كنز الفوائد - ج ١

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي

كنز الفوائد - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي


المحقق: الشيخ عبدالله نعمه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩١
الجزء ١ الجزء ٢

ابن جدته لأبيه والولد أخو أبيه وكل واحد من الولدين ابن أخي صاحبه وعم أبيه.

مسألة رجلان تزوج كل واحد منهما جدة الآخر لأمه فرزقا منهما ولدين ما قرابة ما بين الولدين والرجلين وما قرابة ما بين الولدين؟

جواب إن كل واحد من الولدين خال الرجل المتزوج أم أمه لأن الرجل ابن جدته لأمه والولد أخو أمه من أمها وكل واحد من الولدين ابن أخت صاحبه وخال أبيه. أنشدنا الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن الحسين الموسوي رحمه‌الله

قد آن أن يبلغك الصوت

أنائم قلبك أم ميت

يا باني البيت على غيره

أمامك المنزل والبيت

وإنما الدنيا على طولها

ثنية مطلعها الموت

وله أيضا :

إذا مضى يوم على هدنة

وأنت في شك من النائبات

فعاجل الفرصة قبل الردى

وبادر الليلة قبل البيات

واسبق وفي حبلك أنشوطة

ضغط الليالي بيد الحادثات

لغيره :

أشح على ملكي وأحميه دائبا

وسوف برغم الأنف أخرج عن ملكي

فما لي لا أبكي لنفسي وهلكها

إذا كنت قد وطنت نفسي على الهلك

فإن كنت لا أدري متى أنا ميت

فلست من الموت المنغص في شك

وموضع قبري إن أكن قد جهلته

فلي خبرة بالعرض والطول والسمك

كأني أرى نفسي وحولي جماعة

يكفنني بعض وبعضهم يبكي

وذكروا أن أحد الأئمة صلى الله عليه وآله وسلم استدعاه السلطان في ذلك الزمان وأظن أن الإمام كان محمد بن علي الرضا عليهم السلام (١) وأن المستدعي كان

_________________

(١) كان الإمام الذي وقعت معه هذه القصة هو الإمام عليّ بن محمّد الهادي (عليهم السلام) كما في تذكرة الخواص صلى الله عليه وآله وسلم ٣٦١ وفي مروج الذهب ج ٤ صلى الله عليه وآله وسلم ٩٤.

٣٤١

المتوكل قالوا فلما دخل إليه وجده في قبة مزينة في وسط بستان وبيده كأس فيها خمر فقربه وهم أن يناوله الكأس فامتنع الإمام عليهم السلام فقال إنا أهل بيت ما خامرت لحومنا ودماؤنا ساعة قط قال فقال أنشدني شعرا فأنشده الإمام ع

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم

غلب الرجال فلم تنفعهم القلل

واستنزلوا بعد عز من معاقلهم

فأسكنوا حفرا يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد ما دفنوا

أين الأسرة والتيجان والحلل

أين الوجوه التي كانت محجبة

من دونها تضرب الأستار والكلل

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود تنتقل

قد طال ما أكلوا دهرا وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا

قال فضرب المتوكل بالكأس من الأرض وتنغص عيشه في ذلك اليوم. لمحمود بن الحسن الوراق: (٢)

مضى أمسك الماضي شهيدا معدلا

وأعقبه يوم عليك شهيد

فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة

أفتن بإحسان وأنت حميد

_________________

(١) انظر : مروج الذهب ج ٤ صلى الله عليه وآله وسلم ٩٣ = ٩٤ ووفيات الأعيان لابن خلّكان وتذكرة الخواص صلى الله عليه وآله وسلم ٣٦١.

(٢) من شعراء الدولة العباسية ، أكثر شعره في المواعظ والحكم روى عنه ابن أبي الدنيا ، وتوفي الوراق في خلافة المعتصم العباسيّ في حدود سنة ٢٣٠ ه.

٣٤٢

فيومك إن أعقبته عاد نفعه

عليك وماضي الأمس ليس يعود

ولا ترج فعل الخير يوما إلى غد

لعل غدا يأتي وأنت فقيد

وله أيضا :

أعارك ماله لتقوم فيه

بطاعته وتعرف فضل حقه

فلم تشكره نعمته ولكن

قويت على معاصيه برزقه

تبارزه بها أبدا وعودا

وتستخفي بها عن كل خلقه

وله أيضا :

يا ناظرا يرنو بعيني راقد

ومشاهد للأمر غير مشاهد

منيت نفسك ضلة وأبحتها

طرق الرجاء وهن غير قواصد

تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي

درك الجنان وفوز ما للعابد

ونسيت أن الله أخرج آدما

منها إلى الدنيا بذنب واحد

ولأبي العتاهية إسماعيل الجرار (١)

