كنز الفوائد - ج ٢

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي

كنز الفوائد - ج ٢

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي


المحقق: الشيخ عبدالله نعمه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

وذكر أن الهرم عندهم قليل وحدثني أن ببلاد السند عندهم رجلا شريفا عمريا وهو أمير من أمرائهم أنه عاش مذ أن فارقه مائة وستين سنة.

قال وهذا الشريف هو العباس بن علي بن عمر بن أحمد بن حمزة بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ع.

وليس يشك العاقل في أن العادات بيد الله تعالى وأنه يصح منه تغييرها على التدريج أو خرقها وقد تناثرت الأخبار القاطعة للأعذار بحال المعمرين الذين كانوا فيما بعد وقرب من الناس وروى حديثهم وأشعارهم ومبلغ أعمارهم وأخبارهم أصحاب السير والآثار حتى جرى ذلك مجرى ما تعلق من الحوادث في الأزمان والوقائع وأخبار البلدان واشترك في العلم العلماء وحصل المنكر له كالمنكر لما سواه مما تواترت به الأخبار وقبح في مثله الإنكار ولو اقتصر المستدل في جواز طول العمر على هذا الوجه لأغناه من الإطالة والإكثار.

أخبار المعمرين

فمن المعمرين الخضر عليهم السلام المتصل بقاؤه إلى آخر الزمان ومما جاء من حديثه أن آدم عليهم السلام لما حضره الموت جمع بنيه فقال :

يا بني إن الله تبارك وتعالى منزل على أهل الأرض عذابا فليكن جسدي معكم في المغارة فإذا هبطتم فابعثوا بي فادفنوني بأرض الشام فكان جسده معهم فلما بعث الله نوحا عليهم السلام ضم ذلك الجسد وأرسل الله تعالى الطوفان على الأرض فغرقت الأرض زمانا فجاء نوح حتى نزل ببابل وأوصى بنيه الثلاثة وهم سام ويافث وحام أن يذهبوا بجسده إلى المكان الذي أمرهم أن يدفنوه فيه فقالوا الأرض موحشة لا أنيس بها ولا نهتدي الطريق ولكن نكف حتى يأمن الناس ويكثروا وتأنس البلاد وتجف فقال لهم إن آدم عليهم السلام قد دعا الله تعالى أن يطيل عمر الذي يدفنه إلى يوم القيامة فظل جسد آدم عليهم السلام حتى كان الخضر هو الذي تولى دفنه وأنجز الله تعالى ما وعده وإلى ما شاء الله أن يحيي.

وهذا حديث قد رواه مشايخ الدين وثقات المسلمين.

١٢١

ولقمان بن عاد الكبير أطول الناس عمرا بعد الخضر عليهم السلام وذلك أنه عاش ألفا وخمسمائة سنة.

ويقال إنه عاش عمر سبعة أنسر وإنه كان يأخذ فرخ النسر الذكر فيجعله في الجبل فيعيش النسر ما عاش فإذا مات أخذ آخر فرباه حتى كان آخرها لبد وكان أطولها عمرا فقيل طال الأبد على لبد ولما رأى هلاكه قال يا لبد أهلكتني نفسك.

وفيه يقول الأعشى (١).

لنفسك أن تختار سبعة أنسر

إذا ما مضى نسر خلوت إلى نسر

فعمر حتى خال أن نسوره

خلود وهل تبقى النفوس على الدهر

وقال لأدناهن إذ حل ريشه

هلكت وأهلكت ابن عاد وما تدري

وهو الذي أراده القائل بقوله (٢) :

أخنى عليها الذي أخنى على لبد. (٢)

ومنهم ربيع بن ضبع بن وهب بن بغيض بن مالك بن سعد بن عبس بن قزارة عاش ثلاثمائة سنة وأربعين سنة وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلم وهو الذي يقول :

__________________

(١) مرت ترجمته.

(٢) هو النابغة الذبياني.

(٣) أوله :

أضحت خلاء وأضحى أهلها احتملوا

أخنى عليها الذي أخنى على لبد

(٤) تجد أخباره وشعره في أمالي المرتضى ج ١ صلى الله عليه وسلم ٢٥٣ وما بعدها.

