كنز الفوائد - ج ١

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي

كنز الفوائد - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي


المحقق: الشيخ عبدالله نعمه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩١
الجزء ١ الجزء ٢

والوجه في ذلك أن يكون المراد بقوله (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ) العاقبة فكأنه قال :

ولقد ذرأناهم والمعلوم عندنا أن مصيرهم ومآل أمرهم وعاقبة حالهم دخول جهنم بسوء اختيارهم قال الله عزوجل:

(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) والمراد أن ذلك يكون أمرهم لأنهم ما التقطوه إلا ليسروا به وكقوله سبحانه :

(وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها) الأنعام : ١٢٣ (١)

والمراد أن أمرهم يئول إلى هذه وعاقبتهم إليه لا لأن الله عزوجل جعلهم فيها ليعصوا ويمكروا وقوله (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) وإنما أخبر بذلك عن عاقبتهم.

وهذا ظاهر في اللغة مستعمل بين أهلها قال الشاعر :

أم سماك فلا تجزعي

فللموت ما تلد الوالدة

وقال آخر :

فللموت تغذو الوالدات سخالها

كما لخراب الدور تبنى المساكن

وهي لا تغذو أولادها للموت ولا تبنى المساكن لخرابها وإنما تبنى لعمارتها وسكناها وتغذى السخال لمنفعتها ونموها ولكن لما كانت العاقبة تئول إلى الموت والخراب جاز أن يقال ذلك.

ومثله قول الآخر :

أموالنا لذوي الميراث نجمعها

ودورنا لخراب الدهر نبنيها

والمعنى في هذا كله واحد والمقصود به العاقبة وفيما ذكرناه كفاية.

_________________

(١) وتسمى هذه اللام في مثل هاتين الآيتين في عرف النحاة لام العاقبة.

١٢١

مسألة لهم أخرى

وقد احتجوا لمذهبهم بقول الله تعالى :

(لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). هود : ٢٤

وقالوا ظاهر هذه الآية يدل على أن نصح النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا ينفع الكفار الذين أراد الله بهم الكفر والغواية وهذا خلاف مذهبكم.

نقض عليهم.

يقال لهم

إن الغواية هي الخيبة وحرمان الثواب.

قال الشاعر :

فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره

ومن يغو لا يعدم على الغي لائمة

فكأنه قال ولا ينفعكم نصحي إن كنتم مصرين على الكفر الذي يريد الله معه إن يحرمكم الثواب ويخيبكم منه.

وأيضا قد سمى الله تعالى العقاب غيا قال (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا). فيكون المعنى على هذا الوجه إن كان الله يريد أن يعاقبكم بسوء أعمالكم وكفركم فليس ينفعكم نصحي إلا بأن تفعلوا وتتوبوا.

وما قبل الآية يشهد بصحة هذا وإن القوم استعجلوا عقاب الله تعالى فقالوا (يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) سورة هود : ٣٣ ـ ٣٤

ووجه آخر في الآية

١٢٢

وهو أنه قد كان في قوم نوح طائفة تقول بالجبر فنبههم بهذا القول على فساد مذاهبهم وقال لهم على طريق الإنكار عليهم والتعجب من قولهم إن كان القول كما تقولون من أن الله يفعل فيكم الكفر والفساد فما ينفعكم نصحي فلا تطلبوا مني نصحا وأنتم على قولكم لا تنتفعون به.

من هم القدرية

فصل في معرفة القدرية

اعلم أنا وجدنا كل فرقة تعرف باسم أو تنعت بنعت فهي ترتضيه ولا تنكره سواء كان مشتقا من فعل فعلته أو قول قالته أو من اسم مقدم لها تبعته ولم نجد في أسماء الفرق كلها اسما ينكره أصحابه ويتبرأ منه أهله ولا يعترف أحد به إلا القدرية فأهل العدل يقولون لأهل الجبر أنتم القدرية وأهل الجبر يقولون لأهل العدل أنتم القدرية.

وإنما تبرأ الجميع من هذا الاسم لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن القدرية وأخبر أنهم مجوس الأمة والأخبار بذلك مشتهرة.

فمنها ما حدثني به أبو القاسم هبة الله بن إبراهيم بن عمر الصواف بمصر قال حدثنا أبو بكر أحمد بن مروان المالكي قال حدثنا عباس بن محمد الدوسي قال حدثنا عثمان بن زفر قال حدثنا أبو معشر عن سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

لكل أمة مجوس ومجوس هذه الأمة القدرية فإن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم وإن لقيتموهم في طريق فألجئوهم إلى ضيقة.

