كنز الفوائد - ج ١

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي

كنز الفوائد - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي


المحقق: الشيخ عبدالله نعمه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩١
الجزء ١ الجزء ٢

ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا

نبيا كموسى خط في أول الكتب (١)

وأن عليه في العباد محبة

ولا سن فيمن خصه الله بالحب

وقوله أيضا يحض أخاه حمزة بن عبد المطلب ره على اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونصرته :

فصبرا أبا يعلى على دين أحمد

وكن مظهرا للدين وفقت صابرا

وحط من أتى بالدين من عند ربه

بصدق وحق ولا تكن حمز كافرا

فقد سرني إذ قلت إنك مؤمن

فكن لرسول الله في الله ناصرا

وباد قريشا بالذي قد أتيته

جهارا وقل ما كان أحمد ساحرا

وقوله لابنه جعفر وقد أمره بالصلاة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال يا بني صل جناح ابن عمك فلما أجابه قال :

إن عليا وجعفرا ثقتي

عند ملم الزمان والكرب

والله لا أخذل النبي ولا

يخذله من بني ذو حسب

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما

أخي لأمي من بينهم وأبي

وقوله أيضا :

_________________

(١) في الفصول المختارة هكذا :

ألم تعلموا أنا وجدنا محمّدا

رسول أمين خطّ في سالف الكتب

١٨١

زعمت قريش أن أحمد ساحر

كذبوا ورب الراقصات إلى الحرم

ما زلت أعرفه بصدق حديثه

وهو الأمين على الخرائب والحرم

بهتوه لا سعدوا بقطر بعدها

ومضت مقالتهم تسير إلى الأمم

وقال في الإقرار بالتوحيد :

مليك الناس ليس له شريك

هو الوهاب والمبدي المعيد

ومن فوق السماء له بحق

ومن تحت السماء له عبيد

وقال أيضا :

يا شاهد الله علي فاشهد

آمنت بالواحد رب أحمد

من ضل في الدين فإني مهتدي

وهذا كله دليل واضح على إيمانه رضوان الله عليه بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن الحديث الوارد بصحة إيمانه ما أخبرني به شيخي أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن علي المعروف بابن الواسطي رضي الله عنه.

قال أخبرني أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري قال أخبرني أبو علي بن همام قال حدثنا أبو الحسن علي بن محمد القمي الأشعري قال حدثني منجح الخادم مولى بعض الطاهرية بطوس قال حدثني أبان بن محمد قال كتبت إلى الإمام الرضا علي بن موسى عليه السلام :

جعلت فداك قد شككت في إيمان أبي طالب.

قال فكتب :

١٨٢

بسم الله الرحمن الرحيم.

أما بعد فمن (يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) إنك إن لم تقر بإيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار.

وبإسناده إلى أبان بن محمد بن يونس بن نباتة عن أبي عبد الله عليهم السلام أنه قال :

يا يونس ما يقول الناس في إيمان أبي طالب؟

قلت جعلت فداك يقولون هو في ضحضاح من نار يغلي منها أم رأسه فقال كذب أعداء الله إن أبا طالب من رفقاء (النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً).

ومن ذلك ما حدثنا به الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان القمي رضي الله عنه قال حدثني القاضي أبو الحسين محمد بن عثمان بن عبد الله النصيبي في داره قال حدثنا جعفر بن محمد العلوي قال حدثنا عبيد الله بن أحمد قال حدثنا محمد بن زياد قال حدثنا مفضل بن عمر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن أمير المؤمنين علي عليهم السلام أنه كان جالسا في الرحبة والناس حوله فقام إليه رجل فقال له يا أمير المؤمنين إنك بالمكان الذي أنزلك الله وأبوك معذب في النار فقال له :

مه فض الله فاك والذي بعث محمدا بالحق نبيا لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه الله أأبي معذب في النار وابنه قسيم الجنة والنار والذي بعث محمدا بالحق إن نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلائق إلا خمسة أنوار نور محمد ونور فاطمة ونور الحسن والحسين ونور ولده من الأئمة ألا إن نوره من نورنا خلقه الله من قبل خلق آدم بألفي عام.

ومن ذلك ما حدثني به الحسن بن محمد بن علي الصيرفي البغدادي قراءة علي من طريق نقل العامة قال حدثني أبو القاسم منصور بن جعفر بن ملاعب قراءة علي قال حدثنا أبو عيسى محمد بن داود بن جندل الحلبي

١٨٣

قال أخبرنا علي بن حرب قال حدثنا زيد بن الجناب قال أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت بن إسحاق عن عبد الله العباس أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما ترجو لأبي طالب فقال كل خير أرجو من ربي عزوجل.

