كنز الفوائد - ج ١

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي

كنز الفوائد - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي


المحقق: الشيخ عبدالله نعمه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩١
الجزء ١ الجزء ٢

وقيل ليحيى بن خالد (١) وهو في الحبس وقد احتاج لو كتبت إلى فلان فإنه صديقك فقال دعوه يكون صديقا.

لبعضهم :

قد أخلق الدهر ثوب المكرمات فلا

تخلق لوجهك في الحاجات ديباجة

ولا يغرنك إخوان تعدهم

أنت العدو لمن كلفته حاجة

لغيره :

ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها

فحيث ما انقلبت يوما له انقلبوا

مساعدوه على الدنيا فإن وثبت

يوما عليه بما لا يشتهي وثبوا

لغيره :

هي توبتي من أن أظن جميلا

بأخ ودود أو أعد خليلا

كشفت لي الأيام كل خبيئة

فوجدت إخوان الصفاء قليلا

الناس سلمك ما رأوك مسلما

ورأوا نوالك ظاهرا مبذولا

فإذا امتحنت بمحنة ألفيتهم

سيفا عليك مع الردى مسلولا

 للشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين الموسوي رحمه‌الله

وقد كنت مذ لاح المشيب بعارضي

أنقر (٢) عن هذا الورى وأكشف

فما إذ عرفت الناس إلا ذمتهم

جزى الله خيرا كل من لست أعرف

ولإبراهيم بن هلال الصابي :

أيا رب كل الناس أبناء علة (٣)

أما تغلط الدنيا لنا بصديق

وجوه بها من مضمر الغل شاهد

ذوات أديم في النفاق صفيق (٤)

إذا اعترضوا عند اللقاء فإنهم

قذى لعيون أو شجا لحلوق

وإن عرضوا (٥) برد الوداد وظله

أسروا من الشحناء حر صديق

_________________

(١) هو يحيى بن خالد البرمكي كان رجل الدولة العباسية عقلا ورأيا وسياسة وكان إلى هذا من الخطباء البلغاء الأجواد ، حبسه الرشيد بعد فتكه بالبرامكة ومات في الحبس سنة ١ ٩٠ ه.

(٢) في النسخة (انفّر) بدل انقّر

(٣) أي أبناء ضرة.

(٤) الصفيق السميك.

(٥) في النسخة أعرضوا والأوجه ما ذكرناه.

١٠١

ألا ليتني حيث انتوت أفرخ القطا

بأقصى محل في البلاد سحيق

أخو وجدة قد آنستني كأنثى

بها نازل في معشري وفريقي

فذلك خير للفتى من ثوابه

بمسغبة من صاحب ورفيق

لغيره :

اسم الصديق على كثير واقع

وقد اختبرت فما وجدت فتى يفي

كعجائب البحر التي أسماؤها

مشهورة (١) وشخوصها لم تعرف

لأحمد بن إسماعيل :

مذ سمعنا باسم الصديق فطالبنا

بمعناه فما استفدنا صديقا

أتراه في الأرض يوجد لكن

نحن لا نهتدي إليه طريقا

أم ترى قولهم صديق مجازا

لا نرى تحت لفظه تحقيقا

لعبد الملك بن مروان (٢) :

صديقك حين تستغني كثير

وما لك عند فقرك من صديق

فلا تأسف على أحد إذا ما

لهي عنك الزيارة وقت ضيق

 لبعضهم :

هو خل ولكن

لعن الله ولكن

لفظة في ضمنها السوء

تحامي في أماكن

 مسألة فقهية

رجل صحيح دخل على مريض فقال له أوص فقال بما أوصي وإنما يرثني زوجتاك وأختاك وعمتاك وخالتاك وجدتاك وفي ذلك يقول الشاعر

أتيت الوليد ضحى عائدا

وقد خامر القلب منه السقاما

فقلت له أوص فيما تركت

فقال ألا قد كفيت الكلاما

ففي عمتيك وفي جدتيك

وفي خالتيك تركت السواما

_________________

(١) في النسخة معروفة مشهورة.

