مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة أهل البيت (ع)
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٩

ويستحب الجهر بالبسملة مطلقا كما ورد النص بذلك وقد جعل ذلك من علامات المؤمن كما في الحديث ولعل السر في ذلك هو أن الجهر بها إجهار بالحق وإعلان لحقيقة الواقع.

كما تستحب الاستعاذة بالله من الشيطان عند قراءة القرآن لقوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (*) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (*) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) [سورة النحل ، الآية : ٩٧ ـ ١٠٠] بل يستفاد من بعض الآيات لا سيما سورة الناس استحباب الاستعاذة مطلقا. وهي إما قولية أو فعلية. واجتماعهما في واحد هو من الكمال ، وسيأتي التفصيل.

بحث روائي :

عن نبينا الأعظم فيما رواه الفريقان : «كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فهو أبتر». وعن الصادق عليه‌السلام : «لا تدعها (أي البسملة) ولو كان بعدها شعر».

أقول : يحمل الخبر الأول على الأفضلية جمعا بينهما.

وعن أبي جعفر (عليه‌السلام): «أول كل كتاب نزل من السماء (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)».

وعن الرضا (عليه‌السلام): «إنها أقرب إلى اسم الله الأعظم من ناظر العين الى سوادها».

أقول : يأتي ما يتعلق بالاسم الأعظم ومراتبه. وآثاره ومن هو العالم به.

وعن أبي جعفر (عليه‌السلام): «إذا قرأتها فلا تبال أن لا تستعيذ وإذا قرأتها سترتك ما بين السماء والأرض».

أقول : ويظهر منه إنه عند دوران الأمر بين البسملة والاستعاذة تكون البسملة أولى.

وعن الصادق (عليه‌السلام): «من تركها من شيعتنا امتحنه الله بمكروه

٢١

لينبهه على الشكر والثناء ويمحو عنه وصمة تقصيره عند تركه».

أقول : يظهر منه ومن جملة من الأخبار ان ترك المندوب وفعل المكروه فيه آثار خاصة فضلا عن ترك الواجب وفعل المحرم.

وعن الرضا (عليه‌السلام): «إنها الآية التي قال الله عزوجل : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً)».

وعنه (عليه‌السلام) أيضا في تفسير البسملة : «يعني أسم بسمة من سمات الله تعالى وهي العبادة. قيل له : ما السمة؟ قال (عليه‌السلام) : العلامة».

أقول : العلامات الدالة على الله عزوجل كثيرة فإما جوهر خارجي كالمشاعر العظام ، أو عمل خارجي كالصّلاة ، أو ذكر قلبي كالتفكر في عظمة الله تعالى والتوجه إليه ، أو ذكر لفظي كالبسملة ونحوها.

وفي رواية أنّ كل واحد من أجزاء البسملة إشارة إلى اسم من أسمائه تعالى فعن الصادق (عليه‌السلام): «الباء بهاء الله ، والسين سناء الله ، والميم مجد الله (ملك الله) والله إله كل شيء الرحمن بجميع خلقه الرحيم بالمؤمنين خاصة».

أقول : المراد ببهاء الله جماله وجلاله والسناء بمعنى الرفعة ، وأشار (عليه‌السلام) في هذا التفسير إلى علم الحروف وهو علم شريف إلّا أنّه مكنون عند أهله وسيأتي البحث عنه إن شاء الله تعالى.

وعن نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «إنّ لله عزوجل مائة رحمة أنزل منها واحدة إلى الأرض فقسمها بين خلقه فبها يتعاطفون ويتراحمون ادّخر تسعا وتسعين لنفسه يرحم بها عباده يوم القيامة».

أقول : رواه الفريقان.

وعن علي (عليه‌السلام): «الرحمن العاطف على خلقه بالرزق لا ينقطع عنهم مواد رزقه وإن انقطعوا عن طاعته».

٢٢

أقول : المراد من مواد الرزق أسبابه. وعن الصادق (عليه‌السلام): «الرحمن اسم خاص لصفة عامة ، والرحيم اسم عام لصفة خاصة».

أقول : اسم خاص أي لا يطلق على غيره تعالى ، والصفة العامة لأن رحمته تعالى وسعت كل شيء ، والرحيم اسم عام لإطلاقه على غيره تعالى أيضا والصفة الخاصة يعني مختص بالمؤمنين في الآخرة وتقدم أن هذا الإختصاص إضافي أي أن أفضل أقسام الرحيمية إنما تكون للمؤمنين فقط.

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤))

قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) : الألف واللام للجنس أو الاستغراق ، والمعنى واحد والفرق بالاعتبار فإذا لوحظ الحمد من حيث طبعه وذاته الشامل لجميع ما يدخل تحته من الأفراد يطلق عليه الجنس وإذا لوحظ من حيث الأفراد فهو استغراق ، فالحقيقة واحدة والفرق بالإجمال والتفصيل. وعلى أي تقدير يفيد الانحصار به تعالى ، كما سيأتي.

التفسير

الحمد : هو الثناء على الجميل الاختياري ، والمعنى أنّ كل حمد يصدر من أي حامد اختياريا كان أو غير اختياري (تكويني) فهو لله تعالى لأنّ الكل مخلوق ومربوب له عزوجل فهو الخالق والمدبر لجميع ما سواه فيرجع ما سواه إليه سبحانه ، قال تعالى : (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) [سورة الشورى ، الآية : ٥٣] فكما أنه تعالى مبدأ الكل يستلزم أن يكون حمد الكل له ، وفي الآيات دلالات واضحة عليه ، قال تعالى : (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ) [سورة التغابن ، الآية : ١] وقال تعالى : (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [سورة الروم ، الآية : ١٨] ، وقال تعالى : (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ) [سورة القصص ، الآية : ٧٠].

