كنز الفوائد - ج ٢

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي

كنز الفوائد - ج ٢

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي


المحقق: الشيخ عبدالله نعمه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الماضي وهو آخذ بهذه الحلقة وهو يقول :

أيها الناس لو صمتم حتى تكونوا كالأوتار وصليتم حتى تكونوا كالحنايا ودعوتم حتى تقطعوا إربا إربا ثم بغضتم علي بن أبي طالب أكبكم الله في النار قم يا أبا الحسن فضع خمسك في خمسي يعني كفك في كفي فإن الله اختارني وإياك من شجرة أنا أصلها وأنت فرعها فمن قطع فرعها أكبه الله على وجهه في النار علي سيد المرسلين وإمام المتقين يقتل الناكثين والمارقين والجاحدين علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

وحدثني الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن شاذان القمي رضي الله عنه بمكة في المسجد الحرام سنة اثنتي عشرة وأربعمائة قال حدثنا القاضي المعافى بن زكريا الجريري إملاء من حفظه قال حدثنا محمد بن مزيد قال حدثنا أبو كريب محمد بن العلا قال حدثنا إسماعيل بن صبيح قال حدثنا أبو إدريس قال حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ولو كان لكنته.

ومما رواه السلمي أيضا وكتبه لي عن الحنظلي البابسيري قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثنا محمد بن سليمان البافيدي قال حدثنا جعفر بن عمر الإيلي قال حدثنا أربعة ابن أبي ذويب وإبراهيم بن سعد ويزيد بن عياض الليثي ومالك بن أنس قالوا حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب أنه قال لسعد :

هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي بن أبي طالب حين خرج إلى غزاة تبوك إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي

قال نعم. وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي هذه المقالة في غزاته هذه غير مرة. (١)

__________________

(١) وتجده في مناقب ابن المغازلي صلى الله عليه وسلم ٣٣ ـ ٣٤.

١٨١

والأخبار المروية في هذا المعنى كثيرة في نقل الخاصة والعامة وفيما أوردته كفاية والله أعلم والحمد لله.

فصل من آداب أمير المؤمنين عليهم السلام وحكمه

المرء حيث يجعل نفسه.

من دخل مداخل السوء اتهم.

من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن.

أكثر من شيء عرف به.

من مزح استخف به.

من اقتحم البحر غرق.

المزاح يورث العداوة.

من عمل في السر عملا يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده من قدر.

ما ضاع امرؤ عرف قدره.

اعرف الحق لمن عرفه لك رفيعا كان أم وضيعا.

من تعدى الحق ضاق مذهبه.

من جهل شيئا عاداه.

أسوأ الناس حالا من لم يثق بأحد لسوء ظنه ولم يثق به أحد لسوء فعله.

لا دليل أنصح من استماع الحق.

من نظف ثوبه قل همه.

الكريم يلين إذا استعطف واللئيم يقسو إذا لوطف.

حسن الاعتراف يهدم الاقتراف.

أخر الشر فإنك إذا شئت تعجلته.

أحسن إذا أحببت أن يحسن إليك.

إذا جحد الإحسان حسن الامتنان.

العفو يفسد من اللئيم بقدر إصلاحه من الكريم.

من بالغ في الخصومة أثم ومن قصر عنها خصم.

١٨٢

لا تظهر العداوة لمن لا سلطان لك عليه

فصل :

قال شيخنا المفيد رحمه‌الله :

أحد عشر شيئا من الميتة التي تقع عليها الذكاة حلال.

وهي الشعر والوبر والصوف والريش والسن والعظم والظلف والقرن والبيض واللبن والإنفحة.

وعشرة أشياء من الحي الذي تقع عليه الذكاة حرام وهي الفرث والدم والقضيب والأنثيين والحيا والرحم والطحال والأشاجع وذات العروق.

قال ويكره أكل الكليتين لقربهما من مجرى البول وليس أكلها حراما.

فصل :

أملى علي شيخي رحمه‌الله :

أن في الرأس والجسد أربع فرائض وعشر سنن.

ففريضتان في الرأس وهما غسل الوجه في الوضوء والمسح بالرأس.

وفريضتان في الجسد وهما غسل اليدين ومسح الرجلين.

وأما السنن فهي سنن إبراهيم الخليل عليهم السلام وهي الحنيفية خمس منها في الرأس وهي فرق الشعر لمن كان على رأسه شعر وقص الشارب والسواك والمضمضة والاستنشاق.

