كنز الفوائد - ج ١

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي

كنز الفوائد - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي


المحقق: الشيخ عبدالله نعمه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩١
الجزء ١ الجزء ٢

فقل لأنه خلقني لنفعي ولا طريق لنيل النفع إلا بالحياة التي يصح معها الإدراك.

فإن قال ما النعمة؟

فقل هي المنفعة إذا كان فاعلها قاصدا لها.

فإن قال ما المنفعة؟

فقل هي اللذة الحسنة أو ما يؤدي إليها.

فإن قال لم شرطت أن تكون اللذة حسنة؟

فقل لأن من اللذات ما لا يكون حسنا.

فإن قال لم قلت أو ما يؤدي إليها؟

فقل لأن كثيرا من المنافع لا يتوصل إليها إلا بالمشاق كشرب الدواء الكريه والفصد ونحو ذلك من الأمور المؤدية إلى السلامة واللذات فتكون هذه المشاق منافع لما يؤدي إليه في عاقبة الحال.

ولذلك قلنا إن التكليف نعمة حسنة لأنه به ينال مستحق النعيم الدائم واللذات.

فإن قال فما كمال نعم الله تعالى؟

فقل إن نعمة تتجدد علينا في كل حال ولا يستطاع لها الإحصاء.

فإن قال فما تقولون في شكر المنعم؟

فقل هو واجب.

فإن قال فمن أين عرفت وجوبه؟

فقل من العقل وشهادته وواضح حجته ودلالته.

ووجوب شكر المنعم على نعمته مما تتفق العقول عليه ولا تختلف فيه.

فإن قال فهل أحد من الخلق يكافئ نعم الله تعالى بشكر أو يوفي حقها بعمل؟

فقل لا يستطيع أحد من العباد من قبل أن الشيء إنما يكون كفوا لغيره

٢٢١

إذا سد مسده وناب منابه وقابله في قدره وماثله في وزنه.

وقد علمنا أنه ليس شيء من أفعال الخلق تسد مسد نعم الله عليهم لاستحالة الوصف لله تعالى بالانتفاع أو تعلق الحوائج به إلى المجازاة وفساد مقال من زعم أن الخلق يحيطون علما بغاية الإنعام من الله تعالى عليه والإفضال فيتمكنون من مقابلتها بالشكر على الاستيفاء للواجب والإتمام. فيعلم بهذا تقصير العباد من مكافاة نعم الله تعالى عليهم ولو بذلوا في الشكر والطاعات غاية المستطاع وحصل ثوابهم في الآخرة تفضلا من الله تعالى عليهم وإحسانا إليهم.

وإنما سميناه استحقاقا في بعض الكلام لأنه وعد به على الطاعات وهو الموجب له على نفسه بصادق وعده وإن لم يتناول شرط الاستحقاق على الأعمال.

وهذا خلاف ما ذهب إليه المعتزلة إلا أبا القاسم البلخي (١) فإنه يوافق في هذا المقال وقد تناصرت به مع قيام الأدلة العقلية عليه الأخبار. (٢)

أخبرني شيخنا المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي رضوان الله عليه إجازة قال أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب الكليني عن عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن داود بن كثير عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر عليهم السلام قال قال رسول الله (ص) :

_________________

(١) في النسخة إلّا أبو والصحيح أبا لأنّه استثناء من موجب

(٢) اتفق أهل العدل على أن المؤمن الذي عمل عملا صالحا يدخل الجنة خالدا فيها ، واختلفوا في أن هذا الثواب هل هو على جهة الاستحقاق والمعاوضة بينه وبين العمل أم تفضل من المولى تعالى قال أكثر المعتزلة بالأول اعتمادا على قبح الثواب مع عدم الاستحقاق ولأن التكليف حينئذ لغو ، وذهب البلخيّ والمعتزلة والمفيد وجماعة من الإمامة إلى الثاني عملا بطبيعة المولى والعبد إذ لا يجب على المولى بإزاء العبد بشيء إذا أطاعه ، ولأنّه يكفى في صحة التكليف وحسنه عقلا سبق المنعم على المكلف المستتبعة لوجوب شكر المنعم بالطاعة ، وللإخبار المؤيدة لحكم العقل ، التي ذكر المؤلّف بعضا منها.

٢٢٢

قال الله تعالى لا يتكل (١) العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي فإنهم لو أجمعوا وأتعبوا أنفسهم وأعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون من كرامتي والنعيم في جناني ورفيع الدرجات العلى في جواري ولكن برحمتي فليثقوا وفضلي فليرجوا وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا فإن رحمتي عند ذلك تدركهم وبمني أبلغهم رضواني ومغفرتي وألبسهم عفوي فإني الله الرحمن الرحيم بذلك تسميت.

