موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ١٠

باقر شريف القرشي

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ١٠

المؤلف:

باقر شريف القرشي


المحقق: مهدي باقر القرشي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الطبعة: ٢
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: ١٠٩

ـ أن يحملوا في مشاعرهم وعواطفهم المحبّة والرأفة لجميع المواطنين.

ـ أن لا يكونوا كالاسود الضارية للشعب ينهبون أرزاقهم ومواردهم الاقتصادية.

ـ أنّ يعاملوا المواطنين من مسلمين وغيرهم على حدّ سواء ، من دون أن يكون لأحدهم فضل على أحد ولا لفئة على اخرى ، فالمسلمون وغيرهم على صعيد واحد.

٢ ـ أن لا يتّخذوا الامرة والسلطة وسيلة للاستعلاء على الناس والتكبّر عليهم.

يقول عليه‌السلام :

ولا تقولنّ : إنّي مؤمّر آمر فأطاع ، فإنّ في ذلك إدغالا (١) في القلب ، ومنهكة للدّين ، وتقرّبا من الغير.

وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبّهة أو مخيلة (٢) ، فانظر إلى عظم ملك الله فوقك ، وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك ، فإنّ ذلك يطامن إليك من طماحك ، ويكفّ عنك من غربك (٣) ، ويفيء إليك بما عزب عنك من عقلك! إيّاك ومساماة (٤) الله في عظمته ، والتّشبّه به في جبروته ، فإنّ الله يذلّ كلّ جبّار ، ويهين كلّ مختال.

وقد نهى الإمام عليه‌السلام وحذّر واليه على مصر من التكبّر على الرعية ، فإنّ التكبّر مفسد للدين ومحبط للعمل ، وقد علّمه الوسيلة التي ينجو بها ويتخلّص من التكبّر ،

__________________

(١) الادغال : الافساد.

(٢) المخيلة : الخيلاء والعجب بالنفس.

(٣) الغرب : الحدّة.

(٤) المساماة : المباراة في السموّ.

٢١

وهي أن ينظر إلى عظمة الله تعالى المالك القادر الذي هو فوق كلّ شيء فإنّه يكفّ عنه هذا الداء وينجيه من هذا الشرّ.

٣ ـ على الولاة أن ينصفوا الله تعالى وذلك بطاعته وامتثال أوامره ، وأن ينصفوا الناس وذلك بإعطاء حقوقهم ، وقد حفل بذلك وغيره من صنوف العدل قوله عليه‌السلام : أنصف الله وأنصف النّاس من نفسك ، ومن خاصّة أهلك ، ومن لك فيه هوى (١) من رعيّتك ، فإنّك إلاّ تفعل تظلم! ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده ، ومن خاصمه الله أدحض حجّته (٢) ، وكان لله حربا حتّى ينزع أو يتوب.

وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم ، فإنّ الله سميع دعوة المضطهدين ، وهو للظّالمين بالمرصاد.

أرأيتم هذا العدل الذي ينعش الشعوب ، ويعود بالخير العميم على الجميع ، ويساوي بين السلطة والشعب ، ولا يجعل لأي أحد سلطانا أو تفوّقا على غيره؟

٤ ـ قال عليه‌السلام

: وليكن أحبّ الأمور إليك أوسطها في الحقّ ، وأعمّها في العدل ، وأجمعها لرضى الرّعيّة ، فإنّ سخط العامّة يجحف برضى الخاصّة (٣) ، وإنّ سخط الخاصّة يغتفر مع رضى العامّة. وليس أحد من الرّعيّة أثقل على الوالي

__________________

(١) الهوى : الميل.

(٢) أدحض حجّته : أي أبطل حجّته.

(٣) أجحف : أي أذهب.

٢٢

مؤونة في الرّخاء ، وأقلّ معونة له في البلاء ، وأكره للإنصاف.

وأسأل بالإلحاف (١) ، وأقلّ شكرا عند الإعطاء ، وأبطأ عذرا عند المنع ، وأضعف صبرا عند ملمّات الدّهر من أهل الخاصّة. وإنّما عماد الدّين ، وجماع المسلمين ، والعدّة للأعداء ، العامّة من الأمّة ؛ فليكن صغوك لهم ، وميلك معهم.

أوصى الإمام عليه‌السلام بهذا المقطع عامله مالك برعاية العامّة من الشعب ، وتلبية مطالبهم ، وتنفيذ رغباتهم ؛ لأنّ الدولة لا تقوم إلاّ بهم ، فهم عمودها الفقري ومركز ثقلها.