وهذا القول من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دلالة لنا على المعرفة بالقدرية وتمييز لهم من بين الأمة لأنهم لم ينعتهم بالمجوسية إلا لموضع المشابهة بينهم وبين المجوس في المقال والاعتقاد وقد علمنا بغير شك ولا ارتياب أن من قول المجوس أن الله تعالى فاعل لجميع ما سر ولذ وأبهج ومالت إليه الأنفس واشتهته الطباع ،

١٢٣

كائنا ما كان حتى أنه فاعل الملاهي والأغاني وكلما دخل في هذا الباب وهذا مذهب المجبرة بغير خلاف.

ويقول المجوس إن الله تعالى محمود على فعل الخير وهو لا يقدر على ضده وإن إبليس مذموم على فعل الشر ولا يقدر على ضده وهذا بعينه يضاهي قول المجبرة إن المؤمن محمود على الإيمان وهو لا يقدر على ضده وإن الكافر مذموم على الكفر ولا يقدر على ضده.

وتذهب المجوس إلى القول بتكليف ما لا يطاق وهو رأيها الذي تدين به في الاعتقاد ولهم في السنة يوم يأخذون فيه بقرة قد زينوها فيربطون يديها ورجليها أوثق رباط ثم يقربونها إلى سفح الجبل ويضربونها لتصعد فإذا رأوا أن قد تعذر عليها ذلك قتلوها ويسمون هذا اليوم عيد الباقور.

وهذا هو مذهب المجبرة في القول بتكليف ما لا يستطاع فهم مجوس هذه الأمة وقدريتها بما اقتضاه هذا البيان.

وقد قالت العدلية للمجبرة إن من أدل دليل على أنكم القدرية قولكم إن جميع أفعال العباد بقدر من الله عزوجل وإنه الذي قدر على المؤمن أن يكون مؤمنا وعلى الكافر أن يكون كافرا وإنه لا يكون شيء إلا أن يقدره الله تعالى.

قالت المجبرة بل أنتم أحق بهذا لأنكم نفيتم القدر وجحدتموه وأنكرتم أن يكون الله سبحانه قدر لعباده ما اكتسبوه.

قالت العدلية قد غلطتم فيما ذكرتموه وجرتم فيما قضيتموه لأن الشيء يجب أن ينسب إلى من أثبته وأوجبه لا إلى من نفاه وسلبه ويضاف إلى من أقر به واعتقده لا إلى من أنكره وجحده فتأملوا قولنا تعلموا أنكم القدرية دوننا.

تهمة المعتزلة للشيعة بالإرجاء

فصل وقد ظنت المعتزلة أن الشيعة هم المرجئة لقولهم إنا نرجو من الله تعالى العفو عن المؤمن إذا ارتكب معصية ومات قبل أن تقع منه التوبة.

١٢٤

وهذا غلط منهم في التسمية لأن المرجئة اسم مشتق من الإرجاء وهو التأخير يقال لمن أخر أمرا أرجأت الأمر يا رجل فأنت مرجئ قال الله (أَرْجِهْ وَأَخاهُ) أي أخره وقال تعالى :

(وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) يعني مؤخرون إلى مشيته.

وأما الرجاء فإنما يقال منه رجوت فأنا راج فيجب أن تكون الشيعة راجية لا مرجئة. والمرجئة.

هم الذين أخروا الأعمال ولم يعتقدوها من فرائض الإيمان وقد لعنهم النبي عليهم السلام فيما وردت به الأخبار.

حدثنا القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن محمد بن صخر الأزدي البصري بمصر سنة ست وعشرين وأربعمائة قراءة منه علينا قال أخبرنا أبو القاسم عمر بن محمد بن يوسف قال حدثنا علي بن محمد بن مهرويه القزويني ببغداد سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة قال حدثنا داود بن سليمان العادي قال حدثنا علي بن موسى الرضا قال حدثنا أبي الحسين بن علي قال حدثني أبي علي بن أبي طالب عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صنفان من أمتي ليس لهم في الآخرة نصيب المرجئة والقدرية

أغلاط للمعتزلة

فصل واعلم أن المعتزلة لها من الأغلاط القبيحة والزلات الفضيحة ما يكثر تعداده وقد صنف ابن الراوندي كتاب فضائحهم فأورد فيه جملا

_________________

(١) يبدو أن هنا سقطا في سلسلة السند ، وهي : حدّثنا أبي موسى بن جعفر قال حدّثنا أبي ، جعفر بن محمّد ، قال حدّثني أبي محمّد بن علي قال : حدّثني أبي الخير إلخ.

(٢) هو أحمد بن الحسين بن إسحاق البغداديّ مات سنة ٢٤٥ ه له كتب كثيرة منها : كتاب فضيحة المعتزلة الذي ردّ عليه ابن الخياط المعتزلي بكتابه الانتصار وهو يرمي بالزندقة.

