كنز الفوائد - ج ١

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي

كنز الفوائد - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي


المحقق: الشيخ عبدالله نعمه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩١
الجزء ١ الجزء ٢

وبيان ذلك أنهم إذا سمعوا القرآن الوارد على يده الذي قد جعله علما على صدقه ورأوا قصور العرب عن معارضته وعجزهم عن الإتيان بمثله قالوا إنه كان قد فاق بجميع البلغاء في البلاغة وزاد على سائر الفصحاء في الفصاحة قصر عن مساواته في ذلك الناس كافة ففضلوه بهذا على الخلق أجمعين وقدموه على العالمين.

فإذا تأملوا ما في القرآن من أخبار الماضين والذاكرين وأعاجيب السالفين وذكر شرائع الأنبياء المتقدمين قالوا قد كان أعرف عباد الله بأخبار الناس وأعلمهم بجميع ما حدث وكان في سالف الأزمان قد أحاط بنبإ الغابرين وحفظ جميع علوم الماضين ففضلوه بهذه الرتبة على الخلق أجمعين وأوجبوا له التقدم على العالمين.

فإذا رأوا ما تضمنه القرآن من عجيب الفقه والدين وبدائع عبادات المكلفين وترتيب الفرائض وانتظامها وحدود الشريعة وأحكامها قالوا قد كان أحكم أهل زمانه وأفضلهم وأبصرهم بأنواع الحكم وأعلمهم ولم يكن خلق في ذلك يساويه ولا بشر يدانيه ففضلوه بذلك أيضا على الخلق أجمعين وأوجبوا له التقدم على العالمين.

فإذا علموا ما في القرآن من الإخبار بالغائبات وتقديم الإعلام بمستقبل الكائنات وسمعوا ما تواترت به الأخبار من إنبائه لكثير من الناس بما في نفوسهم وإظهاره في الأوقات لمغيب مستورهم قالوا قد كان أعرف الناس بأحكام النجوم وأبصرهم بما تدل عليه في مستأنف الأمور وإن لم يظهر معرفته بها لأمته ونهاهم عن الاطلاع فيها لينتظم له حال نبوته وأنه كان معولا عليها مستندا في أموره إليها قوله لا يخرم وإخباره بالشيء لا يختلف يعلم الحوادث والضمائر ويطلع على الخبايا والسرائر ولا يخفى عليه أوقات المساعد ... (١) ولم يكن أحد يعثره (٢) في ذلك ففضلوه بهذا أيضا على الخلق أجمعين وأوجبوا له التقدم على العالمين.

_________________

(١) هنا كلمة غير واضحة.

(٢) هكذا في النسخة وهي غير واضحة المعنى.

٢٠١

فإذا قيل لهم فما تقولون في المأثور من معجزاته والمنقول من جرائحه (١) وآياته الخارقة للعادة التي أقام بها الحجة قال المسلمون منهم لذلك المتعاطون لإخراج معناه كان أعرف الناس بخواص الموجودات وأسرار طبائع الحيوان والحوادث فيظهر من ذلك للناس ما يتحير له من رآه لقصوره عن إدراك سببه ومعناه ففضلوه بهذا أيضا على الخلق أجمعين وأوجبوا له التقدم على العالمين.

وقد سمعنا في بعض الأحاديث أن أحد السحرة قال لموسى عليهم السلام إن هذه العصا من طبيعتها أن تسعى إذا ألقيت وتتشكل حيوانا إذا رميت وخاصية لها بسبب فيها.

فقال له موسى على نبينا وعليه‌السلام فخذها أنت وارمها قالوا فأخذها الساحر ورماها فما تغيرت عن حالها فأخذها موسى ورماها فصارت حية تسعى.

فقال الساحر ليس السر في العصا وإنما السر فيما ألقاها آمنت بإله موسى.

أفترى لو أخذ أحد المشركين الحصى الذي سبح في كف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتركه في يده أكان يسبح أيضا فيها أم ترى أحدهم لو أشار بيده إلى الشجرة التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتت لكانت تأتيه أيضا إذا أومأ إليها وأن هذه الأشياء تفعل بالطبع كما يفعل حجر المغناطيس في الحديد الجذب كلا والحمد لله ما يتصور هذا عاقل فإذا نظروا حسن تمام النظر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانتظام مراده الذي قصده وأنه نشأ بين قوم يتجاذبون العز والمنعة ويتنافسون في التقدمة والرفعة ويأنفون من العار والشنعة ولا يعطون لأحد إمرة ولا طاعة فلم يزل بهم حتى قادهم إلى أمره وساقهم إلى طاعته واستعبدهم (٢) بما لم يكونوا عرفوه وأمرهم بهجران ما ألفوه إلى أن

_________________

(١) كذا في النسخة.

