مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٣

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة أهل البيت (ع)
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٦

ولكن المستفاد مما ورد في القرآن الكريم والسنة المقدسة في هذا الأمر أنّه اهتم بالموضوع من ناحيتين :

الأولى : أصل ثبوت الملكية عند الفرد ، واعتبر فيه أن يكون من الحلال ففتح أبواب حيازة المباحات ، وأبواب المكاسب والتجارات ورغب إلى سائر الفنون والصناعات واهتم بالزراعة وحببها إلى الإنسان وجعل الزارع والكاسب حبيبه تعالى في أرضه ، ونظم ذلك بأحسن نظام ووضع حدودا محكمة متقنة مذكورة في الكتب الفقهية ، واعتبر أنّ كلّ ملكية تحصل من غير الوجه المقرّر شرعا ملغاة لا اعتبار بها فحرّم الغصب ، والابتزاز ، والغش ، والخيانة.

الثانية : صرف المال فاعتبر أن لا يكون في الباطل ، وقد ذكر في القرآن الكريم وجوها منه ، مثل الإسراف ، والتبذير ، والرشوة ، ووجوه الحرام ، وغير ذلك مما هو مذكور في السنة الشريفة الشارحة للقرآن الكريم.

وأعظم آية في القرآن ترشد إلى هاتين الناحيتين قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) [النساء ـ ٢٩]. فإنّها بمنزلة الشرح والبيان لجملة كثيرة من الآيات الشريفة الواردة في هذا الموضوع. ومن توجيه الخطاب إلى المؤمنين يستفاد أنّ مراعاة الحدود التي حدّدها الشارع الأقدس في الملكية إنّما يمكن مع تحقق وصف الإيمان فبدونه يصعب على الإنسان ابتغاء الغاية المتوخاة من المال ، وسيأتي مزيد بيان لذلك في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.

ثم إنّه يستفاد من قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنّ علم الحاكم أو المدعي بشيء لا يغير الواقع ، فلو ادعى الخصمان في مال لدى الحاكم ويعلم المدعي أنّه باطل لا يجوز له أخذ ذلك المال ، وإن حكم الحاكم بكونه له بحسب الظاهر ، ويدل على ذلك قول نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في المتواتر عنه بين الفريقين : «إنّما أقضي بينكم بالبينات والأيمان إنّما أنا بشر وإنّكم تختصمون إليّ ، ولعلّ بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا يأخذه فإنّما أقطع له قطعة

١٠١

من النار» فلا يكون حكم الحاكم مغيّرا للواقع وإن تمت عنده موازين الحكم شرعا. فالمناط كلّه إحقاق الحق وإبطال الباطل بحسب الوظيفة الشرعية التي بيّنها سبحانه وتعالى في كتابه الكريم وشرحتها السنة الشريفة.

١٠٢

بحث روائي

في الكافي عن الصادق (عليه‌السلام) في قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ) قال : «أن يكون للمديون مال فينفقه على نفسه ولا يفي به دينه».

أقول : هذا من بيان ذكر بعض المصاديق ويشمل المسامحة في كلّ حق وإن لم يكن من الدّين المصطلح عليه.

وفي الكافي أيضا عن الصادق (عليه‌السلام) : «كانت قريش تقامر الرجل بأهله وماله فنهاهم الله عن ذلك».

وفي المجمع عن أبي جعفر الباقر (عليه‌السلام) في الباطل : «أنّه أكل المال باليمين الكاذبة».

أقول : جميع ذلك من باب ذكر المصداق كما مر ، ولا تنافي بين هذه الأخبار أصلا.

في الفقيه عن الصادق (عليه‌السلام) : «الرجل منا يكون عنده الشيء يتبلّغ به وعليه الدّين أيطعمه عياله حتى يأتيه الله بميسرة ، فيقضي دينه ، أو يستقرض على ظهره في خبث الزمان وشدة المكاسبة أو يقبل الصدقة؟ فقال (عليه‌السلام) : يقضي بما عنده دينه ، ولا يأكل أموال الناس إلا وعنده ما

١٠٣

يؤدي إليهم إنّ الله عزوجل يقول : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) ـ الآية ـ».