١٢٥

من اعتقاداتهم وآراء شيوخهم مما ينافر العقول ويضاد شريعة الرسول ص.

وقد وردت الأخبار بذمهم من أهل البيت ولعنهم جعفر بن محمد الصادق ع

فقال لعن الله المعتزلة أرادت أن توحد فألحدت ورامت أن ترفع التشبيه فأثبتت.

فمن أقبح ما تعتقده المعتزلة وتضاهي فيه قول الملحدة قولهم إن الأشياء كلها كانت قبل حدوثها أشياء ثم لم يقنعهم ذلك حتى قالوا إن الجواهر في حال عدمها جواهر وإن الأعراض قبل أن توجد كانت أعراضا حتى أن السواد عندهم قد كان في عدمه سوادا وكذلك الحركة قد كانت قبل وجودها حركة وسائر الأعراض يقولون فيها هذا المقال.

ويزعمون أن جميع ذلك في العدم ذوات كما هو في الوجود ذوات. وهذا إنكار لفعل الفاعل ومضاهاة لمقال الملحدين وقد أطلقوا هذا القول إطلاقا فقالوا إن الجواهر والأعراض ليست بفاعلها وفسروا ذلك فقالوا أردنا أن الجوهر لم يكن جوهرا بفاعله ولا كان العرض أيضا بفاعله وأنهما على ما هما عليه من ذلك لنفوسهما قبل وجودهما ولا بجاعل جعلها وهذا تصريح غير تلويح.

وقال لهم شيوخنا وعلماؤنا فإذا كانت الذوات في عدمها ذواتا والجواهر والأعراض قبل وجودها جواهر وأعراضا فما الذي صنع الصانع؟

قالت المعتزلة أوجد هذه الذوات.

قال أهل الحق لهم ما معنى قولكم أوجدها وأنتم ترون أنها لم تكن أشياء به ولا ذواتا بفعله ولا جواهر ولا أعراضا أيضا بصنعته.

قالت المعتزلة معنى قولنا إنه أوجدها أنه فعل لها صفة الوجود.

قال أصحابنا فإذا ما فعلها ولا تعلقت قدرته بها وإنما المفعول المقدور هو الصفة دونها فأخبرونا الآن ما هذه الصفة لنفهمها وهل هي نفس الجوهر

١٢٦

ونفس العرض فهما اللذان فعلا فكانا جوهرا وعرضا بفاعلهما وإن قلتم إنهما شيء آخر غيرها فهل هي شيء أم ليست بشيء.

واعلموا أنكم إن قلتم إنها شيء لزمكم أن تكون في عدمها أيضا شيئا وإن قلتم إنها ليست بشيء نفيتم أن يكون الله تعالى فعل شيئا.

قالت المعتزلة هي أمر معقول ولم تزد على ذلك وأتت فيه بنظير ما أتى أصحاب الكسب المخلوق (١).

وجميع المعتزلة على هذا القول إلا أبو القاسم عبد الله بن أحمد البلخي فإنه يرى أن الأشياء قد كانت كلها في عدمها أشياء ولم تكن جواهر ولا أعراضا ولا ذواتا وإنما جعلت كذلك بفاعلها ولم تكن أشياء بفاعلها فقد تبين لك رأى المعتزلة في هذا.

نظرية الأصلح

فصل من الكلام في الأصلح = وقد اشتهر عن المعتزلة أنها من أهل العدل وذلك لقولها إن الله تعالى لا يكلف العبد إلا ما يستطيع.

ولها مع ذلك قول تنسب الله عزوجل فيه إلى الأمر القبيح وتضاد به ما أوجبه الدليل من وصفه بالحسن الجميل وهو ما ذهب إليه الجبائي وابنه عبد السلام ومن وافقها وهم اليوم أكثر المعتزلة من أن الله تعالى وإن كان عدلا كريما فإنه لا يفعل بخلقه الأصلح ولا يتفضل عليهم بالأنفع وإنه يقتصر بهم من النفع والصلاح على نهاية غيرها أفضل منها وأصلح مع حاجتهم إلى ما يمنعهم إياه من الصلاح أو فقرهم إلى المنافع التي حرمهم إياها من الإنعام والإحسان وهو قادر على ما يحتاجون إليه ومع ذلك هو غني عن منعه عالم بحسن بذله وفعله والعباد يتضرعون إليه في التفضل عليهم به فلا يرحم

_________________

(١) هم القائلون بأن للعبد إرادة مقارنة لإرادة اللّه تعالى التي هي الفاعلة فقط دون إرادة العبد ، غاية ما هناك أن إرادة العبد المفترضة هي المصحّحة للثواب والعقاب وإن لم يكن لها أي أثر في وجود الأفعال وتسمى هذه الإرادة أو هذه القدرة بالكاسبة أي التي بها يكتسب العبد التكليف والثواب والعقاب.

