مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة أهل البيت (ع)
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٩

لأن لكل جديد لذة. الثاني : المراد الوحدة في الآكلين مع أن فيهم الأغنياء والفقراء ومن هو أدون ، وهذا لا يناسب مقامهم الدنيوي ، وكل ذلك يرجع إلى قصور عقولهم ، كما ذكرناه.

قوله تعالى : (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها). الدعاء هنا بمعنى السؤال من الله تعالى والطلب منه وإفراد الخطاب في قوله تعالى : (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ) لما علموا من أنس موسى (عليه‌السلام) بربه ، ورأفته تعالى بموسى (عليه‌السلام) فكانوا يعلمون الاستجابة منه ، وتحريضا لموسى (عليه‌السلام) للتأكيد في السؤال.

والبقل : كل نبات لا ينبت أصله وفرعه في الشتاء والمراد به ما يطعمه الإنسان من طيب الخضروات.

قوله تعالى : (وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها).

القثاء نبات معروف وهو الخيار ، كما أن العدس والبصل معروفان. والفوم هو الحنطة ، روي ذلك عن أبي جعفر (عليه‌السلام) ، وهو قول أكثر المفسرين. وقال جمع إنه الثوم أبدلت الثاء فاء ، وهو المشاكل للبصل.

قوله تعالى : (قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ).

الاستبدال طلب شيء بدلا من آخر ، أي : أتستبدلون الذي هو خسيس بالمن والسلوى الذي هو خير منه؟! واستبدالهم الدنيء بالخير واضح ، لأن المن والسلوى ينزلان عليهم من عالم الغيب من غير تعب وعناء ، وجميع ما سألوه إنما كان يخرج من الأرض بالتعب والمشقة وبذل الجهد حتّى يتغذوا به ، وانهما كانا أطيب وألذ مما سألوه.

قوله تعالى : (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ).

قد تقدم معنى المصر وهو في الأصل بمعنى الانقطاع والفصل لأن المحل صار منقطعا ومنفصلا عن غيره بالعمارة والسكنى.

والمراد بها مصر من الأمصار ، وقيل : إنها مصر المعروفة ، ويجوز تنوينها لصرفها ، ولا دليل على كلا القولين.

٢٦١

وكيف كان فالأمر للتعجيز ، لأنه لا يمكنهم الدخول في مصر من الأمصار ، لأن الله تبارك وتعالى كتب عليهم التيه ولا يمكنهم القتال لضعف عزائمهم وجبن نفوسهم ، وأن الأرض التي هم فيها جدباء لا ينبت فيها البقل والزرع.

قوله تعالى : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ). الضرب يأتي لمعان كثيرة تتميز بالقرائن ، والمراد به في المقام هو اللزوم والإلزام من قولهم : «ضرب المولى الخراج على عبيده» أي ألزمهم ، وذلك أحسن الاستعمالات. والذلة : الصغار والهوان ، والمسكنة : الخضوع الشديد وفقر النفس ، لأن الفقر أسكن الشخص وقلل حركته. وهما أعم مما إذا كانتا في النفس ، أو في المال ، أو في سائر الجهات.

والله جل شأنه عاقبهم بالذلة والمسكنة ، لأنهم كفروا بأنعم الله فقد أذلهم الله تعالى باستيلاء سائر الأمم عليهم.

والمتيقن من الضمير في (عليهم) اليهود في عصر موسى (عليه‌السلام) الذين آذوه ، ومن آذوا منهم نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، ويمكن إرجاعه إلى جميع الأعصار ، كما دلت عليه التواريخ ويأتي في الآيات المناسبة بيان ذلك.

قوله تعالى : (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ). البوء بمعنى الرجوع ، وباءوا أي رجعوا وانقلبوا ، ويستعمل في القرآن غالبا في الشر ، قال تعالى : (فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) [سورة البقرة ، الآية : ٩٠] ، وقال تعالى : (كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٦٢].

والغضب إن أضيف اليه سبحانه وتعالى فهو عقابه بالنسبة إلى من عضب عليه ، وإن أضيف الى الخلق فهو حالة توجب الإضرار وهي من الحالات المذمومة ، فعن نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «اتقوا الغضب ، فإنه شعلة من نار جهنم يلقى صاحبها في النار».

نعم إذا كان الغضب لله تعالى فهو محمود ، ومنه بعض مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقدم بعض الكلام في سورة الفاتحة عند قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ).

٢٦٢

وقد بين تعالى السبب في إذلالهم ومسكنتهم وغضبه عليهم بقوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) فرجعوا بكفرهم وعصيانهم إلى غضبه تعالى رجوعا دائميا ، فإن كل غضب لا بد له من سبب بخلاف الرحمة ، فقد تواتر عن نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «أن رحمته سبقت غضبه» وليس المراد بالسبق الزماني منه ، بل السبق الإيجادي التكويني ، فإن ما سواه منه عزوجل ومن رحمته ، فكل من يعصي الله سبحانه وتعالى فقد رجع من رحمته إلى غضبه وعقابه بعمده واختياره بعد فتح جميع أبواب الرحمة على الفاعل المختار ، فيستحق الخزي والعار في حكم العقل ، وحكم الشرع.

قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ).

أي : أنّ ما حل بهم من الذل والمسكنة ، واستحقاق غضب الله تعالى كان بسبب كفرهم وتكذيبهم لآياته جلّ شأنه. والمراد بآيات الله تعالى المعجزات الباهرات التي شاهدوها من موسى (عليه‌السلام) والكفر بها رجوع بغضب على غضب ، لأن كفران كل آية من آياته يوجب غضبا منه عزوجل ؛ ويجوز أن يكون المراد الكفر بالمعجزات وقتل النبيين أو إنكار الإنجيل والقرآن.