ثم إنّ هناك عناوين أربعة : الحمد ، والمدح ، والشكر ، والتسبيح. ونسب إلى أهل اللغة وجمع من الأدباء والمفسرين أنّ الأول ـ هو الثناء باللسان

٢٣

على الجميل الاختياري ، والثاني ـ هو الثناء باللسان على الجميل ولو لم يكن. اختياريا ، كما في قولك : مدحت اللؤلؤ على صفائها ، والنجوم اللامعة على جلائها وبهائها ، فيكون الفرق بينهما بالعموم والخصوص. ولم يرد لفظ المدح في القرآن الكريم ، كما أنّه لم يستعمل الحمد فيه إلّا لله تبارك وتعالى. والثالث ما أنبأ عن عظمة المنعم سواء أكان بالقلب أو اللسان أو الأركان ، فالتفكر في عظمته تعالى شكر له وذكره باللسان وفعل الصّلاة شكر له أيضا ، فالحمد أعم من الشكر من ناحية المتعلق ، لأنّه الجميل الاختياري سواء أكان للحامد أم لغيره ، وأخص منه من ناحية المورد لأنّ مورده اللسان فقط في الإنسان ، والشكر بالعكس فإنّ متعلقه الإنعام على الشاكر فقط ومورده يعم القلب واللسان والأركان. وقد ورد الشكر في القرآن بالنسبة إليه تعالى كثيرا ، قال تعالى : (وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٥٢] ، وقال تعالى : (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [سورة البقرة ، الآية : ١٧٢] ، وقد يكون من الله عزوجل لعباده قال تعالى : (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) [سورة الإسراء ، الآية : ١٩] ، وقال تعالى : (وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً) [سورة النساء ، الآية : ١٤٧]. والمراد بشكره تعالى هو الجزاء على الخير سواء كان في الدنيا ، أو في الآخرة أو فيهما معا. كما يقع من الخلق للخلق قال تعالى : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [سورة لقمان ، الآية : ١٤]. والتسبيح هو التنزيه عن كل نقص مطلقا ويختص ذلك بالله تعالى كاختصاص الحمد به تعالى ، قال تعالى : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) [سورة الصافات ، الآية : ١٥٩] ، وقال تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء ، الآية : ٤٤] ويأتي التفصيل. هذا ما هو المعروف بينهم.

وهنا وجه آخر وهو أن مادة (ح م د) مع مادة (م د ح) واحدة في أصل المواد ، وإنما الاختلاف بالتقديم والتأخير وهذا الاختلاف أوجب اختصاص لفظ الحمد بالله تعالى ، وإطلاق المدح على غيره أيضا ، فيكون لفظ الحمد كلفظ (الله ، والرحمن) مختصا به تعالى فلا ينبغي إطلاقه بالنسبة إلى غيره عزوجل ولو أطلق يكون بمعنى المدح ، بخلاف المدح فإنه يطلق على غيره

٢٤

تعالى إطلاقا شائعا هذا من ناحية الحصر اللفظي.

وأما من ناحية الحصر المعنوي فلا ريب في أن الممكنات له ومنه وبه تعالى وقد ثبت في محله أن كل ما بالغير يكون بذاته وكماله منه فكمال الكل ومحمودية الكل ترجع إليه.

ثم إنّ الحمد يكون من الله تعالى لذاته المقدسة وهو كثير في القرآن ، قال تعالى : (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [سورة الروم ، الآية : ١٨] ، وقال تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ) [سورة فاطر ، الآية : ١] وقال تعالى : (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ) [سورة الجاثية ، الآية : ٣٦].

ويكون من خلقه له تعالى : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) [سورة الأعراف ، الآية : ٤٣].

وأما التسبيح فيقع منه تعالى ومن خلقه له ، ولكن لا يقع من الخلق للخلق ، كما يأتي التفصيل.

قوله تعالى : (رَبِّ الْعالَمِينَ) : لهذا الاسم [رب] الشريف منزلة عظيمة في الكتب السماوية لا سيما القرآن المهيمن على جميعها فهو من أمهات الأسماء المقدسة كالحي ، والقيوم بل هو الأم وحده ، لأنه ينطوي فيه الخالق والعليم والقدير والمدبر والحكيم وغيرها ، فإنه غير الخلق كما يستفاد من قوله تعالى : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٥٦] أي خلقهنّ.

وقد ذكر بعض المفسرين تبعا لجمع من اللغويين أنّ الرب بمعنى المالك والملك أو الصاحب. لكن التدبر في استعمالات هذا اللفظ يعطي أن الملك شيء وربانيته شيء آخر قال تعالى : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) [سورة الزمر ، الآية : ٦] وقال تعالى (بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ) [سورة النّاس : الآية : ٤] فإن فيه خصوصية ـ ليست هي في المالك والملك والصاحب ـ وهي الربوبية الحقيقية الناشئة عن الحكمة الكاملة التي لا يتصور

٢٥

النقص فيها بوجه ، فالتكوين شيء وتنظيم عالم التكوين بتربيبه على النظام الأحسن شيء آخر ، قال تعالى : (وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) (سورة الأنعام ، الآية : ١٦٤]. ويدل على ذلك مضافا إلى ما ذكر عدم صحة استعمال كل واحد منها مقام الآخر في الاستعمالات الصحيحة إلّا بالعناية.

وعلى أية حال فإنّ الرب مجمع جميع أسماء أفعال الله المقدسة لأن جميع أفعاله تبارك وتعالى متشعبة من جهة تدبيره تعالى ، وتربيبه في كل موجود بحسبه فالرب مظهر الرحمة والخلق والقدرة والتدبير والحكمة فهو الشامل لما سواه تعالى ، فإنهم المربوبون له تعالى على اختلاف مراتبهم.