أخبرني شيخنا المفيد رحمه‌الله قال أخبرني أبو الحسن أحمد بن الحسن بن الوليد عن أبيه عن محمد بن الحسن الصفار عن علي بن محمد القاشاني عن القاسم بن محمد الأصبهاني عن سليمان بن خالد المنقري عن سفيان بن عيينة عن حميد بن زياد عن عطاء بن يسار عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام قال :

يوقف العبد بين يدي الله تعالى فيقول قيسوا بين نعمي وبين عمله فتغرق النعم العمل فيقول هبوا له النعم وقيسوا بين الخير والشر منه فإن استوى العملان أذهب الله الشر بالخير وأدخل الجنة وإن كان له فضل أعطاه الله بفضله وإن كان عليه فضل وهو من أهل التقوى لم يشرك بالله تعالى واتقي الشرك به فهو من أهل المغفرة يغفر الله له برحمته ويتفضل عليه بعفوه.

وأخبرني أيضا شيخنا المفيد رحمه‌الله قال أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن سعد بن خلف عن أبي الحسن عليهم السلام أنه قال :

عليك بالجد ولا تخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة الله وطاعته فإن الله تعالى لا يعبد حق عبادته.

_________________

(١) في النسخة (لا يتكلوا).

٢٢٣

شبهة للبراهمة في النبوة (١)

اعتلت البراهمة في إبطال الرسالة بأن قالت :

ليس يخلو أمر الرسول من حالين :

إما أن يأتي ما يدل عليه العقل أو بخلافه فإن أتى بما في العقل كان من كمل عقله غنيا عنه لأن الذي يأتيه مستقر عنده موجود في عقله.

وإن أتى بخلاف ما في العقل فالواجب رد ما يأتيه به لأن الله تعالى إنما خلق العقول للعباد ليستحسنوا بها ما استحسنت ويقروا بما أقرت وينكروا ما أنكرت.

نقض يقال لهم إن الرسول لا يأتي أبدا بما يخالف العقل غير أن الأمور في العقول على ثلاثة أقسام واجب وممتنع وجائز.

فالواجب في العقل يأتي السمع بإيجابه تأكيدا له عند من علمه وتنبيها عليه لمن لم يعلمه.

والجائز هو الذي يمكن في العقل حسنه تارة وقبحه تارة كانتفاع الإنسان بما يتملكه غيره فإنه يجوز أن يكون حسنا إذا أذن له فيه مالكه وقبيحا إذا لم يأذن له وكل واحد من القسمين جائز في العقل لا طريق إلى القطع على أحدهما إلا بالسمع.

ومن الأمور التي لا يصل العقل إليها أيضا فيها إلى القطع على العلم بأدوية الأعلال ومواضعها وطبائعها وخواصها ومقاديرها التي يحتاج إليه منها وأوزانها.

فهذا مما لا سبيل للعقل فيه إلى حقيقة العلم وليس يمكن امتحان كل ما في البر والبحر ولا تحسن التجربة والسير لما فيها من الخطر المستقبح.

فعلم أن هذا مما لا غناء فيه عن طارق السمع.

_________________

(١) هم أكثر الهندوس في الهند ينتسبون إلى برهام وهم أهل نحل عديدة ولهم شبهات على إرسال الرسل وإبطال النبوات وتجد شرح مذاهبهم في الملل والنحل.

٢٢٤

وبعد فإن شكر المنعم عندنا وعند البراهمة مما هو واجب في العقل وليس في وجوبه ووجوب تعظيم مبدإ النعمة خلاف وشكر الله تعالى وتعظيمه أوجب ما يلزمنا لعظيم أياديه لدينا وإحسانه إلينا.

ولسنا نعلم بمبلغ عقولنا أي نوع يريده من تعظيمنا له وشكرنا هذا مع الممكن من لطف يكون (١) في نوع من ذلك لنا لا يعلمه إلا خالقنا.

ثم يقال للبراهمة أيضا :

لو لم يكن في العقل القسم الجائز الذي ذكرناه وكانت الأشياء لا تخلو من واجب وممتنع دون ما بيناه لم يستغن مع هذا التسليم عن المرسلين لأنهم ينبهون على طريق الاستدلال المسترشدين ويحركون الخواطر بالتذكار إلى سنن التأمل والاعتبار.

وهذا أمر يدل عليه ما نشاهده من أحوال العقلاء وافتقارهم إلى من يفتح لهم باب الاستدلال أولا.

وفي بعض ما أوردناه بيان عن غلط البراهمة فيما اعتدت ونقض لشبهتها التي ذكرت والحمد لله.

مختصر من الكلام على اليهود في إنكارهم جواز النسخ في الشرع

اعلم أن اليهود طائفتان إحداهما تدعي أن نسخ الشرع لا يجوز في العقل والأخرى تجيز ذلك عقلا وتزعم أن المنع منه ورد به السمع.

فأما المدعون على العقل الشهادة بقبح النسخ فإنهم زعموا أن النسخ هو البداء.

_________________

(١) في العبارة قلق تركيبي وإن كان المراد واضحا.

