موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ١١

باقر شريف القرشي

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ١١

المؤلف:

باقر شريف القرشي


المحقق: مهدي باقر القرشي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الطبعة: ٢
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: ١٠٩

الزحف إلى البصرة :

وتحرّكت جيوش عائشة من مكّة متّجهة صوب البصرة لاحتلالها ، وقد دقّت طبول الحرب وانتشرت الرايات ، وتهافتت القوى المنحرفة عن الحقّ وذوو الأطماع على الالتحاق بجيش عائشة ، وشعارهم المطالبة بدم عثمان الذي سفكه طلحة والزبير وعائشة.

واتّجهت تلك الجيوش لمحاربة السلطة الشرعية ، وشقّ صفوف المسلمين ، وأعضاء قيادتها على يقين بضلال مسيرهم وقصدهم.

شراء عسكر :

وسارت جيوش عائشة تجدّ في السير لا تلوي على شيء متّجهة صوب البصرة ، وفي الطريق صادفهم العرني صاحب الجمل المسمّى بعسكر ، فقال له راكب :

يا صاحب الجمل ، أتبيع جملك؟

نعم.

بكم؟

بألف درهم.

ويحك أمجنون أنت جمل يباع بألف درهم!!

نعم جملي هذا ما طلبت عليه أحدا قطّ إلاّ أدركته ، ولا طلبني وأنا عليه أحد قطّ إلاّ فتّه.

لو تعلم لمن نريده لأحسنت بيعنا.

لمن تريده؟

٦١

لامّك.

لقد تركت امّي في بيتها قاعدة ما تريد براحا.

إنّا نريده لأمّ المؤمنين عائشة.

هو لك خذه بغير ثمن.

ارجع معنا إلى الرحل لنعطيك ناقة مهرية ونزيدك دراهم.

فقفل معهم فأعطوه ناقة وأربعمائة درهم أو ستمائة درهم واستلموا منه الجمل ، وقدّموه لأمّ المؤمنين عائشة فاعتلت عليه (١) لتحارب وصيّ رسول الله وباب مدينة علمه ، وقد أصبح جملها كعجل بني إسرائيل فقطعت حوله الأيدي ، وأزهقت الأنفس ، واريقت الدماء.

ماء الحوأب :

وسارت قافلة عائشة في البيداء تحفّها الجيوش فاجتازت على مكان يقال له « الحوأب » فتلقّتها كلاب الحيّ بهرير وعواء فذعرت عائشة فالتفت إلى محمّد بن طلحة فقالت له :

أيّ ماء هذا يا محمّد؟

ماء الحوأب يا أمّ المؤمنين! فهتفت بحرارة قائلة :

ما أراني إلاّ راجعة.

لم يا أمّ المؤمنين؟

سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لنسائه :

__________________

(١) تاريخ ابن الأثير ٣ : ١٠٧. تاريخ الطبري ٣ : ٤٧٥.

٦٢

« كأنّي بإحداكنّ قد نبحتها كلاب الحوأب ، وإيّاك أن تكوني يا حميراء » (١).

فسارع محمّد قائلا :

تقدّمي يرحمك الله ، ودعي هذا القول ...

ولم تبرح من مكانها ، وطافت بها الهموم والأحزان ، فقد أيقنت بضلالة قصدها .. وذعرت القيادة العامّة في جيشها ، وانبرى إليها بعضهم قائلا :

يا امّاه ، تقدّمي ..

وبقيت تائهة تراودها كلمات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وراحت تقول بنبرات ملؤها الأسى والحزن :

ردّوني ، أنا والله! صاحبة كلاب الحوأب.

ردّوني.

وأسرع إليها ابن اختها عبد الله بن الزبير كأنّه ذئب ، وهو يلهث ، فلمّا رأته انهارت أمامه ، فجاء بشهود اشترى ضمائرهم فشهدوا أنّ هذا الماء ليس بماء الحوأب ، وهي أوّل شهادة زور في الإسلام (٢) ، فأقلعت عن فكرتها ، وأخذت تقود الجيوش لحرب وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وباب مدينة علمه.

__________________

(١) روى ابن عبّاس عن النبيّ أنّه قال يوما لنسائه وهنّ جميعا عنده : « أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدب تنبحها كلاب الحوأب ، يقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثيرة كلّهم في النار ، وتنجو بعد ما كادت ».

جاء ذلك في كلّ من شرح النهج ٢ : ٢٩٧. تاريخ ابن كثير ٦ : ٢١٢. الخصائص للسيوطي ٢ : ١٣٧.

وجاء في الاستيعاب : أنّ هذا الحديث من علائم النبوّة.

(٢) مروج الذهب ٢ : ٣٤٧. تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨١.

٦٣

في ربوع البصرة :

وراحت جيوش عائشة تطوي البيداء حتى داهمت البصرة ففزع أهلها كأشدّ ما يكون الفزع ، وسارع والي البصرة عثمان بن حنيف فأوفد أبا الأسود الدؤلي للقيى عائشة يسألها عن سبب قدومها إلى مصرهم ، ولمّا مثل أمامها قال لها :

ما أقدمك يا أمّ المؤمنين؟

أطلب بدم عثمان ...