فكم فرق بين الربوبية المتعلقة برسوله الأكرم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أو سائر الأنبياء العظام أو الملائكة المقربين وما تعلق بسائر النّاس.

فالربوبية لها مراتب تختلف باختلاف مراتب المربوب والمتعلق ، قال تعالى : (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) [العلق ، الآية ٣] ، وقال تعالى : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) (سورة الزمر ، الآية : ٧٥] وقد ورد في الأثر عن الأئمة الهداة (عليهم‌السلام) : «رب الملائكة والروح».

وقد قرن هذا اللفظ في القرآن الكريم بما يفيد عظمته وجلالته قال تعالى : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ) [سورة الصّافات ، الآية : ١٨٠] ، وقال تعالى : (وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [سورة المؤمنون ، الآية : ٨٦] ، وقال تعالى : (اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) [سورة الصافات ، الآية : ١٢٦] ، وقال تعالى : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) [سورة يس ، الآية : ٥٨] ، وقال تعالى : (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) [سورة سبأ ، الآية : ١٥] إلى غير ذلك من الآيات المباركة.

ولجلال عظمته وقع مقسما به قال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) [سورة النساء ، الآية : ٦٥] وقال تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [سورة الحجر ، الآية : ٩٢] ، وقال تعالى : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌ) [سورة الذاريات ، الآية : ٢٣].

٢٦

ولأجل ما تقدم ـ من أنه أم الأسماء ، وكونه مظهرا لجملة من أسمائه المقدسة ـ لم يرد في القرآن الكريم دعاء من عباده إلّا مبدوّا باسم الرب قال تعالى : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) [سورة البقرة ، الآية : ٢٠١] وقال تعالى : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) [سورة آل عمران ، الآية : ١٤٧] وقال تعالى : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) [سورة إبراهيم ، الآية : ٣٥] وقال تعالى : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) [سورة البقرة ، الآية : ٢٦٠] وغيرها من الآيات المباركة.

ولعل السر في ذلك هو إفادة هذا اللفظ حالة الانقطاع إلى الله تعالى أكثر من غيره ولذا وقع من أنبيائه العظام في تلك الحالة قال تعالى عن لسان نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «(يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) [سورة الفرقان ، الآية : ٣٠] ، وقال تعالى عن لسان نوح (عليه‌السلام) : (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً) [سورة نوح ، الآية : ٥].

فليس في أسمائه المقدسة أعم نفعا وأكمل عناية ولطفا من اسم (الرب) بالمعنى الذي ذكرناه ، ولعل المراد بقوله تعالى : (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) [سورة المؤمنون ، الآية : ٨٨] وقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٨٥] وقوله تعالى : (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) [سورة يس ، الآية : ٨٣] هو الربوبية العظمى الإلهية فإن التغييرات والتبدلات اللازمة لعالم الكون والفساد ، والإفاضات الحاصلة منه تعالى على العوالم هي عبارة عن الملكوت المضافة اليه تعالى.

مع أن الثابت في علم الفلسفة ان ما سواه تبارك وتعالى يحتاج إليه تعالى في البقاء كما يحتاج إليه في أصل الحدوث ففي كل لحظة ـ بل أقل منها ـ له رحمة خالقية وربوبية بالنسبة إلى ما سواه من الموجودات وهذا هو معنى القيمومية المطلقة التي لا يمكن إحاطة الإنسان بها وبالربوبية العظمى كعدم إمكان الإحاطة بذاته تعالى وتقدس شأنه.

قوله تعالى : (الْعالَمِينَ) : جمع عالم وهو أيضا جمع ، لا واحد له من

٢٧

لفظه كالقوم والرهط والنفر ، واشتقاقه من العلامة بمعنى الدلالة فكل ما هو مخلوق علامة وآية كاشفة عن خالقه ، كما أن كل معلول أو مصنوع علامة للعلة أو الصانع. والممكن علامة عقلية للواجب بالذات ، فكل ممكن عالم من عوالمه عزوجل بذاته وكذا كل ما يتعلق من عوارضه وآثاره وخواصه من أدنى الموجودات إلى أرقاها فجميع الموجودات عوالمه وجميع عوالمه آياته ويأتي في الأخبار تفسير العالمين بالجماعات من المخلوقات أيضا.

وعن جمع إن العالم لا يطلق إلّا على كل جماعة متمايزة لأفرادها صفات تقربها من العقلاء وإن لم تكن منهم وذاك لأن هذه العوالم هي التي يظهر فيها معنى التربية. وهو فاسد لأنه إن كان المراد به التغليب فله وجه ، وإن كان المراد عدم الصدق الحقيقي على ما لا يعقل فهو مخالف لصحة إطلاق عالم التكوين فإن إطلاقه يشمل الجمادات أيضا. وإن اثر التربية يظهر في كل ما يسمى شيئا قال تعالى : (وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) [سورة الأنعام ، الآية : ١٦٤]. فلا اختصاص للتربية بمن يعقل.

ثم إنّ معنى العالم ومدلوله وسيع جدا وغير محدود بحد ، بل غير متناه ـ بالمعنى الذي سنبينه إن شاء الله تعالى ـ فمن أقرب العوالم إلى الإنسان عالم التراب ـ الذي يكون محسوسا له وهو عظيم لم يتمكن الإنسان من إدراك جميع خصائصه وجهاته. مع أنه من أجل العوالم نفعا ، وكذا بالنسبة إلى عالم الإنسان الذي كل من أراد فهمه لا يزداد إلّا تحيرا فيه ، وهكذا غيرهما من العوالم ، فليس للإنسان إلّا الاعتراف بالعجز والقصور أمام جلال عظمته تبارك وتعالى.

