كنز الفوائد - ج ٢

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي

كنز الفوائد - ج ٢

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي


المحقق: الشيخ عبدالله نعمه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفه ويخاطب نفسه يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما جشب.

كان والله معنا كأحدنا يدنينا إذا أتيناه ويجيبنا إذا سألناه وكان مع دنوه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة له.

فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ النظيم يعظم أهل الدين ويحب المساكين لا يطمع القوي في باطلة ولا ييأس الضعيف من عدله.

أشهد بالله لرأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه متماثلا في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم (١) ويبكي بكاء الحزين وكأني أسمعه وهو يقول يا دنيا يا دنيا أبي تعرضت أم إلي تشوفت هيهات هيهات غري غيري لا حان حينك قد أبنتك ثلاثا عمرك قصير وخيرك حقير وخطرك كبير آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.

فوكفت دموع معاوية على لحيته وجعل يستقبلها بكمه واختنق القوم جميعا بالبكاء وقال هكذا كان أبو الحسن يرحمه‌الله فكيف وجدك عليه يا ضرار؟

فقال وجد أم واحد ذبح واحدها في حجرها فهي لا يرقى دمعها ولا يسكن حزنها (٢)

فقال معاوية لكن هؤلاء لو فقدوني لما قالوا ولا وجدوا بي شيئا من هذا.

__________________

(١) السليم هو الملسوع من حية أو عقرب.

(٢) خبر ضرار مستفيض ، وقد عرض له في الاستيعاب ج ٣ صلى الله عليه وسلم ٤٣ من المطبوع بهامش (الإصابة) بمصر سنة ١٩٣٩ م ـ ١٣٥٨ ه والقيروانيّ في زهر الآداب المطبوع بهامش العقد الفريد م ١ صلى الله عليه وسلم ٤٧ ـ ٤٨ ، والسبط في التذكرة ، صلى الله عليه وسلم ١١٩ ، والمسعودي في مروج الذهب ج ٢ صلى الله عليه وسلم ٤٣٣ ، وابن حجر في الصواعق صلى الله عليه وسلم ١٣٩ ـ ١٤٠ والقالي في الأمالي ١٤٣ ـ ١٤٤ ، والبيهقيّ في المحاسن والمساوئ ج ٢ صلى الله عليه وسلم ٧٢ ـ ٧٣ وغيرها. انظر كتابنا (مصادر نهج البلاغة) صلى الله عليه وسلم ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

١٦١

ثم التفت إلى أصحابه فقال بالله لو اجتمعتم بأسركم هل كنتم تؤدون عني ما أداه هذا الغلام عن صاحبه؟

فيقال إنه قال عمرو بن العاص الصحابة على قدر الصاحب.

تروى هذه الأبيات عن أمير المؤمنين ع :

إذا كنت تعلم أن الفراق

فراق الحياة قريب قريب

وأن المعد جهاز الرحيل

ليوم الرحيل مصيب مصيب

وأن المقدم ما لا يفوت

على ما يفوت معيب معيب

وأنت على ذاك لا ترعوي

فأمرك عندي عجيب عجيب

وقال أمير المؤمنين عليهم السلام :

ما زالت نعمة عن قوم ولا غضارة عيش إلا بذنوب اجترحوها إن الله (لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).

بلغنا أن من كلام الله تعالى الذي أنزله على بني إسرائيل :

أني أنا الله لا إله إلا أنا ذو .. مفقر الزناة وتارك تاركي الصلاة عراة.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

أحسنوا مجاورة النعم لا تملوها ولا تنفروها فإنها قل ما نفرت عن قوم فعادت إليهم

.

وقال عليهم السلام :

من قال قبح الله الدنيا قالت الدنيا قبح الله أعصانا للرب.

وقال عليهم السلام :

من عف عن محارم الله كان عابدا ومن رضي بقسم الله كان غنيا ومن أحسن مجاورة من جاوره كان مسلما ومن صاحب الناس بالذي يحب أن يصاحبوه كان عدلا.

وقال عليهم السلام :

من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ومن أشفق من النار رجع عن

١٦٢

المحرمات ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات.

فصل

مما جاء في الخصال :

قال رجل لأحد الزهاد أوصني.

فقال أوصيك بخصلة واحدة إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما.

ولقي حكيم حكيما فقال له عظني وأوجز.

قال عليك بخصلتين لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك.

قال زدني قال ما أجد للحالين ثالثة.

قال حكيم الفرس :

ثلاث خصال لا ينبغي للعاقل أن يضيعهن بل يجب أن يحث عليهن نفسه وأقاربه ومن أطاعه.

عمل يتزوده لمعاد وعلم طب يذب به عن جسده وصناعة يستعين بها في معاشه.

وقال بعض الحكماء :

أربع خصال يمتن القلب ترادف الذنب على الذنب وملاحاة الأحمق وكثرة مثاقبه النساء والجلوس مع الموتى.

قيل له ومن الموتى؟

قال كل عبد مترف فهو ميت وكل من لا يعمل فهو ميت.

