كنز الفوائد - ج ٢

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي

كنز الفوائد - ج ٢

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي


المحقق: الشيخ عبدالله نعمه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

وبعد فقد قال الله تعالى :

(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) عمران : ١٦٩.

فإذا كان المؤمنون الذين قتلوا في سبيل الله تعالى بهذا الوصف فكيف ينكر أن الأنبياء بعد موتهم أحياء منعمون في السماء.

وقد اتصلت الأخبار من طريق الخاص والعام بتصحيح هذا وأجمع الرواة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خوطب بفرض الصلاة ليلة المعراج وهو في السماء قال له موسى عليهم السلام إن أمتك لا تطيق وإنه راجع (١) الله تعالى دفعة بعد أخرى (٢).

وما حصل عليه الاتفاق فلم يبق فيه كذب.

وأما الجواب عن السؤال الثاني فهو أن يكون الأنبياء قد أعلموا بأنه سيبعث نبيا يكون خاتمهم وناسخا بشرعه لشرائعهم واعلموا أنه أجلهم وأفضلهم وأنه سيكون له أوصياء من بعده حفظة لشرعه وحملة لدينه وحجج على أمته فوجب على الأنبياء عليهم السلام التصديق بما أخبروا به والإقرار بجميعه.

أخبرني الشريف يحيى بن أحمد بن إبراهيم بن طباطبا الحسيني قال حدثني أبو القاسم عبد الواحد بن عبد الله بن يونس الموصلي عن أبي علي بن همام عن عبد الله بن جعفر الحميري عن عبد الله بن محمد عن محمد بن أحمد عن يونس بن يعقوب عن عبد الأعلى بن أعين قال سمعت أبا عبد الله الصادق عليهم السلام يقول :

ما تنبأ نبي قط إلا بمعرفة حقنا وتفضيلنا على من سوانا.

وإن الأمة مجمعة على أن الأنبياء قد بشروا بنبينا ونبهوا على أمره ولا

__________________

(١) في النسخة : راجع إلى اللّه.

(٢) خبر المعراج وقول موسى (عليهم السلام) له (صلى الله عليه وسلم) إن أمتك لا تطيق ومراجعته ، تجده في صحيح مسلم في كتاب الإيمان ، وصحيح النسائي ، انظر : فضائل الخمسة ج(١) صلى الله عليه وسلم ١٠٦ ـ ١٠٨.

١٤١

يصح منهم ذاك إلا وقد أعلمهم الله تعالى به فصدقوا وآمنوا بالمخبر به.

وكذلك قد روت الشيعة بأنهم قد بشروا بالأئمة أوصياء رسول الله ص.

وأما الجواب عن السؤال الثالث فهو أنه يجوز أن يكون الله تعالى أحدث ل رسوله صلى الله عليه وسلم في الحال صورا كصور الأئمة عليهم السلام ليراهم أجمعين على كمالهم فيكون كمن شاهد أشخاصهم برؤيته مثالهم ويشكر الله تعالى على ما منحه من تفضيلهم وإجلالهم.

وهذا في العقول من الممكن المقدور.

ويجوز أيضا أن يكون الله تعالى خلق على صورهم ملائكة في سمائه يسبحونه ويقدسونه لتراهم ملائكته الذين قد أعلمهم بأنه يكون في أرضه حججا له على خلقه فتتأكد عندهم منازلهم وتكون رؤيتهم تذكارا لهم بهم وبما سيكون من أمرهم.

وقد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في السماء لما خرج به ملكا على صورة أمير المؤمنين صلى الله عليه وسلم وهذا خبر قد اتفق أصحاب الحديث على نقله.

حدثني به من طريق العامة الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن الحسن بن شاذان القمي ونقلته من كتابه المعروف بإيضاح دقائق النواصب وقرأته عليه بمكة في المسجد الحرام سنة اثنتي عشرة وأربعمائة قال حدثنا أبو القاسم جعفر بن مسرور اللجام قال حدثنا الحسين بن محمد قال حدثنا أحمد بن علوية المعروف بابن الأسود الكاتب الأصبهاني (١) قال حدثني إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الله بن صالح قال حدثني جرير بن عبد الحميد عن مجاهد عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

لما أسري بي إلى السماء ما مررت بملإ من الملائكة إلا سألوني عن علي بن أبي

__________________

(١) هو الكرماني المتوفّى سنة ٣٢٠ ونيف أو سنة ٣١٢ وتجاوز المائة من عمره كان لغويا أديبا كاتبا شاعرا شيعيا راويا للحديث له كتاب الاعتقاد في الأدعية ، وذكر ياقوت في معجم الأدباء أن له ثمانية كتب في الأدعية من إنشائه وله شعر في مدح أمير المؤمنين ومنه النونية المسماة بالألفية والمحبرة ذكر ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب مقاطيع منها.

١٤٢

طالب حتى ظننت أن اسم علي أشهر في السماء من اسمي فلما بلغت السماء الرابعة نظرت إلى ملك الموت فقال يا محمد ما خلق الله خلقا إلا أقبض روحه بيدي ما خلا أنت وعلي فإن الله جل جلاله يقبض أرواحكما بقدرته فلما صرت تحت العرش نظرت فإذا أنا بعلي بن أبي طالب قال لي يا محمد ليس هذا عليا ولكنه ملك من ملائكة الرحمن خلقه الله تعالى على صورة علي بن أبي طالب فنحن الملائكة المقربون كلما اشتقنا إلى وجه علي بن أبي طالب زرنا هذا الملك لكرامة علي بن أبي طالب على الله سبحانه.