والعوالم تارة : تكون في نفسها مترتبة منظمة بأن يكون كل سابق مقتضيا للاحقه ، فيصح أن يقال : أول ما خلق الله العقل في عالم الروحانيين والمجردات ، كما في الحديث. وأول ما خلق الله تعالى في عالم الماديات الماء ، كما عن علي (عليه‌السلام). وأول ما خلق الله في عالم الأعراض الحروف ، كما في بعض الأخبار إلى غير ذلك مما ورد في أوّليات خلق عوالمه تعالى ، وللفلاسفة من الأقدمين بل ومن المسلمين مباحث علمية في بيان

٢٨

العوالم المترتبة (طولية) وقد أثبتوا ذلك بالبرهان وسيأتي تفصيل العوالم في محله إن شاء الله تعالى.

وأخرى : لا ترتب بينها بل ينشأ جمع من تلك العوالم عن مبدإ واحد في عرض واحد ، كما نشاهد ذلك في عالم الطبيعة.

وثالثة : تكون مركبة من القسمين كما هو المحسوس في عالم النطفة في صلب الرجال ثم مسيرها إلى الرحم ومجيئها إلى هذا العالم وكذا كل ما هو في مسير الاستكمال والارتقاء وتسمى هذه العوالم الطولية وفي عرض ذاك عوالم أخرى إن لوحظت مع نظيرها ، كما تقدم في القسم الثاني.

وهناك عوالم (طولية) أخرى يمر الإنسان عليها وهي عالم الدنيا ، وعالم البرزخ ، وعالم النشر والحشر ، وعالم الخلود ، وسيأتي بيانها في الآيات المناسبة لها إن شاء الله تعالى.

نعم هنا بحث وهو أنّ العوالم هل هي متعددة حقيقة أو أنّ تعددها اعتباري محض؟ عن بعض المحققين من المتألهين أنّ العالم واحد وهو عالم الدنيا وغيره من عوالم البرزخ والحشر والنشر والخلود من تبعاتها وشؤونها فتكون الدنيا كالمادة للجميع السارية فيها فيكون العالم واحدا حقيقة ، وسيأتي تفصيل هذا البحث في الآيات المناسبة له.

وكل ما تقدم من العوالم ـ بشؤونها وأصنافها ـ غير متناهية بجميع مراتبها ـ ويأتي شرح ذلك مفصلا ـ وأنّها مخلوقة بأحسن خلق وأكمل نظام ، كما أن جميع تلك الأصناف غير المتناهية مورد ربوبيته العظمى وقيمومته المطلقة وله المعيّة (الإحاطة) التدبيرية بكل ما سواه من العالم ، ولكن تلك المعية في العباد لا توجب سلب اختيارهم ، لأن الإختيار فيهم ثابت لفرض وجود التربية التشريعية وهي لا تعقل بدون الإختيار.

وأما تربيته التكوينية فهي منحصرة بإرادته واختياره تعالى كما يأتي تفصيل هذا الإجمال في محله إن شاء الله تعالى.

ثم إنّ في ذكر رب العالمين بعد الحمد دلالة على أن من موجبات

٢٩

استحقاقه تعالى للحمد هو كونه رب العالمين.

قوله تعالى : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) : تقدم تفسيرهما. وإنما كرر سبحانه وتعالى : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) هنا ، بناء على جزئيّة البسملة للفاتحة ، كما هو الحق عند المسلمين ، لأنّ الرحمن الرحيم ، لوحظا في البسملة بالعنوان العام من كونهما من صفات الذات الأقدس بلا إضافة إلى شيء ، وفي الفاتحة لوحظا باعتبار منشأ استحقاقه تعالى للحمد ، فهذه الخصوصية توجب الاختلاف في الجملة ، وبها يرتفع التكرار.

قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). هذه المادة (المالك) بأي هيئة استعملت تكون بمعنى الاستيلاء والإحاطة والاحتواء سواء أكان بالنسبة إلى الخلق والإيجاد أو بالنسبة إلى النظم أو الانتظام. نعم ؛ هي في المخلوق محدودة لفرض محدودية ذاته وصفاته وفي الخالق لا وجه للتحديد فيه بوجه من الوجوه ، وذكر يوم الدين من باب ذكر بعض المصاديق لنكتة لا للانحصار كما ستعرف.

نعم ؛ مالكية يوم الدين تستلزم مالكيته لجميع العوالم السابقة عليه نحو استلزام النتيجة للمقدمات كما أن مالكية الدنيا ملازمة لمالكية يوم الدين كاستلزام المقدمات للنتيجة المنطوية فيها ، مع أن قوله تعالى : (بِيَدِهِ الْمُلْكُ) [سورة تبارك ، الآية : ١] ، وقوله تعالى : (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ) [سورة التغابن ، الآية : ١] ، وقوله تعالى : (بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) [سورة المؤمنون ، الآية : ٨٨] عام يشمل جميع العوالم ومالكيته لها بالدلالة المطابقية.

ثم إنه وردت هذه المادة بأغلب مشتقاتها في القرآن الكريم فقد أطلق فيه الملك (بفتح الميم وكسر اللام) بالنسبة إليه تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ) [سورة الحشر ، الآية : ٢٣] وقال تعالى : (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُ) [سورة طه ، الآية : ١١٤] ، وقال تعالى : (مَلِكِ النَّاسِ) [سورة الناس ، الآية : ٢] كما ورد الملك (بضم الميم وسكون اللام) مضافا إليه تعالى كثيرا قال تعالى : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [سورة الحديد ، الآية :

٣٠

٢] ، وقال تعالى : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) [سورة فاطر ، الآية : ١٣] ، وقال تعالى : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) [سورة آل عمران ، الآية : ٢٦]. وقد ورد المالك ، قال تعالى : (اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) [سورة آل عمران ، الآية : ٢٦]. كما ورد المليك أيضا ، قال تعالى : (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [سورة القمر ، الآية : ٥٥] ولم يرد الملك (بكسر الميم وسكون اللام) لإغناء الملك (بضم الميم) عن ذلك بالأتم والأكمل ، ولعل عدم وروده في القرآن لأنه غالبا يستعمل في الأمور الزائلة وهو تعالى منزه عن إضافة مثله إليه.