وقال ابن عباس رحمة الله عليه :

خمس خصال تورث خمسة أشياء :

ما فشت الفاحشة في قوم قط إلا أخذهم الله بالموت.

وما طفف قوم الميزان إلا أخذهم بالسنين.

١٦٣

وما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم.

وما جار قوم في الحكم إلا كان القتل بينهم.

وما منع قوم الزكاة إلا سلط الله عليهم عدوهم.

وقال لقمان الحكيم لابنه في وصيته :

يا بني أحثك على ست خصال ليس من خصلة إلا وهي تقربك إلى رضوان الله عزوجل وتباعدك من سخطه

الأولى أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا.

والثانية الرضا بقضاء الله فيما أحببت وكرهت.

والثالثة أن تحب في الله وتبغض في الله.

والرابعة تحب للناس ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك.

والخامسة تكظم الغيظ وتحسن إلى من أساء إليك.

والسادسة ترك الهوى ومخالفة الردى.

وقال بعضهم ذو المروءة الكاملة من اجتمع فيه سبع خصال إذا ذكر ذكر وإذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر وإذا عصى غفر وإذا أحسن استبشر وإذا أساء استغفر وإذا وعد أنجز ويسر.

وقال بعض الحكماء :

تحصن بثمان من ثمان :

بالعدل في المنطق من ملالة الجلساء.

وبالروية في القول من الخطأ.

وبحسن اللفظ من البذاء.

وبالإنصاف من الاعتداء.

وبلين الكف من الجفاء.

وبالتودد من ضغائن الأعداء.

وبالمقاربة من الاستطالة.

وبالتوسط في الأمور من لطخ العيوب.

١٦٤

وروي أن تسع خصال من الفضل والكمال وهن داعيه إلى المحبة مع ما فيها من القربة والمثوبة :

الجود على المحتاج والمعونة للمستعين وحسن التفقد للجيران وطلاقة الوجه للإخوان ورعاية الغائب فيمن يخلف وأداء الأمانة إلى المؤتمن وإعطاء الحق في المعاملة وحسن الخلق عند المعاشرة والعفو عند المقدرة.

وأوصى أفلاطون أحد أصحابه بعشر خصال قال :

لا تقبل الرئاسة على أهل مدينتك البتة.

ولا تتهاون بالأمر الصغير إذا كان يقبل النماء.

ولا تلاح رجلا غضبان فإنك تقلقه باللجاج.

ولا تجمع في منزلك نفسين فيتنازعان في الغلبة.

ولا تفرح بسقطة غيرك فإنك لا تدري متى يحدث الزمان بك.

ولا تنتفخ في وقت الظفر فإنك لا تدري كيف يدور عليك الزمان.

ولا تهزل بخطإ غيرك فإن المنطق لا تملكه.

وألق الخطأ من الناس بنوع الصواب الذي في جوهرك

ولا تبذلن مودتك لصديقك دفعة واحدة.

وصير الحق أبدا أمامك تسلم دهرك ولا تزال حرا.

تأويل آية (١)

إن سأل سائل عن تأويل قوله عزوجل :

(وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) يوسف : ١٨.

فقال كيف يصح وصف الدم بالكذب والكذب من صفات الأقوال لا من صفات الأجسام؟

__________________

(١) تكلم على هذه الآية الشريف المرتضى في كتاب الأمالي م ١ صلى الله عليه وسلم ١٠٥ ـ ١٠٧.

١٦٥

وما معنى قول يعقوب عليهم السلام فصبر جميل وكيف وصفه بذلك ونحن نعلم أن صبره لا يكون إلا جميلا؟؟

الجواب :

قيل له أما كذب فمعناه في هذا الموضع مكذوب فيه وعليه مثل قولهم هذا ماء سكب وشراب صب يريدون مسكوبا ومصبوبا.

وكقولهم رجل صوم وامرأة نوح والمعنى صائم ونائحة قال الشاعر:

فظل جيادهم نوحا عليهم

مقلدة أعنتها صفوفا

أراد نائحة ويقولون أيضا ما لفلان معقول يريدون عقلا قال الشاعر :

حتى إذا لم يتركوا لعظامه

لحما ولا لفؤاده معقولا

وقد قال الفراء وغيره يجوز في النحو بدم كذبا بالنصب على المصدر وتقدير الكلام كذبوا كذبا.

وإنما كان دما مكذوبا فيه لأن إخوة يوسف عليهم السلام ذبحوا سخلة ولطخوا قميص يوسف بدمها وجاءوا أباهم بالقميص وادعوا أكل الذئب له فقال لهم يعقوب عليهم السلام يا بني لقد كان هذا الذئب رفيقا حين أكل ابني ولم يخرق قميصه وعند ذلك قالوا بل قتله اللصوص فقال فكيف قتلوه وتركوا قميصه وهم إلى قميصه أحوج منهم إلى قتله.

وقد قيل إنه كان في قميص يوسف ثلاث آيات :

إحداهن حين جاءوا إليه بدم كذب فتبينه أبوه على أن الذئب لو أكله لخرق قميصه.

