كنز الفوائد - ج ١

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي

كنز الفوائد - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي


المحقق: الشيخ عبدالله نعمه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩١
الجزء ١ الجزء ٢

وقوله (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) آل عمران : ٢٠

ونظير ذلك كثير في القرآن فكيف يصح هذا الإسلام من الرسول ولم يكن قط كافرا وهل بعد هذا البيان شك يعترض عاقلا؟؟

ثم يقال لهم إذا كان لا يسلم إلا من كان كافرا فما تقولون في إسلام إبراهيم الخليل صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن قط كافرا ولا عبد وثنا حيث (قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) البقرة : ١٣٠ ـ ١٣١

فقد تبين لكم أيها الإخوان ثبتكم الله على الإيمان ما تضمنه هذا الفصل من البيان عن صحة إسلام أمير المؤمنين عليهم السلام.

وأنا أتكلم بعد هذا على الذين قالوا إنه صلى الله عليه وآله وسلم قد أسلم ولكن لم يكن السابق الأول وزعمهم أن المتقدم على جميع الناس أبو بكر.

فصل من البيان عن أن أمير المؤمنين عليهم السلام أول بشر سبق إلى الإسلام بعد خديجة ع

اعلموا أن أهل النصب والخلاف قد حملتهم العصبية والعناد على أن ادعوا تقدم إسلام بي بكر على سائر الناس وإذا هم عرجوا عن طريق المكابرة واطلعوا في السير الطاهرة والأخبار المتواترة والآثار المتظافرة والأشعار السائرة وأقوال أمير المؤمنين عليهم السلام الظاهرة وجدوا جميع ذلك ناطقا بخلاف ما يزعمون شاهدا بكذبهم فيما يدعون قاضيا بأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام أول ذكر آمن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسبق إلى الإسلام وأنه لم يتقدمه بشر من الأمة بأسرها غير خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.

وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث يوم الاثنين وفيه أسلمت خديجة وأن أمير المؤمنين عليهم السلام أسلم يوم الثلاثاء.

٢٦١

وروى أصحاب الحديث عن مجاهد عن ابن عباس قال كان علي عليهم السلام يألف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتاه فوجده وخديجة يصليان قال ابن عباس وعلي يومئذ ابن عشر حجج فقال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما هذا قال يا علي هذا دين الله الذي ارتضاه لنفسه وبعث به رسله أدعو إلى الله وحده لا شريك له فقال علي عليهم السلام هذا شيء لم أسمع به قال صدقت يا علي.

فمكث علي تلك الليلة مفكرا فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له لم أزل البارحة أفكر فيما قلت لي فعرفت الحق والصدق في قولك وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك رسول الله.

وأخبرني شيخنا المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه إجازة قال أخبرني أبو الجيش المظفر بن محمد البلخي قال أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي الثلج قال حدثني أبو الحسن أحمد بن القاسم البرقي قال حدثني أسد بن عبيدة عن يحيى بن عفيف عن أبيه قال :

كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه بمكة قبل ظهور أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاء شاب فنظر في السماء حين تحلقت الشمس ثم استقبل الكعبة فقام يصلي ثم جاء غلام فقام عن يمينه ثم جاءت امرأة فقامت خلفهما فركع الشاب فركع الغلام والمرأة ثم رفع الشاب فرفعا ثم سجد الشاب فسجدا فقلت يا عباس أمر عظيم فقال العباس أمر عظيم أتدري من هذا الشاب هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي أتدري من هذا الغلام هذا علي بن أبي طالب ابن أخي أتدري من هذه المرأة هذه خديجة ابنة خويلد إن ابن أخي هذا حدثني إن ربه رب

_________________

(١) من تلاميذ أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي كان عارفا بالاخبار متكلما توفّي سنة ٣٦٧ ه وهو أستاذ الشيخ المفيد ، وله كتاب فعلت فلا تلم. وكتاب نقض العثمانية على الجاحظ وكتاب في الإمامة ووصفه ابن النديم بأنّه كان شاعرا مجودا في أهل البيت (عليهم السلام) متكلما بارعا.

(٢) في الأصل البلخ.

٢٦٢

السماوات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه ولا والله ما على ظهر الأرض على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة. (١)

وحدثني الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن شاذان رضي بمكة في المسجد الحرام قال حدثني أحمد بن محمد بن عمران قال حدثنا الحسن بن محمد العلوي قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر بن يحيى بن أبي كثير عن أبيه قال أخبرني أبو هريرة العبدي قال حدثني جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب أقدم أمتي سلما وأكثرهم علما وأصحهم دينا وأكثرهم يقينا وأكملهم حلما وأسمحهم كفا وأشجعهم قلبا وهو الإمام والخليفة بعدي. (١)

وجاء في الحديث عن أبي ذر رحمه‌الله أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :

علي أول من آمن بي وصدقني. (٢)

وعن أنس بن مالك أنه قال قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

إن أول هذه الأمة ورودا علي أولها إسلاما وإن علي بن أبي طالب أولها إسلاما فقال له سلمان رض قبل أبي بكر وعمر فقال قبل أبي بكر وعمر.