فيصح على هذا الوجه أن يكون الذين رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ملائكة على صور الأئمة عليهم السلام وجميع ذلك داخل في باب التجويز والإمكان والحمد لله. نرجع إلى ذكر المعمرين.

وقد روي أن منهم سلمان الفارسي رحمة الله عليه وأنه عاش مائتين من السنين.

وروي أن منهم عمرو بن العاص وأنه عاش في الجاهلية والإسلام مائتي سنة وأنه قال حين أحس الموت :

مضت مائتا حول لعمرو وبعدها

رمته المنايا بالسهام القواصد

فمات وما حي وإن طال عمره

على مر أيام السنين بخالد

ومنهم أمد بن لبد ،

عاش ثلاثمائة وستين سنة وروي أن معاوية بن أبي سفيان قال أنا أحب أن ألقى رجلا قد أتت عليه سن وقد رأى الناس يخبرنا عما رأى فقيل له هذا رجل بحضرموت فأرسل إليه فأتاه فقال ما اسمك فقال أمد قال ابن من قال ابن لبد قال ما أتى عليك من السنين قال ستون وثلاثمائة سنة قال كذبت ثم تشاغل عنه معاوية ثم قال أخبرنا عما رأيت من الأزمان الماضية إلى زماننا هذا من ذاك.

١٤٣

قال يا أمير المؤمنين وكيف تسأل من يكذب؟

قال ما كذبتك ولكن أحببت أعلم كيف عقلك.

قال يوم شبيه يوم وليلة شبيهة بليلة يموت ميت ويولد مولود ولو لا من يموت لم تسعهم الأرض ولو لا من يولد لم يبق أحد على وجه الأرض.

قال فأخبرني هل رأيت هاشما؟

قال نعم رأيت رجلا طوالا حسن الوجه يقال بين عينيه بركة أو غرة بركة.

قال فهل رأيت أمية؟

قال نعم رأيت رجلا قصيرا أعمى يقال إن في وجهه أشرا وشؤما.

قال فهل رأيت محمدا قال من محمد قال رسول الله.

قال ويحك أفلا فخمته كما فخمه الله فقلت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال فأخبرني ما كانت صناعتك؟

قال كنت تاجرا قال فما بلغت في تجارتك؟

قال كنت لا أستر عيبا ولا أرد ربحا.

قال معاوية سلني.

قال أسألك أن تدخلني الجنة.

قال ليس ذلك بيدي ولا أقدر عليه.

قال فأسألك أن ترد علي شبابي.

قال ليس ذلك بيدي ولا أقدر عليه.

قال فلا أرى عندك شيئا من أمر الدنيا ولا من أمر الآخرة فردني من حيث جئت بي

قال أما هذا فنعم.

ثم أقبل معاوية على جلسائه فقال لقد أصبح هذا زاهدا فيما أنتم فيه ترغبون.

١٤٤

ومن المعمرين عبيد بن شريد الجرهمي. (١)

عاش ثلاثمائة سنة ولحق أيضا أيام معاوية بن أبي سفيان.

فروي أنه قدم عليه يوما إلى الشام فقال معاوية أخبرني من أعجب ما رأيت قال نعم انتهيت إلى قوم يدفنون ميتا لهم فلما فرغوا منه اغرورقت عيناي وتمثلت بهذه الأبيات :

يا قلب إنك في أسماء مغرور

فاذكر وهل ينفعنك اليوم تذكير

قد بحت بالحب ما تخفيه من أحد

حتى جرت بك إطلاقا محاضير

ما بت فاصبر فما تدري أعاجلها

خير لنفسك أم ما فيه تأخير

فاستقدر الله خيرا وارضين به

فبينما العسر إذ دارت مياسير

وبينما المرء في الأحياء مغتبط

إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير

حتى كأن لم يكن إلا تذكره

والدهر أيتما حال دهارير

يبكي الغريب عليه ليس يعرفه

وذو قرابته في الحي مسرور

وذاك آخر عهد من أخيك إذا

ما الميت ضمنه اللحد الخناسير

يعني بالخناسير الحفارين

__________________

(١) تجد قصة عبيد الجرهمي في اكمال الدين صلى الله عليه وسلم ٥١١ ـ ٥١٢ خالية من الأبيات المذكورة وهي قصة طويلة.

١٤٥

فقال لي رجل منهم هل تدري من قال هذه الأبيات قلت لا قال هو الذي دفناه (١).

ومن المعمرين العوام بن المنذر الطائي عاش دهرا طويلا في الجاهلية وبقي إلى أن أدرك خلافة عمر بن عبد العزيز فأدخل عليه وقد اختلفت ترقوتاه وسقط حاجباه فقيل ما أدركت فقال :

والله ما أدري أأدركت أمة

على عهد ذي القرنين أم كنت أقدما

متى تنزعوا عني اللباس تبينوا

أجاجي لم يكسين لحما ولا دما

ومن المعمرين أيضا.