قنع النفس بالكفاف وإلا

طلبت منك فوق ما يكفيها

ليس فيما مضى ولا في الذي

لم يأت من لذة لمستحليها

إنما أنت طول عمرك ما عمرت

والساعة التي أنت فيها

وله أيضا في الدنيا :

يا خاطب الدنيا إلى نفسها

تنح عن خطبتها تسلم

إن التي تخطب غرارة

قريبة العرس من المأتم

_________________

(١) هو أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني من مشاهير الشعراء في طبقة بشار وأبي نؤاس وأكثر شعره في المواعظ والزهديات ولد سنة ١ ٣٠ ه بعين الثمر وهي بليدة بالحجاز قرب المدينة المنورة ونشأ بالكوفة وسكن بغداد ، وكان يبيع الجرار وتوفّي سنة ٢١ ١ ه في بغداد.

٣٤٣

المسيح يخاطب الدنيا

قال الشيخ أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي رض حدثني القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن محمد بن صخر الأزدي البصري عن النجري بإسناده رفعه إلى أبي شهاب قال :

بلغني أن عيسى ابن مريم عليهم السلام قال للدنيا يا امرأة كم لك من زوج قالت كثير قال فكلهم طلقك فقالت لا بل كلهم قتلت قال أهؤلاء الباقون لا يعتبرون بإخوانهم الماضين كيف تورد بينهم المهالك واحدا واحدا فيكونوا منك على حذر قالت لا.

وأنشد لبعضهم في الدنيا :

مزمومة بالهم مخطومة

سم زعاق در أخلافها

ولم تزل تقتل ألافها

أف لقتالة ألافها

فصل من كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا

قال عليهم السلام :

أنا زعيم بثلاث لمن أكب على الدنيا بفقر لا غناء له وبشغل لا فراغ له وبهم وحزن لا انقطاع له.

وقال عليهم السلام :

كونوا في الدنيا أضيافا واتخذوا المساجد بيوتا وعودوا قلوبكم (١) الرقة وأكثروا التفكر والبكاء ولا تختلفن بكم الأهواء تبنون ما لا تسكنون وتجمعون ما لا تأكلون وتأملون ما لا تدركون.

_________________

(١) في النسخة بيوتكم.

٣٤٤

فصل من كلام أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المعنى :

من أصبح حزينا على الدنيا فقد أصبح ساخطا على ربه تعالى ومن كانت الدنيا أكبر همه طال شقاؤه وغمه الدنيا لمن تركها والآخرة لمن طلبها.

الزاهد في الدنيا كلما ازدادت له تحليا ازداد عنها تخليا إذا طلبت شيئا من الدنيا فزوي عنك فاذكر ما خصك الله به من دينك وصرفه عن غيرك فإن ذلك أحرى أن تستحق نفسك بما فاتك.

ومن بديع كلام أمير المؤمنين عليهم السلام الذي حفظ عنه.

أن رجلا قطع عليه خطبته وقال له صف لنا الدنيا فقال :

أولها عناء وآخرها بلاء في حلالها حساب وفي حرامها عقاب من صح فيها أمن ومن مرض فيها ندم ومن استغنى فيها فتن ومن افتقر فيها حزن ومن سعى لها (١) فاتته ومن قعد عنها واتته ومن نظر إليها ألهته ومن تهاون بها نصرته.

ثم عاد إلى مكانه من خطبته ص

وهذه أعلى الرتب درجة في حضور الخاطب.

فصل :

من الكلام في تثبيت إمامة صاحب الزمان المهدي بن الحسن وإمامة آبائه ع.

اعلم أيدك الله أن الدليل على صحة إمامته صلى الله عليه وآله وسلم وإثبات غيبته ظاهر لمن نظره قاطع لعذر من اعتبره بين تأمله قريب لمن تناوله.

وهو مبني على أصلين يشهد العقل بهما ويدل عليهما أحدهما وجوب الإمام في كل زمان والآخر كونه معصوما من السهو والخطأ والنسيان.

_________________

(١) في النسخة : (ساعاها).

٣٤٥

فإذا علم المتأمل صحة هذين الأصلين وثبتا عنده بواضح الدليل ثبت له عقيبهما صحة الإمامة والغيبة لمن ذكرنا صلى الله عليه وآله وسلم ولم يحتج إلى تكرار رواية ولا تطويل وذلك للظاهر المعلوم الذي لا لبس فيه من حال من يدعى لهم الإمامة اليوم سوى من أشرنا إليه وتعريهم أجمعين عن استحقاق العصمة ومماثلتهم في جواز الخطأ عليهم لسائر الأمة.