فأجابها أبو الأسود بمنطقه الفيّاض قائلا :

ليس في البصرة من قتلة عثمان أحد ..

صدقت ، ولكنّهم مع عليّ بن أبي طالب بالمدينة ، وجئت أستنهض أهل البصرة لقتاله ، أنغضب لكم من سوط عثمان ، ولا نغضب لعثمان من سيوفكم.

وردّ عليها أبو الأسود هذه المغالطات الواهية قائلا :

ما أنت من السوط والسيف ، إنّما أنت حبيسة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمرك أن تقرّي في بيتك ، وتتلي كتاب ربّك ، وليس على النساء قتال ، ولا لهنّ الطلب بالدماء؟

وأنّ عليّا لأولى منك ، وأمسّ رحما فإنّهما ابنا عبد مناف ...

ولم تحفل عائشة بهذه الحجج الدامغة وراحت مصرّة على رأيها قائلة :

لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت إليه .. أفتظنّ يا أبا الأسود أنّ أحدا يقدم على قتالي ..

وظنّت عائشة أنّها تتمتّع بحصانة الزوجية من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يقدم أحد على قتالها ، فأجابها أبو الأسود :

أما والله! لتقاتلنّ قتالا أهونه الشديد ... وانصرف أبو الأسود وقد أخفق في مهمّته فلم يحقّق أي نجاح في حديثه مع عائشة.

٦٤

أبو الأسود مع الزبير :

واتّجه أبو الأسود صوب الزبير فكلّمه بناعم القول ، وذكر له ماضيه الزاهر وتجاوبه مع الإمام في يوم السقيفة قائلا :

يا أبا عبد الله ، عهد الناس بك ، وأنت يوم بويع أبو بكر آخذا بقائم سيفك تقول : لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب ، وأين هذا المقام من ذاك؟

فأجابه الزبير بنفاق ومغالطة :

نطلب بدم عثمان ...

فردّ عليه أبو الأسود : أنت وصاحبك ـ يعني طلحة ـ ولّيتماه ـ يعني عليّا ـ فيما بعد. ولان الزبير لدعوة الحقّ ، واستجاب لنصيحة أبي الأسود إلاّ أنّه طلب منه أن يعرض الأمر على طلحة.

أبو الأسود مع طلحة :

وأسرع أبو الأسود إلى طلحة ، وطلب منه الانصياع إلى الحقّ وجمع كلمة المسلمين ، فأبى وأصرّ على الغيّ والعدوان (١).

ورجع أبو الأسود ، وقد أخفق في وفادته ، فأخبر والي البصرة بفشله.

خطاب والي البصرة :

وجمع عثمان بن حنيف والي البصرة أصحابه فخطب فيهم قائلا :

أيّها الناس ، إنّما بايعتم الله ، ( يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) (٢).

__________________

(١) الإمامة والسياسة ١ : ٦٤.

(٢) الفتح : ١٠.

٦٥

والله! لو علم عليّ أحدا أحقّ بهذا الأمر منه ما قبله ، ولو بايع الناس غيره لبايع وأطاع ، وما به إلى أحد من صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حاجة ، وما بأحد عنه غنى ، ولقد شاركهم في محاسنهم ، وما شاركوه في محاسنه ، ولقد بايع هذان الرجلان ـ يعني طلحة والزبير ـ وما يريدان الله ، فاستعجلا الفطام قبل الرضاع ، والرضاع قبل الولادة ، والولادة قبل الحمل ، وطلبا ثواب الله من العباد ، وقد زعما أنّهما بايعا مستكرهين ، فإن كانا استكرها قبل بيعتهما ، كانا رجلين من عرض قريش لهما أن يقولا ولا يأمرا.

ألا وإنّ الهدى ما كانت عليه العامّة ، والعامّة على بيعة عليّ ، فما ترون أيّها الناس؟

وهذا الخطاب حافل بالحجّة ، وعار من المغالطات السياسية ، وفيه الدعوة إلى الحقّ وجمع الكلمة ، فاستجاب له حكيم بن جبلة وهو من شخصيات البصرة ووجوهها وأعرب عن استعداده لمناصرته ولو أعلن الحرب على الجماعة (١).

عقد هدنة بين الفريقين :

وجرت مصادمات عنيفة اريقت فيها الدماء من حزب عائشة وجماعة الإمام ، وبعد هذا الصراع الذي لم يحرز فيه كل منهما نصرا على خصمه اتّفقا على عقد هدنة مؤقّتة بينهما حتى يقدم الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ويعرض عليه الأمر وتنحلّ عقدة الخلاف ، وكتب الفريقان وثيقة وقّعها ابن حنيف والي البصرة وطلحة والزبير ، وكان من بنودها إقرار ابن حنيف على إمرته للبصرة وترك ما في بيت المال والمسلحة له ، وأن يباح للزبير وطلحة وعائشة أن ينزلوا حيثما شاءوا من البصرة.

نقض العهد :

ومضى ابن حنيف يقيم بالناس الصلاة ويقسّم المال بينهم ويشيع الأمن

__________________

(١) الإمامة والسياسة ١ : ٦٤.

