو انما يتجه فى ظالم لم يتب عن ظلمه وكان مقيما عليه ، وإلّا فلو تاب عن ظلمه وحسن ظاهره جازت امامته للجماعة وشهادته ، وهؤلاء كذلك فى نظر الخصم الواقع طرفا للامام «ع».

وان كانت بملاحظة جلالة قدر الخلافة وعظم شانها على وجه

١٠٥

لا يليق بها الا المنزه عن الظلم فى تمام عمره ، فذاك انما هو اعتبار غير صالح للقرينية ، وربما ينكره الخصم ولا يلتزم بانها بالغة الى حد لا يليق بها المتلبس بالظلم فى زمان من الازمنة الماضية.

ويرد على الثانى بان قضيته اختلاف زمان الجرى مع زمان النسبة الحكمية ، وهذا خلاف ظاهر الكلام وظاهر الجملة المحتوية على المشتق الماخوذ من المبادى القارة.

ان قلت : الظلم آنى قلت : المراد به هنا الظلم بالشرك وهو قار.

فظهر من هذا كله ان الرواية ان صحت لصلحت دليلا للاعمى بلا شبهة ولا اشكال ، وكانت مقدمة على ما استدل به خصمه من التبادر وصحة السلب.

إلّا ان الشأن كله فى الحكم بصحتها على وجه يحصل الوثوق والاطمينان بصدورها ، ولا يصلح اشتمالها على المضامين العالية ان تكون مشاهدة على صدقها ، اذ لا يؤمن ان تكون المضامين قد صدرت من غير الامام ونسبت اليه افتراء عليه.

نعم اذا كانت الرواية منقولة الينا بطرق مختلفة ، او كان مضمونها قد ذكر فى ضمن روايات عديدة جاوزت حد الاثنين كما سمعته فيما سبق ، امكن القول بحصول الوثوق بصدورها فنحتاج الرواية حينئذ الى نظر وتامل فى سندها فتامل جيدا.

«حول بساطة المشتق»

«بقى فى المقام امران : احدهما» انه عزى الى بعض اصحاب الراى من العامة القول بان مفهوم المشتق «بسيط منتزع عن الذات باعتبار تلبسها بالمبدإ واتصافها به غير مركب.»

١٠٦

والمراد من البسيط مختلف بحسب المقامات فقد يطلق ويراد به البسيط مفهوما ومنشأ ، ويقابله التركيب من احد الوجهين ، وقد يطلق ويراد به البسيط مفهوما خاصة ، وفى قباله التركيب بحسب المفهوم والمنشا ، فقائم يراد به الصورة الخاصة الذهنية التى هى بازاء الوجود الخارجى الخاص ، بالهيئة الكذائية والشكل المخصوص ، فان عالم الذهن نظير ما فى الخارج فكما لا ترى فى الخارج زيدا الموصوف بصفة القيام الا امرا واحدا لا متعددا ، فكذلك الصورة الذهنية المحكية بلفظ القائم المطبقة على ما فى الخارج ، لا ترى بحسب التصور الا امرا واحدا لا متعددا.

نعم لمنشا انتزاع المفهوم تركب تحليلى بمعنى انك بعد التعمل العقلى تراه شيئين ذاتا ومبدأ. وهذا المعنى الثانى فى البسيط هو الظاهر من قوله بسيط منتزع الخ ويوافقه صريح ما فى الكفاية فى ذيل هذا البحث إلّا ان هذا المعنى من البساطة وان كان ظاهر عبارته فى تحرير الدعوى ، لكنه مناف لما ذكره فى وجه تلك الدعوى كما لا يخفى ، حيث قال : فى مقام الاحتجاج على تجرد مفهوم المشق عن الذات «ان مفهوم الشىء لا يعتبر فى مفهوم الناطق مثلا وإلّا لكان العرض العام داخلا فى الفصل ، ولو اعتبر فيه ما صدق عليه الشىء انقلبت مادة الامكان الخاص ضرورة ، فان الشىء الذى له الضحك هو الانسان وثبوت الشىء لنفسه ضرورى انتهى.»