٢٢٥

قالوا والبداء لا يجوز على الله تعالى.

فيقال لهم لم زعمتم أن النسخ هو البداء؟

فإن قالوا للمتعارف بين العقلاء أن الآمر بالشيء إذا نهى عنه بعد أمره فقد بدا له فيه.

وكذا إذا نهى عن الشيء ثم أمر به من بعد نهيه.

قيل لهم ما تنكرون من أن يكون على هذا قسمين :

أحدهما أن يأمر الآمر بالشيء في وقت وإذا فعل وجاز وقت فعله نهى عنه من بعد فيكون في الحقيقة إنما نهى عن مثله وهذا هو النسخ بعينه وكذلك القول في الأمر بالشيء بعد النهي عنه.

والقسم الآخر أن يأمر بفعل الشيء في وقت فإذا أتى ذلك الوقت نهى عنه فيه بعينه قبل أن يفعل ويكون هذا البداء دون القسم الأول محصل الفرق بين البداء والنسخ ويتضح أن دعواكم فيهما أنهما واحد لم تصح.

فإن قالوا إن العبادة إذا تعلقت على المكلف بأمر أو نهى فالحكمة اقتضتها فمتى تغيرت العبادة دلت على تغيير الحكمة والحكمة لا يجوز تغييرها قيل لهم فألا قلتم إن العبادة إذا ألزمت المكلف فالحكمة اقتضتها لمصلحة من مصالح المكلف أوجبتها فإذا تغيرت العبادة دلت على أن الحكمة اقتضت ذلك لتغير المصلحة والمصلحة يجوز تغييرها.

فإن قالوا إنا لا نعلم في العقل تغيير المصالح.

قيل لهم وكذلك لا تعرفون بالعقل المصالح.

ثم يقال لهم ما السبب في نقل الله تعالى الإنسان من كونه شابا إلى أن صيره شيخا وأفقره ثم أغناه وأماته بعد أن أحياه وكيف أصحه ثم أسقمه وأوجده ثم أعدمه فكيف تغيرت الحكمة في جميع ما عددنا وما أنكرتم أن يكون هذا كله بداء أي اختلاف في المصالح يكون أوضح من هذا؟

٢٢٦

وأما المدعون من اليهود أن إبطال النسخ علم بالسمع دون العقل فإنهم ادعوا في ذلك على موسى عليهم السلام أنه قال :

إن شريعته دائمة لا تنسخ.

والذي يدل على بطلان دعواهم هذه ظهور المعجزات على من أتى بالنسخ ولو كان خبرهم حقا لم يصح إتيان ذي معجز بنسخ.

وهذه المعجزات يعلم أنها قد كانت بمثل ما تعلم له اليهود معجزات موسى عليهم السلام من غير فرق.

فصل في ذكر البداء

اعلم أيدك الله تعالى أن أصحابنا دون المتكلمين يقولون بالبداء ولهم في نصرة القول به كلام ومعهم فيه آثار.

وقد استشنع ذلك منهم مخالفوهم وشنع عليهم به مناظروهم.

وإنما استشنعوه لظنهم أنه يؤدي إلى القول بأن الله تعالى علم في البداء ما لم يكن يعلم فإذا قدر الناصر للبداء على الاحتراز من هذا الموضع فقد أحسن ولم يبق عليه أكثر من إطلاق اللفظ وقد قلنا إن ذلك قد ورد به السمع.

وقد اتفق لي فيه كلام مع أحد المعتزلة بمصر أنا أحكيه لتقف عليه.

حكاية مجلس في البداء

كنت سألت معتزليا حضرت معه مجلسا فيه قوم من أهل العلم فقلت له لم أنكرت القول بالبداء وزعمت أنه لا يجوز على الله تعالى.

فقال لأنه يقتضي ظهور أمر لله سبحانه كان عنه مستورا وفي هذا أنه قد تجدد له العلم بما لم يكن به عالما.

٢٢٧

فقلت له أبن لنا من أين علمت أنه يوجب ذلك وتقتضيه ليسع الكلام معك فيه؟

فقال هذا هو معنى البداء والتعارف يقضي بيننا ولسنا نشك أن البداء هو الظهور ولا يبدو للأمر إلا لظهور شيء تجدد من علم أو ظن لم يكن معه من قبل.

وبيان ذلك أن طبيبا لو وصف لعليل أن يشرب في وقته شراب الورد حتى إذا أخذ العليل القدح بيده ليشرب ما أمره به قال له الطبيب في الحال صبه ولا تشربه وعليك بشرب النيلوفر بدله فلسنا نشك في أن الطبيب قد استدرك الأمر وظهر له من حال العليل ما لم يكن عالما به من قبل فغير عليه الأمر لما تجدد له من العلم ولو لا ذلك لم يكن معنى لهذا الخلاف.

