مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٢

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة أهل البيت (ع)
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٦

والمعنى : إنّ أهل الكتاب بعد التفاتهم إلى كتبهم المنزلة عليهم من التوراة والإنجيل ليعلمون أن كون الكعبة قبلة هو الحق من ربهم أو ليعلمون أنها قبلة إبراهيم (عليه‌السلام) المتفق بينهم أن ملته هي الحنيفية التي أمروا باتباعها.

وما ذكره جمع من المفسرين من إرجاع الضمير في قوله جلّ شأنه : (أَنَّهُ الْحَقُ) إلى دين الإسلام صحيح أيضا ، لأنه من باب بيان الكبرى ، وما ذكرناه بيان لإحدى الصغريات.

قوله تعالى : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ). الغفلة : تستعمل في عدم التحفظ على الشيء والاهتمام به ، ومثل هذا المعنى محال بالنسبة إلى العالم الحكيم المدبر على نحو الحكمة التامة البالغة ، لأن الحضور الفعلي الإحاطي من جميع الجهات مع الغفلة عنه خلف عقلا.

ويتصف بها الإنسان وتكون من أرذل صفاته التي تجعله في عرض الحيوان ، قال تعالى : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٧٩]. ويتصف الزمان والمكان بها ، كما ورد في الأسواق ، وسيأتي عند قوله تعالى : (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) [سورة القصص ، الآية : ١٥] بعض أزمنة الغفلة.

والمعنى : أنه لا يعقل الغفلة عن كليات الأمور وجزئياتها بالنسبة إليه تعالى. وفي الآية المباركة تهديد بالنسبة إلى مرتكب السيئات ، ويصح أن يراد بعدم الغفلة عدم الغفلة العملية ، أي : يجزي على الحسنات بالجنّة كما يجزي على السيئات بالنّار.

قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ). الآية هي الحجة والبرهان الواضح وهي إنما تنفع لرفع الجهل البسيط ، وأما الجهل المركب فهو داء لا يقبل العلاج لا سيما إذا كان قرين العناد واللجاج خصوصا إذا كان المورد مما يصح نسبته الى الدين السماوي. وحينئذ يتضح الوجه في هذه الآية الشريفة ، ومضمونها دليل عقلي وجداني لا يختص بعصر التنزيل ، ولا بطائفة خاصة.

١٠١

والمعنى : ولئن جئتهم بكل برهان وحجة على صدقك ما تبعوا قبلتك ، ولم يعترفوا بملتك ، فقد تمكن منهم الجهل وغلب عليهم العناد واللجاج بارتكابهم السيئات ، فلم يوفقهم الله تعالى للإيمان بك.

قوله تعالى : (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ). بعد ما أيأس سبحانه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من اتباعهم لقبلته أراد سبحانه وتعالى إياسهم من اتباعه قبلتهم بعد ما اتضح الحق ، وأن قبلته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أولى بالاتباع خصوصا بعد ما أمر بالتوجه إلى شطر المسجد الحرام ، ولا وجه لمتابعة قبلة أوجب الله تعالى الانحراف عنها وأكد فيه التأكيد البليغ.

ويمكن أن يريد منه بيان بطلان أصل المتابعة ، لأنه بعد وضوح بطلان شيء كيف يعقل على العاقل الحكيم متابعته ، فيكون مفاد هذه الآية كالآية السابقة.

قوله تعالى : (وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ). أي أن أهل الكتاب على خلاف وعناد في أمور دينهم فلا اليهود تتبع قبلة النصارى ولا هؤلاء تتبع قبلة اليهود ، فإن كلّا منهما يرى قبلة صاحبه باطلة ، فكيف يتوجه إلى الباطل ويستقبله ، وقد أعمى الجهل بصيرته فلا يتبع ما هو صالح واقعا.

قوله تعالى : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ). قضية عقلية برهانها معها ، أي : إنه إذا ثبت أنك على حق ـ كما هو الواقع ـ وكل من خالف الحق بعد ثبوته هو ظالم ، فانك لو خالفته لكنت من الظالمين. وقد ثبت في محله. أن صدق القضية الشرطية بصدق النسبة بين الطرفين لا بتحقق موضوعها في الخارج.

والخطاب موجه إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تعظيما وتشريفا لأنه المشرع المسؤول عن الأمة في يوم المعاد ، وقطعا لأطماعهم بأنه لا يتبع أهواءهم ، وإلّا فحقيقة مثل هذه الخطابات العقلية تكون لجميع العقلاء في القرآن الكريم بلا اختصاص لها بأحد ، ولا بزمان دون آخر ، وإلى ما ذكرنا يشير ما ورد في الحديث : «أنّ القرآن نزل على طريقة إياك اعني واسمعي يا جارة». وفي الآية توعيد وتوبيخ لهم وتبكيت لهم بأنهم أصحاب أهواء

١٠٢

باطلة ، وأنهم ليسوا على العلم وأن ادعوه.