(٢) هو أحد ملوك بني أميّة ، وهو الذي وطد حكمهم وقضى على عبد اللّه بن الزبير وعبد الرحمن بن الأشعث وعلى عمرو بن سعيد الأشدق ، كان معروفا بالحزم والحنكة ولد سنة ٢٦ ه وتوفي سنة ٨٦ ه.

١٠٢

وزوجاك حقهما ثابت

وأختاك منه تحوز التماما

هنالك يا ابن أبي خالد

ظفرت بعشر حويت السهاما

الجواب

هذا المريض تزوج جدتي الصحيح أم أمه وأم أبيه فأولد كل واحدة منها ابنتين فابنتاه من جدته أم أمه خالتا الصحيح (١) وتزوج الصحيح جدتي المريض أم أبيه وأم أمه وتزوج أبو المريض أم الصحيح فأولدها ابنتين فقد ترك المريض أربع بنات وهما عمتا الصحيح وخالتاه وترك جدتيه وهما زوجتا الصحيح وترك امرأتيه وهما جدتا الصحيح وترك أختيه لأبيه وهما أختا الصحيح لأمه فلبناته الثلثان ولزوجته الثمن ولجدتيه السدس ولأختيه لأبيه ما بقي.

وهذه القسمة على مذهب العامة دون الخاصة (٢).

شبهة المجبرة

استدل المجبرة على أن الإيمان فعل الله تعالى أن قالت قد قال الله تعالى (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ولا شك أنه أراد بذلك تعليمنا سؤاله فلا تخلو هذه الهداية التي تسأل فيها من حالتين إما أن تكون الدلالة على ما يقولون وإما أن يكون الإيمان على ما نقول. وزعموا أنها لا تصح أن تكون الدلالة لأن الله عزوجل قد فعلها قالوا ولا يجوز أن تسأله في فعل ما قد فعله وإذا لم يصح أن يكون السؤال في الدلالة فما هو إلا في أن يفعل لنا الإيمان فنكون بفعله مهتدين.

_________________

(١) هنا كما يبدو قد سقط بيان نسبة البنتين المولودتين من أم أبيه ، وهما يكونان عمتي الصحيح.

(٢) لأنّه لا يرث في مذهب الإماميّة في مثل هذه المسألة إلّا بنات الميت وزوجتاه أما جدتاه وأختاه فلا ارث لها هنا.

(٣) سورة الفاتحة آية ٦.

١٠٣

نقض عليهم

أما قولهم إن هذه الهداية المسئول فيها لا تخلو في حالتين إما أن تكون الدلالة وإما أن يكون الإيمان فخطأ لأنها قد تحتمل غير ذلك ويجوز أن يكون المراد بها فعل الألطاف التي إذا فعلها الله تعالى ازداد بها الصدر انشراحا للإيمان ولا تكون هذه الألطاف إلا لمن آمن واهتدى وقد تكون الألطاف هداية قال الله تعالى

(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) محمد : ١٧.

وأما قولهم إنها لا تجوز أن تكون الدلالة فخطأ لأن الدلالة وإن كان الله قد فعلها وأزاح علل المكلفين بإقامتها فإنه قد يصح أن تسأله في الزيادة فيها وأن يقوى خواطرنا بالتيسير لنا إدراك أدلة أخرى بعدها.

ولا شبهة في أن ترادف الأدلة زيادة في الهدى.

وأما قولهم إنه لا يجوز سؤال الله تعالى في فعل ما قد فعله فخطأ أيضا وقد يصح أن نسأل الله سبحانه في فعل ما فعله وفي أن لا يفعل ما يجوز أن فعله.

وقد علمنا ذلك في كتابه وندبنا إلى ما فعله عبادة تعبدنا بها ومصلحة هدانا إليها فقال سبحانه حاكيا عن ملائكته (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ). غافر : ٧

ولا شك أنه قد فعل ذلك بهم قبل المسألة منهم.

وكقوله (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ)

ونحن نعلم أنه لا يحكم إلا به.