والأولى إرادة العموم ليشمل جميع ما ذكر مع ترك الواجبات وفعل المحرمات ، وتشهد لذلك الروايات الدالة على أن الإصرار على المعاصي الصغيرة من الكبائر ، ولا اختصاص لذلك ببني إسرائيل فقط ، بل يشمل أمة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعدم التخصيص بالمورد كما هو المتعارف.

قوله تعالى : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ). الأنبياء جمع النبي ، كالأقوياء جمع القوي. والنبأ هو الخبر ، ولكنّه أخص من مطلق الخبر ، لاختصاصه بالإخبار عن الغيب بواسطة إنسان رفيع الشأن وعظيم المنزلة.

والمشهور بين اللغويين وتبعهم المفسرون أنّ مبدأ اشتقاق النبي مهموز. وعن بعض اشتقاقه من النبوة من غير همز ، وهي الارتفاع لأن مقام النبي رفيع جدا ، ولا ينافي ذلك لزومه الإخبار عن الله تعالى فبعض عبّروا بنفس اللازم وهو الاخبار ، والبعض الآخر عبروا بالملزوم وهو رفعة المقام ، ويمكن تأييده

٢٦٣

بثقل الهمزة في كلام العرب حتّى نسب إليهم (عليهم‌السلام): «لو لا أن جبرائيل نزل القرآن بالهمزة ما همّزنا أهل البيت» ، ومنه يظهر حكم تخفيف الهمزة في القرآن كله ، وعليه كلما دار بين قراءة شيء بالهمزة أو بغيرها تكون القراءة بغيرها أولى. وروي أنّ رجلا جاء إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال : «يا نبيء الله ـ بالهمزة ـ فقال : لست بنبيء الله ـ وهمز ـ ولكني نبيّ الله ـ بغير همز ـ». ويأتي النبي بمعنى الطريق ، وسمي الرسول به ، لاهتداء الخلق به كالطريق.

وعلى أية حال النبي هو الإنسان المخبر عن الله تعالى بلا واسطة بشر ، سواء كانت له شريعة كموسى وعيسى ومحمد (صلّى الله عليهم) ، أم لم تكن له شريعة كيحيى مثلا. والرسول هو الإنسان المخبر عن الله تعالى وكانت له شريعة ، سواء كانت مبتدأة كآدم (عليه‌السلام) أم ناسخة كشريعة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، وسيأتي تفصيل ذلك في الآيات المناسبة.

وإنّما وصف الله سبحانه قتل النبيين بغير الحق ، وهو كذلك إذ لا يعقل أن يكون قتل الأنبياء بالحق ، فالقيد ليس باحترازي فهو إما لأجل تعظيم الذنب الذي اقترفوه ، وزيادة الشنعة عليهم. أو من باب تقرير زعمهم واعتقادهم ، يعني مع أنكم تعتقدون ان هذا القتل كان بغير حق فكيف تقدمون عليه مع هذا الاعتقاد ، وقد قتلوا من أنبياء الله تعالى أشعيا وزكريا ويحيى وغيرهم.

قوله تعالى : (ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ). العصيان معروف وهو خلاف الطاعة. والاعتداء تجاوز كل شيء ، ويحتمل أن يكون لفظ الإشارة الثانية في الآية المباركة تأكيدا للأولى فيها ، أي ذلك الذل والمسكنة والغضب كان بسبب عصيانهم لأوامر الله تعالى وخروجهم عن حدود ما أنزله الله تعالى. ويحتمل أن ترجع الإشارة إلى الأخير ، أي أن قتلهم الأنبياء كان بسبب عصيانهم واعتدائهم.

ويستفاد من قوله تعالى : (وَكانُوا يَعْتَدُونَ) أن الاعتداء صار عادة لهم وطبعا وخلقا لديهم ، وهذا أمر لا يختص باليهود بل كل من استولى عليه العصيان والمخالفة والاعتداء على حدود الله تعالى يستحق غضب الله تعالى

٢٦٤

واذلاله فيكون ذيل الآية الشريفة حكما عقليا لا يختص بأمة دون أخرى.

بحوث المقام

بحث روائي :

في الكافي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) في قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) قال (عليه‌السلام): «والله ما قتلوهم بأيديهم ، ولا ضربوهم بأسيافهم ، ولكن سمعوا أحاديثهم فأذاعوها فأخذوا عليها وصار قتلا واعتداء ومعصية».

أقول : المراد من القتل أعم من المباشر والتسبيب ، وفي ذلك روايات كثيرة ، بل يستفاد ذلك من نفس الآية المباركة ، وربما يكون السبب أقوى.

وعن القمي : «كان مع موسى حجر يضعه في وسط العسكر ثم يضربه بعصاه فينفجر منه اثنتا عشرة عينا ـ كما حكى الله تعالى ـ فيذهب كل سبط في رحله وكانوا اثني عشر سبطا».

أقول : تعبير القرآن المبين وهذا الخبر بالحجر أولى من تعبير التوراة بالصخرة لأن الحجر يمكن حمله معهم ـ كما في هذه الرواية ـ دون الصخرة فإنها تطلق على الحجارة الكبيرة التي لا تحمل إلّا مع المشقة.

وفي تفسير العسكري عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «احذروا الانهماك في المعاصي ، والتهاون بها ، فإن المعاصي يستولي بها الخذلان على صاحبها حتّى توقعه في ما هو أعظم منها ، فلا يزال يعصي ويتهاون ويخذل ويوقع في ما هو أعظم مما جنى».

أقول : ما ورد في هذه الرواية وجداني لكل من أرخى عنان النفس في المعاصي ، وسلك في أي مسلك شاء وأراد ، وتدل عليه الروايات الكثيرة ، واستفاد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ذلك من قوله تعالى : (وَكانُوا يَعْتَدُونَ).