وعن أنس بن مالك أيضا أنه قال بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الإثنين وأسلمت خديجة في آخر ذلك اليوم وأسلم علي عليهم السلام يوم الثلاثاء (٣).

_________________

(١) رواه أبو جعفر الإسكافي المعتزلي في نقضه على كتاب العثمانية للجاحظ انظر : رسائل الجاحظ صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٨ = ١ ٩ جمع ونشر حسن السندوبي.

(٢) رواه في الرياض النضرة ج ٢ صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٥٧ ، انظر : فضائل الخمسة ج (١) صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٨٨ ، وانظر : نقض العثمانية للإسكافي صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٧.

(٣) رواه الإسكافي عن جابر وأنس وأبي رافع انظر رسائل الجاحظ صلى الله عليه وآله وسلم ٢٠.

٢٦٣

وعن أبي ذر وسلمان جميعا قالا :

أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي عليهم السلام فقال :

ألا إن هذا أول من آمن بي وهذا أول من يصافحني يوم القيامة وهذا الصديق الأكبر وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل وهذا يعسوب الدين والمال يعسوب الظالمين. (١)

وعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليهم السلام :

أما ترضين يا فاطمة أني زوجتك أقدمهم سلما وأكثرهم علما وأفضلهم حلما. (٢)

وفي رواية أخرى :

زوجتك أقدم المسلمين سلما وأكثرهم علما وأفضلهم حلما. (٣)

وعن عكرمة عن ابن عباس قال :

كان لعلي بن أبي طالب أربع مناقب لم يسبقه إليها عربي.

كان أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وكان صاحب رايته في كل زحف وانهزم الناس يوم المهراس وثبت.

وغسله وأدخله قبره (٤) والأخبار في هذا المعنى كثيرة.

فأما المحفوظ من كلام أمير المؤمنين عليهم السلام في ذلك واحتجاجه به في جملة ما له من المناقب.

فمنه ما حدثني به القاضي أبو الحسن أسد بن إبراهيم السلمي الحراني رحمه‌الله قال حدثني الخطيب العتكي أبو حفص عمر بن علي قال أخبرنا

_________________

(١) روي في الإصابة ج ٧ قسم ١ صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٤٧ ، وفي فيض القدير ج ٤ صلى الله عليه وآله وسلم ٣٥٨ انظر : فضائل الخمسة ج ١. صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٨٩.

(٢) رواه الإسكافي في نقض العثمانية صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٩ من رسائل الجاحظ.

(٣) المصدر نفسه

(٤) انظر : الإرشاد صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٧.

٢٦٤

أبو بكر محمد بن إبراهيم البغدادي ويعرف ذوران قال حدثنا الخضرمي ويعرف بمطني قال حدثنا سعد بن وحب بن شيبان وعبد الرحمن بن جبلة قالا حدثنا نوح بن قيس الطلاحي عن سليمان بن غالب عن معادة بنت عبد الرحمن العدوية قالت سمعت عليا عليهم السلام على منبر البصرة وهو يقول

أنا الصديق الأكبر وأنا الفاروق بين الحق والباطل أسلمت قبل أن يسلم أبو بكر وآمنت قبل أن يؤمن. (١)

وجاء عنه عليهم السلام أنه قال

اللهم لا أعرف أحدا من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيها.

وجرى بينه وبين عثمان كلام فقال له عثمان وعمر خير منك فقال له كذبت بل أنا خير منك ومنهما عبدت الله قبلهما وبعدهما.

وقد تضمن ذكر تقدم إيمانه كثير من أشعاره الواردة في أخباره.

حدثني القاضي السلمي قال أخبرني الخطيب العتكي قال حدثني أبو العباس أحمد بن يحيى الفتات قال حدثنا أبو بكر محمد بن يعقوب الدينوري قال حدثنا محمد بن عبد البلوى الأنصاري قال حدثنا عمارة بن زيد قال حدثنا بكير بن حارثة عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب عن مالك عن جابر بن عبد الله قال سمعت عليا عليهم السلام ينشد ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسمع :

أنا أخو المصطفى لا شك في نسبي

معه ربيت وسبطاه هما ولدي

جدي وجد رسول الله منفرد

وفاطم زوجتي لا قول ذي فند

صدقته وجميع الناس في بهم

من الضلالة والإشراك ذي النكد

فالحمد لله حمدا لا شريك له

البر بالعبد والباقي بلا أمد

_________________

(١) المصدر صلى الله عليه وآله وسلم ٢٠ باختلاف بالزيادة والنقصان.