وكذلك ما تعبدنا به منى من سؤاله أن تصلي على أنبيائه ورسله مع علمنا أنه قد صلى عليهم ورفع أقدارهم.

وحكى لنا سؤال إبراهيم خليله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) وهو يعلم أنه لا يخزيه.

١٠٤

وعلمنا سبحانه كيف تقول (وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) ونحن نعلم أنه لا يكلف عباده ما لا يطيقون.

وقد شهد بذلك قوله عزوجل:

(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) البقرة : ٢٨٦.

وإنما جازت العبادة بذلك ونحوه لما فيه من التذلل والخضوع والاستكانة والخشوع فيجوز على هذا الوجه أن نسأله أن يهدينا الصراط المستقيم بمعنى يدلنا عليه وإن كان قد دل وهدى جميع المكلفين قال الله تعالى :

(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) فصلت ١٧.

مسألة لهم

قالت المجبرة ما معنى قول الله تعالى :

(رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) وكيف يجوز أن يتعبدنا بالدعاء وعندكم أن النسيان من فعله سبحانه ولا تكليف على الناس في حال نسيانه.

جواب

يقال للمجبرة لسنا نحيل أن يكون المراد من النسيان المذكور في هذه الآية السهو وفقد العلم ويكون وجه الدعاء إلى الله تعالى بترك المؤاخذة عليه جاريا مجرى ما تقدم ذكره من الانقطاع إليه وإظهار الفقر إلى مسألته والاستعانة به وإن كان مأمونا منه في المؤاخذة بمثله على المعنى الذي أوضحنا قبل هذه المسألة ويجوز أيضا أن نحمل النسيان المذكور فيها على أن المراد به الترك كما قال سبحانه (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) طه : ١١٥.

أي فترك ولو لا ذلك لم يكن فعله معصية كقوله تعالى (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) أي تركوا طاعته فتركهم من ثوابه ورحمته وقد يقول الرجل لصاحبه لا تنسني من عطيتك أي لا تتركني منها.

وأنشد أبو عرفة :

ولم أك عند الجود للجود قاليا

ولا كنت يوم الروع للطعن ناسيا

يعني تاركا :

١٠٥

ويشهد بصحة ذلك قول الله عزوجل:

(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) بمعنى وتتركون أنفسكم.

فصل :

من الفرق بين مذهبنا ومذهب المجبرة في الأفعال التي نعتقدها. (١)

أن الله تعالى لا يكلف عباده ما لا يطيقون ولا يثيبهم ولا يعاقبهم إلا على ما يفعلون.

وأن الإيمان فعل المؤمن وأن الكفر فعل الكافر.

وتزعم المجبرة أن الله تعالى يكلف العبد ما لا يطيقه ويأمره بما لا يقدر عليه ولا يتأتى منه ويثيبه ويعاقبه على ما لم يفعله والإيمان والكفر فعلان لله تعالى.

ونعتقد أن القدرة التي أعطاها الله تعالى للعبد هي قدرة على الإيمان والكفر وأنه يفعل بهما أيهما شاء باختياره ولا يصح أن يفعلهما معا في حال واحدة لتضادهما فحصل من هذا أن الذي أمره الله بالإيمان ونهاه عن الكفر قادر على ما أمره به ونهاه عنه وصح أنه سبحانه لا يكلف العبد إلا بما يستطيعه.

وتزعم المجبرة أن القدرة التي أعطاها الله عزوجل للعبد لا تصلح إلا لشيء واحد إما للإيمان وإما للكفر.

وأن قدرة الإيمان تضاد قدرة الكفر ولا يصح اجتماعهما معا.

فالذي معه قدرة الإيمان قد كلف ترك الكفر وهو غير قادر عليه والذي معه قدرة الكفر قد كلف فعل الإيمان ولا قدرة معه عليه فحصل من هذا تكليف ما لا يطاق وإلزام ما لا يستطاع تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

ونعتقد أن القدرة على الفعل توجد قبله وأن الفعل يوجد بعدها

_________________

(١) في الأصل نعتقده.