تميم بن ثعلبة بن عطاية الربعي عاش مائتي سنة ومعديكرب الحميري من آل ذي رعين عاش مائتين وخمسين سنة.

وجعفر بن قرط الجهني عاش ثلاثمائة سنة وأدرك الإسلام وأسلم.

وعوف بن كنانة الكلبي عاش ثلاثمائة سنة.

وهبل بن عبد الله بن كنانة الكلبي عاش ستمائة وسبعين سنة.

وحصين بن عتبان الزبيدي عاش مائتين وخمسين سنة.

وشربة بن عبد الله الجعفي من سعد العشيرة عاش ثلاثمائة سنة.

وربيعة بن كعب بن زيد مناة بن تميم عاش ثلاثمائة سنة وثلاثين سنة وأدرك الإسلام فأسلم وكان شاعرا.

وسيف بن وهب الطائي عاش مائتي سنة.

وعدوان بن عمرو بن قيس عاش مائتين وخمسين سنة وكف بصره.

وعاش ابن يزيد الجعفي خمس ومائة سنة وأدرك الإسلام.

وعاش مرداس بن ضييم بن زيد العشيرة مائتين وستا وثلاثين سنة.

__________________

(١) رواه البيهقيّ في المحاسن والمساوئ ج ٢ صلى الله عليه وسلم ١٩ مختصرا.

١٤٦

وعاش عمرو بن ربيعة اللخمي ثلاثمائة وأربعين سنة.

فهذا طرف من ذكر المعمرين ومختصر مما رواه أصحاب الأثر وعلماء المصنفين قد أوردته لك زيادة على ما تقدم وإثباتا للحجة على من يفهم. وإذا جاز أن يعمر الله تعالى جماعة من خلقه من أنبيائه عليهم السلام وأوليائه والمشركين له ويمدهم بصحة الأجساد وثبوت العقل والرأي فما الذي ينكر من طول عمر صاحب الزمان عليهم السلام وهو حجة الله تعالى على العباد وخاتم الأوصياء من ذرية رسوله صلى الله عليه وسلم والموعود بالبقاء حتى يكون على يده هلاك جميع الأعداء ويصير الدين كله لله لو لا أن خصومنا معاندون للحق ومكابرون.

وقد ذاع بين كثير من الخصوم ما يروى ويقال اليوم من حال المعمر أبي الدنيا المغربي المعروف بالأشبح وأنه باق من عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام إلى الآن وأنه مقيم من ديار المغرب في أرض طنجة ورؤية الناس له في هذه الديار وقد عبر متوجها إلى الحج والزيارة وروايتهم عنه حديثه وقصته وأحاديث سمعها من أمير المؤمنين صلى الله عليه وسلم وقوله إنه كان ركابيا بين يديه ورواية الشيعة أنه يبقى إلى أن يظهر صاحب الزمان ص.

وكذلك حال المعمر المشرقي ووجوده بمدينة من أرض المشرق يقال لها سهردود إلى الآن ورأينا جماعة رأوه وحدثوا حديثه وأنه أيضا كان خادما لأمير المؤمنين صلى الله عليه وسلم والشيعة تقول إنهما يجتمعان عند ظهور الإمام المهدي عليه وعلى آبائه أفضل السلام.

خبر المعمر المغربي

وهو علي بن عثمان بن الخطاب البلوي (١)

حدثني الشريف طاهر بن موسى بن جعفر الحسيني بمصر سنة سبع

__________________

(١) تجد خبره في كتاب إكمال الدين للصدوق القمّيّ المتوفّى سنة ٣٨١ ه وذلك في صلى الله عليه وسلم ٥٠٢ ـ ٥٠٨ ، وفي لسان الميزان ج ٤ صلى الله عليه وسلم ١٣٤ ـ ١٤٠.

١٤٧

وأربعمائة قال أخبرنا الشريف أبو القاسم ميمون بن حمزة الحسيني قال رأيت المعمر المغربي وقد أتي به إلى الشريف أبي عبد الله محمد بن إسماعيل سنة عشر وثلاثمائة وأدخل داره ومن معه وهم خمسة رجال وأغلقت الدار وازدحم الناس وحرصت في الوصول إلى الباب فما قدرت لكثرة الزحام فرأيت بعض غلمان الشريف أبي عبد الله محمد بن إسماعيل وهما قنبر وفرح فعرفتهما أني أشتهي أنظره فقالا لي در إلى باب الحمام بحيث لا يدري بك فصرت إليه ففتحا لي سرا ودخلت وأغلق الباب وحصلت في مسلخ الحمام وإذا قد فرش له ليدخل الحمام فجلست يسيرا فإذا به قد دخل رجل نحيف الجسم ربع من الرجال خفيف العارضين آدم اللون إلى القصر أقرب ما هو أسود الشعر يقدر الإنسان أنه له نحوا من أربعين سنة وفي صدغه أثر كأنه ضربة.

فلما تمكن من الجلوس والنفر معه وأراد خلع ثيابه قلت ما هذه الضربة قال أردت أناول مولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام السوط يوم النهروان فنفض الفرس رأسه فضربني اللجام وكان مخا كذا فشجني.