٢٦٥

قال وتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال صدقت يا علي.

ومنه احتجاجه عليهم السلام على معاوية في جواب كتابه من الشام إليه وقد رام معاوية الافتخار فيه فقال أمير المؤمنين عليهم السلام يفتخر ابن آكلة الأكباد :

ثم قال عبيد الله بن أبي رافع (١) اكتب :

محمد النبي أخي وصهري

وحمزة سيد الشهداء عمي

وجعفر الذي يضحي ويمسي

يطير مع الملائك ابن أمي

وبنت محمد سلني وعرسي

مناط لحمها بدمي ولحمي

وسبطا أحمد ابناي منها

فأيكم له سهم كسهمي

سبقتكم إلى الإسلام طرا

غلاما ما بلغت أوان حلمي

وأوجب لي الولاء معا عليكم

خليلي يوم دوح غدير خم (٢)

فكان صلى الله عليه وآله وسلم يحتج بتقدم إسلامه على الكافة ويفتخر به في جملة مناقبه على الأمة ويذكره بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دفعة بعد دفعة وبعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الصحابة فما أنكر ذلك قط عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكيف ينكره عليه وهو الشاهد له بذلك ولا قال له أحد من الناس لا نحتج بهذا الكلام فإن أبا بكر هو الذي أسلم قبل جميع الأنام بل يذعن لقوله عليهم السلام الناس ويعلمون صدقه من غير اختلاف ويقولون فيه كما قد قال عليهم السلام.

فمن ذلك قول سفيان بن الحرث بن عبد المطلب :

_________________

(١) هو من خواص عليّ عليه السلام وكاتبه ، له كتاب قضايا أمير المؤمنين (عليهم السلام) وكتاب تسمية من شهد معه (عليهم السلام) الجمل وصفّين والنهروان من الصحابة ، وأورده ابن حجر في التقريب وقال : كاتب عليّ عليه السلام وهو ثقة من الثالثة أي أنّه مات بعد المائة.

(٢) روى هذه الأبيات المفيد في الفصول المختارة ج ٢ صلى الله عليه وآله وسلم ٧٠ وزاد بيتا في آخرها وهو :

فويل ثمّ ويل ثمّ ويل

لمن يلقى الإله غدا بظلمي

٢٦٦

ما كنت أحسب أن الأمر منتقل

عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أول من صلى لقبلتهم

وأعرف الناس بالآثار والسنن

من فيه ما فيهم من كل صالحة

وليس في القوم ما فيه من الحسن (١)

وجرير بن عبد الله البجلي يقول فيه مثل ذلك أيضا وقيس بن سعد بن عبادة له فيه أقوال كثيرة وغيرهم ممن شهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسمع منه الأخبار بتقديم إسلامه والحال أشهر عند أهل العلم من أن يستتر وأظهر بين أهل النقل من أن يكتم.

غير أن الناصبة قد غلبها الهوى على التقوى فأثرت الضلال على الهدى.

وقد احتج النصاب في تقديم إسلام أبي بكر بقول حسان :

إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة

فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا

خير البرية أتقاها وأعدلها

بعد النبي وأوفاها بما حملا

الصاحب التالي المحمود مشهده

وأول الناس منهم صدق الرسلا (٢)

_________________

(١) تجد هذه الأبيات في كتاب سليم بن قيس صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٦ منسوبة للعباس وتجدها في كتاب الجمل للمفيد صلى الله عليه وآله وسلم ٤٣ منسوبة لعبد اللّه بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب مع زيادة بيتين ، وفي تاريخ اليعقوبي ج ٢ صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٠٣ ط النجف منسوبة لعتبة بن أبي لهب.

(٢) نجد البيت الأول والثالث في كتاب العثمانية صلى الله عليه وآله وسلم ٢ من رسائل الجاحظ.

٢٦٧

واحتجاجهم بقول حسان يدل على عمي القلوب وصدأ الألباب (١) أو على تعمد التلبيس على ضعفاء الناس وإلا فلو اعتمدوا الإنصاف علموا أن حسان بن ثابت هو الذي تضمن شعره الإقرار لأمير المؤمنين عليهم السلام بالإمامة والرئاسة على الأنام لما مدحه بذلك يوم الغدير بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رءوس الأشهاد بعد أن استأذن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإذن له فقال :

يناديهم يوم الغدير نبيهم

نجم وأسمع بالرسول مناديا

يقول فمن مولاكم ونبيكم (٢)

فقالوا ولم يبدو هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت نبينا

ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا

فقال له قم يا علي فإنني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه

فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليه

وكن للذي عادى عليا معاديا (٣)

فصوبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المقال وقال له لا تزال يا حسان مؤيدا ما نصرتنا بلسانك.