(٢) أي تعبّدهم.

٢٠٢

صاروا يبذلون أنفسهم دون نفسه ويسلمون لقوله ويأتمون لأمره من غير أن كان له ملك خافوه ولا مال أملوه تفتح له البلاد وأذعن له ملوك العباد ونفذ أمره في الأنفس والأموال والحلائل والأولاد.

قالوا إنما تم له ذلك لأنه فاق العالمين بكمال عقله وحسن تدبيره ورأيه ولم يكن ذلك في أحد غيره ففضلوه بهذا أيضا على الخلق أجمعين وأوجبوا له التقدم على العالمين.

فإذا سمعوا المشتهر من عدله ونصفته وحسن سيرته في أمته ورعيته وأنه كان لا يكلف أحدا شيئا في ماله وإذا حصلت المغانم فرقها في أمته وقنع في عيشه بدون كفايته هذا مع سخاوته وكرمه وإيثاره على نفسه ووفائه بوعده وصدق لهجته واشتهاره منذ كان بأمانته وشريف طريقته وحسن عفوه ومسامحته وجميل صبره وحلمه قالوا كان أزهد الناس وأعلاهم قدرا في العدل والإنصاف ولا طريق إلى إنكار إحاطته بالفضائل الكرام والمناقب العظام ففضلوه في جميع هذه الأمور على الخلق أجمعين وأوجبوا له التقدم على العالمين.

فإذا قيل لهم فهذه العلوم العظيمة متى أدركها وفي أي زمان جمعها وتلقطها وأي قلب يعيها ويحفظها وهل رأى بشر قط من يحيط بجميع الفضائل ويتقدم العالمين كافة في جميع المناقب ويكون أوحد الخلق في كمال العقل والتمييز وثاقب الرأي والتدبير مع نزاهة النفس وصفائها (١) وجلالها وشرفها وزهدها وفضلها وجودها وبذلها.

قالوا كانت له سعادات فلكية وعطايا نجومية فاق بها على جميع البرية.

قيل لهم فمن يكون بهذا الوصف العظيم والمحل الجليل كيف يستجيز عاقل مخالفته أو يسوغ له مباينته وبمن يقتدى أفضل منه ومتى يكون مصيبا في الانصراف عنه.

_________________

(١) في النسخة وصلفها.

٢٠٣

بل كيف لا يرضى بعقل أعقل الناس ويؤخذ العلم من أعلم الناس ويقتبس الحكمة من أحكم الناس؟

وما الفرق بينكم في قولكم إن هذه العطايا التي حصلت له إنما كانت فلكية ونجومية وبيننا إذا قلنا إلهية ربانية؟

وبعد فكيف يستجيز من يكون بهذا العقل الكامل والفضل الشامل والورع الظاهر والزهد الباهر والشرف العريق واللسان الصدوق أن يكذب على خالق السماوات والأرضين فيقول للناس أنا رسول رب العالمين ويدعي هذا المقام الجليل ويكون بخلاف ما يقول؟

وكيف تلائم صفاته التي سلمتموها لهذه الحال التي ادعيتموها فدعوا المناقضة والمكابرة وأثبتوا على ما أقررتم به في المناظرة فكلامكم لازم لكم وقولكم حجة لكم عليكم قد أقررتم بالحق وأنتم راغمون والتجأتم إلى ما هربتم منه وأنتم صاغرون.

واعلموا أن من باين المسعود كان منحوسا ومن خالف العاقل العالم كان جاهلا غبيا ومن كذب الصادق كان هو في الحقيقة كاذبا والحمد لله مقيم الحجة على من أنكرها وموضح الحجة لمن آثرها.

فصل مما في التوراة يتضمن البشارة بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم وبأمته المؤمنين

في التوراة مكتوب إذا جاءت الأمة الأخيرة تتبع راكب البعير يسبحون الرب تسبيحا جديدا في الكنائس الجدد فليفرح بنو إسرائيل ويسيروا إلى صهيون ولتطمئن قلوبهم لأن الله اصطفى منهم في الأيام الأخيرة أمما جديدة يسبحون الله بأصوات عالية بأيديهم ذات شفرتين فينتقمون لله من الأمم الكافرة في جميع أقطار الأرض.

