مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٢

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة أهل البيت (ع)
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٦

السنة الأنبياء الحافظين للشريعة والعالمين بها فالبقاء لا بد أن يكون بالإمامة ، لانقطاع النبوة في خاتم الأنبياء (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

ومما ذكرنا يظهر أنّ هذا الجعل تكويني تشريعي فتكوينه يكون دخيلا في تشريعه ، وأنّ تشريعه له دخل في تكوينه. وأنّ الإمام يجب أن يكون معصوما كالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وإلّا استلزم الخلف ، ويدل عليه ظاهر الآية المباركة : (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فما ذكره العلماء في منصبي الإمامة والنبوة من أنهما منصبان مجعولان من الله تعالى ، وأنه ليس في البشر من يفوقهما في علم التشريع ، وأنهما مرتبطان بعالم الغيب كل ذلك صحيح ومطابق للقواعد العقلية ، كما عرفت ويأتي التفصيل في محله.

(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦))

شرع تبارك وتعالى في تعداد نعمه التي منها جعل البيت مثابة وأمنا وعهده إلى نبيه إبراهيم (عليه‌السلام) وابنه إسماعيل أن يطهرا بيته للطائفين والعاكفين والركع السجود. وفي الآية المباركة توبيخ لليهود الذين ينسبون أنفسهم إلى إبراهيم (عليه‌السلام) وتحريض لهم بأنه لا بد أن يكونوا أول المؤمنين به ، وفيها توطئة لتشريع القبلة.

التفسير

قوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ). تقدم في الآية السابقة متعلق «إذ».

ومادة (بيت) تأتي بمعنى البيتوتة ليلا ، وسمي البيت بيتا لأنه يبيت فيه الإنسان ثم اتسعت وأطلقت على الأعم منه ومن كل مجمع وسمي بيت الشعر بيتا ، لأنه مجمع الحروف والكلمات ، كما سمي البيت العتيق بيتا لأنه مجمع

٢١

الأملاك والإنسان ، وقد غلب استعمال الكلمة على المسجد الحرام بحيث إذا أطلقت يفهم منها ذلك ، كما في إطلاق المدينة على مدينة الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

وقيل : إنّ المراد من البيت في المقام الكعبة المشرفة ، ولا بأس به إما من باب إطلاق الكل على الجزء ، أو من باب أن الكعبة توجب فضيلة البيت الحرام.

ولإبراهيم (عليه‌السلام) مع بيت الله حالات ومقامات ، ولله تعالى معهما ألطاف وعنايات ولا بد أن يكونا كذلك لأن كلا منهما من مظاهر رحمته.

قوله تعالى : (مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً). الثوب بمعنى الرجوع أي مرجع الأنام يقصدونه للعبادة وتطهير نفوسهم عن الذنوب والآثام ، وفي الحديث : «من وقف بهذه الجبال غفر الله له من بر النّاس وفاجرهم. قيل : من برهم وفاجرهم؟ قال (عليه‌السلام) : من برهم وفاجرهم».

ويمكن أن يكون المراد من اللفظ مطلق المرجعية أعم من الثواب ومن الرجوع في المعارف وتكميل النفوس ، فإن البيت الحرام كان مبدأ ظهور دعوة خاتم النبيين (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ومهبط الوحي والتنزيل فصار مرجعا للحلال ، والحرام ، كما صار قبلة للأنام ، فيكون قبلة لأهل المعنى واليقين ، كما هو قبلة للمصلين.

وفي اختيار لفظ المثابة إشارة إلى أنه مضافا إلى كونه مقصدا يقصده المؤمنون في عبادتهم أنهم يشتاقون إلى الرجوع اليه متكررا وهذا من أسرار هذا البيت وآية من آياته تعالى فيه.

ومن لطيف المقارنة أنه جلّ شأنه قارن بين جعل الإمامة لإبراهيم خليل الرحمن (عليه‌السلام) وجعل البيت مثابة للناس. فهما قرينان في الجعل الأزلي والتشريعي.

٢٢

كما أنّ من آيات هذا البيت أن جعله الله تعالى أمنا يأمن ما حل فيه من النبات والحيوان والإنسان فلا يقطع حشيشه ولا يصاد صيده ولا يخاف آمنه ، وبهذا كان معروفا حتّى في الجاهلية مع شدة معاداتهم وحبهم للانتقام وسفك الدماء ، قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ) [سورة العنكبوت ، الآية : ٦٧]. وفي الحديث : «كل شيء ينبت في الحرم فهو حرام على النّاس أجمعين» ، وقد ورد في الظبي إذا دخل الحرم «لا يؤخذ ولا يمس». كما ورد في من جنى ودخل الحرم أنه لا يقتل بل يضيق عليه في المأكل والمشرب ، والبحث فقهي.

وسيأتي تفصيل معنى الأمن عن قريب إن شاء الله تعالى.

ولعل في ذكر هاتين الفضيلتين للبيت ـ الأمن والمثابة ـ إشارة إلى صلاحية كونه قبلة النّاس وأولويته من غيره.

قوله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى). عطف على الجملة السابقة. وأما قراءة «اتخذوا» ـ بالفتح ـ فلبيان أن مقام إبراهيم (عليه‌السلام) كان مصلّى حتّى قبل الإسلام ، وقراءته بالكسر لا تفيد ذلك.

ففيها : إنّ الخطاب صادر بالنسبة إلى جعل المقام مصلّى من أول ما جعل المقام سواء كان في الجاهلية أو في الإسلام كما في قوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) ، وقوله تعالى : (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٢٥]. فإنّ جميع ذلك في مقام بيان صفات وخصوصيات هذا البيت العظيم.