٥ ـ قال عليه‌السلام :

ولا يكوننّ المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء ، فإنّ في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان ، وتدريبا لأهل الإساءة على الإساءة!

وألزم كلاّ منهم ما ألزم نفسه ، واعلم أنّه ليس شيء بأدعى إلى حسن ظنّ راع برعيّته من إحسانه إليهم ، وتخفيفه المئونات عليهم ، وترك استكراهه إيّاهم على ما ليس له قبلهم (٢). فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظّنّ برعيّتك ، فإنّ حسن الظّنّ يقطع عنك نصبا (٣) طويلا.

وإنّ أحقّ من حسن ظنّك به لمن حسن بلاؤك عنده ، وإنّ أحقّ من ساء ظنّك به لمن ساء بلاؤك عنده.

__________________

(١) الالحاف : الالحاح.

(٢) قبلهم : أي عندهم.

(٣) النصب : التعب.

٢٣

أكّد الإمام عليه‌السلام على تكريم المحسن ، والإشادة به وأنّه ليس من الانصاف في شيء أن يساوي بينه وبين المسيء ، فإنّ في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان ، وتشجيعا للمسيئين.

كما أكّد الإمام عليه‌السلام على الإحسان إلى الرعية والبرّ بهم وتخفيف المئونات عنهم ، فإنّ ذلك ممّا يوجب ارتباط الشعب بحكومته ، وهو من أنجع الوسائل وأكثرها نجاحا لاستقرار الدولة وسلامتها من الفتن الداخلية.

٦ ـ قال عليه‌السلام :

ولا تنقض سنّة صالحة عمل بها صدور هذه الامّة ، واجتمعت بها الالفة ، وصلحت عليها الرّعيّة.

ولا تحدثنّ سنّة تضرّ بشيء من ماضي تلك السّنن ، فيكون الأجر لمن سنّها ، والوزر عليك بما نقضت منها.

وأكثر مدارسة العلماء ، ومناقشة (١) الحكماء ، في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك ، وإقامة ما استقام به النّاس قبلك.

حكى هذا المقطع ضرورة الابقاء على السنّة الصالحة وما يستفيد منه الناس من القوانين الصالحة التي عمل بها المسلمون وأقرّها الإسلام ، كما حذّر من سنّ القوانين التي تضرّ بالناس وتجحف حقوقهم.

وأكّد الإمام عليه‌السلام على مجالسة العلماء ومحادثة الحكماء ، فإنّها تفتح آفاقا كريمة من الوعي والتطوّر وتهدي إلى سواء السبيل.

٧ ـ قال عليه‌السلام :

__________________

(١) المناقشة : المحادثة.

٢٤

واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك (١) من الخطوب ، ويشتبه عليك من الأمور ؛ فقد قال الله تعالى لقوم أحبّ إرشادهم : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) (٢).

فالرّدّ إلى الله : الأخذ بمحكم كتابه.

والرّدّ إلى الرّسول : الأخذ بسنّته الجامعة غير المفرّقة.

أمر الإمام عليه‌السلام مالكا بردّ ما اشتبه عليه من الامور الإدارية وغيرها من المسائل التي يبتلى بها هو والرعية إلى كتاب الله تعالى ففيه تبيان كلّ شيء وأمره بالرّد إلى السنّة النبوية الجامعة ، فقد تعرّضت لكلّ ما أشكل وأبهم.

٨ ـ قال عليه‌السلام :

ثمّ اختر للحكم بين النّاس أفضل رعيّتك في نفسك ، ممّن لا تضيق به الأمور ، ولا تمحّكه الخصوم (٣) ، ولا يتمادى في الزّلّة ، ولا يحصر (٤) من الفيء إلى الحقّ إذا عرفه ، ولا تشرف نفسه (٥) على طمع ، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه ؛ وأوقفهم في الشّبهات ، وآخذهم بالحجج ، وأقلّهم تبرّما بمراجعة الخصم ، وأصبرهم على تكشّف الأمور ، وأصرمهم عند اتّضاح الحكم ، ممّن لا يزدهيه (٦) إطراء ، ولا يستميله

__________________

(١) يضلعك : أي ما يشكل عليك.

(٢) النساء : ٥٩.

(٣) تمحكه : أي لا تغضبه.

(٤) يحصر : أي يضيق صدره.

(٥) تشرف نفسه : أي لا تدنو نفسه.

(٦) يزدهيه : أي يستخفّه.

٢٥

إغراء ، وأولئك قليل.

ثمّ أكثر تعاهد قضائه ، وافسح له في البذل ما يزيل علّته (١) ، وتقلّ معه حاجته إلى النّاس.

وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصّتك ، ليأمن بذلك اغتيال الرّجال له عندك.

فانظر في ذلك نظرا بليغا فإنّ هذا الدّين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار ، يعمل فيه بالهوى ، وتطلب به الدّنيا.

نظر الإمام عليه‌السلام في هذا المقطع إلى القضاء والحكّام فأولاهم المزيد من اهتمامه ، وقد حفل كلامه بما يلي :

أوّلا : أن يكون القضاة الذين يعيّنهم للحكم بين الناس أفضل الرعية في علمهم وتقواهم وتحرّجهم في الدين ، وأن تتوفّر فيهم الصفات التالية.

ـ أن لا تضيق بهم الامور بل لا بدّ أن يكون على سعة في الخلق.

ـ أن لا يغضبوا عند مخاصمة الناس عندهم.

ـ أن لا يتمادوا في الزلل ، ويرجعون إلى الحقّ إذا عرفوه.

ـ أن لا ينقادوا إلى الأطماع ، ويتّبعوا الأهواء بل يكونون في منتهى النزاهة.

ـ أن لا يكتفوا في النظر إلى شكاوى الناس ودعاواهم إلى أبسط النظر وإنّما عليهم أن يمعنوا كثيرا في الامور التي ترفع إليهم.

ـ أن يقفوا ويتأمّلوا كثيرا في الشبهات حتى يتبيّن لهم الحقّ.

ـ أن لا يضجروا من مراجعة الخصوم لهم ، ويصبروا عند رفع الدعاوي إليهم.

__________________

(١) يزيل علّته : أي يرفع حاجته.

٢٦

ـ أن يتّصفوا بالشدّة والصرامة عند اتّضاح الحقّ لهم. ولا يميلوا مع الجانب الآخر الذي تذرّع بالباطل.

ـ أن لا يزدهيهم ويخدعهم إطراء وثناء ، فلا يحفلوا بذلك.

ثانيا : على الولاة أن يكثروا من تعاهد القضاة ويطّلعوا على قضائهم لئلاّ يكون مجافيا للواقع.

ثالثا : أن يزيد في عطاء ورواتب القضاة حتى تقلّ حاجتهم إلى الناس ويحكموا بما أنزل الله تعالى.

رابعا : أن يشيد الولاة بالقضاة ويرفعوا منزلتهم حتى يشعروا بالكرامة والمنزلة الرفيعة ليخلصوا بذلك في عملهم.

٩ ـ قال عليه‌السلام :

ثمّ انظر في أمور عمّالك فاستعملهم اختبارا ، ولا تولّهم محاباة وأثرة ، فإنّهما جماع من شعب الجور والخيانة. وتوخّ منهم أهل التّجربة والحياء ، من أهل البيوتات الصّالحة ، والقدم في الإسلام المتقدّمة ، فإنّهم أكرم أخلاقا ، وأصحّ أعراضا ، وأقلّ في المطامع إشراقا ، وأبلغ في عواقب الأمور نظرا.

ثمّ أسبغ عليهم الأرزاق ، فإنّ ذلك قوّة لهم على استصلاح أنفسهم ، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم ، وحجّة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا (١) أمانتك.

ثمّ تفقّد أعمالهم ، وابعث العيون من أهل الصّدق والوفاء عليهم ، فإنّ

__________________

(١) ثلموا : نقضوا.

٢٧

تعاهدك في السّرّ لأمورهم حدوة لهم (١) على استعمال الأمانة ، والرّفق بالرّعيّة.

وتحفّظ من الأعوان ؛ فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك ، اكتفيت بذلك شاهدا ، فبسطت عليه العقوبة في بدنه ، وأخذته بما أصاب من عمله ، ثمّ نصبته بمقام المذلّة ، ووسمته بالخيانة ، وقلّدته عار التّهمة.

حكى هذا المقطع بعض الامور التي تتعلّق في عمّال الدولة وهي :

أوّلا : أن لا يولّي أي موظّف عملا إلاّ بعد الفحص والاختبار التامّ عن حاله وأمانته.

ثانيا : لا يجوز أن يسند أي عمل لأحد محاباة أو اثرة فإنّه خيانة للامّة ، وفساد لجهاز الحكم.

ثالثا : أن يولّى العمل إلى أهل التجربة والدراية على شئون العمل الذي يسند إليهم.

رابعا : أن يختار للعمل من يتّصف بالحياء ، وعدم الصلف ، وأن يكون من ذوي البيوتات الشريفة حتى يقوم بخدمة المواطنين ، ولا يجحف في حقّهم.