وجه المنافاة ان المتحصل من كلامه فى الحجة ، ليس إلّا خروج الشىء بمفهومه ومصداقه عن مفهوم المشتق ، وذلك لا يستلزم البساطة اذ هناك احتمال ثالث غير ما ذكر من دخول المفهوم او المصداق وهو احتمال دخول منشأ انتزاع المفهوم العرضى فى معنى المشتق ، وحينئذ فلا بد من رفع التنافى من العبارة ، بتنزيلها على ان المراد

١٠٧

من خروج المفهوم خروجه بمنشئه لا وحده ، اذ المفهوم اذا كان عرضيا فمنشأ انتزاعه يكون مثله عرضيا ايضا ، لكونه امرا آخر وراء الجنس والفصل خارجا عن ذاتياته لاجتماعه معهما ، وما يكون مجتمعا مع تمام الذاتيات لم يكن عين كل واحد منها بل يكون خارجا عنها ، فاذا كان المفهوم خارجا عن الناطق الذى هو فصل ذكر بعبارة المشتق ، فاللازم خروجه بمنشإ انتزاعه لا وحده مع بقاء المنشا مأخوذا ، وإلّا لعاد المحذور من دخول العرض فى الفصل لما عرفت من ان المنشا كالمفهوم ايضا عرضى.

والحاصل ان تمامية الحجة يبتنى على اخذ البساطة المدعاة بالمعنى الاول لكن هذا يأباه قوله فى تحرير محل النزاع منتزع عن الذات الخ لظهور العبارة فى دخالة الذات فى منشإ الانتزاع ولعله نظر.

إلّا ان المشتق لما كان له وجهة الى الذات ، فكان يرى فى عالم النظر والاعتبار متحدا مع الذات منتزعا عنها انتزاعا ادعائيا لا حقيقيا فبهذه العناية بنى على انتزاع المفهوم الاشتقاقى عن الذات فلا ينافى ذلك خروج الذات عن المشتق مفهوما ومنشأ.

وكيف كان فيمكن الجواب عن هذا التقريب من الاستدلال بما ذكر فى الفصول من امكان اختيار الوجه الثانى «ويجاب بان المحمول ليس مصداق الشىء والذات مطلقا ، بل مقيدا بالوصف وليس ثبوته حينئذ للموضوع بالضرورة لجواز ان لا يكون القيد ضروريا انتهى.» (١).

وكانه يريد بذلك ان الضرورية تفتقر الى حمل المساوى على

__________________

(١) ـ الفصول فى الاصول : ٦١ وفيه لجواز ان لا يكون ثبوت القيد ضروريا.

١٠٨

مساويه ، او حمل الاعم على الاخص وهاهنا ليس الامر كذلك ، فان المحمول باعتبار تقييده بالوصف يكون اخص من الموضوع ولا ريب ان حمل الاخص على الاعم بالامكان لا بالضرورة.

والماتن قده بعد ان نقل هذا الجواب عن صاحب الفصول اورد عليه بقوله : «يمكن ان يقال» الى قوله «عند الفارابى فتامل.»

وقد يستشكل فيما ذكره قده من شقى الترديد ، اما على تقدير خروج القيد ودخول التقيد ، فيمكن الخدشة فيه بان التقييد اذا كان داخلا كان المحمول اخص ويكون حمله على الموضوع الاعم بالامكان لا بالضرورة.

وقد يذب عنه بان هذا الكلام جار على مبناه الذى بنى عليه فى كون معروض القيد باقيا على اطلاقه اذا بنى على خروج القيد عنه ولا اثر للتقييد فى تضييق دائرة الاطلاق ، وان اعتبر داخلا ، لما تقرر غير مرة من ان مداليل الهيئات معان حرفية ومن شانها ان لا يكون ملحوظا الا مرآة وآلة ، لتعرف حال طرفيه ، ليس له فى عالم اللحاظ وجود منحاز فى قبال معنى الطرفين فلا يرى المعروض بعد البناء على خروج قيده الا نفسه من دون التفات الى جهة التقييد وهو يرى ان المعروض بعد عرائه عن القيد ولم يكن التقييد ملتفتا اليه باق على اطلاقه ، فيكون معنى ضارب ، زيد له الضرب فيكون التقييد هو مدلول اللام وهو معنى حرفى ليس ملتفتا اليه وانما التوجه متمحض الى طرفيه ، فالمقيد حينئذ بلحاظ نفسه بعد فرض خروج قيده عنه ، يكون مطلقا فيكون بعينه الموضوع المحمول عليه المقيد ولازم ذلك ان يكون الحمل ضروريا لا بالامكان. هذا حاصل ما يتعلق بتوضيح كلامه قده ودفع توهم الاشكال على ظاهر عبارته.