والأخذ يتضمن هنا معنى الجعل ، كما في قوله تعالى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) [سورة المائدة ، الآية : ١١٦] ، وقوله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) [سورة المائدة ، الآية : ٥١].

٢٣

وفي التعبير بالاتخاذ عناية خاصة ودلالة ظاهرة في المبالغة في اختيار الصّلاة في المقام إما لأجل كثرة أهمية الصّلاة فيه ، أو لأجل توفر الأسرار المعنوية والفيوضات الإلهية فيه ، أو لأجل إرشادهم إلى أن ضيق المقام ظاهرا لا يمنعهم عن اتخاذه مصلّى ، وسيأتي في البحث الفقهي تفصيل ذلك.

ومقام : اسم مكان من القيام ، والمراد به مقام إبراهيم (عليه‌السلام) الحجر المعروف الذي عليه أثر قدميه (عليه‌السلام) ؛ وفيه قال أبو طالب :

وموطئ إبراهيم في الصخر وطأة

على قدميه حافيا غير ناعل

وقال أبو جعفر (عليه‌السلام) : «نزلت ثلاثة أحجار من الجنّة : مقام إبراهيم ، وحجر بني إسرائيل ، والحجر الأسود كان أشد بياضا من القراطيس فاسود من خطايا بني آدم».

وكان مقام إبراهيم حجرا يقوم عليه لبناء الكعبة المقدسة وكان يرتفع بارتفاع البناء وينزل بعد ذلك ، لأنه كان من الجنّة ، وكل ما في الجنّة له نحو حياة ، وسيأتي في الموضع المناسب الكلام فيه.

وهذا المقام هو الحجر الذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدمي إبراهيم (عليه‌السلام) وغسلتهما عليه حين مجيئه من السفر لزيارة أهله في واد غير ذي زرع.

وهذا هو المقام الذي قام عليه إبراهيم فأذن في النّاس بالحج. وكان ملاصقا بالبيت ثم أبعد إلى مكانه المعروف الآن ، وسيأتي تتمة الكلام في البحث التاريخي.

والمراد بالاتخاذ مصلّى الابتعاد عن المطاف لتوسعته للطائفين ، ويأتي في البحث الفقهي تفصيل ذلك.

والمراد من المصلّى جعل المقام محلّا للصلاة على ما تدل عليه الروايات واستقرت عليه سيرة المسلمين ، فيكون المراد من اتخاذ الصّلاة في المقام هو الصّلاة في محل قيامه (عليه‌السلام) أو خلفه في مسجد الحرام لا نفس الصّخرة التي فيها أثر قدميه (عليه‌السلام) فإنه لا يمكن أن يتخذ

٢٤

مصلّى.

وما قيل : من أن المراد من المقام هو الحرم أو المشاعر العظام فإنها حصلت من تشريعاته الخاصة ، وأن المراد من الصّلاة الدعاء. فهو وإن كان صحيحا ثبوتا ، ولكنه خلاف ظاهر الآية المباركة.

ولعل من أحد الأسرار في ذلك الترغيب في إتيان الصّلاة في مقام إبراهيم (عليه‌السلام) تخليدا لاسم باني البيت والمشاعر العظام جريا على عادة النّاس في تخليد أسماء عظمائهم في المباني التاريخية ، كما ضبطه التاريخ وخليل الله تعالى أحق منهم ، فهو وسام خاص جعله الله تعالى له.

قوله تعالى : (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ). العهد يأتي بمعنى التثبت المشدد مع عناية خاصة وهي ظهور احترام المعهود اليه بالوفاء بما عهد اليه ، وظهور كون الموضوع مما يعتنى به كثيرا ، وتقدم بعض ما يتعلق به في آية ـ ٤٠ من هذه السورة أيضا. وفي معاهدة الله تعالى مع إبراهيم وإسماعيل باعتنائهما بالبيت كما حكاه تعالى.

وفي إضافة البيت إلى نفسه المقدسة ثم التفضل بقبول العبادة الواقعة فيه إيماء إلى كثرة عنايته تعالى بالبيت وبالعبادة الواقعة فيه.

والتطهير هو التنزيه عن كل ما ينافي حرمة البيت. ومن حذف المتعلق يستفاد التعميم فيشمل جميع أنحاء الرجس والخبائث المعنوية ـ كالشرك ، والكفر ، والإلحاد ـ أو الحسية الظاهرية ـ كالنجاسات ، والقذارات وغيرهما ـ أو الحكمية ـ كالجنابة والحيض ، وحدوث النفاس ـ.

كما أنّ المراد من التطهير الأعم من المباشرة والتسبيب ، ويشهد لذلك توجيه مثل هذا الخطاب إلى إبراهيم (عليه‌السلام) فقط في آية أخرى قال تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [سورة الحج ، الآية : ٢٦] ، ولا فرق في الواقع ، لأن الله تعالى هو الجاعل الحقيقي للبيت ، وإبراهيم (عليه‌السلام) خادمه ، وإسماعيل (عليه‌السلام) من القوة العاملة للخادم فالجميع يرجع اليه

٢٥

عزوجل.

قوله تعالى : (لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ). والمراد بالطائفين القاصدين للبيت الحرام لأجل الطواف حوله ، والعكوف هو الإقبال عليه وملازمته على سبيل التعظيم ، والعاكفين الذين حبسوا أنفسهم للعبادة في بيت من بيوته جل شأنه.

والرّكّع السجود جمع الراكع والساجد ، وكل فعل مصدره على فعول جاز في جمعه ذلك. وهما كناية عن الصّلاة ، لأنهما أبرز أفعالها.

قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً). مادة (ب ل د) تأتي بمعنى القطعة المحدودة المعينة. من الأرض سواء كانت عامرة أو لم تكن ، قال تعالى : (فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ) [سورة الفاطر ، الآية : ٩] ، وغالب ما يستعمل في العرف إنما هو في الأولى. واستعملت في الحرم الأقدس الربوبي بأنحاء الاستعمالات ، قال تعالى : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) [سورة البقرة ، الآية : ١٢٦] ؛ وقال تعالى : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) [سورة ابراهيم ، الآية : ٣٥].

والفرق في التنكير والتعريف أن الأول إنما صدر منه (عليه‌السلام) حين كان المحل واديا غير ذي زرع ، فدعا (عليه‌السلام) بأصل حدوث البلد في الجملة. والثاني إنما صدر منه بعد صيرورة المحل معرضا للبلدية.

كما أن قوله تعالى : (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) [سورة ، التين ، الآية : ٣] ، وقوله تعالى : (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها) [سورة النمل ، الآية : ٩١] إنما نزل بعد استقرار البلدية وتوجه النّاس إليها من كل جانب فاختلاف التعبيرات إنما يكون باختلاف الحالات والخصوصيات.

ومادة (أمن) تأتي بمعنى الطمأنينة ، وزوال الخوف ، وسكون النفس ، وقد استعملت جملة من مشتقاتها بالنسبة إلى الحرم الأقدس الإلهي ، قال تعالى : (أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) [سورة العنكبوت ، الآية : ٦٧] ؛

٢٦

وقال تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) [سورة البقرة ، الآية : ١٢٥] ، وقال تعالى : (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) [سورة التين ، الآية : ٣].

والمراد منها ما ورد عن نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في قوله يوم فتح مكة : «إن الله حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام إلى أن تقوم الساعة لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، ولا تحل لي إلّا ساعة من النهار» وأمثال ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تدل على أصل الحرمة والاحترام التي كانت قبل الخلق ، ودعاء إبراهيم (عليه‌السلام) إنما كان تأكيدا لما سبق وترغيبا للنّاس ، لا أن تكون دعوة مستأنفة.

والأمن المستعمل في القرآن إما أخروي ، أو دنيوي ، أو هما معا. والأول كقوله تعالى : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) [سورة الحجر ، الآية : ٤٦] وقوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ) [سورة الدخان ، الآية : ١٥]. وللثاني موارد كثيرة منها الآيات المباركة الواردة في المقام.

والمراد بالأمن إما للإرشاد إلى أن المحل محل لا ينبغي أن يقع الظلم فيه مطلقا ، فيكون تنبيها للعقل والعقلاء إلى عظمة المحل ، كما ورد في تعظيم القرآن ، والوالدين ، والمؤمن ، فتترتب على المخالفة المفسدة لا محالة.

أو أنه أمر تكليفي فعلي لجعل المحل أمنا مما حذر ارتكابه في غيره وكل منهما صحيح ولا منافاة بينهما. كما أنّه يصح أن يكون الأمن فيه من القسم الأخير ، أي أمن الدنيا والآخرة.

وفي الآية المباركة امتنان عظيم على أهل الحرم ورواده ، من جعل البلد آمنا في نفسه ومأمنا لأهله وغيرهم.

قوله تعالى : (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ). مادة (رزق) تستعمل في العطية الجارية ، مطلقا ، مادية كانت أو معنوية ، كالعلوم والمعارف.

ومن أسمائه تعالى رازق ، ورزّاق ، وخير الرازقين ، لعلمه جل شأنه

٢٧

وحكمته البالغة بجميع خصوصيات الرزق والمرزوق ، فربّ منع منه عزوجل يكون رزقا بالنسبة إلى الطرف كما ورد في جملة من الأحاديث : «هو الجواد إن أعطى ، وهو الجواد إن منع» ، ولعلنا نتعرض للتفصيل عند قوله تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [سورة البقرة ، الآية : ٢١٦].

وللمتكلمين كلام طويل في أن الرزق يشمل الحرام أم لا؟

والظاهر سقوط أصله لأنّ الرزق من الأمور الإضافية ، فإذا أضيف إلى الله تعالى فلا معنى لحرمته ، وإذا أضيف إلى العبد فهو تابع لاختياره ، فتارة يختار الحلال ، وأخرى يختار الحرام ، وسيأتي التفصيل في محله إن شاء الله تعالى.

وأهل البلد سكانه الأعم من المتولدين فيه أو المجاورين ، وهو أعم من الآل ؛ لاختصاص الثاني بالإضافة إلى الأشراف مع لحاظ خصوصية خاصة ، بخلاف الأول فيضاف إلى الأشراف وغيرهم ؛ والزمان ، والمكان وغيرهما ، وفي الحديث قيل لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : «إن النّاس يقولون المسلمون كلهم آل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله). فقال (عليه‌السلام) : كذبوا وصدقوا فقيل له : ما معنى ذلك؟ فقال : كذبوا في إن الآل كلهم آله وصدقوا في أنهم إذا قاموا بشرائط شريعته يكونوا آله» ، وتقدم في آية ٤٩ من هذه السورة الجامع بينهما.