وخمس منها في الجسد وهي الختان وقص الأظافير ونتف الإبط وحلق العانة والاستنجاء.

قضية لأمير المؤمنين ع :

روي أن امرأة علقت بغلام فراودته عن نفسه فامتنع عليها فقالت والله لئن لم تفعل لأفضحنك فلم يفعل فأخذت بيضة فألقت بياضها على ثوبها

١٨٣

وتعلقت به واستغاثت بأمير المؤمنين عليهم السلام وقالت يا أمير المؤمنين إن هذا الغلام كابرني على نفسي وقد أصاب مني وهذا ماؤه على ثوبي.

فسأله أمير المؤمنين عليهم السلام فبكى وقال والله يا أمير المؤمنين لقد كذبت وما فعلت شيئا مما ذكرت.

فوعظها أمير المؤمنين فقالت والله لقد فعل وهذا ماؤه.

فقال أمير المؤمنين عليهم السلام علي بقنبر فجيء به فقال له مر من يغلي ماء حتى تشتد حرارته وصوبه إلي.

فلما أتي بالماء الحار أمر أن يلقى على ثوبها فانسلق بياض البيض وظهر أمره فأمر رجلين من المسلمين أن يطعماه ويلفظاه ليقع اليقين به ففعلا فرأيا بيضا فخلى الغلام وأمر بالمرأة فأوجعها أدبا. (١)

مسألة في المني ونجاسته ووجوب غسل الثوب منه

إن سأل سائل فقال ما الحكم عندكم في المني فهل هو طاهر أم نجس؟؟

قيل له المني نجس يجب غسل ما أصاب الثوب منه وإن كان قليلا ولا تجوز الصلاة في ثوب فيه شيء منه سواء كان رطبا أو يابسا.

فإن قال ما الدليل على ذلك؟

قيل له نقل الشيعة بأسرهم على كثرتهم واستحالة التواطؤ على ذلك منهم والخبر يتواتر بنقل بعضهم وقد روى جميعهم ما ذكرناه عن سلفهم عن أئمتهم عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جدهم وفي هذا الدليل غنى عن غيره.

وبعد ذلك فقد نستدل بما روى عمار بن ياسر رحمه‌الله أنه قال رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أغسل من ثوبي موضعا ،

فقال ما تصنع يا عمار؟

فقلت يا رسول الله نخمت نخامة فكرهت أن تكون في ثوبي (١) فغسلتها.

__________________

(١) رواه المفيد في الإرشاد صلى الله عليه وسلم ١٠٣ ، ورواه في البحار ج ٤٠ صلى الله عليه وسلم ٢٦٣ صلى الله عليه وسلم ٢٦٣ عن الإرشاد وعن مناقب ابن شهرآشوب.

(٢) في النسخة : (ثوب).

١٨٤

فقال يا عمار وهل نخامتك ودموع عينيك وما في أدواتك إلا سواء إنما يغسل الثوب من البول أو الغائط أو المني.

ووجوب غسل الثوب منه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أضاف الطاهر إلى الطاهر والنجس إلى النجس فلو كان المني طاهرا لا يغسل الثوب منه لأضافه إلى ما ميزه بالطهارة ولم يخلطه بما قد علم منه النجاسة التي أوجب غسل الثوب منها في الشريعة.

فإن قال السائل خبركم هذا الذي رويتموه عن عمار غير سالم لأنه قد عارضه خبر عائشة وقولها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وأنا أفرك الجنابة من ثوبه.

وفي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بها وهي في ثوبه دلالة على طهارتها.

قيل له هذا غير صحيح لما

روي من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له بردان معزولان للصلاة لا يلبسها إلا فيها.

وكان يحث أمته على النظافة ويأمرهم بها وإن من المحفوظ عنه في ذلك قوله :

إن الله يبغض الرجل القاذورة.

قيل وما القاذورة يا رسول الله؟

قال الذي يتأفف به جليسه.

ومن يكون هذا قوله وأمره لا يجلس والمني في ثوبه فضلا عن أن يصلي وهو فيه.

وليس يشك العاقل في أن المني لو لم يكن من الأنجاس المفترض إماطتها لكان من الأوساخ التي يجب التنزه عنها.