١٠٦

فالمأمور بالإيمان قادر عليه غير فاعل له وإنما أمر بمعدوم ليوجده وهو يقع ويحصل ثاني وقت القدرة كما قدمناه.

وكذلك المنهي عن الكفر إنما نهي وهو قادر على أن يفعل كفرا يقع منه في ثاني حال قدرته فإذا كان كافرا وقت قدرته فكفره ذلك أنما صح منه بقدرة أخرى تقدمته.

وتزعم المجبرة أن القدرة على الفعل توجد هي والفعل معا ولا يتأخر الفعل عنها.

فالمأمور بالإيمان ومعه قدرة عليه إنما أمر بموجود والمنهي عن الكفر ومعه قدرة عليه إنما نهي عن موجود فكأنه قيل للمؤمن افعل ما قد فعلت والموجود المفعول لا يفعل وقيل للكافر لا تفعل ما قد فعلت وما قد فعل ووجد لا يصلح الامتناع منه وهذا تخبيط محكم.

ونعتقد أن القدرة غير موجبة للمقدور ولا حاملة عليه وأن القادر مخير بين أن يفعل الشيء أو ضده بدلا منه.

وتزعم المجبرة أن القدرة موجبة للمقدور حاملة عليه ولا يصح وجودها إلا والمقدور معها.

ونعتقد أن المقدور الكائن بالقدرة هو فعل العبد في الحقيقة سواء كان طاعة أو معصية أو مباحا وأن العبد محدث الفعل وموجده.

وتزعم المجبرة أن جميع المقدورات فعل الله تعالى وهو المحدث لسائر الأفعال في الحقيقة ولا محدث سواه ويقولون إن معنى قولنا إن العبد فعل أنما هو اكتسب فإذا سئلوا عن حقيقة الكسب لم يتحصل منهم فيه فائدة تعقل.

ونعتقد أن الله تعالى لا يريد من العباد إلا الطاعة وأنه مريد لما أمر به كاره لما نهى عنه.

وتزعم المجبرة أن الله تعالى يريد من قوم الطاعة ويريد من آخرين معصيته وأنه قد أمر الكافر بالإيمان ولا يريده منه فقد أمره بما لا يريد ونهى عما أراد.

١٠٧

ونعتقد أن الله تعالى إذا أراد شيئا فهو كان يحبه ويرضاه وإذا كره شيئا فإنه لا يحبه ولا يرضاه.

وتزعم المجبرة أن الله عزوجل قد يريد شيئا ويشاؤه ولا يحبه ولا يرضاه وأنه قد يكره شيئا ويحبه ويرضاه.

وهذه مناقضة لا تخفى على عاقل.

وكل ما ذهبنا إليه في الأفعال بما وصفناه وعددناه فالمعتزلة توافقنا عليه وتخالفنا المجبرة فيه وكل من قال الله لا يكلف عباده ما لا يطيقون ولا يعذبهم على ما لم يفعلوا فهو من أهل العدل ومن خالف في ذلك فهو من أهل الجور والجبر.

قبح التكليف بما لا يطاق

فصل من القول في أن الله تعالى لا يكلف عباده ما لا يطيقون

الذي يدل على أن الله تعالى لا يفعل ذلك أنا وجدنا قد قبحه في عقولنا لا لعلة من نهي أو غيره بل جعل العقول شاهدة بأنه قبيح لنفسه وما كان قبيحا لنفسه لا للنهي عنه فلن يجوز أن يفعله فاعل إلا وقد خرج من كونه حكيما ولو جاز أن يكلفنا سبحانه وتعالى ما لا نطيق لجاز أن يكلف الأعمى النظر والأخرس النطق والزمن (١) العدو ولجاز أن يكلف السيد منا عبده ذلك ويعاقبه على ما لا يقدر عليه وهذا واضح البطلان فعلم أنه لا يكلف أحدا من عباده إلا ما يطيقه ويستطيعه.

فإن قالوا إن تكليف ما لا يطاق قبيح وهو حسن من خالقنا لأن الخلق خلقه والأمر أمره و (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ).