والثمرات جمع ثمرة ، وهي اسم يستعمل فيما يطعم مما يخرج من الأشجار ، وقد وردت في القرآن الكريم بهيئات مختلفة ، قال تعالى : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) [سورة الأنعام ، الآية : ١٤١] ، وقال تعالى : (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) [سورة إبراهيم ، الآية : ٣٢] ، وقال تعالى : (وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) [سورة محمد ، الآية : ١٥] ، ثم اتسع استعمالها في مطلق النفع ، فقالوا : ثمرة العلم العمل الصالح ، وثمرة العمل الصالح الجنّة ، كما اتسع الاستعمال فاستعملت في مطلق النتيجة ، ولو كانت علمية.

٢٨

وارتزاق أهل هذا البلد من الثمرات من أسرار البيت العظيم ، وهو ظاهر معروف ، وقد ورد بيانه في آية أخرى ، فقال تعالى : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا) [سورة القصص ، الآية : ٥٧]. ويصح في المقام إرادة الأعم فلأهل الظاهر ثمرات الأشجار ولأهل المعنى المعنويات كل بحسب استعداده.

إن قيل : دعاء إبراهيم (عليه‌السلام) لا يختص بأم القرى ، لأن جميع البلاد التي تزدحم فيها الرواد والقوافل من أنحاء العالم تكون كذلك ـ خصوصا في هذه الأعصار ـ وكذا قوله تعالى : (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) [سورة القصص ، الآية : ٥٧] ، وكذا قوله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً) [سورة البقرة ، الآية : ١٢٦] فإنه من سبر الطبيعة مطلقا.

يقال : استجابة دعاء إبراهيم (عليه‌السلام) في مكة وأهله من بدء وروده إلى الحرم ؛ وذلك لا ينافي صيرورة محال أخرى موارد رزق الله تعالى لمصالح لا يعلمها إلّا الله عزوجل ، مع أن دعاءه (عليه‌السلام) كان دائميا بدوام الدنيا وعمرها بخلاف غيرها ، فإنه في معرض الزوال والتبدل ، وسيأتي التفصيل في الآيات المباركة إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى : (مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). ذكر تعالى اسم الجلالة ولم يأت بضمير الخطاب ، مع أن المقام مقام المخاطبة تعظيما وتجليلا وقد عمّم إبراهيم (عليه‌السلام) دعاءه لرزق أهل هذا البلد لبيان أن الرزق العام الربوبي لا يختص بالمؤمنين وإنما خصهم تعظيما لشأن المؤمنين ، فكأنهم المقصودون المستقلون لرزق الثمرات فجمع (عليه‌السلام) بين غاية رزق الثمرات وما يدور عليه النظام في ارتزاق الجميع. وتقدم معنى الإيمان في أول هذه السورة ، وإنما خصه بالمبدأ والمعاد ، لأن الإيمان باليوم الآخر مستلزم للإيمان بالأنبياء (عليهم‌السلام).

قوله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ). بعد ما استجاب الله تعالى ـ بعظيم لطفه وواسع رحمته ـ دعاء إبراهيم (عليه‌السلام) وخص الأرزاق المعنوية بالمؤمنين وعمم رزق الدنيا

٢٩

للمؤمن والكافر أدرج سبحانه وتعالى كلامه بين كلمات ابراهيم (عليه‌السلام) عناية به وتلطفا منه وإيماء إلى أن كلام الخليل من كلام الرب الجليل مع أن طول الآية المباركة أحسن موقع ذكر كلامه تعالى.

والمعنى : إن من كفر وأصر على كفره يتمتع من الدنيا أمدا قليلا ثم يساق إلى عذاب النّار وبئس المرجع والمأوى ، وان متاع الدنيا وإن بلغ ما بلغ فإنه زائل وقليل في مقابل عذاب الآخرة وقد وقعت هذه الجملة في القرآن الكريم في موردين كلاهما مقرونان بالتشديد والتهويل أحدهما في المقام ، والثاني قوله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) [سورة لقمان ، الآية : ٢٤] وهذا الاضطرار إنما حصل باختيارهم العقائد الفاسدة والأعمال السيئة.

ويستفاد من هذا التعبير أن لأعمال البشر نتائج وآثارا تترب عليها قهرا ترتب المسببات على أسبابها فتكون الأعمال كسبية والآثار ضرورية. ولكن لا ينافي كونها اختيارية باختيار أسبابها نظير ما لو ألقى الإنسان نفسه في مهلكة فإن آثارها تلزمه لا محالة ، أو كما قال الطبيب للمريض إن أكلت الغذاء المعين تبتلى بمرض كذا والعلاج بكذا فأكل واضطر إلى علاجه ، فيصح أن يقال إن العلاج حصل باختياره.

وإنما نسب الاضطرار إلى نفسه تعالى لأنه مبدأ الكل واليه مرجعهم ، لا سيما في عالم الآخرة التي هي عالم ظهور الملكات والأعمال بالعيان بعد ما كانت في الدنيا بالدليل والبرهان.

بحوث المقام

بحث دلالي :

يستفاد من الآيات المباركة المتقدمة أمور :

الأول : إنّ العهد في الآية الشريفة وإن كان بمعنى الإيجاب والإلزام التكليفي لكن يمكن أن يستفاد منه الجهة الوضعية أيضا ، وهي من خصائص

٣٠

الإمامة والولاية وبعبارة أخرى : إن جهة تولية البيت لا تكون إلّا لأهل البيت الذين بهم تمّ بناؤه فهم أحق بسدانته من غيرهم.

الثاني : يستفاد من سياق التعبير في قوله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) أنّ هذه الصّلاة غير صلاة الفريضة وهي من متممات تشريع الحج فتنحصر في صلاة الطواف وإلّا لكان الأنسب أن يقول جل شأنه «وصلّوا في مقام إبراهيم» مثلا.

