موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ١٠

باقر شريف القرشي

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ١٠

المؤلف:

باقر شريف القرشي


المحقق: مهدي باقر القرشي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الطبعة: ٢
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: ١٠٩

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ )

النساء : ٥٨

( هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً )

الكهف : ٤٤

( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ )

المائدة : ٤٧

( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )

البقرة : ١٧٩

( وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ )

غافر : ٢٠

٣
٤

تقديم

(١)

إنّ من أهمّ ما عنى به الإسلام في تشريعاته السياسية وأنظمته الإدارية هو العمل على تطوير البلاد في ميادين الزراعة والصناعة ، وحماية المواطنين من المرض والفقر ، وتوفير الفرص المتكافئة لهم ، وضمان ما يحتاجون إليه من ضروريات الحياة وغيرها.

ومن المؤكّد أنّ من أهمّ الوسائل الفعّالة لإقامة مجتمع متوازن في سلوكه وأمنه ورخائه ، يستند أوّلا وبالذات إلى الجهاز الحاكم ، فهو المسئول عن إيجاد الفعاليّات التي تؤدّي إلى تقدّم البلاد وازدهار الحياة فيها.

(٢)

ولا تقتصر مسئوليات الدولة في الإسلام على جهة خاصّة من حياة المواطنين ، وإنّما تشمل جميع صور الحياة وألوانها ، والتي منها العمل على رخاء المجتمع ورفاهية عيشه ، وذلك بتوفير العمل لهم والقضاء على البطالة التي هي من مصادر الجريمة في البلاد ... كما أنّ من الواجبات على الدولة مراقبة السوق بدقّة وحزم لمنع الاحتكار

٥

وإزالة السلع الفاسدة التي تضرّ بالصحّة العامّة.

إنّ الدولة في الإسلام يجب أن تكون عينا ساهرة تحيط بأحوال المجتمع وشئونه ، والتي منها إشاعة العلم وإقصاء الجهل ، فإنّ الامّة يستحيل أن تحتلّ مركزا كريما تحت أشعة الشمس وهي غارقة بالجهل.

(٣)

وشيء بالغ الأهميّة في سياسة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام رائد العدالة الاجتماعية في دنيا الإسلام أنّه تبنى بصورة إيجابية شئون الموظّفين من ولاة وعمّال وجباة ، واحتاط في امورهم كأشدّ ما يكون الاحتياط فلم يولّ أي أحد منهم عملا إلاّ بعد الفحص التامّ عن عدالته ونزاهته وخبرته وإخلاصه في العمل ، وقد وقف مع طلحة والزبير موقفا اتّسم بالشدّة والصرامة حين أظهرا له رغبتهما الملحّة في الولاية ، فرفض كأشدّ ما يكون الرفض طلبهما لأنّه كان على علم أنّهما يتّخذان مال الله دولا وعباده خولا ، ويستخدمان السلطة لتنفيذ رغباتهما.

(٤)

كانت فلسفة الإمام عليه‌السلام في الحكم قائمة على اتّخاذه وسيلة للاصلاح الاجتماعي ، وسببا للنهضة الفكرية والاقتصادية حتى يسلم المسلمون من ويلات الجهل وكوارث المرض والفقر ، وقد أكّد على ولاته وعمّاله بتعمير الأرض وزيادة الدخل الفردي ، وأنّ لا يكون همّهم أخذ الضرائب المفروضة على المزارعين وغيرهم حتى تتوفّر في البلاد نهضة اقتصادية تزدهر فيها الحياة العامّة ويعمّ الرخاء كافّة المجتمع الإسلامي.

٦

(٥)

وممّا يلفت النظر في سياسة الإمام عليه‌السلام تجاه ولاته وعمّاله مراقبته الشديدة والمستمرّة لسياستهم وسلوكهم ، فمن كان منهم مخلصا مؤدّيا لعمله بعيدا عن شهوة الحكم ، أثنى عليه وقابله بمزيد من الحفاوة والتكريم ، ومن شذّ في سلوكه وانحرف عن الطريق القويم بادر إلى عزله ، وإذا كان خائنا وثبتت خيانته لبيت المال أقام عليه حدّ السرقة ، وقد قطع يد عليّ بن الجهم لمّا سرق من الخزينة المركزية.

ومن الجدير بالذكر أنّ هذا الشخص هو الذي قال للحجّاج : إنّ أهلي عقّوني فسمّوني عليّا (١) ، متقرّبا بذلك إلى الحجّاج وناقما على الإمام لأنّه جذم يده!