٢٦٥

بحث فقهي وكلامي :

قد استدل بالآية الشريفة (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ) على إباحة الأشياء وحليتها وجعلوها أصلا عبروا عنه بأصالة الإباحة العقلية والنقلية وقد حررنا البحث عنه في كتابنا [تهذيب الأصول] فلا وجه للتعرض هنا بعد ذلك.

كما استدل بها على أنّ الرزق يطلق على الحلال فقط لأن الأمر يدل على الإباحة في المقام ، وحيث لا يتصور الإباحة في الحرام فلا يصدق عليه الرزق.

ولكن يرد عليه أنّ من شرط ظهور اللفظ في شيء إحراز كون المتكلم في مقام بيان ذلك الشيء وإقامة الحجة عليه ، وهو غير محرز في المقام ، ويكفي في عدم صحة التمسك بالإطلاق الشك في ذلك على ما هو المتعارف في المحاورات ، وقد حررنا ذلك في أصول الفقه ، ويأتي في الآيات المناسبة ما يتعلق بالرزق إن شاء الله تعالى.

بحث فلسفي :

ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات المباركة جملة من المعجزات التي صدرت من موسى (عليه‌السلام) وهي كلها من صنع الله تعالى وإذا نسبت اليه تعالى لا يتصور فيها التحديد والتقييد بوجه من الوجوه لعموم قدرته ، فالحد بالنسبة إلى الكمال الأتم المطلق من كل جهة ـ من ذاته وبذاته ولذاته ـ لا يتصور له معنى معقول ، ولكن إذا لوحظ ذلك كله بالنسبة إلى المورد والمتعلق لا بد أن يحد بحد الإمكان الذاتي إذ المستحيل بالذات يقصر عن أن يقع مورد المعجزات وخوارق العادات ، لقصور في المتعلق لا أن يكون القصور في القدرة ، وقد سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) : «هل يقدر الله على أن يجعل الدنيا في بيضة بحيث لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة؟ فقال (عليه‌السلام) إن الله قادر ، ولكن هذا لا يكون» ، فاتفق العقل والنقل على خروج الممتنعات عن مورد المعجزات وخوارق العادات ، وإنما يكون موردها الممكنات الذاتية ، وإن كانت ممتنعة عادة بالأسباب العادية لكنها ممكنة

٢٦٦

بالقدرة القاهرة الربوبية. ومنه يعلم الوجه في المعجزات الصادرة عن الأنبياء لا سيما نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

وهذا مراد جمع من الفلاسفة والمتكلمين وتبعهم بعض المفسرين القدماء من أن المعجزة تجري بأسبابها الطبيعية ، أي أنها تجري في الممكنات الذاتية ، لا الممتنعات بأسبابها الطبيعية الظاهرة لمن جرت على يده المعجزات الخفية على غيره بل غير القابلة للظهور له.

ومع ذلك إنّه تبارك وتعالى سلك في جريان الإعجاز مسلك الأسباب الظاهرية ، حفظا للنظام الأحسن الجاري في الأسباب والمسببات ، فإنه تعالى أبى أن تجري الأمور إلّا بأسبابها ، ولذا كان جريان الماء بضرب الحجر بالعصا ، وحمل مريم ابنة عمران بتمثل الروح الأمين لها وتسبيح الحصى في يدي نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، مع أنه تبارك وتعالى قادر على إيجاد هذه الأمور بغير تلك الأسباب أيضا.

ومما ذكرنا يظهر أنّ جميع القوانين العلمية ، والمخترعات الحديثة وما يلحقها بعد ذلك لا ربط لها بالمعجزة وخارق العادة أصلا ، لأنها تجري وفق قوانين علمية ، أو عملية ثابتة مطردة حاصلة من التجربة بخلاف المعجزة فإنها سنة جديدة لم يألفها الإنسان ، ولا يعرف لها قاعدة مطردة ، وإنما تكون بإذن الله تبارك وتعالى.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢))

بعد أن ذكر تعالى بعض أحوال اليهود وتعداد النّعم عليهم وكفرهم وعنادهم عن الحق شرع في بيان أحوال المؤمنين من اليهود والنصارى والصابئين الذين عملوا الصالحات ، وما وعدهم بجزيل الأجر.

٢٦٧

التفسير

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا). المراد بالذين آمنوا من اتخذ الدين القيم كما قال تعالى : (دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [سورة الأنعام ، الآية : ١٦١] وليس المراد به خصوص المسلمين الذين صدقوا محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، ويدل على التعميم ذيل الآية الشريفة فيكون ذكر الأصناف الثلاثة تخصيصا بعد التعميم ، وتفصيلا بعد الإجمال.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هادُوا). أي الذين صاروا يهودا نسبوا إلى يهوذا أكبر ولد يعقوب ، وأبدلت الذال دالا تخفيفا في الاستعمال ، وهو اسم جمع واحده يهودي ، كالروم والرومي. وقد استعملت مادة (ه ود) بهيئاتها في القرآن الكريم ، فقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [سورة الحج ، الآية : ١٧] ، وقال تعالى : (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) [سورة البقرة ، الآية : ١٣٥] ، وقال تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) [سورة المائدة ، الآية : ٦٤] وهذه المادة تأتي بمعنى الرجوع والتوبة ، قال تعالى : (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٥٦] أي : تبنا. سميت اليهود بذلك لتوبتهم عن عبادة العجل ، أو الرجوع عن شريعة موسى (عليه‌السلام) أو الرجوع عن الإسلام ، والكل صحيح في الجملة بالنسبة إليهم حسب الاختلاف الواقع بينهم ، وقد نسب إلى نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه قال : «اختلفت بنو إسرائيل بعد موسى بخمسمائة سنة واختلفوا بعد عيسى بمأتي سنة». وتأتي بمعنى السكون والموادعة والتأني في الحركة.