فمن ترى راكب البعير غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن الأمم الأخيرة المسبحة تسبيحا جديدا غير أمته؟

٢٠٤

ومن الذين أتوا وفي أيديهم السيوف غير ناصريه والمتبعين لدعوته؟

وفي التوراة أيضا مكتوب في السفر الخامس :

الرب ظهر فتجلى على سنين وأشرف على جبل ساعير وأشرف من جبل فاران وأتى من ربوات القدس من يمينه نار شريعة لهم. (١)

وجبال فاران جبال مكة وظهور الرب أنما هو ظهور أمره.

فصل في الإنجيل

وفي الإنجيل اليوم مكتوب :

ابن البشر ذاهب والفارقليط أتى من بعده وهو الذي يجلي لكم الأسرار ويعيش لكم كل شيء وهو يشهد لي كما شهدت له فإني أنا جئتكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل.

ومن قول شعيا النبي عليهم السلام :

قال لي إله إسرائيل أقم على المنظرة فانظر ما ذا ترى فإذا رأيت راكبين يسيران أضاءت لهما الأرض أحدهما على حمار والآخر على جمل فقال ويل لبابل كل صنم بها يكسر ويضرب به الأرض.

ومن قول يوشع النبي عليهم السلام :

رأيت راكبين يسيران أضاءت لهما الأرض أحدهما على حمار والآخر على جمل.

فراكب الحمار عيسى عليهم السلام وراكب الجمل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن قول دانيال النبي عليهم السلام :

جاء الله بالبيان من جبل فاران وامتلأت السماوات والأرض من تسبيح محمد وأمته

_________________

(١) سفر التثنية ٣٣ : ١ = ٣ باختلاف في بعض ألفاظه حسب الترجمة انظر : إظهار الحق للهندي هامش المعلق صلى الله عليه وآله وسلم ٥١ ٧.

٢٠٥

وقال أيضا :

يأتينا كتاب جديد بعد خراب بيت المقدس فما الكتاب الجديد إلا القرآن.

ومن قول داود عليهم السلام :

اللهم ابعث إلينا مقيم السنة بعد الفترة

فمن أقامها غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

ومن ذلك تأويل دانيال لرؤيا بخت نصر ملك بابل حيث قال :

رأيت في المنام صنما رأسه من ذهب وصدره وذراعاه من فضة بطنه وفخذاه من نحاس وركبتاه وساقاه من حديد وفيه خلط قليل من فخار.

ثم رأيت بعد ذلك حجرا انقطع من جبل عظيم بغير يد إنسان فضرب ذلك الصنم الذي فيه الصور الكثيرة فكسره ثم جعله مثل الرماد في يوم ريح ثم عظم الحجر بعد ذلك حتى رأيت الأرض قد امتلأت منه.

فقال له دانيال :

أما الصنم الذي فيه الصور الكثيرة فهم الملوك الذين مضوا في سائر الأحقاب والذين يكونون على مر الأيام.

وأما الحجر الذي يجيء في آخر الزمان خاتم الأنبياء وأما امتلاء الأرض منه فهم الذين يتبعونه ويؤمنون به. (١)

فصل من أخبار الوافدين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للإسلام وما رأوه قبل قدومهم من الأعلام وما شاهدوه من أحوال الأصنام

فمن ذلك خبر أهبان بن أنس الأسلمي.

روي أن ذئبا شد على غنم لأهبان بن أنس فأخذ منها شاة فصاح به

_________________

(١) انظر : إظهار الحق صلى الله عليه وآله وسلم ٥٣٠ البشارة الحادية عشرة في الإصحاح الثاني من سفر دانيال مع اختلاف حسب الترجمة.

٢٠٦

فخلاها ثم نطق الذئب فقال أهبان سبحان الله ذئب يتكلم فقال الذئب أعجب من كلامي أن محمدا يدعو الناس إلى التوحيد بيثرب ولا يجاب.

فساق أهبان غنمه وأتى المدينة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما رآه فقال خذ هذه غنمي طعمة لأصحابك.

فقال أمسك عليك غنمك فقال لا والله لا أسرحها أبدا بعد يومي هذا.

فقال اللهم بارك عليه وبارك له في طعمته فأخذها أهل المدينة فلم يبق في المدينة بيت إلا أناله منها. (١)

وخبر ذباب

ذكروا أنه كان لسعد العشيرة صنم يقال له فراص وكانوا يعظمونه وكان سادنه رجل من بني أنس الله بن سعد العشيرة يقال له ابن وقشة فحدث رجل من بنى أنس الله يقال له ذباب بن الحرث بن عمرو قال كان لابن وقشة ربيء من الجن يخبر بما يكون فأتاه ذات يوم فأخبره قال فنظر إلي وقال يا ذباب أسمع العجب العجاب بعث أحمد بالكتاب يدعو بمكة لا يجاب.