فكيف سمعت الناصبة تلك الأبيات التي رويت لها من قول حسان ولم تسمع عنه هذه الأبيات التي قد سارت بها الركبان بل كيف تثبت لها بما ذكرته

_________________

(١) في النسخة صدى.

(٢) في المسترشد للطبري صلى الله عليه وآله وسلم ٩٦ (ووليكم) بدل نبيّكم.

(٣) ذكر الأبيات الأربعة الأولى منها الطبريّ في المسترشد صلى الله عليه وآله وسلم ٩٦. وانظر : أعلام الورى صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٤٠ فقد ذكر الأبيات كلها.

٢٦٨

من شعره أن أبا بكر سبق الناس إلى الإسلام ولم تثبت بما ذكرناه من شعره أيضا أن أمير المؤمنين عليهم السلام لجميع الناس إمام وكيف احتجت ببعض قوله وصدقه فيه ولم تر الاحتجاج بالبعض الآخر وكذبته فيه؟

أوليس إذا قالت إنه كذب فيما قاله في علي عليهم السلام في هذه الأبيات أمكن أن يقال لها بل كذب فيما حكيتموه عنه من تلك الأبيات.

وإن قالت أن حسانا شاعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولسنا نكذبه لكن نقول إنه كذب عليه في الشعر الذي رويتموه.

قيل لها فإن قال لكم قائل مثل هذا الكلام وإنه كذب عليه في الشعر الذي ذكرتموه ما يكون الانفصال.

واعلم أنا لم نقل ذلك إلا لنعلمهم لأنه لا حجة في أيديهم وأنه لا فرق بين قولهم وقول من قلبه عليهم.

ولسنا ننفي عن حسان الكذب ولا رأينا فيه بحسن وذلك أنه فارق الإيمان وانحاز إلى جملة أعداء أمير المؤمنين عليهم السلام وحصل من عصبة عثمان فهو عندنا من أهل الضلال.

فإن قال قائل كيف تجيزون ذلك عليه بعد ما مدحة به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في يوم غدير خم وأثنى عليه؟

قلنا إن مدحه وثناءه عليه كان مشروطا ولم يكن مطلقا.

وذلك أنه قال ما تزال مؤيدا ما نصرتنا بلسانك وهذا يدل على أنه متى انصرف عن النصر زال عنه التأييد واستحقاق المدحة وقد انصرف عنها بطعونه على أمير المؤمنين عليهم السلام وانصبابه في شعب عدوه وقعوده في جملة من قعد عن نصرته في حرب البصرة.

ويشبه ما قال فيه النبي عليهم السلام قول الله تعالى في ذكر أزواج نبيه ونسائه :

(يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَ) الأحزاب : ٣٢

فعلق ذلك بشرط وجود التقوى فإذا عدمت كن كمن سواهن بل كن أسوأ حالا من غيرهن.

٢٦٩

واعلم أيدك الله تعالى أنه قد روى المخالفون عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت لما أسلم أبي جاء إلى منزله فما قام حتى أسلمنا وأسلمت عائشة وهي صغيرة.

وروايتهم هذه دليل على تأخر إسلامه وذلك أن مولد عائشة معروف وزمانها معلوم ولدت بعد البعثة بخمس سنين وكان لها وقت الهجرة ثماني سنين وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد الهجرة بسنة ولها يومئذ تسع سنين وأقامت معه تسعا وكان لها يوم قبضه عليهم السلام ثماني عشرة سنة.

فإذا كانت يوم إسلام أبيها صغيرة فأقل ما يكون عمرها في ذلك الوقت سنتان وهذا يدل على أن أباها أسلم بعد البعثة بسبع سنين فهو مقدار الزمان الذي أتت الأخبار بأن أمير المؤمنين عليهم السلام كان يصلي فيه مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والناس في بهم الضلال.

وسنذكر طرفا مما ورد في ذلك من الأخبار فإذا كان الناس سوى أمير المؤمنين إنما أجابوا إلى الإسلام بعد سبع سنين من مبعث النبي فليس يستحيل أن يكون أبو بكر أحد المستجيبين في هذه السنة وليس ذلك بموجب أن يكون أولهم لأنه قد تناصرت الأخبار بتقديم إسلام جعفر بن أبي طالب عليه بل على غيره من الناس سوى أمير المؤمنين ع.