أقول : المراد من قوله (عليه‌السلام) : «يتبلغ» أي يبلغ به حاجته. كما أنّ المراد من قوله : «أو يستقرض على ظهره» أي : لأجل مصرف عياله. ويستفاد من هذه الرواية وأمثالها أنّه من يستقرض لا بد وأن يطمئن أنّ عنده ما يؤدي به دينه من كسب أو تجارة أو زراعة ونحوها ، وإلا يدخل في قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) ـ الآية ـ كما ذكرنا في كتاب الدّين من [مهذب الأحكام].

في الكافي عن أبي بصير : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : قول الله في كتابه : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ) قال : يا أبا بصير إنّ الله عزوجل قد علم أنّ في الأمة حكاما يجورون ، أما إنّه لم يعن حكام أهل العدل ولكنّه عنى حكام أهل الجور ، يا أبا محمد لو كان لك على رجل حق فدعوته إلى حكام أهل العدل فأبى عليك إلا أن يرافعك إلى حكام أهل الجور ليقضوا له لكان ممن يحاكم إلى الطاغوت ، وهو قول الله عزوجل : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ).

أقول : ذكرنا المراد من حكام الجور في كتاب القضاء من [مهذب الأحكام] ومن شاء فليرجع إليه.

في التهذيب عن الرضا (عليه‌السلام) : «الحكام القضاة وهو أن يعلم الرجل أنّه ظالم فيحكم له القاضي فهو غير معذور في أخذه ذلك الذي حكم له إذا كان قد علم أنّه ظالم».

أقول : لا تنافي بين هذه الرواية وبين ما تقدم ، لأنّ جميعها من باب ذكر ذلك المصداق.

١٠٤

بحث فلسفي

قد ثبت في الفلسفة العملية أنّ جميع أنواع الممكنات ـ بجواهرها وأعراضها ـ لها سير تكويني وقانون طبيعي لا تتخلف عنهما بشيء أصلا وأبدا وإن كان ذلك يسيرا ولو تخلّف نوع منها ـ ولو قليلا ـ لبطل النظم وتعطل الانتظام ، وحيث إنّ جملة من الأنواع يرتبط بعضها مع بعض يسري خلل النظم إلى سائر الأنواع المرتبطة أيضا فيوجب الفساد ويمنع عن الوصول إلى مرتبة الكمال المحدّد له ، فيكون ذلك كالأمراض المعدية ولو بوسائط كثيرة. وطرق معرفة ذلك بجميع المقتضيات والموانع منحصرة بعلم الموهبة والإفاضة الربوبية هذا في الحقائق والأنواع التكوينية.

وكذلك في الاعتباريات والمجعولات السماوية التابعة للمصالح والمفاسد الواقعية التي لا نحيط بهما ، بل القوانين الوضعية الجعلية فيكون لجميع ذلك طريق معيّن خاص لا يصح التعدي عنه إلا بتغيير القانون من الجاعل وإلا لاختل نظام الاجتماع وتعطلت الأمور التي توجب رقي المجتمع وينهار ، ويكون ذلك في المجتمع كالمرض المعدي لا يسلم أفراده منه.

ومن أهم ذلك الرشوة التي هي ما يبذل للتوصل إلى الحكم له بالباطل ، فإنّ القوانين السماوية المبنية على المجانية لأجل صلاح المجتمع ورقيه ، كالقضاوة ، والولاية ، والحكومة ، والطبابة وغيرها أجلّ وأشرف من أن يبذل

١٠٥

بإزائها المال ، فلو بذل بإزائها المال وارتبطت بالمادة لاختل نظام المجتمع وعاق عن سيره التكاملي ، كما في الطبيعيات ، بل قد يكون ذلك في القوانين الوضعية الخلقية أيضا ، فيشرف القانون على الفناء والاضمحلال.