(٦)

وإذا أمعنا النظر في رسائل الإمام ووصاياه إلى ولاته وعمّاله لوجدناها حافلة بجميع ألوان العدل ومقوّمات الحياة وضروب المساواة ، وهي برامج مشرقة لسعة افق الإسلام ، ومعالجته الكاملة التي لا تخضع للمؤثّرات التقليدية لجميع شئون الحياة السياسية التي تحمي الإنسان من الاعتداء وتوفّر له الحقوق الكاملة.

إنّ الإنسانية على ما جرّبت من تجارب ، وقنّنت من صنوف الحكم فإنّها لم تستطع أن تنشئ نظاما يضمن للإنسان حقوقه ، ويواكب متطلّبات حياته مثل ما أقامه رائد العدالة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في وصاياه ورسائله إلى عمّاله وولاته.

__________________

(١) الاشتقاق ـ أبو بكر : ٢٧٢.

٧

(٧)

ولم يشرّع حكّام المسلمين وولاة امورهم وثيقة سياسية حافلة بنظم الحكم والإدارة ، وملمّة بحقوق الإنسان وما يجب له وعليه في ظلّ الحكم والسلطان ، مثل الوثيقة الذهبية التي أملاها الإمام عليه‌السلام على الزعيم الكبير مالك الأشتر واليه على مصر ، وألزمه بتطبيق بنودها على الشعب المصري.

إنّها وسام شرف للحكم العلويّ الذي رفع منار العدالة في الشرق العربي ، وأقام صروح الحقّ في دنيا الإسلام ، وتبنّى القضايا المصيرية لجميع شعوب العالم وامم الأرض.

(٨)

وشيء مهمّ ورائع جدّا تفقّد الإمام ومراقبته وسهره على شئون ولاته ، والتي كان منها أنّه نقل إليه أنّ واليه على البصرة عثمان بن حنيف قد دعي إلى وليمة قوم من أهلها ، فمضى إليها ، فرفع له رسالة أنكر فيها ذلك كأشدّ ما يكون الانكار لأنّه أراد أن يكون الوالي في منتهى العفّة والنزاهة والتجرّد عن جميع المغريات.

وأكبر الظنّ أنّ الذين دعوا ابن حنيف إلى الوليمة ليتّخذونه سلّما إلى قضاء بعض شئونهم عنده وهذا لا يتّفق مع سيرة الإمام ، لأنّها إن كانت صحيحة ومشروعة فيجب على السلطة قضاؤها ، وإن كانت غير مشروعة فلا سبيل لتنفيذها. ولم يقم أي وزن للمحسوبيات والعواطف سوى ما يتّصل منها بالحقّ.

٨

(٩)

إنّ سياسة الإمام عليه‌السلام بجميع بنودها وأنظمتها مشرقة كالشمس ، وهي تفتح آفاق الوعي والتطوّر للعالم الإسلامي ، وتوفّر له الحياة الكريمة السليمة من الاضطراب ، والنزع والخوف وتضمن له ما يصبو إليه من العزّة والكرامة والسلامة من المرض والفقر والاعواز.

لقد تبنّى الإمام عليه‌السلام جميع الأهداف النبيلة التي يسعد بها المسلمون ، وشرّع أروع الأحكام وأكثرها تطوّرا وإبداعا في أنظمته الإدارية الخلاّقة ، ويجب أن تدرس دراسة موضوعية وشاملة ليستفيد منها المسلمون ، ويتّخذون منها منهجا يفخرون ويعتزّون به في المحافل الدولية.

(١٠)

يعرض هذا الكتاب إلى :

ـ البحوث التمهيدية التي ألقت الأضواء على شئون الموظّفين من ولاة وعمّال وجباة.

ـ وما قنّنه الإمام عليه‌السلام لهم من الواجبات والمسئوليات التي حفلت بها رسائله التي زوّدهم بها ، وهي جزء لا يتجزّأ من أنظمته السياسية التي صاغها لتكون دستورا للحكم الإسلامي في جميع العصور والأزمان.

ـ كما يعرض هذا الكتاب إلى شئون ولاته وعمّاله على الأقاليم الإسلامية الذين كانوا أمثلة للتقوى والنزاهة والعدالة والتحرّج في الدين.

٩

(١١)

وهذا الكتاب جزء من موسوعة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهي على سعتها وكثرة بحوثها وتنوّع مواضيعها ، إنّما تلقي الأضواء على بعض معالم حياته من دون أن تلمّ بجميع شئونها ، فإنّ ذلك أمر بعيد المنال ؛ لأنّ جميع ما خلق الله تعالى من صنوف الفضائل وضروب الكمال والآداب كانت من عناصره ومقوّماته. ومن المؤكّد أنّه ليس في هذا القول مغالاة أو بعد عن الحقّ ، فإنّ من يتصفّح سيرته يؤمن ويذهب إلى ما أقول.

