كنز الفوائد - ج ١

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي

كنز الفوائد - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي


المحقق: الشيخ عبدالله نعمه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩١
الجزء ١ الجزء ٢

وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة.

وأحق الناس بالذنب المغتاب.

وأذل الناس من أهان الناس.

وأحزم الناس أكظمهم للغيظ.

وأصلح الناس أصلحهم للناس.

وخير الناس من انتفع به الناس. (١)

وروي أن هذه الأبيات لأمير المؤمنين ع

تخذتكم درعا حصينا لتدفعوا

سهام العدى عني فكنتم نصالها

فإن أنتم لم تحفظوا لمودتي

ذماما فكونوا لا عليها ولا لها

قفوا موقف المعذور عني بجانب

وخلوا نبالي للعدى ونبالها

وأنشدني الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن أحمد الموسوي

كنا نعظم بالآمال بعضكم

ثم انقضت فتساوى عندنا الناس

لم تفضلونا بشيء غير واحدة

هي الرجاء فسوى بيننا اليأس

وأنشد لإبراهيم بن العباس كتبه إلى محمد بن عبد الملك. (٢)

أخي بيني وبين الدهر

صاحب أينا غلبا

صديقي استقام فإن

نبا دهر علي نبا

وثبت على الزمان به

فعاد به وقد وثبا

ولو عاد الزمان لنا

لطار به أخا حدبا

_________________

(١) شطر من هذه الكلمات تجده في نهج البلاغة باب الحكم والأمثال وغيرها وقد رواها الصدوق في الأمالي صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٨ = ١ ٩

(٢) هو أبو إسحاق إبراهيم بن العباس بن محمّد بن صول توفّي سنة (٢٤٢ ه) شاعر مجيد وأديب كبير من شخصيات الشيعة وله مدائح عدة في الإمام الرضا وأهل البيت واضطر = تقية = لأن يحرق كل شعره بهم ، وديوان شعره نشره عبد العزيز الميمني ضمن مجموعة الطرائف سنة ١ ٩٣٧ م وتجد بعض اخباره في عيون أخبار الرضا ، صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٤٨

٣٠١

وله أيضا فيه

كنت أخي بإخاء الزمان فلما

جفا بنا صرت حربا عوانا

كنت أذم إليك الزمان فأصبحت

فيك أذم الزمانا

فكنت أعدك للنائبات

فأصبحت أطلب منك الأمانا

وله أيضا فيه

قدرت فلم تضرر عدوا بقدرة

وسمت به إخوانك الذل والرغما

وكنت مليا بالتي قد يعافها

من الناس من يأبى الدنية والذما (١)

مسألة :

امرأة جامعها ستة نفر في يوم واحد فوجب على أحدهم القتل وعلى الثاني الرجم وعلى الثالث الجلد وعلى الرابع نصف الجلد وعلى الخامس التعزير ولم يجب على السادس شيء.

الجواب :

كان أحدهم ذميا فوجب عليه القتل وكان الآخر محصنا مسلما فوجب عليه الرجم وكان الآخر بكرا فوجب عليه الجلد وكان الآخر عبدا فعليه نصف الجلد وكان الآخر صبيا فعليه التعزير وكان الآخر زوجا فليس عليه شيء.

_________________

(١) في النسخة والوفا.

٣٠٢

مسألة أخرى :

رجل له جارية يملك جميعها ليس لأحد معه نصيب لا يحل له جماعها حتى يجامعها غيره.

جواب :

هذا رجل كان زوجا لهذه الجارية ثم ابتاعها من سيدها وقد كان طلقها تطليقين فلا تحل له (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (١).

مسألة أخرى :

امرأة ولدت على فراش بعلها ببغداد فلحق نسبه برجل ببصرة فلزمه دون صاحب الفراش من غير أن يكون شاهد المرأة أو عرفها أو عقد عليها أو وطئها حلالا أو حراما؟

جواب :

هذه امرأة بكر وقعت عليها ثيب في حال قد قامت فيها من جماع زوجها فحولت نطفة الرجل إلى فرجها فحملت منه ومضى على ذلك تسعة أشهر فتزوجت البكر في آخر التاسع برجل ودخلت عليه في ليلة العقد فولدت على فراشه ولدا تاما فأنكر الزوج ذلك وقررها على ضمها فاعترفت بما ذكرناه وأقرت الفاعلة أيضا فلحق الولد بصاحب النطفة على ما حكم به الحسن بن علي عليهم السلام في أثر مذكور. (٢)