ولذا ورد في الشريعة المقدسة الإسلامية التأكيد البليغ في ذم الرشوة حتى فيما يبذل للقاضي لأجل التوصل إلى حق فيحرم عليه أخذها فكيف بما يبذل لأجل التوصل إلى الباطل كما ذكرنا في كتاب القضاء من [مهذب الأحكام].

وقد ورد اللعن على الراشي ، والمرتشي ، والوسيط بينهما. ولم يرد مثل هذا التعبير في غالب المحرّمات ، بل قال الصادق (عليه‌السلام) : «وأما الرشاء في الأحكام فهو الكفر بالله العظيم» فتكون الآية المباركة إرشادا إلى أمر فطري غريزي ، وما هو السبيل في فناء الإنسان.

ولذا نرى أنّ العذاب واللوم النفسي الواقعي وتأنيب الضمير موجود في دافع الرشوة وآخذها والساعي بينهما.

ومن ذلك يعلم أنّ هذا البحث كما هو مرتبط بالفلسفة العلمية يرتبط بالفلسفة العملية أيضا ، فله الشأن في كلتا الفلسفتين.

١٠٦

بحث اجتماعي

لا ريب في أنّ غريزة جلب النفع ودفع الضرر ثابتة في جميع من له الحياة من الإنسان والحيوان والنبات ، كل حسب استعداده لأجل حفظ وجوده وكيانه. وهذه الغريزة توجب لوازم كثيرة فردية واجتماعية منها البقاء في الحياة ، ومنها توليد النوع ، ومنها الاختصاص والملكية إلى غير ذلك من اللوازم.

فأساس الملكية والمالكية يرجع إلى غريزة جلب النفع ودفع الضرر الحاكمة بها طبيعة كل حي ممكن.

فالمدافعة مع من يزيل الملكية وحق الاختصاص من لوازم الغريزة الحيوانية ـ كما نشاهدها في الحيوان لو زاحمه حيوان آخر في وكره أو طعامه ـ وهي التي قررتها الشرائع السماوية.

كما أنّ جلب النفع وتحصيل الملكية بأسبابها أيضا كذلك ، وبه يكون قيام الإنسان بفرده ومجتمعه كما مرّ ، وهذا هو المراد من قوله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) [النساء ـ ٥] ، فإنّ الآية الشريفة تكشف عن قانون فطري غريزي كما عرفت ، والمال يطلق على كلّ ما يميل إليه الشخص عينا كان ، أو منفعة ، أو انتفاعا.

وسلب هذه الملكية عن الفرد على الإطلاق بدون مبرر سماوي هدم

١٠٧

للفطرة ولذلك نرى أنّ الشرائع السماوية تقابل ذلك شديدا ، وسيأتي في الآيات المناسبة البحث عن ذلك مفصلا.

١٠٨

سورة البقرة

الآية ١٨٩

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٨٩))

الآية الشريفة تبين حكما آخر من الأحكام الشرعية والأمور الوضعية وتأمر الناس بالبرّ ، وإتيان الأمور من طرقها المقررة لا من عند أنفسهم بكلّ ما شاؤا. وهي مرتبطة بآيات الصوم في شهر رمضان فناسب ذكر التوقيت وسائر التحديدات الشرعية المحدودة بأوقات خاصة. ومن ذكر الحج فيها تكون كالمقدمة للآيات الآتية المرتبطة بالحج.

١٠٩

التفسير

١٨٩ ـ قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ)

قد تكرر لفظ «يسألونك» في القرآن الكريم في ما يزيد على عشرة موارد ، وغالبها السؤال عن الأحكام ، وفي بعضها السؤال عن الأمور التكوينية الطبيعية ، كالمقام ، وقوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) [الإسراء ـ ٨٥] ، وقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) [الأعراف ـ ١٨٧] ، وفي جميعها وقع الجواب بغير الفاء إلا في قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً) [طه ـ ١٠٥] ، فإنّه كاشف عن عظمة المسؤول عنه ، لأنّه من أشراط الساعة.

والأهلة : جمع الهلال ، سمي بذلك لأنّ الناس يرفعون أصواتهم بالذكر حين رؤيته ، من قولهم استهل الصبي إذا صرخ عند الولادة وأهلّ القوم بالحج إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية.