وحدثني أبو الحسن طاهر بن موسى بن جعفر الحسيني قال حدثنا أبو القاسم ميمون بن حمزة الحسيني قال حدثنا مزاحم بن عبد الوارث البصري قال حدثنا أبو بكر أحمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن أيوب الجوهري قال حدثنا العباس بن علي قال حدثنا علي بن عبد الله الجرشي قال حدثنا جعفر بن عبد الواحد بن جعفر قال قال لنا العباس بن الفضل عن إسحاق بن عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس قال سمعت أبي يقول سمعت المهاجر مولى نوفل اليماني يقول سمعت أبا رافع يقول سمعت أبا طالب يقول حدثني محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن ربه بعثه بصلة الرحم وأن يعبد الله وحده ولا يعبد معه غيره ومحمد عندي الصادق الأمين.

فصل من أخبار عبد المطلب رضي الله عنه

وأخبرني شيخي أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن علي الواسطي رضي الله عنه قال أخبرني أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري قال أخبرني محمد بن همام وأحمد بن هوذة جميعا عن أبي محمد الحسن بن محمد بن جمهور القمي قال حدثنا أبي عن الحسن بن محبوب الزراد عن عبد الرحمن بن الحجاج عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه قال لما ظهرت الحبشة باليمن وجه يكسوم ملك الحبشة بقائدين من قواده يقال لأحدهما أبرهة والآخر أرباط في عشرة من الفيلة كل فيل في عشرة آلاف لهدم بيت الله الحرام فلما صاروا ببعض الطريق وقع بأسهم بينهم واختلفوا فقتل أبرهة أرباط واستولى على الحبش.

فلما قارب مكة طرد أصحابه عيرا لعبد المطلب بن هاشم فصار عبد المطلب إلى أبرهة وكان ترجمان أبرهة والمستولي عليه ابن داية لعبد المطلب فقال الترجمان لأبرهة :

١٨٤

هذا سيد العرب وديانها فأجله وأعظمه ثم قال لكاتبه سله ما حاجته فسأله فقال إن أصحاب الملك طردوا لي نعما فأمر بردها ثم أقبل على الترجمان فقال قل له عجبا لقوم سودوك ورأسوك عليهم حيث تسألني في عير لك وقد جئت لأهدم شرفك ومجدك ولو سألتني الرجوع عنه لفعلت.

فقال أيها الملك إن هذه العير لي وأنا ربها فسألتك إطلاقها وإن لهذه البنية ربا يدفع عنها.

قال فإني غاد لهدمها حتى أنظر ما ذا يفعل.

فلما انصرف عبد المطلب رحل أبرهة بجيشه فإذا هاتف يهتف في السحر الأكبر يا أهل مكة أتاكم أهل عكة بجحفل جرار يملأ الأندار ملء الجفار فعليهم لعنة الجبار (١) فأنشأ عبد المطلب يقول :

أيها الداعي لقد أسمعتني

كلما قلت وما بي من صمم

إن للبيت لربا مانعا

من يرده بآثام يصطلم

رامه تبع (٢) في أجناده

حمير والحي من آل إرم (٣)

هلكت بالبغي فيهم جرهم

بعد طسم وجديس وجثم (٤)

وكذاك الأمر فيمن جاده

ليس أمر الله بالأمر الأمم (٥)

_________________

(١) جفار جمع جفرة وهي سعة في الأرض مستديرة.

(٢) هو من ملوك اليمن

(٣) أي من آل عاد وعليه قوله تعالى :أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ.

(٤) جرهم وطسم وجديس وجثم هي قبائل عربية بائدة.

(٥) الأمم بالتحريك اليسير.

١٨٥

نحن آل الله فيما قد خلا

لم يزل ذاك على عهد إبرهم (١)

نعرف الله وفينا شيمة

صلة الرحم ونوفي بالذمم

لم يزل لله فينا حجة

يدفع الله بها عنها النقم (٢)

ولنا في كل دور كرة

نعرف الدين وطورا في العجم

فإذا ما بلغ الدور إلى

منتهى الوقت أتى الطين (٣) قدم

بكتاب فصلت آياته

فيه تبيان أحاديث الأمم (٤)

فلما أصبح عبد المطلب جمع بينه وأرسل الحرث ابنه الأكبر إلى أعلى جبل أبي قبيس فقال انظر ما ذا يأتيك من قبل البحر فرجع فلم ير شيئا فأرسل واحدا بعد آخر من ولده فلم يأته أحد منهم عن البحر بخبر فدعا ولده عبد الله وإنه لغلام حين أيفع وعليه ذؤابة تضرب إلى عجزه فقال له اذهب فداك أبي وأمي فاعل أبا قبيس وانظر ما ذا ترى يجيء من البحر فنزل مسرعا فقال يا سيد النادي رأيت سحابا من قبل البحر مقبلا يسفل تارة ويرتفع أخرى إن قلت غيما قلته وإن قلت جهاما خلته يرتفع تارة وينحدر أخرى.