خامسا : أن يسبغ على العمّال الرواتب التي تسدّ حاجاتهم ، ولا يضيق عليهم معيشتهم ليكونوا بمأمن عن تناول ما في أيدي الناس ، ويبتعدوا عن الرشوة.

سادسا : مراقبة العمّال مراقبة دقيقة ، وبثّ العيون عليهم للنظر في تصرّفاتهم ، فإن كانت شاذة عن شريعة الله تعالى بادر إلى عزلهم وإقصائهم عن وظائفهم وشهّر بهم ليكونوا عبرة لغيرهم.

__________________

(١) الحدوة : الحثّ على الشيء.

٢٨

١٠ ـ قال عليه‌السلام :

ثمّ انظر في حال كتّابك ، فولّ على أمورك خيرهم ، واخصص رسائلك الّتي تدخل فيها مكائدك وأسرارك بأجمعهم لوجود صالح الأخلاق ممّن لا تبطره الكرامة (١) ، فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملإ ، ولا تقصر به الغفلة عن إيراد مكاتبات عمّالك عليك ، وإصدار جواباتها على الصّواب عنك ، فيما يأخذ لك ويعطي منك ، ولا يضعف عقدا اعتقده لك ، ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك ، ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور ، فإنّ الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل.

ثمّ لا يكن اختيارك إيّاهم على فراستك واستنامتك وحسن الظّنّ منك ، فإنّ الرّجال يتعرّضون لفراسات الولاة بتصنّعهم وحسن خدمتهم ، وليس وراء ذلك من النّصيحة والأمانة شيء ، ولكن اختبرهم بما ولّوا للصّالحين قبلك ، فاعمد لأحسنهم كان في العامّة أثرا ، وأعرفهم بالأمانة وجها ، فإنّ ذلك دليل على نصيحتك لله ولمن ولّيت أمره.

واجعل لرأس كلّ أمر من أمورك رأسا منهم ، لا يقهره كبيرها ، ولا يتشتّت عليه كثيرها ، ومهما كان في كتّابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته.

عرض الإمام عليه‌السلام في هذا المقطع إلى كتاب الولاة ، واعتبر أنّه لا بدّ أن تتوفّر فيهم الصفات التالية :

أوّلا : أن يكونوا من خيرة الرجال في وثاقتهم وإيمانهم ومعرفتهم بشئون الإدارة وقضايا الحكم.

__________________

(١) تبطره : أي تفسده.

٢٩

ثانيا : أن يحتفظوا بالرسائل والوثائق التي تخصّ الدولة فيحافظوا على أسرارها ، ولا يبيحوا محتوياتها لأحد.

ثالثا : أن يكون الكتّاب على جانب وثيق من سموّ الأخلاق والآداب الذين لا يجرءون على مخالفة الوالي ، وعدم امتثال أوامره.

رابعا : أن لا يغفلوا عمّا يرد إليهم من الوثائق من العمّال وسائر الموظّفين في سلك الدولة ، وعليهم أن يعرضوها على الوالي ليطّلع عليها.

خامسا : أن يجيب الكتّاب عمّا يرد إليهم من الموظّفين من الرسائل ، وأن لا يهملوا أجوبتها على الوجه الصحيح وعليهم تسجيل ما يأخذون ويعطون.

سادسا : أن يكون اختيار الوالي للكتّاب قائما على الفحص والاختبار ، ولا يكون خاضعا للفراسة.

سابعا : أنّ اختبار العمّال والكتّاب يكون على الفحص بسيرتهم في عملهم قبل أن يتولّى الوالي وظيفته ، فإن كانت سيرتهم حسنة عند الولاة قبله عهد إليهم بالوظائف ، وقلّدهم المناصب.

١١ ـ قال عليه‌السلام :

واجعل لذوي الحاجات منك قسما (١) تفرّغ لهم فيه شخصك ، وتجلس لهم مجلسا عامّا فتتواضع فيه لله الّذي خلقك ، وتقعد عنهم (٢) جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك ، حتّى يكلّمك متكلّمهم غير متتعتع ، فإنّي سمعت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ يقول في غير موطن :

__________________

(١) قسما : أي وقتا خاصّا.

(٢) تقعد عنهم : أي تبعد عنهم.

٣٠

« لن تقدّس أمّة لا يؤخذ للضّعيف فيها حقّه من القويّ غير متتعتع (١) ».

ثمّ احتمل الخرق (٢) منهم والعيّ (٣) ، ونحّ عنك الضّيق والأنف يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته ، ويوجب لك ثواب طاعته.

وأعط ما أعطيت هنيئا ، وامنع في إجمال واعذار!