وللقمر أدوار من حين خروجه عن تحت شعاع الشمس إلى حين دخوله تحت الشعاع وهو المحاق كلّ دور ثلاث ليال فتسمى في الثلاث الأول ـ وقيل إلى أن يستدير بخطة دقيقة ـ هلالا ، ثم قمرا ، ثم بدرا ، والعرب تسمي كلّ ثلاث ليال من الشهر باسم.

وقيل : إنّ ظاهر الآية الشريفة أنّ السؤال كان عن السبب الغائي للأهلّة

١١٠

وطلب الحكمة ، واختلافها ، وفائدتها دون حقيقتها كما يقتضيه الجواب أيضا.

ولكن يمكن أن يقال : بأنّ الجواب منزّل على ما تدركه عقولهم من الحكمة ، فالمناسب أن يكون السؤال عن الحقيقة والسبب الفاعلي أيضا. فيكون الجواب تعريضا لهم.

وفيه من التنبيه إلى أنّ السؤال لا بد أن يكون محدودا بحدود خاصة بحيث تكون فيه الفائدة الدينية أو الدنيوية ، وأنّ السؤال بغير ذلك يكون لغوا.

ويؤيد ذلك أنّ السؤال كان من تلقين اليهود الذين كانوا في مقام تعجيز المسلمين بأي وجه أمكنهم ، فالمنساق من السؤال أن يكون عن السبب الفاعلي لذلك ، ولكن عقولهم كانت قاصرة عن درك ذلك فأعرض سبحانه وتعالى عنه إلى جواب آخر يكون أنفع لهم ، وهذا من جهات البلاغة ومحاسنها فيجيب بمصلحة الوقت وحال السائل.

وكيف كان ففي السؤال وتلفيق الجواب من اللطف والحنان ما لا يمكن أن ينطق باللسان كيف وفيه إعلام علاقة المعلّم بالمتعلّم وهي من أشد مراتب المحبة لأنّها سبب لرفع الجهل وموجبة لتكميل النفوس وتزويدها بنور العلم.

ومن أسئلة أمة نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يعرف الفرق بينهم وبين سائر الأمم في الجملة ، كأمة موسى (عليه‌السلام) حيث قالوا : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) [النساء ـ ١٥٣] ، وهكذا بقية الأمم التي حكى الله تعالى عنها في كتابه الكريم ، وهذا الفرق من مقتضيات قانون الارتقاء في نظام التكوين.

قوله تعالى : (قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ)

مادة [وق ت] تأتي في الأصل للزمان المفروض للفعل ، ولها استعمالات كثيرة في القرآن بهيئات مختلفة ، قال تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) [النساء ـ ١٠٣] ، وقال تعالى : (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) [الدخان ـ ٤٠] ، لأنّه يوم عرض الأعمال على العظيم المتعال ، وقال تعالى : (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ* لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ) [المرسلات

١١١

١١ و ١٢] لأنّ للرسل عملا مخصوصا في ذلك اليوم مما يتعلق باممهم من كيفية تبليغهم وإرشادهم وإتمام الحجة عليهم ، وكيفية قبول الأمم دعوة الرسل.

ويطلق الوقت على المكان المعيّن لفعل ، كمواقيت الإحرام بالملازمة إذ كل عمل في زمان مخصوص يستلزم المكان المعيّن لكون الزمان والمكان من الإضافات العامة لجميع الأجسام ، فمواقيت الحج. كما أنّها زمانية هي مكانية أيضا وقّتها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لحجاج بيت الله الحرام ، كما هو مفصّل في كتب الفقه ، وإلا كان كل منهما مجعولا بجعل مستقل وتشريع خاص.

ويصح أن يطلق على جميع المساجد فإنّها مواقيت لله تعالى أي : أمكنة التكلم معه والخضوع لديه.