فنادى عبد المطلب يا معشر قريش ادخلوا منازلكم فقد أتاكم الله بالنصر من عنده.

_________________

(١) أي إبراهيم عليه السلام

(٢) روى هذه الأبيات المسعودي في المروج ج ٢ صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٢٩ باختلاف في بعضها.

(٣) الأحمر المشبع حمرة.

(٤) هذه الأبيات الثلاثة لم يذكرها المسعودي.

(٥) هو السحاب الذي لا ماء فيه.

١٨٦

فأقبلت الطير الأبابيل في منقار كل طير حجر وفي رجليه حجران فكان الطائر الواحد يقتل ثلاثة من أصحاب أبرهة كان يلقى الحجر في قمة رأس الرجل فيخرج من دبره. (١)

وقد قص الله تبارك وتعالى نبأهم فقال سبحانه :

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (٢) السجيل الصلب من الحجارة والعصف ورق الزرع ومأكول يعني كأنه أخذ ما فيه من الحب فأكل وبقي لا حب فيه.

وقيل إن الحجارة كانت إذا وقعت على رءوسهم وخرجت من أدبارهم بقيت أجوافهم فارغة خالية حتى يكون الجسم كقشر الحنطة.

وبإسناده عن ابن جمهور رحمه‌الله قال حدثني أبي قال حدثني علي بن حرب بن محمد بن علي بن حيان بن مازن الطائي قال حدثني عمر بن بكر عن أحمد بن القاسم عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس قال :

لما ظفر سيف بن ذي يزن واسمه النعمان بن قيس بالحبشة وذلك بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسنتين أتته وفود العرب وأشرافها وشعراؤها تهنيه وتمدحه وتذكر ما كان من حسن بلائه وطلبه بثار قومه فأتاه فيمن أتاه وفد قريش وفيهم عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس وعبد الله بن جدعان وخويلد بن أسد بن عبد العزى في أناس من وجوه قريش فقدموا عليه صنعاء (٣) فإذا هو في رأس غمدان (٤) وهو الذي ذكره أمية بن

_________________

(١) تجد هذه القصة مروية في مجالس الشيخ المفيد بإسناده إلى عبد اللّه بن سنان عن الصادق (عليهم السلام) مع اختلاف في أسلوبها صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٨٤ = ٦٨٦.

(٢) سورة الفيل

(٣) هي احدى عواصم اليمن القديمة نزلها الأحباش بعد استيلائهم على اليمن ، ولا تزال إلى اليوم عاصمة اليمن الكبيرة.

(٤) غمدان أحد القصور الشهيرة في اليمن ، وهو في صنعاء وقد بناه اليشرح بخضب ٣٥ = ١ ٥ ق. م. على رواية الهمداني وياقوت وظل باقيا إلى أيّام عثمان بن عفان ، وكان مؤلّفا من عشرين طبقة ، وممّا قيل في وصفه.

١٨٧

الصلت (١) في قصيدته حيث يقول :

اشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا

في رأس غمدان دارا منك محلالا (٢)

فدخل الآذن فأخبره بمكانهم فأذن لهم فدنا عبد المطلب فاستأذنه في الكلام فقال إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذنا لك فقال عبد المطلب :

إن الله قد أحلك أيها الملك محلا رفيعا صعبا منيعا شامخا باذخا ،

_________________

= يسمو إلى كبد السماء مصعدا

عشرين سقفا سمكها لا يقصر

 ومن السحاب معصب بعمامة

ومن الغمام منطق ومؤزر

 متلاحكا بالفطر منه صخرة

والجزع بين صروحه والمرمر

تاريخ العرب قبل الإسلام

(١) هو أبو الصلت عبد اللّه بن ربيعة بن عوف بن أميّة ، والبيت هو له لا لابنه أميّة على رواية ابن سلام الجمحي في طبقات الشعراء ورواية ابن قتيبة في الشعر والشعراء ، ولكن الأصبهاني في الأغاني نسبة إلى ابنه أميّة ابن الصلت.