فعلم بذلك صحة إمامة صاحبنا صلى الله عليه وآله وسلم وثبت لعدم ظهور غيبته حسبما ذهبنا إليه.

ولو لا أنه الإمام دون العالمين لبطل ما شهد به العقل من صحة الأصلين وبطلانهما يستحيل مع قيام الدليل.

وهذه حجة بعيدة عن المعارضات سالمة من دخول الشبهات سهلة (١) المرام قريبة من الأفهام وبها يستمر لك الاستدلال على نظام في تثبيت إمامة جميع ساداتنا عليهم السلام لأن وجوب الإمامة وثبوت العصمة لرئيس الأمة مع ما علمناه من تعري الكافة من هذه الخصلة سائق إلى الإقرار بإمامة الاثني عشر صلى الله عليه وآله وسلم ومانع للعاقل من الانصراف عنهم والشك فيهم ولم يبق بعدها أكثر من إيراد الدليل على صحة ما ذكرناه من الأصلين وقد وجب انحسام مادة الخلاف ممن له عقل وإنصاف.

دليل على وجوب الإمامة

أما الدليل أنه لا بد للناس من إمام في كل زمان فمختصره أنا نعلم علما ليس للشك فيه مجال أن وجود الرئيس في الرعية المطاع ذي الهيبة مقدما ومثقفا ومذكرا وموقفا (٢) أردع لها من القبيح وأدعى إلى فعل الجميل

_________________

(١) في النسخة (سهل).

(٢) كذا في النسخة. ولعله : معرّفا

٣٤٦

وأكف لأيدي الظالمين وأحرس لأنفس المردوعين ووجود الهرج بينهم ووقع الفتن منهم.

والعلم بما ذكرناه في ذلك مبني على الضرورات والتنبيه عليه مع ظهوره يغني عن الإطالة والزيادات وقد أتقن الكلام في هذه المسألة مشايخنا رضي الله عنهم ولم يدعوا للخصوم شبهة تستغرب منهم.

دليل على وجوب العصمة

وأما الدليل على وجوب عصمة الإمام فهو أن علة الحاجة إليه أن يكون لطفا للرعية في الصلاح ليصدها عن ارتكاب القبائح والفساد ويردها إلى فعل الواجب والسداد حسبما تقدم به الذكر في وجوب الحاجة إليه في كل عصر وهذا يقتضي أن لا تكون علة الحاجة إليه موجودة فيه فإنه متى جاز منه القبيح وفعل غير الجميل كان فقيرا محتاجا إلى إمام متقدم عليه ويمنعه مما هو جائز منه ويأخذ على يديه ويكون الكلام في إمامته كالكلام فيه حتى يؤدي ذلك إلى المحال من وجود أئمة لا يتناهون أو إلى الواجب من وجود إمام معصوم فعلم أن علة الحاجة إليه غير موجودة فيه والحمد لله.

دليل آخر على ثبوت عصمة الإمام

وما يعلم به ثبوت العصمة للأئمة أن الإمام قدوة في الدنيا والدين واتباعه مفترض من رب العالمين فوجب أن لا يجوز الخطأ والزلل عليه وإلا كان الله تعالى قد أمر باتباع من يعصيه ولو لا استحقاقه العصمة لكان إذا ارتكب المعصية يتضاد مع التكليف على الأمة وتصير الطاعة منها معصية والمعصية طاعة وذلك أنها مأمورة باتباعه والاقتداء به فمتى اتبعته في المعصية امتثالا للمأمور من الاقتداء لكانت من حيث الطاعة عاصية لله سبحانه ومتى خالفته ولم تقتد به طلبا لطاعة الله تعالى كانت أيضا عاصية لمخالفتها لمن أمرت بالاقتداء به واتباعه وفي استحالة جميع ذلك دلالة على عصمته.

_________________

(١) في النسخة الرادعين.

٣٤٧

وليس لأحد أن يقول إن الاقتداء بالإمام واجب على الرعية فيما علمت صوابه فيه لأن هذا القول يخرجها من أن تكون مقتدية به إذ كانت إنما عرفت الصواب بغيره لا بقوله وبفعله فهي إذا عملت (١) بما عمل لمعرفتها بصوابه فيه إنما وافقته في الحقيقة ولم تقتد به وتتبعه.