الثالث : إنما وصف تعالى المتاع بالقليل لأن متاع الدنيا وإن بلغ ما بلغ في الكم والكيف يكون قليلا بالنسبة إلى الآخرة ولا يكون ذلك كرامة بالنسبة إلى الكافر. إذ أيّ كرامة في متاع قليل يكون بعده الخلود في النّار؟!

بحث روائي :

في الكافي عن الصادق (عليه‌السلام) في قوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) قال (عليه‌السلام) : «من دخل الحرم من النّاس مستجيرا به فهو آمن من سخط الله عزوجل ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتّى يخرج من الحرم».

أقول : في سياق ذلك نصوص كثيرة شرحها الفقهاء في أحكام الحرم.

في التهذيب عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «ليس لأحد أن يصلي ركعتي طواف الفريضة إلّا خلف المقام ، لقول الله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) إن صليتهما في غيره فعليك إعادة الصّلاة».

أقول : النصوص في ذلك مستفيضة بل متواترة تعرضنا لها في أحكام صلاة الطواف ، وألفاظ النصوص مختلفة ففي بعضها «خلف المقام». وفي الآخر «عند المقام» وفي ثالث «إئت المقام» وفي رابع «في المقام» ومرجع الكل واحد. والمراد به هو المحل المخصوص وقد تعرضنا لتفصيله في أحكام الطواف من الحج من (مهذب الأحكام).

العياشي عن أبي الصباح الكناني قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي أن يصلي الركعتين عند مقام إبراهيم في الطواف في

٣١

الحج والعمرة. فقال (عليه‌السلام) : إن كان بالبلد صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم ، فإن الله تعالى يقول : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) وإن كان ارتحل وسار فلا آمره أن يرجع.

أقول : تعرضنا لذلك في أحكام صلاة الطواف في الفقه.

في تفسير القمي عن الصادق (عليه‌السلام) في قوله تعالى : (طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) قال : «يعني نحياه عن المشركين وقال (عليه‌السلام) لما بنى إبراهيم البيت وحج النّاس شكت الكعبة إلى الله تعالى ما تلقى من أيدي المشركين وأنفاسهم فأوحى الله تعالى إليها قري كعبة ، فإني أبعث في آخر الزمان قوما يتنظفون بقضبان الشجر ويتخللون».

أقول : هذا محمول على بعض مراتب التطهير ، والمراد من الآية عام يشمل الجميع أي الطهارة الظاهرية والمعنوية عن دنس الشرك والكفر.

في الكافي عن الصادق (عليه‌السلام) في قوله تعالى : (طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) قال : «ينبغي للعبد أن لا يدخل مكة إلّا وهو طاهر قد غسل عرقه ، والأذى وتطهر».

أقول : تقدم وجهه.

الطبرسي عن الصادق (عليه‌السلام) في قوله تعالى : (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ) قال (عليه‌السلام) : «هي ثمرات القلوب أي حببهم إلى النّاس ليثوبوا إليهم».

أقول : هذا من باب التطبيق على أفضل الأفراد لا التخصيص.

بحث تاريخي :

المقام آية من آيات هذا البيت العظيم ، وقد عرفت أنّه والركن وحجر بني إسرائيل من أحجار الجنّة ، وروي عن ابن عباس أنّه قال : «ليس في الأرض من الجنّة إلّا الركن الأسود والمقام فإنهما جوهرتان من جوهر الجنّة ولو لا ما مسهما من أهل الشرك ذو عاهة إلّا شفاه الله تعالى». وإن إبراهيم (عليه‌السلام) قام عليه فأثّرت فيه قدماه. كما ورد في الأثر الصحيح عن

٣٢

الصادق (عليه‌السلام). وإنه صخرة وضعتها زوجة إسماعيل تحت رجلي إبراهيم لما غسلت رأسه فأثرت فيها قدماه ، كما روي عن الصادق (عليه‌السلام) وابن عباس.

وكيف كان فهو حجر معروف بأنه مقام إبراهيم (عليه‌السلام) من قبل البعثة كما هو الشأن بالنسبة إلى بقية المشاعر العظام. وقد روي عن نوفل بن معاوية الديلي قال : «رأيت المقام في عهد عبد المطلب وهو مثل المهاة». والمهاة الخرزة البيضاء ، وعن أبي سعيد الخدري قال : «كانت الحجارة على ما هي عليه اليوم ـ الحديث ـ» فلا ريب في أن الحجر المعروف الآن هو نفس مقام إبراهيم المذكور في القرآن الكريم الذي أمرنا باتخاذه مصلّى فقداسة المقام وكونه من المشاعر العظام غير قابلة للتشكيك كسائر المشاعر المباركة. وحد المقام ذراع واحد مساحته أربع عشرة إصبعا في أربع عشرة ، والقدمان داخلتان في الحجر سبع أصابع ودخولهما منحرفتان وبين القدمين في الحجر إصبعان. وكان البعد بينه وبين الركن تسعة وعشرين قدما وتسع أصابع ومن الركن الشامي إلى المقام ثمان وعشرين ذراعا وتسع عشرة أصبعا.