والثانية حيث قد قميصه من دبر.

والثالثة حين ألقي على وجه أبيه (فَارْتَدَّ بَصِيراً).

وأما وصف الصبر بأنه جميل فلأن الصبر قد يكون جميلا وغير جميل وإنما

١٦٦

يكون جميلا إذا قصد به وجه الله تعالى فلما كان في هذا الموضع واقعا على الوجه المحمود صح وصفه بالجميل.

وقد قيل إنه أراد صبرا لا شكوى فيه ولا جزع معه ولو لم يصفه بذلك لظن مصاحبة الشكوى والجزع له.

وقد قال أهل العربية إن ارتفاع الصبر هاهنا إنما هو لأن المعنى فشأني صبر جميل والذي أعتقده صبر جميل وقد أنشدوا :

شكا إلي جملي طول السرى

يا جملي ليس إلي المشتكى

صبر جميل فكلانا مبتلى

معناه فليكن منك صبر جميل وقد روي أن في قراءة أبي فصبرا جميلا بالنصب وذلك يكون على الإغراء والمعنى فاصبري يا نفس صبرا جميلا قال ذو الرمة :

ألا إنما مي فصبرا بلية

وقد يبتلى الحر الكريم فيصبر

تأويل خبر :

إن سأل سائل فقال ما معنى الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال

إن الله تعالى خلق آدم على صورته.

أوليس ظاهر هذا الخبر يقتضي التشبيه له تعالى بخلقه فإن لم يكن على ظاهره فما تأويله.

الجواب :

قلنا أحد الأجوبة عن هذا أن تكون الهاء عائدة إلى الله تعالى والمعنى أنه خلقه على الصورة التي اختارها وقد يضاف الشيء إلى مختاره.

ومنها أن تكون الهاء عائدة إلى آدم ويكون المراد أن الله تعالى خلقه على صورته التي شوهد عليها لم ينتقل إليها عن غيرها كتنقل أولاده الذين يكون أحدهم نطفة ثم علقة ثم مضغة ويخلق خلقا من بعد خلق ويولد طفلا صغيرا

١٦٧

ثم يصير غلاما ثم شابا ثم كهلا ولم يكن آدم عليهم السلام كذلك بل خلق على صورته التي مات عليها.

ومنها ما رواه الزهري عن الحسن قال مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل من الأنصار وهو يضرب وجه غلام له ويقول قبح الله وجهك ووجه من تشبهه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بئسما قلت إن الله خلق آدم على صورته يعني صورة المضروب وهذه أجوبة صحيحة والحمد لله.

فصل :

من الاستدلال على صحة النص بالإمامة على أمير المؤمنين عليهم السلام من قول النبي صلى الله عليه وسلم أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

اعلم أيدك الله تعالى أن مما يدل على أن أمير المؤمنين عليهم السلام المنصوص بالإمامة عليه ما نقله جميع الأمة وتلقاه بالقبول الخاصة والعامة من قول النبي صلى الله عليه وسلم له عليهم السلام :

أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. (١)

فأوجب له جميع منازل هارون من موسى عليهم السلام إلا ما خصه العرف من الإخوة واستثناه هو عليهم السلام من النبوة وذلك موجب له الخلافة والإمامة وكاشف عن استحقاقه على الكافة فضل الطاعة.

واعلم أنك تسأل في هذا الدليل عن خمسة مواضع أولها أن يقال لك ما حجتك على صحة الخبر في نفسه وما الذي يدفع به إنكار من أنكره؟؟

وثانيها أن يقال لك إذا ثبت الخبر فما الحجة على أن المراد بمنزلة

__________________ (١) تجده في البخاري ومسلم ، والترمذي ، وابن ماجة ، ومستدرك الصحيحين ، ومسند أحمد ، والنسائي ، وطبقات ابن سعد ، وحلية الأولياء ، وتاريخ بغداد ، وتاريخ الطبريّ ، وكنز العمّال ، ومجمع الزوائد ، والرياض النضرة وغيرها «انظر فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ١ صلى الله عليه وسلم ٢٩٩ ـ ٣١٦). وتجده في مناقب ابن المغازلي مرويا بعدة عدة طرق انظر : صلى الله عليه وسلم ٢٧ ـ ٣٧.

١٦٨

هارون من موسى عليهم السلام المذكورة فيه عموم ما يستحقه منه سوى ما ذكرتموه وما أنكرتم أن يكون منزلة واحدة وهي التفضيل المزيل لإرجاف المنافقين في قولهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلاه لما خلفه في غزاة تبوك.