هذا وقرئ (ملك) لأن كل ملك يستلزم المالك ولا عكس. والظاهر أنه لا فرق بالنسبة إليه تعالى لكونه مالكا في عين ملكيته تعالى وبالعكس فكما أنه تعالى رب العالمين بالنسبة إلى جميع الموجودات كذلك ملك ومالك بالنسبة إلى جميعها أيضا.

وقد يرجح قراءة (مالك) ، لأن المالكية تشمل ملكية الأجزاء والجزئيات بخلاف (ملك) ، فإن الملكية هي التسطير على الكل. هذا بحسب اللغة.

وأما بالنسبة إليه تعالى فقد قلنا : إنه لا وجه لذلك ، كما تقدم ، وان كان قراءة (مالك) أوفق بالعرف.

(يَوْمِ) : المراد به هو الوقت ، وان كان إطلاقه على الزمان الذي لا ظلام فيه بالطبع إطلاقا شائعا ولكن ليس بحسب ذاته ومن مقوماته فهو غير محدود بحد معين بل هو بالنسبة إلى هذا العالم الذي نحن فيه المقدر فيه الليل والنهار لأجل دوران الكرة الأرضية لا بالنسبة إلى جميع العوالم ، ولذا لم يذكر اليوم في القرآن في مقابل الليل وإنما ذكر النّهار في مقابله.

ومما يدل على عدم التحديد فيه قوله تعالى : (إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ) [سورة الحج ، الآية : ٤٧] ، وقوله تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) [سورة الأعراف ، الآية : ٥٤] ، وقوله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) [سورة فصلت ، الآية : ١٢] بناء على أن اليوم المعهود

٣١

لدينا إنما حدث بعد خلق السموات والأرض ولا وجه لأخذ الحد الخاص الحاصل من خصوصيات عالم معين في معنى الكلمة الذي هو عام وشامل لجميع العوالم إلّا إذا كانت هناك قرائن معتبرة خارجية تدل على خصوصية معينة وحد خاص.

(الدِّينِ) : هو الجزاء ويوم الدين هو يوم الجزاء على الأعمال وحسابها ، كما في آيات كثيرة مثل قوله تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [سورة غافر ، الآية : ١٧] ، وقوله تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [سورة الجاثية ، الآية : ٢٨]. الى غير ذلك من الآيات المباركة.

والمستفاد من مجموع الآيات أنّ الإنسان من بدء حدوثه إلى خلوده هو في يومين : يوم العمل الذي يعبّر عنه ب (الدنيا) ويوم الجزاء المعبّر عنه ب (الآخرة) ، أو يوم القيامة ، أو غير ذلك.

وقد وصف الله تعالى هذا اليوم بأوصاف شتى كالعظيم ، قال تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [سورة مريم ، الآية : ٣٧] ؛ والمحيط كقوله تعالى : (وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) [سورة هود ، الآية : ٨٤] ، وبأنواع الحوادث العظيمة الهائلة قال تعالى : (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى) [سورة الحج ، الآية : ٢].

وكل ذلك لأجل بيان نهاية عظمة اليوم ؛ وقد لخصها الله تعالى في سورة الإنفطار بأحسن تلخيص وأكمل بيان وأتم دهشة ، وفي المقام مباحث تأتي في مواضعها المناسبة لها إن شاء الله تعالى.

وإنما ذكر الله عزوجل (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) مع أنه تعالى مالك لجميع ما سواه ولم يخرج عن ملكه شيء لأن يوم الدين مظهر ثبوت الوحدانية المطلقة والربوبية العظمى الإلهية عند الكل وانقهار الجميع تحت قهاريته وهو يوم ظهور فساد الشرك الذي توهمه النّاس بزعمهم وخيالهم فيوم الدين يوم يظهر فيه التوحيد الحقيقي والعدل الإلهي.

وإنما ذكر (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) بعد (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ترغيبا لعباده

٣٢

وحنانا عليهم بأن لا تغلبهم دهشة اليوم ، فإن الرحمن الرّحيم معهم في أي عالم وردوا عليه وحاضر فيهم في ما إذا أحاطت بهم الدهشة.

وهذا من لطيف المعاتبة بين المالك الحكيم الغني والمملوك المحتاج فيدفع بيد ويجذب بالأخرى وقد جمع الله تعالى بين الترغيب والترهيب.

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦))

قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) : لفظ الخطاب [إياك] استعمل هنا في مقام الحصر ، وقد أطلق عليه تعالى في القرآن بضمير الغيبة وضمير المتكلم مع إفادتهما الحصر أيضا ، قال تعالى : (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [سورة يوسف ، الآية : ٤٠] ، وقال تعالى : (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) [سورة العنكبوت ، الآية : ٥٦].

ويستفاد الحصر في المقام من أمرين :

أحدهما : سياق الآية المباركة لأن من كان (رَبِّ الْعالَمِينَ) و (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) و (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) لا وجه لعبادة غيره فإنّ غيره مطلقا مملوك له تعالى ومحتاج إليه ولا وجه أن يدع من له تلك الصّفات في عبادته ويعبد غيره ، ومنه يظهر سر قولهم (عليهم‌السلام): «العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان» وكثرة إطلاق الجهل على المشركين في الكتاب والسنة.

الثاني : استفادة الحصر من انفصال الضمير وتقديمه وينحل الحصر الى النفي والإثبات كأنه قال : لا نعبد غيرك ونعبدك ، كما في لا إله إلّا الله. وسائر موارد الحصر.