ولكنك خبير بان كلامه هذا يبتنى على مبنى غير مرضى ، اذ

١٠٩

لا نسلم الاطلاق فى جانب المقيد المفروض خروج قيده عنه بل هو توأم حصة من الذات ، فيكون اخص من موضوعه ، وحينئذ فحمله عليه يكون بالامكان لا بالضرورة هذا على تقدير خروج القيد ، واما على تقدير دخوله فتوضيح مراده ان الضارب الذى وقع محمولا فى القضية ، يتضمن نسبة تقييديه ، وقد عرفت سابقا ان نسبة الوقوع المتقيدة من النسبة الناقصة ، متفرعة على نسبة ايقاعية هى مضمون الجملة الخبرية فاذا ابرزتها فى عالم النطق تنحل القضية الى قضيتين «زيد زيد ضارب» فيكون زيد الثانى المحمول على زيد الاول بعينه موضوعا فى القضية الثانية ولا شك ان نسبة زيد الى نفسه على ما هو مضمون الجملة الاولى نسبة ضرورية.

ويمكن الخدشة فى ذلك ايضا ، بان المفروض دخول القيد ولازم ذلك ان يكون المحمول مجموع القضية الثانية لا موضوعها خاصة ، ومن الواضح ان حمل المجموع واسناده الى موضوع القضية الاولى ليس على وجه الضرورة ، بل بالامكان ، فصح كلام الفصول وبطل الايراد عليه بناء على اعتبار المصداق فى حقيقة المشتق.

ان قلت : الموضوع فى المركبات التامة توأم مع المحمول لا يتناول نقيضه كما هو كذلك فى المركبات التقييدية وحينئذ فلا محيص من الاشكال ، اذ كل موضوع على هذا لا بد وان يكون مساويا لمحموله ، او اخص منه ، لاستحالة سعة دائرته على وجه يكون شاملا لمحموله ونقيضه ، ومن المعلوم ان اسناد الاعم او المساوى الى الاخص منه او مساويه اسناد ضرورى لا بالامكان.

قلت : ليس الامر فى المركبات التامة كما زعمت ، اذ التضييق انما يجىء من التقييد ، وإلّا فموضوع القضية سابق فى الرتبة على محموله ، فالجملة حال الاخبار يراد بها الحكم على الموضوع الذى

١١٠

هو فى حد نفسه قابل لطرو الطوارى عليه ، من غير اختصاص لبعضها فيه ، فاذا تحقق الحمل وتم الاخبار خرج الموضوع عما كان عليه من صلوحه للتوصيف بجميع الاوصاف الى الفعلية وكان مضيق الدائرة فلا يشمل فى هذا الحال الذى هو عليه من التلبس بالصفة الكذائية حال ضدها ونقيضها ، فكان حاله فى مقام الاخبار مغاير لحاله فى مقام التوصيف والتقييد اذ هو فى الاول عام وفى الثانى خاص ، وحمل الخاص على العام يكون بالامكان لا بالضرورة.

ثم لا يذهب عليك ان اشكال الانقلاب لو تم لم يكن مختصا بصورة اعتبار المصداق فى معنى المشتق ، بل يتأتى على اعتبار المفهوم فيه ايضا ، ضرورة صدق مفهوم الذات على كل واحد من مصاديقه التى منها موضوع القضية.