وثالثها أن يقال لك إذا ثبت العموم فمن أي وجه استنبطت من ذلك النص بالإمامة ووجوب الخلافة لأمير المؤمنين عليهم السلام؟

ورابعها أن يقال لك إذا ثبت له به الخلافة فما الحجة على أنه أراد استحقاقه لها بعده وما أنكرتم أن يكون قصد أنه خليفته في حياته فقط كما أن هارون إنما خلف موسى في حياته فقط؟؟

وخامسها أن يقال لك إذا ثبت له بذلك الخلافة بعده فما الحجة على أنه أراد بذلك الفور فيكون خليفة الذي يليه دون التراخي فيكون خليفة بعد عثمان؟؟

الجواب عن السؤال الأول :

أما الحجة على صحة هذا الخبر في نفسه فهي الحجة على صحة خبر الغدير بعينه لمماثلته له في الظهور والانتشار وتواتر الشيعة به تواترا يقطع الأعذار ورواية أكثر أصحاب حديث العامة له في الصحيح عندهم من مسند الأخبار وتلقي الكافة له مع ذلك بالتسليم والإقرار فمن شيعي يحتج به وناصبي يتأوله وليس بينهما دافع له.

ومن قبل ذلك فاحتجاج أمير المؤمنين عليهم السلام في يوم الشورى وغيره لم ينكره أحد ممن سمعه.

وكل هذا قد سلف ذكره في خبر الغدير فلا حاجة إلى إعادته وهو أوضح حجة على ثبوت الخبر وصحته.

الجواب عن السؤال الثاني :

وأما الحجة على أنه أراد بقوله أنت مني بمنزله هارون من موسى جميع منازله منه على العموم وإن عبر عن ذلك بلفظ التوحيد إلا ما استثناه العرف والقول فهو أنا وجدنا الناس في هذا الخبر على فرقتين لا ثالث لهما.

١٦٩

أحدهما يذهب إلى أن المراد به منزلة واحدة على التحقيق وتدعي أن السبب في ذلك ما روي في غزاة تبوك وهي نفر يسير.

والفرقة الأخرى تذهب إلى عموم القول لجميع المنازل إلا ما خصصه الدليل وهو قول الشيعة وأكثر الخصوم.

وإنما أنكر هؤلاء المخالفون المعترفون بأن الخبر يقتضي العموم أن يكون موجبا لخلافة أمير المؤمنين بعد الرسول عليهم السلام من حيث لم يثبت عندهم أن هارون لو بقي بعد موسى عليهم السلام كان خليفة له ولم يهتدوا في الخبر إلى دليل على أنه أراد الاستخلاف من بعده وإن كان منهم من قد علم ذلك ولكن جذبه الهوى فأصر على الإنكار وعاند.

وإذا لم يكن في الخبر غير هذين القولين فلا شك في أنه متى فسد قول من ادعى فيه الخصوص علم صحة قول من ذهب إلى العموم.

والذي يدل على فساد قول من قصره على منزلة واحدة وجود الاستثناء الظاهر فيه الذي لا يصح إيراده إلا والمستثنى منه أكثر من واحد لأن الاستثناء هو إخراج بعض من جملة لو لم يستثن لدخل فيها والخصلة الواحدة لا يصح هذا فيها.

ألا ترى أنه لا يحسن أن يقال رأيت زيدا إلا عمرا ويحسن أن يقال رأيت القوم إلا عمرا فعلم بهذا فساد مقال من قصر الخبر على منزلة واحدة.

فأما ما تعلقوا به من أن السبب في ذلك ما جرى في غزاة تبوك فغير صحيح لأنا عالمون بصحة الخبر ولسنا نعلم صحة ما ذكروه كعلمنا بالخبر فلا طريق لنا إلى تخصيص المعلوم بما ليس بمعلوم.

على أن الروايات قد اتصلت واشتهرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه قال لأمير المؤمنين عليهم السلام أنت مني بمنزلة هارون من موسى في مواقف عدة وأماكن كثيرة وأوقات متفرقة فيجوز أن يكون غزاة تبوك أحدها ولكنه لا سبيل لنا إلى قصره عليها وإن كنا متى خصصناه بها لم يكن منا ما ظنه المخالف من أن الخبر دال على فضيلة المحبة فقط لا يستحيل أن تكون هي السبب فيقول

١٧٠

رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا يقتضيه ويتضمن عديدة ويزيد عليه فيكون بما قاله قد أعلم المرجفين أنه ما قلاه وأن منزلته عنده في المحبة والفضل وعلو القدر والخلافة له في حياته وبعد وفاته نظير هارون من موسى عليهم السلام وهذا مستمر غير مستحيل.

وأما ما ورد الخبر به بلفظ التوحيد في قوله منزلة هارون من موسى ولم يقل منازل هارون فقد جرت العادة بمثل ذلك من إيراد القول مضمنا ذكر منزلة والمراد عدة منازل فيقولون منزلة فلان من الأمير كمنزلة فلان وهم يشيرون إلى عدة أحوال من منازل مختلفة وأسباب ولا يكاد يقولون منازل فلان من الأمير كمنازل فلان.

وإنما استعملوا لفظ التوحيد في هذا المكان من حيث اعتقدوا أن المنازل الكثيرة والرتب المختلفة قد حصل جميع ذلك له كالمنزلة الواحدة التي هي جملة وإن تفرعت إلى أشياء عدة فعبروا عنها بلفظ التوحيد اتساعا لهذه العلة.