ثمّ أمور من أمورك لا بدّ لك من مباشرتها منها :

إجابة عمّالك بما يعيا عنه كتّابك. ومنها إصدار حاجات النّاس يوم ورودها عليك بما تحرج به صدور أعوانك. وأمض لكلّ يوم عمله ، فإنّ لكلّ يوم ما فيه. واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله أفضل تلك المواقيت ، وأجزل تلك الأقسام ، وإن كانت كلّها لله إذا صلحت فيها النّيّة ، وسلمت منها الرّعيّة.

وحفل هذا المقطع بالآداب العالية ، والحكم النافعة ، والتعاليم الرفيعة التي منها ما يلي :

ـ أن يجعل الوالي وقتا خاصّا للمواطنين يلتقي بهم ليعرف حوائجهم ويطّلع على متطلّباتهم.

ـ أن يجلس الوالي مجلسا متواضعا غير محفوف بالعظمة والكبرياء ، وأن يكون تواضعه لله تعالى خالق الكون وواهب الحياة.

ـ أن ينحّي عن المواطنين الجنود والأعوان حتى يتكلّموا بحرية وأمان.

__________________

(١) التتعتع : هو العجز عن الكلام لخوف من السلطة.

(٢) الخرق : العنف.

(٣) العيّ : العجز عن النطق.

٣١

ـ أن يتحمّل الوالي ما يظهر من بعض المواطنين من العنف والشدّة.

ـ أن ينحّي الوالي عن نفسه ضيق الصدر والتكبّر ليستقبل المواطنين برحابة وسعة في القول.

ـ إذا أعطى الوالي لبعض المواطنين شيئا من الرزق فعليه أن يعطيه بلطف لا بمنّة ، كما أنّه إذا أراد أن يمنع رزقا عن أحد فعليه أن يمنعه بإعذار وإجمال.

ـ إجابة العمّال في طلباتهم إذا عجز عن تلبيتها الكتّاب.

ـ عدم تأخير متطلّبات الناس وحاجاتهم وأن تقضى فورا من غير تأخير ، وأن يمضي الوالي في كلّ يوم عمله.

١٢ ـ قال عليه‌السلام :

وليكن في خاصّة ما تخلص به لله دينك : إقامة فرائضه الّتي هي له خاصّة ، فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك ، ووفّ ما تقرّبت به إلى الله من ذلك كاملا غير مثلوم ولا منقوص ، بالغا من بدنك ما بلغ.

وإذا قمت في صلاتك للنّاس ، فلا تكوننّ منفّرا ولا مضيّعا (١) ، فإنّ في النّاس من به العلّة وله الحاجة.

وقد سألت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ حين وجّهني إلى اليمن كيف أصلّي بهم؟

فقال : « صلّ بهم كصلاة أضعفهم ، وكن بالمؤمنين رحيما ».

عرض الإمام عليه‌السلام في هذا المقطع إلى بعض النصائح الرفيعة وهي :

ـ أن يقيم الوالي بإخلاص فرائض الله تعالى من الصلاة والصيام.

__________________

(١) التنفير : تطويل الصلاة. التضييع : نقص الصلاة ، والمراد التوسّط في أدائها.

٣٢

ـ أن يؤدّي الفرائض كاملة غير ناقصة.

ـ أن يصلّي بالناس صلاة تتّسم بعدم الإطالة ، وأن يراعي حال الضعفة من المصلّين الذين لا طاقة لهم على إطالة الصلاة.

١٣ ـ قال عليه‌السلام :

وأمّا بعد ، فلا تطوّلنّ احتجابك عن رعيّتك ، فإنّ احتجاب الولاة عن الرّعيّة شعبة من الضّيق ، وقلّة علم بالأمور ؛ والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير ، ويعظم الصّغير ، ويقبح الحسن ، ويحسن القبيح ، ويشاب الحقّ بالباطل.

وإنّما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه النّاس به من الأمور ، وليست على الحقّ سمات (١) تعرف بها ضروب الصّدق من الكذب ، وإنّما أنت أحد رجلين :

إمّا امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحقّ ، ففيم احتجابك من واجب حقّ تعطيه ، أو فعل كريم تسديه ، أو مبتلى بالمنع ، فما أسرع كفّ النّاس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك! مع أنّ أكثر حاجات النّاس إليك ممّا لا مؤونة فيه عليك ، من شكاة مظلمة ، أو طلب إنصاف في معاملة ...