قال فقلت ما هذا الذي تقول؟

قال ما أدري هكذا قيل لي.

قال فلم يكن إلا قليل حتى سمعنا بخروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقام ذباب إلى الصنم فحطمه ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم على يده وقال بعد إسلامه

تبعت رسول الله إذ جاء بالهدى

وخلفت فراصا بأرض هوان

_________________

(١) ذكر قصة أهبان أبو الحسن الماوردي في أعلام النبوّة صلى الله عليه وآله وسلم ٩٤ ، مختلفة في أسلوبها ببعض الاختلاف وفيها بدل المدينة مكّة وليس فيها قوله سبحان اللّه وذكر قصة أخرى مماثلة وقعت مع عمير الطائي رواها عن أبي سعيد الخدري.

٢٠٧

شددت عليه شدة فتركته

كأن لم يكن والدهر ذو حدثان

ولما رأيت الله أظهر دينه

أجبت رسول الله حين دعاني

فمن مبلغ سعد العشيرة أنني

شريت الذي يبقى بآخر فان

 وخبر زمل بن عمرو العدوي

روي أنه كان لبني عذرة صنم يقال له حمام وكانوا يعظمونه وكان في بنى هند بن حزام وكان سادنه رجل منهم يقال له طارق وكان يعقرون عنده العقائر.

قال زمل بن عمرو العدوي فلما ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمعنا منه صوتا وهو يقول يا بنى هند بن حزام ظهر الحق وأودى حمام ودفع الشرك بالإسلام.

قال ففزعنا لذلك وهالنا فمكثنا أياما ثم سمعنا صوتا آخر وهو يقول :

يا طارق بعث النبي الصادق بوحي ناطق صدع صادع بأرض تهامة لناصريه السلامة ولخاذليه الندامة هذا الوداع إلى يوم القيامة ثم وقع الصنم لوجهه. (١)

قال زمل فخرجت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعي نفر من قومي فأخبرناه بما سمعناه فقال ذلك كلام مؤمن من الجن.

ثم قال يا معشر العرب إني رسول الله إلى الأنام كافة أدعوكم إلى عبادة الله وحده وإني رسوله وعبده وأن تحجوا البيت وتصوموا شهرا من اثني عشر شهرا وهو شهر رمضان فمن أجابني فله الجنة نزلا وثوابا ومن عصاني كانت له النار منقلبا وعقابا.

_________________

(١) ورد هذا الخبر مختصرا في مناقب آل أبي طالب ج ١ صلى الله عليه وآله وسلم ٧٧.

٢٠٨

قال فأسلمنا وعقد لي لواء وكتب لي كتابا فقال زمل عند ذلك :

إليك رسول الله أعلمت نصها

أكلفها حزنا وفوزا من الرمل

لأنصر خير الناس نصرا مؤزرا

وأعقد حبلا من حبالك في حبلي

وأشهد أن الله لا شيء غيره

أدين له ما أثقلت قدمي نعلي

خبر عمرو بن مرة الجهني :

ذكروا أن عمرو بن مرة كان يحدث فيقول :

خرجت حاجا في الجاهلية في جماعة من قومي فرأيت في منامي وأنا في الطريق كان نورا قد سطع من الكعبة حتى أضاء إلى نخل يثرب وجبلي جهينة الأشعر والأجرد وسمعت في النوم قائلا يقول :

تقشعت الظلماء وسطع الضياء وبعث خاتم الأنبياء.

ثم أضاء إضاءة أخرى حتى نظرت إلى قصور الحيرة وأبيض المدائن وسمعته يقول :

أقبل حق فسطع ودفع باطل فانقمع.

فانتبهت فزعا وقلت لأصحابي والله ليحدثن بمكة في هذا الحي من قريش حدث.

وكان لنا صنم فكنت أنا الذي أسدنه فشددت عليه فكسرته وخرجت حتى قدمت عليه مكة فأخبرته فقال :

يا عمرو بن مرة أنا النبي المرسل إلى العباد كافة أدعوهم إلى الإسلام وآمرهم بحفظ الدماء وصلة الأرحام وعبادة الرحمن ورفض الأوثان وحج البيت وصوم شهر رمضان فمن أصاب فله الجنة ومن عصى فله النار فآمن بالله يا عمرو بن مرة تأمن يوم القيامة من النار.