٦٦

والاستقرار في ربوع المصر ، إلاّ أنّ حزب عائشة قد خاسوا بعهدهم ، ونقضوا مواثيقهم ، فأجمعوا على الفتك بابن حنيف ، ونهب ما في بيت المال ، وقد انتهزوا ليلة قاتمة شديدة العواصف ، فهجموا على ابن حنيف وهو يصلّي بالناس صلاة العشاء ، فأخذوه ثمّ عدوا إلى بيت المال فقتلوا من حرسه أربعين رجلا ، واستولوا عليه ، وشدّ مروان على ابن حنيف فاعتقله وقتل أصحابه ، وعمد مروان إلى ابن حنيف فنتف لحيته ورأسه وحاجبيه وتركه أصلع (١).

يوم الجمل الأصغر :

وعمد أصحاب عائشة إلى العيث والفساد والإخلال بالأمن ، فغضب جمهور من أهل البصرة بقيادة البطل المجاهد حكيم بن جبلة ، وكان عدد من معه ثلاثمائة رجل وكلّهم من بني عبد القيس (٢) فشهروا سيوفهم ، وخرج أصحاب عائشة فحملوها على جمل ، وسمّي ذلك اليوم يوم الجمل الأصغر (٣) ، والتحم الفريقان في معركة رهيبة ، وأبلى القائد ابن جبلة بلاء حسنا ، فخاض أعنف المعارك ، فضربه رجل من أصحاب طلحة على رجله فبراها ، فجثا حكيم على الأرض وأخذ رجله المقطوعة فضرب بها الرجل الذي قطعها فقتله.

ولم يزل هذا البطل الفذّ يقاتل أعنف القتال وهو ينزف دما حتّى استشهد مدافعا عن وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وانتهت المعركة في صالح أصحاب عائشة ، فقد استولوا على البصرة استيلاء كاملا ، وسقطت بأيديهم ، أمّا ابن حنيف حاكم البصرة فقد همّوا بقتله إلاّ أنّه هدّدهم بأخيه الذي كان واليا على المدينة من قبل الإمام عليه‌السلام ، وأنّهم إن قتلوه فسوف يثأر له.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٢ : ٥٠.

(٢) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٢ : ٥٠.

(٣) حياة الإمام الحسن عليه‌السلام ١ : ٤٣٠.

٦٧

ويضع السيف في رقاب اخوانهم وأبنائهم في يثرب ، فخافوا ذلك ، وأطلقوا سراحه ، فانطلق حتى التحق بالإمام عليه‌السلام في بعض طريقه إلى البصرة ، فلمّا دخل على الإمام قال له مداعبا :

أرسلتني إلى البصرة شيخا فجئتك أمرد ...

وأوغرت هذه الأحداث صدور الناس بالبصرة ، وفرّقت كلمتهم ، فطائفة التحقت بالإمام عليه‌السلام ، وطائفة أخرى التحقت بعائشة ، وطائفة ثالثة اعتزلت الفتنة ، ولم يطب لها الانضمام إلى إحدى الطائفتين.

النزاع على الصلاة :

وتهالك حزب طلحة وحزب الزبير على الصلاة ، فكان كلّ منهما يريد إمامة الجماعة ليكون هو الزعيم في المستقبل ، وأدّى النزاع بينهما إلى فوت وقت الصلاة ، وخافت عائشة من تطوّر الأحداث فأمرت أن يصلّي بالناس يوما محمّد بن طلحة ، ويوما عبد الله بن الزبير (١) ، وذهب ابن الزبير ليصلّي بالناس فجذبه ابن طلحة ، وتقدّم ابن طلحة ليصلّي فمنعه ابن الزبير ، ورأى الناس أنّ خير وسيلة لحسم النزاع بينهما القرعة ، فاقترعا فخرج ابن طلحة فتقدّم وصلّى بالناس ، وقرأ في صلاته ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) (٢) ، وحكت الآية عن العذاب الذي مني به المسلمون من جرّاء هؤلاء الذين دفعتهم الأطماع السياسية إلى التلاعب في شئون الدين.

وعلى أي حال فقد أثارت هذه الصور الهزيلة السخرية والاستهانة بهم بين الناس ، وفي ذلك يقول الشاعر باستهزاء :

تبارى الغلامان إذ صليا

و شحّ على الملك شيخاهما

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٥٧.

(٢) المعارج : ١.

٦٨

وما لي وطلحة ، وابن الزبير

وهذا بذي الجذع مولاهما

فامّهما اليوم غرّتهما

ويعلي بن منية ولاّهما (١)

لقد تهالك القوم على السلطة ، وهم في بداية الطريق ، فلو كتب النجاح لهما ، فما ذا يعملان؟ لا شكّ أنّ كلاّ منهما يفتح الحرب على صاحبه ، ولا يهمّه إغراق البلاد بالفتن ، وإشاعة الحزن والحداد فيها.