عرض إمام العدل في هذا المقطع إلى إلزام وإليه الزعيم مالك على مصر بعدم احتجابه عن الرعية ؛ لأنّ في الاحتجاب مضاعفات سيّئة والتي منها :

ـ أنّ الاحتجاب يحول عن الرعية علم ما احتجبوا دونه ، ويسبّب ذلك أن يصغر عندهم الكبير من الامور ، ويعظم عندهم الصغير ، ويحسن عندهم القبيح ،

__________________

(١) السمات : جمع سمة ، وهي العلامة.

٣٣

ويقبح الحسن.

ـ أنّ احتجاب الوالي عن الرعية موجب لأن يتوارى عنه ما ألمّ بالناس من الأحداث التي يعود حجبها بضرر بالغ على الوالي وعلى المواطنين.

ـ أنّ الناس إذا يئسوا من ملاقاة الوالي فإنّهم يكفّون عن مسألته ، ويحتجبون عنه.

ـ أنّ شكاوى الناس التي ترفع إلى الوالي هي إمّا من مظلمة أو طلب انصاف في معاملة لهم ، ومن الطبيعي أنّه ليس على الوالي بذلك ضرر.

١٤ ـ قال عليه‌السلام :

وألزم الحقّ من لزمه من القريب والبعيد ، وكن في ذلك صابرا محتسبا ، واقعا ذلك من قرابتك وخاصّتك حيث وقع ، وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه ، فإنّ مغبّة ذلك محمودة.

أوصى الإمام عليه‌السلام واليه على اتّباع الحقّ وتطبيقه على القريب والبعيد ، مهما ثقل ذلك عليه فإنّ فيه سعة.

١٥ ـ قال عليه‌السلام :

وإن ظنّت الرّعيّة بك حيفا (١) فأصحر لهم بعذرك ، واعدل عنك ظنونهم بإصحارك ، فإنّ في ذلك رياضة منك لنفسك ، ورفقا برعيّتك ، وإعذارا تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحقّ.

عهد الإمام عليه‌السلام لمالك أنّ الرعية إذا ظنّت به الظلم فعليه أن يقدّم لها اعتذاره ، ويبيّن لها الأسباب التي دعته إلى الإقدام على ما سنّه وعمله.

__________________

(١) الحيف : الظلم.

٣٤

١٦ ـ قال عليه‌السلام :

إيّاك والدّماء وسفكها بغير حلّها ، فإنّه ليس شيء أدنى لنقمة ، ولا أعظم لتبعة ، ولا أحرى بزوال نعمة ، وانقطاع مدّة ، من سفك الدّماء بغير حقّها.

والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد ، فيما تسافكوا من الدّماء يوم القيامة ؛ فلا تقوّينّ سلطانك بسفك دم حرام ، فإنّ ذلك ممّا يضعفه ويوهنه ، بل يزيله وينقله.

ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد لأنّ فيه قود البدن (١).

وإن ابتليت بخطإ وأفرط عليك سوطك أو سيفك أو يدك بعقوبة ؛ فإنّ في الوكزة فما فوقها مقتلة ، فلا تطمحنّ بك نخوة سلطانك عن أن تؤدّي إلى أولياء المقتول حقّهم.

واحتاط الإمام كأشدّ ما يكون الاحتياط في سفك الدماء بغير حقّ ، فإنّه من موجبات النقمة وزوال النعمة ، وعذاب الله تعالى ، وقد ألزم الإمام واليه على مصر مالكا الأشتر أن لا يقيم سلطانه بسفك الدماء المحرّمة فإنّ ذلك ممّا يوهنه ويزيله ولا عذر له مطلقا عند الله تعالى ، وقد عرض الإمام عليه‌السلام إلى القتل العمدي ، فإنّ ديته القود ، وإن رضي وليّ الدم بالدية ، فهي الدية الثقيلة المشدّدة ، وقد ذكرها الفقهاء ، وأمّا قتل الخطأ فإنّ فيه الدية دون القود وتؤدّى إلى أولياء الدم.

١٧ ـ قال عليه‌السلام :

وإيّاك والإعجاب بنفسك ، والثّقة بما يعجبك منها وحبّ الإطراء ،

__________________

(١) القود : القصاص.

٣٥

فإنّ ذلك من أوثق فرص الشّيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين.

وإيّاك والمنّ على رعيّتك بإحسانك ، أو التّزيّد فيما كان من فعلك ، أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك ، فإنّ المنّ يبطل الإحسان ، والتّزيّد يذهب بنور الحقّ ، والخلف يوجب المقت عند الله والنّاس. قال الله تعالى : ( كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ).

حفل هذا المقطع بمعالي التربية الأخلاقية التي يتزيّن بها الولاة وهي :

ـ النهي عن الاعجاب بالنفس الذي يقود إلى التكبّر ويلقي الشخص في شرّ عظيم.