ويستفاد من قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ) [سورة المائدة ، الآية : ٤٤] أن الإيمان بتوراة موسى (عليه‌السلام) والتسليم بشريعته أخص من مطلق التهود في تلك الأعصار القديمة فضلا عن هذه الأعصار ، ويشهد لذلك ما نقل في التاريخ أن بني إسرائيل ارتد أكثر أسباطهم إلى الشرك وعبادة الأوثان من بعد سليمان ، ثم بادوا بالقتل والأسر فلم يبق منهم اسم ولا رسم. والذين بقوا على صورة التوحيد والشريعة على

٢٦٨

تقلب في ذلك أيضا هم الموسوية وهم أسباط يهوذا أو من تبعهم كسبط بنيامين ، فصار عنوان اليهود علما لمن ينتمي إلى الملة الموسوية.

قوله تعالى : (وَالنَّصارى). جمع نصراني أو نصران كسكارى وسكران. واشتقاقه إما نسبته إلى قرية «الناصرة» كان ينزلها عيسى (عليه‌السلام). أو من تناصرهم. أو من قول الحواريين نحن أنصار الله كما حكى عنهم تبارك وتعالى : (قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) [سورة الصّف ، الآية : ١٤].

قوله تعالى : (وَالصَّابِئِينَ). ورد لفظ الصابئين في القرآن الكريم في موارد ثلاثة هنا ، وفي سورة المائدة قال تعالى : (وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى) [الآية : ٦٩] ، وفي سورة الحج قال تعالى : (وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى) [الآية : ١٧] ويمكن أن يكون تقديمهم بلحاظ تقدم زمانهم على النصارى ، والتأخير عنهم بلحاظ أخذ جملة من أحكامهم من النصارى.

ومادة (ص ب ا) تأتي بمعنى الميل ، فالصابي من خرج ومال من دين إلى دين آخر ، ولذا كان المشركون يقولون لمن أسلم : قد صبا. والصابئون هم الذين خرجوا من أهل الكتاب.

وقد اختلف المفسرون والفقهاء في الصابئين هل أنهم من أهل الكتاب أم لا؟ وعلى الثاني هل هم من المشركين أم لا؟ ويمكن أن يستظهر من ذكرهم في القرآن في سياق أهل الكتاب أنهم منهم موضوعا أو حكما ، ويستفاد من إجماع الفقهاء على صحة أخذ الجزية من الصابئة ـ فإن تم هذا الإجماع ـ يدل على أنهم من أهل الكتاب لعدم جواز أخذ الجزية من غير أهل الكتاب.

وقيل : إنّ كل يهودي ترك دينه وأراد أن يتنصر ، أو كل نصراني ترك دينه وأراد أن يتهود سمي صابئيا. وهذا القول مردود فإن للصابئين دينهم وعقائدهم وعاداتهم المتميزة عن غيرهم. والحق أن يقال : إن الدين إما سماوي ، أو وضعي افتعالي محض ، أو مركب منهما والصابئة اسم نوعي للأخير ، وسيأتي مزيد بيان في البحث الروائي والبحث التاريخي العقائدي.

٢٦٩

قوله تعالى : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً). بيان لمعنى الإيمان ، وحقيقته هي الإيمان بالمبدأ والمعاد ويلزمهما الإيمان بالرسالات السماوية أيضا ، والعمل الصالح على طبق الشريعة المقدسة فيكون العمل الصالح من لوازم الإيمان بالرسالة ، فإن العمل الصالح لا يعرف إلّا من قبل أنبياء الله وبأمر منه عزوجل كل في ظرفه ما لم ينسخ بغيره.

وهذه الآية وما في سياقها ظاهرة في أمرين :

أحدهما : ما ذهب إليه أصحابنا ودلت عليه النصوص من أن العمل الصالح جزء الإيمان.

ثانيهما : أن المناط كله في الإيمان ـ الذي تترتب عليه الآثار الدنيوية والاخروية ـ إنما هو الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح ، فإن من كان كذلك لم يتعد حدود الله ، ولم يتوان في طلب الحق ومرضات الله ولا تأخذه لومة لائم أو نزعة باطل ، فلا أثر لقولهم : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) [سورة البقرة ، الآية : ١٣٥] كما لا أثر لقول اليهود : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [سورة المائدة ، الآية : ١٨] ولا لقول النصارى كذلك ، وقد تقدم بعض الكلام في معنى الإيمان في أول سورة البقرة فراجع.

قوله تعالى : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ). أي إنّ جزاء إيمانهم ، وثواب عملهم الصالح معدّ عند ربهم ، وهذا من قبيل ترتب المعلول على العلة التامة. وذكر (عِنْدَ رَبِّهِمْ) لبيان أنه يستحيل أن يتغير ويتبدل للأدلة العقلية والنقلية الدالة على أن ما عنده تعالى غير قابل للتغيير والتبديل وكفى بذلك فخرا لأهل الإيمان أن يكون لهم ذخيرة باقية عند ربهم ، فيكون لذاته تعالى معية قيومية مع عباده قال تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) [سورة الحديد ، الآية : ٤] وبعناياته الخاصة توفيقات وتأييدات لهم ، وفي جزائه لأعمالهم خزائن يضاعف لمن يشاء.