فقلت له هذا مما في الشاهد وهو من البداء فيجوز عندك أن يكون في البداء قسم غير هذا فقال لا أعلم في الشاهد غير هذا القسم ولا أرى أنه يجوز في البداء قسم غيره ولا يعلم.

فقلت له ما تقول في رجل له عبد أراد أن يختبر حاله وطاعته من معصيته ونشاطه من كسله فقال له في يوم شديد البرد سر لوقتك هذا إلى مدينة كذا لتقبض مالا لي بها فأحسن العبد لسيده الطاعة وقدم المبادرة ولم يحتج بحجة فلما رأى سيده مسارعته وعرف شهامته ونهضته شكره على ذلك وقال له أقم على حالك فقد عرفت أنك موضع للصنيعة وأهل للتعويل عليك في الأمور العظيمة أيجوز عندك هذا وإن جاز فهل هذا داخل في البداء أم لا؟

فقال هذا مستعمل ورأينا في الشاهد وقد بدا فيه للسيد وليس هو قسما ثانيا بل هو بعينه الأول هو الذي لا يجوز على الله عزوجل.

فقلت له لم جعلت الجمع بينهما من حيث ذكرت أولى من التفرقة بينهما من حيث كان أحدهما مريدا لإتمام قبل أن يبدو له فيه فينهى عنه وهو

٢٢٨

الطبيب والآخر غير مريد لإتمامه على كل وجه وهو سيد العبد بل كيف لم تفرق بينهما من حيث إن الطبيب لم يجز قط أن يقع منه اختلاف الأمر إلا لتجدد علم له لم يكن وسيد العبد يجوز أن يقع منه النهي بعد الأمر من غير أن يتجدد له علم ويكون عالما بنهضته في الحالين ومسارعته إلى ما أحب وإنما أمره بذلك ليعلم الحاضرون حسن طاعته ومبادرته إلى أمره وأنه ممن يجب اصطفاؤه والإحسان إليه والتعويل في الأمور عليه.

قال فإذا سلمت لك الفرق بينهما فما تنكر أن يكون دالا على أن مثالك الذي أتيت به غير داخل في البداء؟

قلت أنكرت ذلك من قبل أن البداء عندنا جميعا نهى الآمر عما أمر به قبل وقوعه في وقته وإذا كان هذا هو الحد المراعى فهو موجود في مثالنا وقد أجمع العقلاء أيضا على أن السيد فيه قد بدا له فيما أمر به عبده.

قال فإذا دخل القسمان في البداء فما الذي تجيز على الله تعالى منهما؟

فقلت أقربهما إلى قصة إبراهيم الخليل عليهم السلام وأشبههما لما أمر الله تعالى في المنام بذبح ولده إسماعيل عليهم السلام فلما سارع إلى المأمور راضيا بالمقدور وأسلما جميعا صابرين وتله للجبين نهاه الله عن الذبح بعد متقدم الأمر وأحسن الثناء عليهما وضاعف لهما الأجر.

وهذا نظير ما مثلت من أمر السيد وعبده وهو النهي عن المأمور به قبل وقوع فعله.

قال فمن سلم لك أن إبراهيم عليهم السلام مأمور بذلك من قبل الله سبحانه؟

قلت سلمه لي من يقر بأن منامات الأنبياء عليهم السلام صادقة ويعترف بأنها وحي الله في الحقيقة وسلمه لي من يؤمن بالقرآن ويصدق ما فيه من الأخبار.

وقد تضمن الخبر عن إسماعيل أنه قال لأبيه (يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) وقول الله تعالى لإبراهيم (قَدْ صَدَّقْتَ

٢٢٩

الرُّؤْيا) (١) وثناؤه عليه حيث قال (كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) وليس بمحسن من امتثل غير أمر الله تعالى في ذبح ولده وهذا واضح لمن أنصف من نفسه.

قال فإني لا أسمي هذا بداء

فقلت له ما المانع لك من ذلك أتوجه الحجة عليك به أم مخالفته للمثال المتقدم ذكره؟

فقال يمنعني من أن أسميه البداء أن البداء لا يكشف إلا عن متجدد علم لمن بدا له وظهوره له بعد ستره وليس في قصة إبراهيم وإسماعيل عليهم السلام ما يكشف عن تجدد علم الله سبحانه ولا يجوز ذلك عليه فلهذا قلت إنه ليس ببداء.

فقلت له هذا خلاف ما سلمته لنا من قبل وأقررت به من أن سيد العبد يجوز أن يأمره بما ذكرناه ثم يمنعه مما أمره به وينهاه مع علمه بأنه يطيعه في الحالين لغرضه في كشف أمره للحاضرين.

ثم يقال لك ما تنكر من إطلاق اللفظ بالبداء في قصة إبراهيم وإسماعيل عليهم السلام لأنها كشفت لهما عن علم متجدد ظهر لهما كان ظنهما سواه وهو إزالة هذا التكليف بعد تعلقه والنهي عن الذبح بعد الأمر به.