١٢٧

تضرعهم ويسألونه المنة بفعله فلا يجيبهم ويرجونه فيخيب رجاءهم ويتمنونه من فعله فلا يهب لهم مناهم تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

والذي نذهب في ذلك إليه مما وافقنا البلخي (١) فيه.

هو أن الله سبحانه متفضل على جميع خلقه بنهاية مصالحهم متطول عليهم بغاية منافعهم لا يسألونه صلاحا إلا أعطاهم ولا يلتمسون منه ما يعلم أنه لهم أنفع إلا فعله بهم ولا يمنعهم إلا مما يضرهم ولا يصدهم إلا عما يفسدهم ولا يحول بينهم وبين شيء يصلحهم وأنه لا يقضي عليهم بشيء يسرهم أو يسوؤهم إلا وهو خير لهم وأصلح مما صرفه عنهم.

والذي يدل على ذلك هو ما ثبت من أن الله تعالى عالم بقبح القبيح وغني عن فعله لا يجبر على الحسن ولا يحتاج إلى منعه وأنه مستحق للوصف بغاية الجود ومنفي عنه البخل والتقصير خلق الخلق لمنافعهم واخترعهم لمصالحهم. فلو منعهم صلاحا لناقض ذلك الغرض في خلقهم ولم يكن مانعا نفعا هو قادر عليه عالم بحسنه إلا لحاجة إليه أو للبخل به أو الافتقار في صنعه وذلك كله منفي عن الله سبحانه.

ومما يدل على صحة ما ذهبنا إليه أنا وجدنا الحكيم إذا كان آمرا بطاعته فلن يجوز أن يمنع المأمور ما به يصل إليها إذا كان قادرا على أن يعطيه إياه وكان بذله له لا يضره ولا يخرجه من استحقاق الوصف بالحكمة ومنعه لا ينفعه.

وكذلك إذا كان له عدو يدعوه إلى موالاته ويحب رجوعه إلى طاعته فلن يجوز أن يعامله من الغلظة أو اللين إلا مما يعلم أنه أنجع فيما يريده منه وأدعى له إلى ترك ما هو فيه من عداوته والرجوع إلى ولايته فإن عرض له أمران من الشدة والغلظة أو الملاطفة والملاينة يعلم أن أحدهما أدعى لعدوه إلى المراجعة والإنابة والآخر دون ذلك ففعل الدون وترك أن يفعل

_________________

(١) هو أبو القاسم البلخيّ تقدمت ترجمته.

١٢٨

الأصلح إلا الأدعى وكلاهما في قدرته سواء ولا يضره بذلهما ولا ينفعه منعهما كان عند الحكماء جميعا مذموما خارجا عن استحقاق الوصف بالجود والحكمة.

فلما كان هذا فيما بينا على ما وصفنا وكان الله تعالى قادرا حكيما جوادا عالما بمواضع حاجة عباده آمرا لهم بطاعته وترك عداوته والرجوع إلى ولايته لا يضره الإعطاء ولا يلحق به صفة الذم ولا ينفعه المنع ولا يزيد في ملكه علمنا أنه لا يفعل بعباده إلا ما كان أصلح بحالهم وأدعاها إلى طاعته صحة كان أو سقما لذة كان أو ألما آمنوا أو كفروا أطاعوا أم عصوا قال الله تعالى لرسوله عليهم السلام :

(فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى). هذا حين علم أن الدعاء على جهة اللين أصلح له ثم قال في موضع آخر

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) الأنعام ٤٢.

حين كانت الشدة والغلظة أصلح في دعائهم إلى التضرع والخشوع لديهم وأعلم أن الأصلح إذا فعل بالعبد لا يضطره إلى إيجاد الفعل وإنما هو تيسر في إيجاده ومعونة عليه كما أن القدرة لا تضطر العبد إلى إيجاد الفعل وإنما هي تمكين منه وإزاحة للعلة فيه.

فمن نسب الله تعالى إلى أنه تعالى لا يفعل بمن كلفه (١) الأصلح فقد جعله بخيلا ومقتصدا ومن نسبه إلى أن لا يعطي من كلفه الطاعة القدرة عليها فقد جعله ظالما جائرا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

نقوض على هذه النظرية مع دفعها

فإن قال قائل إذا كان قد فعل بجميع خلقه الأصلح فقد ساوى بين وليه وعدوه ومن ساوى بينهما فغير حكيم في فعله.

_________________

(١) في النسخة زيادة كلمة (إلا) فحذفناهما لئلا ينقلب المعنى المقصود.

١٢٩

قلنا إنما التسوية بينهما أن يثيبهما جميعا أو يمدحهما أو يفعل بهما جميعا ما يشتهيانه ويلذهما وليس التسوية بينهما أن يفعل لهما ما يكون أدعى إلى طاعته وأزجر عن معصيته.