قوله تعالى : (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). أي لا خوف عليهم من المتوقع ، ولا حزن على الواقع ، ونفي ذاتهما يقتضي نفي جميع ما يتصور

٢٧٠

فيهما من الأفراد أبدا بجميع مراتبهما من الخارجية والعقلية والخيالية ، فإن الحضور المطلق المستفاد من قوله تعالى : (عِنْدَ رَبِّهِمْ) يقتضي نفي الخوف والحزن بالنسبة إليه ، فالنفي نفي موضوعي وهي من القضايا التي قياساتها معها ، فإن الوصول إلى مرتبة الكمال التام والمستغرق في فيوضات الكمال المطلق بالذات لا يتصور فيه نقص حتّى يتعلق به الخوف والحزن ، ولا ريب أن منشأهما وجود النقص في الجملة.

إن قيل : إنّ المراتب متفاوتة فالنقص حاصل ولو بالنسبة إليها. (يقال) هذا من قبيل لوازم الذات غير الملتفت إليها فلا يتعلق بها الحزن ، لأن مورده الالتفات والقصد.

بحث روائي :

عن ابن بابويه في العيون عن الرضا (عليه‌السلام) في النصارى : «أنّهم من قرية اسمها ناصرة من بلاد الشام نزلها مريم وعيسى بعد رجوعهما من مصر».

أقول : تقدم وجه اشتقاق ذلك أيضا.

وفي المعاني عنه (عليه‌السلام): «إن اليهود سمي باليهود ، لأنهم من ولد يهوذا بن يعقوب».

وفي تفسير القمي : «الصابئون قوم لا مجوس ولا يهود ولا نصارى ولا مسلمون ، وهم قوم يعبدون الكواكب والنجوم».

أقول : يأتي بيان مذهبهم.

وفي الدر المنثور عن سلمان الفارسي قال : «سألت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن أهل دين كنت معهم ، فذكر من صلاتهم وعبادتهم فنزلت (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) ـ الآية ـ.

بحث تاريخي عقائدي

الصابئة ـ كما في جملة من التواريخ ـ قوم يدينون بالإله الواحد يتعصبون للروحانيات لتقربهم إلى الله يعبدون الكواكب ، وبعضهم يعبدون

٢٧١

التماثيل ، ويقال : إن بيوراسب أول من أظهر القول بمذهب الصابئة وتبعه على ذلك الذين أرسل إليهم النبي نوح (عليه‌السلام) ، ويدّعي الصابئون أن من أنبيائهم عاذيمون ، وهرمس. وقيل : إن عاذيمون هو شيث ، وهرمس هو إدريس. وقيل : إن اسم الصابئة مشتق من الأصل العبري (ص ب ع) أي غطس ثم أسقطت العين ويشير بذلك الى فرقة المعمدانيين ـ كما ستعرف ـ وقيل : إنه كان لإدريس ـ وهو أخنوخ على ما في التوراة ـ ابن كان يسمى (صاب) واليه تنسب الصابئة. وقد كان هذا الدين منتشرا في بلاد كثيرة وبعث الله فيهم الأنبياء والرسل ، وقد أخذ هذا الدين أمورا كثيرة من الأديان الإلهية وتأثر بالمعتقدات الوثنية.

وهم على فرقتين متميزتين :

الأولى : الفرقة المنديائية ، وهي فرقة يهودية نصرانية أخذت من تعاليم اليهودية والمسيحية ، فأخذت شعيرة التعميد من نصارى يوحنا المعمدان ، وتأثرت بالمجوسية ، وأخيرا أخذت بعض تعاليم الإسلام. والظاهر أن الصابئة الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن في مواضع ثلاثة هي هذه الفرقة.

الثانية : الفرقة الحرانية نسبة إلى صابئة حران ، وهم فرقة وثنية انتحلت بعض أحكام أهل الكتاب ليمكنهم العيش في بلاد الإسلام وينعموا بالسماحة التي أظهرها القرآن لأهل الكتاب ، وقد تفرقت هاتان الفرقتان إلى فرق متعددة لا حاجة إلى ذكرها.

وتتميز الصابئة عن سائر المذاهب بشدة أحكامهم وقسوة تعاليمهم ولأجل ذلك أعرض الناس عن الدخول فيها ، وانكمشت على نفسها فلم يبق منهم إلّا القليل ، ويتركب دين الصابئة من أمرين :

الأول : الإيمان بالإله الواحد صانع العالم وهو رب الأرباب وإله الآلهة ، مدبر ، حكيم ، قادر ، ومقدس عن جميع صفات مخلوقاته يعجز الخلق عن الوصول إلى جلاله ، وإنما يتقرب إليه بالوسائط المقربين وهم الروحانيون المطهرون المنزهون عن المادة والماديات ، فهم مبرأون عن القوى الجسدانية والحركات المكانية والتغييرات الزمانية ، قد جبلوا على التقديس والتسبيح ،

٢٧٢

ويقولون : إنهم المتوسطون في الاختراع وقالوا : إنه لا يمكن أن يكون الإنسان مورد فيض الروحانيات وعنايتهم إلّا بحصول المناسبة بينه وبينها ، ولا تتحقق هذه المناسبة إلّا بتطهير النفس عن الرذائل وتهذيبها عن العلائق الشهوية والغضبية والتحلي بالكمالات. وبعبارة أخرى : تحلي النفس بالكمالات وتخليها عن الرذائل والشهوات ، ولا يحصل ذلك إلّا بالعمل الشاق ، وسيأتي بعض تلك الأعمال.

وبعض الصابئة يقولون بوحدة الوجود فقالوا : إن الخالق واحد كثير أما الواحد ففي الذات وأما الكثير فلأنه يحل في مخلوقاته ويتكثر بالأشخاص ، وقالت الصابئة إنّ الله أجل من أن يخلق الشر والقبائح والأقذار والمخلوقات الحقيرة المؤذية ـ كالعقارب والخنافس والحيات ـ بل هي كلها واقعة ضرورة اتصال الكواكب سعادة ونحوسة واجتماعات العناصر صفوة وكدورة ، فما كان من سعد وخير فهو الصفوة وتنسب إليه عزوجل ، وما كان من نحس وكدر وشر فلا ينسب إليه بل هي حاصلة إما اتفاقا أو ضرورة.