وفيما صح عندنا من اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في النظافة وكثرة استعماله للطيب على ما أتت به الرواية دال على بطلان خبر عائشة.

وشيء آخر وهو أن عمارا رحمه‌الله قد اجتمعت الأمة على صحة إيمانه واتفقت على تزكيته وعائشة قد اختلف فيها وفي إيمانها ولم يحصل الاتفاق

١٨٥

على تزكيتها فالأخذ بما رواه عمار رضي الله عنه أولى.

وشيء آخر وهو أن خبر عمار يحظر الصلاة في ثوب فيه مني أو يغسل وخبر عائشة يبيح ذلك والمصير إلى الحاظر من الخبر أولى وأحوط في الدين وشيء آخر وهو أن عمارا رضي الله عنه حفظ قولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه وعائشة لم تحفظ في هذا قولا وإنما أخبرت عن فعلها وقد يجوز أن يكون توهمت أن في ثوبه جنابة أو رأت شيئا شبيها بها هذا مع تسليمنا لخبرها فروت بحسب ظنها.

ثم يقال للخصم إذا كانت الجنابة عندك طاهرة يجوز الصلاة فيها فلم فركتها عائشة واجتهدت في قلعها فألا تركتها كما تركها عندكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى فيها؟

فإن قال السائل إذا كان المني نجسا فكيف خلق الله تعالى منه الطاهرين من الأنبياء المصطفين والعباد الصالحين؟

قيل له هذا السؤال عائد على سائله وهو أن يقال له إذا كان المني طاهرا فكيف خلق الله تعالى النجسين من الفراعنة والشياطين والكفار والمشركين؟

وبعد فالمني جسم ونجاسته عرض والأعراض تنتقل وقد رأينا نجسا صار طاهرا وطاهرا عاد نجسا.

ولو قال للخصم قائل إذا كان الدم نجسا فكيف جعله الله تعالى قوام جسم المؤمن وصحة كونه حيا.

وإذا كانت العذرة نجسة فكيف حملها المؤمن واستقرت في جسمه والسؤال عن هذه المواضع ساقط لا معنى له.

فصل :

جاء في الحديث أن قوما أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له ألست رسولا من الله تعالى قال لهم بلى قالوا له وهذا القرآن الذي أتيت به كلام الله تعالى قال نعم قالوا فأخبرنا عن قوله

١٨٦

(إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) (١)

إذا كان معبودهم معهم في النار فقد عبدوا المسيح عليهم السلام أفنقول إنه في النار؟

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أنزل القرآن علي بكلام العرب والمتعارف في لغتها وعند العرب أن ما لما لا يعقل ومن لمن يعقل والذي يصلح لهما جميعا فإن كنتم من العرب فأنتم تعلمون هذا قال الله تعالى (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ) يريد الأصنام التي عبدوها وهي لا تعقل والمسيح عليهم السلام لا يدخل في جملتها لأنه يعقل.

ولو قال إنكم ومن تعبدون لدخل المسيح عليهم السلام في الجملة فقال القوم صدقت يا رسول الله (٢).

وفي هذا الخبر دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحاج ويناظر ويعارض ويفصل ويوضح الجواب لسائله ويثبت الحجة على خصمه ولا يدعو إلى التقليد بل يوضح التقليد بإقامة الدليل.

فإن قال قائل إذا كان الذين عبدوا الأصنام في شركهم وكفرهم فلأي وجه تكون الأصنام في النار معهم وهي لم تكفر ولا يصح أن يعذب أيضا ما ليس بحي.

قلنا إن المراد بذلك أن يرى العابدون لها أنها لم تغن عنهم شيئا وأنها بحيث هم لا تدفع عن أنفسها لو كانت حية قادرة ولا عنهم.

وعلى هذا المعنى يتأول قوله سبحانه :

(وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ)

بأنها الحجارة التي عبدوها وهي الأصنام قال الله تعالى حكاية عن أهل النار :

__________________ (١) سورة الأنبياء : ٩٨.

(٢) طريقة هذا الحديث في المحاورة وأسلوبها تبعد جدا أن يكون من حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) بل هو بكلام بعض علماء المسلمين أشبه.

١٨٧

(لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ)

سؤال عن آيات

إن سأل سائل فقال ما معنى قول الله تبارك وتعالى :

(ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) هود : ١٠٣ ـ ١٠٤ (١)

وقوله تعالى في موضع آخر :

(هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) المرسلات : ٣٥ ـ ٣٦.