نعم وقع الكلام في موضعه فقد روي عن الباقر (عليه‌السلام) «كان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عند جدار البيت فلم يزل هناك حتّى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم فلما فتح النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مكة رده إلى الموضع الذي وضعه إبراهيم (عليه‌السلام) إلى أن ولي عمر بن الخطاب فسأل النّاس من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام؟ فقال بعض أنا قد كنت أخذت مقداره بنسع (سير) فهو عندي فأتاه به فقاسه ثم رده إلى ذلك المكان». وروى الأزرقي : «أمر عمر بن الخطاب عبد الله ابن السايب العابدي ـ وعمر نازل بمكة في دار ابن سباع ـ بتحويل المقام إلى موضعه الذي هو فيه اليوم قال فحوله ثم صلّى المغرب وكان عمر قد اشتكى رأسه ، قال : فلما صليت ركعة جاء عمر فصلّى ورائي فلما قضى صلاته قال عمر : أحسنت فكنت أول من صلّى خلف المقام حين حول إلى

٣٣

موضعه». فإن المستفاد منه أن موضعه كان غير موضعه الآن. وفي رواية محمد بن مسلم وخبر إبراهيم بن أبي محمود عن الرضا (عليه‌السلام) ما يدل على أن محل المقام على عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) غير محله في أيام الأئمة (عليهم‌السلام) وعصرهم.

وبإزاء ذلك ما رواه الأزرقي وغيره عن المطلب بن أبي وداعة ان سيل أم نهشل في أيام عمر احتمل المقام من محله فسأل عمر عن محله فزعم المطّلب أن عنده مقياس محله فوضع في محله الآن. وهذه الرواية لا تقاوم تلك الروايات الكثيرة الدالة على أنه كان ملاصقا للكعبة من جهات.

بحث فقهي :

قد وردت أخبار كثيرة ربما تبلغ اثني عشر خبرا في أن صلاة الطواف لا بد أن تكون خلف المقام بحسب موضعه الآن وتحمل الروايات المطلقة أو المشتملة على لفظ «عند المقام» أو «إرجع إلى المقام» أو «ائت المقام» على الجهة ومقدار السعة ، ولعل وجوب تقديم المقام بحسب موضعه الثاني لأجل احترامه عن استدباره حفظا للوحدة والنظام ، وتعرضنا للبحث في أحكام صلاة الطواف من كتاب الحج مفصلا ومن شاء فليراجع كتابنا (مهذب الأحكام).

(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩))

يذكّر سبحانه وتعالى النّاس في هذه الآيات المباركة بأن الذي بنى هذا البيت الشريف ـ الذي يعود لهم بالنفع العظيم ـ هو إبراهيم وإسماعيل (عليهما‌السلام) أبوا هذه الأمة وأن الرسول الذي ظهر فيهم إنما هو من دعائه وأن ملته هي ملة أبيهم إبراهيم فلا عذر لهم في الكفر والإعراض عن ملة أبيهم مع ما هم عليه من التفاخر بالآباء ويستفاد من الآيات عظمة البناء والباني.

٣٤

التفسير

قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ). مادة (رفع) تستعمل فيما يشتمل على العلو نقيض الخفض ، وتختلف باختلاف المتعلق اختلافا كثيرا ، كما تختلف موارد استعمالاتها بين الجواهر والأعراض والصفات والشؤون والاعتباريات قال تعالى : (وَالسَّماءَ رَفَعَها) [سورة الرحمن ، الآية : ٥٧] ، وقال تعالى : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) [سورة الإنشراح ، الآية : ٤] ، وقال جلّ شأنه : (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [سورة فاطر ، الآية : ١٠] وقال تعالى : (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) [سورة غافر ، الآية : ١٥] إلى غير ذلك من الآيات المباركة.

والقواعد جمع القاعدة وهي تأتي بمعنى الثبوت والاستقرار في مقابل الحركة ، وسمي أساس البيت والبناء قاعدة لثباته واستقراره قال تعالى : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) [سورة النحل ، الآية : ٢٦] وسميت القاعدة العلمية قاعدة لثباتها وتفرع مسائل عليها. ورفع القواعد هو البناء عليها.

ويحتمل أن يراد بالبيت والقواعد والرفع المذكور في الآية المباركة المعنى الأعم من رفع البيت الجسماني وقواعده ورفع بيت النبوة والتشريعات السماوية فإن أساسها من إبراهيم (عليه‌السلام).

وفي الآية المباركة تلميح إلى أن رفع البيت وبناءه كان من إبراهيم (عليه‌السلام) لنسبة الرفع إليه وحده وأنّ إسماعيل كان يساعده ويعمل له.

قوله تعالى : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) تقدم معنى الرب في قوله تعالى : (رَبِّ الْعالَمِينَ) [سورة الحمد ، الآية : ٢] وقد ذكرنا هناك أنّ في هذا الاسم المبارك مزية لا توجد في غيره من الأسماء المقدسة ، ولذا لا يكون دعاء في القرآن ـ خصوصا دعوات هذا النبي العظيم ـ إلّا وهو مبدوّ بهذا الاسم : والقبول من المفاهيم المبينة عند العرف ، وله مراتب وهو (عليه‌السلام) يطلب جميعها حتّى جنّة اللقاء التي هي أرفع المقامات المعنوية.

والسمع إذا استعمل في الإنسان فهو إدراك خاص بقوة خاصة في مقابل

٣٥

البصر وسائر التقوى الظاهرة. وإذا استعمل في الله تعالى كان معناه انه لا يخفى عليه المسموعات ، ويرجع إلى علمه الأزلي بجميع ما سواه. وقد وردت مادة السمع في القرآن الكريم بهيئات مختلفة ، كما ورد السميع العليم بالنسبة إليه عزوجل كثيرا جدا قال تعالى : (وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [سورة المائدة ، الآية : ٧٦]. وتستعمل فيه عزوجل أيضا بمعنى الجزاء وترتب الأثر مثل «سمع الله لمن حمده».