والروحانيات كثيرة عند الصابئين فمنها مدبرات الكواكب السبعة السيارة في أفلاكها وهياكلها فإنها مدبرات هذا العالم ، وحيث لم يتمكنوا من معاينة هذه المدبرات السبعة صنعوا لها هياكل وتقربوا إليها ، ومنها الجواهر العقلية الروحانية ، وقد بنوا لكل من هذه الأسماء والأفلاك السبعة هياكل واشكالا تقربوا إليها ، فمنها هيكل العلة الأولى ، ودونها هيكل العقل ، وهيكل الضرورة ، وهيكل النفس كلها بأشكال خاصة مختلفة كما صنعوا كذلك هياكل الكواكب السبعة. وقالوا : إن نسبة الروحاني إلى الهيكل نسبة الروح إلى الجسد وفعل الروحانيات إنما هو تحريك تلك الهياكل لتحصل من تحريكها انفعالات في الطبايع والعناصر ، والروحانيات إما كلية فيكون تأثيرها كليا أو جزئية فالتأثير جزئي ، ويقولون : إن لكل ظاهرة طبيعية ملكا يكون مدبرا لها.

ثم إنّ بعض الصابئين لما رأوا أن هياكل الأفلاك السبع دائمة التغير تطلع وتغرب ، ترى ليلا ولا ترى نهارا ، وضعوا لتلك الهياكل اشخاصا وتماثيل لتكون نصب أعينهم ، ويتوسلون بها إلى الهياكل وهي إلى الروحانيين وهم

٢٧٣

إلى صانع العالم ، وهذه هي الفرقة الوثنية من الصابئة وقد بقيت إلى العصور المتأخرة كما تقدم. ومن هنا جاء اختلاف المفسرين والعلماء فخلطوا هذه الفرقة بالفرقة الأولى التي تنفي الوثنية والروايات الواردة في أنها يهودية أو نصرانية مجوسية مسلمة كما مر في البحث الروائي تشير إلى هذه الفرقة التي هي من أهل الكتاب دون الفرقة الوثنية.

الأمر الثاني : الأعمال. وقد تقدم أنّ الصابئة قالوا إنه لا يمكن التوسل بالروحانيات إلّا بالتخلية والتحلية ، ولا تحصلان إلّا بالأعمال ، وهي مختلفة عند فرقهم وشاقة ، فالصابئة كلهم يصومون ، ويصلون ثلاث صلوات : أولها عند طلوع الشمس ثمان ركعات ، والثانية عند زوال الشمس عن وسط السماء خمس ركعات في كل ركعة ثلاث سجدات ويتنفلون بصلاة في الساعة الثانية من النهار ، وأخرى : في التاسعة. والثالثة في الساعة الثالثة من الليل ، كما يصلون على طهر ووضوء خاص وهم يغتسلون من الجنابة ، ومس الميت ، ويحرمون أكل لحم الخنزير والكلاب ، والطيور ذوات المخالب ، والحمام ، ونهوا عن السكر والشراب وعن الاختتان ، وأمروا بالتزويج بولي وشهود ، ونهوا عن تعدد الزوجات ، ولا يبيحون الطلاق إلّا بحكم الحاكم ، وقد حرم بعضهم أكل البصل والجريث والباقلاء.

وقد أمروا جميعا بتقريب القرابين متعلقه بالكواكب وأجناسها وهياكلها ، واختلفوا في طبيعة الأضاحي حتّى وصل عند بعضهم التضحية بالبشر.

والحاصل مما وصل إلينا من حالاتهم أن الصابئة فرق مختلفة فبعضهم أخذوا بشريعة موسى ، وبعضهم أخذوا بشريعة عيسى ، وبعضهم وثنيون والكل يظهرون الإسلام والتغييرات والتبدلات كثيرة في دينهم مع صعوبات كثيرة تنافي سائر الأديان ، ولذا قلّ الدخول في دينهم فصار عرضة للزوال والانحلال. هذا ما ضبطته التواريخ بعد رد بعضها إلى بعض. وأما الصابئون حين نزول القرآن فيستظهر من الآيات ترددهم أيضا بين الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام والله العالم بالحقائق.

٢٧٤

(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٤) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (٦٨) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (٦٩) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٧٤))

ذكر سبحانه وتعالى في هذه الآيات المباركة احتجاجاته بنعمه المترادفة على بني إسرائيل ، وذمائم أخلاق بني إسرائيل مثل نكثهم لعهود الله تعالى ، ومواثيقه ، وتعنتهم في إتيان أوامر الله تعالى كما فعلوا في ذبح البقرة ، ثم وصفهم جل شأنه بضعف الإيمان والقساوة بعد ما رأوا من الآيات والمعجزات ، وقد أورد سبحانه وتعالى هذه القصص وأحوال بني إسرائيل ليذكّرنا بما جرى فيهم فنعتبر بها ، ويثير اليهود للإيمان بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

التفسير

قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ). الميثاق هو العهد المؤكد ، ومواثيق الله تعالى عهوده مع عباده المؤكدة بحكم العقل

٢٧٥

الفطري الدال على لزوم شكر المنعم ، وقد تقدم في قوله تعالى : (أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) [سورة البقرة ، الآية : ٤٠] بعض الكلام فراجع. والمراد بالطور هو طور سيناء الجبل المعروف الذي كلم الله عليه موسى (عليه‌السلام).