الجواب عن السؤال الثالث :

وأما الوجه الذي علم منه دلالة الخبر على الخلافة والحجة في أنه نص على أمير المؤمنين عليهم السلام بالإمامة فهو أن منازل هارون من موسى عليهم السلام معروفة وقد حصل عليها الإجماع ونطق بها القرآن.

فمنها أنه كان أخا بالولادة وكان أحب الخلق إليه وأفضلهم لديه.

وكان شريكه في النبوة والرسالة.

وكان عضده الذي شد الله تعالى به أزره قال الله جل اسمه :

(وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) طه : ٢٩.

وكان خليفته على قومه عند غيبته قال الله تعالى :

(وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) الأعراف : ١٤٢.

١٧١

فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأمير المؤمنين عليهم السلام إنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي علمنا أنه أراد جميع ما كان لهارون من موسى عليهم السلام من المنازل إلا ما أخرجه الاستثناء وأخرجه أيضا العرف من أخوة الولادة واتضحت الحجة في أن أمير المؤمنين عليهم السلام أحب الخلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفضلهم عنده وأنه عضده الذي شد الله به أزره ووزيره في أمره وخليفته في أمته وهذا بين لمن تدبره.

الجواب عن السؤال الرابع :

اعلم أن الكلام في هذا السؤال هو معظم ما يدور بينك وبين المخالفين إذا استدللت بهذا الخبر وفي إحكام هذا الجواب عنه حسم مادة ما يوردونه عليك من العتب والشغب لأنهم أبدا يقولون إذا ثبت لكم بهذا الخبر الاستخلاف فما الدليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد به استخلاف أمير المؤمنين عليهم السلام في حياته وبعد مماته دون أن يكون مراده قصر هذا الأمر على أيام حياته فقط ويقولون هذا أشبه لأن خلافة هارون لموسى عليهم السلام لم تكن إلا في حياة موسى.

ولو أراد بذلك النص على خلافته له من بعده لقال أنت مني بمنزلة يوشع من موسى لأن خلافة موسى عليهم السلام من بعده كانت ليوشع دون غيره فعن هذا جوابان :

أحدهما في قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى فوائد لا يحصل مثلها لو قال أنت مني بمنزلة يوشع من موسى فإنه (١) يدل على أن أمير المؤمنين عليهم السلام أعلى الناس قدرا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه تاليه في الفضل والعلم كما كان هارون من موسى عليهم السلام وكان خليفته في حياته إذا غاب ولو بقي بعد موسى لكان أحق بخلافته من يوشع.

فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمير المؤمنين عليهم السلام بقوله أنت مني بمنزلة هارون من

__________________

(١) في النسخة : (وقال إنّه).

١٧٢

موسى هذه الخصال فهو أعلى الناس قدرا ومحلا وهو تاليه في العلم والفضل وخليفته في حياته.

ولما بقي بعده كان أحق الناس بخلافته ولو قال له أنت بمنزلة يوشع من موسى لم يعطه من جميع ما ذكرناه إلا الخلافة من بعده فقط ولم يبق بعد هذا أكثر من أن نبين أن هارون لو بقي بعد موسى كان أحق بالخلافة من يوشع.

والذي يدل على ذلك أنه قد ثبت خلافته له في حال حياته بقوله تعالى (وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ) وفي ثبوتها له في حال حياته وجوب حصولها له لو بقي بعد وفاته لأن خروجها عنه في حال من الأحوال مع بقائه حط له عن رتبة عالية كان عليها وصرف له عن ولاية عظيمة فوض إليه الأمر فيها وذلك يقتضي الضعة منه وغاية التنفير عنه لأنه خلافة النبوة ليست كالخلافة على قرية ومدينة وإنما هي النيابة عن النبي عليهم السلام في جميع ما كان يتولاه من أمر الأمة والقيام مقامه في إصلاح أمور الكافة من تعليمهم وتهذيبهم ووعظهم وتأديبهم وزجرهم وتخويفهم وتوقيفهم وتعريفهم.

وهذا يقتضي التدين بفرض طاعته وغاية التبجيل والتعظيم له فمتى حط عن هذه المرتبة بعد كونه عليها وأنزل عن درجة الخلافة التي رقى إليها زال ما كان له في النفوس من التبجيل والتعظيم وفي ذلك ما ذكرناه من غاية التنفير.

ومن ذا الذي تكون نفسه ساكنة إلى قبول وعظ خليفة يعلم أو يجوز أنه سينحط عن رتبة الخلافة إلى أن يصير رعية ويهبط عن درجة الإمامة إلى أن يحصل من أحد الأمة كسكونها إلى من لا يجوز ذلك عليه؟

بل كيف يصح من التابعين غاية التبجيل والتعظيم لمن يعلمون من حاله أو يجوزون ذلك من أمره أنه سيتأخر بعد مقامه ويصير لمن كان من أتباعه ومتعلما ممن كان يعلمه ومقتديا بمن كان يقتدى به حتى يسقط ما كان يلزم الناس من فرض طاعته ويصير هو وهم طائعين لمن كان من جملة المطيعين له.