_________________

(١) هذا وارد على رأي الإماميّة القائلين بالتحريم بطلقتين للأمة حتّى تنكح زوجا غيره وأن المدار في التحريم هو حال المطلقة الزوجة فإن كانت حرة فلا تحرم إلّا بثلاث طلقات وإن كان الزوج عبدا مملوكا ، وإن كانت أمة فإنها تحرم على تطليقتين وإن كان زوجها المطلق حرا ، ويدلّ عليه صراحة صحيحة الحلبيّ عن الصادق (عليهم السلام) قال : طلاق الحرة إذا كانت تحت العبد ثلاث تطليقات ، وطلاق الأمة إذا كانت تحت الحرّ تطليقتان وبمضمونها صحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر (عليهم السلام) وغيرهما. ويرى بعض السنة أن الاعتبار بحال الزوج إن كان حرا فلا تحرم إلّا بالثلاث وإن كانت أمة وتحرم باثنتين إذا كانت حرة وهو عبد.

(٢) تجده ذلك في مناقب أبي طالب ج ٣ صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٧٧.

٣٠٣

فصل في الوعظ والزهد :

قيل لبعضهم كيف حالك؟

قال كيف حال من يغنى ببقائه ويسقم بسلامته ويؤتى من مأمنه. (١)

وقيل لبعض حكماء العرب

من أنعم الناس عيشا؟

فقال من تحلى بالعفاف ورضي بالكفاف وتجاوز ما يخاف إلى ما لا يخاف.

قيل فمن أعلمهم؟

فقال من صمت فادكر ونظر فاعتبر ووعظ فازدجر.

وروي أن الله تعالى يقول

يا ابن آدم في كل يوم يؤتى رزقك وأنت تحزن وينقص عمرك وأنت لا تحزن تطلب ما يطغيك وعندك ما يكفيك.

وقيل أغبط الناس من اقتصد فقنع ومن قنع فك رقبته من عبودية الدنيا وذل المطامع.

وقيل الفقير من طمع والغني من قنع.

وقيل من كان له من نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ.

وقيل لا يزال العبد بخير ما دام له واعظ من نفسه وكانت المحاسبة من همه.

ووعظ رجل فقال :

عباد الله الحذر الحذر فو الله لقد ستر حتى كأنه قد غفر ولقد أمهل حتى كأنه قد أهمل (٢).

_________________

(١) هذه الكلمة للإمام عليّ عليه السلام وهي مذكورة في النهج في القسم الثالث رقم ١ ١ ٥.

(٢) هذه الكلمة لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام وهي مذكورة في النهج في الباب الثالث رقم ٢٩.

٣٠٤

وقيل العجب لمن يغفل وهو يعلم أنه لا يغفل عنه وأن يهنئه عيشه وهو لا يعلم إلى ما ذا يصير أمره.

وقيل إن للباقي بالفاني معتبر أو للآخر بالأول مزدجر فالسعيد لا يركن إلى الخدع ولا يغتر بالطمع.

قال آخر كيف أذخر عملي ولست أدري متى يحل أجلي أم كيف تشتد حاجتي إلى الدنيا وليست بداري أم كيف أجمع وفي غيرها قراري أم كيف لا أمهد لرجعتي قبل انصراف مدتي؟

وقال عمر بن الخطاب لأبي ذر الغفاري عظني قال له ارض بالقوت وخف الفوت واجعل صومك الدنيا وفطرك الموت.

وقال آخر عجبا لمن تكتحل عينه برقاد والموت ضجيعها على وساد.

وقال آخر نظرنا فوجدنا الصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذاب الله.

وقال آخر عجبي لمن يحتمي من الطيبات مخافة الداء ولا يحتمي من الذنوب مخافة النار.

وقيل كيف يصفو عيش من هو عما عليه مأخوذ بما لديه محاسب على ما وصل إليه.

وقال آخر عجبا لمن يقصر عن الواضحة وهو يعمل بالفاضحة.

وقيل إذا زللت فارجع وإذا أذنبت فاقلع وإذا أسأت فاندم وإذا ائتمنت فاكتم.

وقال المسيح عليهم السلام :

تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل ولا تعملون للآخرة وأنتم لا ترزقون فيها إلا بعمل.

وقال عليهم السلام إذا عملت الحسنة فاله عنها فإنها عند من لا يضيعها وإذا عملت السيئة فاجعلها نصب عينيك.

٣٠٥

وقيل لحكيم لم تدمن إمساك العصا ولست بكبير ولا مريض قال لأعلم أني مسافر.

وقيل من أحسن عبادة الله في شبيته لقاه الله الحكمة في بلوغه أشده وذلك قوله سبحانه :

(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) سورة يوسف : ٢٢

ولا بأس أن يعذل المقصر المقصر قال بعضهم لا يمنعكم معاشر السامعين سوء ما تعلمون منا أن تقبلوا أحسن ما تسمعون منا.