(٢) هو من أبيات أولها :

لا يطلب الوتر إلّا كابن ذي يزن

في البحر لجج للأعداء أحوالا

 أتى هرقلا وقد شالت نعامته

فلم يجد عنده القول الذي قالا

 ثمّ انتحى نحو كسرى بعد تاسعة

من السنين لقد أبعدت إيغالا

 حتى أتى بيني الأحرار يقدمهم

تخالهم فوق متن الأرض أجبالا

ومنها

من مثل كسرى وسابور الجنود له

أو مثل وهرز يوم الجيش إذ صالا

فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا

في رأس غمدان دارا منك محلالا

١٨٨

أنبتك منبتا طابت أرومته وعزت جرثومته وثبت أصله وسبق فرعه أكرم موطن وأطيب معدن.

وأنت أبيت اللعن ملك العرب وربيعها الذي به نخصب ورأس العرب الذي إليه تنقاد وعمودها الذي عليه العماد ومعقلها الذي يلجأ إليه العباد.

سلفك خير سلف وأنت لنا منهم خير خلف فلم يخمل من هم سلفه ولن يهلك من أنت خلفه.

نحن أيها الملك أهل حرم الله وسدنة بيته أشخصنا إليك الذي أبهجنا لكشف الكرب الذي فدحنا فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة. (٢)

فقال سيف وأيهم أنت أيها المتكلم؟

قال أنا عبد المطلب بن هاشم قال ابن أختنا قال نعم قال ادن فدنا.

ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال مرحبا وأهلا وناقة ورحلا ومستناخا سهلا وملكا نحلا يعني يعطي عطاء جزيلا قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم وقبل وسيلتكم فأنتم أهل الليل والنهار ولكم الكرامة ما أقمتم والحباء إذا ظعنتم.

ثم نهضوا إلى دار الضيافة والوفود وأقاموا بها شهرا لا يصلون إليه ولا يؤذن لهم في الانصراف.

ثم انتبه لهم انتباهة فأرسل إلى عبد المطلب أني مفض إليك من سر علمي ما لو يكون غيرك لم أبح به ولكني رأيتك معدنه فأطلعتك طلعة (٣) فليكن عندك مطويا حتى يأذن الله فيه ف (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ).

_________________

(١) هكذا في النسخة ولعلّ الأصل سمق بمعنى ارتفع أو امتد أو الأصل بسق.

(٢) في النسخة (الترزية). والتصحيح عن الأغاني.

(٣) عن نهاية ابن الأثير : أطلعتك طلعة أي أعلمتك.

١٨٩

إني أجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون الذي اخترناه لأنفسنا واحتجبناه دون غيرنا خبرا عظيما وخطرا جسيما فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة وللناس عامة ولرهطك كافة ولك خاصة.

فقال عبد المطلب مثلك أيها الملك سر وبر فما هو فداك أهل الوبر زمرا بعد زمر.

قال إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه شامة كانت له الإمامة ولكم به الدعامة إلى يوم القيامة.

قال عبد المطلب أبيت اللعن لقد أبت بخير ما آب به وافد لو لا هيبة الملك وإجلاله لسألته من بشارته إياي ما ازداد به سرورا.

قال ابن ذي يزن هذا حينه الذي يولد فيه أو قد ولد اسمه محمد يموت أبوه وأمه ويكفله جده وعمه قد ولدناه مرارا والله باعثه جهارا وجاعل له منا أنصارا يعز بهم أولياءه ويذل بهم أعداءه يضرب بهم الناس عن عرض ويستبيح به كرائم الأرض يكسر الأوثان ويخمد النيران ويعبد الرحمن ويدحر الشيطان قوله فصل وحكمه عدل يأمر المعروف ويفعله وينهى عن المنكر ويبطله.

قال عبد المطلب أيها الملك عز جدك وعلا كعبك ودام ملكك وطال عمرك فهل الملك ساري بإفصاح فقد أوضح بعض الإيضاح؟

فقال ابن ذي يزن والبيت ذي الحجب والعلامات على النصب إنك يا عبد المطلب لجده غير الكذب.

فخر عبد المطلب ساجدا فقال ارفع رأسك وثلج صدرك وعلا أمرك فهل أحسست شيئا مما ذكرت لك؟

فقال أيها الملك كان لي ولد وكنت به معجبا وعليه شفيقا فزوجته

_________________

(١) في النسخة من سارة ، وصححناه عن اعلام النبوّة للماوردي ، وفي رواية الأغاني : أن يزيدني من البشارة.

١٩٠

كريمة من كرائم قومي آمنة بنت وهب بن عبد مناف فجاءت بغلام وسميته محمدا مات أبوه وأمه فكفلته أنا وعمه بين كتفيه شامة وكل ما ذكرت من علامة.