وقال في موضع آخر :

(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) الصافات : ٢٧ والطور : ٢٥.

وظاهر هذه الآيات مختلف لأن بعضها ينبئ عن أن النطق لا يقع منهم في ذلك اليوم ولا يؤذن لهم فيه.

وبعضها ينبئ عن خلافه :

فالجواب أنه تعالى إنما أراد بما نفاه نفي النطق المسموع المقبول الذي يكون لهم فيه حجة أو عذر ولم ينف الذي ليست هذه حاله.

ويجري هذا المجرى قولهم خرس فلان عن حجته ومرادهم بذلك أنه لم يأت بحجة ينتفع بها وإن كان قد تكلم كلاما كثيرا.

وقولهم حضرنا فلانا يناظر فلم يقل شيئا والمراد أنه لم يأت بكلام سديد ولا قول صحيح وإن كان قد قال قولا غزيرا فأطلقوا اللفظ في الكلام والمراد ما ذكرناه وقد قال الشاعر:

 أعمى إذا ما جارتي خرجت

حتى يواري جارتي الخدر

ويصم عما كان بينهما

سمعي وما بي غيره وقر

__________________

(١) الأنبياء : ٩٩

(٢) تجد الكلام على ذلك في أمالي المرتضى م ١ صلى الله عليه وسلم ٤٣ ـ ٤٤.

١٨٨

وهذا التأويل في نفي القول لا يمنع من وقوع التساؤل والتلاوم بينهم الذي ليس لهم فيه حجة ولا يثمر فائدة.

فأما قوله سبحانه (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) فالتأويل الحسن أن يحمل (يُؤْذَنُ لَهُمْ) على معنى أنه لا يسمع منهم ولا يقبل عذرهم.

والعلة في امتناع قبول عذرهم هي ما قد بينا من أنهم لا يعتذرون بعذر صحيح ولا يأتون بقول مصيب.

سؤال آخر :

فإن قال فقد قال الله تعالى في موضع من كتابه :

(وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) الصافات : ٢٤.

فأوجب السؤال وقال في موضع آخر :

(فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) الرحمن : ١٥.

فنفى السؤال وظاهره متناقض واختلاف.

فالجواب :

أن السؤال الذي أوجبه سبحانه هو سؤال المطالبة بالواجبات وتضييع المفروضات.

والسؤال الذي نفاه عزوجل هو سؤال الاستعلام والمعنى في ذلك أن الله تعالى علم جميع ما فعلوه ولا يخفى عليه شيء مما أتوه فلا حاجة إلى السؤال عن ذنبهم ولا حاجة للملائكة أيضا إلى السؤال عن المذنب منهم لأن الله تعالى يجعل لهم سيماء يعرفون به وذلك قوله عزوجل :

(يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) الرحمن : ٤١.

فصل مما ورد في ذكر النصف

روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

التودد إلى الناس نصف العقل.

وحسن السؤال نصف العلم.

١٨٩

والتقدير في النفقة نصف العيش.

وجاء في خبر آخر عنه عليهم السلام :

التقدير نصف المعيشة.

وروي عن أمير المؤمنين عليهم السلام أنه قال :

الهم نصف الهرم والسلامة نصف الغنيمة.

وقال بعض الحكماء الخوف نصف الموت.

وقال آخر المخافة شطر المنية.

وقيل الراحة نصف السلامة وحسن الطلب نصف العلم والتودد نصف الحزم وحسن التدبير نصف الكسب.

وقال بعض الحكماء نصف رأيك مع أخيك.

يريد بذلك وجوب المشاورة ليجتمع الرأي.

وقيل إذا بان منك أخوك بان شطرك وإذا اعتل خليلك فقد اعتل نصفك.

وأنشد :

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده

فلم يبق إلا صورة اللحم والدم (١)

وكتب أبو العتاهية إلى أحمد بن يوسف (٢)

لئن عدت بعد اليوم إني لظالم

سأصرف نفسي حيث تبقى المكارم

__________________

(١) البيت من معلقة زهير بن أبي سلمى ، التي أولها :

أمن أم أوفى دمنة لم تكلّم

بحومانة الدرّاج فالمتثلم

(٢) أحمد بن يوسف من مشاهير الكتاب في عصر المأمون ومن الشعراء المجيدين ومن وزراء المأمون ، يكنى بأبي جعفر أحمد بن يوسف بن صبيح وهو أخو القاسم بن يوسف بن صبيح الشاعر الشيعي ، وتجد أخبار أحمد بن يوسف في كتاب الأوراق لأبي إسحاق الصولي صلى الله عليه وسلم ٢٠٦ ـ ٢٣٦ الذي ذكر فيه كثيرا من شعره وإنشائه ، وقد توفّي سنة ٢١٣ ه ورثاه أخوه بعدة أبيات.