قال الخليل بن أحمد اعمل بعلمي ولا يضرك تقصيري نعوذ بالله أن يكون ما علمنا حجة علينا لا لنا.

انظر يا أخي لنفسك ولا تكن ممن جمع علم العلماء وطرائف الحكماء وجرى في العمل مجرى السفهاء.

حدثني الحسين بن محمد بن علي الصيرفي قال حدثني أبو بكر محمد بن علي الجعابي قال حدثنا أبو محمد القاسم بن محمد بن جعفر العلوي قال حدثني أبي عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

للمسلم على أخيه ثلاثون حقا لا براءة له إلا الأداء أو العفو يغفر زلته ويرحم عبرته ويستر عورته ويقيل عثرته ويقبل معذرته ويرد غيبته ويديم نصيحته ويحفظ خلته ويرعى ذمته ويعود مرضته ويشهد ميتته ويجيب دعوته ويقبل هديته ويكافئ صلته ويشكر نعمته ويحسن نصرته ويحفظ حليلته ويقضي حاجته ويشفع مسألته ويسمت عطسته ويرشد ضالته ويرد سلامه ويطيب كلامه ويبر إنعامه ويصدق إقسامه ويوالي وليه ويعادي عدوه وينصره ظالما ومظلوما فأما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه وأما نصرته مظلوما فيعينه على أخذ حقه ولا يسلمه ولا يخذله ويحب له من الخير ما يحب لنفسه ويكره له من الشر ما يكره لنفسه.

_________________

(١) في النسخة مشيته.

٣٠٦

ثم قال عليهم السلام سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا يطالبه به يوم القيامة فيقضي له وعليه .... (١)

وحدثني القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن محمد بن صخر الأزدي قال حدثنا أبو زيد عمرو بن أحمد العسكري بالبصرة قال حدثنا أبو أيوب قال حدثنا أحمد بن الحجاج قال حدثنا ثوبان بن إبراهيم عن مالك بن مسلم عن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مؤمن إلا من كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال اتركوا هذين حتى يصطلحا ...

مسألة فقهية لأبي النجا :

أتعرف من قد باع من مهر أمه

أباه فوفاها بحق صداقها

وكانت قديما أشهدت كل من رأت

بأن أباه قد أبت طلاقها

الجواب :

إذا أنت عقدت المسائل ملغزا

أتتك جوابات تحل وثاقها

تزوج عبد حرة أنجبت فتى

وصادفه قول أبان فراقها

فأنكحها مولاه من بعد رغبة

لما قد رأى منها وأسنى صداقها

_________________

(١) رواه الشهد الثاني زين الدين العاملي الجبعي في آخر رسالته في الغيبة المطبوعة مع كشف الفوائد وحقائق الإيمان وأسرار الصلاة صلى الله عليه وآله وسلم ٢٦٠ = ٢٦١ = بسنده عن الكراجكيّ المؤلّف.

٣٠٧

فوكلت ابن العبد في قبض مهرها

وأفلس مولاه وأبدى عتاقها

فباع الوكيل العبد بالحكم إذ رأى

هوى أمه في بيعها وارتفاقها

تفسير الجواب :

هذه امرأة حرة فتزوجت عبدا فولدت منه ابنا ثم طلقها العبد فأنكحها مولاه بصداق مسمى فوكلت ابنها من العبد بقبض مهرها وفلس المولى فقضى لها العبد في واجبها فوكلت ابنها في بيعه لاستيفاء صداقها

فصل في ذكر مجلس جرى لي ببليس (١) :

حضرت في سنة ثماني عشرة وأربعمائة مجلسا فيه جماعة ممن يجب استماع الكلام ومطلع نفسه فيه إلى السؤال فسألني أحدهم فقال كيف يصح لكم القول بالعدل والاعتقاد بأن الله تعالى لا يجوز عليه الظلم مع قولكم إنه سبحانه يعذب الكافر في يوم القيامة بنار الأبد عذابا متصلا غير منقطع وما وجه الحكمة والعدل في ذلك؟

وقد علمنا أن هذا الكافر وقع منه كفره في مدة متناهية وأوقات محصورة وهي مائة سنة في المثل وأقل وأكثر فكيف جاز في العدل عذابه أكثر من زمان كفره؟

وألا زعمتم أن عذابه متناه كعمره ليستمر القول بالعدل وتزول مناقضتكم لما تنفون عن الله تعالى من الظلم.