١٧٣

ومن دفع أن يكون الخروج من هذه المنزلة منفرا كمن دفع أن تكون القباحة في الخلق والدمامة المفرطة في الصور منفرا.

وقد أجمع معنا خصومنا من المعتزلة على أن الله تعالى يجنب أولياءه وأنبياءه عليهم السلام جميع هذا.

فبان بما ذكرنا أن منزلة هارون من موسى عليهم السلام منزلة لا يجوز خروجه عنها ما دام حيا وأنه لو بقي بعد موسى لكان أحق بها من يوشع وأولى.

وفي ذلك دليل على أن أمير المؤمنين عليهم السلام يستحقها من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته لبقائه بعده.

وليس موت هارون في حياة موسى عليهم السلام بمانع لأمير المؤمنين عليهم السلام مما هو مستحقه ببقائه.

ألا ترى أن رجلا لو قال لوكيل له أجر على عبدي الرومي في كل يوم جرابة وفي كل شهر صلة ثم قال بعد ذلك أن منزلة عبدي الحبشي عندي كمنزلة ذلك الرومي فأجره مجراه واجعل له من الجاري والصلة نظير ما جعلت له ثم مات الرومي فمعلوم أن موته لا يقطع جرابة الباقي ولا يحرمه صلته.

هذا ما لا يدفعه أحد ولا ينكره.

فإن قال الخصم فيلزمك على هذه الطريقة أن نقول إن طاعة أمير المؤمنين عليهم السلام كانت مفترضة على الأمة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قيل له كذلك نقول ولكن بشرط غيبته وأما عند حضور النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يجوز أن تكون الطاعة واجبة إلا له وهذا حكم الخليفة في المتعارف والعادة.

الجواب الثاني عن هذا السؤال :

أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوضح مراده في كلامه لمن فهم وأبان عن قصده من قوله لمن علم.

وذلك أنه أتى بجملة أوجب منها لأمير المؤمنين عليهم السلام ما أراده واستثنى

١٧٤

منها ما لم يرده وعلق ذلك بوقت نفى عنه فيه ما نفى فوجب أن يكون هذا له فيه ما أوجب.

ولا يجوز أن يتضمن الكلام استثناء ويكون مقيدا بوقت إلا وهو وقت المنفي منه والموجب.

مثال ذلك قول القائل قام القوم إلا زيدا اليوم فلا يجوز أن يكون اليوم إلا وقتا للحالين ففيه قام القوم وفيه بعينه لم يقم زيد ولو لا أن الأمر كما ذكرناه لم يحسن الاستثناء وذكر الوقت وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما أوجبه لأمير المؤمنين عليهم السلام من منازل هارون من موسى عليهم السلام إلا أنه لا نبي بعدي فعلمنا أن جميع ما أثبته له مما استحقه هارون من موسى في حياته وهو مثبت له من بعده لأنه الوقت الذي قرنه بالاستثناء.

ولو كان الأمر على ما ذكره الخصم من أنه أراد بذلك أيام حياته لقال أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي معي أو لا نبي في حياتي وفي نفيه لما لم يرده بعده دليل على أنه قد أثبت له ما أراده بعده والحمد لله.

فإن قال الخصم ما تنكرون من أن يكون مراده صلى الله عليه وسلم بقوله إلا أنه لا نبي بعدي إنما هو بعد كوني نبيا وذلك يقتضي حال الحياة.

قلنا أنكرنا ذلك من قبل أن لفظة بعد إذا خرجت مخرج قول النبي صلى الله عليه وسلم أوجبت بالعرف والعادة حال الوفاة التي هي بعد الحياة دون أن يوجب حالا في الحياة.

ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم لأمير المؤمنين :

تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين

وقوله ستغدر بك الأمة من بعدي.

وقوله ستفرق كلمتكم من بعدي.

وقوله :

ألا لا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.

كل ذلك يفيد بعد وفاتي.

١٧٥

وكذلك قول القائل فلان وصيي من بعدي والقائم مقامي من بعدي.

فإن المعنى فيه بعد موتي وهذا يبطل ما ظنه الخصم.

على أنه لو سلم له ما ادعاه وبلغ منه مناه لم يخرج عن الحق الذي قصدناه لأن نفي النبوة بعده ينتظم بعد كونه نبيا في حياته وبعد وفاته وإلى آخر الأبد.

وما ثبت لأمير المؤمنين عليهم السلام في متضمن اللفظ من المنازل التي لم تنتف بنفي النبوة يجب أن يثبت له في سائر أحوال النفي حتى يكون خليفته في حياته في كل حال غاب فيها عن أمته وخليفته من بعده ما دامت حياته صلى الله عليه وسلم وهذا واضح لمن تأمله.