وفي الآية المباركة التفات من الغيبة إلى الخطاب لأنه بعد إقرار العبد بالالوهية والاعتراف بالربوبية وانه مالك يوم الجزاء صار لائقا بالمخاطبة الحضورية معه تعالى فارتقى العبد من الغيبة الى الحضور لارتقاء مقام قلبه عن الغفلة إلى التوجه والحضور.

وللتوجه من الغيبة الى الحضور مراتب بحسب مراتب المعرفة والطاعة في العبد ، كما يأتي إن شاء الله تعالى.

٣٣

(نَعْبُدُ) العبادة : الطاعة وأصل المادة تنبئ عن الذل والخضوع والاستكانة والانقهار في أي هيئة استعملت ومنها العبد والمملوك. فالمادة تشمل العبودية التسخيرية ، والعبودية الاختيارية والواقعية والعبادات الباطلة الاعتقادية ، كما في قوله تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) [سورة يس ، الآية : ٦٠]. وقوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٩٨] ، وقوله تعالى : (إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً) [سورة العنكبوت ، الآية : ١٧] ،

والعبادة : خضوع خاص ناشئ عن الإعتقاد بأن للمعبود عظمة ، ولا يحيط بها العقل في المعبود الحقيقي ، لعدم وصول الإدراك الى عظمته فضلا عن ذاته ، وان كان مدركا بالآثار ، كما عرفت فإنه أعلى وأجلّ من أن يرقى إليه إدراك أحد ، ولذا لا تصدق العبادة على الخضوع بالنسبة إلى غيره تعالى.

وقد تطابق العقل والنقل على عدم جوازها لغيره تعالى لأن حقيقتها الخضوع لمن هو في أعلى درجات الكمال بحيث لا كمال فوقه وهو منحصر بالله تعالى ، وفي قوله تعالى : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (*) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) [سورة الصافات ، الآية : ٩٥ ـ ٩٦] إشارة إلى ذلك ، وأنه لا تكون العبادة الا للخالق ومفيض الحياة والإطلاق بالنسبة إلى غيره تعالى اعتقادي باطل لا واقعي حقيقي.

والعناوين الشايعة ثلاثة : العبادة ، والطاعة ، والانقياد.

والأول ـ عبارة عن إتيان العمل بقصد التقرب إلى الله تعالى سواء كانت صحة العمل في حد نفسه متوقفة على قصد القربة ـ كالصّلاة والصوم والحج وغيرها من سائر العبادات ، فإذا أتى بها من دون قصد القربة يبطل أصل العمل ، أو لم تكن كذلك ، كقضاء حوائج الإخوان وأداء حقوق النّاس ، أو مثل النظافة فإذا كان لله تعالى يثاب عليه مع حصول الطاعة وإذا لم يكن له تعالى تحصل الإطاعة دون الثواب ، فالإطاعة أعم من العبادة ، كما أنّ الانقياد أعم من كل منهما لإطلاقه عليهما وعلى إتيان ما يحتمل أنه محبوب لله تعالى وترك ما يحتمل انه مبغوض له عزوجل وإن لم يكن أمر ونهي منه تعالى ، وقد فصلنا

٣٤

الكلام في كتابنا [مهذب الأحكام].

وقد وردت الإطاعة في كثير من مشتقاتها في القرآن الكريم ؛ قال تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) [سورة الأحزاب ، الآية : ٧١] ، وقال تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) [سورة الأنفال ، الآية : ٤٦] ، وقال تعالى : (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) [سورة البقرة ، الآية : ١٨٤] ، وقال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ) [سورة النساء ، الآية : ٦٤] إلى غير ذلك من الآيات المباركة.

ثم إنّ العبادة هي التوجه إلى المعبود في القيام بما جعله من الوظيفة وإتيان المطلوب الذي أراده من العبد وحيث إنّ الله تعالى يطّلع على النوايا كاطّلاعه على الأعمال فلا بد أن تكون النوايا القلبية متوجهة إليه تعالى ومنحصرة في العبودية له تعالى.

وبعبارة أخرى كما أنّ العابد حاضر لدى الله تعالى ولا يخفى منه على الله شيء وهو عالم السر والخفيات ، بل (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) [سورة الحديد ، الآية : ٤] ، يعلم خطرات القلوب وحركات الجوارح ولحظات العيون فلا بد وأن يكون توجه العابد إلى مثل هذا المعبود كاملا وكذا في قلبه تاما بحيث لا يخطر في قلبه غيره فإن ذلك يوجب النقص في العبادة والعبودية بل قد يوجب الطرد والهجران والإثم والعصيان ، وقد قال علي (عليه‌السلام) في معنى العبادة : «أن تعبد الله كأنك تراه وان لم تكن تراه فإنه يراك». ويأتي التفصيل في قوله تعالى : (وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [سورة الأعراف ، الآية : ٢٩].

والدواعي للعبادة كثيرة حتّى عند شخص واحد فربما يختلف دواعيه لها في حالة عن حالة أخرى وكلما كانت العبادة مجردة عن الدواعي الشخصية والمادية كانت العبادة أشد خلوصا لله تبارك وتعالى ولذا ورد عن علي (عليه‌السلام): «أن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار ، وان قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وان قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار» ونسب إليه (عليه‌السلام): «ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك بل وجدتك

٣٥

أهلا للعبادة فعبدتك» ، وعن أبي عبد الله الصادق (عليه‌السلام): «العباد ثلاثة : قوم عبدوا الله عزوجل خوفا ، فتلك عبادة العبيد ، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب ، فتلك عبادة الاجراء. وقوم عبدوا الله عزوجل حبا له ، فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة». ولا شك في أن عبادته لحبه تعالى ، كما في هذه الرواية من أفضل أنحاء العبادات لخلوصها حتّى عن المسألة عنه تعالى وإضافة شيء إليه عزوجل خارجا عن ذاته ، ولكن في بعض الروايات عن علي (عليه‌السلام) كما تقدم «أن قوما عبدوا الله شكرا ، فتلك عبادة الأحرار» وهي من أفضلها أيضا ولكن لا تصل إلى مرتبة المحبة ، لأن المحبة قد تصل إلى مرتبة الفناء في المحبوب فلا يرى شيئا آخر أبدا وراء أهلية المحبوب والشكر هو لحاظ شيء آخر وراء ذات المحبوب وسيأتي تفصيل هذه المباحث في محالها إن شاء الله تعالى.