فقلت له أدخلت هذه البلدة قديما قال نعم وكان موضع جامعكم الفلاني مقبلة وفيها قبر.

فقلت هؤلاء أصحابك فقال ولدي وولد ولدي.

ثم دخل الحمام فجلست حتى خرج ولبس ثيابه فرأيت عنفقته قد ابيضت فقلت له كان بها صباغ قال لا ولكن إذا جعت ابيضت وإذا شبعت اسودت.

فقلت قم أدخل الدار حتى تأكل فدخل الباب.

وروى الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسن (١) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أنه حج في تلك السنة ، (٢)

__________________

(١) في النسخة : الحسين ، وصححناه اعتمادا على إكمال الدين صلى الله عليه وسلم ٥٠٧ الذي نقل الرواية بطولها.

(٢) وفي إكمال الدين صلى الله عليه وسلم ٥٠٧ : قال حججت في سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة.

١٤٨

وفيها حج نصر القشوري صاحب المقتدر قال فدخلت مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فأصبت بها قافلة البصريين وفيها أبو بكر محمد بن علي المادراني ومعه رجل من أهل المغرب يذكر أنه رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فازدحم عليه الناس وجعلوا يتمسحون به فكادوا يقتلونه.

قال فأمر عمي أبو القاسم طاهر بن يحيى فتيانه وغلمانه أن يفرجوا عنه ففعلوا ودخلوا به إلى دار ابن أبي سهل اللطفي وكان طاهر يسكنها وأذن للناس فدخلوا وكان معه خمسة رجال ذكر أنهم أولاده وأولاد أولاده فيهم شيخ له نيف وثمانون سنة فسألناه عنه فقال هذا ابني واثنان لكل واحد منهما ستون أو خمسون سنة وآخر (١) ست عشرة سنة فقال هذا ابني.

ولم يكن معه أصغر منه وكان إذا رأيته قلت ابن ثلاثين أو أربعين سنة أسود الرأس واللحية شاب نحيف الجسم آدم ربع القامة خفيف العارضين هو إلى القصر أقرب واسمه علي بن عثمان بن الخطاب (بن مزيد) (٢)

فمما سمعت من حديثه الذي حدث الناس به أنه قال :

خرجت من بلدي أنا وأبي وعمي نريد الوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا مشاة في قافلة فانقطعنا عن الناس واشتد بنا العطش وعدمنا الماء وزاد بأبي وعمي الضعف فأقعدتهما إلى جانب شجرة ومضيت ألتمس لهما ماء فوجدت عينا حسنة وفيها ماء صاف في غاية البرد والطيبة فشربت حتى ارتويت ثم نهضت لآتي بأبي وعمي إلى العين فوجدت أحدهما قد مات وتركته بحاله وأخذت الآخر ومضيت به في طلب العين فاجتهدت أن أراها فلم أرها ولا عرفت موضعها وزاد العطش به فمات فحرصت في أمره حتى واريته وعدت إلى الآخر فواريته أيضا وسرت وحدي إلى أن انتهيت إلى الطريق ولحقت بالناس ودخلنا المدينة وكان دخولي إليها في اليوم الذي

__________________

(١) في النسخة : وإخوته ، والتصحيح عن إكمال الدين صلى الله عليه وسلم ٥٠٧.

(٢) الزيادة عن إكمال الدين صلى الله عليه وسلم ٥٠٧.

١٤٩

قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت الناس منصرفين من دفنه فكانت أعظم الحسرات دخلت قلبي.

ورآني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام فحدثته حديثي فأخذني فكنت يتيمة فأقمت معه مدة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وأيام خلافته حتى قتله عبد الرحمن بن ملجم بالكوفة. قال ولما حوصر عثمان بن عفان في داره دعاني ودفع إلي كتابا ونجيبا وأمرني بالخروج إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام وكان علي غائبا بينبع في ضياعه وأمواله فأخذت الكتاب وركبت النجيب وسرت حتى إذا كنت بموضع يقال له جنان بن أبي عيابة سمعت قرآنا فإذا هو أمير المؤمنين عليهم السلام يقرأ :

(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ)

قال فلما نظر إلي قال يا أبا الدنيا ما وراءك؟

قلت هذا كتاب عثمان فقرأه فإذا فيه :

فإن كنت مأكولا فكن أنت آكلي

وإلا فأدركني ولما أمزق

فلما قرأه قال سر سر فدخلنا المدينة ساعة قتل عثمان فمال أمير المؤمنين إلى حديقة بني النجار وعلم الناس مكانه فجاءوا إليه ركضا وقد كانوا عازمين على أن يبايعوا طلحة فلما نظروا إليه ارفضوا عن طلحة ارفضاض الغنم يشد عليها السبع فبايعه طلحة والزبير ثم تتابع المهاجرون والأنصار يبايعونه فأقمت معه أخدمه وحضرت معه صفين أو قال النهروان فكنت عن يمينه إذ سقط السوط من يده فانكببت لآخذه وأرفعه إليه وكان لجام دابته لمخا فشجني هذه الشجة فدعاني أمير المؤمنين عليهم السلام فتفل فيها وأخذ حفنة من تراب فتركها عليها فو الله ما وجدت ألما ولا وجعا.