ولو جاز أن يكون إماما لها في شيء عرفت صوابه بغيره لكانت اليهود أئمة للأمة في الإقرار بموسى عليهم السلام لموافقتها لهم في العلم بصحة نبوته. وهذا يدل العاقل على أن القدوة المتبع هو من عرف الحق به وبقوله وفعله فقد بان واتضح ثبوت الأصلين من وجوب الإمامة والعصمة وبثبوتهما قد انتظم لنا ما قدمناه من الدليل وفي ذلك كفاية وغنى عن التطويل (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وصلواته على سيدنا محمد رسوله وآله الطاهرين.

حدثني القاضي أبو الحسن أسد بن إبراهيم السلمي الحراني قال أخبرني أبو جعفر عمر بن علي العتكي قال أخبرني أحمد بن محمد بن صفوة قال حدثني الحسن بن علي بن محمد العلوي قال حدثني الحسن بن حمزة النوفلي قال أخبرني عمي عن أبيه عن جده قال أخبرني الحسن بن علي قال أخبرتني فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال أخبرني عن كاتبي علي أنهما لم يكتبا على علي ذنبا مذ صحباه.

وحدثني السلمي عن العتكي قال حدثني سعيد بن محمد الحضرمي قال حدثنا الحسن بن محمد بن عبد الرحمن الصدفي قال حدثني محمد بن عبد الرحمن قال حدثنا أحمد بن إبراهيم العوفي عن أحمد بن أبي الحكم البراجمي عن شريك بن عبد الله عن أبي الوفاء عن محمد بن ياسر بن عمار بن ياسر عن أبيه عمار قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن حافظي علي يفتخران على سائر الحفظة بكونهما مع علي عليهم السلام ذلك أنهما لم يصعدا إلى الله عزوجل بشيء منه فيسخطه

_________________

(١) في النسخة علمت.

٣٤٨

فصل من كلام أمير المؤمنين عليهم السلام وحكمه

قال علي عليهم السلام :

لم يمت من ترك أفعالا يقتدى بها من الخير.

من نشر حكمة ذكر بها.

موت الأبرار راحة لأنفسهم وموت الفجار راحة للعالم.

من كتم علما فكأنه جاهل.

الجواد من بذل ما يضن بمثله.

من كرم أصله حسن فعله.

وجاء في الحديث عن الإمام الصادق عليهم السلام أنه تكلم أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم بأربع وعشرين كلمة قيمة كل كلمة وزن السماوات والأرض قال :

رحم الله امرأ سمع فوعى ودعي إلى رشاد فدنا وأخذ بحجزة هاد فنجا راقب ربه وخاف ذنبه قدم خالصا وعمل صالحا اكتسب مذخورا واجتنب محظورا رمى غرضا وأخذ عوضا كابر هواه وكذب مناه حذر أملا ورتب عملا جعل الصبر رغبة حياته والتقى عدة وفاته يظهر دون ما يكتم ويكتفي بأقل مما يعلم لزم الطريقة الغراء والمحجة البيضاء اغتنم المهل وبادر الأجل وتزود من العمل.

ومن كلام أمير المؤمنين عليهم السلام

أزرى بنفسه من استشعر الطمع.

من أهوى إلى متفاوت الأمور خذلته الرغبة.

أشرف الغنى ترك المنى.

من ترك الشهوات كان حرا.

الحرص مفتاح التعب وداع إلى التقحم في الذنوب والشره جامع لمساوئ العيوب الحرص علامة الفقر.

من أطلق طرفه كثر أسفه.

٣٤٩

قلما تصدقك الأمنية رب طمع كاذب وأمل خائب.

من لجأ إلى الرجاء سقطت كرامته.

همة الزاهد مخالفة الهوى والسلو عن الشهوات.

ما هدم الدين مثل البدع ولا أفسد الرجال مثل الطمع إياك والأماني فإنها بضائع النوكى.

لن يكمل العبد حقيقة الإيمان حتى يؤثر دينه على شهوته ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه.

من تيقن أن الله سبحانه يراه وهو يعمل بمعاصيه فقد جعله أهون الناظرين.

مواعظ

وجاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

ما آمن بالقرآن من استحل محارمه.

أخبرني شيخنا المفيد رضي الله عنه ونقلت من خطه قال حدثني أبو حفص بن عمر بن محمد بن علي المعروف بابن الزيات قال حدثنا علي بن مهرويه القزويني قال حدثنا داود بن سليمان الغازي قال حدثنا الرضا علي بن موسى قال حدثني أبي موسى بن جعفر قال حدثني أبي جعفر بن محمد الصادق قال حدثني أبي محمد بن علي الباقر قال حدثني أبي علي بن الحسين زين العابدين قال حدثني أبي الحسين بن علي الشهيد قال حدثني أبي أمير المؤمنين قال حدثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

يقول الله عزوجل يا ابن آدم ما أنصفتني أتحبب إليك بالنعم وتبغض إلي بالمعاصي خيري إليك نازل وشرك إلي صاعد وفي كل يوم يأتيني عنك ملك كريم بعمل غير صالح.