ثم إنّه لا بد من الاعتبار من مثل هذه الآيات فإن الخطاب بهذا النحو يكون لأشرف خلقه وأعلاهم مقاما عند الله تعالى وإنما أفرده بالخطاب مع ان المراد به غيره من أمته ، إعلاما بأن أمته لا بد لهم من متابعته وأن لا يؤثروا على الحق شيئا ، ولا يتبعوا أهواءهم ويطلبوا مرضات غير الله تعالى. وإيذانا بأن مثل هذا الذنب ـ وهو متابعة الهوى ـ من الذنوب التي لا تغفر ولو كان صادرا من أعلى فرد وأقربهم إلى الله عزوجل. وفي الحديث عن الصادق (عليه‌السلام) «يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد» ، والأخبار في ذلك متواترة ، والسيرة دالة عليه أيضا ، ويأتي التفصيل إن شاء الله تعالى بعد ذلك.

بحوث المقام

بحث دلالي :

يستفاد من مجموع هذه الآيات الشريفة أمور :

الأول : أنّ التعبير بالسفهاء في مطلع الآيات يشعر بأن أصل الاعتراض إنما نشأ عن السفاهة والجهل ، زعما منهم أن الحكم النوعي إذا حصل من الله عزوجل لا بد وأن لا يتغير ولا يزول ، وأن نسخه يستلزم الجهل ، وهذا هو الاعتراض الذي يبتني عليه إنكار النسخ عند اليهود ، وقد أوضحنا المقال فيه في ما تقدم من مباحث هذا الكتاب ، فراجع آية ١٠٦ من سورة البقرة.

الثاني : في قوله تعالى : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) إشارة إلى أنّ تحويل القبلة كان من ناحية الشمال الغربي إلى نقطة الجنوب.

الثالث : أنّ الوسطية صفة ممدوحة حسنة ، ولذا اختارها الله سبحانه وتعالى في القرآن دون غيرها من الصفات الحسنة ، ولا يتصف بها كل الأمة بالعيان والوجدان فإن جمعا منهم في طرف العصيان ، فلم تتحقق الوسطية بالدليل والبرهان.

الرابع : إنّ ذكر الوسط في الآية المباركة (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً

١٠٣

وَسَطاً) بنفسه قرينة على تخصيص الأمة بالبعض دون الجميع ، لأنه بأي معنى لوحظ ظاهر في التخصيص.

الخامس : لا بد في أداء الشهادة النوعية في الآخرة من أن يكون تحملها في الدنيا ، ولا يتحقق ذلك إلّا بعرض أعمال الناس ، والتمييز بين جيدها ورديئها على الشاهد من قبل الله تعالى. وإلّا فلا يتحقق التحمل فلا يترتب عليه الأداء. ومن يعرض عليه أعمال النّاس عدة خاصة ، للنصوص الكثيرة الدالة عليه ، وفي بعض النصوص : «هم اللب والأمة بمنزلة القشرة».

السادس : يظهر من هذه الآية (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) بضميمة قوله تعالى : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) [سورة الكهف ، الآية : ٥١] نحو ملازمة بين الإشهاد على مبدأ الخلق والإشهاد في المعاد ، فإن من كان له الاستعداد لأن يشهد المبدأ ، شهودا علميا إفاضيا من الله تعالى له الاستعداد أن يشهد على أعمال الخلائق في المعاد.

السابع : أنّ في قوله تعالى : (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) إيماء إلى أن القبلة الحقيقية هي الكعبة المقدسة والقبلة الأولى كانت من التكاليف الامتحانية أمر بالتوجه إليها لمصالح خاصة على ما تقدم ، كما يستفاد من ظاهر الآية المباركة أنها نزلت قبل تحوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلى الكعبة ، وأنها بمنزلة الوعد ، ولذا قرنها بالأمر ، وقال جل شأنه : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).

الثامن : أنّ في تخصيص النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالخطاب في قوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ثم تعميمه لجميع المسلمين في قوله تعالى : (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) نوع تشريف لمقام النبوة ، ولزيادة الاهتمام بالموضوع والتأكيد عليه ، بغية الإلفة والاجتماع ونبذ الفرقة والاختلاف.

التاسع : ربما استدل بعضهم بمثل هذه الآيات على حرمة التأمل في علل الأحكام والسؤال عنها ، لأنها تعبديات محضة ، والعقل قاصر عن الوصول

١٠٤

إليها ، ولا بد من الانقياد في جميع الأحكام.

وهذا الاستدلال على إطلاقه باطل لا وجه له ؛ والآيات المباركة أجنبية عن ذلك ، وما ذكره مخالف للآيات الكثيرة الآمرة بالتفكر والتعقل في ما يتعلق بالمبدأ ، والمعاد ، وتكميل النفس ، وفهم الأحكام ودركها من أهم وجوه تكميل النفس ، ولقد ذم سبحانه وتعالى قوما بقوله جل شأنه : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٧٩] ، وقد وردت في السنّة المقدسة نصوص كثيرة تبين المصالح والمفاسد والحكم الكثيرة للأحكام الشرعية وقد جمعها المحدثون من الفريقين في كتب مستقلة ممتعة ونافعة من شاء فليراجعها. فالسؤال عن الأحكام وعللها وحكمها صحيح ولا بأس به ، بل حيث عليه الشارع. نعم مثل هذا السؤال يكون على أقسام :

فتارة يكون السؤال لأجل التعليم والإعتقاد والعمل به. وأخرى : يكون لأجل العلم الإجمالي بأن الأحكام الإلهية تنشأ عن الحكم والمصالح بنحو الإجمال ، وهذان القسمان لا بأس بهما. وثالثة : يكون السؤال لأجل التشكيك به في الأحكام وتطبيق المصالح والحكم على ما يوافق الأهواء مما اكتشف في هذه الأعصار ، وهذا القسم باطل ، إذ أن المكتشفات تتغير بمرور الزمن ، واتساع رقعة العلم وتطبيق الحكم عليها يوجب التغيير في الأحكام والجرأة على ردها ، وهذا مما لا يرتضيه أحد ، والآيات الشريفة على فرض تمامية دلالتها تدل على هذا القسم.