هذا تمام الكلام فيما يتعلق بحجة المستدل على بساطة المشتق من بعض اصحاب الراى والخلاف وقد عرفت عدم تماميتها وضعف ما قيل تأييدا له ، فالحرى بعد هذا ان نجرى الكلام فى تحقيق الحق

«بأنه يمكن ان يستدل على البساطة بضرورة عدم تكرر الموصوف فى مثل زيد الكاتب ولزومه من التركب واخذ الشىء مصداقا او مفهوما فى مفهومه.»

وايضا لكان يحصل التكرار فى مقام الاخبار عن زيد بانه كاتب ، فانه ينتقل الى زيد تارة بالصراحة واخرى فى ضمن كاتب ، مع انا لا نجد التكرار بحسب التصور ، ولا ينسبق الى اذهاننا شىء ، منه ، فكان هذا شاهدا على عدم التركب المفهومى ، لكن يبقى احتمال التركيب فى المنشا لظهور عدم التلازم بين بساطة المفهوم وبساطة المنشا ، فبنا على القول بوضع واحد للمجموع المؤتلف من الهيئة والمادة فى المشتقات ، امكن القول حينئذ بتركيب المنشا فيها ، حيث ان

١١١

مجموع المركب موضوع لمعنى منتزع من الوجود الخاص الخارجى الذى هو ينحل بالتعمل العقلى الى ذات ومبدإ.

واما بناء على المختار من تعدد الوضع فى كل من المادة والهيئة ، فلا وجه لاعتبار الذات فى المشتق لا فى معناه ، ولا فى منشأ انتزاعه ، لظهور ان المادة موضوعة للمعنى الحدثى والهيئة تدل على معنى حرفى الذى هو النسبة فمن اين يجىء اعتبار الذات؟ وهل القول باعتباره الا دعوى خالية عن بينة وبرهان؟ وما عساه يتراءى من «ضارب» الذات المتلبسة بالمبدإ ، فذلك ناش عن كون الذات طرفا للنسبة المفتقرة الى منسوب ومنسوب اليه ، لا لاندراجه فى المعنى الموضوع له فهو مدلول التزامى لكلمة المشتق لا تضمنى.

ثم ان المنظور اليه فى مقام الحكم عنه اطلاق المشتق ، يمكن ان يكون هو الذات اصالة والمبدأ تبعا ويمكن العكس ، كما انه يمكن تعلق اللحاظ بهما معا اصالة على سبيل لحاظ المجموع المؤتلف من الذات والمبدإ هذا بحسب عالم التصور ومرحلة الامكان ، وإلّا فمورد التصديق المحقق وقوعه فى المحاورات والقضايا هو الصورة الاولى ، فانك لا ترى فى مقام اطلاق رايت الضارب الا الذات ويكون الضاربية فى نظرك ليست إلّا كاللباس المشتمل على الشخص لو نظرت اليه مريدا شخصه ، ولعله لهذا الوجه وقع فى كلماتهم التعبير عن المشتق فى مقام شرحه وتوضيحه بأنه ذات متلبسة بالمبدإ ، فان التلبس مأخوذ من اللباس فهذا الارتكاز الذهنى هو الداعى لهم على التعبير بهذه العبارة ، ويشيرون بذلك الى ان المبدأ منظور اليه تبعا كاللباس الذى على الانسان ، هذا ما تحصل لى من بحث الاستاذ مد ظله.

ولكنه غير خال عن النظر اذ لا وجه لقصر الوقوع فى المحاورات

١١٢

من الاحتمالات الثلث المتصورة على الصورة الاولى خاصة ، بل هى بأجمعها وقعت فى المحاورات ، ويختلف الحال بحسب المقامات ففى نحو رايت الضارب ربما يكون الامر كما ذكر من توجه اللحاظ الى الذات بالاصالة والى المبدإ بالتبع ، إلّا أنّك لو قلت زيد ضارب قاصدا به الاخبار عن زيد بالضاربية ترى تمام التوجه فى جانب المحمول الى الضاربية دون ذاته ، وانما التوجه الى الذات جاء من ناحية الموضوع واما المحمول فهو المتمحض بالتوجه بصفته دون ذاته ، ومن ثم اعتبروا الوصفية فى جانب المحمول ، والذات فى جانب الموضوع.