قال أفتقول إن الله تعالى أراد الذبح لما أمر به أم لم يرده؟

واعلم أنك إن قلت إنه لم يرده دخلت في مذاهب المجبرة لقولك إن الله تعالى أمر بما لا يريده.

وكذلك إن قلت إنه أراده دخلت في مذهبهم أيضا من حيث إنه نهي عما أراده فما خلاصك من هذا؟

فقلت له هذه شبهة يقرب أمرها والجواب عنها لازم لنا جميعا لتصديقنا بالقصة وإقرارنا بها.

وجوابي فيها أن الذبح في الحقيقة هو تفرقة الأجزاء ثم قد تسمى الأفعال

_________________

(١) الصافّات : ١ ٠٥.

٢٣٠

التي في مقدمات الذبح مثل القصد والإضجاع وأخذ الشفرة ووضعها على الحلق ونحو ذلك ذبحا مجازا واتساعا.

ونظير ذلك أن الحاج في الحقيقة هو زائر بيت الله تعالى على منهاج ما قررته الشريعة من الإحرام والطواف والسعي.

وقد يقال لمن شرع في حوائجه لسفره في حجه من قبل أن يتوجه إليه إنه حاج اتساعا ومجازا.

فأقول إن مراد الله تعالى فيما أمر به لخليله إبراهيم عليهم السلام من ذبح ولده أنما كان مقدمات الذبح من الاعتقاد أولا والقصد ثم الاضطجاع للذبح ترك الشفرة على الحلق وهذه الأفعال الشاقة التي ليس بعدها غير الإتمام بتفرقة أجزاء الحلق.

وعبر عن ذلك بلفظ الذبح ليصح من إبراهيم عليهم السلام الاعتقاد له والصبر على المضض فيه الذي يستحق جزيل الثواب عليه.

ولو فسر له في الأمر المراد على التعيين لما صح منه الاعتقاد للذبح ولا كان ما أمر به شاقا يستحق عليه الثناء والمدح وعظيم الأجر.

والذي نهى الله تعالى عنه هو الذبح في الحقيقة وهو الذي لم يبق غيره ولم تتعلق الإرادة قط به فقد صح بهذا أن الله تعالى لم يأمر بما لا يريد ولا نهى عما أراد والحمد لله.

قال الخصم فقد انتهى قولك إلى أن الذي أمر به غير الذي نهى عنه وليس هذا هو البداء.

فقلت له أما في ابتداء الأمر فما ظن إبراهيم عليهم السلام إلا أن المراد هو الحقيقة.

وكذلك كان ظن ولده إسماعيل عليهم السلام فلما انكشف بالنهي لهما ما علماه مما كان ظنهما سواه كان ظاهره بداء لمشابهته لحال من يأمر بالشيء وينهى عنه بعينه في وقته وليستسلمه على ظاهر الأمر دون باطنه فلم يرد على ما ذكرت شيئا.

٢٣١

وهذا الذي اتفق لي من الكلام في البداء.

مسألة :

فإن قال قائل ما تقولون في الذبيح ومن كان من ولدي إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم أكان إسماعيل أم إسحاق عليهم السلام؟

قلنا الذبيح عندنا هو إسماعيل وبهذا يشهد ظاهر القرآن والخبر المأثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

أما القرآن فإن الله تعالى قال حكاية عن إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم :

(رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) الصافات : ١٠٠

فأخبر عن سؤاله في الولد قال الله تعالى :

(فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) الصافات : ١٠١

ثم أخبر عن حال هذا الغلام فقال :

(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ). الصافات : ١٠٢

فوصف قصة الذبح المختصة بهذا الغلام إلى قوله :

(إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ). الصافات : ١٠٥

ثم قال بعد ذلك :

(وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) الصافات : ١١٢

فأعلمنا أن إسحاق أنما أتاه بعد الولد الأول الذي أجيبت فيه دعوته ورأى في المنام أنه يذبحه.

وهذا يدل على أنه غير إسحاق وليس غيره ممن ينسب هذا إليه إلا إسماعيل عليهم السلام.

وأما الخبر المأثور فقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا ابن الذبيحين (١)

_________________

(١) انظر أعلام النبوّة للماوردي صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٤٣

٢٣٢

يعني إسماعيل وعبد الله بن عبد المطلب ولو كان الذبيح إسحاق لما صح هذا الخبر على ظاهره لأنه ليس هو ابنه وهو ابن إسماعيل عليهم السلام.

فصل

جاء في الحديث أن الله تعالى بعث إلى عبد المطلب في منامه ملكا فقال له يا عبد المطلب احفر زمزم قال وما زمزم قال تراث أبيك آدم عليهم السلام وجدك الأقدم عند الفرث والدم عند الغراب الأعصم.