العاشر : أنّ إضافة القبلة الى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في قوله تعالى : (ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) إضافة تشريفية وإلّا فالكعبة قبلة إبراهيم (عليه‌السلام) وقبلة جميع المسلمين : وفيه إيماء إلى أنه كان معهودا عندهم ، وفي بعض الأحاديث : «انه كان في بشارة الأنبياء لهم ـ أنه يكون بين صفاته كذا وكذا ـ وأنه يصلي إلى القبلتين».

الحادي عشر : إنما ذكر الوجه في قوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، وقوله تعالى : (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) ، لأن الوجه أشرف أعضاء الإنسان وأجلها ، ولذا يطلق ويراد به الإنسان نفسه من باب

١٠٥

استعمال البعض في الكل ، لأهمية ذلك البعض أولا ، وتقوّم أكل به ثانيا ، والإضافة إلى الذات وسقوط سائر الإضافات ثالثا. وعليه فالاختلاف بين العلماء في معنى الوجه ليس اختلافا حقيقيا ، وإنما هو لأجل الكشف عن الذات ، فقول الفقهاء في الوجه في المقام بأن المراد به هو مقاديم البدن إنما ذكر بنحو الكشف عن الذات والنفس الذي هو قول الفلاسفة ، كما أن قول اللغوي فيه بأنه الجارحة الخاصة أي تلك الجارحة الحاكية عن الذات أيضا ، وليس المراد به الموضوعية الخاصة وإلّا كان لغوا وباطلا إلّا إذا دلت القرينة على أن المراد به الموضوعية الخاصة ، كما في آية الوضوء ونحوها. وحينئذ يصح أن يقال : بأن المراد بالوجه هو توجيه الأعضاء إلى أوامر الله تعالى الكاشف عن توجيه الذات إليها على نحو يسري الخضوع والخشوع على سائر الأعضاء من الذات الخاضعة ، وليس المراد هو توجيه الأعضاء فقط الذي يجل مقام النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وسائر عباد الله المخلصين عن ذلك ، وآية الوضوء وإن أخذ الوجه فيها على نحو الموضوعية لكن من حيث اعتبار القربة في الغسلات والمسحات المنبسطة على الذات لوحظ بنحو الطريقية أيضا. هذا إذا استعمل اللفظ في الإنسان ، وأما إذا استعمل في الله عزوجل ، فيأتي شرحه في الموضع المناسب إن شاء الله تعالى.

الثاني عشر : يستفاد من قوله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ) في السماء أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في جميع حالاته يطلب رضاء الله تعالى وينتظر أمره ، وأن طلبه ـ بلسان الحال دون المقال ، لكونه أقرب إلى أدب العبودية وابلغ إلى نيل المقصود.

ثم إنّ للتوجه إلى الكعبة المقدسة نحو ابتهاج للكعبة ابتهاجا معنويا لأن التوجه في العبادة إليها ، والطواف حولها كاشف عن غاية عناية الله تعالى بها. وهي نهاية الابتهاج لكل موجود ، ويشهد له ما ورد في توجيه الموتى عند الدفن إلى الكعبة ففي الحديث : «كان البراء بن معرور الأنصاري بالمدينة وكان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بمكة وأنه حضره الموت وكان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والمسلمون يصلون إلى البيت المقدس فأوصى البراء إذا

١٠٦

دفن أن يجعل وجهه تلقاء رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلى القبلة فجرت به السنة».

بحث علمي :

لله تعالى أسماء عبر عنها بالأسماء الحسنى ، قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [سورة الأعراف ، الآية : ١٨٠] ، وقال تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [سورة طه ، الآية : ٨]. وقد وردت في شأنها وإحصائها أخبار كثيرة من الفريقين ، سيأتي التعرض لها في محله إن شاء الله تعالى. وقد وضعوا في شرحها كتبا من العامة والخاصة ، ومن تلك الأسماء المقدسة (الرؤوف) ، كما ورد عن نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، وورد في الآيات المتقدمة : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ). واللفظ من صيغ المبالغة ، ولا مبالغة بالنسبة إليه عزوجل ؛ لأن صفاته الجمالية والجلالية غير متناهية من كل جهة كذاته الأقدس ، فالمبالغة من جهة الإضافة إلى المتعلق.

والرؤوف من صفات الذات لا من صفات الفعل ، وقابل للتشكيك شدة وضعفا باعتبار المتعلق لا باعتبار الذات.