حدثني القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن محمد بن صخر الأزدي = قال حدثنا عمر بن محمد بن سيف بالبصرة سنة سبع وخمسين وثلاثمائة = قال حدثنا محمد بن أحمد بن سليمان = قال حدثنا محمد بن صفر بن صلصال بن الدلهمس بن جهل بن جندل قال حدثني أبو ضو بن صلصال بن الدلهمي قال كنت أنصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أبي طالب قبل إسلامي فإني يوما لجالس بالقرب من منزل أبي طالب في شدة القيظ إذ خرج أبو طالب إلي شبيها بالملهوف فقال لي يا أبا الغنصقر هل رأيت هذين الغلامين يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليا عليهم السلام فقلت ما

٢٧٠

رأيتهما مذ جلست فقال قم بنا في الطلب فلست آمن قريشا أن تكون اغتالتهما.

قال فمضينا حتى خرجنا من أبيات مكة ثم صرنا إلى جبل من جبالها فاسترخينا إلى قلة فإذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليهم السلام عن يمينه وهما قائمان بأزا عين الشمس يركعان ويسجدان قال فقال أبو طالب لجعفر ابنه صل جناح ابن عمك فقال إلى جنب علي فأحس بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتقدمهما وأقبلوا على أمرهم حتى فرغوا مما كانوا فيه ثم أقبلوا نحونا فرأيت السرور يتردد في وجه أبي طالب ثم انبعث يقول :

إن عليا وجعفرا ثقتي

عند مهم الأمور والكرب

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما

أخي لأمي من بينهم وأبي

والله لا يخذل النبي ولا

يخذله من بني ذو حسب (١)

وقد أتت الأخبار بأن زيد بن حارثة تقدم أبا بكر في الإسلام.

بل روي أن أبا بكر لم يسلم حتى أسلم قبله جماعة من الناس.

وروى سالم بن أبي الجعد عن محمد بن سعد بن أبي وقاص أنه قال لأبيه كان أبو بكر أولكم إسلاما قال لا قد أسلم قبله أكثر من خمسين رجلا.

وأما الأخبار الواردة بأن أمير المؤمنين عليهم السلام صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبع سنين والناس كلهم كانوا ضالين.

فمنها ما أخبرني به شيخنا المفيد أبو عبد الله رض قال أخبرني أبو حفص عمر بن محمد الصيرفي قال حدثنا محمد بن أبي الثلج عن أحمد بن القاسم البرقي عن أبي صالح سهل بن صالح وكان قد جاوز مائة سنة قال سمعت أبا المعمر عباد بن عبد الصمد قال سمعت أنس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلت الملائكة علي وعلى علي عليهم السلام سبع سنين وذلك أنه لم يرفع إلى السماء شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا مني ومن علي (ع).

_________________

(١) انظر : العذير ج ٧ صلى الله عليه وآله وسلم ٣٥٦ نقله عن ديوان أبي طالب صلى الله عليه وآله وسلم ٣٦ وعن كتاب الأوائل للعسكري.

٢٧١

ومنه ما روي عن أبي أيوب أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لقد صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين لأنا كنا نصلي ليس معنا أحد غيرنا.

وما رواه أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الملائكة صلت علي وعلى علي سبع سنين قبل أن يسلم بشر.

وما رواه عباد بن يزيد قال سمعت عليا عليهم السلام يقول :

لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبع حجج ما يصلي معه غيري إلا خديجة بنت خويلد ولقد رأيتني أدخل معه الوادي فلا نمر بحجر ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله وأنا أسمعه.

وما روى عليهم السلام من قوله :

أنا عبد الله وأنا أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتر صليت قبلهم سبع سنين.

وما رواه أبو رافع قال قال صلى الله عليه وآله وسلم بعثت أول يوم الإثنين وصلت خديجة آخر يوم الإثنين وصلى علي يوم الثلاثاء من الغداة مستخفيا قبل أن يصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحد سبع سنين.

فصل في أن إسلامه عليهم السلام كان عن بصيرة واستدلال

اعلم أنه لما توجهت الحجة على المخالفين بتقدم إسلام أمير المؤمنين عليهم السلام على سائر المكلفين قالوا وما الفضيلة في إسلام طفل لم يلحق بدرجة العقلاء البالغين وأي تكليف يتعين عليه يستحق بفعله الأجر من رب العالمين وهل كان إلقاء الإسلام إليه إلا على سبيل التوقيف والتلقين الذي يفعله أحدنا مع ولده لينشأ عليه ويصير له من الألفين؟

وخطأ هؤلاء القوم لا يخفى للمتأملين وضلالهم عن الحق واضح للمنصفين وذلك أن الحال التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ابتداء أمره من كتمان ما هو عليه وستره وصلاته مختفيا في شعاب مكة للمخافة التي كان فيه

٢٧٢

والتقية منتظرا لإذن الله تعالى في الإعلان والإظهار فيبدي حينئذ أمره على تدريج يأمن معه المضار يقضي إلى أن يلقى ذلك إلى الأطفال والصبيان الذين لا عقول لهم يصح معها الكتمان والذين من عادتهم الإخبار بما علموه والإعلان.