لقد ألّف العلماء من قدامى ومحدثين عشرات الكتب في سيرة هذا الإمام الملهم العظيم ، وهي بالتأكيد والجزم غير ملمّة بحياته ولا ببعض منها ، وإنّما كانت مؤشّرات على حياة ذلك النور واللطف الذي منّ الله به على عباده.

النّجف الأشرف

باقر شريف القرشي

٣ / شوّال / ١٤٢٠ هـ

١٠

بحوث تمهيديّة

١١
١٢

قبل الخوض والدخول في البحث عن شئون ولاة الإمام عليه‌السلام وعمّاله وجباة الضرائب والخراج ، وما زوّدهم به الإمام عليه‌السلام من الأنظمة والنصائح في وثائقه إليهم ، نعرض إلى بعض البحوث التي ترتبط ارتباطا وثيقا وموضوعيا بأجهزة الحكم ومناصب الدولة وشئون الموظّفين والعمّال وغير ذلك ، وفيما يلي هذه البحوث :

أهمّية الولاة :

أمّا الولاة على الأقطار والأقاليم الإسلامية فهم الذين يعيّنهم الخليفة الذي تقلّد امور المسلمين ليحكموا بينهم بالحقّ والعدل ، ويقيموا سنّة الله تعالى وأحكامه في الأرض ، ويعملوا على تطوير العالم الإسلامي في إنماء ثرواته ، وعمارة أرضه ، وإقصاء الفقر والحاجة عن كلّ مواطن يقيم في بلاد المسلمين ، وهذا عرض لبعض مسئوليات الولاة وأهمّيتهم :

١ ـ خطر الامارة :

الامارة على الأقطار والأقاليم من المناصب الحسّاسة في جهاز الحكم الإسلامي ، فإن ادّيت على الوجه الصحيح نجا صاحبها من عذاب الله وعقابه ، وإن لم تؤد على واقعها المشروع تعرّض من تقلّدها للنقمة والعذاب ، وقد أدلى بذلك

الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال :

« سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أيّما وال ولي الأمر من بعدي اقيم على

١٣

حدّ الصّراط ، ونشرت الملائكة صحيفته ، فإن كان عادلا أنجاه الله بعدله ، وإن كان جائرا انتفض به الصّراط حتّى تتزايل مفاصله ، ثمّ يهوي إلى النّار ، فيكون أوّل ما يتّقيها أنفه وحرّ وجهه (١) » (٢).

أرأيتم خطر الامارة ومدى المسئولية العظمى لمن تولاّها ، فإن عدل في امارته وأقام الحقّ كان بمنجى من عذاب الله تعالى ، ومن جار في حكمه وابتعد عن الطريق القويم كان في عذاب الله ونقمته ...

وفي حديث آخر للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لأصحابه :

« وإن شئتم أنبأتكم عن الإمارة وما هي؟ ».

فانبرى إليه عوف بن مالك قائلا :

ما هي يا رسول الله؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« أوّلها ـ أي الامارة ـ ملامة ، وثانيها ندامة ، وثالثها عذاب يوم القيامة ، إلاّ من عدل ، وكيف يعدل مع قريبه » (٣).

إنّ الامارة عذاب وندامة وخسران لمن حاد عن الطريق واقترف الظلم والاعتداء على الناس ،و قال صلى‌الله‌عليه‌وآله محذّرا لأصحابه من الامارة قائلا :

« ستحرصون على الإمارة ثمّ تكون حسرة وندامة يوم القيامة ، فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة » (٤).

__________________

(١) حرّ الوجه : ما بدا من الوجنة.

(٢) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٧ : ٣٦ ـ ٣٧.

(٣) نظام الحكم والإدارة في الإسلام : ٣٦٠.

(٤) عيون الاخبار ـ ابن قتيبة ١ : ١.

١٤

وقد حرص الكثيرون من الصحابة وتهالكوا على الامارة والسلطان فكانت النتائج المؤسفة أنّ العالم الإسلامي غرق بالفتن والكوارث.

وحدّث عوف بن مالك أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

« إنّي أخاف على أمّتي من أعمال ثلاث ... ».

فسارع بعض أصحابه قائلا : ما هي يا رسول الله؟

« زلّة عالم ، وحكم جائر ، وهوى متّبع ... ».

إنّ أي واحدة من هذه الامور الثلاثة توجب سخط الله وإطفاء نور العدل وشيوع الجور في الأرض ...