١٢٢

ألا أبلغ بني بني ربيع

وأشرار البنين لكم فداء

بأني قد كبرت ودق عظمي

فلا يشغلكم عني النساء

وأن كنائني لنساء صدق

ولا ألى (١) بني ولا أساءوا

إذا جاء الشتاء فادفنوني

فإن الشيخ يهدمه الشتاء

وأما حين يذهب كل قر

فسربال خفيف أو رداء

إذا عاش الفتى مائتين عاما

فقد ذهب اللذاذة والفتاء

وهو القائل :

أصبح مني الشباب قد حسرا

إن ينأ عني فقد ثوى عصرا

الأبيات (٢)

ومنهم المستوغر (٣) بن ربيعة بن كعب عاش ثلاثمائة سنة وثلاثا وثلاثين سنة وهو الذي يقول :

ولقد سئمت من الحياة وطولها

وعمرت من بعد السنين مئينا

مائة أتت من بعدها مائتان لي

وعمرت وازددت من بعد الشهور سنينا (٤)

ومنهم أكثم بن صيفي الأسدي التميمي وكان حكيما مقدما ولم تكن العرب تفضل عليه أحدا عاش ثلاثمائة سنة وثلاثين سنة وهو الذي يقول :

وإن امرأ قد عاش تسعين حجة

إلى مائة لم يسأم العيش جاهل

__________________

(١) بتشديد اللام وهي بمعنى قصّر وهي بالتخفيف قصّر أيضا :

(٢) تجد الأبيات في الأمالي ج(١) صلى الله عليه وسلم ٢٥٥ ـ ٢٥٦ وهي سبعة أبيات.

(٣) انظر : سيرة ابن هشام ج ١ صلى الله عليه وسلم ٩٣ وتجد أخبار المعمرين في إكمال الدين ج ٢ صلى الله عليه وسلم ٢٤٦ ـ ٢٦٦ وفي غيبة الطوسيّ صلى الله عليه وسلم ٨٥ ـ ٩٤ وأمالي المرتضى ج ١ صلى الله عليه وسلم ٢٣٣ وما بعدها من الصفحات.

(٤) وبعد البيتين كما في الأمالي للمرتضى هذا البيت :

هل ما بقي إلّا كما قد فاتنا

يوم يكر وليلة تحدونا

١٢٣

خلت مائتان بعد عشر وفازها (١)

وذلك من عد الليالي قلائل

وكان ممن أدرك الإسلام وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ومات قبل أن يراه وله أحاديث كثيرة وحكم مأثورة.

فما روي من حديثه أنه لما سمع برسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليه بابنه وأوصاه بوصية حسنة وكتب معه كتابا يقول فيه :

باسمك اللهم من العبد إلى العبد فإنا بلغنا ما بلغك فقد أتانا عنك خبر ما ندري ما أصله فإن كنت أريت فأرنا وإن كنت علمت فعلمنا وأشركنا في كنزك والسلام.

فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(بسم الله الرحمن الرحيم)

من محمد رسول الله إلى أكثم بن صيفي أحمد الله إليك إن الله أمرني أن أقول لا إله إلا الله أقولها وآمر الناس بها الخلق خلق الله والأمر كله لله خلقهم وأماتهم وهو ينشرهم وإليه المصير آذنتكم بآداب المرسلين ولتسئلن (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ)

فلما وصل كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه جمع بني تميم ووعظهم وحثهم على السير معه إليه وعرفهم وجوب ذلك عليهم فلم يجيبوه وعند ذلك سار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده ولم يتبعه غير بنيه وبني بنيه فمات قبل أن يصل إليه.

وهو أكثم بن صيفي بن رياح بن الحرث بن مجاشر بن شريف بن جروة بن أسد بن عمرو بن تميم بن مرة.

__________________

(١) كذا في النسخة وقد تكون الكلمة : فإنها ، والخطأ من الناسخ. وفي غيبة الطوسيّ صلى الله عليه وسلم ٨٧ هكذا : خلت مائتان غير ست وأربع ومثله في إكمال الدين صلى الله عليه وسلم ٥٣٠.

١٢٤

ومنهم صيفي بن رياح بن أكثم المذكور عاش مأتي سنة وسبعين سنة ولا ينكر من عقله شيء وزعم بعض الرواة أنه ذو الحلم الذي قال له المتلمس اليشكري :

لذي الحلم قبل اليوم (١) ما تقرع العصا

وما علم الإنسان إلا ليعلما

ومنهم صبيرة بن سعيد بن سهم بن عمرو عاش مأتي سنة وعشرين سنة ولم يشب قط وأدرك ولم يسلم.

روى أبو حاتم والرياشي عن العتبي عن أبيه قال مات صبيرة السهمي وله مائتا سنة وعشرون سنة وكان أسود الشعر صحيح الأسنان فرثاه ابن عمه قيس بن عدي فقال :

من يأمن الحدثان بعد

صبيرة السهمي مائتا

سبقت منيته المشيب

وكان ميتته افتلاتا

فتزودوا لا تهلكوا

من بين أهلكم خفاتا

ومنهم دويد (٢) بن زيد بن نهد القضاعي عاش أربعمائة سنة وستا وخمسين فلما حضره الموت قال :

ألقى علي الدهر رجلا ويدا

والدهر ما أصلح يوما أفسدا

يفسد ما أصلحه اليوم غدا

وقال أيضا :

يا رب نهب صالح حويته

واليوم يكفي لدريد بيته

ورب قرن بطل (٣) أرديته

ورب عبل خشن لديته

لو كان للدهر بلى أبليته

أو كان قرني واحدا كفيته

__________________

(١) التصحيح عن غيبة الطوسيّ صلى الله عليه وسلم ٨٧.