استنجاد الإمام بالكوفة :

ورأى الإمام الممتحن أنّه لا وسيلة للقضاء على هذا الجيب المتمرّد الذي فتحته عائشة إلاّ بالقوّة العسكرية ، فاستنجد بالكوفة وهي أعظم حامية عسكرية في عصر الإمام ، فأوفد كوكبة من أعلام أصحابه بقيادة المجاهد الكبير هاشم بن عتبة المرقال وزوّده برسالة إلى حاكم الكوفة أبي موسى الأشعري جاء فيها بعد البسملة :

« أمّا بعد .. فإنّي قد بعثت إليك هاشم بن عتبة ، لتشخص إليّ من قبلك من المسلمين ليتوجّهوا إلى قوم نكثوا بيعتي ، وقتلوا شيعتي ، وأحدثوا في الإسلام هذا الحدث العظيم ، فاشخص بالنّاس إليّ معه حين يقدم عليك ، فإنّي لم اولّك المصر الّذي أنت فيه ، ولم اقرّك عليه إلاّ لتكون من أعواني على الحقّ ، وأنصاري على هذا الأمر ، والسّلام » (٢).

ولمّا انتهى الوفد إلى الكوفة عرض هاشم الرسالة على أبي موسى فمحاه ، وأخذ يتوعّد هاشما بالسجن والتنكيل ، وجعل يثبّط الناس ويحرّضهم على عدم الاستجابة للإمام عليه‌السلام ، ورفع المرقال إلى الإمام رسالة عرّفه فيها بموقف هذا

__________________

(١) الأغاني ١١ : ١٢٠.

(٢) نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ٤ : ٥٥.

٦٩

المنافق ، وما قام به من إفساد الناس وحثّهم على الاعتزال ، ولمّا قرأ الإمام الرسالة أوفد ولده الزكي الحسن عليه‌السلام والصحابي العظيم عمّار بن ياسر ، والزعيم قيس بن سعد ، وزوّدهم برسالة عزل فيها الخائن الأشعري ، ويتوعّده بالتنكيل إن تأخّر عن إجابتهم وأظهر العصيان والتمرّد.

ولمّا انتهى الإمام الحسن إلى الكوفة وبصحبته هؤلاء الأعلام احتفّت به الجماهير ، فدعا الأشعري إلى الطاعة فلم يستجب له ، وأصرّ على غيّه وعدوانه ، فعزله عن منصبه ، وأقام مقامه قرضة بن كعب ، وخطب عمّار بن ياسر خطابا بليغا حفّز فيه أهل الكوفة إلى مناصرة الإمام عليه‌السلام والذبّ عنه ، وجاء في خطابه :

إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام حفظه الله ونصره نصرا عزيزا وأبرم له أمرا رشيدا بعثني إليكم وابنه يأمركم بالنفر إليه ، فانفروا إليه ، واتّقوا وأطيعوا الله ، وو الله! لو علمت أنّ على وجه الأرض بشرا أعلم بكتاب الله تعالى وسنّة نبيّه منه ما استنفرتكم ولا بايعته على الموت.

يا معشر أهل الكوفة ، الله الله في الجهاد فو الله! لئن صارت الأمور إلى غير عليّ لتصيرن إلى البلاء العظيم ، والله يعلم أنّي قد نصحت لكم ، وأمرتكم بما أخذت بيقيني ، وما اريد أن اخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ، إن اريد إلاّ الإصلاح ما استطعت ، وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلت وإليه انيب.

وحفل خطاب عمّار بالدعوة إلى الحقّ ، وجمع الكلمة ، ونصرة أخي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي ثارت عليه هذه الفئة في سبيل أطماعها ومنافعها التي لا صلة لها بالحقّ ، ولا فقه لها بما يرضي الله تعالى ، ثمّ خطب عمّار خطابا آخر دعا فيه إلى نصرة الإمام ، والذبّ عنه ، والدفاع عن قيم الإسلام التي يناضل من أجلها الإمام.

وظلّ الأشعري مخذّلا للناس ، ويدعوهم إلى التمرّد والعصيان ، فرأى الزعيم الكبير مالك الأشتر أنّه لا يتمّ الأمر إلاّ بإخراج الأشعري من الكوفة مهان الجانب

٧٠

محطّم الكيان ، فجمع رهطا من قومه فهجموا على قصر الامارة حيث كان الأشعري مقيما فيه ، فاضطرّ الجبان المنافق إلى الاعتزال عن عمله وأنفق ليلته في الكوفة خائفا مضطربا ، ولمّا اندلع ضوء الصبح ولّى منهزما حتى أتى مكّة ، فأقام بها مع المعتزلين يصاحبه العار والخزي.

خطبة حجر بن عدي :

وانبرى الصحابي الجليل الشهيد الخالد حجر بن عدي فخطب في الناس ودعاهم إلى نصرة إمام الحقّ ، والاستجابة لدعوة سبط النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الإمام الحسن عليه‌السلام قائلا :

أيّها الناس ، هذا الحسن ابن أمير المؤمنين ، وهو من عرفتم أحد أبويه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والآخر الإمام الرضي المأمون الوصيّ ، صلّى الله عليهما اللذين ليس لهما شبيه في الإسلام ، سيّد شباب أهل الجنّة ، وسيّد سادات العرب ، أكملهم صلاحا ، وأفضلهم علما وعملا ، وهو رسول أبيه إليكم ، يدعوكم إلى الحقّ ، ويسألكم النصر ، السعيد من وردهم ونصرهم ، والشقيّ من تخلّف عنهم بنفسه عن مواساتهم ، فانفروا معه رحمكم الله خفافا وثقالا ، واحتسبوا في ذلك الأجر ، فإنّ الله لا يضيع أجر المحسنين.