والمعنى : إنّ الأهلة هي مواقيت للناس بها يعرفون أوقاتهم في جميع أمورهم الدينية ـ كالصلاة والصيام والمعاملات والعدد ـ والدنيوية كالزراعة والصناعة والرعي بل وتربية الأولاد وتنظيم شؤونهم ونحو ذلك مما هو كثير ، وتميز لهم ما يحتاجون إليه في المهمات بتوقيت مخصوص معروف لدى عامة الناس ، وبها يمكن معرفة ساعات الليل والنهار. وبها يعرف مواقيت الحج الذي هو أشهر معلومات.

ومن المعلوم أنّ لتقدير الزمان طرقا مختلفة ربما يصعب بعضها على عامة الناس ولا يمكن معرفته إلا بعد بلوغ الإنسان منزلة من العلم ، ولذلك كان الطريق الأسهل لجميع الناس الذي يستفيد منه العالم والجاهل والحضري والبدوي إنّما هو التوقيت بالأهلة ، ويكون الحساب بالشهور القمرية وهو قديم جدا بل هو أصل لجميع أقسام الحساب التي نشأت بعد ذلك بعدة قرون ، وإليه ترجع سائر التقاويم كما ستعرف في البحث العلمي إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها).

تقدم ما يتعلق بالبر في آية ١٧٧ ، من هذه السورة.

١١٢

والإتيان هو المجيء بسهولة ، وله استعمالات كثيرة في القرآن بهيئات مختلفة ، ويستعمل بالنسبة إلى الله عزوجل ، قال تعالى : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) [النحل ـ ٢٦] ، وقال تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) [النحل ـ ١] ، وفي غيره سبحانه من الجواهر والأعراض ، قال تعالى : (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى) [التوبة ـ ٥٤] ، وقال تعالى : (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى) [طه ـ ٦٠] ، إلى غير ذلك من الآيات الشريفة.

والبيت : مأوى الإنسان بالليل ، يقال : بات ، أي أقام بالليل ، كما يقال ظلّ بالنهار ، وغلب استعماله لمطلق السكن من غير اعتبار الليل ، وجمعه بيوت وأبيات. والأول في السكن أشهر ، والثاني في الشّعر.

وقد استعمل لفظ بيت ، وبيوت في القرآن الكريم كثيرا ، ولم يرد فيه لفظ أبيات. وفي الحديث عن نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «إنا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة» ويمكن حمله على الأعم من البيوت الظاهرية والقلب الحريص على الدنيا ، فإنّ أشهر الصفات الرذيلة للكلب هي الحرص حتى يضرب بذلك المثل ، وحمل الصورة على الأعم منها ومن القلب الذي فيه العلاقة بغير الله تعالى ، كما أنّ الملائكة لهم درجات كذلك لهبوطهم ودخولهم والإشراق بواسطتهم.

والمراد بظهورها : الطرق غير المتعارفة للسلوك إلى البيوت دون بابها المعدّ له عادة.

والآية تدل على ثبوت عادة سيئة كانت متعارفة في العصر الجاهلي وقد نهى سبحانه عن ذلك ، فقد ورد أنّهم إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره ، كما سيأتي في البحث الروائي ، فنفي البر عن هذا العمل يدل على أنّه لم يكن مرضيّا لله تعالى.

ولكن الظاهر أنّ الآية الشريفة كناية عن مطلق التشريعات الحاصلة عن الجهل بالواقع ، والزعم بأنّها هي البر من غير اختصاص بقوم دون قوم ، ولا عصر دون آخر ، وما ورد في شأن نزول الآية إنّما هو من ذكر أحد المصاديق.

١١٣

فيكون المعنى : ليس البرّ وعمل الخير هو إتيان الأحكام والتشريعات غير المنزلة من قبل الله تعالى أو إتيان الأحكام الإلهية بغير الوجه الذي أنزله الله تعالى.

ويكون وجه الارتباط بصدر الآية واضحا فإنّ الأوقات المضروبة للأحكام الشرعية لا يجوز التعدي عنها وإتيانها في غير أوقاتها المضروبة إلا بترخيص من الشرع.

قوله تعالى : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها).