يا ابن آدم لو سمعت وصفك من غيرك وأنت لا تدري من الموصوف لسارعت إلى مقته ...

٣٥٠

وأخبرني شيخنا المفيد رضي الله عنه قال حدثني جعفر بن محمد بن قولويه قال حدثنا أبي وأخي علي قالا حدثنا سعد بن عبد الله عن يعقوب عن يزيد عن محمد بن زياد عن جعفر بن قرظ عن أبي عبد الله عليهم السلام قال :

من وعظه الله بخير فقبل بالبشرى فله البشرى ومن لم يقبل فالنار له أحرى.

وأخبرني شيخنا أيضا عن جعفر بن محمد بن قولويه قال حدثني جعفر بن محمد بن مسعود عن أبيه عن الحسين بن خالد عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليهم السلام قال حدثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال من أيقن أنه يفارق الأحباب ويسكن التراب ويواجه الحساب ويستغني عما خلف ويفتقر إلى ما قدم كان حريا بقصر الأمل وطول العمل.

فصل من كلام رسول الله ص :

جاء في الحديث عن الرسول عليهم السلام أنه قال :

من أراد أن يكون أعز الناس فليتق الله عزوجل.

وقال :

من خاف الله سخت نفسه عن الدنيا ومن رضي من الدنيا بما يكفيه كان أيسر ما فيها يكفيه.

وقال :

الدنيا خضرة حلوة والله مستعملكم فيها فانظروا كيف تعملون.

وقال :

من ترك معصية الله مخافة من الله أرضاه يوم القيامة ومن مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإيمان.

وقال :

دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإنك لن تجد فقد شيء تركته لله عزوجل.

٣٥١

وقال :

باب التوبة مفتوح لمن أرادها ف (تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً).

وقال :

بادروا بعمل الخير قبل أن تشتغلوا عنه واحذروا الذنوب فإن العبد يذنب الذنب فيحبس عنه الرزق.

حدثني الشيخ أبو المرجى محمد بن علي بن أبي طالب البلدي بالقاهرة قال حدثنا أستاذي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني رحمه‌الله عن أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الكوفي عن شيوخه الأربعين عن الحسن بن محبوب عن محمد بن النعمان الأحول عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر الإمام الباقر عليهم السلام قال قال جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

أيها الناس حلالي حلال إلى يوم القيامة وحرامي حرام إلى يوم القيامة ألا وقد بينها الله عزوجل في الكتاب وبينتهما لكم في سيرتي وسنتي وبينهما شبهات من الشيطان وبدع بعدي من تركها صلح له أمر دينه وصلحت له مروءته وعرضه.

ومن تلبس بها ووقع فيها واتبعها كان كمن رعى غنما قرب الحمى ومن رعى ماشيته قرب الحمى نازعته إلى أن يرعاها في الحمى.

ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله عزوجل محارمه فتوقوا حمى الله ومحارمه.

ألا وإن أذى المؤمن من أعظم سبب سلب الإيمان.

ألا ومن أحب في الله جل وعز وأبغض في الله وأعطى في الله ومنع في الله فهو من أصفياء المؤمنين عند الله تبارك وتعالى.

ألا وإن المؤمنين إذا تحابا في الله جل وعز وتصافيا في الله كانا كالجسد الواحد إذا اشتكى أحدهما من جسده موضعا وجد الآخر ألم ذلك الموضع.

٣٥٢

قصة وقعت للمؤلف

ومن عجيب ما رأيت واتفق لي إنني توجهت يوما لبعض أشغالي وذلك بالقاهرة في شهر ربيع الآخر سنة ست وعشرين وأربعمائة فصحبني في الطريق رجل كنت أعرفه بطلب العلم وكتب الحديث فمررنا في بعض الأسواق بغلام حدث فنظر إليه صاحبي نظرا استربت منه ثم انقطع مني ومال إليه وحادثه فالتفت انتظارا له فرأيته يضاحكه فلما لحق بي عذلته على ذلك وقلت له لا يليق هذا بك فما كان بأسرع من أن وجدنا بين أرجلنا في الأرض ورقة مرمية فرفعتها لئلا يكون فيها اسم الله تعالى فوجدتها قديمة فيها خط رقيق قد اندرس بعضه وكأنها مقطوعة من كتاب فتأملتها فإذا فيها حديث ذهب أوله وهذا نسخته.