(٢) تجد أخباره في أمالي المرتضى ج(١) صلى الله عليه وسلم ٢٣٦ ـ ٢٣٧.

(٣) التصحيح عن أمالي المرتضى ج ١ صلى الله عليه وسلم ٢٣٧.

١٢٥

ومنهم (دريد بن الصمة الجشمي عاش دهرا طويلا وسقط حاجباه على عينيه وقيل إنه لم يتجاوز مأتي سنة وأدرك الإسلام فلم يسلم وشهد يوم حنين مع هوازن وقتل بها وهو القائل لما كبر :

فإن يك رأسي كالنعمامة نسله

يطيف بي الولدان أحدث ..

رهينة قعر البيت كل عشية

كأني أرقى أو أصوب في المهد

فمن بعد فضل من شباب وقوة

وشعر أثيت حالك اللون مسود

ومنهم عمرو بن حممة الدوسي عاش أربعمائة سنة وهو الذي يقول :

كبرت فطال العمر حتى كأني

سليم أفاع ليله غير مودع

فما الموت أفناني ولكن تتابعت

علي سنون من مصيف ومربع

ثلاث مئين قد مررن كواملا

وها أنا هذا أرتجي مر أربع

فأصبحت مثل النسر حل جناحه

إذا هم تطيارا يقال له قع

قال أبو روق حدثنا الرياشي عن عمرو بن بكير عن الهيثم بن عدي عن مجالد بن الشعبي قال كنا عند ابن عباس في قبة زمزم وهو يفتي الناس فقام إليه رجل فقال له أفتيت أهل الفتوى فأفت أهل الشعر قال قل قال ما معنى قول الشاعر :

لذي الحلم قبل اليوم ما يقرع العصا

وما علم الإنسان إلا ليعلما

فقال ذاك عمرو بن حممة الدوسي قضى على العرب ثلاثمائة سنة فلما ألزموه وقد رأى السادس أو السابع من ولد ولده قال إن فؤادي بضعة مني فربما تغير علي اليوم والليلة مرارا وأمثل ما أكون فيهما في صدر النهار

١٢٦

فإذا رأيتني قد تغيرت فأقرع العصا فكان إذا رأى منه تغيرا أقرع العصا فيراجعه فهمه فقال المتلمس (١) :

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا

وما علم الإنسان إلا ليعلما

ومنهم زهير بن جناب بن عبد الله بن كنانة بن عوف القضاعي (٢) عاش أربعمائة سنة وعشرين سنة (٣) وكان سيدا مطاعا شريفا في قومه وكان يقال إنه كانت له عشر خصال لم يجتمعن في غيره عن أهل زمانه كان سيد قومه وخطيبهم وشاعرهم وحكيمهم ووافدهم إلى الملوك وطبيبهم والطب في ذلك الوقت شرف وكاهن قومه وفارسهم وله البيت فيهم وله العدد منهم. ومنهم الحرث بن مضاض الجرهمي .. إسماعيل عليهم السلام من ولد جرهم الأكبر وجرهم بن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليهم السلام وهو القائل :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس ولم يسمر بمكة سامر

بلى نحن كنا أهلها فأبادنا

صروف الليالي والجدود العواثر

وهي قصيدة طويلة قد رواها الناس.

ومنهم عامر بن الظرب العدواني (٤) عاش مأتي سنة وكان من حكماء العرب وفيه يقول ذو الإصبع العدواني :

ومنا حكم يقضي

فلا ينقض ما يقضي

__________________

(١) هو جرير بن عبد المسيح أو (عبد العزى). شاعر جاهلي من شعراء البحرين مات سنة ٥٨٠ م والبيت من قصيدة يهجو بها عمرو بن هند ملك الحيرة أولها :

يعيرني أمي رجال ولا أرى

أخا كرم إلّا بأن يتكرما

 ومن كان ذا عرض كريم فلم يصن

له حسبا كان اللئيم المذمما

(٢) أخباره في الأغاني ج ٢١ صلى الله عليه وسلم ١٤٨ ـ ١٦٠ وأمالي الشريف المرتضى ج(١) صلى الله عليه وسلم ٢٣٨ وما بعدها.

(٣) في الأمالي : عاش مأتي سنة وعشرين سنة.

(٤) تجد أخباره في سيرة ابن هشام ج ١ صلى الله عليه وسلم ١٣٤.