ثم أقمت معه صلى الله عليه وسلم وصحبت الحسن عليهم السلام حتى بالساباط وحمل إلى المدائن ولم أزل معه بالمدينة حتى مات عليهم السلام مسموما سمته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي.

١٥٠

ثم خرجت مع الحسين عليهم السلام بكربلاء وقتل عليهم السلام فهربت بديني وأنا مقيم بالمغرب أنتظر خروج المهدي وعيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم.

قال الشريف أبو محمد الحسن بن محمد الحسيني :

ومما رأيت من هذا الشيخ علي بن عثمان وهو إذ ذاك في دار عمي طاهر بن يحيى وهو يحدث بأحاديثه وبدأ خروجه إذ نظرت إلى عنفقته فرأيتها قد احمرت ثم ابيضت فجعلت أنظر إلى ذلك لأنه لم يكن في لحيته ولا رأسه ولا عنفقته بياض فنظر إلي أنظر إليه فقال ما ترون إن هذا يصيبني إذا جعت فإذا شبعت رجعت إلى سوادها.

فدعا عمي بطعام فأخرج من داره ثلاث موائد فوضعت بين يديه وكنت أنا ممن جلس معه عليها وجلس عمي معه وكان يأكل ويلقمه فأكل أكل شاب وعمي يحلف عليه وأنا أنظر إلى عنفقته تسود حتى عادت إلى سوادها وشبع.

حدثني القاضي أبو الحسن أسد بن إبراهيم السلمي الحراني وأبو عبد الله الحسين بن محمد الصيرفي البغدادي قالا جميعا أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد المعروف بالمفيد لقراءتي عليه بجرجرايا وقال الصيرفي سمعت منه إملاء سنة خمس وستين وثلاثمائة قال حدثنا علي بن عثمان بن الخطاب بن عبد الله بن عوام البلدي من مدينة بالمغرب يقال لها مزيدة يعرف بأبي الدنيا الأشبح المعمر قال سمعت علي بن أبي طالب عليهم السلام يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كلمة الحق ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها وقال حدثنا الأشبح قال سمعت علي بن أبي طالب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما. (١)

__________________

(١) روى ذلك أبو علي القالي في ذيل الأمالي صلى الله عليه وسلم ١٧١ وأبو الطيب محمّد بن إسحاق بن يحيى الوشاء في الموشّى صلى الله عليه وسلم ٤ والطوسيّ في الأمالي ج ١ صلى الله عليه وسلم ٣٧٤ وج ٢ صلى الله عليه وسلم ٢٣٥ وص ٣١٤.

انظر : مصادر نهج البلاغة للمعلق صلى الله عليه وسلم ٢٩٧.

١٥١

وقال حدثنا الأشبح قال سمعت علي بن أبي طالب عليهم السلام يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم :

طوبى لمن رآني أو رأى من رأى من رآني.

وقال حدثنا الأشبح قال سمعت عليا عليهم السلام يقول إنه عهد إلي النبي الأمي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق.

وقال حدثنا الأشج قال سمعت علي بن أبي طالب عليهم السلام يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم :

في الزناء ست خصال ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة فأما اللواتي في الدنيا فيذهب بنور الوجه ويقطع الرزق ويسرع الفناء.

وأما اللواتي في الآخرة فغضب الرب جل وعز وسوء الحساب والدخول في النار.

وقال حدثنا الأشج قال سمعت علي بن أبي طالب عليهم السلام يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :

من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.

وقال حدثنا الأشج قال سمعت علي بن أبي طالب عليهم السلام يقول :

لما نزلت (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ)

قال النبي صلى الله عليه وسلم سألت الله عزوجل أن يجعلها أذنك يا علي. (١)

وقال حدثنا الأشج قال سمعت علي بن أبي طالب عليهم السلام يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

لا تتخذوا قبري مسجدا ولا تتخذوا قبوركم مساجد ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي حيث كنتم فإن صلواتكم تبلغني وتسليمكم يبلغني.

__________________

(١) تجد قول النبيّ صلّى اللّه عليه وآله هذا لعلي (عليهم السلام) في الطبريّ والكشّاف ومجمع الزوائد وحلية الأولياء والدر المنثور وكنز العمّال ، انظر : فضائل الخمسة ج ١ صلى الله عليه وسلم ٢٧٢ ـ ٢٧٤.

١٥٢

وقال حدثنا الأشج قال سمعت علي بن أبي طالب يقول :

ما رمدت ولا صدعت منذ دفع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية يوم خيبر.

وقال حدثنا الأشج قال سمعت عليا عليهم السلام يقول :

من جلس في مجلسه ينتظر الصلاة فهو في صلاة وصلت عليه الملائكة وصلواتهم عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه.

وقال حدثنا الأشج قال سمعت عليا عليهم السلام يقول :

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجبه ولا يحجزه من قراءة القرآن إلا الجنابة.

وقال حدثنا الأشج قال سمعت عليا عليهم السلام يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

الحرب خدعة.

وقال حدثنا الأشج قال سمعت عليا عليهم السلام يقول قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوتر قبل الوصية وأنتم تقرءون (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ) وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه.