واستجاب الناس إلى الجهاد لنصرة الحقّ ، وقد نفر معه أربعة آلاف ، فريق منهم ركب السفن ، وفريق آخر ركب المطايا ، وهم مسرورون بجهادهم لنصرة الإمام عليه‌السلام.

وطوت الجيوش البيداء لا تلوي على شيء بقياده ريحانة رسول الله الإمام الحسن عليه‌السلام حتى التقت بالإمام عليه‌السلام بذي قار حيث كان مقيما فيها ، وقد سرّ الإمام أي سرور بنجاح ولده والوفد المرافق له فشكر لهم جهودهم ومساعيهم ، وكان عدد الجيش أربعة آلاف.

٧١

خطبة الإمام بذي قار :

خطب الإمام عليه‌السلام بذي قار خطابا بالغ الأهمّية عرض فيه الأحداث الرهيبة التي واجهها بعد وفاة أخيه وابن عمّه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد جاء فيها بعد البسملة والثناء على الله تعالى :

« الحمد لله على كلّ أمر وحال ، في الغدوّ والآصال.

وأشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، ابتعثه رحمة للعباد ، وحياة للبلاد ، حين امتلأت الأرض فتنة واضطرب حبلها وعبد الشّيطان في أكنافها ، واشتمل عدوّ الله إبليس على عقائد أهلها ، فكان محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب الّذي أطفأ الله به نيرانها ، وأحمد به شرارها ، ونزع به أوتادها ، وأقام به ميلها ، إمام الهدى ، والنّبيّ المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلقد صدع بما امر به وبلّغ رسالات ربّه ، فأصلح الله به ذات البين ، وأمّن به السّبل ، وحقن به الدّماء ، وألّف به بين ذوي الضّغائن الواغرة في الصّدور حتّى أتاه اليقين ، ثمّ قبضه الله إليه حميدا.

ثمّ استخلف النّاس أبا بكر فلم يأل جهده.

ثمّ استخلف أبو بكر عمر فلم يأل جهده.

ثمّ استخلف النّاس عثمان بن عفّان ، فنال منكم ونلتم منه ، حتّى إذا كان من أمره ما كان أتيتموني لتبايعوني ، فقلت : لا حاجة لي في ذلك ودخلت منزلي فاستخرجتموني ، فقبضت يدي فبسطتموها ، وتداككتم عليّ حتّى ظننت أنّكم قاتليّ ، أو أنّ بعضكم قاتل بعض ، فبايعتموني وأنا غير مسرور بذلك ، ولا جذل ، وقد علم الله سبحانه أنّي كنت كارها للحكومة بين أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولقد سمعته يقول : « ما من وال يلي شيئا من أمر أمّتي إلاّ أتي به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه على رءوس الخلائق ، ثمّ ينشر كتابه ، فإن كان عادلا نجا ، وإن كان جائرا هوى » ،

٧٢

حتّى اجتمع عليّ ملؤكم ، وبايعني طلحة والزّبير ، وأنا أعرف الغدر في أوجههما والنّكث في أعينهما ، ثمّ استأذناني في العمرة ، فأعلمتهما أن ليس العمرة يريدان ، فسارا إلى مكّة ، واستخفّا عائشة ، وخدعاها وشخص معهما أبناء الطّلقاء فقدموا البصرة فقتلوا بها المسلمين وفعلوا المنكر ، فيا عجبا لاستقامتهما لأبي بكر وعمر وبغيهما عليّ ، وهما يعلمان أنّي لست دون أحدهما ولو شئت أن أقول لقلت.

ولقد كان معاوية كتب إليهما من الشّام كتابا يخدعهما فيه ، فكتماه عنّي وخرجا يوهمان الطّغام أنّهما يطلبان بدم عثمان ، والله! ما أنكرا عليّ منكرا ولا جعلا بيني وبينهم نصفا ، وإنّ دم عثمان لمعصوب بهما ، ومطلوب منهما .. يا خيبة الدّاعي إلى ما دعا وبما ذا أجيب!! والله! إنّهما لعلى ضلالة صمّاء ، وجهالة عمياء ، وإنّ الشّيطان قد ذمر لهما حزبه واستجلب منهما خيله ورجله ليعيد الجور إلى أوطانه ، ويردّ الباطل إلى نصابه ... ».

ثمّ رفع الإمام عليه‌السلام يديه وقال :

« اللهمّ إنّ طلحة والزّبير قطعاني وظلماني وألّبا عليّ ، ونكثا بيعتي فاحلل ما عقدا ، وانكث ما أبرما ، ولا تغفر لهما أبدا ، وأرهما المساءة فيما عملا وأمّلا .. » (١).