قال ابن ذي يزن إن الذي قلت لك لكما قلت فاحتفظ بابنك واحذر عليه اليهود فإنهم أعداء له ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا واطو ما قلت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك فإني لست آمن أن تدخلهم النفاسة من أن تكون لك الرئاسة فيطلبوا لك الغوائل وينصبوا لك الحبائل وهم فاعلون لو أنبئهم ولو لا أني أعلم أن الموت مجتاحي قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي حتى أصير يثرب دار ملكي فإني أجد في الكتاب الناطق والعلم الباسق أن يثرب استحكام أمره وأهل نصره وموضع قبره ولو لا أني أقيه الآفات وأحذر عليه العاهات لأعلنت على حداثة سنه أمره ولأوطأت أسنان العرب عقبه لكني صارف ذلك إليك عن غير تقصير لمن معك فعليه مني التحية والسلام.

ثم أمر لكل واحد منهم بعشرة أعبد وعشر إماء وبمائة من الإبل وخمس من البرود وخمسة أرطال من الذهب وعشرة أرطال فضة وكرش مملوء عنبرا.

وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك وقال إذا حال الحول فأتني

فمات ابن ذي يزن قبل أن يحول الحول فكان عبد المطلب كثيرا ما يقول يا معشر قريش لا يغبطني رجل منكم بجزيل عطاء الملك وإن كثر فإنه إلى نفاد ولكن ليغبطني بما يبقى لي ولعقبي من بعدي ذكره وفخره وشرفه.

فإذا قيل له وما ذلك قال سيعلم ما أقول ولو بعد حين (١)

_________________

(١) وهكذا ذكر الماوردي في إعلام النبوّة قصة وفود عبد المطلب على سيف رواها بإسناده عن أبي صالح عن ابن عبّاس وتجدها في الأغاني ج ١ ٦ صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٤٦ = ١ ٤٨. ورواها الطبرسيّ في إعلام الورى صلى الله عليه وآله وسلم ٢٤ = ٢٦ وقال روى هذا الحديث أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقيّ في دلائل النبوّة من طريقين.

١٩١

وفي ذلك يقول أمية بن عبد شمس :

جلبنا النصح تحمله المطايا

على أكوار أجمال ونوق

مغلغلة مراقعها تعالى

إلى صنعاء من فج عميق

تؤم (١) بنا ابن ذي يزن ومعرى

ذوات بطونها أم الطريق

وترعى عن مخايله يروقا

مواصلة الوميض إلى بروق

فلما وافقت صنعاء حلت

بدار الملك والحسب العريق (٢)

وروي أنه قيل لأكثم بن صيفي وكان حكيم العرب إنك لأعلم أهل زمانك وأحكمهم وأعقلهم وأحلمهم فقال :

وكيف لا أكون كذلك وقد جالست أبا طالب (٣) بن عبد المطلب دهره وهاشما دهره وعبد مناف دهره وقصيا دهره وكل هؤلاء سادات أبناء سادات فتخلقت بأخلاقهم وتعلمت من حلمهم واقتفيت سؤددهم واتبعت آثارهم وكان أكثم بن صيفي من المعمرين. (٤)

_________________

(١) في النسخة (ترم) والتصحيح عن الأغاني

(٢) هذه الأبيات موجودة في الأغاني ج ١ ٦ صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٤٨ وتجد قصة دخول عبد المطلب على سيف ابن ذي يزن في أمالي الصدوق صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٧٤ = ١ ٧٨ وانظر : إعلام الورى صلى الله عليه وآله وسلم ٢٦ = ٢٧.

(٣) قد يكون هنا سقط وهو قد جالست أبا طالب دهره وعبد المطلب دهره.

(٤) كما يأتي ذلك في بعض فصول هذا الكتاب.

١٩٢

خبر رؤيا ربيعة بن نصر اللخمي (١) ملك اليمن

التي تأولها سطيح وشق

ذكر الرواة من أهل العلم أن ربيعة بن نصر رأى رؤيا هالته وفظع بها فلما رآها بعث في أهل مملكته فلم يدع كاهنا ولا ساحرا ولا قائضا ولا منجما إلا أحضره إليه فلما جمعهم قال لهم إني قد رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها فأخبروني بتأويلها قالوا اقصصها علينا لنخبرك بتأويلها قال إنه لا يعرف تأويلها إلا من يعرفها قبل أن أخبره بها.

فلما قال لهم ذلك قال رجل من القوم إن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح وشق فإنه ليس أحد أعلم منهما فهما يخبرانك بما سألت.

فلما قيل له ذلك بعث إليهما فقدم عليه سطيح قبل شق ولم يكن مثلهما من الكهان فلما قدم عليه دعاه فقال له يا سطيح إني قد رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها فأخبرني بها فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها قال أفعل :

رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فوقعت بأرض تهمة فأكلت منها كل ذات جمجمة.