ألا ترى أن رجلا لو كان له عبدان قد أطاعه أحدهما وعصاه الآخر فقصد إلى الذي أطاعه فمدحه وأعطاه لتزداد بذلك رغبته في طاعته ويرغب عبيده في فعلها وقصد إلى الآخر فشتمه وعاقبه على ذنبه الذي ارتكبه ليزجره عن معصيته ويصير إلى طاعته وينزجر غيره أيضا عن مثل فعله لكان قد فعل بكل واحد منهما ما هو أصلح له ولم يجز أن يقال مع ذلك أنه قد ساوى بينهما وقد أمر الله تعالى عبديه المؤمن والكافر بالطاعة ونهاهما جميعا عن المعصية وأقدرهما على ما كلفهما وأزاح عللهما ولا يقال مع ذلك إنه قد ساوى بينهما إلا أن يراد بالمساواة أنه قد عدل فيهما ولم يظلم أحدهما فذلك صحيح.

فإن قال إذا أوجبتم أن يفعل بعباده كل ما فيه صلاحهم في دينهم وفي أداء ما كلفهم فقد أوجبتم أن لما عنده مما فيه صلاحهم غاية ونهاية.

قلنا لسنا نقول ذلك بل نقول لا غاية لما عند الله تعالى مما فيه صلاح العباد ولا نهاية له ولا نفاد وإن في سلطانه وقدرته أمثالا لما فعله بهم مما فيه صلاحهم ولكنه إنما يأتيهم من ذلك في كل وقت بقدر حاجتهم وما يعلم أنه الأصلح لهم.

فإن قال فإذا كان الذي فعل بهم مما تقولون إنه الأصلح لهم أمثال فقد وجب إذا جمعت لهم تلك الأمثال أن تكون أصلح لهم من الواحد.

قلنا لهم ليس يجب ذلك.

ومما يدل على أن القول ما قلنا أنه يكون صلاح المريض مقدارا من الدواء ولذلك المقدار من الدواء أمثال لو جمعت كلها له لصار تضررا عليه ولقتلته.

وكذلك الجائع قد يكون مقدار من الطعام فيه صلاحه ولذلك المقدار

١٣٠

أمثلة لو ضمت فأكلها لعادت عليه ضررا ولأمرضته.

وكذلك قد يكون معنى هو صلاح العبد في دينه وله أمثال لو جمعت له لم يكن فيها صلاحه بل كان فيها ضرره وفساده.

وقد جاءت الأخبار عن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأن الله لا يفعل بعبده إلا أصلح الأشياء له.

أخبرني شيخنا المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه قال أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن يحيى بن إبراهيم عن عاصم بن عبيد عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين أنه قال الصبر والرضا عن الله رأس طاعة الله ومن صبر ورضي عن الله بما قضى عليه فيما أحب أو كره هو خير له.

وقد ظن من لا معرفة له أنا لما قلنا إن الله تعالى يفعل بعباده الأصلح لهم أنه يلزمنا على ذلك أن يكون ما يفعله بأهل النار من العذاب أصلح لهم. وقد رأيت من أصحابنا من يلتزم ذلك ويقول قد أخبر الله تعالى عن أهل النار أنهم (لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) قال ولو ردوا وعادوا لاستحقوا من العذاب أكثر مما يفعل بهم في النار فالاقتصار بهم على ما هم فيه أصلح لهم.

وهذا غير صحيح والأصلح أنما هو التيسير إلى فعل الطاعة وتسهيل الطريق التي هي تناولها وهذا لا يكون إلا في حال التكليف دون غيرها. فأما الآية فإنما تضمنت تكذيب أهل النار فيما قالوه لأن الله تعالى أخبر عنهم فقال (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الأنعام : ٢٧.

فقال الله تعالى مكذبا لهم :

(بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ). الأنعام : ٢٨.

١٣١

رأي الجبائي ومن تبعه من المعتزلة في الترك ومناقشة المصنف له

فصل من الكلام في الترك

وقد اختار عبد السلام الجبائي لنفسه قولا قبيحا ضاهى فيه قول المجبرة إن الله تعالى يعذب العبد على ما لم يحدثه وزاد عليهم بأنه قال إنه يعذب العبد من غير فعل فعله ولا شيء اكتسبه.

وذلك لأنه يقول إن ترك الطاعة التي افترضها الله تعالى وأوجبها يجوز أن لا يكون فعلا ثم يعذب الله تعالى العبد لأنه ترك وإن لم يكن ترك شيئا لا فعلا ولا كسبا.

وهذا قول انفرد به ورأي استحدثه ثم تبعه معظم المعتزلة عليه من بعده.