_________________

(١) بلبيس بكسر البانين وسكون اللام وياء وسين مهملة مدينة بينها وبين فسطاط مصر عشرة فراسخ على طريق الشام ، كان يسكنها عبس بن بغيض ، فتحت سنة ١ ٨ / ١ ٩ ه على يد عمرو بن العاص ، وقال :

جزى عربا ببلبيس ربها

بمسعاتها تقرر بذاك عيونها

 كراكر من قيس بن عيلان ساهرا

جفون ظباها للعلى وجفونها

كذا ذكره ياقوت في العجم م ا س ٤٧٩

(٢) في النسخة بالقول

٣٠٨

الجواب :

فقلت له سألت فافهم الجواب.

اعلم أن الحكمة لما اقتضت الخلق والتكليف وجب أن يرغب العبد فيما أمره به من الإيمان بغاية الترغيب ويزجره عما نهى عنه في الكفر بغاية التخويف والترهيب ليكون ذلك أدعى له إلى فعل المأمور به وأزجر له عن ارتكاب المنهي عنه.

وليس غاية الترغيب إلا الوعد بالنعيم الدائم المقيم ولا يكون غاية التخويف والترهيب إلا التوعيد بالعذاب الخالد الأليم.

وخلف الخبر كذب والكذب لا يجوز على الحكيم فبان بهذا الوجه أن تخليد الكافر في العذاب الدائم ليس بخارج عن الحكمة والقول به مناقض للأدلة.

فقال صاحب المجلس :

قد أتيت في جوابك بالصحيح الواضح غير أنا نظن بقية في السؤال تطلع نفوسنا إلى أن نسمع عنها الجواب وهي :

أن الحال أفضت إلى ما ينفر (١) منه العقل وهو أن عذاب أوقات غير محصورة يكون مستحقا على ذنوب مدة متناهية محصورة.

فقلت له أجل إن الحال قد أفضت إلى أن الهالك على كفره يعذب بعذاب تقدير زمانه أضعاف زمان عمره وهذا هو السؤال بعينه وفي مراعاة ما أجبت به عنه بيان إن العقل لا يشهد به ولا ينفر منه على أنني آتي بزيادة في الجواب مقنعة في هذا الباب.

فأقول إن المعاصي تتعاظم في نفوسنا على قدر نعم المعصى بها ولذلك عظم عقوق الولد لوالده لعظم إحسان الوالد عليه وجلت جناية العبد على سيده لجليل إنعام السيد عليه فلما كانت نعم الله تعالى أعظم قدرا وأجل أثرا من أن توفى بشكر أو تحصى بحصر وهي الغاية في الإنعام الموافق

_________________

(١) في النسخة : ينفرد.

٣٠٩

لمصالح الأنفس والأجسام كان المستحق على الكفر به وجحده إحسانه ونعمه هو غاية الآلام وغايتها هو الخلود في النار.

فقال رجل ينتمي إلى الفقه كان حاضرا :

قد أجاب صاحبنا الشافعي عن هذه المسألة بجوابين هما أجلى وأبين مما ذكرت.

قال له السائل وما هما؟

قال أما أحدهما فهو أن الله سبحانه كما ينعم في القيامة على من وقعت منه الطاعة في مدة متناهية بنعيم لا آخر له ولا غاية وجب قياسا على ذلك أن يعذب من وقعت منه المعصية في زمان محصور متناه.

بعذاب دائم غير منقض ولا متناه. قال والجواب الآخر أنه خلد الكفار في النار لعلمه أنهم لو بقوا أبدا لكانوا كفارا.

فاستحسن السائل هذين الجوابين منه استحسانا مفرطا أما لمغايظتي بذلك أو لمطابقتهما ركالة فهمه.

فقال صاحب المجلس ما تقول في هذين الجوابين؟

فقلت اعفني من الكلام فقد مضى في هذه المسألة ما فيه كفاية.

فأقسم علي وناشدني.

فقلت إن المعهود من الشافعي والمحفوظ منه كلامه في الفقه وقياسه في الشرع.

أما أصول العبادات والكلام في العقليات فلم تكن من صناعته.

ولو كانت له في ذلك بضاعة لاشتهرت إذ لم يكن خامل الذكر.

فمن نسب إليه الكلام فيما لا يعلمه على طريق القياس والجواب فقد سبه من حيث إن فساد هذين الجوابين لا يكاد يخفى عمن له أدنى تحصيل.

أما الأول منهما وهو مماثلته بين إدامة الثواب والعقاب فإنه خطأ في العقل والقياس وذلك أن مبتدي النعم المتصلة في تقدير زمان أكثر من زمان

٣١٠

الطاعة إن لم يكن ما يفعله مستحقا كان تفضلا ولا يقال للمتفضل المحسن لم تفضلت وأحسنت ولا للجواد المنعم لم جدت وأنعمت.