واما لو قلت : اكرم العالم فمناسبة الحكم للموضوع تقضى باعتبار الذات والصفة معا فى عالم التوجه بالاصالة كما لا يخفى.

ثم انك قد عرفت ان الذات خارجة عن المشتق ، وليست داخلة فى معناه وحينئذ فربما ينقدح الاشكال فى اخذ المشتق وسيلة الى الذات ، معبرا يستطرق منه اليه على وجه يكون الانتقال الى الذات اصالة والى المبدإ تبعا ، مع ان الالتزامية ترى تبعا للمعنى المطابقى لا اصالة ، فكون الذات معنى التزاميا خارجا عن المعنى ، ينافى الالتفات اليه من لفظ المشتق بالاصالة.

ويمكن ان يوجه ذلك بأن الذات وان لم تدخل فى المعنى إلّا ان المعنى الاشتقاقى قد اعتبر على نحو لا يصلح إلّا ان يكون وجهة الى الذات فالتبعية اللاحقة لمعناه فى مقام التوجه والالتفات ، انما هى لقصور فى المعنى ، نظير المعانى الحرفية التى ليست ملحوظة الا آلة ومرآة لحال المتعلق ، ففى عالم النظر والالتفات لم يكن المقصود الاصلى الا المتعلق على وجه يرى متكيفا بالمعنى الحرفى ، كما يرى الانسان متكيفا بكيفية القيام ومترديا بالرداء ، فيكون النظر الى

١١٣

المدلول تبعا والى لازمه فى المشتقات والى المتعلق فى الحروف بالاصالة ، فكان المعنى يرى من شئون الذات وحدوده ، نظير الحروف سوى ان المعانى الحرفية مرآتية لم يتعلق بها توجه من النفس اصلا ، وهذا بخلاف المشتقات فانها ملحوظة ومتوجه اليها.

والحاصل ان انحاء التبعية مختلفه ، فتارة يرى التابع منفصلا عن المتبوع كالولد التابع لوالده ، واخرى يرى موصولا ، وهذا على نحوين ، فان كان على نحو المرآتية كان ذلك من قبيل المعانى الحرفية ، وان لم يكن كذلك بل على نحو يكون من شئون الذات وحدوده مع كونه متعلقا اليه تبعا ، كان ذلك معنى المشتق ، وبهذا الوجه صح جريه على الذات وحمله عليها ، من حيث انه بحسب الرؤية والالتفات لا يرى الذات المتلبسة بالمبدإ الا واحدا خارجا ، كما انه بهذا الوجه رفعنا التهافت الواقع عن بعض العامة.

«فى بيان ملاك الحمل فى المشتق»

ثم انه قد انقدح مما ذكرنا وجه الحمل فى القضايا التصديقية ، وربما قيل بأن الوجه فى الحمل هو اعتبار المبدإ المأخوذ فى المشتق لا بشرط فى قبال اعتباره بشرط لا ، وقبل النظر فيما يتجه عليه من الاشكال لا بد من توضيح المراد من قولهم «لا بشرط ، وبشرط لا» فى المقام ونظائره ، ولنوضح المقصود بالاشباه والنظائر اولا فنقول : فى اجزاء الصلاة كالركوع والسجود والقيام وغيره ، تارة تعتبر هذه الاجزاء من حيث انبساط الطبيعة الصلاتية عليها وهذا فى المعنى هو الكل ، واخرى تعتبر بحدودها المتباينة فيما بينها وبهذا الاعتبار يمتنع حمل بعضها على بعض ، كما لا يصح حملها على الكل

١١٤

ايضا وهو المعنى بقولهم بشرط لا ، وثالثة تعتبر بما لها من تحمل صرف وجود الصلاة ، الاعم من الوجود الضمنى ، والاستقلالى ، فالركوع من حيث كونها صلاة هى السجود بهذه الحيثية ، فيصح حمل بعضها على بعض بهذا الاعتبار وهو المراد بقولهم لا بشرط ، هذا فى الاجزاء الخارجية.