٢٠٩

فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله آمنت بما جئت به من حلال وحرام وأن أرغم ذلك كثيرا من الأقوام وأنشأت أقول

شهدت بأن الله حق وإنني

لآلهة الأحجار أول تارك

وشمرت عن ساقي الإزار مهاجرا

إليك أجوب الوعث بعد الدكادك

لأصحب خير الناس نفسا ووالدا

رسول مليك الناس فوق الحبائك

ثم قلت يا رسول الله ابعثني إلى قومي لعل الله تبارك وتعالى يمن عليهم كما من علي بك فبعثني فقال عليك بالرفق والقول السديد ولا تك فظا ولا غليظا ولا مستكبرا ولا حسودا.

فأتيت قومي فقلت يا بني رفاعة بل يا جهينة إني رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليكم أدعوكم إلى الجنة وأحذركم النار يا معشر جهينة إن الله وله الحمد قد جعلكم خيار من أنتم منه وبغض إليكم في جاهليتكم ما حببت إلى غيركم من العرب الذين كانوا يجمعون بين الأختين ويخلف الرجل منهم على امرأة أبيه وأغارت في الشهر الحرام فأجيبوا هذا الذي من لؤي أتانا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة وسارعوا في أمره يكن بذلك لكم عنده فضيلة.

قال فأجابوني إلا رجل منهم فإنه قام فقال يا عمرو بن مرة أمر الله عيشك أتأمرنا برفض آلهتنا وتفريق جماعتنا ومخالفة دين آبائنا ومن مضى من أوائلنا إلى ما يدعوك إليه هذا المضري من أهل تهامة لا ولا حبا ولا كرامة ثم أنشأ يقول :

إن ابن مرة قد أتى بمقالة

ليست مقالة من يريد صلاحا

إني لأحسب قوله وفعاله

يوما وإن طال الزمان ذباحا (١)

_________________

(١) يريد به الهلاك.

٢١٠

أتسفه الأشياخ ممن قد مضى

من رام ذلك لا أصاب فلاحا

فقال له عمرو الكذاب مني أو منك أمر الله عيشه وأبكم لسانه وأكمه إنسانه قال عمرو فو الله لقد عمي وما مات حتى سقط فوه وكان لا يقدر على الكلام ولا يبصر شيئا وافتقر واحتاج.

وخبر ركانة وما فيه من الآية

كان ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف أشد قريش وأقواهم فخلا يوما برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شعاب مكة فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا ركانة ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه فقال له ركانة إني لو أعلم الذي تقول حقا لاتبعتك قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفرأيت أن صرعتك أتعلم أن ما أقول حق قال نعم قال فقم حتى أصارعك فقام ركانة إليه فلما بطش به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أضجعه لا يملك من نفسه شيئا فقال ركانة وقد عجب من ذلك عد يا محمد فعاد فصرعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دفعة أخرى فاستعظم ذلك وقال يا محمد ذا العجب فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأعجب من ذلك إن شئت أريكه إن اتقيت الله واتبعت أمري قال ما هو قال أدعو لك هذه الشجرة التي ترى فتأتيني قال فادعها فدعاها فأقبلت حتى وقفت.

بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال لها ارجعي إلى مكانك فرجعت حتى وقفت فذهب ركانة إلى قومه فقال يا بني عبد مناف ساحروا بصاحبكم أهل الأرض فو الله ما رأيت أسحر منه قط.

ثم أخبرهم بالذي رأى والذي صنع. (١)

وخبر أبي تميمة الهجيمي.

_________________

(١) قصته موجودة في سيرة ابن هشام ج ١ صلى الله عليه وآله وسلم ٤١ ٨.

٢١١

قال أبو تميمة :

وفدت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجدته قاعدا في حلقة فقلت أيكم رسول الله فلا أدري أشار إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أنا رسول الله أو أشار إلي بعض القوم فقالوا هذا رسول الله وإذا عليه بردة حمراء تتناثر هدبها على قدميه فقلت إلى ما تدعو يا رسول الله قال أدعوك إلى الذي إذا كنت بأرض فلاة فأضللت راحلتك فدعوته أجابك وأدعوك إلى الذي إذا استنت أرضك أو أجدبت فدعوته أجابك.