١٢٧

ومنهم الحرث بن كعب المذحجي عاش مائة وستين سنة وله وصية حسنة لقومه وكان على شريعة المسيح عليهم السلام وهو القائل :

أكلت شبابي فأمضيته

وأمضيت من بعد دهر دهورا

ثلاثة أهلين جاورتهم

فبادوا وأصبحت شيخا كبيرا

قليل الطعام عسير القيام

قد ترك الدهر خطوي قصيرا

أبيت وأرعى نجوم السماء

أقلب أمري بطونا ظهورا

ومنهم الأفوه بن مالك الأودي (١) عاش مائتين وثلاثين سنة وله وصية لقومه وقصيدته المشهورة عنه المعروفة (٢) :

فينا معاشر لن يبنوا لقومهم

وإن بنى قومهم ما أفسدوا عادوا

لا يرشدون ولن يرعوا لمرشدهم

فالجهل منهم معا والغي ميعاد

أضحوا كفيل بن عتر في عشيرته

إذ أهلكت بالذي باءت به عاد

وبعده كقدار حين تابعه

على الغواية أقوام فقد بادوا

والبيت لا يبتنى إلا له عمد

ولا عماد إذا لم ترس أوتاد

وإن تجمع أوتاد وأعمدة

وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم

ولا سراة إذا جهالهم سادوا

إذا تولى سراة القوم أمرهم

نما على ذاك أمر القوم فازدادوا

يلقى الأمور بأهل الرأي ما صلحت

فإن تولت فبالأشرار تنقاد

إمارة الغي أن نلقى الجميع لدى

الإبرام .. (٢)

كيف الرشاد إذا ما كنت في نفر

لهم عن الرشد أغلال وأقياد

أعطوا غواتهم جهلا مقادهم

فكلهم في حبال الغي منقاد

حان الرحيل إلى قوم وإن بعدوا

فيهم صلاح لمرتاد وإرشاد

فسوف أجعل بعد الأرض دونكم

وإن دنت رحم منكم وميلاد

__________________

(١) هو صلاءة بن عمرو بن مالك ، والأفوه لقب ، كان من سادات العرب في الجاهلية ، وكان شاعرا فحلا وفارسا مغوارا ، وذا رأي وحزم ومات (سنة ٥٧٠ م).

(٢) في النسخة أغلاط كثيرة ونقص كلمات.

(٣) كلمات غير واضحة.

١٢٨

إن النجاة إذا ما كنت ذا بصر

من .. أبعاد فأبعاد

وروي في قوله أضحوا كفيل بن عتر في عشيرته أنهم كانوا وقد عادوا وأنهم خرجوا إلى البيت الحرام ليستسقوا لقومهم وكانوا قيل ولقمان ومريد وعارق فهم نزلوا على رجل من جرهم فاشتغلوا عنده باللهو والطرب عن الاستسقاء فما أفاقوا من لهوهم إلا وقد رفع الله تعالى على قومهم سحابة سوداء فهبت عليهم الريح العقيم فأهلكتهم وإن قيلا ضربه الصر فقتله ولحق بهم وإن الثلاثة الباقين مروا فكان أطولهم عمرا لقمان بن عاد صاحب النسور وقد تقدم ذكره.

ومن المعمرين نضر بن ذهمان بن سليم بن أشجع.

عاش مائة وتسعين سنة وعاوده شبابه وسواد شعره وصحة عقله بعد ما مضى وفيه يقول العباس بن مرداس السلمي :

لنضر بن ذهمان الهنيدة عاشها

وتسعين حولا ثم قوم فانصاتا (١)

وعاد سواد الشعر بعد بياضه

وراجعه شرخ الشباب الذي فاتا

وراجع عقلا بعد ما فات عقله

ولكنه من بعد ذا كله ماتا

أتت .. الخيل من أرض حمير

غرابيب دهما حالكات وكمتاتا

ومنهم أمية بن الأسكر الليثي. (٢)

ذكر أنه عاش دهرا طويلا حتى صرت فمر به غلام كان يرعى غنمه وهو يحثو التراب على رأسه من الكبر فوقف ينظر إليه فلما أفاق أمية بصر بالغلام قائما ينظر إليه فأنشأ يقول

__________________ (١) فانصاتا أي استوت قامته.

(٢) أخباره مروية في الأغاني. أورد البيهقيّ منها ثلاثة أبيات.

١٢٩

أصبحت لهوا لراعي الضأن أعجبه

ما ذا يريبك مني راعي الضأن

انعق بضأنك في نجم تحضره

من الأباطح واحبسها بحدان

انعق بضأنك إني قد رعيتهم

بيض الوجوه بني عم وإخوان

أبني أمية ألا تحضرا كبري

فإن عيشكما والموت سيان

إذ نركب الفرس الأحرى ثلاثتنا

وإذ حديثكما والعيش مثلان

وروي أن عمر بن الخطاب أخبر بخبر أمية فسأل عن ابنيه فقيل له إن أحدهما بالبصرة والآخر بالكوفة فأمر بأن يكتب فيهما بأن يردا إلى أبيهما وقال أمية يذكر ابنه كلابا (١) وكان غائبا عنه.