وكان الأخيار والصلحاء من الصحابة يتحرّجون من قبول الامارة لأنّها من موجبات الاغراء والتعالي على الناس ،يقول المقداد : استعملني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على عمل فلمّا رجعت قال لي :

« كيف وجدت الإمارة؟ ».

يا رسول الله ، ما ظننت إلاّ أنّ الناس خول لي ، والله! لا ألي على عمل ما دمت حيّا ... (١).

إنّ الحكم يوجب الاعتزاز بالنفس ويغري الإنسان بالعظمة والكبرياء ، ولا يفلت من ربقته إلاّ المتحرّج في دينه فإنّه لا ضير عليه في تقلّد الامارة ، فقد

روى عطاء بن يسار قال : إنّ رجلا كان عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : بئس الشيء الامارة.

فأجابه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) حلية الأولياء ١ : ١٧٤.

١٥

« نعم الشّيء الإمارة لمن أخذها بحقّها وحلّها » (١).

انتخاب الامراء وتعيينهم :

أمّا انتخاب الولاة وتعيينهم في مناصب الدولة ، فإنّه من مختصّات زعيم الدولة ، فهو الذي يختار وينتخب لهذا المنصب من تتوفّر فيه النزعات الكريمة والصفات الفاضلة من العلم والورع والتقوى وأصالة الرأي وعمق التفكير والدراية التامّة بشئون الحكم والإدارة ...

وهذه بعض الصفات التي ينبغي أن تتوفّر فيه :

١ ـ الصدق في القول.

٢ ـ الوفاء بالعهد والوعد.

٣ ـ أداء الأمانة إلى أهلها.

٤ ـ التجنّب عن الخيانة.

٥ ـ لين الكلام وحسن الخلق مع الرعية.

٦ ـ العطف والرفق بالأيتام وتعهّد شئونهم.

٧ ـ التفقّه في أحكام الإسلام.

٨ ـ الحلم وكظم الغيظ.

٩ ـ خفض الجناح للرعية (٢).

هذه بعض الصفات التي يعتبر مثولها في الولاة ، ويجب على ولي أمر المسلمين الفحص بدقّة وإمعان عن المتصدّي لهذا المنصب لئلا يتولّى امور

__________________

(١) عيون الأخبار ١ : ١.

(٢) نظام الحكم والإدارة في الإسلام : ٣٦١ ـ ٣٦٢.

١٦

المسلمين من لا حريجة له في الدين.

٢ ـ عقاب الإمام الجائر :

قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« إنّ شرّ النّاس إمام جائر ضلّ ، وضلّ به ، فأمات سنّة مأخوذة ، وأحيى بدعة متروكة ، وإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يؤتى بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى في جهنّم فيدور كما تدور الرّحى ، ثمّ يرتبط في قعرها » (١).

٣ ـ التباعد عن السلطان الجائر :

أوصى الإمام عليه‌السلام بالتباعد عن السلطان الجائر فقال : « تباعد عن السّلطان الجائر ، ولا تأمن خدع الشّيطان ، فتقول : أنكرت ، نزعت ، فإنّه هكذا هلك من كان قبلك ، فإن أبت نفسك إلاّ حبّ الدّنيا وقرب السّلاطين وخالفتك عمّا فيه رشدك فاملك عليك لسانك فإنّه لا بقيّة للموت عند الغضب ، ولا تسل عن أخبارهم ، ولا تنطق بأسرارهم ، ولا تدخل فيما بينهم » (٢).

امارة السفهاء :

وحذّر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من امارة السفهاء الذين لا رصيد لهم من الوعي والتقوى ،و قد روى كعب بن عجرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال له :

__________________

(١) ربيع الأبرار ٤ : ٢٢٤.

(٢) المصدر المتقدّم : ٢٢٧.

١٧

« أعاذك الله يا كعب! من إمارة السّفهاء ».

وبادر كعب قائلا :

ما إمارة السفهاء يا رسول الله؟

« امراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ، ولا يستنّون بسنّتي ، فمن صدّقهم بكذبهم ، وأعانهم على ظلمهم ، فاولئك ليسوا منّي ولست منهم ، ولا يردون عليّ حوضي ، ومن لم يصدّقهم بكذبهم ، ولم يعنهم على ظلمهم ، فاولئك منّي وأنا منهم ، وسيردون عليّ حوضي ... » (١).

إنّ إمارة السفهاء ظلم وجور واعتداء على الناس ؛ لأنّهم لا يهتدون بهدي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يستنّون بسنّته.