الجواب عن السؤال الخامس :

وأما الحجة على أن الخلافة الواجبة لأمير المؤمنين عليهم السلام بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر تجب له بعده بغير فصل دون أن يكون المراد بذلك وجوبها له بعد عثمان فهي واضحة من وجوه :

أحدها أنا قد بينا استحقاقه للخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر وأنه القائم بعده مقام هارون بعد موسى عليهم السلام وأقمنا الدليل على أن هارون لو بقي لكان خليفة لموسى من بعده يليه بغير فصل.

والوجه الثاني أن قول النبي صلى الله عليه وسلم في الخبر إلا أنه لا نبي بعدي قد أفاد أنه الخليفة بعده بما قدمنا بيانه وقد علمنا أن نفيه للنبوة بعده لا يتخصص بزمان دون زمان بل يعم جميع الأوقات والأحوال فيجب أن يكون الثابت لأمير المؤمنين عليهم السلام في الخبر عاما بعده في جميع الأوقات غير مخصص بحال دون حال فهو الخليفة بعده على الفور وما اتصل ببقائه الزمان وقد تقدم هذا القول على البيان وإنما أعدناه لأنه جواب عن هذا السؤال.

الوجه الثالث :

أن الناس في إمامة أمير المؤمنين عليهم السلام طائفتان :

فإحداهما تقول إن الخلافة إنما وجبت له بعد عثمان باختيار الأمة له ولم

١٧٦

تجب له بهذا الخبر ولا بغيره من الأخبار وإن النص عليه المتضمن كونه خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن في حال من الأحوال.

والطائفة الأخرى تقول إن الإمامة لا تجب لأحد إلا بالنص دون الاختيار وإن هذا الخبر من جملة النصوص على أمير المؤمنين بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه أول خلفائه ومتقدم أوصيائه وتدبيره يلي تدبيره وإمامته بعد وفاته بغير فصل بينه وبينه.

وليس في الأمة من يذهب إلى غير هذين القولين وفي ثبوت الخبر وضوح ما تضمنه من النص على أمير المؤمنين عليهم السلام بالإمامة واستحقاقه لذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم دلالة على بطلان مقال من ذهب إلى الاختيار فلم يبق إذن إلا قول أصحاب النص الذين يعتقدون أنه الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير فصل وهذا مغن لمن كان له عقل والحمد لله.

فصل :

من الحديث المسند في نقل العامة الشاهد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأمير المؤمنين عليهم السلام أنت مني بمنزلة هارون من موسى في أوقات عدة وأحوال مختلفة غير المذكور في غزاة تبوك.

حدثني القاضي أبو الحسن أسد بن إبراهيم بن كليب السلمي الحراني بمدينة الرملة في سنة عشر وأربعمائة قال أخبرني الخطيب أبو حفص عمر بن علي بن الحسن العتكي قال قرأت على محمد بن إبراهيم السمرقندي حدثنا محمد بن عبد الله بن حكيم قال حدثنا سفيان بن بشر الأسدي قال حدثنا علي بن هاشم عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بني عبد المطلب في الشعب وهم يومئذ أربعون رجلا.

قال فجعل لهم علي عليهم السلام فخذا من شاة ثم ثرد لهم ثريدة وصب عليها

__________________

(١) في النسخة : (فرق).

(٢) في النسخة : (حدثكم).



١٧٧

المرق وترك عليها اللحم وقدمها فأكلوا منها حتى شبعوا ثم سقى عسا واحدا فشربوا كلهم منه حتى رووا فقال أبو لهب والله إن منا لنفرا يأكل الرجل منهم الجفنة ويشرب الفرق وما يرويه وإن هذا الرجل دعانا على رجل شاة وعس من لبن فشبعنا وروينا منها إن هذا هو السحر المبين.

ثم دعاهم فقال إن الله عزوجل أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ورهطي المخلصين وإن الله تعالى لم يبعث نبيا إلا جعل له من أهله أخا ووارثا ووزيرا ووصيا وخليفة في أهله.

فأيكم يبايعني على أنه أخي ووزيري ووارثي دون أهلي ويكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

فسكت القوم فأعاد الكلام عليهم ثلاث مرات وقال والله ليقومن قائمكم أو يكون في غيركم ثم لتذمن.

قال فقام علي عليهم السلام وهم ينظرون كلهم إليه فبايعه وأجابه إلى ما دعاه فقال له أدن مني فدنا منه فقال افتح فاك ففتح فاه فمج فيه من ريقه وتفل بين كتفيه وتفل بين قدميه.

فقال أبو لهب بئس ما حبوت به ابن عمك إذ جاءك فملأت فاه بزاقا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مليء حكمة وعلما وفهما.