واما الاجزاء الذهنية التحليلية كالحيوان والناطق اللذين هما اجزاء للانسان ، يتصور فيه الوجوه بعينها ايضا ، ومنه يتضح الحال فى المشتق ، فأنك ان اعتبرت الذات والمبدأ كل بحياله مستقلا ، كان كل منهما معتبرا بشرط لا ، وان اعتبرتهما من حيث كونهما حاملين لوجود المشتق على الاطلاق اى الاعم من الوجود الضمنى والاستقلالى كانا معتبرين لا بشرط.

وبهذا الاعتبار يتوجه حمل المبدإ على موضوعه ، لكونه بهذا الاعتبار عين الذات الواقعة موضوعا هذا.

ويتجه على ذلك ان اعتبار اللابشرط وان صلح وجها فى زيد عالم مثلا ، إلّا انه يرد الاشكال فيما لو قيل : اطعم العالم فإن متعلق الاطعام ليس هو إلّا الذات دون المبدإ ، فلو اعتبر المبدأ لا بشرط من غير ان يكون فيه جهة وجهة للذات ، وعنوانا مشيرا اليه ، كيف يصح مثل هذا المثال؟ فأذن لا محيص عما ذكرناه من اعتبار الوجهة والاتحاد اللحاظى فى المشتق ، وبه يستغنى عن اعتبار اللابشرط فيه. هذا ما تحصل لى من كلام الاستاذ مد ظله العالى.

اقول : ليت شعرى اذا كان اعتبار اللابشرط يصحح الحمل ، وكان مسلما لديه ، فلا بد من الالتزام بجواز صيرورته متعلقا للاطعام ، وذلك لان الحمل انما يتجه فى مورد يتحقق الاتحاد الخارجى بين الموضوع والمحمول ، فكما يرى العالم فى الخارج عين زيد وصلح لاجله حمله عليه ،

١١٥

كذلك يصلح مثل ذلك ان يكون مطعوما بهذا النظر وهذا الاعتبار.

وبالجملة لا وجه لتسليم صلاحية الحمل مع اعتبار اللابشرط ومنع صيرورته متعلقا للحكم بالاطعام ، اذ الحمل لا يتجه إلّا فيما يتحقق هناك الاتحاد الخارجى ، واذا تحقق الاتحاد الخارجى جاز الامران من غير فرق بينهما فتأمل فى المقام ولا تنظر الى من قال.

«الامر الثانى» يظهر من الفصول اعتبار الاسناد الحقيقى فى صدق المشتق حقيقة فمثل الميزاب الجارى يكون قد اطلق فيه المشتق على سبيل الحقيقة ، وان كان اسناده الى الميزاب مجازيا. (١)

اقول : ويحتمل ثالثا ان لا يكون فى ذلك تجوز فى الكلمة ولا فى الاسناد ، بل فى امر عقلى بواسطة ادعاء الميزاب فردا من افراد الجارى.

وبالجملة لصاحب الفصول قول بالتجوز فى الكلمة فى مثل قولهم : الميزاب الجارى ، وللماتن قول بالتجوز فى الاسناد دون الكلمة ، ولنا احتمال ثالث وهو الالتزام بالتجوز العقلى الادعائى فى جانب الموضوع من غير حاجة الى الالتزام بالتجوزين فى الاسناد او الكلمة.

«حول الاوامر»

«المقصد الاول فى الاوامر وفيه فصول : الاول فيما يتعلق بمادة الامر من الجهات وهى عديدة :»

الاولى قد يطلق الامر ويراد به البعث القولى الذى هو من مقولة الفعل ، دون الطلب النفسانى الذى هو من مقولة الكيف المتكيفة به

__________________

(١) ـ الفصول فى الاصول : ٦١.

١١٦

النفس الناطقة ومثل هذا امر بالمعنى الحدثى المصدرى ويجمع على اوامر ، وقد يطلق ويراد به معنى قريب من الشىء لا عينه اذ الامر اخص وهو اعم ، فانه يقال فى شأن البارى عزّ اسمه انه شىء لا كالاشياء ولا يقال له امر من الامور.