قال فقلت وأبيك لنعم الرب هذا فأسلمت وقلت يا رسول الله علمني مما علمك الله تبارك وتعالى فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

اتق الله لا تحقرن شيئا من المعروف ولو أن تلقى أخاك ووجهك مبسوط إليه وإياك وإسبال الإزار من المخابلة قال الله تبارك وتعالى :

(إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) سورة القمان : ١٨

ولا تسبن أحدا وإن سبك بأمر لا يعلم فيك فلا تسبه بأمر تعلمه فيه فيكون لك الأجر وعليه الوزر.

وخبر أهيب بن سماع :

وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يوما جالسا في نفر من أصحابه وقد صلى الغداة فإذ أقبل أعرابي على ناقة له حتى وقف بباب المسجد فأناخها ثم عقلها ودخل المسجد يتخطى الناس والناس يوسعون له وإذا هو رجل مديد القامة عظيم الهامة معتجر بعمامة فلما مثل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسفر عن لثامه ثم هم أن يتكلم فارتج حتى اعترضه ذلك ثلاث مرات.

فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد ركبه الزمع لها عنه بالحديث ليذهب عنه

_________________

(١) أي قحطت.

(٢) في النسخة : ووجهك مبسوطة إليك

(٣) أي أخذه الدهش.

٢١٢

بعض الذي أصابه وقد كسا الله نبيه جلالة وهيبة فلما أنس وفرخ روعه (١) قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم قل لله أنت ما أنت قائل.

فأنشأ يقول :

رب يوم يعي الألد المداري

شره حاضر يروع الرجالا

قمته فانجلى ولو قام فيه

مسجل الجن ما أطاق المقالا

جئت بالاقتدار في ذات نفسي

إنني أقهر (٢) الرفاء والكلالا

فأنثت حدتي وفلت شباتي

والهدى يقهر العمى والضلالا

لم أضق بالكلام ذرعا ولكن

شدة البغي يستجير الحبالا (٣)

قال فاستوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالسا وكان متكئا فقال أنت أهيب بن سماع ولم يره قط قبل وقته ذاك فقال أنا أهيب بن سماع الأبي الدفاع القوي المناع.

قال أنت الذي ذهب جل قومك بالغارات ولم ينفضوا رءوسهم من الهفوات إلا منذ أشهر وسنوات؟

قال أنا ذاك قال أفتذكر الأزمة التي أصابت قومك احرنجم لها الذبح وأخلف نوء المرنج وأمشعت السماء وانقطعت الأنواء واحترقت الغمة وخفت البرية حتى أن الضيف لينزل بقومك وما في الغنم عرق ولا غرر فترصدون الضب المكنون فتصيدونه.

_________________

(١) أي ذهب فزعه.

(٢) هكذا في النسخة ولعلّ كلمة الرفا تصحيف العنا أو الفلا.

(٣) هكذا في النسخة.

٢١٣

وكأنك في طريقك إلي لتسألني عن جل ذلك وعن حرجه ألا ولا حرج على مضطر ومن كرم الأخلاق بر الضيف.

قال فقال لا والله لا أطلب أثرا بعد عين لكأنك كنت معي في طريقي أو شريكي في أمري أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله ثم قال يا رسول الله زدني شرحا وبيانا أزدد بك إيمانا.

فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتذكر إذ أتيت صنمك في الظهيرة فعرت له العشيرة؟

قال نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله إن الحرث بن أبي ضرار المصطلقي جمع لك جموعا ليدهمك بالمدينة واستعان بي على حربك وكان لي صنم يقال له راقب فرقبت خلوته وقممت ساحته (١) ثم نفضت التراب عن رأسه ثم عترت له عتيرة فإني لأستخيره في أمري وأستشيره في حربك إذ سمعت منه صوتا هائلا فوليت عنه هاربا وهو يقول كلاما في معنى كلامه الأول قال فلما كان من غد ركبت ناقتي ولبست لامتي وتكبدت الطريق حتى أتيتك فأنر لي سراجك وأوضح لي منهاجك.

قال قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له وإني محمد عبده ورسوله فقالها غير مستنكف وأسلم وحسن إسلامه ووقر حب الإسلام في قلبه.

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام خذ بيده فعلمه القرآن فأقام عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما حذق شيئا من القرآن قال يا نبي الله أن الحرث بن أبي ضرار المصطلقي قد جمع لك جموعا ليدهمك بالمدينة فلو وجهت معي قوما بسرية نشن عليهم الغارة فوجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم معه أمير المؤمنين عليهم السلام وجماعة من المسلمين فظفروا بهم واستاقوا إبلهم وماشيتهم.

وأهيب الذي يقول في إسلامه :

_________________

(١) أي كنس قمامة ساحته وهي الكناسة ، فيقال قم البيت قما أي كنسه.