والرأفة بالمعنى اللغوي لا يمكن إطلاقها عليه تعالى ، وهي بمعنى اللطف بعباده والتساهل معهم ، ولا تكاد تستعمل في الكراهة بخلاف الرحمة فإنها قد تكون في الكراهة للمصلحة. ولم تستعمل في القرآن الكريم ـ غالبا ـ إلّا مقرونة مع الرحمة ومقدمة عليها كذلك في أغلب الدعوات المأثورة أيضا وهي أرق منها. فيكون من تقديم الخاص على العام ، لأن الرحمة نحو محبة خاصة تستعمل غالبا في دفع المكروه وإزالة الضرر عن الغير.

والرأفة تستعمل غالبا في إيصال النفع إليه ، فيكون معنى قوله تعالى : (لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي يدفع المكاره والمضرات ويوصل المنافع وهما من مظاهر ربوبيته العظمى وقيموميته المطلقة على جميع ما سواه ..

كما أنّ غالب استعمالاته إنما هو بالنسبة إلى ذوي العقول والعباد

١٠٧

والمؤمنين ، ولم نجد في القرآن العظيم استعماله بالنسبة إلى سائر الخليقة من الحيوان والنبات.

وحقيقة معنى الرأفة مما يدرك ولا يوصف خصوصا إذا أضيفت اليه عزوجل ، كسائر الصفات المضافة إليه تعالى ، وجميع ما ذكره اللغويون والأدباء وتبعهم المفسرون قول من وراء الحجاب لا يصلح لإزالة الشك والارتياب ، فحقيقتها مجهولة وإن كانت أخصيتها من مطلق الرحمة معلومة. والرأفة تستعمل في المخلوق أيضا ، قال تعالى : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) [سورة النور ، الآية : ٢] ، وفي بعض الدعوات المأثورة (يا أرأف من كل رؤوف) ، وتأتي تتمة المقال في سائر أسماء الله الحسنى في المباحث الآتية إن شاء الله تعالى.

ثم إنّ الآيات المباركة المشتملة على الرأفة على أقسام بعضها مطلقات ، كقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) [سورة النحل ، الآية : ٧] ، وقوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [سورة الحشر ، الآية : ١٠]. وبعضها الآخر ذكر فيه النّاس ، قال تعالى : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) [سورة البقرة ، الآية : ١٤٣]. وفي ثالث ذكر فيه العباد ، قال تعالى : (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٠٧] ، وقد ذكر المؤمنين أيضا ، قال جل شأنه : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [سورة التوبة ، الآية : ١٢٨]. وليس ذلك من التقييد في شيء ، فإن ما سواه تعالى مورد رأفته ورحمته حدوثا وبقاء ، وذكر النّاس أو العباد ، أو المؤمنين إما لأجل ذكر الفرد الأهم ، أو لأجل بيان مراتب الرأفة الكثيرة. اما أن المرؤوف بهم أيضا كذلك.

بحث روائي :

القمي عن الصادق (عليه‌السلام) في قول الله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ). قال (عليه‌السلام) : «تحولت القبلة إلى الكعبة بعد ما صلّى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بمكة ثلاث عشرة سنة إلى بيت المقدس وبعد مهاجرته إلى المدينة صلّى إلى بيت المقدس سبعة أشهر ، قال (عليه‌السلام) :

١٠٨

ثم وجهه الله إلى الكعبة ، وذلك أن اليهود كانوا يعيّرون على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقولون له : أنت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا فاغتم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من ذلك غما شديدا وخرج في جوف الليل ينظر إلى آفاق السماء ينتظر من الله في ذلك أمرا ، لما أصبح وحضر وقت صلاة الظهر كان في مسجد بني سالم قد صلّى من الظهر ركعتين فنزل عليه جبرائيل وأخذ بعضديه وحوله إلى الكعبة ، وأنزل عليه (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ). وكان قد صلّى ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة ، فقالت اليهود والسفهاء : (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها).

أقول : قريب منه ما رواه الشيخ في التهذيب إلّا أن فيه : «وتسعة عشر شهرا بالمدينة».

وفي الدر المنثور عن البراء «لما قدم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) المدينة فصلّى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ، أو سبعة عشر شهرا ، وكان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يحب أن يوجه نحو الكعبة ، فأنزل الله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) ـ الآية ـ. وقال السفهاء من النّاس ـ وهم اليهود ـ ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ قال الله تعالى : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ).

ورواه البخاري عن عبد الله بن رجاء. وفي صحيح مسلم نحوه إلّا أن المدة ستة عشر شهرا.

أقول : الروايات في ذلك من طرق الخاصة والعامة متواترة في الجملة ، والمشهور ان تاريخ الواقعة كان في النصف من شهر شعبان الشهر السابع عشر من الهجرة ؛ ويأتي بعض الكلام في المباحث الآتية.

وفي الكافي عن بريد العجلي قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله عزوجل : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ). قال (عليه‌السلام) : نحن الأمة الوسطى ، ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه. قلت : قول الله عزوجل (مِلَّةَ أَبِيكُمْ

١٠٩

إِبْراهِيمَ). قال (عليه‌السلام) : إيانا عنى خاصة (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) في الكتب التي مضت ، وفي هذا القرآن (يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً). فرسول الله الشهيد علينا بما بلغنا عن الله عزوجل ، ونحن الشهداء على النّاس ، فمن صدّق صدقناه يوم القيامة ، ومن كذّب كذبناه يوم القيامة».

وفي الكافي أيضا عن أبي جعفر (عليه‌السلام) في قول الله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ). قال (عليه‌السلام) : «نحن الأمة الوسط ونحن شهداء الله على خلقه».