وقال أبو بكر المعروف بالمفيد رأيت أثر الشجة في وجهه وقال أخبرت أمير المؤمنين عليهم السلام بحديثي وقصتي في سفري وموت أبي وعمي وعين الماء التي شربت منها وحدي فقال عليهم السلام :

هذه عين لم يشرب منها أحد إلا عمر عمرا طويلا فأبشر فإنك تعمر ما كنت لتجدها بعد شريك منها.

قال أبو بكر وسألت عن الأشج أقواما من أهل البلدة فقالوا هو مشهور عندنا بطول العمر يحدثنا بذلك الأبناء عن آبائهم عن أجدادهم وقوله في أنه لقي علي بن أبي طالب عليهم السلام معلوم عندهم متداول بينهم.

فأما الأحاديث التي رواها عن الأشج أبو محمد الحسن بن محمد الحسيني مما لم يروه أبو بكر محمد بن أحمد الجرجراي فهي :

١٥٣

قال الشريف أبو محمد حدثني علي بن عثمان المعمر الأشج قال حدثني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

من أحب أهل اليمن فقد أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني.

قال وحدثني أمير المؤمنين عليهم السلام قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :

أنا وأنت يا علي أبوا هذا الخلق فمن عقنا فعليه لعنة الله أمن يا علي فقلت آمين يا رسول الله.

فقال يا علي أنا وأنت موليا هذا الخلق فمن جحدنا ولاءنا وأنكرنا حقنا فعليه لعنة الله أمن يا علي فقلت آمين يا رسول الله آخر أخبار المعمر المغربي :

حديث المعمر المشرقي :

هذا رجل مقيم ببلاد العجم من أرض الجبل يذكر أنه رأى أمير المؤمنين عليهم السلام ويعرفه الناس بذلك على مر السنين والأعوام.

ويقول إنه لحقه مثل ما لحق المغربي من الشجة في وجهه وإنه صحب أمير المؤمنين عليهم السلام وخدمه.

وحدثني جماعة مختلفو المذاهب بحديثه وأنهم رأوه وسمعوا كلامه.

منهم أبو العباس أحمد بن نوح بن محمد الحنبلي الشافعي حدثني بمدينة الرملة في سنة إحدى عشرة وأربعمائة.

قال كنت متوجها إلى العراق للتفقه (١) فعبرت بمدينة يقال لها شهرورد من أعمال الجبل قريبة من زنجان وذلك في سنة خمسين وثلاثمائة (٢) فقيل لي إن هاهنا شيخا يزعم أنه لقي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام فلو صرت إليه ورأيته لكان ذلك فائدة عظيمة.

__________________

(١) في النسخة : للنفقة.

(٢) في النسخة : سنة خمسين وأربعمائة ، وهو خطأ من الناسخ بقرينة ما سبق. وبقرينة أن المؤلّف توفي (سنة ٤٤٩ ه).

١٥٤

قال فدخلنا عليه فإذا هو في بيته يعمل النوار وإذا هو شيخ نحيف الجسم مدور اللحية كبيرها وله ولد صغير ولد له منذ سنة.

فقيل له إن هؤلاء القوم من أهل العلم متوجهون إلى العراق يحبون أن يسمعوا من الشيخ ما قد لقي من أمير المؤمنين عليهم السلام.

فقال نعم كان السبب في لقائي له أني كنت قائما في موضع من المواضع فإذا أنا بفارس مجتاز فرفعت رأسي فجعل الفارس يمر يده على رأسي ويدعو لي فلما أن عبر أخبرت بأنه علي بن أبي طالب عليهم السلام فهرولت حتى لحقته وصاحبته.

وذكر أنه كان معه في تكريت وموضع من العراق يقال له تل فلان بعد ذلك وكان بين يديه يخدمه إلى أن قبض عليهم السلام فخدم أولاده.

قال لي أحمد بن نوح رأيت جماعة من أهل البلد ذكروا ذلك عنه وقالوا سمعنا آباءنا يخبرونا عن أجدادنا بحال هذا الرجل وأنه على هذه الصفة وكان قد مضى فأقام بالأهواز ثم انتقل عنها لأذية الديلم له وهو مقيم بشهرورد.

وحدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن أحمد القمي رحمه‌الله أن جماعة حدثوه بأنهم رأوا هذا المعمر وشاهدوه وسمعوا ذلك عنه.

وحدثني بحديثه أيضا قوم من أهل شهرورد وصفوا لي صفته وقالوا هو يعمل الزنانير.

وفي بعض ما ذكرناه في هذا الباب كفاية والحمد لله وصلاته على سيدنا محمد رسوله وآله.

فصل في الكلام في الآجال :

إن سأل سائل فقال ما حقيقة الآجال؟

فقيل له إن الآجال هي الأوقات فأجل الحياة وقتها وأجل الموت وقته الذي يوجد فيه.

١٥٥

وكذلك الأجل في الدين إنما هو وقت وجوبه.

ويقال للإنسان أجل لهذا الأمر أجلا معناه أجل لحدوثه وكونه وقتا.