بعد أن نفى البرّ عن أعمالهم السيئة وتشريعاتهم الباطلة أثبت سبحانه وتعالى البرّ في التقوى وإتيان الأمور من وجهها المطلوب ، ومن حيث أمر الله تعالى ، ولا يتحقق ذلك إلا بالتخلّي عن المعصية وارتكاب الرذائل والتحلي بالفضائل واتباع الشرع ، والتجلّي بمظاهر الحق ، وقد ذكر سبحانه تفصيل البر في آية ١٠٧ من هذه السورة.

والباب : هو الطريق المؤدي إلى المقصود والمطلوب ، ولا يختص استعماله بالماديات والجسمانيات ، بل يستعمل في المعنويات أيضا ، ومنه استعمال الباب في غالب العلوم ، وقد روى الفريقان عن نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أنّه قال : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها ومن أراد المدينة فليأت الباب».

والآية تنطبق على ذلك أيضا بل هو المتيقّن من مفادها. فقلب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عيبة علم الله تعالى ، ومنطقه من أدلة الرشاد ، ولا ينطق إلا من وحي السماء ، وفعله حجة على العباد ، والباب المؤدي إليه من كان حليف جميع حالاته ، وينبوع علمه وكمالاته ، وهو الباب الذي فتحه الله تعالى على آدم (عليه‌السلام) وأبرار ذريته إلى أن وصل إلى خاتم الأنبياء وسيد المرسلين ، ففتحه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعليّ (عليه‌السلام) وأبرار ذريته ، وقد ورد عنه (عليه‌السلام) أنّه قال : «علمني رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب» وقد اعترف فضلاء

١١٤

الصحابة بمقامات عليّ (عليه‌السلام) العلمية والعملية والكتب مشحونة بذلك ، فهو معجزة الدّهر ، كما هو مقتضى مقارنة أحد الثقلين بالكتاب العزيز في الحديث المتواتر عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ويأتي في الموضع المناسب تتمة ذلك.

وتقدم الوجه في جعل (من) الموصولة خبرا للبر دون نفس التقوى ، وذكرنا أنّه إشارة إلى أنّ المطلوب هو الإنصاف بها دون مجرد المفهوم.

والأمر في قوله تعالى : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) إرشاد إلى حكم العقل ، سواء كان بالمعنى الحقيقي أم بالمعنى الكنائي.

قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

تقدم معنى التقوى في أول السورة.

والفلاح : الظفر بالمطلوب وإدراك المقصود ، وقد ورد لفظ (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) في آيات كثيرة من القرآن العظيم كلّها من قبيل ترتب الجزاء على الشرط.

وقد تقدّم في أحد مباحثنا السابقة أنّ التقوى هي الأساس لجميع الكمالات وهي الصفة التي تكون جامعة لمكارم الأخلاق ، فهي الوسط الأخلاقي في القرآن الكريم.

وجميع الآيات التي ذكر فيها الفلاح مثبتا ـ مجرّدا عن حرف النفي ـ يستفاد منها البشارة بخلاف ما ذكر فيها حرف النفي مفردا أو جمعا.

وتقديم التقوى على الفلاح أينما ورد في القرآن الكريم من قبيل تقديم العلّة على المعلول ، ويختلف ذلك حسب اختلاف النفوس والاستعدادات.

ثم إنّ المراد بالفلاح في الآيات الكريمة الفلاح الأخروي الدائم الذي لا يزول فهو بقاء بلا فناء ، وغنى بلا فقر ، وعز بلا ذل ، وعلم بلا جهل على ما يظهر من الآيات والروايات دون الفلاح الدنيوي الذي هو عبارة عن الغنى والعز والبقاء الزائل فإنّه غير معتنى به عند أولياء الله تعالى فضلا عنه عزوجل.