قال إني أخوك في الإسلام ووزيرك في الإيمان وقد رأيتك على أمر لم يسعني أن أسكت فيه عنك ولست أقبل فيه العذر فيك قال وما هو حتى ارجع عنه وأتوب إلى الله تعالى منه قال رأيتك تضاحك حدثا غرا جاهلا بأمور الله وما يجب من حدود الله وأنت رجل قد رفع الله قدرك بما تطلب من العلم وإنما أنت بمنزلة رجل من الصديقين لأنك تقول حدثنا فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن جبرئيل عن الله تعالى فيسمعه الناس منك فيكتبوه عنك ويتخذونه دينا يعولون عليه وحكما ينتهون إليه وإنما أنهاك أن تعود لمثل الذي كنت عليه فإني أخاف عليك غضب من يأخذ العارفين قبل الجاهلين ويعذب فساق حملة القرآن قبل الكافرين.

فما رأيت حالا أعجب من حالنا ولا عظة أبلغ مما اتفق لنا ولما وقف عليه صاحبي اضطرب لها اضطرابا بان فيها أثر لطف الله تعالى لنا وحدثني بعد ذلك أنه انزجر عن تفريطات كانت تقع منه في الدين والدنيا والحمد لله.

٣٥٣

سؤال عن آية

(وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) الإسراء : ١٦

فقال أخبروني ما معنى هذا الإهلاك الذي يريده الله تعالى وكيف قدم إهلاكهم على أمره لهم ومتى يستمر مع القول بالعدل أن يريد إهلاك قوم قبل أن يأمرهم فيعصوا وما معنى قوله (أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها) ففي هذا على من لم يفهم معناه شبهة والله لا يأمر إلا بالعدل.

الجواب

قيل له في هذه الآية وجوه :

أحدها أن من الإهلاك ما يكون حسنا وهو أن يكون مستحقا أو امتحانا وإنما يكون قبيحا إذا كان ظلما أو عبثا.

وقد ثبت لنا بالدليل الواضح عدل الله تعالى وحكمته وأنه لا يريد الظلم ولا يقع منه العبث (١) فعلمنا أنه لا يريد إلا الإهلاك الحسن.

وأما قوله (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) فالمأمور به هنا محذوف وهو الطاعة وتقدير الكلام أمرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا وخالفوا ويجري هذا مجرى قول القائل أمرتك فعصيتني فحذف ذكر ما أمره به لفهم السامع له وهذا معروف من كلام العرب والأمثلة فيه كثيرة.

وأما مترفوها فهم الذين يعملون في الدنيا في غير طاعة الله تبارك وتعالى.

_________________

(١) في الأصل البعث وهو غلط من الناسخ.

٣٥٤

وأما تقدم إرادة الإهلاك على الأمر فيحتمل أن يكون ذلك بعد أمر متقدم لم يذكر استحق المأمورون بمخالفتهم له العذاب فلما أراد الله تعالى إهلاكهم أعذر إليهم بأمر ثان على وجه التكرير والتأكيد في إقامة الحجة على العاصين قبل وقوع الإهلاك المستحق المذكور ويوافق هذا التأويل قوله تعالى :

(وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) الإسراء : ١٥.

الوجه الثاني أن يكون الإرادة في الآية مجازا وتنبيها على المعلوم من حال القوم وعاقبتهم وأنهم متى أمروا ففسقوا فأهلكوا ويجري ذلك مجرى قولهم إذا أراد التاجر أن يفتقر أتته النوائب من كل جانب وتوجه نحوه الخسران من كل مكان وإذا أراد العليل أن يموت خلط في أكله.

ومعلوم أن ليس منهما من يريد ذلك وإنما حسن الكلام لما علم من عاقبة أمرهما.

وهذا من أحد أقسام الفصاحة في كلام العرب وهو جواب صحيح في الآية.

الوجه الثالث أن يحمل الكلام في الآية على التقديم والتأخير ويكون تلخيصه إذا أمرنا مترفي قرية بالطاعة فعصوا واستحقوا العقاب أردنا إهلاكهم.

والتقديم والتأخير أيضا مستعمل في كلام العرب وهو وجه حسن ويشهد به من القرآن قول الله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ). المائدة : ٦

ونحن نعلم أن الطهارة للصلاة إنما تجب قبل القيام إلى الصلاة فأما من قرأ

٣٥٥

أمرنا بالتشديد فإنما لا غناء به عن أجوبتنا. (١)

فصل :

من أمالي شيخنا المفيد رحمه‌الله :

روي أنه لما سار المأمون إلى خراسان كان معه الإمام الرضا علي بن موسى فبينا هما يتسايران إذ قال له المأمون يا أبا الحسن إني فكرت في شيء فسنح لي الفكر الصواب فيه إني فكرت في أمرنا وأمركم ونسبنا ونسبكم فوجدت القضية فيه واحدة ورأيت اختلاف شيعتنا في ذلك محمولا على الهوى والعصبية.