والذي يدل على أن الله تعالى لا يعذب العبد إلا على فعل فعله أنا رأينا العذاب أنما يستحقه من يستحق الذم واللوم ورأينا في الشاهد أنا لا نستحسن ذم أحد إلا وقد استقبحنا حالا حصل المذموم عليها متى ارتفعت من أوهامنا ارتفع استحساننا لذمه ومتى حصلت حسن ذمه حتى أنه متى خفي أمره فلم يعلم على أي حال هو لم يستحسن حمده ولا ذمه إلا بتعليقه بحال ما حصل عليها نستحسنها في عقولنا أو نستقبحها فنقول إن كان على كذا حسن حمده وقبح ذمه وإن كان على كذا حسن ذمه وقبح حمده.

وكذلك من انتهى إلى آخر أوقات الظهر حتى تيقن أنه لم يبق من وقته إلا مقدار أربع ركعات من أخف ما يجزى وهو قادر ممكن ذاكر للواجب عليه من الصلاة فلم يصل فإن العقول لا تمتنع من استقباح حال هذا الإنسان على أي هيئة حصل عليها من اضطجاع أو قعود أو قيام أو مشي أو غير ذلك من الهيئات التي لا تصح معها الصلاة.

وقد علمنا أن الاستقباح يتعلق بمستقبح فقد وجب أن يكون هناك

١٣٢

قبيح وإذا كان هذا الاستقباح أنما يوجد عند وجود إحدى تلك الهيئات ويعدم بعدمها لأنها متى عدمت كان مصليا وجب أن تكون هي القبيح الذي تعلق به الاستقباح.

ولذلك ثبت حسن ذمه في عقولنا عند حصول هذا الاستقباح ووجود هذه الهيئة وإلا لم يحسن وإذا ثبت أن لهذه الهيئة حسن ذمه ثم استدللنا بدلائل حدوث الهيئات أن هذه الهيئة حادثة من فعله صح بذلك أنه لا يحسن ذم الإنسان إلا على فعله.

وكذلك سبيل سائر المستحقين للذم إنهم لا يستحقون إلا وقد جروا مجرى هذا التارك للصلاة.

وإذا كان الذم لا يحسن إلا لما قلنا وجب أن يكون العقاب لا يحسن إلا له وذلك بين لمن تأمله.

فإن اعترضه معترض في هذا وقال ما تنكرون أن يكون الإنسان يستحق الذم لأنه لم يفعل ما وجب عليه إذا كان قد يحسن من العقلاء فيما بيننا إذا لاموا إنسانا فقيل لهم لم لمتموه إن يقولوا لأنه لم يفعل ما وجب عليه ويقتصروا على هذا القدر في استحقاقه الذم.

قلنا إنا لسنا نمنع من أن يكون الإنسان يعبر عن الشيء ويريد غيره مما يتعلق به مجازا واستعارة أو لعادة جارية أو لدلالة قائمة فيعبر في حال بعبارة نفي والمراد بها إثبات ضد المنفي ألا ترى أنا نقول للإنسان أنت قادر على أن لا تمضي مع فلان وعلى أن لا تقوم معه وأنا أريد منك أن لا تصحبه ولا تمشي معه.

القدرة عندنا وعند مخالفينا أنما هي قدرة على أن يفعل الشيء ليس على أن لا يفعل.

_________________

(١) في النسخة زيادة كلمة أن المصدرية.

١٣٣

فقولنا أنت قادر على أن لا تمشي معه أنما نريد أنه قادر على أن يفعل ضد الشيء وما لا يقع المشي معه وكذلك في الإرادة.

وإذا كان هذا كما وصفنا لم يجز لعاقل أن يقتصر في هذا الباب على ما يطلقه الناس من عباراتهم ويدع التأمل للمعنى الذي تعلق به الذم في العقول. وأيضا فإنا نعلم أنهم كما يقولون لمن لم يصل أسأت إن لم تصل فكذلك يقولون له أسأت في تركك الصلاة وتشاغلك عنها بما لا يجدي عليك في دين ولا دنيا وفرطت وضيعت وظلمت زيدا إذ منعته حقه الذي له عليك وفعلت ما لا يحل ولا يحمد فيعلقون الذم في ظاهر القول بأفعال وقد علمنا أنهم لم يقصدوا من الذم بأحد القولين إلا إلى ما يقصدونه بالآخر وفي أحد القولين الإفصاح عن فعل عقلوه فوجب أن يكون هو المقصود بالقول الآخر وهو الفعل المعقول الذي هو الترك.

فصل

واعلم أن الفاعل المحدث لا يخلو من أخذ أو ترك وهما فعلان متضادان فهو لا يعرو من الأفعال في تعاقب الأضداد.