أقول : الروايات في ذلك متواترة وما ورد في الروايات فانه من باب التطبيق ، وقد تقدم وجهه.

وفي تفسير العياشي عن الصادق (عليه‌السلام) في قوله تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) إلى آخر الآية. قال (عليه‌السلام) : «فإن ظننت أن الله عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحدين ، أفترى أن من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر يطلب الله شهادته يوم القيامة ، ويقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية؟! كلا!! لم يعن الله مثل هذا من خلقه ، يعني الأمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) ، وهم الأمة الوسطى ، وهم خير أمة أخرجت للنّاس».

وفي المناقب عنه (عليه‌السلام) : «إنما أنزل الله : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرسول شهيدا عليكم. قال (عليه‌السلام) : ولا يكون شهداء على النّاس إلّا الأئمة والرسول. فأما الأمة فإنّه غير جائز أن يستشهدها الله وفيهم من لا تجوز شهادته في الدنيا في حزمة بقل».

أقول : ذلك ظاهر لكل من تأمل في الجملة على الفرد ، فكيف بالجماعة فضلا عن النّاس جميعا.

وفي قرب الأسناد عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : «مما اعطى الله أمتي وفضلهم على سائر الأمم الماضية أعطاهم ثلاث خصال لم يعطها إلّا نبي : وكان إذا بعث نبيا جعله شهيدا على

١١٠

قومه ؛ وإنّ الله تبارك وتعالى جعل أمتي شهيدا على الخلق حيث يقول : (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) ـ إلى آخر الحديث ـ».

أقول : لا بد من حمله على ما تقدم من الروايات المفصلة بقرينة ذكر التعليل فيها ، بل المنساق من الرواية هي الأمة المسلمة فقط ، كما مر.

وفي تفسير العياشي عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في حديث يصف فيه يوم القيامة ، قال (عليه‌السلام) : «يجتمعون في موطن يستنطق فيه جميع الخلق ، فلا يتكلم أحد إلّا من أذن له الرحمن وقال صوابا ، فيقام الرسول فيسأل ، فذلك قوله تعالى لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً). وهو الشهيد على الشهداء ، والشهداء هم الرسل».

أقول : وجه شهادته على جميع الرسل انه غاية الكل والغاية مفضلة على ما سواها فهو مقدم عليهم علما ، وإن كان مؤخرا عنهم في الوجود الخارجي ، كما ثبت ذلك في علم الفلسفة.

عن الشيخ في التهذيب عن أبي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) : «سألته عن قول الله عزوجل : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) أمره به؟ قال (عليه‌السلام) : نعم إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يقلب وجهه في السماء فعلم الله ما في نفسه ، فقال تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها)».

أقول : سيأتي في البحث الأدبي ما يتعلق بالرواية.

وفي تفسير العياشي عن الصادق (عليه‌السلام) في قول الله عزوجل : (ما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ). قال (عليه‌السلام) : «قال المسلمون للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «أرأيت صلاتنا التي كنّا نصلي إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) ـ الآية ـ فسمى الصّلاة إيمانا ، فمن اتقى الله عزوجل حافظا لجوارحه

١١١

موفيا كل جارحة من جوارحه بما فرض الله عليه لقى الله مستكملا لإيمانه من أهل الجنّة ، ومن خان في شيء منها ، أو تعدى ما أمر الله فيها لقى الله تعالى ناقص الإيمان». وقريب منه في الكافي.

أقول : الحديث محمول على المرتبة الكاملة من الإيمان.

وفي الدر المنثور : «كان من أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ماتوا على القبلة الأولى جائت عشائرهم ، فقالوا : يا رسول الله مات إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى وقد صرفك الله تعالى إلى قبلة إبراهيم ، فكيف بإخواننا؟ فأنزل الله (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) ـ الآية ـ».

وفي الكافي عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : «إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك ، فإن الله عزوجل قال لنبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الفريضة : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) واخشع ببصرك ، ولا ترفعه إلى السماء ـ الحديث ـ».

أقول : الحديث وارد في آداب الصلاة. ويمكن أن يكون المراد بالفريضة أنها كانت منشأ جعل الآداب في الصّلاة ، لا أن تلك الآداب مختصة بها فقط. وقد ذكر التفصيل في الفقه ، فليراجع كتابنا [مهذب الأحكام].

وعن العياشي عن أبي جعفر (عليه‌السلام) أيضا قال : «استقبل القبلة بوجهك ولا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك ، فإن الله يقول لنبيه في الفريضة : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)».

أقول : تقدم ما يتعلق بالحديث.

وفي أسباب النزول عن البراء قال : «صلينا مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا نحو بيت المقدس ، ثم علم الله عزوجل هوى نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فنزلت : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها)». ورواه البخاري عن

١١٢

أبي نعيم ، ورواه مسلم عن أبي الأحوص.

وفي الفقيه : «أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلّى إلى بيت المقدس ثلاث عشرة سنة بمكة وتسعة عشر شهرا بالمدينة ـ الحديث ـ».

أقول : الروايات في مدة الصّلاة إلى بيت المقدس مختلفة ، والمشهور أنها سبعة عشر شهرا في المدينة وتأتي تتمة الكلام في بحث مستقل.