(٢) هي الذبيحة التي تقدم للأصنام ويصب دمها على رأسها.

٢١٤

جبت الفلاة على حرف (١) مبادرة

خطارة تصل الإرقال بالخبب (٢)

لا تشتكي للذي جابت جوانبه

وما تأتي لأين (٣) السير والتعب

خطر فنها والثريا النجم واقفة

كأنها قطف ملاح من العنب

أو كالجمان زهاني صدر جارية

ممطورة بنظام الدر والذهب

سارت ثلاثا فوافت بعد ثالثة

ذات المناهل أرض النخل والكرب (٥)

فيها النبي الذي لاحت حقائقه

في معشر بسقوا في ذروة الحسب

حلو الشمائل ميمون نقيبته

محض الضرائب حياد عن الكذب

لا ينثني وسعير الحرب مضرمة

تحش (١) بالنبل والأرماح والقضب

والحرب حامية والهام راسية

والموت يختطف الأرواح من كثب

_________________

(١) هي الناقة الضامرة.

(٢) الإرقال والخبب نوعان من السير.

(٣) الأين : الإعياء.

(٤) في النسخة ممطرة ومعها لا يستقيم الوزن.

(٥) هي أصول سعف النخل.

(٦) أي توقد.

٢١٥

هناك تخبو إذا ما راس (١) أخمصه

سماحها لعظيم الهول والرهب

داخت (٣) رقاب الورى من هول رؤيته

إذا بدا لهم في الموكب اللجب

فصل من كلام سيدنا رسول الله ص

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأوثق العرى كلمة التقوى وخير الملل ملة إبراهيم وخير السنن سنة محمد وأشرف الحديث ذكر الله وأحسن القصص هذا القرآن وخير الأمور عوامها وشر الأمور محدثاتها وأهدى الهدي هدي الأنبياء وأشرف الموت قتل الشهداء وأعمى العمى ضلالة بعد الهدى وخير العمل ما نفع وخير الهدى ما اتبع واليد العليا خير من اليد السفلى وما قل وكفى خير مما كثر وألهى وشر المعذرة عند حضرة الموت وشر الندامة ندامة يوم القيامة.

ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا نزرا ولا يذكر الله إلا هجرا.

ومن أعظم الخطايا اللسان الكذوب وخير الغنى غنى النفس وخير (الزَّادِ التَّقْوى) ورأس الحكمة مخافة الله وخير ما ألقي في القلب اليقين.

والارتياب من الكفر والنياحة من عمل الجاهلية والغلول (٤) من جمر جهنم والسكر من النار والشعر من إبليس والخمر جماعة الإثم والنساء حبائل الشيطان والشباب شعبة من الجنون وشر الكسب كسب الربا وشر المال أكل مال اليتيم والسعيد من وعظ بغيره والشقي شقي في بطن أمه.

_________________

(١) و (٢) هكذا في النسخة.

(٣) أي ذلت.

(٤) هو السرقة والخيانة في شيء.

٢١٦

وإنما يصير أحدكم موضع ذراع والأمر إلى آخره وملاك الأمر خواتمه وشر الروايات روايات الكذب وكل ما هو آت قريب وسباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه من معصية الله وحرمة ماله كحرمة دمه ومن يتأل على الله يكذبه ومن يستغفر الله يغفر له ومن يتبع المستمع يستمع الله به ومن يعف يعف الله عنه ومن يكظم الغيظ يؤجره الله ومن يصبر على الرزية يعوضه الله ومن يصم يضاعف الله أجره ومن يعص الله يعذبه.

ومن كلامه صلى الله عليه وآله وسلم قوله :

إنكم في زمان من ترك عشر ما أمر به هلك وسيأتي على الناس زمان من عمل بعشر ما أمر به نجا.

ومن كلامه عليهم السلام قوله استحيوا من الله حق الحياء.

قيل له يا رسول الله إنا لنستحيي فقال ليس كذلك من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وليذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء.

وقال عليهم السلام :

حب الدنيا رأس كل خطيئة.

وقال :

إنكم لا تنالون ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون ولا تبلغون ما تأملون إلا بترك ما تشتهون.

فصل من البيان والسؤال

إن سأل سائل عن أول ما فرض الله عليك.

فقل النظر المؤدي إلى معرفته.

فإن قال لم زعمت ذلك؟

٢١٧

فقل لأنه سبحانه قد أوجب معرفته ولا سبيل إلى معرفته إلا بالنظر في الأدلة المؤدية إليها.