فإن قال السائل أفتقولون إن الآجال محتومة لا يجوز تقديمها ولا تأخيرها أم تجيزون أن يقدمها الله تعالى ويؤخرها؟؟

قيل له الذي نقوله إن الله قادر على تأخير أجل الموت بالزيادة في مدة الحياة وعلى تقديمه بالنقصان منها.

فإن قال كيف يصح لكم القول بالتقديم والتأخير وما معناه والأجل عندكم هو الوقت فأي وقت حضرموت الإنسان فذلك أجله؟

قيل له المعنى في ذلك أن الوقت الذي أمات الله تعالى العبد فيه قد كان قادرا على أن لا يميته فيه بل يبقيه بدلا من ذلك ويحييه فيكون هذا هو تأخير أجله والزيادة في عمره.

والوقت الذي أحياه الله تعالى فيه قد كان قادرا على أن يميته بدلا من ذلك فيه ولا يحييه فيكون هذا هو تقديم أجله والنقص من عمره وجميع ذلك في العقل غير مستحيل وهو المعنى الذي ذهبنا إليه.

فإن قال فإذا علم سبحانه أنه يحيي عبده هذا مائة سنة حسبما تقتضيه عنده المصلحة فكيف يصح مع ذلك أن يزيد في هذا المبلغ أو ينقص؟

قلنا يصح أن يعلم أن المصلحة تقتضي أن يكون عمره مائة سنة ما لم يفعل شيئا معينا فمتى فعله اقتضت المصلحة أن يزيده على المائة عشرين سنة أو ينقصه منها عشرين وهذا أيضا غير مستحيل.

فإن قال أفليس الله تعالى عالما بأن العبد سيفعل ما تتغير المصلحة عند فعله أو لا يفعله؟

قلنا بلى إن الله تعالى عالم به وبكل كائن قبل كونه وبما لا يكون أن لو كان كيف يكون حاله.

١٥٦

فإن قال فإذا كانت حاله معلومة له فقد حصل عمره معلوما فلا معنى للزيادة والنقص هاهنا.

قلنا إنما ذلك على وجه التقدير الذي قد كان ممكنا غير مستحيل وإن هذا الممكن لو كان كيف كانت تكون الحال من تأخير في الأجل وتقديم وقد أخبر الله تعالى عن قوم نوح :

(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) نوح : ١٠ و ١٢.

مع علمه سبحانه وعلم نوح أنهم لا يستغفرون ولا يتوبون وأنهم بأسرهم يغرقون.

وقال عزوجل:

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) الأعراف ٩٦.

ولا يكون ذلك إلا وهم أحياء وإنما عنى أهل القرى التي أهلكها فأخبر أنهم لو آمنوا لأحياهم وأنعم عليهم وهو يعلم أنهم لا يؤمنون وأنه سيهلكهم.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم

إن صلة الرحم تزيد في العمر.

فأخبر عليهم السلام أن عمر العبد يكون مقدرا معلوما عند الله تعالى وإن هو وصل رحمه زاد الله تعالى في عمره والله تعالى عالم بأن هذا العبد إن لم يصل رحمه مات في وقت كذا وإن هو وصلها عاش إلى وقت كذا وهو مع هذا كله عالم بما يكون منه وهل يصله أم لا يصله قال الله عزوجل :

(وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) فاطر : ١١.

فإن قال السائل فما تقولون في المقتول لو لم يقتل أكان يجوز أن يبقى حيا أو كان منيته غير هذا أم لا؟

قيل له كل ذلك جائز وجوازه على قسمين.

١٥٧

أحدهما بمعنى أنا نشك فيه لعدم دليل القطع على حقيقته بما يكون منه.

والثاني بمعنى أن الله تعالى يقدر على ذلك كله ولا يستحيل منه فهو عندنا لو لم يقتل جاز أن يبقى حيا وجاز أن يموت في الحال من غير قتل ومهما كان من ذلك فهو معلوم قبل كونه لله تعالى.

ولو كان الظالم إنما يقتل المظلوم لأن أجله قد حضر ولأن حضور أجله حمله على قتله لم يكن ملوما ولا ظالما بل كان محمولا على ذلك مضطرا.

وقد ضرب في معنى هذا مثل فقيل :

لو كان كل مقتول لو لم يقتل لمات في ذلك الوقت لا محالة ولم يعش لحظة واحدة لكان من قصد إلى أغنام رجل فذبحها عن آخرها لا يجوز أن يلومه صاحبها ولا يغرمه بثمنها بل كان يجب أن يشكره على ذبحها لأنه لو لم يذبحها لماتت كلها فكان لا ينتفع بشيء منها.

وفي صحة توجه اللوم إليه دلالة على أنه لو لم يذبحها لجاز أن تبقى كلها حية أو يبقى بعضها والله عالم بحقيقة أمرها.

فإن قال أفتقولون إن المقتول مات بأجله أم تقولون إن قاتله قطع أجله؟؟

قلنا قد ذكرناه أن حقيقة الأجل هو الوقت وأجل الشيء وقته وإذا كان هذا هو الأصل فالوقت الذي قتل به فيه هو أجل موته كما هو وقت موته وقد ذكرنا قول الله تعالى في قوم نوح أنهم لو آمنوا لأبقاهم إلى أجل مسمى فلما لم يؤمنوا أهلكوا قبل ذلك الأجل وليس هذا بمانع من أن نقول بأنهم قد هلكوا بآجالهم نريد وقت حضور إهلاكهم.