فقال له أبو الحسن الرضا عليهم السلام إن لهذا الكلام جوابا إن شئت ذكرته لك وإن شئت أمسكت.

فقال له المأمون لم أقله إلا لأعلم ما عندك فيه.

قال الرضا عليهم السلام أنشدك الله يا أمير المؤمنين لو أن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فخرج علينا من وراء أكمة من هذه الآكام فخطب إليك ابنتك لكنت مزوجة إياها؟

فقال يا سبحان الله وهل أحد يرغب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

فقال له الرضا عليهم السلام أفتراه كان يحل له أن يخطب ابنتي؟

فسكت المأمون هنيئة ثم قال أنتم والله أمس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحما.

وروي أنه لما حج الرشيد ونزل في المدينة اجتمع إليه بنو هاشم وبقايا المهاجرين والأنصار ووجوه الناس وكان في الناس الإمام أبو الحسن موسى

_________________

(١) ما ذكره المؤلّف هنا من الأجوبة هو ملخص ممّا ذكره الشريف المرتضى في الأمالي انظر ج ٢ صلى الله عليه وآله وسلم ١ = ٥.

٣٥٦

بن جعفر عليهم السلام فقال لهم الرشيد قوموا بنا إلى زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم نهض معتمدا على يد أبي الحسن موسى بن جعفر صلى الله عليه وآله وسلم حتى انتهى إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوقف عليه فقال السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا ابن عم افتخارا بذلك على قبائل العرب الذين حضروا معه واستطالة عليهم بالنسب قال فنزع أبو الحسن موسى عليهم السلام يده من يده وقال السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبه قال فتغير وجه الرشيد ثم قال يا أبا الحسن إن هذا لهو الفخر. (١)

حدثني القاضي السلمي أسد بن إبراهيم قال أخبرني العتكي عمر بن علي قال حدثني محمد بن إسحاق البغدادي قال حدثنا الكديمي قال حدثنا بشر بن مهدان قال حدثنا شريك بن شبيب عن عروة عن المستطيل بن حصين قال :

خطب عمر بن الخطاب إلى علي بن أبي طالب عليهم السلام ابنته فاعتل عليه بصغرها وقال إني أعددتها لابن أخي جعفر فقال عمر :

إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :

كل حسب ونسب فمنقطع يوم القيامة ما خلا حسبي ونسبي وكل بني أنثى عصبهم لأبيهم ما خلا بني فاطمة فإني أنا أبوهم وأنا عصبتهم. (٢)

خبر يحيى بن يعمر مع الحجاج

قال الشعبي كنت بواسط (٣) وكان يوم أضحى فحضرت صلاة العيد مع

_________________

(١) ذكر هذا الحديث السبط في التذكرة صلى الله عليه وآله وسلم ٣٥٠ ناقلا له عن المدائني مختصرا. ورواه المفيد في الفصول المختارة ج (١) صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٥. ورواه أيضا في الإرشاد صلى الله عليه وآله وسلم ٢٧٢ مختصرا أيضا.

(٢) ذكر أصل خطبة عمر بن الخطّاب لأم كلثوم بنت عليّ عليه السلام السبط في التذكرة صلى الله عليه وآله وسلم ٣٢١ دون ما سمعه عمر عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وانظر : الصواعق المحرقة صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٥٦ = ١ ٥٧.

(٣) مدينة بناها الحجاج في العراق عام ٨٣ / ٨٤ ه وسميت واسطا لتوسطها بين البصرة والكوفة والأهواز وبغداد ، فإن بينها وبين كل واحدة من هذه المدن مقدارا واحدا وهو خمسون فرسخا (التنبيه والإشراف) صلى الله عليه وآله وسلم ٣١ ١.

٣٥٧

الحجاج فخطب خطبة بليغة فلما انصرف جاءني رسوله فأتيته فوجدته جالسا مستوفزا قال يا شعبي هذا يوم أضحى وقد أردت أن أضحى برجل من أهل العراق وأحببت أن تسمع قوله فتعلم أني قد أصبت الرأي فيما أفعل به.

فقلت أيها الأمير لو ترى أن تستن بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتضحي بما أمر أن يضحى به وتفعل مثل فعله وتدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره.