والحاصل ان الفرق بين معنيى الامر فى كمال الوضوح ولا جامع بينهما ظاهرا ، فيكون استعمال الامر فيهما على سبيل الاشتراك اللفظى لا المعنوى ولا الحقيقة والمجاز ، اذ لا عناية فى الاستعمال فى كل من المعنيين غير الافتقار الى القرينة المعينة الجارية فى المشتركات اللفظية.

وهل يعتبر فى صدق الامر على الطلب ان يكون مظهرا بالقول خاصة ، فلو طلب بغيره كالكتابة والاشارة لم يكن امرا او لا يعتبر ذلك ، ويكون المدار على اظهاره بأى نحو يكون؟ اقربهما لدى النظر هو الثانى والذى يهون الخطب ، عدم تفاوت الحال بالنسبة الى حكم العقل بلزوم الاطاعة بين جميع صور بروز الطلب وابرازه سواء سميت كلها امرا او لا.

«الجهة الثانية الظاهر اعتبار العلو فى معنى الامر فلا يكون الطلب من السافل او المساوى امرا فلو اطلق عليه كان بنحو من العناية.» واما الاستعلاء فالظاهر عدم اعتباره فى معنى الامر ، فلو استعمل الامر فيه كان بنحو من العناية اذا لم يكن ثمة جهة علو فى الطالب.

الجهة الثالثة هل الامر بمادته يدل على الوجوب؟ لم يستبعد ذلك الماتن مدعيا انسباقه عند اطلاقه حيث قال قده : «لا يبعد كون لفظ الامر حقيقة فى الوجوب لانسباقه عنه عند اطلاقه. انتهى»

ويمكن ان يكون ذلك انسباقا اطلاقيا ، ناشيا عن مقدمات الحكمة

١١٧

فلا يجدى ذلك فى اثبات الحقيقة والوضع لخصوص الوجوب ، بل ربما يكون قولهم : امر ندبى وامر وجوبى شاهد على الاعمية وربما يستدل للقول بالوجوب بأية الحذر على مخالفة امره صلى الله عليه والله وسلم (١) وبآية التوبيخ والذم على ابليس فى مخالفة ما امر به من السجود لآدم «ع» (٢) وبقوله «ص» لو لا ان أشقّ على امتى لامرتهم بالسواك. (٣)

بتقريب ان الامر اذا كان ملزوما للعقوبة على مخالفته او يذم على مخالفته ، او يشق امتثاله ، فبعكس النقيض يحكم بأن كل ما ليس ملزوما لاحد هذه الثلث فليس بأمر ، كما ان الحال كذلك فى المندوبات فلم تكن حينئذ اوامرها اوامر حقيقية بل مجازا وبالعناية.

ويمكن الجواب عن هذا الاحتجاج بأن العام ليس حجة فيما يشك فى مصداقيته وكان معلوما حكمه كما فى المقام حيث ان الامر الندبى مما يشك فى مصداقيته للامر ، ومع ذلك قد علم انه ليس فيه واحد من هذه الامور الثلث فاذا لم يكن العام حجة فى مثل هذا الفرد فى جانب الاصل ، ففى طرف العكس يكون المحصل ان ما لم يكن فيه احد هذه الامور ، فليس من تلك الافراد المشمولة للعام وكان هو حجة فيها ، فيكون مثل هذا الفرد المشكوك حاله مسكوتا فى جانبى الاصل والعكس.

وقد يقرب الاحتجاج بالحديث بغير ما ذكر وذلك بتمهيد

__________________

(١) ـ النور : ٦٣ ... فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم.

(٢) ـ الاعراف : ١٢ قال ما منعك ألا تسجد اذ امرتك قال انا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين.

(٣) ـ الوسائل ج ١ ابواب السواك باب : ٣ حديث : ٤ وفيه : عند وضوء كل صلاة

١١٨

مقدمتين :

احدهما ان استحباب التمسوك مما لا ريب فى وروده فى الشريعة.