ـ الحذر من حبّ المدح والاطراء والثناء ، فإنّه ممّا يؤدّي إلى استيلاء الشيطان وتمكّنه من إغراء الشخص حتى يفسد عليه عمله.

ـ أنّ لا يمنّ الوالي على رعيّته بما يسديه عليها من خدمات كتأسيس المشاريع الزراعية والمعامل وغير ذلك ممّا تتقدّم به البلاد ، فإنّ ذلك واجب على الولاة والمسئولين ، وليس في أدائه منّ على الرعية.

ـ أن لا يخلف الوالي ما يعد به الرعية ، فإنّ ذلك ممّا يوجب سقوط هيبته وعدم الوثوق بقوله.

١٨ ـ قال عليه‌السلام :

وإيّاك والعجلة بالأمور قبل أوانها ، أو التّسقّط فيها (١) عند إمكانها ، أو اللّجاجة فيها إذا تنكّرت (٢) ، أو الوهن عنها إذا استوضحت.

__________________

(١) التسقط : التهاون.

(٢) تنكّرت : أي لم يعرف وجه الصواب فيها.

٣٦

فضع كلّ أمر موضعه ، وأوقع كلّ عمل موقعه.

وإيّاك والاستئثار بما النّاس فيه أسوة (١) ، والتّغابي عمّا تعنى به ممّا قد وضح للعيون ، فإنّه مأخوذ منك لغيرك. وعمّا قليل تنكشف عنك أغطية الأمور ، وينتصف منك للمظلوم. املك حميّة أنفك (٢) ، وسورة حدّك (٣) ، وسطوة يدك ، وغرب لسانك ، واحترس من كلّ ذلك بكفّ البادرة ، وتأخير السّطوة ، حتّى يسكن غضبك فتملك الاختيار ؛ ولن تحكم ذلك من نفسك حتّى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربّك.

ووضع الإمام عليه‌السلام بعض المناهج التربوية لسلوك وإليه وهي :

ـ انّه نهى عن العجلة في الامور التي ليس وراءها إلاّ الفشل والخيبة ، وأوصى بالتروي فإنّه مفتاح النجاح ، وإذا اتّضحت الامور وظهرت فعليه المبادرة للفعل أو الكفّ. واللازم أن يضع كلّ أمر موضعه وفي محلّه.

ـ ونهى الإمام عليه‌السلام وإليه من الاستئثار بما الناس فيه اسوة ، فليس له من سبيل أن يستأثر بشيء يعود لجميع المواطنين ، فإنّ ذلك ينمّ عن الشره والطمع ، وذلك ممّا لا يليق بالوالي النزيه ... هذه بعض النقاط التي حفل بها هذا المقطع.

بطانة الولاة :

عرض الإمام عليه‌السلام في عهده لمالك إلى بطانة الولاة الذين يتّخذوهم الولاة مستشارين لهم ، وقد حذّره من الاتّصال بالأصناف التالية :

١ ـ من يذكرون عيوب الناس تقرّبا إلى السلطة ، وذلك بإظهار الاخلاص لها ،

__________________

(١) اسوة : المراد أن لا يستأثر بشيء من أموال الدولة بما يكون الناس فيه اسوة.

(٢) حمية أنفك : المراد به الإباء.

(٣) سورة حدّك : السورة الحدّة.

٣٧

قال عليه‌السلام :

وليكن أبعد رعيّتك منك ، وأشنأهم عندك ، أطلبهم لمعايب النّاس ؛ فإنّ في النّاس عيوبا ، الوالي أحقّ من سترها ، فلا تكشفنّ عمّا غاب عنك منها ، فإنّما عليك تطهير ما ظهر لك ، والله يحكم على ما غاب عنك ، فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحبّ ستره من رعيّتك.

٢ ـ إبعاد السعاة الذين لا يألون جهدا في ظلم الناس والبغي عليهم. يقول عليه‌السلام :

ولا تعجلنّ إلى تصديق ساع ، فإنّ السّاعي غاش ، وإن تشبّه بالنّاصحين.

٣ ـ إبعاد البخلاء لأنّهم يعدلون بالوالي عن الفضل والإحسان ويعدونه الفقر والحرمان.

٤ ـ إقصاء الجبناء لأنّهم يضعّفونه ويخذلونه عن أداء الواجبات.

٥ ـ اجتناب الحريصين فإنّهم يزيّنون له الشرّ بالجور.

٦ ـ الابتعاد عن الوزراء وأعوانهم الذين كانوا لأئمّة الظلم وزراء وأعوانا ، فإنّهم لا يألون جهدا في ظلم الناس وإرهاقهم.