فإذا علمنا وهذه صورة الحال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خص في ابتدائها بالوقوف على سر أحد الأطفال تحققنا أن ذلك الطفل مميز بصحة الفعل والكمال.

وليس يستحيل حصول العقل والتمييز لابن عشر سنين ولا تجويز ذلك في الأمور المستبعدة عند العارفين.

والمنكر لذلك إنما يعول على الغالب في المشاهدات والعقل لا يمنع من وجود ما ذكرناه في نادر الأوقات بل لا يمنع من أن يجعل الله تعالى ذلك آية يخرق بها العادات.

وقد أخبر الله سبحانه عن نبيين من أنبيائه عليهم السلام بما هو أعجب من هذا وهما عيسى ويحيى.

فقال حاكيا كلام عيسى عليهم السلام للناس في المهد :

(إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)

وقال في يحيى :

(يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)

فإن قال الخصوم إن هذين نبيان يصح أن يكون لهما الآيات المعجزات قلنا فما المانع من تكميل الله تعالى عقل طفل في زمن نبينا عليهم السلام ويمنحه صحة التمييز والاستدلال ويخصه بالتكليف دون جميع الأطفال ويكون ذلك آية ل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم وكرامة له في أخص الناس به.

ولوجه آخر من الصلاح يختص بعلمه وليكون مع هذا كله إبانة لوليه الذي هو حجته ووصي نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فما المحيل لما ذكرناه والمانع من كونه كذلك.

٢٧٣

أوليس قد روي أن الشاهد الذي شهد من أهلها في قميص يوسف عليهم السلام كان طفلا في المهد له سنتان وليس بنبي.

وبعد فقد أوجدكم (١) الله تعالى عيانا من أحد أئمتنا عليهم السلام ما هو أكثر مما أنكرتموه من هذه الحال.

وهو أبو جعفر محمد بن علي بن موسى عليهم السلام (٢) وشهادة المأمون لما عزم على تقريبه ومصاهرته وهو ابن تسع سنين بالعقل والعلم والكمال (٣) واتفاقهم معه على أن يعقدوا له مجلسا للامتحان وسؤالهم يحيى بن أكثم القاضي في أن يتولى لهم ذلك وبذلهم له الأموال وما جرى له من عجيب الكمال في السؤال والجواب حتى عجز يحيى ووقف في (٤) يديه وأذعن بالاستفادة منه والرجوع إليه فيما لا يعلمه.

وهذا أمر قد شاركتمونا في نقله واتفق أصحاب الحديث (٥) على حمله.

ولسنا نشك في أن هذا العلم والفضل لم يحصل لأبي جعفر عليهم السلام إلا من أحد وجهين (٦).

إما الإلهام فهو إذا معجز بان به من الأنام.

_________________

(١) المرجح ان ضمير الجماعة المخاطبة وهو (كم) زائد.

(٢) هو الإمام التاسع أبو جعفر محمّد بن علي الملقب بالجواد ولد سنة ١ ٩٥ ه وتوفّي سنة ٢٢٠ ه

(٣) في النسخة أيضا الكلام.

(٤) هكذا ورد في النسخة ولعلّ الصواب (بين).

(٥) في النسخة الحديثين.

(٦) في النسخة (لاحد) أيضا.

(٧) بان أي انفصل وغاير.

٢٧٤

وإما عن تلقين وتعليم وكان عمره وقت تلقينه ذلك وهو في وقت المناظرة ابن تسع سنين وقيل ثماني سنين.

أوليس هذا أعجوبة قد نقلتموها وأقررتم بها وسألتموها.

فأخبرونا كيف أقررتم لولد أمير المؤمنين عليهم السلام في زمن المأمون بكمال العقل والعلم وحسن المعرفة والفهم وهو ابن تسع سنين وأنكرتم أن يصح لأمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كمال العقل والتكليف وله عشر سنين؟

فإن قالوا نحن لا نعترف لأبي جعفر عليهم السلام بهذا كانت السير قاضية بيننا وبينهم شاهدة للمحق (١) منا.