قال له الملك ما أخطأت منها شيئا يا سطيح فما عندك في تأويلها؟

فقال أحلف بما بين الحرمين من خش ليهبطن أرضكم الحبش فلتملكن ما بين أبين إلى جرش.

قال له الملك وأبيك يا سطيح إن هذا لنا لغائظ موجع فمتى هو كائن يا سطيح أفي زماني أم بعده؟

قال لا بل بعده بحين أكثر من ستين أو سبعين يمضين من السنين ثم يقبلون (٢) بها أجمعون ويخرجون منها هاربين

_________________

(١) هو جد النعمان بن المنذر بن النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر.

(٢) في سيرة ابن هشام : ثم يقتلون.

١٩٣

قال الملك من ذا الذي يلي ذلك من قبلهم وإخراجهم؟

قال يليه إرم ابن ذي يزن يخرج عليهم من عدن فلا يترك منهم أحدا باليمن.

قال أفيدوم ذلك من سلطانه أو ينقطع؟

قال بل ينقطع.

قال ومن يقطعه قال نبي زكي يأتيه الوحي من قبل العلي.

قال وممن هذا النبي قال من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر.

قال وهل للدهر يا سطيح من آخر؟

قال نعم يوم يجمع فيه الأولون والآخرون ويسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون.

قال أحق ما تخبرنا يا سطيح قال نعم والشفق والليل إذا اتسق إن ما أنبأتك به لحق.

فلما فرغ قدم عليه شق فقال له يا شق إني رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها فأخبرني عنها فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها كما قال سطيح وقد كتمه ما قال سطيح لينظر أيتفقان أم يختلفان.

قال نعم رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فوقعت بين روضة وأكمة فأكلت منها كل ذات نسمة.

قال له الملك ما أخطأت منها فما عندك في تأويلها؟

قال أحلف بما بين الحرمين من إنسان لينزلن أرضكم الحبشان فليغلبن على كل طفلة البنان وليملكن ما بين أبين إلى نجران.

فقال له الملك وأبيك إن هذا لنا لغائظ موجع فمتى هو كائن أفي زماني أم بعده؟

قال بعده بزمان ثم يستنقذكم منهم عظيم الشأن ويذيقهم أشد الهوان

١٩٤

قال ومن هذا العظيم الشأن؟

قال غلام ليس بدني ولا مدن يخرج من بيت ذي يزن.

قال فهل يدوم سلطانه أو ينقطع؟

قال بل ينقطع برسول مرسل يأتي بالحق والعدل بين أهل الدين والفضل يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل.

قال وما يوم الفصل؟

قال يسمع منها الأحياء والأموات ويجمع فيه الناس للميقات يكون لمن اتقى الفوز والخيرات.

قال أحق ما تقول يا شق؟

قال إي ورب السماء والأرض وما بينهما من رفع وخفض إن ما أنبأتك لحق ما فيه أمض (١).

دليل في تثبيت الصانع

حكى عن إبراهيم النظام قال :

الدليل على ذلك أنا رأينا أشياء متضادة من شأنها التنافي والتباين والتفاسد مجموعة وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة المجتمعة في كل حيوان وفي أكثر سائر الأجسام فعلمنا أن جامعها أقسرها على الاجتماع.

ولو لا ذلك لتباينت وتفاسدت.

قال ولو جاز أن تجتمع المتضادات المتنافرات وتتقاوم من غير جامع جمعها لجاز أن يجتمع الماء والنار ويتقاوما من ذاتهما بغير جامع مدبر مقيم يقيمهما وهذا محال لا يتوهم

_________________

(١) قال ابن هشام : أمض يعني شكا ، وقال أبو عمرو أمض أي باطل وتجد قصة هذه الرؤيا في سيرة ابن هشام ج ١ صلى الله عليه وآله وسلم ١ ١ = ١ ٣.

١٩٥

قال وفي اجتماعهما دليل على حدوثها لأنها لا يجوز عليها الانفراد فإذا كانت لا توجد إلا مجتمعة وبطل أن توجد كذلك إلا بجامع جمعها صح أنه قبلها وأنها لم توجد إلا حين ابتدعها مجتمعة ولو وجدت قبل ذلك لم توجد إلا على أحد وجهين إما أن يكون كل واحد منهما منفردا وهذا محال أو تكون مجتمعة لا جامع لها وهذا أيضا محال.

فقد صح أنها ابتدعت وأن الذي جمعها كان موجودا قبلها لم يزل.

مسألة على نفاة الحقائق (١)

وهم الذين يقولون المذاهب باطلة كلها وإنه لا حق بشيء منها.

فيقال لهم أخبرونا عن مذهبكم هذا أحق هو أم باطل.