هذه بعض الأصناف التي يجب على الولاة الابتعاد عنها ؛ لأنّها بطانة السوء والجور ، وأداة للحكم الفاسد.

ولاية المظالم :

وأوّل من أسّس ولاية المظالم في الإسلام هو الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقد اتّخذ في الكوفة بيتا سمّاه بيت المظالم ، وأمر المظلومين أن يسجّلوا فيه ظلامتهم ، وقد تطوّرت هذه الولاية في العصر العباسي ، وفاقت منصب القضاء ، وقد عهد إليها بالامور التالية :

٣٨

١ ـ النظر في الشكاوى التي يرفعها المواطنون ضدّ الولاة والحكّام إذا انحرفوا عن طريق الحقّ وجاروا على الرعية.

٢ ـ النظر في جور العمّال إذا شذّوا في جباية الأموال.

٣ ـ النظر في كتّاب الدواوين لأنّهم الامناء على بيوت الأموال فيما يستوفونه ويوفّونه.

٤ ـ النظر في مظالم المرتزقة وسائر الموظفين إذا تأخّر دفع رواتبهم إليهم.

٥ ـ ردّ ما غصبه الظالمون إلى المظلومين والمستضعفين.

٦ ـ الإشراف على الأوقاف العامّة والخاصّة لتجري على ما اوقفت عليه.

٧ ـ تنفيذ ما وقف ولم ينفّذ من الأحكام الصادرة من القضاة والمحتسبين ؛ لأنّ والي المظالم أقوى يدا وأنفذ أمرا من غيرهم.

٨ ـ مراعاة إقامة الشعائر الدينية والعبادات كصلاة الجمع والأعياد والحجّ والجهاد.

٩ ـ إنزال عقوبة التأديب بالعمّال وغيرهم من كبار الموظّفين إذا شذّوا في سلوكهم ، ولم يؤدّوا واجباتهم (١).

هذه أهمّ الامور التي يعهد بها إلى والي المظالم ، وقد اهملت هذه الولاية التي هي من أهمّ المناصب وأخطرها ، فقد انيط بها تطبيق العدل وصيانة الحقوق وإقصاء الظلم عن الناس.

عمّال الخراج والصدقات :

أمّا عمّال الخراج فهم الذين يستوفون الأموال التي فرضت على الأراضي التي

__________________

(١) النظم الإسلامية : ٣٢٥.

٣٩

فتحها المسلمون عنوة ، وأمّا عمّال الصدقات فهم الذين يجلبون الأموال التي فرضت على الأعيان التي تجب فيها الزكاة كالغلاّت الأربعة ، والأنعام الثلاثة ، والنقدين ، ويشترط في هؤلاء العمّال أن يكونوا امناء فيما يجبونه من الناس وفيما ينفقونه على المرافق العامّة ، وقد وضع الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام لهم منهجا خاصّا حافلا بالآداب ، ورعاية الصالح العامّ ، والرفق الكامل بالمواطنين ، ونسوق نصّ كلامه من دون أن نتعرّض لتحليله لأنّه وافي القصد ، واضح المعالم ، سهل البيان ،قال عليه‌السلام لبعض عمّاله : انطلق على تقوى الله وحده لا شريك له ، ولا تروّعنّ مسلما ، ولا تجتازنّ عليه كارها ، ولا تأخذنّ منه أكثر من حقّ الله في ماله ، فإذا قدمت على الحيّ فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم ، ثمّ امض إليهم بالسّكينة والوقار ؛ حتّى تقوم بينهم فتسلّم عليهم ، ولا تخدج (١) بالتّحيّة لهم ، ثمّ تقول : عباد الله ، أرسلني إليكم وليّ الله وخليفته ، لآخذ منكم حقّ الله في أموالكم ، فهل لله في أموالكم من حقّ فتؤدّوه إلى وليّه؟

فإن قال قائل : لا ، فلا تراجعه ، وإن أنعم لك منعم (٢) فانطلق معه من غير أن تخيفه ، أو توعده ، أو تعسفه ، أو ترهقه.

فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضّة ، فإن كان له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلاّ بإذنه ، فإنّ أكثرها له ، فإذا أتيتها فلا تدخل عليها دخول متسلّط عليه ولا عنيف به.

ولا تنفّرنّ بهيمة ولا تفزعنّها ، ولا تسوأنّ صاحبها فيها ، واصدع المال

__________________

(١) لا تخدج : أي لا تبخل.

(٢) يقصد بـ « المنعم » دافع الزكاة ، وهذا من روائع الأدب العلوي.

٤٠