تركت أباك مرعشة يداه

وأمك ما يسيغ لها شرابا

إذا هتفت حمامة بطن واد

على إبكائها ذكرا كلابا

نمسح مهده شفقا عليه

ونجنبه أباعرنا الصعابا (٢)

ومنهم جعثم بن عوف بن خديجة عاش مائتين وخمسين سنة وقال

حتى منى جعثم في الأحياء

ليس بذي أيد ولا غناء

هيهات ما للموت من دواء

__________________

(١) وكلاب هو ابن أميّة وكان من خيار المسلمين قتل مع عليّ عليه السلام بصفين.

(٢) تجد هذه الأبيات في المحاسن والمساوئ ج ٢ صلى الله عليه وسلم ٣٦١ فمن أبيات رواها البيهقيّ.

١٣٠

ومنهم أوس بن ربيعة بن كعب بن أمية الأسلمي عاش مائتي سنة وأربع عشرة سنة وهو الذي يقول :

لقد عمرت حتى مل أهلي

ثوائي عندهم وسئمت عمري

وحق لمن أتى مائتان عاما

عليه وأربع من بعد عشر

يمل من الثواء وصح يوم

يغاديه وليل بعد يسر

فأبلى جدتي وتركت شلوا

وبحت بما يجن ضمير صدري

ومنهم كعب الردار بن هلال بن كعب.

عاش ثلاثمائة سنة حتى مل من حياته فقال في ذلك :

لقد ملني الأدنى وأبغض رؤيتي

وأبنائي كذا ألا يحب كلامي

على الراحتين مرة وعلى العصا

أكون مليا ما أقل عظامي

فيا ليتني قد سخت في الأرض قامة

وليت طعامي كان فيه حمامي

ومنهم أنس بن نواس بن مالك بن حبيش بن ربيعة

عاش دهرا طويلا ونبتت أسنانه بعد ما سقطت فقال :

أصبحت من بعد البزول رباعيا

وكيف الرباعي بعد ما شق بازله

ويوشك أن يلقى بنينا وإن بعد

إلى جذع يثكل أخاكم ثواكله

إذا ما ثغرنا مرتين تقطعت

حبال الصبا وأنبت منها وسائله

١٣١

ومنهم ثعلبة بن عبد بن كعب بن عبد الأشهل.

عاش مائتي سنة وثلاثا وثلاثين سنة وهو جد الضحاك وهو القائل لما عمر:

لقد صاحبت أقواما فأمسوا

خفاة لا يجاب لهم دعاء

وقوما بعدهم قد نادموني

فأمسى موحشا منهم فناء

مضوا قصد السبيل وخلفوني

فطال علي بعدهم التواء

فأصبحت الغداة رهين قبر

وأخلفني من الموت الرجاء

ومنهم بحر بن الحارث بن إمرئ القيس الكلبي.

عاش مائة وخمسين سنة وأدرك الإسلام فلم يسلم وهو القائل :

من عاش خمسين عاما قبلها مائة

من السنين وأضحى بعد ينتظر

وصار في البيت مثل الحلس مطرحا

لا يستشار ولا يعطى ولا يذر

مل المعاش ومل الأقربون له

طول الحياة وشر العيشة الكبر

ومن المعمرين ذو جدن الحميري

وكان ملكا يروى أنه عاش ثلاثمائة سنة وهو القائل :

لكل جنب واقع مضطجع

والموت لا ينفع منه الجزع

اليوم تجزون بأعمالكم

وكل امرئ يحصد ما قد زرع

لو كان شيئا مفلتا حتفه

أخلت منه في الجبال الصدع

١٣٢

له سماء وله أرضه

يرفع من شاء ومن شاء وضع (١)

أخبار قس بن ساعدة الأيادي

ومن المعمرين قس بن ساعدة الأيادي رحمه‌الله

عاش دهرا طويلا فروي أنه عاش ستمائة سنة وروي أقل من ذلك.

وكان من عقلاء العرب وحكمائهم وهو أول من كتب من فلان بن فلان إلى فلان.

وهو أول من وحد الله تعالى وآمن به وأقر بعدله وحكمته وأنه خلق العباد وينشرهم بعد الممات.

وهو أول من قال أما بعد وأول من خطب بعصا وفيه يقول الأعشى قيس بن ثعلبة :

وأحكم من قس وأجرا من الذي

بذي الفيل من خفان أصبح خادرا

ويقول الحطيئة :

وأقول من قس وأمضى إذا مضى

من الريح إن مس النفوس نكالها

وقس الذي يقول :

هل الغيث معطي الأمن عند نزوله

بحال مسيء في الأمور ومحسن

وما قد تولى وهو قد فات ذاهب

فهل ينفعني ليتني ولو أنني

وكذلك يقول لبيد :

وأخلف قسا ليتني ولو أنني

وأعي على لقمان حكم التدبر

وكان قس أحسن الناس في زمانه عبادة وأفصحهم خطابة وأبلغهم عظة.