وإذا تحققت العبادة الواقعية بحيث لا يشوبها شيء كانت ثمرتها عظيمة لا يمكن حدها ، وقد ورد في ذلك ما يوجب التحير منه ، فعن أبي جعفر (عليه‌السلام): «إن الله جل جلاله قال : ما يتقرب إليّ عبد من عبادي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه ، وإنه ليتقرب إليّ بالنافلة حتّى أحبه ـ الحديث ـ» فإن محبته تعالى لعبده من أجلّ مراتب الكمال وتوجب وصوله إلى مقامات عالية لاستلزام الانقياد والعبودية التامة من العابد الإفاضة المطلقة بالنسبة إليه ويستفاد ذلك من كثير من الروايات ، كما يأتي إن شاء الله تعالى.

وعن المحقق الطوسي أن العبادة أقسام ثلاثة : قلبي كالعقائد الحسنة وبدني كالأعمال الحسنة ، واجتماعي كالمعاملات الشرعية والأخلاق الحسنة مع النّاس وسيأتي في الآيات المباركة المناسبة لها تفصيل الكلام.

قوله تعالى : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) : الاستعانة طلب العون ، والحصر هنا كالحصر في (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) لفظي وسياقي وحالي ، لأن الغني المطلق من كل جهة ، لا بد وأن تنحصر الاستعانة به ، والاستعانة بما سواه ان رجعت إليه تكون الاستعانة به ، والا تكون شركا من هذه الجهة ، فيكون المعنى هنا مشتملا على النفي والإثبات ، أي : لا نستعين بغيرك ونستعين بك فقط.

٣٦

ثم إنّ الاستعانة بالله تعالى إما اختيارية أو تكوينية بلسان الحال والاستعداد ، والثانية من لوازم الإمكان لا تنفك عنه في جميع العوالم فإن المخلوق محتاج في حدوثه وبقائه إلى الخالق ومستعين به بل كل معلول مستعين كذلك من علته ، كما ثبت بالبراهين العقلية والنقلية أن مناط الحاجة الإمكان دون الحدوث فجميع ما سواه مستعين به ذاتا وقد تجتمع الاستعانتان ، كما في المؤمنين بالله تعالى فإن فيهم الاستعانة التكوينية والاختيارية ، وكل ما تجلت عظمة المستعان في قلوبهم اشتدت استعانتهم به فالاستعانة به تعالى تتفاوت شدة وضعفا.

وتأخير العبادة والاستعانة عن (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) نحو تأخير المعلول عن العلة يعني : من كان رب العالمين ومالك يوم الدين لا بد وان يكون معبودا ومستعانا به. كما أن في تقديم العبادة على الاستعانة اعتراف بالمسكنة والخضوع بألطف وجه في أن يعتني الغني المطلق باستعانته ، ومن ثم قيل : نعم الشيء الهدية أمام الحاجة مع أنه من قبيل تقديم الغاية على ذيها لكثرة أهمية الغاية فإن غاية الاستعانة بالله انما هي استعانته في عبادته وان ما سواها أمور زائلة وحقيرة ، والعاقل لا يستعين بالله تعالى في أمور زائلة غير دائمة إلّا إذا رجعت إلى ما هو دائم يبقى.

بل إن عبادته تعالى والاستعانة منه عزوجل متلازمتان فعبادته استعانة به كما أنّ نفس الاستعانة عبادة له فيكون مثل قول القائل : أديت ديني فقضيت حاجتي أو قوله قضيت حاجتي أديت ديني. وفي ذلك إشارة إلى أن لا ينسب العبد الى نفسه شيئا فانه خلاف أدب العبودية.

وجملة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) دليل واضح على إبطال الجبر والتفويض وإثبات الأمر بين الأمرين ، كما ذكره الأئمة الهداة (عليهم‌السلام) على ما يأتي بيان هذا المبحث الشريف مفصلا في الآيات المناسبة له إن شاء الله تعالى.

وإنما ذكر «نعبد» و «نستعين» بلفظ الجمع إما باعتبار القارئ ومن معه من الملائكة الحفظة ، أو باعتبار من معه في صلاة الجماعة ، أو من

٣٧

المصلين ، أو باعتبار من معه في الاعتقاد رجاء أن يكون فيهم من يقبل عمله فيقبل منه أيضا ، ولأجل تصغير ما يصدر عنه من العمل فإذا التفت إلى أن الكل يعبدونه ويستعينون به عزوجل فلا يغتر به ولا يحسب لنفسه وزنا.

والأولى أن يقال : إن لفظ الجمع فيهما للتحريض إلى حفظ وحدة المجتمع الذين يعبدونه تعالى ويستعينون به فكما انهم مجتمعون في وحدة المعبود والعبادة والمستعان به لا بد أن يكونوا كذلك في جميع شؤونهم كما تدل عليه آيات كثيرة ، وسيأتي التعرض لها إن شاء الله تعالى.

وإنما كرر لفظ «إياك» لتأكيد الحصر وتشديده في كل واحد من العبادة والاستعانة ، وإطلاقها وحصرها فيه تعالى يقتضي الاستعانة به في جميع الأمور مطلقا ، وهي عبارة أخرى عن الاعتقاد ب «لا حول ولا قوة إلّا بالله» والعمل بمقتضاه في جميع الأحوال.

قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ). هذا هو ثمرة العبادة والغرض الأقصى من الاستعانة وأعلى المقامات الإنسانية. وهي الأمانة التي عرضت (عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) [سورة الأحزاب ، الآية : ٧٢].

والهداية : الدلالة سواء كانت إلى الحق أو الباطل ، وكثيرا ما تستعمل في القرآن في الأول ، ومن الثاني قوله تعالى : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) [سورة البلد ، الآية : ١٠] ، وقوله تعالى : (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) [سورة الصافات ، الآية : ٢٣].

وللهداية مراتب كثيرة متفاوتة يصح تعلق الطلب بجميع مراتبها كما يصح تعلقه بالمراتب الراقية وان كان الشخص واجدا لها بالنسبة إلى المراتب السابقة ، ففي كل مرتبة منها تطلب المرتبة الأرقى منها ، فلا وجه للإشكال بأن الشخص إذا كان واجدا للهداية لا يصح أن يطلبها من الله تعالى ثانيا لأن إبقاء ما يكون واجدا له وتكميل مراتبه وطلب ما فوقه كلها من الله تعالى.

والهداية من أفعاله تعالى وهي من صفات الفعل لا صفة الذات وقد

٣٨

اضطربت كلمات الفلاسفة المتألهين في الفرق بين ما هو صفة ذاته تعالى وما هو صفة فعله فجعلوا بعض ما هو صفة الفعل صفة لذاته عزوجل وبذلك عسر الجواب عنه ولم ينهضوا بدليل يحسم الاشكال. لكن المستفاد من الآيات الشريفة ـ على ما سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى ـ والسنة المقدسة قاعدة كلية وهي : كل ما يصح توصيف الله تعالى به وبنقيضه أو ضده فهو من صفة الفعل وكل ما لا يصح ذلك فيه فهو من صفة الذات.

والأول ـ كالإرادة ، قال تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [سورة البقرة ، الآية : ١٨٥] ، وقال تعالى : (يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [سورة المدثر ، الآية : ٣١].

والثاني ـ كالحياة والبقاء والعلم مثل : السميع والبصير والقدير ، وسيأتي التفصيل في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.

ثم إن الهداية إما تكوينية أو تشريعية :

والأولى : ما يعم جميع ما سواه تعالى من المجردات والماديات ويدل على ذلك قوله تعالى : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) [سورة طه ، الآية : ٥٠] فالبلوغ إلى مرتبة الكمال في كل موجود هداية بالنسبة إليه.

والثانية : تخص المؤمن ويطلبها منه عزوجل وقد جمعت في الإنسان الهدايتان التكوينية والتشريعية وهو يطلبهما معا أما الأولى بالاستعداد كما في سائر الموجودات والثانية بالطلب الذي يختص به وأما الكافر فله الهداية التكوينية فقط كالنباتات والحيوانات وإنما ترك الهداية التشريعية باختياره بعد ما تمت الحجة عليه.

الصراط : وهو الطريق المؤدي إلى المطلوب. والاستقامة هي الاستواء في مقابل الانحراف والاعوجاج. وإنّها تعم الجميع من الاعتقادات والملكات بل والخواطر النفسانية وأعمال الجوارح من العبادات والمعاملات والمجاملات فإنها إن تطابقت مع رضاء الله تبارك وتعالى كانت مستقيمة وإلّا فهي منحرفة قال تعالى : (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٠١] فبين تعالى معنى الهداية والصراط المستقيم بل يتحقق

٣٩

الصراط المستقيم في جميع الموجودات فإنّها إن طابقت مع ما جعله الله تعالى لها في النظام الأحسن كانت على الصراط المستقيم وإلّا خرجت عنه بعدم بلوغها الى غاياتها للحوادث الطارئة.

فالهداية الى الصراط المستقيم متقومة بطرفين : المفيض وهو الله تعالى ، والمستفيض وهو ما سواه تعالى ، لأنّ جميع الموجودات في طريق الاستكمال الذي أعده الحكيم جل شأنه.

ثم إنّ الصراط المستقيم كلي واقعي له أنواع كثيرة متفاوتة في التجرد والتعلق بالمادة وغير ذلك ويتحد مع الجميع اتحاد الجنس مع أنواعه فالمجرد منه كالعقل الكلي والمتعلق بالمادة منه كنفوس الأنبياء والأوصياء ، والأولياء والعرضية منه كالكتب السماوية والتشريعات الإلهية.

وقد بين الله تعالى معنى الصراط المستقيم الذي يطلبه الإنسان في عدة آيات ، منها قوله تعالى : (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً) [سورة الأنعام ، الآية : ١٦١] ، فجعل الدين هو الصراط المستقيم ، ومنها قوله تعالى : (وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) [سورة الزخرف ، الآية : ٦١] ، فجعل اتباع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هو الصراط المستقيم ، وكذا في قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ) [سورة المؤمنون ، الآية : ٧٤] ، ومنها قوله تعالى : (وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) [سورة يس ، الآية : ٦١] ، وجميع هذه الآيات المباركة بيان لأمر واحد وهو الدين الذي أراده الله تعالى لخلقه وعبّر عنه بالنور في الآيات الكثيرة كما سيأتي بيانها.

والانحراف عن الصراط المستقيم وقوع في الظلمات التي لها أنواع كثيرة يجمعها قوله تعالى : «المغضوب عليهم والضالين» على ما سيأتي ، وذكره تعالى المغضوب عليهم والضالين بعنوان الجمع اشارة الى التعدد والاختلاف وعدم الوحدة فيه بخلاف الصراط المستقيم فإنه واحد لا تعدد فيه بوجه وهو النور الذي لم يستعمل في القرآن إلّا مفردا بخلاف

٤٠