عشّاق السلطة :

وحذّر الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله من توظيف العاشقين للسلطة والمتهالكين على المنصب ، فقد

روي أنّ رجلا قال : يا رسول الله ، استعملني؟ فردّه النبيّ وقال :

« إنّا لا نستعمل على عملنا من أراده ... » (٢).

وعلّق أبو الوليد على هذه الرواية بقوله : السرّ في ذلك أنّ الولايات أمانات ، وتصريف في أرواح الخلائق وأموالهم ، والتسرّع إلى الأمانة دليل على الخيانة ، وأنّه لا يخطبها إلاّ من يريد أكلها ... وإذا اؤتمن خائن على موضع الأمانات كان كمن استرعى الذئب على الغنم ، ومن هذه الخصلة تفسد قلوب الرعايا على ملوكها ؛ لأنّه إذا اهتضمت حقوقهم واكلت أموالهم فسدت نيّاتهم ، وأطلقوا ألسنتهم بالدعاء

__________________

(١) سنن البيهقي ٤ : ١١٥. الأموال ـ أبو عبيد : ٥٧.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٧٨٩.

١٨

والتشكّي ، وذكروا سائر الملوك بالعدل والإحسان فكانوا كالبيت السائر.

وراعي الشاة يحمي الذئب عنها

فكيف إذا الذئاب لها رعاء

وإذا خان أهل الأمانات وفسدت قلوب أهل الولايات كان الأمر كما قال الأوّلون :

الملح يصلح ما نخشى تغيّره

فكيف بالملح إن حلّت به الغير (١)

إنّ الإسلام احتاط أشدّ ما يكون الاحتياط في مناصب الدولة ، فلم يسمح لوليّ أمر المسلمين أن يمنح الولاية لمن طلبها وتهالك عليها ، وقد دفع الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام طلحة والزبير عن الولاية حينما أصرّا عليها ؛ لأنّهما لم يكونا مدفوعين برعاية الصالح العامّ ، وإنّما رغبا في الولاية ليتّخذا منها وسيلة للثراء العريض والتحكّم في رقاب المسلمين.

واجبات الولاة :

وعلى الولاة في الأقاليم الإسلامية أن يقيموا العدل ويحكموا بين الناس بالحقّ ، ويتعاهدوا مصالح المسلمين وقضاياهم ، ومن أوّليات مسئولياتهم ما يلي :

١ ـ إشاعة تعليم أحكام الإسلام المستمدّة من الكتاب والسنّة.

٢ ـ تربية المجتمع بالأخلاق الفاضلة والآداب العالية.

٣ ـ الرفق بالرعية والعفو عن المسيء من غير ترك للحقّ العام.

٤ ـ القضاء على معالم الجاهلية الرعناء.

٥ ـ الاهتمام بالشعائر الإسلامية ومن أهمّها الصلاة.

__________________

(١) حقيقة الإسلام واصول الحكم : ٧٠.

١٩

٦ ـ نشر الوعظ والإرشاد لوقاية المجتمع من الانحراف.

٧ ـ نشر العلوم النافعة التي بها تتطوّر الحياة كالطبّ والهندسة وغيرهما (١).

وقد قال عليه‌السلام :

« يجب على الوالي أن يتعهّد اموره ويتعهّد أعوانه حتّى لا يخفى عليه إحسان محسن ، ولا إساءة مسيء ، ثمّ لا يترك واحدا منهما بغير جزاء ، فإن ترك ذلك تهاون المحسن ، واجترأ المسيء ، وفسد الأمر ، وضاع العمل » (٢).

هذه بعض البنود التي يلزم الولاة بتنفيذها على مسرح الحياة العامّة.

تعاليم وأحكام :

ووضع الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام مناهج وآدابا خاصّة للولاة ، وأمرهم بالتحلّي بها ليكونوا هداة للناس وأمثلة للحكّام الصالحين وذلك في عهده لمالك الأشتر ، ونشير إلى بعضها :

١ ـ على الولاة أن يشعروا في قلوبهم الرأفة والرحمة للرعية من دون فرق بين المسلمين وغيرهم ، يقول عليه‌السلام لمالك :

وأشعر قلبك الرّحمة للرّعيّة ، والمحبّة لهم ، واللّطف بهم ، ولا تكوننّ عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم ، فإنّهم صنفان :

إمّا أخ لك في الدّين ، أو نظير لك في الخلق.

وحكت هذه الكلمات المسئوليات التي ينبغي للولاة مراعاتها وهي :

__________________

(١) نظام الحكم والإدارة في الإسلام : ٣٦٤.

(٢) صبح الأعشى ٢ : ٣٢٥.

٢٠