بحث فقهي :

الوارد في الآيات المباركة إنما هو لفظ (شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ). والشطر ـ في اللغة والعرف ـ جهة الشيء ونحوه ، كما تقدم ، ولم يبين الشارع الأقدس في هذا الأمر النوعي العام البلوى خصوصية خاصة غير لفظ الشطر والتولي والتحول ونحو ، وأمثالها في السنة الشريفة ، والمرجع في معاني هذه الألفاظ هو العرف ، لأنه المحكم في كل ما لم يرد فيه تحديد شرعي ، كما هو المتبع في الفقه. وما ورد من العلامة في القبلة من الجدي ونحوها ـ كما ذكر في الفقه ـ مجملة أيضا ليس لها كلية وليس من عادة الشرع الإيكال إلى مثله في الأمور العامة البلوى ، فهو أيضا من قرائن كون الموضوع عرفيا ، فلا يعتبر إلّا صدق التوجه والتولي شطر القبلة عرفا من دون الابتناء على الدقة العقلية ، ولأجل ذلك ذهب جمع من الفقهاء إلى جواز الاعتماد على ما يصممه خبراء الهيئة الموثوق بهم في تعيين القبلة.

ثم إنّ المعروف بين المسلمين أنّ القبلة هي الكعبة ، وقد دلت عليه الأخبار المتواترة بين الفريقين ، ففي صحيح البخاري عن ابن عمر ، أنّ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «ركع ركعتين في قبل الكعبة ، وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هذه القبلة».

وفي جوامع أخبار العامة في حديث تحويل القبلة أنه كان الى الكعبة.

وأما عن الخاصة فقد وردت أخبار كثيرة تدل على أن الكعبة هي القبلة ، وفي أكثرها أن الكعبة هي القبلة المحول إليها ، ففي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «كان يصلي في المدينة إلى بيت

١١٣

المقدس سبعة عشر شهرا ثم أعيد إلى الكعبة» ، وفي رواية أخرى «أنها قبلة من تخوم الأرض إلى عنان السماء».

وإنّما ذكر المسجد الحرام في الآيات الشريفة لأجل إظهار شأنه وعظمته للنّاس ، مع إطلاق المسجد على الكعبة أيضا ، اطلاق الكل على الجزء ، فيجمع بين ما دل على التوجه الى المسجد والمتواترة الدالة على أن القبلة هي الكعبة أن المسجد الحرام ذكر بعنوان الطريقية الى الكعبة المقدسة.

وفي بعض الأخبار : «أن الكعبة قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة لأهل العالم» ولا معنى لذلك إلّا الطريقية الصرفة ، والمسألة فقهية تعرضنا لها في كتابنا [مهذب الأحكام].

بحث أدبي :

قد وردت «اللام» في خمسة موارد من الآيات الشريفة المتقدمة مما زاد في بلاغتها وجمالها :

(الأول) : لام التعليل في قوله تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ). المعبر عنها في اصطلاح الأدباء بلام «كي».

(الثاني) : لام الابتداء.

(الثالث) : لام تأكيد الإثبات في قوله تعالى : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ).

(الرابع) : لام تأكيد النفي في قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ).

(الخامس) : لام القسم في قوله تعالى : (اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) ، وقوله تعالى : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ).

و «قد» في قوله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ) للتكثير كما في قول الشاعر :

قد أشهد الغارة الشعواء تحملني

جرداء معروفة اللحيين سرحوب

١١٤

و «كان» في قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) منسلخة عن الزمان ، وإنما جيء بها لبيان أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صاحب القبلتين ، وليترتب عليه قوله تعالى : (إِلَّا لِنَعْلَمَ) فلا تنافي بين ظواهر الآيات المباركة ، كما زعمه بعض المفسرين.

وقوله تعالى : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ) مؤكدة بأنحاء التأكيدات المحاورية من لام القسم ، وإن الشرطية الظاهرة في فرض التحقق فضلا عن أصله ، ثم لام التأكيد ، ثم تعريف الظالمين والجملة الاسمية وغير ذلك.

ثم إنّ المعروف بين الأدباء وتبعهم المفسرون : أن أدوات الشرط مثل «إن» و «لو» ونحوهما تدل على عليّة المقدم للتالي ، أي : انتفاء التالي عند انتفاء المقدم ، ورتبوا على ذلك ثبوت المفهوم للجمل الشرطية على ما فصل ذلك في علم الأصول. وهذا من موارد اشتباه العنوان الكلي ببعض المصاديق الخارجية ، فإن أدوات الشرط مطلقا ، وما يرادفها من سائر اللغات لا يستفاد منها إلّا جعل متلوها مورد الفرض والتقدير ، والترتب بأي قسم من أقسامه. وأما خصوص ترتب المعلول على العلة فلا بد في استفادته من التماس دليل آخر عقلا ، أو نقلا فضلا عن العلية التامة المنحصرة.

وفي المقام يدل العقل والنقل على أن متابعة الهوى بعد ظهور الحق ، وثبوته ظلم فيكون أصل الترتب ظاهرا من سياق الجملة ، والعلية التامة المنحصرة ثبتت بالدليل العقلي والنقلي ، بل من ظاهر التأكيد في الآية المباركة بلام القسم ، كما عرفت.