وهذه الآية المباركة تفسير لقوله تعالى : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٧١]. والنتق هو الجذب أو القلع ، وهو يتصور على وجهين : الأول : أن يكون بسبب الزلزلة الحادثة في الأرض. الثاني : أن يكون ذلك بنفسه معجزة من الله تعالى بلا واسطة سبب طبيعي من زلزلة ونحوها ، ويمكن تأييد الثاني بظهور كونه معجزة مستقلة ، وتأتي في سورة الأعراف بقية الكلام.

وما يقال : من أن رفع الجبل نحو إكراه لهم على الإيمان والعمل بالتوراة ، وهذا باطل عقلا وشرعا.

غير صحيح لأنهم علموا أن هذا نحو إعجاز من الله تعالى ، لا أن يكون إكراها على الإيمان به ، لفرض بقاء اختيارهم بعد ذلك وأمرهم بالأخذ بالتوراة بقوة ، ويستفاد ذلك من سياق الآية.

وهذه الآية الشريفة كانت بعد نزول التوراة ، وأخذ الميثاق منهم لكي يعملوا بها بقوة واجتهاد.

قوله تعالى : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ). أي : خذوا الكتاب الذي أنزلناه إليكم بعزيمة وجد واجتهاد. والمراد بالقوة الأعم من الظاهرية الجسمانية والقوة النفسانية المعنوية بقرينة ذيل الآية الشريفة وسيأتي في البحث الروائي ما يدل على ذلك ، والمورد وان كان خاصا لكن الحكم عام لجميع أمم الأنبياء ، ولا سيما خاتمهم الذي يكون دينه مبتنيا على الدوام والتأبيد.

قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). المراد بالذكر هو حفظه علما وعملا لا مجرد الذكر اللساني ، فإنه لا ينفع ما لم يكن مقرونا بالعمل كما في الروايات المستفيضة ، ويدل على ذلك قوله تعالى فيها : (لَعَلَّكُمْ

٢٧٦

تَتَّقُونَ) إذ التقوى لا تترتب إلّا على العمل بما يحصل منه التقوى ، لا على مجرد التلاوة فقط ، فيكون المقام من باب ترتب المعلول على العلة يعني : أن العمل به يوجب التقوى. ومن جملة ما أمروا بتذكيره وصف النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والإيمان به.

وكلمة الترجي تدل على إيكال الموضوع إلى اختيارهم ومحبوبية التقوى عند الله تعالى ، لما مر مكررا من أن الترجي المستعمل في القرآن يؤتى به بداعي محبوبية متعلقه.

قوله تعالى : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ). التولي : هو الإعراض والإدبار عن الشيء أي : أنهم أعرضوا عن التوراة من بعد ما أخذ منهم الميثاق على العمل بها.

قوله تعالى : (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ). المراد من فضله تبارك وتعالى هو الإمهال ، وعدم التعجيل في العقوبة ، والرحمة هي الإلهام بالتوبة وقبولها. والخسران هو ذهاب رأس المال ، وهو في الإنسان عبارة عن الحقيقة الإنسانية الجامعة لجميع الكمالات.

والمعنى : أنه لو لا إمهال الله تبارك وتعالى لكم ، وجريان سنته على عدم التعجيل في الأخذ بالمعاصي ، وقبول توبتكم بعد ذلك لكنتم من الخاسرين ، أما الخسران بالنسبة إلى أصل الإيمان بالله تعالى فمعلوم أنه مستند إلى اختياركم ، وأما الخسران بالنسبة إلى أصل الإنسانية فلأنها متقومة بالإيمان به جلّ شأنه ، فالخسران يتحقق حينئذ فيهم بالنسبة إلى النشأتين.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ). العلم هنا عبارة عن المعرفة الشخصية. والاعتداء هو التجاوز عن الحد اللازم ، فيشمل ارتكاب المحرمات العقلية ـ كأنحاء الظلم ـ والشرعية كارتكاب المناهي الإلهية. ومادة (س ب ت) تدل على القطع ، قال تعالى : (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) [سورة النبأ ، الآية : ٩] أي : جعلنا النوم قطعا للحركات ، وسببا للراحة والسكون. ويوم السبت معروف في أيام الأسبوع وهو عيد اليهود ،

٢٧٧

والأحد عيد النصارى ، والجمعة عيد المسلمين فذات هذه الأيام أعياد لهؤلاء ، سواء قلنا بكونها اسماء لها من العهد القديم ـ كما يظهر من بعض الآثار ـ أو أنها حدثت بعد قرون كثيرة كما عن جمع.

والمعنى : ولقد عرفتم الذين تجاوزوا عما أمرهم الله تعالى وارتكبوا ما نهاهم عنه في يوم السبت ، وذلك أن الله تعالى جعل لهم وظائف في هذا اليوم بالنسبة إلى الصيد وجهات أخرى فلم يعملوا بها ، وسيأتي تفصيل القصة في سورة الأعراف.

قوله تعالى : (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ). القردة جمع قرد وهو حيوان معروف. وخسأ بمعنى الطرد والإبعاد عن مذلة وحقارة ، ولذا يستعمل في طرد الكلب ، ومن يراد إهانته كقوله تعالى للمجرمين في جهنم : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) [سورة المؤمنون ، الآية : ١٠٨] أي : ابتعدوا عن مذلة وسخط. والأمر هنا تكويني كما في قوله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [سورة يس ، الآية : ٨٢].

وصيرورتهم قردة بحسب القلب معلوم لا إشكال فيه ، لأنه المتيقن من جميع ما ورد في المقام من النصوص والتفاسير إنما البحث في أنهم هل مسخوا إلى صورة القردة أيضا أولا؟ نسب الأول إلى جمهور المفسرين ، ولا بأس به ، لأن الله تعالى قادر على كل شيء.