وليس كذلك المعذب على المعصية في تقدير زمان زائد على زمانها لأن ذلك إن لم يكن مستحقا كان ظلما تعالى الله عن الظلم فالمطالبة بعلة المماثلة بين الموضعين لازمة والمسألة مع هذا الجواب عما يوجب التخليد قائمة والعقلاء مجمعون على أن من أعطى زيدا على فعله أكثر من مقدار أجره فليس له قياسا على ذلك أن يعاقب عمرا على ذنبه بأضعاف ما يجب في جرمه.

وأما جوابه الثاني فهو وإن كان ذكره بعض الناس لاحق بالأول في السقوط لأنه لو كان تعذيب الله عزوجل للكافر بعذاب الأبد إنما هو لأنه علم منه أنه لو بقي أبدا كافرا لكان إنما عذابه على تقدير كفر لم يفعله وهذا هو الظلم في الحقيقة الذي يجب تنزيه الله تعالى عنه لأن العبد لم (١) يفعل الكفر إلا مدة محصورة.

وقد اقتضى هذا الجواب أن تعذيبه الزائد على مدة كفره هو عذاب على ما لم يفعله.

ولو جاز ذلك لجاز أن يبتدئ خلقا يعذبه من غير أن يبقيه ويقدره ويكلفه إذا علم منه أنه إذا أبقاه وأقدره وكلفه كان كافرا جاحدا لأنعمه.

وقد أجمع أهل العدل على أن ذلك لا يجوز منه سبحانه وهو كالأول بعينه في العذاب للعلم بالكفر قبل وجوده لا على ما فعله وأحدثه.

وقبحها يشهد العقل به ويدل عليه تعالى الله عن إضافة القبيح إليه.

فعلم أنه لا يعتبر في الجواب عن هذا السؤال بما أورده هذا الحاكي عن الشافعي وأن المصير إلى ما قدمناه من الجواب عنه أولى والحمد لله.

_________________

(١) في النسخة لا يفعل فآثرنا موضعها لم يفعل لأنّه الصحيح في المعنى.

٣١١

فلما سمع المتفقه طعني فيما أورده وقولي إن الشافعي ليس من أهل العلم بهذه الصناعة ولا له فيها بضاعة ظهرت أمارات الغضب في وجهه وتعذر عليه نصرة ما جاء به كما تعذر عليه وعلى غيره ممن حضر القدح فيما كنت أجبت به فتعمد لقطع ما كنا فيه بحديث ابتدأه لا يليق بالمجلس ولا يقتضيه.

فبينا نحن كذلك إذ حضر رجل كانوا يصفونه بالمعرفة وينسبونه إلى الاصطلاح بالفلسفة فلما استقر به المجلس حكوا له السؤال وبعض ما جرى فيه من الكلام.

فقال الرجل هذا سؤال يلزم الكلام فيه ويجب على من أقر بالشريعة طلب جواب صحيح عنه يعتمد عليه.

ثم سألوني الرجوع إلى الكلام والإعادة لما سلف لي من الجواب ليسمع ذلك الرجل الحاضر.

فقلت له ألا سألتم الفقيه إعادة ما كان أورده لعله أن يرضى هذا الشيخ إذا سمعه وعنيت بالفقيه الحاكي عن الشافعي؟

قالوا قد تبين لنا فساد ما أجاب به ولا حاجة بنا إلى إشغال الزمان بإعادته.

قلت فأنا مجيبكم إلى الكلام وسالك غير الطريقة الأولى في الجواب لعل ذلك أن يكون أسرع لزوال اللبس وأقرب إلى سكون النفس إن وجدت منكم مع الاستماع حسن إنصاف.

قالوا نحن مستمعون لك غير جاحدين لحق يظهر في كلامك.

فقلت كان السؤال عن وجه العدل والحكمة في تعذيب الله عزوجل لمن مات وهو كافر بالعذاب الدائم الذي تقدير زمانه لا ينحصر وقد وقع من العبد كفره في مبلغ عمره المتناهي.

والجواب عن ذلك :

٣١٢

أن العذاب المجازى به على المعصية كائنة ما كانت لا كلام بيننا في استحقاقه وإنما الكلام في اتصاله وانقطاعه.

فلا يخلو المعتبر في ذلك أن يكون هو الزمان الذي وقعت المعصية فيه ومقداره وتناهيه أو المعصية في نفسها وعظمها من صغرها.