١٩٠

متى ينجح الغادي إليك بحاجة

ونصفك محجوب ونصفك نائم

ولما اتهم قتيبة بن مسلم (١) أبا مجلد :

قال أبو مجلد أيها الأمير تثبت فإن التثبت نصف العفو.

وقيل السفر نصف العذاب.

وقال سعيد بن أبي عمرويه (٢) :

لأن يكون لي نصف وجه ونصف لسان على ما فيهما من قبح المنظر وعجب المخبر أحب إلي من أن أكون ذا وجهين ولسانين وذا قولين مختلفين

ولبعضهم :

بسطت لساني ثم أوثقت نصفه

فنصف لساني في امتداحك مطلق

فإن أنت لم تنجز عداتي تركتني

وباقي لسان (٣) الشكر باليأس موثق

ووجد مكتوبا على قبر :

يا قبر أنت سلبتني إلفا

قدمته وتركتني خلفا

وأخذت نصف الروح من جسدي

فقبرته وتركتني نصفا

وقيل إذا اتخذت جارية فعليك بالبيضاء فإن البياض نصف الحسن.

لابن عيينة :

إن دنيا هي التي

بسحر العين سافره

سرقوها نصف اسمها

هي دنيا وآخرة

__________________

(١) قتيبة بن مسلم الباهلي من أعاظم قوّاد الأمويين صاحب الفتوحات الكبيرة في المشرق قتله وكيع بن أبي سود سنة ٩٧ ه.

(٢) هو سعيد بن أبي عروبة لا عمروية كما في البيان والتبيين ج ٢ صلى الله عليه وسلم ١٢٢ ـ ١٢٣ ، وتجد كلمته في الكتاب المذكور. توفي ١٥٦ ه انظر : فهرست ابن النديم صلى الله عليه وسلم ٣١٧.

(٣) في النسخة : لساني.

(٤) كذا في النسخة.

١٩١

لابن المعتز (١) في جارية له :

يا دهر كيف شققت نفسا

فخلست منها النصف خلسا

وتركت نصفا للأسى

جعل البقاء عليه نحسا

سقيا لوجه حبيبه

أودعتها كنفا ورمسا

وأنشد لذي الرمة (٢) :

وإن امرأ في بلدة نصف قلبه

ونصف بأخرى إنه لصبور

فصل من الأدب :

روي عن بعض الأدباء أنه قال لابنه :

اقتن من مكارم الأخلاق خمسا وارفض ستا واطلب العز بسبع واحرص على ثمان فإن فزت بتسع بلغت المدى وإن أحرزت عشرا أحرزت الدنيا والآخرة.

فأما الخمس المقتناة فخفض الجانب وبذل المعروف وإعطاء النصفة من نفسك وتجنب الأذى وتوقي الغرم.

وأما الست المرفوضة فطاعة الهوى وارتكاب البغي وسلوك التطاول وقساوة القلب وفظاظة القول وكثرة التهاون.

وأما السبع التي ينال بها العز فأداء الأمانة وكتمان السر وتأليف المجانب وحفظ الإخاء وإقالة العثرة والسعي في حوائج الناس والصفح عند الاعتذار.

وأما الثمان التي تحرص عليها فتعظيم أهل الفضل وسلوك طرق الكرم والمواساة في ملك اليد وحفظ النعم بالشكر واكتساب الأجر بالصبر ،

__________________

(١) هو عبد اللّه بن محمّد وقيل الزبير المعتز ابن المتوكل العباسيّ ولد سنة ٢٤٩ ه ومات قتلا سنة ٢٩٦ ه بويع له بالخلافة ولم يستقم أمره سوى يوم واحد ، ثمّ أخذ هو ووزيره وحاجبه وحبس.

كان من الأدباء والشعراء المجيدين وبخاصّة في الوصف وهو أول من صنف في علم البديع.