وانبرى الزعيم المجاهد مالك الأشتر فقال للإمام :

« خفّض عليك يا أمير المؤمنين! فو الله! ما أمر طلحة والزبير علينا بمحيل ، لقد دخلا في هذا الأمر اختيارا ، ثمّ فارقانا على غير جور عملناه ، ولا حدث في الإسلام أحدثناه ، ثمّ أقبلا بنار الفتنة علينا تائهين جائرين ليس معهما حجّة ترى ، ولا أثر يعرف قد لبسا العار ، وتوجّها نحو الديار فإن زعما أنّ عثمان قتل مظلوما فليستقد منهما آل عثمان ، فاشهد أنّهما قتلاه واشهد الله يا أمير المؤمنين! لئن لم

__________________

(١) نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ١ : ٣١٩ ـ ٣٢٢.

٧٣

يدخلا فيما خرجا منه ولم يرجعا إلى طاعتك وما كانا عليه لنلحقنّهما بابن عفّان ... ».

عرض الإمام عليه‌السلام في خطابه الرائع إلى الأمور التالية :

١ ـ تحدّث الإمام عليه‌السلام عن البعثة النبوية التي هي أعظم حدث تاريخي في العالم ، فقد غيّر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مجرى التأريخ وطوّر الحياة العامّة من واقعها البائس القاتم إلى عالم مشرق بالحضارة والنور ، فألّف ما بين القلوب المتنافرة ، وجمع الكلمة ، وأقام صروح الفضيلة في الأرض.

٢ ـ حكى خطاب الإمام ما عاناه من الخطوب والكوارث بعد وفاة أخيه وابن عمّه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد دفع عن حقّه وتجاهل القوم مكانته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعظيم جهاده ، وما أسداه على الأمّة من عوائد لا تنسى ، فقد عمد القوم إلى جحد فضائله والغضّ من شأنه ومعاملته معاملة عادية ، وقد عرضنا إلى ذلك في بعض بحوث هذا الكتاب.

٣ ـ عرض الإمام عليه‌السلام إلى حكومة عثمان بن عفّان عميد الأسرة الأموية ، وما قام به من أحداث مؤسفة أدّت إلى سخط المسلمين ، وقيامهم بقتله وإسقاط حكومته.

٤ ـ أعرب الإمام عليه‌السلام عن تدافع الجماهير على مبايعته بعد مقتل عثمان ، وامتناعه من إجابتهم لأنّه كان كارها للحكم ، وذلك لما يترتّب عليه من المسئوليات أمام الله تعالى ، وبالإضافة لذلك فقد خاف من قتل المسلمين بعضهم لبعض إن لم يستجب لهم ، ويتولّى شئونهم ، فقبل ببيعتهم له على كراهية منه لخلافتهم.

٥ ـ تناول الإمام في خطابه تمرّد طلحة والزبير على حكومته ، فقد بايعاه أمام ملأ من الناس ، ثمّ نكثا بيعتهما ، وخرجا إلى مكّة يريدان الغدرة لا العمرة ـ كما يقول الإمام عليه‌السلام ـ وقد خفّا إلى عائشة فوجدا عندها تجاوبا فكريا معهما ، فانضمّت إليهما كما انضمّ إليهما أبناء الطلقاء من الأمويّين وآل بني معيط وغيرهما من الأسر القرشية

٧٤

الذين حاربوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجهدوا على إطفاء نور الإسلام هؤلاء جميعا خلعوا طاعة الإمام عليه‌السلام ، وأعلنوا العصيان المسلّح على حكومته واتّخذوا دم عثمان بن عفّان شعارا لهم ، ومعظهم قد شاركوا في إراقة دمه ، وليس للإمام عليه‌السلام أي ضلع في الإجهاز عليه ، وقد فتحوا باب الحرب على الإمام فاحتلّوا البصرة ، وأراقوا دماء المسلمين بغير حقّ هذا بعض ما حفل به خطاب الإمام من بنود.

الصحابة الذين رافقوا الإمام :

ورافق الإمام في مسيره لحرب عائشة جمهرة من أعلام الصحابة وخيارهم ، كما رافقوه في حربه لمعاوية ، ومن المؤكّد أنّهم قد اتّبعوه على هدى وبصيرة من أمرهم لا لعاطفة أو هوى وتقليد ، فقد أيقنوا أنّه على الحقّ ، وخصومه على مزلة الباطل ، فلم يغب عن أذهانهم قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه : « عليّ مع الحقّ ، والحقّ مع عليّ » وقوله فيه : « عليّ منّي بمنزلة هارون من موسى » وغير ذلك من أحاديثه في شأن الإمام عليه‌السلام.

وعلى أيّ حال فقد ذكر محمّد بن حبيب القرشي البغدادي المتوفّى سنة ٢٢٥ ه‍ أسماء بعض الصحابة الذين نفروا مع الإمام في حرب الجمل الذي فرضته عليه الاسر القرشية ، وهم :

١ ـ الصحابي العظيم الطيّب ابن الطيّب عمّار بن ياسر : شهد مع الإمام حرب الجمل وصفّين ، واستشهد في صفّين.