فلو كانت مدة هي المعتبرة وكان يجب تناهي العذاب لأجل تناهيها في نفسها لوجب أن يكون تقدير زمان العقاب عليها بحسبها وقدرها حتى لا يتجاوزها ولا يزيد عليها.

وهذا حكم يقضي الشاهد بخلافه ويجمع العقلاء على فساده فكم قد رأينا فيما بيننا معصية وقعت في مدة قصيرة كان المستحق من العقاب عليها يحتاج إلى أضعاف تلك المدة ورأينا معصيتين تماثل في القدر زمانهما واختلف زمان العقاب المستحق عليهما كعبد شتم سيده فاستحق من الأدب على ذلك أضعاف ما يستحقه إذا شتم عبدا مثله وإن كان زمان الشتمين متماثلا.

فالمستحق عليهما من الأدب والعقاب يقع في زمان غير متماثل ولو لم يكن في هذا حجة إلا ما نشاهده من هجران الوالد أياما كثيرة لولده على فعل وقع في ساعة واحدة منه مع تصويب كافة العقلاء للوالد في فعله بل لو لم يكن فيه إلا جواز حبس السيد فيما بيننا لعبده زمانا طويلا على خطيئته.

وكذلك الإمام العادل لمن يرى من رعيته لكان فيه كفاية في وضوح الدلالة وليس يدفع الشاهد إلا مكابر معاند.

فعلم مما ذكرناه أنه لا يعتبر فيما يستحق على المعصية بقدر زمانها ولا يجب أن يماثل وقت الجزاء عليها لوقتها.

ووجب أن يكون المرجع إليها نفسها فبعظمها يعظم المستحق عليها سواء [أ] طال الزمان أو قصر اتصل أم انقطع وجد فكان محققا أو عدم فكان مقدرا والحمد لله.

فلما سمع القوم مني هذا الكلام وتأملوا ما تضمنه من الإفصاح والبيان وتمثيلي بالمتعارف من الشاهد والعيان لم يسعهم غير الإقرار للحق والإذعان

٣١٣

والتسليم في جواب السؤال لما أوجبه الدليل والبرهان.

والحمد لله الموفق للصواب وصلواته على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين.

زيادة في المسألة :

وقد احتج من نصر الجواب الثاني المنسوب إلى الشافعي بقول الله تعالى (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) الأنعام : ٢٨.

وجعل ذلك دلالة على أنه عذبهم بعذاب الأبد لعلمه بذلك من حالهم وليس في هذه الآية دلالة على ما ظن وإنما هي مبنية على باطن أمرهم ومكذبة لهم فيما يكون في القيامة من قولهم وما قبل الآية تتضمن وصف ذلك من حالهم وهو قوله تعالى سبحانه :

(إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الأنعام : ٢٧.

فقال الله سبحانه :

(بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) الأنعام : ٢٨

هذا لما تمنوا الرجوع إلى دار التكليف وليس فيه إخبار بأنه عذبهم لما علمه منهم أن لو أعادهم (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).

فصل :

روي أن امرأة العزيز وقفت على الطريق فمرت بها المواكب حتى مر يوسف عليهم السلام فقال :

الحمد لله الذي جعل العبيد ملوكا بطاعته والحمد لله الذي جعل الملوك عبيدا بمعصيته.

وذكروا أن المتمناة ابنة النعمان بن المنذر دخلت على بعض ملوك الوقت فقالت إنا كنا ملوك هذا البلد يجبى إلينا خراجها ويطيعنا أهلها فصاح

٣١٤

بنا صائح الدهر فشق عصانا وفرق ملأنا وقد أتيتك في هذا اليوم أسألك ما أستعين به على صعوبة الوقت.

فبكى الملك وأمر لها بجائزة حسنة فلما أخذتها أقبلت بوجهها عليه فقالت إني محييتك بتحية كنا نحيا بها فأصغى إليها فقالت :

شكرتك يد افتقرت بعد غنى ولا ملكتك يد استغنت بعد فقر وأصاب الله بمعروفك مواضعه وقلدك المنن في أعناق الرجال ولا أزال الله عن عبد نعمة إلا جعلك السبب لردها والسلام.

فقال اكتبوها في ديوان الحكمة.

وروي أن أمير المؤمنين عليهم السلام مر على المدائن فلما رأى آثار كسرى وقرب خرابها قال رجل ممن معه :

جرت الرياح على رسوم ديارهم

فكأنهم كانوا على ميعاد

فقال أمير المؤمنين عليهم السلام :

أفلا قلت (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) الدخان : ٢٦ ـ ٢٩ (١)

فصل من المقدمات في صناعة الكلام :

اعلم أن المعدوم عندنا ليس بشيء ولا يكون الشيء إلا موجودا.