فقال لأبي طالب ليهنئك أن تدخل اليوم في دين ابن أخيك وقد جعل ابنك مقدما عليك. (١)

وحدثني القاضي السلمي رحمه‌الله قال أخبرني أبو حفص العتكي قال حدثني سعيد بن محمد الحافظ قال أخبرني أبو حصين محمد بن الحسين الكوفي

__________________

(١) رواه الطبريّ في تاريخه ج ٢ صلى الله عليه وسلم ٢١٧ من طبعة دار القاموس للطباعة والنشر ـ بيروت ـ المصورة عن النسخة المطبوعة بمصر في المطبعة الحسينية سنة ١٣٢٣ ه كما في الختم الممهور عليها ، وانظر : خصائص النسائي صلى الله عليه وسلم ٩ ويراجع مصادر هذا الحديث فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ٢ صلى الله عليه وسلم ١٩ ـ ٢١ وشرح النهج لابن أبي الحديد م ٣ صلى الله عليه وسلم ٢٩٣ رواه عن أبي جعفر الإسكافيّ ، ولهذا الحديث مصادر كثيرة.

١٧٨

قراءة قال حدثنا عبادة بن زياد الأزدي قال حدثنا كادح بن جعفر العابد عن عبد الله لهيعة عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي عن مسلم بن يسار عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال

لما قدم علي عليهم السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح خيبر قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لو لا أن تقول فيك طائفة من أمتي ما قالت النصارى في المسيح ابن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملإ إلا أخذوا التراب من تحت قدميك ومن فضل طهورك فاستشفوا به ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك وترثني وأرثك وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وأنك تبرئ ذمتي وتقاتل على سنتي وأنت غدا في الآخرة أقرب الناس مني وأنك أول من يرد علي الحوض وأنك على الحوض خليفتي وأنك أول من يكسى معي وأنك أول داخل الجنة من أمتي وأن شيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم حولي أشفع لهم ويكونون غدا في الجنة جيراني وأن حربك حربي وسلمك سلمي وأن سريتك سريرتي وعلانيتك علانيتي وأن ولدك ولدي وأنك منجز عداتي وأنك على الحوض وليس أحد من الأمة يعدلك عندي وأن الحق على لسانك وفي قلبك وبين عينيك وأن الإيمان خالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي وأنه لا يرد على الحوض مبغض لك ولن يغيب عنه محب لك (١) حتى يرد علي الحوض معك يا علي.

فخر علي عليهم السلام ساجدا ثم قال الحمد لله الذي من علي بالإسلام وعلمني القرآن وحببني إلى خير البرية خاتم النبيين وسيد المرسلين إحسانا منه إلي وفضلا منه علي.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي لو لا أنت لم يعرف المؤمنون من بعدي. (٢)

وحدثني القاضي السلمي قال أخبرني العتكي قال أخبرني محمد بن أحمد بن صفوة المصيصي قال حدثنا الحسن بن علي العلوي قال حدثنا الحسن بن

__________________

(١) في النسخة غير واضحة ، والتصحيح عن الأمالي للصدوق.

(٢) انظر : أمالي الصدوق صلى الله عليه وسلم ٨٥ من المجلس الحادي والعشرين وتجده في مناقب ابن المغازلي صلى الله عليه وسلم ٢٣٧ ـ ٢٣٨.

١٧٩

حمزة النوفلي قال حدثنا سليمان بن جعفر الهاشمي قال حدثنا جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال :

آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه فقلت يا رسول الله آخيت بين أصحابك وتركتني فردا لا أخ لي.

فقال إنما أخرتك لنفسي أنت أخي في الدنيا والآخرة وأنت مني بمنزلة هارون من موسى.

فقمت وأنا أبكي من الجذل والسرور فأنشأت أقول :

أقيك بنفسي أيها المصطفى الذي

هدانا به الرحمن من عمه الجهل

وأفديك حوبائي وما قدر مهجتي (١)

لمن أنتمي معه إلى الفرع والأصل

ومن جده جدي ومن عمه أبي

ومن أهله ابني ومن بنته أهلي

ومن ضمني إذ كنت طفلا ويافعا

وأنعشني بالبر والعل والنهل

ومن حين آخى بين من كان حاضرا

دعاني فآخاني وبين من فضلي

لك الخير إني ما حييت لشاكر

لإحسان ما أوليت يا خاتم الرسل (٢)

وحدثني أيضا القاضي أبو الحسن السلمي رحمه‌الله قال حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد الحنظلي البابسيري بواسط قال حدثني عبد الله بن أحمد بن عامر قال حدثنا أبو العباس محمد بن يونس قال حدثنا أحمد بن مغا كذا قال حدثنا الأردبيلي قال حدثنا محمد بن يعقوب ومعاذ بن حكيم عن عبد الرزاق بن همام عن معمر عن الزهري عن عوف بن مالك المازني عن ابن عباس قال :

رأيت أبا ذر الغفاري متعلقا بحلقة ببيت الله الحرام وهو يقول :

يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته باسمي أنا جندب الربذي الغفاري

__________________

(١) في النسخة كلمات غير واضحة. والتصحيح عن البحار ج ٣٨ صلى الله عليه وسلم ٣٣٧.

(٢) انظر : البحار ج ٣٨ صلى الله عليه وسلم ٣٣٧ نقله عن مناقب ابن شهرآشوب ج ١ صلى الله عليه وسلم ٣٦٧ ـ ٣٣٨ كما في الهامش.

١٨٠