ولا يقال إن الله سبحانه لا يخلو من أخذ أو ترك لأنه يصح أن يخلو من الأفعال وليس هو بمحل للأعراض ولا لتعاقب الأضداد.

والترك في الحقيقة يختص بالمحدثين ولا يوصف الله تعالى به إلا على المجاز والاتساع ولا يصح أن يقال إنه لم يزل تاركا في الحقيقة لأن ذلك يوجب أنه لم يزل خاليا من الأفعال والقول الصحيح أنه كان قبل خلقه ليس بفاعل ولا تارك متقدما لجميع الأفعال فافهم ما ذكرناه.

مواعظ وكلمات في النهي عن الظلم

فصل مما ورد في ذكر الظلم

روى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله الصادق عليهم السلام أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

١٣٤

أوحى الله تعالى إلى نبي من أنبيائه ابن آدم اذكرني عند غضبك أذكرك عند غضبي فلا أمحقك فيمن أمحق فإذا ظلمت بمظلمة فارض بانتصاري لك فإن انتصاري خير من انتصارك لنفسك واعلم أن الخلق الحسن يذيب السيئة كما تذيب الشمس الجليد وأن الخلق السيئ يفسد العمل كما يفسد الخل العسل.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

من ولى شيئا من أمور أمتي فحسنت سريرته لهم رزقه الله تعالى الهيبة في قلوبهم ومن بسط كفه لهم بالمعروف رزق المحبة منهم ومن كف يده عن أموالهم وقى الله عزوجل ماله ومن أخذ للمظلوم من الظالم كان معي في الجنة مصاحبا ومن كثر عفوه مد في عمره ومن عم عدله نصر على عدوه ومن خرج من ذل المعصية إلى عز الطاعة آنسه الله عزوجل بغير أنيس وأعانه بغير مال.

وروي أن في التوراة مكتوبا :

من يظلم يخرب بيته

ومصداق ذلك في كتاب الله عزوجل:

(فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا) النمل : ٥٢.

وقيل :

إذا ظلمت من دونك عاقبك من فوقك.

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

إن الله تعالى يمهل الظالم حتى يقول أهملني ثم إذا أخذه أخذه أخذة رابية.

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

إن الله تعالى حمد نفسه عند هلاك الظالمين فقال :

(فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) الأنعام : ٤٥

ومن كلام أمير المؤمنين عليهم السلام في ذلك :

١٣٥

لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فإنما يسعى في مضرته ونفعك وليس جزاء من سرك أن تسوءه.

ومن سل سيف البغي قتل به.

ومن حفر لأخيه بئرا وقع فيها.

ومن هتك حجاب أخيه هتكت عورات بيته.

بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد.

أسد حطوم خير من سلطان ظلوم.

وسلطان ظلوم خير من فتن تدوم.

اذكر عند الظلم عدل الله فيك وعند القدرة قدرة الله عليك.

قال المتنبئ :

وأظلم خلق الله من بات حاسدا

لمن بات في نعمائه يتقلب

كلمات لأمير المؤمنين عليهم السلام وغيره في ذم الحسد

فصل

قال أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد نفس دائم وقلب هائم وحزن لازم.

وقال عليهم السلام

الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له إليه بخيل بما لا يملكه.

وقال عليهم السلام :

الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.

وقال عليهم السلام :

الحسد آفة الدين وحسب الحاسد ما يلقى.

وقال ع :

١٣٦

لا مروءة لكذوب ولا راحة لحاسد ويكفيك من الحاسد أنه يغتم وقت سرورك.

وقال عليهم السلام الحسد لا يجلب إلا مضرة وغيظا يوهن قلبك ويمرض جسمك وشر ما استشعر قلب المرء الحسد تغنم (١) ونق قلبك من الغل تسلم.

وقال عليهم السلام الحسود سريع الوثبة بطيء العطفة مغموم واللئيم مذموم.

وقال عليهم السلام لا غنى مع فجور ولا راحة لحسود ولا مودة لملول.

وقال لقمان لابنه إياك والحسد فإنه يتبين فيك ولا يتبين فيمن تحسده.

وقال آخر ليس في خلال الشر خلة هي أعدل من الحسد لأنه يقتل الحاسد قبل أن يصير إلى المحسود.

وقال آخر إذا مطر التحاسد نبت التفاسد.

وقال آخر كل الناس أقدر أن أرضيهم إلا الحاسد فإنه لا يرضيه إلا زوال نعمتي.

أنشدت للشريف الرضي أبي الحسن محمد الموسوي

لو كنت أحسد ما تجاوز خاطري

حسد النجوم على بقاء السرمد

لا تغبطن على ترادف نعمة

شخصا تبيت له المنون بمرصد

إذ ليس بعد بلوغه آماله

أفضى إلى عدم كأن لم يوجد

فصل

لا تخضعن لمترف متكبر

إن كان ذا مال وأنت عديما (٢)

_________________

(١) كذا وردت

(٢) كذا وردت ولعلّ الصحيح : وكنت عديما.