فإن قال لك قائل ما الشيء فقل هو الموجود.

فإن قال ما الموجود فقل هو الثابت العين في الوجود.

فإن قال ما المعدوم فقل هو ما خرج بانتفائه عن كونه شيئا.

_________________

(١) رواه نصر بن مزاحم في كتاب صفّين ح ١ صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٤٣ ، وقال (عليهم السلام) بعد الآيات : إن هؤلاء لم يشكروا النعمة ، فسلبوا دنياهم بالمعصية ، إيّاكم وكفر المنعم ، لا يحل بكم النقم.

٣١٥

فإن قالوا ما القديم فقل ما ليس لوجوده أول.

فإن قال ما المحدث فقل هو الذي لوجوده أول.

فإن قال ما الجسم فقل هو ذو الطول والعرض والعمق

فإن قال ما الجوهر فقل هو أصغر ما تألفت منه الأجسام.

فإن قال ما العرض فقل هو العارض في المحل بغير بقاء.

واعلم أن الأعراض عندنا لا تبقى وإنما تتجدد حالا بعد حال ولا يوجد العرض عندنا إلا وقتا واحدا والموجود وقتا واحدا ليس بباق ولا يوجد شيء من الأعراض إلا في محل.

فإن قال ما الباقي فقل هو المستمر الوجود فإن أحببت فقل هو ما وجد وقتين فما زاد.

فإن قال ما الفاني فقل هو ما انعدمت عينه بعد وجوده وقد كان يجوز أن لا ينعدم.

فإن قال ما الاجتماع فقل هو محاسن جواهر الأجسام.

فإن قال ما الافتراق فقل هو مباينتها.

فإن قال ما الحركة فقل هي ما فرغ بالتحرك مكانا.

وشغل مكانا فإن قال ما السكون فقل هو لبث الجوهر في مكان وقتين فما زاد.

واعلم أن الجوهر إذا لم يكن في مكان فهو ليس بمتحرك ولا ساكن.

فإن قال لك ما المكان فقل هو ما أحاط بالمتمكن فمكان الجوهر ستة أمثاله تحيط به من جميع جهاته وصفحة العالم العليا هي مكان للعالم ولا مكان لها ولا يقال في الحقيقة أنها متحركة ولا ساكنة وكذلك المستفتح (١) الوجود من الجواهر عندنا وعند أكثر أهل النظر أنه ليس بمتحرك ولا ساكن.

_________________

(١) العبارة غير واضحة وقد يراد به ما كان في ابتداء وجوده

٣١٦

فإن قال لك ما الحي فقل من صح كونه قادرا.

فإن قال ما القادر فقل هو من صح منه الفعل.

فإن قال ما العالم فقل هو من كان فعله محكما منتظما.

فإن قال ما المريد فقل هو عند التحقيق من قطع على أحد الأمرين المعترضين.

فإن قال أتقولون إن الله مريد فقل أما على الحقيقة فلا يجوز ذلك عليه وأما على المجاز فقد يوصف به اتساعا في الألفاظ وقد وصف نفسه سبحانه بأنه مريد كما وصف نفسه بأنه غضبان وراض ومحب وكاره وهذه كلها صفات مجازات.

فإن قال فما الفائدة في قولكم إن الله تعالى مريد فقل هو حصول العلم للسامع بأنه سبحانه في أفعاله وأوامره منزه عن صفة الساهي والعابث.

فإن قال فما إرادته فقل الجواب عن هذا السؤال على قسمين أحدهما إرادته لما يفعله وهي الفعل المراد نفسه والآخر إرادته لما يفعله غيره وهي أمره بذلك الفعل.

فإن قال فما غضبه فقل وجود عقابه.

فإن قال فما رضاه فقل وجود ثوابه.

فإن قال فما محبته فقل هي على قسمين أحدهما أن يحب المؤمن بمعنى يحسن إليه ويثيبه والآخر أنه يحب الطاعة بمعنى يأمر بها.

فإن قال فما كراهته فقل هي بالضد من ذلك.

فإن قال ما المتكلم فقل هو من فعل كلاما.

فإن قال ما الكلام فقل هو الأصوات المنتظمة انتظاما يدل على معان فإن قال ما الخبر فقل هو ما أمكن فيه الصدق والكذب.

فإن قال ما الصدق فقل هو الإخبار عن الشيء بما هو عليه.

فإن قال ما الكذب فقل هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو به.

فإن قال ما الحق فقل هو ما عضد معتقده البرهان.

_________________

(١) في النسخة ما عقد.