وأن عبد المطلب رأى ذلك في منامه ثلاث ليال متواليات وأصبح اليوم الرابع فقعد عند البيت الحرام فبينا هو قاعد إذا بقرة قد أفلتت من بعض الجزارين في أعلى الأبطح من وثاقها حتى جاءت إلى موضع زمزم فوقفت هناك فجزرت مكانها وسقط غراب أعصم على الفرث والدم.

والأعصم هو الذي إحدى رجليه بيضاء.

فقال عبد المطلب هذا تأويل رؤياي فحفرها في موضعها فصعب عليه الحفر فقال اللهم إن لك على نذرا أن أتقرب ببعض ولدي إن أنبطت لي الماء.

فلما نبع الماء عزم على أن يقرب بعض ولده فجاء بنو مخزوم وسائر قريش فقالوا له أقرع بين ولدك فخرجت القرعة على عبد الله فقال بنو مخزوم له افد ولدك بمالك فأقرع بينه وبين عشرة من الإبل فخرجت القرعة على عبد الله فجعلها عشرين وقرع بينه وبينها فخرجت القرعة على عبد الله فما زال كذلك حتى صارت الإبل مائة.

وفي حديث آخر أنها بلغت ألفا وهي دية الملوك فعند ذلك وقعت القرعة على الإبل فقربها فجعلها هديا.

أخبرني شيخي أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله رضي الله عنه قال أخبرني أبو محمد هارون بن موسى قال أخبرني محمد بن همام عن أبي محمد الحسن بن

٢٣٣

جمهور قال حدثني أبي قال حدثني الحسن بن محبوب عن علي بن رباب عن مالك بن عطية قال :

لما حفر عبد المطلب بن هاشم زمزم وأنبط منها الماء أخرج منها غزالين من ذهب وسيوفا وأدراعا فجعل الغزالين زينة للكعبة وأخذ السيوف والدروع وقال هذه وديعة كان أودعها مضاض الجرهمي بن الحرث بن عمرو بن مضاض.

والحارث هو الذي يقول (٢) :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس ولم يسمر بمكة سامر

بلى نحن كنا أهلها فأبادنا

صروف الليالي والجدود العواثر (٣)

ويمنعنا من كل فج نريده

أقب كسرحان الإباءة ضامر (٤)

وكل لجوج في الجراء طمرة

كعجزاء فتحاء الجناحين كاسر

والقصيدة طويلة (٥)

فحسدته قريش بذلك فقالوا نحن شركاؤك فيها فقال هذه فضيلة نبئت بها دونكم في منامي ثلاث ليال تباعا

_________________

(١) يكنى بأبي الحسن ، وهو من رواة الشيعة الكوفيين الثقات روى عن الصادق والكاظم. وله عدة كتب توفي (سنة ٢٢٤ ه).

(٢) في السيرة لابن هشام أن القائل هو عمرو بن الحرث بن عمرو بن مضاض وليس بمضاض الأكبر.

(٣) ذكر البيتين مع أبيات غيرهما لم يذكرهما المؤلّف ، في مروج الذهب ج ٢ صلى الله عليه وآله وسلم ٤٩.

(٤) الأباءة أجمة القصب.

(٥) تجد القسم الكبير من هذه القصيدة في سيرة ابن هشام ج ١ صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٢٦ = ١ ٢٨ وهي متضمنة لبعض الأبيات التي ذكرها المؤلّف.

٢٣٤

فقالوا حاكمنا إلى من شئت من حكام العرب فخرجوا إلى الشام يريدون أحد كهانها وعلمائها فأصابهم عطش شديد فأوصى بعضهم إلى بعض فبينا هم على ذلك إذ بركت ناقة عبد المطلب فنبع الماء من بين أخفافها فشربوا وتزودوا وقالوا لعبد المطلب إن الذي سقاك في هذه الأودية القفر هو الذي سقاك بمكة فرجعوا وسلموا له هذه المأثرة. (١)

بيان عن قول النصارى ومسألة عليهم لا جواب لهم عنها

اعلم أنهم يزعمون أن المسيح عليهم السلام مجموع من شيئين لاهوت وناسوت يعنون باللاهوت الله سبحانه وتعالى عما يقولون وبالناسوت الإنسان وهو جسم المسيح أن هذين اتحدا فصارا مسيحا.

ومعنى قولهم اتحدا أي صارا شيئا واحدا في الحقيقة وهو المسيح.

فيقال لهم أنتم مجمعون معنا على أن الإله قديم وأن الجسم محدث وقد زعمتم أنهما صارا واحدا.

فما حال هذا الواحد أقديم أم محدث؟

فإن قالوا هو قديم

قيل لهم فقد صار المحدث قديما لأنه من مجموع شيئين أحدهما محدث.

وإن قالوا هو محدث

قيل لهم فقد صار القديم محدثا لأنه من مجموع شيئين أحدهما قديم.

وهذا ما لا حيلة لهم فيه وليس يتسع لهم أن يقولوا بعضه قديم وبعضه محدث لأن هذا ليس باتحاد في الحقيقة ولا أن يقولوا هو قديم محدث لتناقض ذلك واستحالته ولا أن يقولوا ليس هو قديم ولا محدث فظاهر فساد ذلك أيضا وبطلانه.