٢ ـ سهل بن حنيف : شهد مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بدرا ، وكان من أفاضل الصحابة وخيارهم ، ورافق الإمام في حرب الجمل وصفّين ، توفّي بالكوفة.

٣ ـ عثمان بن حنيف : من أفذاذ الصحابة وخيارهم ، شهد مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله واقعة احد والمشاهد كلّها ، وقد وجّهه عمر إلى مسح السواد ، وولاّه الإمام البصرة ، وحضر

٧٥

معه في واقعة الجمل.

٤ ـ سعد بن الحارث بن عمرو : من أفاضل الصحابة ، كان مع الإمام في واقعة الجمل ، واستشهد في صفّين.

٥ ـ جارية بن قدامة بن زهير : من بني سعد ، روى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعض الأحاديث ، حضر مع الإمام في واقعة الجمل ، ورافق الإمام وقد وجّهه إلى محاربة ابن الحضرمي الذي بعثه معاوية لاحتلال البصرة فحاصره جارية وقتله.

٦ ـ أبو مسعود الأنصاري : حضر مع الإمام حرب الجمل ، وقد استخلفه الإمام على الكوفة ، وكان الإمام الحسين سيّد الشهداء عليه‌السلام قد تزوّج بإحدى الفاضلات من بناته.

٧ ـ أبو سعيد الخدري : شهد مع الإمام في حرب الجمل وصفّين ثمّ رجع إلى المدينة.

٨ ـ أبو امامة العبدي بن العجلان الباهلي : شهد مع الإمام حرب الجمل وصفّين ، وقد روى عن الإمام أنّه لا يجهز على جريح ، ولا يطلب مولّيا ، ولا يسلب قتيلا.

٩ ـ خزيمة بن ثابت بن الفاكه : من بني خطمة ، من أعلام الصحابة ، وهو ذو الشهادتين ، وكانت معه راية المسلمين يوم فتح مكّة ، شهد مع الإمام حرب الجمل ، واستشهد في صفّين.

١٠ ـ هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص : الصحابي الملهم العظيم ، أسلم يوم الفتح ، شهد مع الإمام حرب الجمل ، فقئت عينه يوم اليرموك ، وكان من قادة جيش الإمام في صفّين ، وهو القائل :

أعور يبغي أهله محلاّ

قد عالج الحياة حتى ملاّ

٧٦

استشهد في صفّين مدافعا عن أخي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وباب مدينة علمه ، ومناجزا لأئمّة الكفر والضلال.

١١ ـ سليمان بن صرد الخزاعي : من أجلاّء الصحابة ، كان اسمه يسارا فسمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سليمان ، فلمّا قبض النبيّ تحوّل إلى الكوفة فأقام بها ، شهد مع الإمام حرب الجمل وصفّين ، وهو من التوّابين.

١٢ ـ الأشعث بن قيس الكندي : وفد على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في سبعين من قومه فأسلموا ، شهد مع الإمام حرب الجمل وصفّين ، ثمّ انحرف عن الحقّ ، وهو ممّن أفسد جيش الإمام في رفع المصاحف ، وله مواقف مخزية عرضنا لها في بعض بحوث هذا الكتاب.

١٣ ـ قيس بن سعد بن عبادة : من أفذاذ الصحابة ، أمره أبوه بخدمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد شهد مع الإمام جميع حروبه ، وهو من أبطال الإسلام ، وأعلام المتّقين الأخيار.

١٤ ـ أبو عمرة ، اسمه بشير بن عمر : وامّه كبشة اخت حسّان بن ثابت ، حضر واقعة الجمل ، واستشهد في صفّين.

١٥ ـ حجر بن عدي بن الأدبر الكندي : من أشهر الصحابة في جهاده وإيمانه ، وفد على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشهد القادسية ، وحضر واقعة الجمل وصفّين ، وكان من خلّص أصحاب الإمام عليه‌السلام ، ومن أكثرهم تفانيا وولاء له ، وهو أوّل من وحّد الله تعالى بمرج عذراء حينما فتحها ، وقد دخلها مبكّرا ، قتله معاوية فيها صبرا لولائه للإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام.

١٦ ـ عمرو بن الحمق الخزاعي : من أعلام الصحابة في جهاده ومواقفه في نصرة الإسلام ، وهو من الناقمين على عثمان بن عفّان .. شهد مع الإمام الجمل وصفّين ، وتعرّض للخطوب والتنكيل حينما آل الحكم إلى ابن هند ، قتله ابن أمّ الحكم بالجزيرة وبعث برأسه إلى معاوية ، وطيف برأسه الشريف تشفّيا منه.

٧٧

١٧ ـ عبد الله بن عباس : حبر الأمّة ، ومستشار الإمام عليه‌السلام ووزيره ، شهد معه الجمل وصفّين والنهروان.

١٨ ـ عبيد الله بن عباس : حضر واقعة الجمل وصفّين ، وكان عمره يوم وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله اثنتي عشر سنة.

١٩ ـ عبد الله بن جعفر : من أجواد العرب ، حضر مع الإمام حرب الجمل وصفّين ، وقد ألمعنا إلى سيرته في كتابنا السيّدة زينب سلام الله عليها.