__________________

(١) انظر : اخباره في الأغاني ج ٤ صلى الله عليه وسلم ٦٧ ـ ٧٠ ، وفي سيرة ابن هشام.

١٣٣

وكان كثيرا ما يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبشر الناس به وآمن به قبل مبعثه.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعلم أخباره ويستعيد من الناس مواعظه ويترحم عليه ويقول إن قسا أمه وحده

خبر قس وما قاله بسوق عكاظ

حدثني القاضي أبو الحسن أسد بن إبراهيم السلمي الحراني بمدينة الرملة في سنة عشرة وأربعمائة قال حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن موسى بن إبراهيم البارسيري الحنظلي قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد من ولد عمر بن الخطاب عن جعفر بن محمد عن محمد بن حسان عن محمد بن الحجاج اللخمي عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال :

لما قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيكم يعرف قس بن ساعدة الأيادي قالوا كلنا نعرفه يا رسول الله.

قال لست أنساه بعكاظ على جمل أحمر يخطب الناس وهو يقول :

أيها الناس اجتمعوا فإذا اجتمعتم فاسمعوا فإذا سمعتم فعوا قال وعيتم فقولوا فإذا قلتم فاصدقوا :

من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت إن في السماء لخبرا وإن في الأرض لعبرا.

مهاد موضوع وسقف مرفوع ونجوم تمور وبحار لا تغور أقسم قس بالله قسما حقا لا كاذبا فيه ولا آثما إن كان في الأرض رضا ليكونن سخط إن لله دينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه.

ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون أرضوا بالإقامة فأقاموا أم تركوا فناموا.

ثم قال أيكم يروي شعره فأنشدوه

١٣٤

في الذاهبين الأولين

من القرون لنا بصائر

لما رأيت مواردا

للموت ليس لها مصادر

ورأيت قومي نحوها

يسعى الأصاغر والأكابر

لا يرجع الماضي ولا

يبقى من الباقين غابر

أيقنت أني لا محالة

حيث صار القوم صائر (١)

وروي أن رجلا حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في حديثه.

خرجت في طلب بعير لي ضل فوجدته في ظل شجرة ينهش من ورقها فدنوت منه فزممته واستويت على كورة ثم اقتحمت واديا فإذا أنا بعين خرارة وروضة مدهامة وشجرة عادية وإذا أنا بقس قائما بين قبرين قد اتخذ له بينهما مسجدا قال فلما انفتل من صلاته قلت له ما هذان القبران فقال هذان قبرا أخوين كانا يعبدان الله عزوجل معي في هذا المكان فأنا أعبد الله بينهما إلى أن ألحق بهما.

قال ثم التفت إلى القبرين فجعل يبكي وهو يقول :

خليلي هبا طال ما قد رقدتما

أجدكما أم تقضيان كراكما

أرى خللا في العظم والجلد منكما

كأن الذي يسقى العقار سقاكما

ألم تعلما أني بسمعان مفرد

وما لي بسمعان حبيب سواكما

مقيم على قبريكما لست بارحا

طوال الليالي أو يجيب صداكما

فلو جعلت نفس لنفس فداءها

لجدت بنفسي أن أكون فداكما (٢)

__________________

(١) خطبة قس وشعره هذا رواه الجاحظ في البيان والنبيين ج ١ صلى الله عليه وسلم ٢٤٧ ـ ٢٤٨ والمفيد في الأمالي (المجالس) صلى الله عليه وسلم ٢٠١ ـ ٢٠٢.

(٢) تجد هذا الخبر في المجالس للمفيد صلى الله عليه وسلم ٢٠٢ ـ ٢٠٣ مختصرا. وفي سيرة ابن هشام ج ١ صلى الله عليه وسلم ١٣.

١٣٥

قال فقلت له لم لا تلحق بقومك فتكون معهم في خيرهم وشرهم فقال ثكلتك أمك أما علمت أن ولد إسماعيل تركوا دين أبيهم واتبعوا الأضداد وعظموا الأنداد.

قلت وما هذه الصلاة التي لا تعرفها العرب؟

فقال أصليها لإله السماء.

فقلت وللسماء إله غير اللات والعزى فامتعط وامتقع لونه وقال إليك عني يا أخا أياد.

إن للسماء إلها هو الذي خلقها وبالكواكب زينها وبالقمر المنير أشرقها أظلم ليلها وأضحى نهارها وسوف تعمهم من هذه الرحمة وأوصى بيده نحو مكة برجل أبلج من ولد لؤي بن غالب يقال له محمد يدعو إلى كلمة الإخلاص ما أظن أني أدركه ولو أدركت أيامه لصفقت بكفي على كفه وسعيت معه حيث يسعى.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله أخي قسا يحشر يوم القيامة أمة وحده.