(٢) هو أبو الحرث غيلان بن عقبة ينتهي نسبه إلى نزار من فحول الشعراء الإسلاميين ولقب بذي الرمة بالضم والكسر وهو قطعة حبل لقوله : (أشعث باقي رمة التقليد)كانت وفاته سنة ١١٧ ه ولما حضرته الوفاة قال : أنا ابن نصف الهرم وأنا ابن أربعين سنة.

١٩٢

والإغضاء عن زلل الصديق واحتمال النوائب وترك الامتنان بالإحسان.

وأما التسع التي تبلغ بها المدى فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحرز اللسان عن سقوط الكلام وغض الطرف وصدق النية والرحمة لأهل البلاء والموالاة على الدين والمسامحة في الأمور والرضا بالمقسوم.

وأما العشرة الكاملة التي تنال بها الدنيا والآخرة فالزهد فيما يفنى والاستعداد لما يأتي وكثرة الندم على ما فات وإدمان الاستغفار واستشعار التقوى وخشوع القلب وكثرة الذكر لله تعالى والرضا بأفعال الله سبحانه وملازمة الصدق والعمل بما ينجي.

فصل في ذكر الغنى والفقر

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

ليس الغنى في كثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس.

وقال صلى الله عليه وسلم :

ثلاث خصال من صنعة أولياء الله تعالى :

الثقة بالله في كل شيء والغنى به عن كل شيء والافتقار إليه عن كل شيء.

وقال صلى الله عليه وسلم :

ألا أخبركم بأشقى الأشقياء قالوا بلى يا رسول الله.

قال من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة.

نعوذ بالله من ذلك.

وقال أمير المؤمنين عليهم السلام :

الفقر يخرس الفطن عن حجته والمقل غريب في بلده.

من فتح على نفسه بابا من المسألة فتح الله عليه بابا من الفقر.

وقال عليهم السلام :

العفاف زينة الفقر والشكر زينة الغنى.

وقال من كساه الغنى ثوبه خفي عن العيون عيبه.

١٩٣

وقال من أبدى إلى الناس ضره فقد فضح نفسه وخير الغنى ترك السؤال وشر الفقر لزوم الخضوع.

وقال :

استغن بالله عمن شئت تكن نظيره واحتج إلى من شئت تكن أسيره وأفضل على من شئت تكن أميره.

وقال لا ملك أذهب للفاقة من الرضا بالقنوع.

وروي أن الماء صب على صخرة فوجد عليها مكتوبا :

إنما يتبين الفقر والغنى بعد العرض على الله عزوجل.

وقال رجل للصادق عليهم السلام عظني فقال :

لا تحدث نفسك بفقر ولا بطول عمر.

وقيل ما استغنى أحد بالله إلا افتقر الناس إليه.

وقيل الفقير من طمع والغني من قنع.

وأنشد لأمير المؤمنين ع :

ادفع الدنيا بما اندفعت

واقطع الدنيا بما انقطعت

يطلب المرء الغنى عبثا

والغنى في النفس لو قنعت

ومن قطعة لأبي ذؤيب : (١)

والنفس راغبة إذا رغبتها

وإذا ترد إلى قليل تقنع

لمحمود الوراق (٢) :

أراك يزيدك الإثراء حرصا

على الدنيا كأنك لا تموت

فهل لك غاية إن صرت يوما

إليها قلت حسبي قد غنيت

تظل على الغنى أبدا فقيرا

تخاف فوات شيء لا يفوت

وأغنى منك ذو طمرين راض

من الدنيا ببلغة ما يفوت

وله أيضا :

__________________

(١) مرت ترجمته.

(٢) مرت ترجمته.

١٩٤

يا عائب الفقر ألا تزدجر

عيب الغنى أكبر لو تعتبر

من شرف الفقر ومن فضله

على الغنى إن صح منك النظر

أنك تعصي لتنال الغنى

ولست تعصي الله إن تفتقر

لغيره:

أرى أناسا بأدنى الدين قد قنعوا

ولا أراهم رضوا في العيش بالدون

فاستغن بالله عن دنيا الملوك كما

استغنى الملوك بدنياهم عن الدين

فصل في الكلام في الأرزاق

اعلم أن الرزق في الحقيقة هو التمليك وأصل التمليك من الله تعالى وهو الرازق للعباد وقد جعل بحكمته وعلمه من مصالح بريته أرزاقهم على قسمين :

أحدهما ما يوصله إليهم من غير سعي يكون منهم ولا اكتساب ولا تحمل شيء من المشاق كالمواريث ونحوها من الأمور المتيسرات.