إن قلت : صيرورتهم بحسب الصورة قردة مخالفة لسنة الله تعالى في عباده لابتنائها على الإمهال في الأخذ بالعقوبة ، مع أنه لو مسخوا قردة كيف يكون ذلك عبرة لغيرهم؟

قلت : أما الأول فلإمكان أن تكون المعصية على حد لا تليق بالإمهال فحكمته تعالى اقتضت الأخذ بها وهي غير معلومة لغيره عزوجل.

وأما الثاني : فلفرض بقاء التعرف الإجمالي بين الممسوخين وغيرهم فيصير ذلك عبرة للآخرين.

قوله تعالى : (فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً

٢٧٨

لِلْمُتَّقِينَ). النكال : بمعنى المنع ، وتسمى العقوبة نكالا لأنها تمنع النّاس عن ارتكاب ما يوجبها. والمراد بما بين يديها الأقوام المحاذون لها الذين لم يعاقبوا بعقوبتهم. وما خلفها الأمم اللاحقة لهم. والوعظ التخويف بكل ما يفعل الله تعالى بالعصاة.

وإنما خص الله تعالى المتقين إما لأجل أنهم يعلمون بأن الله لا يفعل ذلك إلّا مع الحكمة والاستحقاق. أو لأجل أن الموعظة تزيدهم بصيرة وايمانا وتقدم بعض الكلام في قوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [سورة البقرة ، الآية : ٢].

وفي سنخ هذه الآيات تسلية لنبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عما كان يقاسيه من رذائل أخلاق أمته في زمان حياته وما يعانيه بعد ارتحاله فإنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) شاهد يعلم بما يجري في أمته ، وحكم هذه الآية عام فإنها تشتمل على ترتب سخط الله تعالى بمخالفته في الدنيا ، وحصول المسخ وتعقيب ذلك بالنكال والموعظة ، ففيها دلالة واضحة على تعميم الحكم لجميع الأزمان والأمم ولا تختص بأمة دون أخرى ، لما ذكرنا غير مرة أن المورد لا يكون مخصصا. نعم إنّ الله تعالى قد يمهل لمصالح كثيرة ولكنه لا يهمل ، ومسخ الصورة وإن لم يكن له موضوع في أمة خاتم النبيين (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إجلالا له (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولكن حكم مسخ القلوب ممكن بحسب الأخبار الكثيرة والبراهين العقلية ، وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى.

ثم إن بعض المفسرين استدل بهذه الآية المباركة على عدم جواز الحيلة في الأحكام الشرعية الإلهية مطلقا ، لأن اليهود إنما استحقوا هذه العقوبة لأجل احتيالهم في الحكم الإلهي. والمناقشة في هذا الاستدلال واضحة ، لأن معنى الحيلة الشرعية : اجتهاد الفقهاء في إخراج الموضوع المحرم عن انطباق عنوان الحرام عليه إما تخصيصا أو تخصصا إلى عنوان محلل يدل على حليته الدليل الشرعي ، وهذا معنى قول أبي جعفر الباقر (عليه‌السلام): «نعمت الحيلة الفرار من الحرام إلى الحلال» وقول الصادق (عليه‌السلام): «ما أعاد الصلاة قط فقيه يحتال فيها ويدبرها حتّى يصححها» وذكرنا تفصيل البحث في موارد من الفقه.

٢٧٩

قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً). شروع في بيان قصة البقرة ، وبها سميت هذه السورة. البقرة واحدة البقر اسم جنس ، الأنثى والذكر فيه سواء. وقيل البقرة اسم للأنثى والثور اسم للذكر ، كالرجل والمرأة ، والجمل والناقة. ومادة (بقر) تأتي بمعنى الشق والتوسع لأنه يشق الأرض ويوسعها للزراعة. وسمي الرابع من أولاد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) باقرا لأنه يشق العلم شقا ، وفي الحديث : «نهى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن التبقر في المال» أي التوسع فيه.

والمنساق من مجموع الآيات المباركة أن قوله تعالى : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها) [سورة البقرة ، الآية : ٧٢] مقدم على قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) تقدم العلة على المعلول ، وإنما أخّر في ظاهر الكلام لمراعاة الفنون الأدبية المحاورية التي منها : الاهتمام بذكر المقدم وتهيئة النفوس للإصغاء اليه فيكون أدعى للبحث عن معرفة السبب ، وجعله كلاما مستقلا في توجيه الأسماع والأذهان ، واشتياق السامع اليه ومثل ذلك في القرآن كثير.

ومنها : توجيه الخطاب ابتداء إلى نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعدم ذكر البقرة في التوراة فلم يكونوا مأنوسين به.

قوله تعالى : (قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً). الهزء : السخرية واللعب والاستخفاف ـ وهذا القول دليل على جهلهم بقدرة الله تعالى ، وعدم درك عقولهم بحياة المقتول بضرب بعض البقرة به ـ وفسقهم بعدم الاعتناء بأحكام الله تعالى فإن الواجب عليهم تنفيذ أوامره جل شأنه.

وهيئة الهزء كهيئة الكفؤ تقرأ بوجوه أربعة : بضم الوسط ، أو سكونه ، وكل منهما إما مع الهمز أو بدونه ، وجميعها لغات صحيحة تصح القراءة بها ، لكن الأرجح أن يقرأ بالهمزة مع ضم الوسط ، والأدون مع الواو وإسكان الوسط ، والمعروف ترك الهمزة مهما أمكن كما تقدم. والمسألة فقهية مذكورة في بحث القراءة من الصّلاة فراجع كتابنا [مهذب الأحكام].

قوله تعالى : (قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ). العوذ والعياذ هو الالتجاء عما يخاف من شرّه واستعمال هذا اللفظ في القرآن كثير ، وهو إما

٢٨٠