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا

١١٥

تَعْمَلُونَ (١٤٩) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠)).

هذه الآيات مرتبطة مع سابقتها فيما يتعلق بتشريع القبلة وأن أهل الكتاب أيضا يعرفون الحق ، وأن الكعبة هي القبلة ، وقد أقام سبحانه وتعالى الحجة عليهم بأتم حجة وأبلغ بيان ، ثم بيّن تعالى أن كلا منهم متعبد بشريعته وأن القبلة من الأمور المعتادة عندهم وأمرهم بالاستباق إلى الخيرات والتسليم لأمره ثم أمر نبيه وأمته باستقبال الكعبة أينما كانوا والخشية منه ، وأخيرا ذكر سبحانه وتعالى أن تشريع القبلة إنما كان لأجل إقامة الحجة على النّاس ، وبطلان حجة الخلاف والتمييز بين الحق والباطل ، وبذلك أتم نعمته عليهم.

التفسير

قوله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ). هذه الآية بيان لقوله تعالى : (لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ). أي أنّ علمهم بالحق ومعرفتهم به إنّما هو لأجل معرفتهم بالرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وصفاته ؛ كما نطقت بها كتبهم بحيث لا تنطبق على غيره فلا يبقى مجال للشك فيه.

فكما أن القران العظيم يشتمل على ذكر الأنبياء السابقين (عليهم‌السلام) خصوصا أولي عزمهم ، وعلى ذكر الكتب السماوية ولا سيما التوراة والإنجيل ـ كذلك شأن سائر الكتب السماوية فإنها تشتمل على ذكر نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ونعوته وصفاته ، بل الاسم الذي سمي به ، لأن المبدأ والمعاد في الجميع واحد ، وأنهم جميعا يشتركون في الدعوة إلى معبود واحد ، ومتفقون في الغرض من دعوتهم ، فلا بد أن يبشر السابق باللاحق ، وأن يذكر اللاحق حالات السابق ، وأن ينوّه باسمه ويذكّر أمته بما جرى عليه وعلى أمته ، وهذه سنّة الله تعالى في الإنسان ، بل ذلك من مقتضيات المجتمع

١١٦

الإنساني الذي يهتم بحفظ المجتمع ووحدته ، ويعتني بأفراده بحيث يجعل الجميع كنفس واحدة في ما لهم وما عليهم ، فالآية المباركة تبين الحكم الفطري في المجتمعات في أن كل سابق يخبر باللاحق ؛ والأخير يؤيد السابق حتّى تتحقق الوحدة الاجتماعية ويبقى التآلف والترابط بين أفراد المجتمع قائما.

والمستفاد من سياق الآية أن الضمير في قوله تعالى : (يَعْرِفُونَهُ) راجع إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، لأنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مذكور في الكتب السماوية بأوصافه ، ونعوته ، وحالاته ، ويشهد له التشبيه في قوله تعالى : (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ).

ويستفاد من الآية المباركة أمور :

أحدها : إنها تشير إلى أنهم نشأوا على معرفة بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كما ينشأ الأب على معرفة ابنه وإن غاب عن أبيه مدة طويلة ، وهو مقتضى إتمام الحجة عليهم.

ثانيها : إنها تشير إلى وجود المعرفة القلبية التكوينية لو لم يمنعها اللجاج والعناد.

ثالثها : إنها تشير إلى قبح الإنكار بعد وضوح الأمر.

رابعها : إنها تشير إلى أنّ الابن لمّا كان نتيجة سعي الوالدين وجهودهما ، كذلك تكون شريعة خاتم الأنبياء نتيجة خلق العالم ، وجهود الأنبياء والمرسلين ، وسعي الأمم الماضين ، وهو مقتضى السير التكاملي في الإنسان.

خامسها : الإشارة إلى الترغيب إلى لزوم العناية بشأن خاتم الأنبياء (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كما يعتني الآباء بالأبناء نتيجة أعمارهم.

ثم إن عود الضمير إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يلازم معرفة أحكامه إجمالا ، وانها من الله تعالى. ومن ذلك يعرف أنه لا وجه للنزاع في أن الضمير في قوله تعالى : (يَعْرِفُونَهُ) يرجع إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، أو إلى

١١٧

تحويل القبلة ، أو إلى الكتاب لأن مرجع الكل إلى واحد على نحو الإجمال.

قوله تعالى : (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). المراد بالحق هنا هو ما بيّنه الله تعالى في الكتب السماوية من أوصاف النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، ونبوته ، وجملة كثيرة من معارف الإسلام وشريعته التي منها قبلته.

ونسب الكتمان إلى فريق منهم دون الجميع ، لأنهم بين معترف بالحق ومؤمن بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، وبين من شهد بالحق وعانده عن لجاج وعناد ، وبين من جحده عن جهل لا يعلم شيئا من كتبهم ، وقد تقدم في الآيات السابقة بعض الكلام فراجع.

قوله تعالى : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ). الحق : يشمل إرادته تعالى التكوينية والتشريعية ، فهو تعالى حق ، ولا حق إلّا منه.

وقد استعمل (الحق) في القرآن الكريم بوجوه من الاستعمالات.

فتارة : ينسب الحق إلى ذاته الأقدس ، وهو تعالى حق في ذاته وبذاته قال تعالى : (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ) [سورة يونس ، الآية : ٣٢].