_________________

(١) تجد قصة حفر زمزم ومنازعة قريش لعبد المطلب مروية في سيرة ابن هشام ج (١) صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٥٤ = ١ ٥٨ بروايته عن عليّ عليه السلام مختلفة في أسلوبها عن رواية الكراجكيّ ومتفقة معها في المضمون.

٢٣٥

وهذا كاف في إبطال الاتحاد (١) الذي ادعوه.

وقد سألهم بعض المتكلمين فقال :

إذا كنتم تعبدون المسيح والمسيح إله وإنسان فقد عبدتم الإنسان وعبادة الإنسان كفر بغير اختلاف.

مسألة أخرى عليهم

قال لهم إذا كان المسيح عندكم من مجموع شيئين إله وإنسان فأخبرونا عن القتل والصلب على ما ذا وقع أتقولون إنه وقع بهما أم بأحدهما فإن قالوا بهما قيل لهم ففي هذا أن الإله ضرب وصلب وقتل ودفن وهي فضيحة لا ينتهي إليها ذو عقل.

وإن قالوا بل وقع ذلك على أحدهما وهو الناسوت لأن اللاهوت لا يجوز عليه هذا.

قيل لهم فإذا قد صح مذهب المسلمين في أنهم ما قتلوا المسيح ولا صلبوه لأن المسيح عندكم ليس هو الناسوت بانفراده وإنما هو مجموع شيئين لم يظفر اليهود إلا بأحدهما الذي ليس هو المسيح.

مسألة أخرى عليهم

يقال لهم أيجوز أن يكون جسم متحرك وشخص آكل شارب تحله الأعراض الحادثات وتناله الآلام والآفات قديما؟

فإن قالوا يجوز ذلك لم يأمنوا أن يكون ناسوتا قديما.

وإن قالوا لا يجوز ذلك

قيل لهم فالمسيح عليهم السلام كانت فيه هذه الصفات معلومات مرئيات.

فإن أنكروا ذلك كابروا وقبح (٢) معهم الكلام.

_________________

(١) في النسخة : الإلحاد

(٢) في النسخة (وأقبح).

٢٣٦

وإن أقروا به وقالوا (١) قد كان على هذه الصفات.

قيل لهم فقد صح حدوثه وبطل قدمه وحصلتم عابدين لبشر مخلوق مربوب.

فإن قالوا إنما رأينا ناسوته المحدث ولم نر لاهوته القديم.

قيل لهم أوليس من مذهبكم أنهما اتحدا وصارا شيئا واحدا؟

فإذا قالوا نعم.

قيل لهم فيجب أن يكون من رأى أحدهما فقد رآهما وإن لم يكن الأمر كذلك فما اتحدا.

فصل آخر من قولهم وكلام عليهم

هم يذهبون إلى أن إلههم من ثلاثة أقانيم والأقنوم عندهم هو الجوهر يعنون الأصل فالثلاثة الجواهر عندهم إله واحد ويسمون هذه الثلاثة الأب والابن والروح.

فيقال لهم إذا جاز أن يكون عندكم ثلاثة أقانيم إلها واحدا فلم لا يجوز أن يكون ثلاثة آلهة أقنوما واحدا ويكون ثلاثة فاعلين جوهرا واحدا فما أبطلوا به هذا بطل به قولهم سواء.

فصل من قولهم

وقد احتجوا فقالوا وجدنا من له ابن أشرف وأفضل ممن لا ابن له ومن لا ابن له ناقص.

قالوا وكذلك وجدنا من لا حياة له ميت والروح هي الحياة فوجب أن تصف إلهنا بالشرف والكمال ووجود الحياة.

فيقال لهم فقولوا إن له بنين عدة فإن ذلك أكثر لشرفه وأسنى لمنزلته

_________________

(١) في النسخة (وقال)

٢٣٧

بل قولوا إن له نسلا وإن له جدا لأن من له ابن ابن أجل ممن ليس له إلا ابن فقط.

وإذا أوجبتم الروح التي زعمتم أنها الحياة لئلا يكون ميتا فأوجبوا له علما لئلا يكون جاهلا وقدرة لئلا يكون عاجزا قولوا أيضا إن له عينين ليكون ناظرا أو جميع الحواس ليكون مدركا.

فإن قالوا إن كان له ما ذكرتم لما اتحد بالناسوت فصار مسيحا.

قيل لهم بل يجب أن يكون له فيما لم يزل وإلا كان ناقصا.

فصل من الألفاظ التي يقرون أن المسيح عليهم السلام قالها وهي دالة على بطلان مذهبهم فيه

قوله عليهم السلام في الإنجيل

لا يكون الرسول أعظم ممن أرسله.

وقوله

من آمن بي وآمن بالذي أرسلني.