١٣٧

واصبر على مضض الزمان وعيبه

حتى يساعد أو تموت كريما

فلأن يموت المرء غير مذمم

خير له من أن يعيش ذميما

غيره في اليأس عز واتباع مطامع الآمال ذل وطلاب ما لم يقض صعب وهو في المقدور سهل. غيره وهو صخرة التميمي

وللموت خير للفتى من علاقة

من العار يرميه بها كل قائل

وأنشدني أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمزة قال أنشدني أبو طاهر الخوارزمي للقاضي الجرجاني (١)

يقولون لي فيك انقباض وإنما

رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما

إذا قيل هذا مورد قلت قد أرى

ولكن نفس الحر تحتمل الظمأ

وما كل برق لاح لي يستفزني

ولا كل من لاقيت أرضاه منعما

ولو أن أهل العلم صانوه صانهم

ولو عظموه في النفوس لعظما

ولكنهم قد دنسوه وعرضوا

محياه للأطماع حتى تجهما

_________________

(١) هو القاضي أبو الحسن عليّ بن عبد العزيز الجرجانيّ الفقيه الشافعي المتوفى بالري سنة ٣٤٢ / ٣٦٦ ه) ، أطراه الثعالبي في اليتيمة ، وذكر كثيرا من شعره ، ومنه الأبيات المذكورة بزيادة ونقصان وتجده ترجمته في الكنى والألقاب للقمي ، وفي وفيات الأعيان وشذرات الذهب ومعجم الأدباء وطبقات المفسرين.

١٣٨

ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي

لأخدم من لاقيت إلا لأخدما

أأغرسه عزا وأجنيه ذلة

إذا فاتباع الجهل قد كان أحزما

وأنشدت لعبد المحسن الصوري : (١)

كد كد العبد إن أحببت أن تحسب حرا

واقطع الآمال من جود بني آدم طرا

لا تقل ذا مكسب يزري

ففضل الناس أزري

فصل

أقوال وكلمات في الصبر

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :

الصبر ستر من الكروب وعون على الخطوب

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :

بالصبر يتوقع الفرج ومن يدمن قرع الباب يلج.

وقال عليهم السلام :

الصبر صبران صبر عند البلاء وأفضل منه الصبر عند المحارم.

ومن كلام أمير المؤمنين عليهم السلام :

الصبر مطية لا تكبو والقناعة سيف لا ينبو.

_________________

(١) هو عبد المحسن بن محمّد بن أحمد بن غالب بن غلبون الصوري العاملي أحد الشعراء المحسنين والأدباء المجيدين أورد الثعالبي في اليتيمة طائفة كبيرة من شعره ، وتجد ترجمته في أمل الآمل للحر العاملي وفي وفيات الأعيان. ومن شعره :

وكم آمر بالصبر لم ير لوعتي

وما صنعت نار الرأس بين أحشائي

 ومن أين لي صبر وفي كل ساعة

أرى حسناتي في موازين أعدائي.

وله مرثاة جيدة في الشيخ المفيد شيخ الشيعة الإماميّة في عصره المتوفّى سنة (٤١٣ ه) وقد توفي الصوري سنة (٤٨٩ ه).

١٣٩

من كنوز الإيمان الصبر على المصائب.

الصبر جنة من الفاقة.

اطرح عنك الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين.

من صبر ساعة حمد ساعات.

وقال آخر

أفضل العدة الصبر على الشدة.

وقال آخر

بالصبر على مرارة العاجل ترجى حلاوة الآجل.

وقال آخر

الصبر كاسمه وثمرته ثمرته.

لبعض

اصبر لدهر نال منك

فهكذا مضت الدهور

فرح وحزن مرة

لا الحزن دام ولا السرور

كتب رجل إلى أخيه :

الصبر مجنة المؤمن وسرور الموقن وعزيمة المتوكل وسبب درك الحاجة و (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ).

قال ديك الجن : (١)

من كان يبغي الذل في دهره

فليطلع الناس على فقره

ما للفتى إن عضه دهره

معول أكرم من صبره

_________________

(١) هو عبد السلام بن رغبان الحمصي شاعر معروف مجيد ، وكان يتشيع وله مراث كثيرة في الحسين (عليهم السلام) توفّي سنة (٢٣٥ ه) وقد نسب إلى الإلحاد لتشيعه ، وهي الطريقة التي كانت متبعة في أمثاله من الشيعة كيدا واضطهادا وتجد أخباره في الأغاني وابن خلّكان وحياة الحيوان وسواها.

١٤٠