وأخرى : ينسبه إلى صفاته العليا ، قال تعالى : (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ) [سورة الكهف ، الآية : ٤٤].

وثالثة : إلى أفعاله المقدسة ، قال تعالى : (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَ) [سورة الأحزاب ، الآية : ٣] ، وقال تعالى : (لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) [سورة الكهف ، الآية : ٢١].

ورابعة : إلى نفس القرآن العظيم ؛ قال تعالى : (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُ) [سورة فاطر ، الآية : ٣١] وقال تعالى : (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) [سورة الشورى ، الآية : ١٧].

وخامسة : إلى نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ودينه ، قال تعالى : (أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ) [سورة الفتح ، الآية : ٢٨] ، وقال

١١٨

تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِ) [سورة فاطر ، الآية : ٢٤].

والحق إذا أطلق لا يمكن الإحاطة بجميع جوانبه ونواحيه ، ولا بد من الخضوع لديه والتسليم له ، وهذا هو معنى الحق المطلق الذي قال عنه بعض فلاسفة الغرب المحدثين : «إذا قيل الله يعني الحق الواقع من كل جهة». وللعلماء والفلاسفة في هذا الموضوع تعبيرات مختلفة نظما ونثرا ، والمتفق بينهم ـ كما صرح به المعلم الأول ـ وهو صريح الكتب السماوية والأحاديث الواردة في السنّة الشريفة : أن الحق لا بد أن يصدر منه تعالى فهو حق بذاته وفي ذاته ، ولا حق إلّا منه عزوجل. وهذا مما لا مرية فيه.

ومادة (م ر ي) تأتي بمعنى التردد. فما ذكره الخليل من أنها في الأصل مسح ضرع الناقة للحلب. فهو من تفسير المفهوم بالمصداق لأن مسح الضرع للحلب يستلزم تردد الماسح لا محالة.

وقد استعملت في القرآن الكريم بهيئات مختلفة ، قال تعالى : (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) [سورة السجدة ، الآية : ٢٣] ، وقال تعالى : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) [سورة الحج ، الآية : ٥٥]. والمراء اللجاج ، وفي الحديث : «أترك المراء وإن كنت محقا».

والحق في الآية الشريفة من استغراق الجنس أي : أن كل حق في الممكنات إنما هو من الله تعالى ويكون تطبيق هذه الكلية على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قهريا ، فتصير النتيجة أنت بجميع شؤونك حق فلا يعقل الامتراء في ما هو من الله تعالى.

والخطاب وإن كان موجها إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلّا أن المراد به غيره ، كما تقدم في قوله تعالى : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ). ونظير هذه الآية كثير في القرآن الكريم ، قال تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [سورة الفتح ، الآية : ٢] ؛ ومثل هذا الخطاب مألوف عند النّاس فإن الملوك إذا

١١٩

نصبوا شخصا لإدارة الرعية فإنهم يجعلونه مورد خطابهم مع الرعية في ما لهم وما عليهم ، وعلى ذلك جرى خطاب القرآن الكريم للرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

ويمكن أن يكون الوجه في المقام هو تسلية النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عما لاقاه في أمر القبلة من أهل الكتاب ، والمنافقين ، فيكون النهي عن صفة باعتبار عدم المنشأ لها أبدا ، ولذلك أيضا نظائر كثيرة في المحاورات. أو أن المراد به تذكير المؤمنين لئلا يقعوا في شرك المخادعين والمنافقين وتضليلهم.

قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ). الوجهة : الجهة. والهاء في آخرها عروض عن الواو ، وهي بمعنى ما يتوجه إليه كالقبلة لما يستقبل إليه.

والسبق : التقدم ، وما يحصله السابق من سبقه ؛ ويستعمل في إحراز كل فضيلة ، ومنه قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) [سورة الواقعة ، الآية : ١٠] ، وقول علي (عليه‌السلام) : «ألا إنّ السبقة الجنّة ، والغاية النار». لأن الاستباق إنما يكون إلى أمر محبوب وغرض مطلوب لا محالة ، ولا محبوب إلّا والجنّة أعلى منه ، والغاية ما ينتهى إليها ولو لم تكن محبوبة أو مطلوبة ، بل ولو كانت مبغوضة.

وقد استعمل الفعل متعديا بنفسه لا أن يكون المفعول منصوبا بنزع الخافض ، كما في قوله تعالى : (وَاسْتَبَقَا الْبابَ) [سورة يوسف ، الآية : ٢٥] ، وقوله تعالى : (فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) [سورة يس ، الآية : ٦٦].

والخيرات جمع خير ، وهو أعم من العمل الصالح ، والبر. ومعناه ـ كلفظه ـ مرغوب كل فرد ، ومطلوب كل إنسان ، فيكون كلفظ الكمال والعقل في محبوبية اللفظ والمعنى عند الجميع ، وقد استعمل في القرآن الكريم في ما يقرب من مأة وثمانين موردا. وفي غالب الاستعمالات يكون اسما ، كقوله تعالى : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) [سورة يونس ، الآية : ١١] ، وقد يستعمل وصفا يتضمن معنى أفعل التفضيل ، قال تعالى : (فَما آتانِيَ

١٢٠