وقوله :

يا إلهي قد علموا أنك أنت الله وحدك لا شريك لك وأنك أنت الله الخالق وأنك أنت أرسلت المسيح عيسى ليبلغ رسالتك وأن نعبدك وحدك لا شريك لك.

وقال له الحواريون أين تذهب وتدعنا فقال :

أذهب إلى إلهي وإلهكم فأسأله أن يبعث إليكم البرقليط (١) فإنه الذي

_________________

(١) وردت كلمة (فارقليط) و (بارقليطا) في إنجيل يوحنا في ثلاث آيات.

١ ـ يوحنا ١ ٤ : ١ ٦

«وأنا أسأل الأب (الخالق) فيعطيكم فارقليطا آخر ، ليقيم معكم إلى الأبد».

٢ ـ يوحنا ١ ٥ : ٢٦

ومتى جاء بارقليطا سأرسله أنا إليكم من عند الأب (الخالق) روح الحق الذي من عند الخالق ينبثق ، فهو يشهد لي ، وتشهدون أنتم أيضا لأنكم معي من الابتداء.». =

٢٣٨

يذكركم الحق ولا يتكلم إلا بأمره وإذا جاءكم فهو يشهد لي ويبين لكم أمري.

وزعموا أن الشيطان جرب المسيح وأراه ملكوت الأرض وقال له هذا كله لي فاسجد لي سجدة واحدة أعطكه وأسلطك عليه فقال له :

اعزب عني فإن الله أمرني أن لا أسجد لغيره.

وقال الحواريون الآن علمنا أن الله بعثك فرفع عينه إلى السماء فقال :

رب قد بلغت رسالتك وإنما جنة الخلد لمن علم أنك وحدك أرسلت المسيح من عندك وقد أمرتهم يا إلهي بالذي أمرتني به علموا أنك أرسلتني فكيف أبتغي لك من الناس ولا أبتغي للناس منك.

فصل

فإن قالوا هذا كله إنما قاله المسيح من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته.

قيل لهم وما يدريكم ذلك وبعد فهل هو صادق فيما قال أم كاذب.

فإن قالوا كاذب فقد أعظموا الغرية.

وقيل لهم وما يؤمنكم أن يكون جميع ما قاله لكم كذب أو كيف يتحد الإله الصادق بالإنسان الكاذب؟

وإن قالوا إنه لم يقل إلا حقا.

قيل لهم فأي حجة بقيت في أيديكم مع ما أقررتم بأن المسيح قاله وصدق فيه؟

_________________

= ٣ ـ يوحنا ١ ٦ : ٧

«لكني أقول لكم الحق أنّه خير لكم أن أنطلق لأنّه إن لم أنطلق لا يأتيكم بارقليطا ولكن إن ذهبت أرسله لكم».

وكلمة فارقليط وبارقليطا ، تعنيان من له حمد كثير كمحمد وأحمد. وتجد البحث ضافيا على هذه الكلمة في كتاب إظهار الحق للهندي. انظر البشارة الثامنة عشر صلى الله عليه وآله وسلم ٥٣٨ وما بعدها ، وتجد بحثا عنها في كتاب : رسول الإسلام في الكتب السماوية للدكتور محمّد الصادقي من ١٤٦ وما بعدها.

٢٣٩

وهل هو إلا دال على ما يقول المسلمون.

وقد احتجوا بأن في الإنجيل :

أمضي إلى أبي.

فيقال لهم في هذا إنه شارككم بهذا اللفظ في النبوة فإن وجب أن يكون ابنه فالجميع أبناؤه.

على أنه لفظه يحتمل التأويل ويكون معناه ربي وربكم وإلهي وإلهكم.

وفي هذا المختصر من الكلام عليهم كفاية والحمد لله.

رسالة كتبتها إلى أحد الإخوان وسميتها بالبيان عن جمل اعتقاد أهل الإيمان

(بسم الله الرحمن الرحيم).

سألت يا أخي أسعدك الله بألطافه وأيدك بإحسانه وإسعافه أن أثبت لك جملا من اعتقادات الشيعة المؤمنين وفصولا في المذهب يكون عليها بناء المسترشدين لتذاكر نفسك بها وتجعلها عدة لطالبها وأنا أختصر لك القول وأجمله وأقرب الذكر وأسهله وأورده على سنن الفتيا في المقالة من غير حجة ولا دلالة (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ).

اعلم أن الواجب على المكلف

أن يعتقد حدوث العالم بأسره وأنه لم يكن شيئا قبل وجوده.

ويعتقد أن الله تعالى هو محدث جميعه من أجسامه وأعراضه إلا أفعال العباد الواقعة منهم فإنهم محدثوها دونه سبحانه.

ويعتقد أن الله تعالى قديم وحده لا قديم سواه وأنه موجود لم يزل وباق لا يزال وأنه شيء لا كالأشياء لا يشبه الموجودات ولا يجوز عليه ما يجوز على المحدثات.

٢٤٠