ثم يقال لهم إن لم يكن الأمر كما ذكرناه من كمال عقل أمير المؤمنين عليهم السلام وقت دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم له إلى الإسلام وهو في حال سر وكتمان وخوف من الشرك والضلال أليس يكون قد غرر بنفسه فيما ألقاه إليه وفعل ما يشهد العقل بقبحه وخطإ المقدم عليه حاشا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مما ينسبونه إليه.

والذي ذكرناه في أمير المؤمنين عليهم السلام أوضح من أن يشتبه الأمر فيه.

أليس هو القائل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنني لم أزل البارحة مفكرا فيما قلت لي فعرفت الحق والصدق في قولك وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك رسول الله.

فوقع منه الإقرار بالشهادة بعد فكر ليلة كاملة.

فكيف تصح من طفل كما زعمتم غير عاقل أن يفكر في صحة النبوة ليلة كاملة حتى حصل له العلم بصدق المخبر بها بعد طول الروية؟

وهل بعد هذا لبس يعترض عاقلا هجر العصبية.

وقد روي أعجب منه عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال إن النبي ص

_________________

(١) في النسخة للحق أيضا.

٢٧٥

عرض على علي عليهم السلام الإسلام فقال له علي عليهم السلام أنظرني الليلة فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي أمانة في عنقك لا تخبر بها أحدا

. فلينظر الغافلون إلى هذا الكلام الواقع منهما عليهم السلام وسؤال أمير المؤمنين عليهم السلام له في التأجيل والإنظار.

هذا وهو الذي كفله ورباه ولم يزل طائعا له في جميع ما يأمره ويراه فلما أتاه الأمر رأى أن الإقدام على الإقرار به من غير علم ويقين قبيح سأله التأجيل.

ثم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم له إنها أمانة في عنقك لا تخبر بها أحدا مما تشهد العقول بأسرها أنه لا يقال إلا لمميز يكون عقله كاملا.

ويزيد هذه الحال أيضا بيانا أنه لما أسلم عليهم السلام كان يخرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى شعاب مكة فمرة يصلي معه ومرة أخرى يرصد له.

حتى روي أن كل واحد منهما كان إذا صلى صاحبه حرسه ووقف يرصد له.

فهل يصح أن يختص بهذا الأمر من لا عقل له لا ولكن قد يخفى صحته عمن لا عقل له.

والعجب أن مخالفينا يدفعون أن يكون إسلام أمير المؤمنين عليهم السلام وهو ابن عشر سنين له فضيلة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يدفع ذلك بل كان يعده له من أول الفضائل ويخبر به إذا مدحه وأثنى عليه في المحافل.

والعجب أنهم ينكرون علينا الاحتجاج بتقدم إسلامه وهو صلى الله عليه وآله وسلم كان يحتج بذلك بين الصحابة ولا ينكره أحد عليه ولا يقول له وما في ذلك من الفضل وإنما أسلمت وأنت طفل لا عقل لك.

٢٧٦

فصل في البلوغ

وأما ما ظن الخصوم من أن البلوغ إلى درجة التكليف هو الاحتلام وقولهم أن أمير المؤمنين عليهم السلام لم يكن بلغ وقت إسلامه مبلغ المحتلمين فلا يكون من المكلفين.

فظن غير صحيح ولو كان الأمر كما زعموه لكان كل من بلغ الحلم مكلفا ونحن نعلم فساد ذلك لوجود بالغين من البله والمجانين غير مكلفين.

والواجب الذي ليس عنه محيد أن يقال إن وجود العقل في الإنسان وصحة التمييز منه والإدراك شرط في وجوب تكليف العقليات من النظر والاستدلال ومعرفة ما لا يسع جهله من الأمد والواجبات واعتقاد الحق بأسره وإدراك الصواب.

وشرط أيضا في صحة تعلق [تكليف] (١) العبادات السمعيات وإن كان أكثرها يسقط عمن لم يبلغ الاحتلام ولا (٢) يعلم سقوطه إلا من جهة السمع الوارد دون ما سواه.

ولم يكن المشروع (٣) كله حاصلا في ابتداء البعثة ولا أتى الوحي وقت إسلام أمير المؤمنين عليهم السلام لجميع العبادات السمعية فيعلم ما هو لازم.

لمن لم يبلغ مما هو غير لازم فأما التكليف الواجب في العقول فلا يجوز أن يسقط عمن له عقل وتحصيل ... (٤) إذ هو بلوغ حد التكليف.

وقد بينا أن أمير المؤمنين عليهم السلام كان كامل العقل وهو ابن عشر سنين

_________________

(١) النسخة خالية من كلمة تكليف وأضفناها تصحيحا للمعنى.

(٢) في النسخة : وإن يعلم ووضعنا مكانها كلمة (ولا يعلم) تصحيحا للمعنى.

(٣) في النسخة للمشروع.