والآخر مشترط بحركة العبد وسعيه واجتهاده وحرصه فمن سعى ناله ومن قعد فاته وقد أمر الله تعالى بالاكتساب والطلبة قال تعالى :

(فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) الجمعة : ١٠.

وقال :

(إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ) العنكبوت : ١٧.

فلا يجوز مخالفة أمر الله تعالى وترك التكسب والطلب وليس ذلك بمضاد للتوكل على الله تعالى لأن له التعرض ومنه الطلب.

وقد أجرى العادة بأن لا يؤتى هذا القسم من الرزق إلا بعد الحركة والطلب ومثل ذلك كثير في أفعاله تعالى التي قد أجرى العادة بأن لا يفعلها

١٩٥

إلا بعد فعل يقع من العباد قبلها كالولد بعد الوطء والنبات بعد الزرع والسقي.

وليس المجتهد في كل وقت مرزوقا وذلك لأن العطاء والمنع والزيادة في الرزق والنقص منوط كله بالمصالح المعلومة عند الله تعالى.

وإنما يحسن من العاقل أن يسأل الله تعالى في الرزق بشرط أن لا يكون له مفسدا قال الله تعالى :

(وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ) الزخرف : ٣٣.

وكل شيء رزقه الله تعالى للعبد فقد أباحه التصرف فيه قال الله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ) البقرة : ٢٥٤.

وقال (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) البقرة : ٢٦٧.

وقال (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) ابراهيم : ٣١.

وما رزقه الله وأباح التصرف فيه فإنه لا يعاتب عليه.

فأما المغتصبات فليست بأرزاق لغاصبيها ولا ملكهم الله تعالى إياها وإنما تسمى أرزاقا على المجاز من حيث إنها من الأشياء التي خلقها الله تعالى ليغتذى بها.

والدليل على أن الله تعالى لم يرزقهم ما اغتصبوه إخباره بأنهم ظالمون فيه وأنه يعاقبهم عليه قال الله تعالى :

(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً). النساء : ١٠.

وأمره سبحانه بقطع يد السارق في قوله تعالى :

(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ) المائدة : ٣٨.

ولو كان الغاصب قد أخذ ما رزقه الله تعالى على الحقيقة لكان المطالب له

١٩٦

برد ما أخذه ظالما له ولم يجز في العدل أن يعاقب عليه في الدنيا والآخرة بل أن يكون ممدوحا على تصرفه فيه وإنفاقه له كما مدح الله تعالى من أنفقه من حله فقال :

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) الأنفال : ٢ ـ ٤. فجعل إنفاق الرزق من صفات المؤمنين فلما لم يكن للغاصبين إنفاق ما اغتصبوه وكانوا مذمومين عليه معاقبين على تصرفهم فيه دل ذلك على أن الله تعالى لم يرزقهم إياه في الحقيقة وإذا لم يكن رزقا للغاصب فهو رزق للمغصوب منه وإن حيل بينه وبينه.

فصل مما روي في الأرزاق

روي عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :

أكثروا الاستغفار فإنه يجلب الرزق.

وقال عليهم السلام

من رضي باليسير من الرزق رضي الله عنه باليسير من العمل.

وروي أن الله تعالى أوحى إلى عيسى عليهم السلام

ليحذر الذي يستبطئني في الرزق أن أغضب فافتح عليه بابا من الدنيا.

وقال أمير المؤمنين عليهم السلام

الرزق رزقان رزق تطلبه ورزق يطلبك فإن لم تأته أتاك.

وروي عن أحد الأئمة عليهم السلام أنه قال في الرزق المقسوم بالحركة إن من طلبه من غير حله فوصل إليه حوسب من حله وبقي عليه وزره.

فالواجب أن لا يطلب إلا من الوجه المباح دون المحظور.

وروي عن أمير المؤمنين عليهم السلام أنه قال :

من حسن نيته زيد في رزقه.

١٩٧

واعلم أن الدليل على جواز الزيادة في الأرزاق هو الدليل على جواز الزيادة في الأعمار لأن الله تعالى إذا زاد في عمر عبده وجب أن يرزقه ما يتغذى به.