١١٥

والمستفاد من الكتاب العزيز والسنة الشريفة أنّ كلّ ما ينفع للآخرة فهو من فلاح الآخرة ولو كان في الدنيا ، وكلّ ما لا ينفع لها يمكن أن يكون من فلاح الدنيا ، وقد شرح ذلك عليّ (عليه‌السلام) في نهج البلاغة بما لا مزيد عليه. ونعم ما نسب إلى الخليل في المقام : «هو كلام يقال لكلّ من له عقل وحزم وتكاملت فيه خصال الخير».

وذكر كلمة الترجي إنّما هو من باب ملاحظة كيفية التكلم مع المخاطب لا ملاحظة حال المتكلم ، إذ لا يعقل الترجي بالنسبة إليه عزوجل ، وإنّما أتى بها بلحاظ محبوبية الفلاح لديه تعالى ، وقد تقدم ما يتعلق باستعمال هذه الكلمة فراجع.

١١٦

بحث روائي

في الدر المنثور في قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) هذا مما سأل عنه اليهود واعترضوا به على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله). فقال معاذ : «يا رسول الله إنّ اليهود تغشانا ويكثرون مسألتنا عن الأهلة ، فما بال الهلال يبدو دقيقا ثم يزيد حتى يستوي ويستدير ، ثم ينتقص حتى يعود كما كان؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية».

وفي الدر المنثور أيضا عن ابن عباس قال : «سأل الناس رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن الأهلة فنزلت هذه الآية : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ) يعلمون بها أجل دينهم ، وعدة نسائهم ، ووقت حجهم».

أقول : وردت عدة روايات في هذا المعنى وسياقها السؤال عن اللوازم والخصوصيات ، لأنّ السؤال عن الذات في المحاورات مطلقا سؤال (بما) الحقيقية وليس في تلك الروايات ما هو ظاهر في السؤال عن الحقيقة ، ولو علم فرض إفادة بعضها للسؤال عنها ، فجواب الحكيم لا بد أن يكون مطابقا لعقول المخاطبين وهو بيان الصفات واللوازم ، مع أنّه يمكن استكشاف الحقائق عن اللوازم والخصوصيات بل لا تستكشف الحقائق إلا بها.

في التهذيب عن الصادق (عليه‌السلام) في قوله عزوجل : (قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ). قال (عليه‌السلام) : «لصومهم وفطرهم وحجهم».

١١٧

أقول : هذا من باب المثال وذكر بعض المصاديق.

روى البخاري وابن جرير عن البراء : «كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره فأنزل الله هذه الآية : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها)».

أقول : روى مثله في الدر المنثور عن وكيع ، وأخرج ابن جرير عن الزهري في سبب ذلك أنّهم كانوا يتحرّجون من الدخول من الباب من أجل سقف الباب يحول بينهم وبين السماء. ولا ريب في أنّ ذلك كان من اختراعات الجاهلية ومبتدعاتهم.

في الدر المنثور أيضا عن ابن أبي حاتم : «كانت قريش تدعى الحمس وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام وكان نبينا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في بستان إذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري فقالوا : يا رسول الله إنّ قطبة بن عامر رجل فاجر وانه خرج معك من الباب ، فقال له : ما حملك على ما فعلت؟ قال : رأيتك فعلته ففعلته كما فعلت قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : إنّي رجل أحمس. قال : فإنّ ديني دينك فأنزل الله تعالى : (لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها).

أقول : إنّ ردعه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعامر كان نحو مداراة معهم ، لا أن يكون تقريرا وتثبيتا لعادتهم السيئة حتى تكون الآية ناسخة لذلك ، ومثل ذلك في بدء الإسلام وأوائله كثير.

قال ابن عباس في رواية أبي صالح : «كان الناس في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا أحرم رجل منهم بالحج ، فإن كان من أهل المدر ـ يعني من أهل البيوت ـ نقب في ظهر بيته فمنه يدخل ومنه يخرج ، أو يضع سلّما فيصعد منه وينحدر عليه ، وإن كان من أهل الوبر ـ يعني أهل الخيام ـ يدخل من خلف الخيام إلا من كان من الحمس».