وفي ذكر العليم إشارة إلى أنه تعالى يعلم بتحقق شرائط استجابة الدعاء التي من أهمها الخلوص والإخلاص والانقطاع اليه عزوجل. وقد استجاب الله تعالى دعواته (عليه‌السلام). ويستفاد من الآية المباركة أن محل البيت كان موجودا قبل بناء إبراهيم (عليه‌السلام) وهو رفع قواعده وشيّد بنيانه وتدل عليه الروايات الآتية في البحث الروائي.

كما أن في دعائه (عليه‌السلام) بالقبول إشارة إلى أن الإنسان مهما سعى وبذل أقصى وسعه في تحصيل العمل لا بد له أن يتضرع اليه سبحانه ويبتهل إليه بالقبول وأن يعترف بالقصور. وفي حذف المتعلق تحقير للعمل والنفس في مقابل العظيم المتعال جل شأنه وهذا من أدب خليل الرحمن مع الله عزوجل في دعواته. وفي لفظ «تقبل» إشارة إلى كثرة توجهه (عليه‌السلام) الى جنّة اللقاء ومقام الرضاء كما طلبه في دعائه الآخر قال : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ) [سورة ابراهيم ، الآية : ٣٩] فإن مقامه (عليه‌السلام) أرفع من أن يطلب قبولا يوجب الحور والقصور فقط.

قوله تعالى : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ). مادة (سلم) تشتمل على معنى السلامة ، ولها مراتب كثيرة جدا بين العيوب الظاهرية والمعنوية ـ الدنيوية والأخروية ـ والقلبية ، ولهذه المادة استعمالات كثيرة في القرآن الكريم.

والإسلام هو الدخول في السلم ـ بكسر السين ـ وقد اختص بالإذعان ، بإلهيته تعالى ورسالة خاتم النبيين (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وشريعته وقرآنه المساوق للإيمان.

وللإسلام درجات أعلاها ما كان عليه إبراهيم (عليه‌السلام) وأدناها ما

٣٦

عليه عامة المسلمين يحفظون بها دماءهم وأموالهم مع ما عليه بعضهم من الفسق والشقاء. وقد جمع جملة من مراتبها نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الحديث المعروف «المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه» فالإسلام الحقيقي مظهر [بضم الميم] الله في الأرض والمسلم الواقعي مظهره (بالفتح) بين عباده.

ومعنى الآية المباركة ربنا واجعلنا مخلصين لك في الإعتقاد والعمل وثبتنا على الإسلام بتوفيقك وهدايتك. وسؤال الإسلام لنفسه وخواص ذريته إنما هو للثبات على مثل هذه المرتبة في الإسلام.

قوله تعالى : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ). الذرية اسم جمع يطلق على نسل الإنسان وعلى غيره قال تعالى في الشيطان : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي) [سورة الكهف ، الآية : ٥٠] والأمة الجماعة والطائفة ، سواء أكانت من ذوي العقول أم من غيرهم مما يجمعهم شيء واحد قال تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) [سورة الأنعام ، الآية : ٣٨] وهي من الأمور الإضافية القابلة للقلة والكثرة ، وقد يكون كل نوع أمة بل قد يكون كل صنف كذلك وقد يطلق اللفظ على الواحد باعتبار كونه مجمع الخيرات ومنشأ البركات قال تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ) [سورة النحل ، الآية : ١٢٠] وتقدم في قوله تعالى : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) [الآية : ١٣٤] الوجه في أنه (عليه‌السلام) لم يسأل الإسلام لجميع الذرية.

ويستفاد من الآية المباركة أنّ إسلام هذه الأمة إنما هو من بركات دعائه (عليه‌السلام) وفي غالب دعواته انه يسأل لنفسه ولامته وذريته.

قوله تعالى : (وَأَرِنا مَناسِكَنا). النسك العبادة والناسك العابد والمنسك هو الموضع المعد للعبادة ، قال تعالى : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ) [سورة الحج ، الآية : ٦٧] ولكن اختص اللفظ في العرف الخاص بأفعال الحج قال تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٠٠] ويستعمل في خصوص الهدي أيضا قال تعالى : (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) [سورة البقرة ، الآية ، ١٩٦] والنسك هو الهدي وقال تعالى : (قُلْ

٣٧

إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [سورة الأنعام ، الآية : ١٦٢] وعن نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في ما رواه الفريقان بطرق متواترة : «خذوا عني مناسككم».

والمراد بالرؤية هنا الرؤية الحقيقية أي المعرفة والإراءة لا مجرد الرؤية البصرية والتعليم القولي ، وتدل على ذلك روايات كثيرة دالة على أن جبرائيل كان معه (عليه‌السلام) في جميع أعماله وأطواره كما كان مع نبيّنا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في حجة الوداع.

قوله تعالى : (وَتُبْ عَلَيْنا). التوبة تأتي بمعنى الرجوع ، أي الرجوع إلى الله تعالى عن مخالفته ، أو عن مجرد الالتفات إلى غيره ولو كان مباحا وتوبة الأنبياء (عليهم‌السلام) من الأخير فيكون قبولها من الله تعالى بالنسبة إليهم بمعنى ارتقاء الدرجة لا إسقاط العقاب ، وتسمى هذه توبة أخص الخواص في اصطلاح علم الأخلاق. مع أنّ لنفس استعمال التوبة نحو موضوعية خاصة فإنها لتذليل العبد واستصغار الأعمال بالنسبة إليه تعالى ، مع أنه يمكن أن تكون توبة الأنبياء عن ما يصدر من تابعيهم من المعاصي ، فإن من كان إمام قوم وسيدهم له أن يتوب إلى الله تعالى من ذنوب تابعيه.

والمعنى : وفقنا للإنابة والرجوع إليك عما يشغلنا عنك.