(٤) هنا كلمتان غير واضحين المراد.

٢٧٧

فلزمته (١) المعرفة بالله تعالى والرسول وبجميع ما يوجب معرفة العقول ولزمه من التعبد المسموع ما قارن وجها من المصلحة له وهذا كاف لذوي التحصيل.

وقد أوردت في هذا الكتاب من القول في إسلام أمير المؤمنين عليهم السلام ما فيه منفعة للمؤمنين وحجة على المخالفين (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين.

فصل من كلام أمير المؤمنين عليهم السلام وحكمه.

قال أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم :

لا شرف أعلى من الإسلام ولا كرم أعز من التقوى ولا معقل أحرز من الورع ولا شفيع أنجح من التوبة.

من ضاق صدره لم يصبر على أداء حق من كسل لم يؤد حق الله.

من عظم أوامر الله أجاب سؤاله.

من تنزه عن حرمات الله سارع إليه عفو الله.

من تواضع قلبه لله لم يسأم بدنه طاعة الله.

الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر.

ليس مع قطيعة الرحم نماء ولا مع الفجور غنى.

عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر.

تصفية العمل خير من العمل.

عند الخوف يحسن العمل.

_________________

(١) في النسخة فلزمه أيضا.

(٢) في النسخة معرفة المعقول أيضا.

(٣) هنا كلمتان غير واضحتين

(٤) النسخة خالية من كلمة وآله.

٢٧٨

رأس الدين صحة اليقين.

أفضل ما لقيت الله به نصيحة من قلب وتوبة من ذنب.

إياكم والجدل فإنه يورث الشك في دين الله.

بضاعة الآخرة كاسدة فاستكثر منها في أوان كسادها.

اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل.

ودخول الجنة رخيص ودخول النار غال.

التقي سائق إلى كل خير.

من غرس أشجار التقى جنى ثمار الهدى.

الكريم من أكرم عن ذل النار وجهه.

ضاحك معترف بذنبه أفضل من باك مدل على ربه.

من عرف عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره.

من نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره.

ومن نظر في عيوب الناس ورضاها لنفسه فذلك الأحمق بعينه.

كفاك أدبك لنفسك ما كرهته لغيرك.

اتعظ بغيرك ولا تكن متعظا بك.

لا خير في لذة تعقب ندامة.

تمام الإخلاص تجنب المعاصي.

من أحب المكارم اجتنب المحارم.

جهل المرء بعيوبه من أعظم ذنوبه.

من أحبك نهاك ومن أبغضك أغراك.

ومن أساء استوحش.

من عاب عيب.

ومن شتم أجيب.

أدوا الأمانة ولو إلى قاتل الأنبياء.

الرغبة مفتاح العطب.

والتعب مطية النصب.

٢٧٩

الشر داع إلى التقحم في الذنوب.

من تورط في الأمور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمدرجات النوائب.

من أتى ذميا وتواضع له ليصيب من دنياه شيئا ذهب ثلثا دينه.

من لزم الاستقامة لزمته السلامة.

حدثنا الشيخ المفيد أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان القمي رضي الله عنه بمكة في المسجد الحرام قال حدثني أبو الفرج المعافي بن زكريا قال حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الثلج قال حدثنا الحسن بن محمد بن بهرام قال حدثنا يوسف بن موسى الطالقاني قال حدثنا جرير عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

لو أن الغياض أقلام والبحر مداد والجن حساب والإنس كتاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب.

وأنشدت لابن وكيع الشاعر (٢) في أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم هذه الأبيات :

قالوا علي لما ذا لست تمدحه

فقلت أصبحت في ذا الفعل معذورا

صرفت مدحي إلى من نور مدحته

يعده الناس إسرافا وتبذيرا

ولم أطق مدح من فاتت فضائله

قدر المدائح منظوما ومنثورا

ومن جواد قريضي إن بعثت به

في مدحه من علاه عاد محسورا

_________________

(١) في النسخة وأنشدت بيتين ، وهو زيادة من الناسخ.

(٢) هو أبو محمّد الحسن بن عليّ بن أحمد بن محمّد خلف البغداديّ أحد الشعراء البارعين توفي بمدينة تنيس من ديار مصر بالقرب من دمياط سنة ٣٩٣ ه. له ديوان شعر ومن شعره :

لقد قنعت همتي بالخمول

وحدت عن الرتب العالية

 وما جهلت طعم طيب العلا

ولكنها تؤثر العافية

 ووكيع لقب جده أبي محمّد بن خلف وكان فاضلا عالما بالقرآن والفقه والنحو والسير وله مصنّفات توفّي سنة ٣٠٦ ه.

٢٨٠