قيل لهم فأجيزوا عليه الإخبار بالكذب وقولنا إن ذلك قبيح بيننا حسن من خالقنا لأن الخلق خلقه والأمر أمره و (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ).

_________________

(١) الزمن هو المقعد الذي لا يستطيع المشي.

١٠٨

فإن اعتقدوا ذلك وجب أن لا يثقوا بشيء مما تضمنه القرآن من الأخبار وإن امتنعوا طولبوا بعلة الامتناع.

فمهما قالوه في قبح الإخبار بالكذب من قول قيل لهم قد قبح تكليف ما لا يطاق مثله.

فأما ما يشهد من القرآن بأن الله تعالى لا يكلف ما لا يطاق فقوله سبحانه :

(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) البقرة : ٢٨٦

وقوله عزوجل

(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) الطلاق : ٧

فصل من القول في أن القدرة على الإيمان هي قدرة على الكفر

مما يدل على ذلك أن الكافر مأمور بالإيمان فلو كانت قدرة الإيمان ليست معه كان قد كلف ما لا يطيقه وقد تقدم القول في فساد هذا.

وإذا كانت معه فلا يجوز أن تكون غير قدرة الكفر الحاصلة له لما في ذلك من اجتماع الضدين فعلم أنها قدرة واحدة تصلح للضدين على أن يفعل بها ما يتعلق به اختيار المكلف منها.

فإن قالوا إذا كانت قدرة على الضدين فيجب أن يفعلهما معا.

قيل لهم لا يجب ذلك لأن القدرة غير موجبة للفعل والقادر بها مخير غير مجبر.

فإن قالوا : فجوزوا أن يختارهما فيفعلهما.

قيل لهم : هذا غير صحيح ولا جائز لأن الاختيار هو أن يختار أحدهما على الآخر فيفعله بدلا منه ولا يصح ذلك فيهما معا.

وبعد فهما ضدان وكل واحد منهما ترك لصاحبه فلا يصح أن يوجدا في حال واحد معا وقد أجمع المسلمون على أن الله تعالى يقدر على أن يبقي العبد

١٠٩

على حاله ويغنيه ويحييه ويميته ولا يجوز أن يفعل ذلك أجمع في وقت واحد.

فإن قيل فإذا كان الله تعالى قد أعطى العبد قدرة تصلح للكفر فقد أراد الكفر منه.

قلنا ليس الأمر كذلك لأن الله سبحانه إنما أعطاه القدرة ليطيع بها مختارا فلو كانت لا تصلح إلا للطاعة لكان في فعلها مضطرا ومثل القدرة كمثل السيف الذي يعطيه السيد لعبده ليقتل به أعداءه وهو يصلح أن يقتل به أولياءه وكالدراهم التي تصلح أن تنفق في الطاعة والمعصية ويدفع إلى من ينفقها في الطاعة وينفقها في المعصية والقدرة معنى تحل القادر يصح به الفعل وهي القوة وهي أيضا الاستطاعة.

فصل من القول في أن القدرة على الفعل توجد قبله

الدليل على أن القدرة متقدمة في الوجود للفعل أنها يحتاج إليها ليحدث بها الفعل ويخرج بها من العدم إلى الوجود فمتى وجدت والفعل موجود فقد وجدت في الاستغناء عنه (٢).

ومما يدل على تقدمها أنها لو كانت مع الفعل كان الكافر غير قادر على الإيمان لأنه لو قدر عليه لكان موجودا منه على هذا المذهب فكان يكون مؤمنا في حال كفره وهذا فاسد.

ولو لم يكن قادرا على الإيمان لما حسن أن يؤمر به ويعاقب على تركه لما قدمناه من قبح تكليف ما لا يطاق وبطلانه.

وقد قال أصحابنا مؤكدين القول بتقدم القدرة على الفعل فيمن كان في يده شيء فألقاه إن استطاعة الإلقاء لا تخلو من حالتين إما أن تأتيه والشيء في يده أو تأتيه وهو خارج عن يده فإن كانت تأتيه والشيء في يده فقد صح

_________________

(١) هكذا في النسخة

(٢) هذا بيان لعدم صحة القول بمقارنة القدرة للمقدور.