قوله تعالى : (إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). التواب هو كثير التوبة أو لأجل أنه جل شأنه يوفق العبد للتوبة ثم يقبلها منه ثم يضاعف درجاته بها يعني : إنك وحدك توفق العباد للتوبة وتقبلها منهم والرحيم بهم ، وتقدم معنى الرحيم في بسملة سورة الفاتحة.

قوله تعالى : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ). مادة (ب ع ث) تأتي بمعنى إثارة الشيء وتوجيهه وتختلف باختلاف المتعلق فتارة : تكون أمرا عرضيا خارجيا ، يقال بعثته في أمر قال تعالى : (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ) [سورة المائدة ، الآية : ٣١] وهذا عام يشمل الخالق والخلق وبعث الله الأنبياء والرسل إلى النّاس من هذا القبيل ، قال تعالى : (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) [سورة البقرة ، الآية : ٢١٣] ومثل هذا الاستعمال في

٣٨

القرآن كثير. وأخرى : يكون بمعنى الإخراج ـ والإثارة ـ من العدم إلى الوجود وهذا يختص بالله جل شأنه قال تعالى : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً) [سورة الأنعام ، الآية : ٦٥]. وثالثة : يكون بالإحياء بعد الموت وهو يختص به جلت عظمته أيضا قال تعالى : (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ) [سورة الأنعام ، الآية : ٣٦] ومن أسمائه المقدسة «يا باعث» وقد يفيض هذا المقام إلى بعض أوليائه كعيسى (عليه‌السلام). والمراد بهذا الرسول هو محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لما يستفاد من ضمير «فيهم» فإن الدعاء وقع في مكة وهو منحصر فيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإبراهيم (عليه‌السلام) رسول الله إلى ذرية هذا النبي العظيم وبه ابتدأت الدعوة إلى الحق واختتمت في نسله المبارك إلى يوم القيامة ، وقد ورد عن نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «أنا دعوة أبي إبراهيم». وإنما دعا أن يكون الرسول منهم لا من غيرهم ليكونوا أعزّ به ولأنّه أقرب لإجابة دعوته».

قوله تعالى : (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ). أي يقرأ عليهم ، وفي لفظ التلاوة خصوصية ليست في مطلق القراءة فإنها القراءة التي يتبعها الفهم والتدبر ، والمراد بالآيات القرآن الكريم.

قوله تعالى : (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ). الكتاب هو القرآن. ومادة (ح ك م) تدل على الثبات والإتقان والاستحكام ما لم تكن افتعاليا ادعائيا وللحكمة مصاديق مختلفة وكل ما قيل فيها إنما هو دون شأنها وقد جعلها سبحانه وتعالى مدار كمال عباده وترقياتهم المعنوية وسيأتي شرح معنى الحكمة في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.

والمراد بها في المقام هو أسرار الشريعة وأحكام الدين.

قوله تعالى : (وَيُزَكِّيهِمْ). مادة (ز ك ي) تأتي بمعنى النمو ويختلف ذلك باختلاف الموارد فقد يكون في المال ؛ أو في النفس يعني : نموها في المعنويات والكمالات والأخلاق الفاضلة والعلوم والمعارف الحقة. وتأتي بمعنى الطهارة لكونها من موجبات النمو والبركة. وتنسب تارة إلى العبد قال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) [سورة الأعلى ، الآية : ١٤] ، وأخرى : إلى الله

٣٩

تعالى لأنه المؤثر والفاعل الحقيقي قال تعالى : (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) [سورة النساء ، الآية : ٤٩] وثالثة : إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كما في الآية المباركة ورابعة : إلى العبادة لكونها بمنزلة الآلة ـ كما في نفس الزكاة ـ قال تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) [سورة التوبة ، الآية : ١٠٣].

وتزكية الإنسان نفسه على قسمين :

أحدهما : أن تكون بالعمل والإنصاف بالأوصاف المحمودة ، ولا ريب في حسنها عقلا وشرعا وإليها تشير الكتب السماوية والقرآن العظيم.

وثانيهما : أن تكون بالقول المجرد وهو مذموم عقلا وشرعا قال تعالى : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) [سورة النجم ، الآية : ٣٢] والمعروف في الفلسفة العملية أنّ الذي لا يحسن ـ وإن كان حقا ـ هو مدح الإنسان نفسه.

والمراد بها في المقام هو المعنى العام وهو تنمية عقولهم وأبدانهم وأموالهم وجميع شؤونهم ببركات تعاليمه القيمة وتطهيرهم من الأدناس ورذائل الأخلاق.

والمعنى : وأرسل إليهم رسولا يعلمهم القرآن وأحكام الدين ويطهر نفوسهم من أنواع المعاصي وذمائم الأخلاق ويزيّنها بالأعمال الحسنة والأخلاق الفاضلة والآية على إجمالها تشتمل على الفلسفة العملية والعلمية والاجتماعية.

قوله تعالى : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). ختم للدعاء بالثناء عليه تبارك وتعالى وهذا من أدب الدعاء ، وقد ذكر من أسمائه المقدسة ما يناسب سؤاله ، فوصفه بالعزيز الذي لا مرد لأمره والحكيم فيما يفعل ولا معقب لحكمه.

والعزيز من أسمائه المقدسة وهو المنيع الذي لا يقهر ولا يغالب وفي الحديث : «المؤمن أعزّ من الجبل» أي أصلب منه. وقد ورد في القرآن كثيرا وغالب ما ورد فيه مضافا إلى اسم آخر من أسمائه المباركة. والعزيز المطلق

٤٠