فقال يا شعبي إنك إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه لكذبه على الله وعلى رسوله وإدخاله الشبهة في الإسلام.

قلت أفيرى الأمير أن يعفني من ذلك قال لا بد منه.

ثم أمر بنطع فبسط وبالسياف فأحضر وقال أحضروا الشيخ فأتوه به فإذا هو يحيى بن يعمر فأغممت غما شديدا فقلت في نفسي وأي شيء يقوله يحيى مما يوجب قتله؟

فقال له الحجاج أنت تزعم أنك زعيم أهل العراق؟

قال يحيى أنا فقيه من فقهاء أهل العراق.

قال فمن أي فقهك زعمت أن الحسن والحسين عليهم السلام من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال ما أنا زاعم ذلك بل قائل بحق.

قال وبأي حق قلت؟

قال بكتاب الله عزوجل.

فنظر إلي الحجاج وقال اسمع ما يقول فإن هذا مما لم أكن سمعته عنه أتعرف أنت في كتاب الله عزوجل أن الحسن والحسين من ذرية محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجعلت أفكر في ذلك فلم أجد في القرآن شيئا يدل على ذلك.

وفكر الحجاج مليا ثم قال ليحيي لعلك تريد قول الله عزوجل.

(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا

٣٥٨

وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ). آل عمران : ٦١.

وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام قال الشعبي فكأنما أهدى لقلبي سرورا وقلت في نفسي قد خلص يحيى وكان الحجاج حافظا للقرآن.

فقال له يحيى والله إنها لحجة في ذلك بليغة ولكن ليس منها أحتج لما قلت فاصفر وجه الحجاج وأطرق مليا ثم رفع رأسه إلى يحيى وقال إن جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك فلك عشرة آلاف درهم وإن لم تأت بها فأنا في حل من دمك.

قال نعم

قال الشعبي فغمني قوله فقلت أما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتج به يحيى ويرضيه بأنه قد عرفه وسبقه إليه ويتخلص منه حتى رد عليه وأفحمه فإن جاءه بعد هذا بشيء لم آمن أن يدخل عليه فيه من القول ما يبطل حجته لئلا يدعي أنه قد علم ما جهله هو.

فقال يحيى للحجاج قول الله عزوجل

(وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) الأنعام : ٨٤.

من عني بذلك؟

قال الحجاج إبراهيم

قال فداود وسليمان من ذريته؟

قال نعم.

قال يحيى ومن نص الله عليه بعد هذا أنه من ذريته؟

فقرا الحجاج (وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).

قال يحيى ومن؟

قال (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى).

قال يحيى ومن أين كان عيسى من ذرية إبراهيم ولا أب له؟

٣٥٩

قال من قبل أمه مريم.

قال يحيى فمن أقرب مريم من إبراهيم أم فاطمة من محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعيسى من إبراهيم عليهم السلام أم الحسن والحسين عليهم السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟؟

قال الشعبي فكأنما ألقمه حجرا.

فقال أطلقوه قبحه الله وادفعوا إليه عشرة آلاف درهم لا بارك الله له فيها.

ثم أقبل علي فقال قد كان رأيك صوابا ولكنا أبيناه ودعا بجزور فنحروه وقام فدعا بالطعام فأكل وأكلنا معه وما تكلم بكلمة حتى انصرفنا ولم يزل مما احتج به يحيى بن يعمر واجما.

فصل من القول في القضاء والقدر

سؤال إن قال قائل ما قولكم فيهما وما معناهما عندكم وحقيقتهما وهل أفعال العباد عندكم بقضاء الله وقدره أم لا وما معنى الخبر المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال حاكيا عن ربه جل وعز :

ومن لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليتخذ ربا سوائي. (١)

وما روي عنه عليهم السلام من أنه أوجب الإيمان بالقدر خيره وشره وأخبر أن الإيمان لا يتم إلا به وما معنى قول المسلمين إن الواجب الرضا بما قضاه الله وقدره أبينوا لنا عن حقيقة ذلك ليحصل لنا العلم به.

الجواب

قلنا الواجب من هذه المسألة أولا أن نذكر معاني القضاء والقدر ثم نبين ما

_________________

(١) رواه الصدوق في التوحيد صلى الله عليه وآله وسلم ٣٧٩ على تغيير في بعض ألفاظه.

(٢) هو مضمون الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لا يؤمن أحدكم حتّى يؤمن بالقدر خيره وشره وحلوه ومره رواه في التوحيد صلى الله عليه وآله وسلم ٣٨٨.

٣٦٠