ذكروا أن إبراهيم بن هرمة انقطع إلى جعفر بن سليمان الهاشمي فكان يجري له رزقا فقطعه فكتب إليه ابن هرمة (١)

إن الذي شق فمي ضامن

للرزق حتى يتوفاني

حرمتني خيرا قليلا فما

إن زادني مالك حرماني

فرد إليه رزقه وأحسن إليه.

وأنشد لبعضهم :

التمس الأرزاق عند الذي

ما دونه إن سيل من حاجب

من يبغض التارك تسئاله

جودا ومن يرضى عن الطالب

ومن إذا قال جرى قوله

بغير توقيع إلى كاتب

وروي عن الصادق عليهم السلام أنه قال :

ثلاثة يدعون فلا يستجاب لهم رجل جلس عن طلب الرزق ثم يقول اللهم ارزقني يقول الله تعالى له ألم أجعل لك طريقا إلى الطلب.

ورجل له امرأة سوء يقول اللهم خلصني منها يقول الله تعالى أليس قد جعلت أمرها بيدك.

ورجل سلم ماله إلى رجل ولم يشهد عليه به فجحده إياه فهو يدعو عليه فيقول الله تعالى قد أمرت بالإشهاد فلم تفعل.

لابن وكيع التنيسي :

لا تحيلن على سعدك في الرزق ونحسك

وإذا أغفلك الدهر فذكره بنفسك

لا تعجل بلزوم بيتك ما قبل رمسك

إنما يحمد حسن الرزق من جدة حسك

__________________

(١) هو أبو إسحاق إبراهيم بن عليّ بن سلمة القرشيّ الفهري من الشعراء المجيدين كان حيا سنة ١٤٦ ه وكان معروفا بالتشيع عند الأمويين والعباسيين.

١٩٨

وروي في بعض الكتب أن الله تعالى يقول :

يا ابن آدم حرك يدك أبسط لك في الرزق وأطعني فيما آمرك فما أعلمني بما يصلحك.

وقيل لبعض لو تعرضت لفلان لوصلك فقال :

ما تلهفت لشيء من أمر الدنيا منذ حفظت هذه الأربع آيات من كتاب الله تعالى قوله :

(ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) سورة فاطر : ٢.

وقوله تعالى (وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) يونس : ١٠٧.

وقوله سبحانه :

(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) هود : ٦.

وقوله جل اسمه :

(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) الذاريات : ٢٢.

فروي أن صلة الرجل الذي قيل له لو تعرضت له أتت إلى منزله من غير طلب وأنشد لابن الأصبغ :

لو كان في صخرة في الأرض راسبة

صماء ملمومة ملسا نواحيها

رزق لنفس براها الله لانغلقت

عنه فأدت إليه كل ما فيها

أو كان بين طباق السبع مطلبها

لسهل الله في المرقى مراقيها

حتى يلاقي الذي في اللوح خط له

إن هي أتته وإلا سوف يأتيها

١٩٩

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :

ما من مؤمن إلا وله باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه وذلك قوله تعالى :

(فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ).

فصل :

مما ذكر في تأويل قول الله عزوجل :

(فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) الدخان : ١٩ (١).

اعلم أن هذه الآية نزلت في قوم فرعون الذين أهلكهم الله عزوجل وأورث أرضهم ونعمهم غيرهم وفيها وجوه :

أحدها ما ورد به الخبر الذي قدمناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذكر البابين اللذين لكل مؤمن يصعد من أحدهما عمله وينزل من الآخر رزقه وأنهما يبكيان عليه بعد موته ومعنى البكاء هاهنا الإخبار عن الاختلال بعده كما يقال بكى منزل فلان بعده.

قال مزاحم العقيلي :

بكت دارهم من أجلهم فتهللت

دموعي فأي الجازعين ألوم

أمستعبرا يبكي من الهون والبلى

وآخر يبكي شجوه ويهيم

فإذا لم يكن لها ولا للقوم الذين أخبر الله تعالى ببوارهم مقام صالح في الأرض ولا عمل كريم يرفع إلى السماء جاز إن يقال (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ).

وقد روي عن ابن عباس رحمه‌الله أنه قيل له وقد سئل عن هذه الآية أوتبكي السماء والأرض على أحد فقال نعم مصلاه في الأرض ومصعد عمله في السماء

__________________

(١) أنظر الكلام على هذه الآية في أمالي المرتضى م ١ صلى الله عليه وسلم ٤٩ ـ ٥٥.

٢٠٠