٢٠ ـ الإمام الحسن : سبط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وريحانته ، شهد مع أبيه حرب الجمل وصفّين والنهروان.

٢١ ـ عمر بن أبي سلمة : شاهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ابن تسع سنين ، شهد مع الإمام عليه‌السلام حرب الجمل.

٢٢ ـ جعدة بن هبيرة بن أبي وهب : امّه هند بنت أبي طالب ، شهد مع خاله جميع حروبه.

٢٣ ـ الإمام الحسين : سيّد شباب أهل الجنّة ، وعلم الإسلام المنقذ الأعظم للمسلمين من الطغمة الأموية التي جهدت على إطفاء نور الإسلام ، وإعادة الحياة الجاهلية.

هؤلاء بعض الصحابة الذين ذكرهم محمّد بن حبيب القرشي (١).

جيش الإمام بالبصرة :

وتحرّكت قوّات الإمام من ذي قار ، وهي على بيّنة صادقة من أمرها لا يخامرها شكّ أنّها على الحقّ ، ومع أخي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وباب مدينة علمه ، وأنّها تحارب فئة

__________________

(١) المحبّر : ٢٨٩ ـ ٢٩٣.

٧٨

باغية لا هدف لها إلاّ الوصول إلى الحكم ، وقد انتهت جيوش الإمام في زحفها إلى مكان يسمّى بالزاوية ويقع قريبا من البصرة ، فأقام فيه الإمام ، وبادر إلى الصلاة ، وبعد الفراغ منها أخذ يبكي ، ودموعه تسيل على سحنات وجهه الشريف ، وهو يتضرّع إلى الله تعالى في أن يحقن دماء المسلمين ، ويجنّبه ويلات الحرب ، ويجمع كلمة المسلمين على الهدى والحقّ.

دعوة الإمام إلى السلم :

وقبل أن تندلع نار الحرب أوفد الإمام رسل السلم إلى القوم يحذّرونهم عقاب الله في تصديع كلمة المسلمين ، وإراقة دمائهم ومن بين رسل الإمام :

١ ـ صعصعة بن صوحان :

وأوفد الإمام عليه‌السلام للقاء طلحة والزبير وعائشة الصحابي الجليل صعصعة بن صوحان ، وزوّده برسالة لهم تنعي عليهم حرمة ما اقترفوه من قتل المسلمين بالبصرة ، وما صنعوه من التنكيل بصاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عثمان بن حنيف ، وانطلق صعصعة في أداء رسالته فالتقى أوّلا :

مع طلحة : وعرض صعصعة رسالة الإمام على طلحة ، ودعاه إلى السلم فلم يستجب له ، وأصرّ على الغيّ والعدوان ، وفتح باب الحرب على الإمام ، ولم يجد عنده أي استجابة لدعوة الحقّ.

مع الزبير : والتقى صعصعة مع الزبير ، وناوله رسالة الإمام ، فوجده ألين جانبا من طلحة ، وأسرع إجابة منه.

مع عائشة : وسارع صعصعة نحو عائشة ، وناولها رسالة الإمام عليه‌السلام فوجدها مصرّة على الحرب ، وقالت له :

خرجت للطلب بدم عثمان ، والله! لأفعلنّ ، وأفعلنّ ...

٧٩

وقفل صعصعة راجعا لم يحقّق في وفادته أي شيء ، فأخبر الإمام عليه‌السلام أنّهم لا يريدون إلاّ قتاله ، فتألّم وقال بذوب روحه :

« الله المستعان ».

٢ ـ عبد الله بن عباس :

وأوفد الإمام عليه‌السلام للقاء القوم حبر الأمّة عبد الله بن عباس ليحاججهم بمنطقه الفيّاض ، فسارع إليهم ، والتقى أوّلا :

مع طلحة : وبدأ ابن عبّاس مع طلحة ، فذكّره ببيعته للإمام ، وأنّها عهد في رقبته ، فقال طلحة :

بايعت عليّا والسيف على رقبتي ...

فردّ عليه ابن عباس :

أنا رأيتك بايعت عليّا طائعا ، أو لم يقل لك قبل بيعتك له : إن أحببت ابايعك ، فقلت : لا بل نحن نبايعك ..؟

ولم يستطع طلحة إنكار ذلك ، وإنّما أخذ يلفّق معاذيره في تمرّده قائلا :

إنّما قال لي ذلك ، وقد بايعه القوم فلم أستطع خلافهم.

والله يا ابن عبّاس! إنّ القوم الذين معه يغرّونه ...

أما علمت يا بن عبّاس إنّي جئت إليه والزبير ، ولنا من الصحبة ما لنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والقدم في الإسلام ، وقد أحاط به الناس قياما على رأسه بالسيف ، فقال لنا ـ بهزل ـ : إن أحببتما بايعت لكما ، فلو قلنا : نعم ، أفتراه يفعل؟ وقد بايع الناس له ، فليخلع نفسه ، ويبايعنا ، لا والله! ما كان يفعل ، وحتّى إن يغري بنا من لا يرى لنا حرمة ، فبايعناه كارهين ، وقد جئنا نطلب بدم عثمان ، فقل لابن عمّك : إن كان يريد

٨٠