_________________

(١) هم من فرق الفلسفة السوفسطائية «الحكمة المجوهة» ويقولون إنّه لا حقائق واقعا ، لأن الطريق إلى إدراكها هي الحواس الظاهرة الخمسة ، وقد تخطئ ، ومع احتمال خطئها فلا يمكن الجزم بشيء ممّا تؤديه ، فالجهاز البصري قد نرى به ما ليس بواقع واقعا ، والحاسة الذوقية قد تخدعنا أحيانا ، فالمريض بالحمى يجد الحلو مرا ، والحاسة السمعية قد تخدعنا أيضا فتسمعنا أصواتا غير واقعية ، وحاسة الشم قد تخطئ أيضا عند اختلالها ، وتعطينا رائحة غير واقعية ، وأنّه يكفي للشك فيما تؤديه هذه الحواس ولو مرة واحدة.

وتقول هذه الفلسفة إنّه لا حقائق للأشياء ، وإنّما هي أوهام عارضة ، لأن ما نشاهده يجوز أن يكون على ما نشاهده أو تسمعه أو نبصره أو نشمه ، كما يجوز أن لا يكون كذلك.

ومن مذاهب هذه الفلسفة ، المذهب اللاأدري ، القائم على نفي العلم بالحقائق ، وهم يثبتون الحقائق في نفس الواقع ولكنهم ينفون العلم بها ، ويقولون لا ندري.

ومذهب آخر منها يسمى المذهب العندي ، ويقوم على نفي حقائق للأشياء في واقعها ، وإنّما واقعها عند معتقديها فقط ، فليس لها حقيقة واحدة في نفس الأمر ، بل حقيقتها عند كل قوم على حسب اعتقادهم.

ويبدو أن هذا المذهب هو الأساس للفلسفة المثالية التي نادى بها (بركلي) القائلة بأنّه لا واقع خارج الذهن والوعي ، وأن الحقائق ليست إلّا انعكاسات لوعي الإنسان ، وليست أشياء مستقلة خارجة عن هذا الوعي.

١٩٦

فإن قالوا هو حق قيل لهم فقد ناقضتم وأوجبتم أن في المذاهب حقا من حيث نفيتم ذلك وإن قالوا ليس مذهبنا حقا وهو باطل قيل لهم فإذا بطل قولكم أنه لا حق في شيء من المذاهب فقد صح أن فيها حقا.

مسألة على مبطلي النظر وحجج العقل

يقال لهم أبنظر أفسدتم النظر أم بالحواس أم بالخبر وبعقل أفسدتم حجة العقل أم بغير عقل؟

فإن قلتم أفسدنا النظر بنظر فقد ناقضتم ورجعتم إلى ما أعبتم وصححتم النظر من حيث رمتم إفساده.

وإن قلتم بالحواس قلنا حواسنا كحواسنا وعلوم الحواس لا تختلف فيها فما بالنا لا نعلم من ذلك ما علمتم؟

وإن قلتم بخبر فبأي شيء فصلتم بين هذا الخبر وبين ضده من الأخبار إلا بالعقل والنظر.

فإن قلبتم السؤال فقالوا أبنظر صححتم النظر أم بحس أم بخبر وبعقل أوجبتم حجة العقل أم بغير عقل أو قلتم بالحواس علمنا ذلك؟

قلنا لكم حواسنا كحواسكم وعلوم الحواس ليس فيها اختلاف فما بالنا لا نعلم من صحة أمر النظر والعقل ما علمتم؟

وإن قلتم بالخبر فقد جعلتم الخبر عيارا (١) على العقل وليس هذا قولكم.

وإن قلتم عرفنا صحة النظر والعقل بالنظر والعقل جاز لنا أن نزعم أنا عرفنا صحة الخبر بالخبر.

فالجواب أن يقال لهم إنا عرفنا صحة النظر والعقل بالنظر والعقل وليس يصح لكم مثل ذلك في الخبر لأنكم إن كنتم عرفتم صحة الخبر

_________________

(١) أي معيار يقاس به.

١٩٧

بنفسه فيجب أن يكون كل من طرقه الخبر علم صحته حتى لا يوجد الخلف فيه ولسنا نجد ذلك (١) وإن قلتم علمنا صحة الخبر بخبر آخر فهذا يؤديكم إلى ما لا يتناهى (٢)

فإن قالوا فأنتم إذا عرفتم صحة النظر والعقل بنظر وعقل فقد وجب أن يؤديكم هذا أيضا إلى ما لا يتناهى.

قيل لهم إنا لا نزعم أنا عرفنا صحة النظر والعقل بنظر وعقل غيرهما بل نعرف صحتهما بها.