ثانيها ان «لو لا» الامتناعية تدل على انتفاء الثانى لوجود الاول نحو لو لا على (ع) لهلك عمر وحينئذ فنقول : مقتضى مفاد الحديث انتفاء امره «ص» بالسواك لحصول المشقة مع انا نجد اوامره الندبية كثيرة الى ما شاء الله ، فلا بد وان تكون الاوامر الندبية خارجة عن مصاديق الامر الحقيقى صونا لكلامه «ص» عن الكذب.

مضافا الى ان المشقة لا تتأتى من قبل الطلب الندبى فذكرها فى كلامه «ص» قرينة لفظية على ان المقصود من قوله لامرتهم خصوص الوجوب لا مطلق الطلب ، وليست هذه القرنية قرنية التجوز اذ لا يحسن التجوز فى تالى الشرطية اعتمادا على ما ذكر فى مقدمها المتقدم على تاليها رتبة بحسب صوغ الكلام فإن ظاهر الكلام فى مثل ذلك هو انتفاء الامر بما له من معناه الحقيقى بسبب المشقة.

والحاصل ان فى كلامه «ص» دلالة على خروج المطلوبات الندبية عن حيز الامر بالدلالة الاقتضائية نظير دلالة الآيتين على اقل الحمل (١) وبالقرنية.

وكيف كان فليس مبنى هذا النحو من التقريب على التمسك باصالة العموم ، لكى يرد عليه المناقشة المتقدمة ، بل ذلك تمسك بقضية شخصية واردة فى خصوص السواك فان صح الحديث كان الاستدلال به للقول بالوجوب اولى من غيره.

الجهة الرابعة قد سبق ان الامر هو البعث المعبر عنه فى كلماتهم

__________________

(١) ـ هما الآية : ١٥ فى سورة الاحقاف : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) ... والآية : ٢٣٣ فى سورة البقرة (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) ... فيستفاد من كلتيهما اقل الحمل وهو ستة اشهر.

١١٩

بأنه الطلب بالقول ، وهل الطلب المعتبر فيه هو الانشائى او الحقيقى او مفهوم الطلب؟ استظهر الماتن قده الاول فقال : «الظاهر ان الطلب الذى يكون هو معنى الامر ، ليس هو الطلب الحقيقى الذى يكون طلبا بالحمل الشائع الصناعى بل الطلب الانشائى الذى لا يكون بهذا الحمل طلبا مطلقا ، بل طلبا انشائيا سواء انشاء بصيغة افعل او بمادة الامر او بغيرها.» انتهى موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

وربما يستشكل فيه بأن الانشائية كيفية متصدية من الاستعمال القولى ، فكيف يصلح ذلك ان يكون متعلقا للقول فى مقام تعريفه بأنه الطلب بالقول ، فلو قال المولى : لعبده امرك بشراء اللحم كان طالبا له بالقول ومنشأ لطلبه ذلك بهذا اللفظ ، وهذا الكلام من غير ان يكون للانشاء دخالة فى مدلول الكلام ، بل هو من شئون الاستعمال ومن اطواره ، فكيف يتخذ ذلك مدلولا لمادة الامر؟

ولعل مطمح نظره الى الملحوظ فى عالم البعث لما كان هو المعنى بتوسيط اللفظ واستعماله فيه ، وكان اللفظ بما هو متكيف بكيفياته فانيا فى المعنى متحدا معه بنحو الاتحاد ، فكان يرى المعنى الطلبى انشائيا وليس حقيقية هو الطلب الانشائى ، بل المعنى بحسب الحقيقة هو مفهوم الطلب وانما تلون بالانشائية بواسطة بروزه بالقول المقصود به الانشاء والايجاد.

«فى معانى الطلب والمختار منها فى المقام»

ثم ليعلم ان حقيقة الامر ليس مجرد الطلب الانشائى ما لم يكن صدوره عن جد وارادة حقيقية ، لظهور ان الاوامر الامتحانية اذا علم امتحانيتها وخلوها عن واقع الطلب ، لا تكون اوامر حقيقية بل هى

١٢٠