فإن قال فإذا كانت المعرفة بالله عزوجل لا تدرك إلا بالنظر فقد أصبح المقلد غير عارف بالله.

فقل هو ذاك.

فإن قال فيجب أن يكون جميع المقلدين في النار.

فقل إن العاقل المستطيع إذا أهمل النظر والاعتبار واقتصر على تقليد الناس فقد خالف الله تعالى وانصرف عن أمره ومراده ولم يكفه تقليده في أداء فرضه واستحق العقاب على مخالفته وتفريطه غير أنا نرجو العفو عمن قلد الحق والتفضل عليه ولا نرجوه لمن قلد المبطل ولا نعتقده فيه.

وكل مكلف يلزمه من النظر بحسب طاقته ونهاية إدراكه وفطنته.

فأما المقصر الضعيف الذي ليس له استنباط صحيح فإنه يجزيه التمسك في الجملة بظاهر ما عليه المسلمون.

فإن قال كيف يكون التقليد قبيحا من العقلاء المميزين وقد قلد الناس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخبر به عن رب العالمين ورضي بذلك عنهم ولم يكلفهم ما تدعون.

فقل معاذ الله أن نقول ذلك أو نذهب إليه ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يرض من الناس التقليد دون الاعتبار وما دعاهم إلا إلى الاستدلال ونبههم عليه بآيات القرآن من قوله سبحانه وتعالى :

(أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ). الاعراف : ١٨٥

وقوله :

_________________

(١) في النسخة (والتفضيل).

٢١٨

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) آل عمران : ١٩٠.

وقوله :

(وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ). الذاريات : ٢٠ ـ ٢١.

وقوله :

(أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ). الغاشية : ١٩ ٣٢

ونحن نعلم أنه ما أراد بذلك إلا نظر الاعتبار فلو كان عليهم السلام إنما دعا الناس إلى التقليد ولم يرد منهم الاستدلال لم يكن معنى لنزول هذه الآيات.

ولو أراد أن يصدقوه ويقبلوا قوله تقليدا بغير تأمل واعتبار لم يحتج إلى أن يكون على ما ظهر من الآيات والمعجزات.

فأما قبول قوله صلى الله عليه وآله وسلم بعد قيام الدلالة على صدقه فهو تسليم وليس بتقليد.

وكذلك قبولنا لما أتت به أئمتنا عليهم السلام ورجوعنا إلى فتاويهم في شريعة الإسلام.

فإن قال فابن لنا ما التقليد في الحقيقة وما التسليم ليقع الفرق والبيان.

فقل التقليد هو قبول قول من لم يثبت صدقه وهذا معنى التقليد لا يكون إلا عن بينة وحجة. (١)

فصل من كلام جعفر بن محمد الصادق عليهم السلام مما حفظ عنه في وجوب المعرفة بالله عزوجل وبدينه

قوله وجدت علم الناس في أربع :

_________________

(١) ومن جوابه هذا يظهر معنى التسليم وهو الأخذ بقول من ثبت صدقه وأصبح حجة بذاته.

٢١٩

أحدها أن تعرف ربك.

والثاني أن تعرف ما صنع بك.

والثالث أن تعرف ما أراد منك.

والرابع أن تعرف ما يخرجك عن دينك (١).

قال شيخنا المفيد رحمه‌الله

هذه أقسام تحيط بالمفروض من المعارف لأنه أول ما يجب على العبد معرفة ربه جل جلاله فإذا علم أن له إلها وجب أن يعرف صنعه وإذا عرف صنعه عرف به نعمته فإذا عرف نعمته وجب عليه شكره فإذا أراد تأدية شكره وجب عليه معرفة مراده ليطيعه بفعله وإذا وجب عليه طاعته وجب عليه معرفة ما يخرجه عن دينه ليتجنبه فتخلص له به طاعة ربه وشكر إنعامه.

أنشدني بعض أهل هذا العصر لنفسه

والزم من الدين ما قام الدليل به

فإن أكثر دين الناس تقليد

فكلما وافق التقليد مختلق

زور وإن كثرت فيه الأسانيد

وكل ما نقل الآحاد من خبر

مخالف لكتاب الله مردود

فصل آخر من السؤال والبيان

إن سأل سائل فقال

ما نعمة الله تعالى عليك؟

فقل خلقه إياي حيا لينفعني.

فإن قال ولم زعمت أن خلقه إياك حيا أول النعم؟

_________________

(١) تجد هذا الحديث مرويا في إرشاد المفيد صلى الله عليه وآله وسلم ٢٥٩.

٢٢٠