وذلك أنا نعرف بهما أن كل نظر لزم صاحبه السنن والترتيب ولم يمل به هواه ولا إلفه وعصبيته فهو صحيح وكل علم بني على ما في بداية العقول فغير فاسد فيكون هذا النظر نفسه داخلا فيما شهد بصحته إن كان حكمه ذلك.

فصل ما جاء في الحديث في العقل

أخبرني شيخي أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن علي المعروف بابن الواسطي رضي الله عنه قال أخبرني أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري قال أخبرني أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن الإمام الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

_________________

(١) وخلاصة ذلك أن العلم بصحة الخبر من لوازم ذات الخبر نفسه فينبغي أن لا يختلف اثنان في صحته ، وهو خلاف الواقع على أن هذا من الدور الباطل لتوقف الشيء على نفسه.

(٢) الأولى في الجواب أن يقال أن العلم أو النظر لا بدّ لإثبات صحته من سبب صحيح معلوم ، ولا يمكن أن يكون بديهيا دائما وإلّا لما جهل ولما وقع الخلاف فيه ، ولا يكون كسبيا نظريا دائما لأنّه هو نفسه محتاج إلى سبب صحيح مثبت له أيضا فإن استند إلى كسبي مثله وذهب إلى ما لا نهاية لزم التسلسل وإن رجع لزم الدور ، بل لا بدّ أن يستند إلى ما هو بديهي بنفسه ومن هنا قيل إن ما بالعرض لا بدّ أن ينتهي إلى ما بالذات.

١٩٨

إذا بلغكم عن رجل حسن حال فانظروا إلى حسن عقله فإنما يجازى بعقله.

وبإسناده عن الكليني عن أحمد بن محمد عن بعض من رفعه إلى أبي عبد الله عليهم السلام أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

إذا رأيتم الرجل كثير الصلاة كثير الصيام فلا تباهوا به حتى تنظروا عقله.

وبإسناده عن الكليني عن علي بن محمد عن سهل بن زياد عن إسماعيل بن مهران عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليهم السلام أنه قال :

العقل دليل المؤمن.

فصل من كلام أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم في العقل

لا عدة أنفع من العقل ولا عدو أضر من الجهل.

زينة الرجل عقله.

من صحب جاهلا نقص من عقله.

التثبت رأس العقل والحدة رأس الحمق.

غضب الجاهل في قوله وغضب العاقل في فعله.

الأدب صورة العقل فحسن عقلك كيف شئت.

العقول مواهب والآداب مكاسب.

فساد الأخلاق معاشرة السفهاء وصلاح الأخلاق معاشرة العقلاء.

قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل والعاقل من وعظته التجارب.

رسولك ترجمان عقلك.

لا تأوي من لا عقل له فيكثر ضررك.

ظن الرجل قطعة من عقله.

من ترك الاستماع من ذوي العقول مات عقله.

من جانب هواه صح عقله.

١٩٩

من أعجب برأيه ضل ومن استغنى بعقله زل ومن تكبر على الناس ذل.

إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله.

من لم يكن أكثر ما فيه عقله كان بأكثر ما فيه قتله.

لا جمال أزين من العقل.

عجبا للعاقل كيف ينظر إلى شهوة يعقبه النظر إليها حسرة.

همة العاقل ترك الذنوب وإصلاح العيوب.

الجمال في اللسان والكمال في العقل.

لا يزال العقل والحمق يتغالبان على الرجل إلى ثماني عشرة سنة فإذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه.

ليس على العاقل اعتراض المقادير إنما عليه وضع الشيء في حقه.

العقول أئمة الأفكار والأفكار أئمة القلوب والقلوب أئمة الحواس والحواس أئمة الأعضاء.

فصل من الاستدلال على صحة نبوة رسول الله ص

اعلم أيدك الله أن المتمحلين من الكفار في إبطال نبوة نبينا عليهم السلام قد أداهم الحرص في الإنكار إلى وجوب الإذعان والإقرار وساقهم الخير والقضاء إلى لزوم التسليم والرضا فلا خلاص لهم من ثبوت الحجة عليهم وهم راغمون ولا محيص لهم من وجوب تصديقه وهم صاغرون.

وذلك أنهم لم يجدوا طريقا يسلكونها في إنكار حقه من النبوة والدفع لما أتى به من الرسالة إلا بأن أقروا له ببلوغه من كل درجة في الفضل منيفة ومرتبة في الكمال والعقل شريفة ما قد قصر عنه جميع خلق الله وبدون ذلك تجب له الرئاسة والتقدم على الكافة ولا يجوز أن يتوجه إليه ساقط الظنة من قبل التهمة لمنافاتها لما أقروا به في موجب العقل والحكم.

_________________

(١) في النسخة (العقل)

٢٠٠