فإن قال فما معنى قوله سبحانه :

(إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ) (١)

وقوله :

__________________

(١) نوح : من الآية ٤ (إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

١٥٨

(فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) الأعراف : ٣٤.

قلنا المراد بذلك الأجل الذي علم الله تعالى أنهم يميتهم فيه والحمد لله.

فصل :

واعلم أنا نذهب إلى أن الله تعالى إذا علم من حال عبد من عبيده أنه إذا أبقاه آمن من كفره أو تاب من معصيته وفسقه فإن الواجب في حكمته عزوجل أن يبقيه ولا يخترمه.

فإن كان قد فعل به ذلك مرة فتاب وأقلع ثم عاد في معاصيه ونكث وعلم منه بعد ذلك أنه إن أبقاه تاب أيضا وأحسن فإن تبقيته لأجل التوبة غير واجبة لأن ذلك لو وجب دائما لم يكن للتكليف أجر وأدى للخروج من الحكمة والعبث تعالى الله عن كل صفة نقص.

مسألة فقهية

ذكرها شيخنا أبو عبد الله المفيد رضوان الله عليه.

امرأة ورثت أربعة أزواج واحدا بعد واحد فصار لها نصف أموالهم جميعا وللعصبة النصف الباقي.

جواب :

هذه امرأة تزوجها أربع إخوة واحدا بعد واحد وورث بعضهم بعضا وكان جميع مالهم ثمانية عشر دينارا لواحد منهم ثمانية دنانير وللآخر منهم ستة دنانير وللآخر ثلاثة وللآخر دينار واحد فتزوجها الذي له ثمانية دنانير ومات عنها فصار لها الربع مما ترك وهو ديناران وصار ما بقي بين الإخوة الثلاثة لكل واحد منهم ديناران فصار لصاحب الستة ثمانية دنانير ولصاحب الثلاثة خمسة ولصاحب الدينار ثلاثة.

ثم تزوجها صاحب الثمانية ومات عنها فورثت منه بحق الربع دينارين وصار ما بقي وهو ستة دنانير بين أخويه لكل واحد منهما ثلاثة دنانير فصار للذي له خمسة دنانير ثمانية دنانير وللذي له ثلاثة ستة ثم تزوجها صاحب

١٥٩

الثمانية ومات عنها فورثت منه الربع دينارين وصار ما بقي لأخيه وهي ستة دنانير فحصل له بهذه الستة مع الستة الأولى اثنا عشر دينارا.

ثم تزوجها وهو الباقي من الإخوة وله اثنا عشر دينارا ومات عنها فورثت الربع ثلاثة دنانير فصار جميع ما ورثته عنهم تسعة دنانير لأنها ورثت من الأول دينارين ومن الثاني دينارين ومن الثالث دينارين ومن الرابع ثلاثة دنانير فذلك تسعة وهي نصف ما كانوا يملكونه والباقي للعصبة كما قلنا.

خبر ضرار بن ضمرة عند دخوله على معاوية

أخبرنا أبو المرجى محمد بن علي بن أبي طالب قال أخبرني أبو المفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن المطلب الشيباني الكوفي (١) قال حدثني منصور بن الحسن بن أبي جلة بأنطاكية قال حدثنا محمد بن زكريا بن دينار قال حدثنا العباس بن بكار عن عبد الواحد بن أبي عمرو الأسدي عن محمد بن السائب عن أبي صالح مولى أم هاني (٢) قال :

دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية بن أبي سفيان يوما فقال له يا ضرار صف لي عليا قال أوتعفيني من ذلك قال لا أعفيك قال :

أما إذ لا بد فإنه كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة عن لسانه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل وظلمته

__________________

(١) في فهرست الطوسيّ : يكنى أبو المفضل كثير الرواية حسن الحفظ ، غير أنّه ضعفه جماعة من أصحابنا ، له كتاب الولادات الطيبة الطاهرة وكتاب الفرائض وكتاب المزار وعن النجاشيّ : كان سافر في طلب الحديث عمره أصله كوفي وكان في أول أمره ثبتا ثمّ خلط ورأيت جل أصحابنا يغمزونه ويضعفونه له كتب كثيرة ، وقال الخطيب البغداديّ : نزل بغداد وحدث بها عن محمّد بن جرير الطبريّ ومحمّد بن العباس اليزيدي وأمثالهم ، وكان يضع الحديث الرافضة ... ولد سنة ٢٩٧ وتوفّي سنة ٣٨٧.

(٢) هي أم هاني بنت أبي طالب ، أخت عليّ عليه السلام كان الأسراء من دارها ، ودخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله على أم هاني يوم الفتح وكان جائعا ، فقالت : يا رسول اللّه ، إن أصهارا لي قد لجئوا إليّ ، وإن أخاف أن يعلم بهم عليّ بن أبي طالب فيقتلهم ، قال (صلى الله عليه وسلم) : قد أجرنا من أجرت يا أم هاني (سفينة البحار م ١ صلى الله عليه وسلم ٤٢٥ وم ٢ صلى الله عليه وسلم ٧٢٤).

١٦٠