أقول : وروى في المجمع قريبا منه والحمس : جمع أحمس وهم : قريش ، وكنانة ، وخزاعة ، وثقيف ، وجشم ، وبنو عامر بن صعصعة ، وبنو نضر

١١٨

ابن معاوية وغيرهم من أهل الحرم ، وسموا بذلك لتشديدهم في دينهم. والحماسة الشدة.

والأحمس : هو الذي يهب نفسه أو يهبه أهله للآلهة فينصرف لشؤونها وخدمتها وهو نوع من الرهبنة وكانت الأمهات تتخذ هذه الصفة لأولادهنّ إن كتب لهنّ النجاح في حوائجهنّ كشفاء أمراض أولادهنّ وغيره.

وكانت للحمس صفات خاصة وطقوس معينة فيمتنعون عن أكل الطعام الذي يحملونه معهم إلى الحرم ، ولو كانوا حرما لا يدخلون بيتا من شعر ولا يستظلون إلا في بيوت من جلد ، وكانوا يتحرّجون من المرور في ظلّ أو الوقوف تحت سقف وهم حرم ولذلك صاروا يدخلون البيوت من أظهرها لئلا يظلّهم ظلّها أو يقفون تحتها. وقد حرم الإسلام هذه العادة فنزلت فيهم الآية المباركة وكانوا يطوفون حول البيت وهم عراة ويصفقون حين الطواف كما ورد في الآية الشريفة : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) [الأنفال ـ ٣٥].

في تفسير العياشي ومحاسن البرقي عن أبي جعفر الباقر (عليه‌السلام) في قوله تعالى : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها). قال (عليه‌السلام) : «يعني أن يأتي الأمر من وجهه أيّ الأمور كان».

أقول : هذا هو معنى الآية الشريفة على نحو الكلّي ، فيكون ما ورد في نزولها من باب ذكر بعض المصاديق.

في الكافي عن الصادق (عليه‌السلام) : «الأوصياء هم أبواب الله التي منها يؤتى ، ولولاهم ما عرف الله عزوجل ، وبهم احتج الله تبارك وتعالى على خلقه».

أقول : في سياق هذه الرواية روايات أخرى متواترة ، ومعناها واضح لكلّ من كان له بصيرة ولو في الجملة في المعارف الإلهية والأحكام الشرعية. والمراد من قوله (عليه‌السلام) : «ولولاهم ما عرف الله عزوجل» المعرفة الحقيقية لأنّهم الأدلاء على الله تعالى على نحو المطلوب لديه عزوجل.

١١٩

بحث علمي

الآية الشريفة تدل على أنّ الحكمة في الأهلة هي معرفة الأوقات وتحديد الزمن بها ، وقد ذكر سبحانه وتعالى ذلك في آية أخرى ببيان أوضح وأشمل ، قال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [يونس ـ ٥] ، وتوقيت الزمان والحساب من الأمور الضرورية للإنسان في جميع أموره وبه يرتب شؤون حياته ونظام دينه ، فإنّ أفعال الإنسان هي من الأمور الزمانية ـ أي : الواقعة في سلسلة الزمان ـ وذلك يتطلب تحديد الأفعال وتنظيم جميع الشؤون تنظيما زمنيا دقيقا.

ومن المعلوم أنّ العام والشهر واليوم هي وحدات فلكية لقياس الزمن ، وأنّ أوجه القمر الأربعة (الهلال ـ الربع الأول ـ البدر ـ الربع الأخير) كان لها تأثير مباشر في تقسيم السنة إلى الشهور ، وهي إلى وحدات زمنية معينة كالاسبوع واليوم. فكان أقرب الطرق إلى الإنسان هو قياس الزمن بالقمر ودورته الشهرية ، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب طبيعية واعتبارية ودينية.

وقد كان للجداول والتقاويم في جميع المراحل التاريخية شأن كبير لمعرفة الوحدات الفلكية ، وهي وإن كانت مفيدة بل صارت من التراث ، ولكنّها لا تخلو من فوضى لأنّ وضع أي تقويم لا بد وأن يكون مستندا إلى اعتبارات إما دينية أو سياسية ، أو علمية.

١٢٠