٣١٧

فإن قال ما الباطل فقل هو ما خذل معتقده البيان.

فإن قال ما الصحيح فقل هو الحق بعينه.

فإن قال ما الفاسد فقل هو الباطل بعينه.

فإن قال ما العقل فقل هو عرض يحل الحي يفرق بين الحسن والقبح ويصح بوجوده عليه التكليف.

فإن قال ما الحسن فقل هو ما كان للعقول ملائما.

فإن قال ما القبح فقل هو ما كان لها منافرا.

فإن قال ما العلم فقل هو اعتقاد الشيء على ما هو به مع سكون النفس إلى المعتقد.

فإن قال ما الجهل فقل اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه.

فإن قال ما المعرفة فقل هي العلم بعينه.

فإن قال ما النظر فقل هو استعمال العقل في الوصول إلى معرفة الغائب باعتبار دلالة الحاضر.

فإن قال ما الدليل فقل هو المعتبر في إدراك ما طلبت النفس إدراكه.

فإن قال ما الحجة فقل هي الدليل بعينه.

فإن قال ما الشبهة فقل هي ما عرض للنفس عند انصرافها عن طريق الحق من باطل تخيلته حقا.

فصل من كلام أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم في ذكر العلم

قال أمير المؤمنين عليهم السلام

قيمة كل امرئ ما يحسن.

والناس أبناء ما يحسنون.

العلم وراثة مستفادة.

رأس العلم الرفق وآفته الخرق.

الجاهل صغير وإن كان شيخا

والعالم كبير وإن كان حدثا

٣١٨

الأدب يغني من الحسب

من عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار

العلم في الصغر كالنقش في الحجر

زلة العالم كانكسار السفينة تغرق وتغرق.

الآداب تلقيح الأفهام ونتائج الأذهان.

إذا استوضحت فاعزم

لو سكت من لا يعلم سقط الاختلاف.

من جالس العلماء وقر ومن خالط الأنذال حقر.

لا تحقرن عبدا آتاه الله علما فإن الله تعالى لم يحقره حين آتاه إياه.

المودة أشبك الأنساب والعلم أشرف الأحساب ..

لا كنز أنفع من العلم ولا قرين سوء شر من الجهل.

العلم خير من المال لأن العلم يحرسك وأنت تحرس المال والعلم يزكو على الإنفاق والمال تنقصه النفقة العلم حاكم والمال محكوم عليه.

عليكم بطلب العلم فإن طلبه فريضة وهو صلة بين الإخوان ودال على المروءة وتحفة في المجالس وصاحب في السفر وأنس في الغربة ومن عرف الحكم لم يصبر على الازدياد منها.

الشريف من شرفه علمه.

فصل من كلامه عليهم السلام في ذكر الحلم وحسن الخلق

قال عليهم السلام :

الحلم سجية فاضلة.

أول عوض الحليم من حلمه أن الناس أنصاره على الجاهل.

من حلم عن عدوه ظفر به.

شدة الغضب تغير المنطق وتقطع مادة الحجة وتفرق الفهم.

لا نسب أنفع من الحلم ولا حسب أنفع من الأدب ولا نصب أوجع من الغضب.

٣١٩

حسن الخلق يبلغ درجة الصائم القائم.

حسن الخلق خير رفيق.

رب عزيز أذله خلقه وذليل أعزه خلقه.

من لانت كلمته وجبت محبته.

التواضع يكسبك السلامة.

زينة الشريف التواضع.

حسن الأدب ينوب عن الحسب.

تأويل آية

إن سأل سائل عن قوله سبحانه :

(حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) هود : ٤٠ (١)

الجواب :

أما التنور فقد ذكر في معناه وجوه :

أحدها أن يكون المراد به أن النور برز والضوء ظهر وأتت أمارات دخول النهار وتقضي الليل.

وهذا التأويل يروى عن أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم.

وثانيها أن يكون معنى ذلك واشتد غضب الله عليهم وحل وقوع نقمته بهم فذكر التنور مثلا لحصول العذاب كما تقول العرب قد حمي الوطيس إذا اشتدت الحرب وعظم الخطب وقد قارب (٢) القوم إذا اشتدت حربهم.

وثالثها أن يكون أراد بالتنور وجه الأرض وأن الماء نبع وظهر على وجهها وقد روي هذا عن أبي عباس قال والعرب تسمى وجه الأرض تنورا.

_________________

(١) انظر الكلام على هذه الآية في أمالي المرتضى م ٢ صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٧٠ = ١ ٧٢.

(٢) هنا كلمة مطموسة غير واضحة.

٣٢٠