خبر آخر عن قس يذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة عليهم السلام من بعده.

أخبرنا القاضي أبو الحسن علي بن محمد السباط (١) البغدادي قال حدثني أبو عبد الله أحمد بن محمد بن أيوب البغدادي الجوهري الحافظ (١) قال حدثنا أبو جعفر محمد بن لاحق بن سابق ـ قال حدثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي قال حدثني أبي عن الشرقي بن القطامي ـ عن تميم بن وهلة المري قال حدثني الجارود بن المنذر العبدي وكان نصرانيا فأسلم عام الحديبية (٢) وحسن إسلامه وكان قارئا للكتب عالما بتأويلها على وجه الدهر وسالف العصر بصيرا بالفلسفة والطب ذا رأى أصيل ووجه جميل أنشأ يحدثنا في أيام عمر بن الخطاب قال :

__________________

(١) تجد هذا الخبر في كتاب مقتضب الأثر لابن عيّاش الجوهريّ صلى الله عليه وسلم ٣٦ ـ ٣٧ ببعض الاختلاف.

(٢) هي مكان بعيد عن مكّة المكرمة على بعد تسعة أميال ممّا يلي طرف الحرم ، وفيه كان الموادعة بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وبين المشركين وذلك في ذي العقدة من السنة السادسة للهجرة.

١٣٦

وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجال من عبد القيس ذوي أحلام وأسنان وفصاحة وبيان وحجة وبرهان فلما بصروا به صلى الله عليه وسلم راعهم منظره ومحضره عن بيانهم واعتراهم الرعداء في أبدانهم.

فقال زعيم القوم لي دونك من أممت بنا أممه فما نستطيع أن نكلمه.

فاستقدمت دونهم إليه فوقفت بين يديه فقلت سلام عليك يا رسول الله بأبي أنت وأمي ثم أنشأت أقول :

يا نبي الهدى أتتك رجال

قطعت قرددا وآلا فآلا

جابت البيد والمهامة حتى

غالها من طوي السرى ما غالا

قطعت دونك الصحاصح تهوي

لا تعد الكلال فيك كلالا

كل دهناء يقصر الطرف عنها

أرقلتها قلاصنا إرقالا

وطوتها العتاق تجمح فيها

بكماة مثل النجوم تلالا

ثم لما رأتك أحسن مرأى

أفحمت عنك هيبة وجلالا

تتقي شر بأس يوم عصيب

هائل أوجل القلوب وهالا

ونداء لمحشر الناس طرا

وحسابا لمن تمادى ضلالا

نحو نور من الإله وبرهان

وبر ونعمة لن تنالا

وأمان منه لدى الحشر والنشر

إذ الخلق لا يطيق سؤالا

فلك الحوض والشفاعة والكوثر

والفضل إذ ينص السؤالا

خصك الله يا ابن آمنة الخير

إذا ما بكت سجال سجالا

أنبأ الأولون باسمك فينا

وبأسماء بعده تتلألأ

قال فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفحة وجهه المبارك شمت منه ضياء لامعا ساطعا كوميض البرق فقال يا جارود لقد تأخر بك وبقومك الموعد وقد كنت وعدته قبل عامي ذلك أن أفد إليه بقومي فلم آته وأتيته في عام الحديبية فقلت ما كان إبطائي عنك إلا أن جلة قومي أبطئوا عن إجابتي حتى ساقها الله إليك لما أراد لها به من الخير لديك.

وأما من تأخر عنه فحظه فات منك فتلك أعظم حوبة وأكبر عقوبة

١٣٧

ولو كانوا ممن رآك لما تخلفوا عنك وكان عنده رجل لا أعرفه قلت ومن هو قالوا هو سل مان الفارسي ذو البرهان العظيم والشأن القديم.

فقال سلمان وكيف عرفته أخا عبد القيس من قبل إتيانه؟

فأقبلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلألأ ويشرق وجهه نورا وسرورا فقلت يا رسول الله إن قسا كان ينتظر زمانك ويتوكف إبانك ويهتف باسمك وأبيك وأمك وبأسماء لست أصيبها معك ولا أراها فيمن اتبعك.

قال سلمان فأخبرنا فأنشأت أحدثهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع والقوم سامعون واعون.

قلت يا رسول الله لقد شهدت قسا وقد خرج من ناد من أندية أياد إلى صحصح ذي قتاد وسمر وعتاد وهو مشتمل بنجاد فوقف في إضحيان ليل كالشمس رافعا إلى السماء وجهه وإصبعه فدنوت منه فسمعته يقول :

اللهم رب هذه السبعة الأرقعة والأرضين الممرعة وبمحمد والثلاثة المحامدة معه والعليين الأربعة وسبطيه التبعة الأرفعة والسري الألمعة وسمي الكليم الضرعة والحسن ذي الرفعة أولئك النقباء الشفعة والطريق المهيعة درسة الإنجيل وحفظة التنزيل على عدد النقباء من بني إسرائيل محاة الأضاليل نفاة الأباطيل الصادقو القيل عليهم تقوم الساعة وبهم تنال الشفاعة ولهم من الله فرض الطاعة.

ثم قال اللهم ليتني مدركهم ولو بعد لأي من عمري ومحياي ثم أنشأ يقول :

متى أنا قبل الموت للحق مدرك

وإن كان لي من بعد هاتيك مهلك

وإن غالني الدهر الحرون بقوله

فقد غال من قبلي ومن بعد يوشك

فلا غرو أني سالك مسلك الأولى

وشيكا ومن ذا للردى ليس يسلك

ثم آب يكفكف دمعه ويرن رنين البكرة قد بريت ببراة وهو يقول :

أقسم قس قسما

ليس به مكتتما

لو عاش ألفي عمر

لم يلق منها سأما

حتى يلاقي أحمدا

والنقباء الحكما

١٣٨

هم أوصياء أحمد

أكرم من تحت السما

يعمى العباد عنهم

وهم جلاء للعمى

لست بناس ذكرهم

حتى أحل الرجما

ثم قلت يا رسول الله أنبئني أنبأك الله بخبر عن هذه الأسماء التي لم نشهدها وأشهدنا قس ذكرها ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

يا جارود ليلة أسري بي إلى السماء أوحى الله عزوجل إلي أن سل من أرسلنا قبلك من رسلنا على ما بعثوا.

فقلت لهم على ما بعثتم؟

فقالوا على نبوتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمة منكما.

ثم أوحى إلي أن التفت عن يمين العرش فالتفت فإذا علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهدي عليهم السلام في ضحضاح من نور يصلون.

فقال لي الرب تعالى هؤلاء الحجج لأوليائي وهذا المنتقم من أعدائي.

قال الجارود فقال سلمان يا جارود هؤلاء المذكورون في التوراة والإنجيل والزبور فانصرفت بقومي وأنا أقول :

أتيتك يا ابن آمنة الرسولا

لكي بك أهتدي النهج السبيلا

فقلت فكان قولك قول حق

وصدق ما بدا لك أن تقولا

وبصرت العمى من عبد شمس

وكل كان من عمه ضليلا

وأنبأناك عن قس الأيادي

مقالا فيك ظلت به جديلا

وأسماء عمت عنا فآلت

إلى علم وكنت به جهولا (١)

__________________

(١) تجد هذا الخبر في مقتضب الأئمة صلى الله عليه وسلم ٣٧ ـ ٤٣ وانظر البحار ج ١٥ صلى الله عليه وسلم ٢٤٧ ببعض الاختلاف. وذكره المؤلّف في كتابه الاستنصار صلى الله عليه وسلم ٣٧.

١٣٩

فصل من الكلام في هذا الخبر

اعلم أيدك الله تعالى أنك تسأل في هذا الخبر عن ثلاثة مواضع :

أحدها أن يقال لك كان الأنبياء المرسلون عليهم السلام قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ماتوا فكيف يصح سؤالهم في السماء؟

وثانيها أن يقال لك ما معنى قولهم إنهم بعثوا على نبوته وولاية علي والأئمة من ولده ع؟

وثالثها أن يقال لك كيف يصح أن يكون الأئمة الاثنا عشر عليهم السلام في تلك الحال في السماء ونحن نعلم ضرورة خلاف هذا لأن أمير المؤمنين عليهم السلام كان في ذلك الوقت بمكة في الأرض ولم يدع قط ولا ادعى له أحد أنه صعد إلى السماء فأما الأئمة من ولده فلم يكن وجد أحد منهم بعد ولا ولد فما معنى ذلك إن كان الخبر حقا فهذه مسائل صحيحة ويجب أن يكون معك لها أجوبة متعددة.

أما الجواب عن السؤال الأول فهو أنا لا نشك في موت الأنبياء عليهم السلام غير أن الخبر قد ورد بأن الله تعالى يرفعهم بعد مماتهم إلى سمائه وأنهم يكونون فيها أحياء متنعمين إلى يوم القيامة.

وليس ذلك بمستحيل في قدرة الله تعالى وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال

«أنا أكرم عند الله من أن يدعني في الأرض أكثر من ثلاث»

وهكذا عندنا حكم الأئمة ع.

قال النبي صلى الله عليه وسلم :

لو مات نبي بالمشرق ومات وصيه بالمغرب لجمع الله بينهما.

وليس زيارتنا لمشاهدهم على أنهم بها ولكن لشرف المواضع فكانت غيبة الأجساد فيها ولعباده أيضا ندبنا إليها فيصح على هذا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأنبياء عليهم السلام في السماء فسألهم كما أمره الله.

١٤٠