١١٠

تقدم القدرة على الإلقاء وهو الذي قلنا وإن كانت تأتيه والشيء خارج عن يده ملقى عنها فقد أتت في حال الغنى عنها.

وفي ذلك أيضا أنه قد قدر على أن يلقي ما ليس في يده وهذا محال وليس بين كون الشيء في يده وكونه خارجا عنها واسطة ومنزلة ثالثة.

وقد قال أهل العلم أيضا :

لو كانت القدرة والفعل يوجدان معا ولا يصح غير هذا لم تكن القدرة المؤثرة فيه بأولى من أن يكون هو المؤثر فيها.

وقالوا ولو كان لا يصح وجود القدرة حتى يوجد الفعل كما لا يصح وجود الفعل حتى توجد القدرة لكان لا يصح أن يوجدا (١).

حدثني شيخي رحمه‌الله (٢) :

أن متكلمين أحدهما عدلي والآخر جبري كانا كثيرا ما يتكلمان في هذه المسألة وأن الجبري أتى منزل العدلي فدق عليه الباب فقال العدلي من ذا قال أنا فلان قال له العدلي ادخل قال له الجبري افتح لي حتى أدخل قال العدلي ادخل حتى أفتح فأنكر هذا عليه وقال له لا يصح دخولي حتى يتقدم الفتح فوافقه على قوله في القدرة والفعل وأعلمه بذلك وجوب تقدمها عليه فانتقل الجبري عن مذهبه وصار إلى الحق

فصل من القول في أن القدرة غير موجبة للفعل

الدليل على أنها غير موجبة ما قدمناه من أنها قدرة على الضدين فلو كانت موجبة لأوجبتهما فأدى ذلك إلى المحال وكون المكلف حاضرا ومسافرا في حال ومتحركا ساكنا في حال.

_________________

(١) وذلك لأن كل واحد من الفعل والقدرة يتوقف وجوده على وجود الآخر المتوقف على نفسه وهو من الدور المحال ، وما ترتب على المحال محال.

(٢) المراد به هو الشيخ المفيد.

١١١

ولو كانت القدرة أيضا موجبة لكان القادر بها مضطرا ويخرج من كونه مختارا والمضطر لا معنى لتوجه الأمر والنهي إليه ولا يحسن ثوابه وعقابه على أمر هو مضطر فيه

أفعال الإنسان

فصل من القول في أن الله تعالى لم يخلق أفعال العباد وأنها فعل لهم على سبيل الإحداث والإيجاد.

الدليل على أنه سبحانه لم يفعلها أن فيها قبائح من كفر وفسق وظلم وكذب وليس بحكيم من فعل القبائح ولا يجوز من الحكيم أيضا سب نفسه وسوء الثناء عليه.

ثم نحن نعلم أن من فعل شيئا اشتق له اسم من فعله كما يقال فيمن فعل الحركة إنه متحرك ومن فعل السكون إنه ساكن ومن فعل الضرب ضارب ومن فعل القتل قاتل فلو كان الله تعالى هو الفاعل لأفعالنا والخالق لها دوننا لوجب أن يسمى بها الله عزوجل عن ذلك وتعالى.

والذي يدل على أنها فعل لنا دون غيرنا وقوعها بحسب تصورنا وإرادتنا وانتفاء المنفي منها بحسب كراهتنا وانتظام ما ينتظم منها بحسب مبلغ علومنا واختلالها بقدر اختلالاتنا.

فلو كانت فعلا لغيرنا لم يكن الأمر مقصودا على ما ذكرنا ونحن قد نفرق ضرورة بين حركة نحدثها في بعض جوارحنا وبين الرعشة إذا حدثت في عضو منا ونرى وقوع إحدى الحركتين عن قصد ووقوع الآخر بخلاف ذلك فلسنا نشك في أن إحداهما حادثة منا وفعل في الحقيقة لنا وهي الكائنة عن قصدنا.

وشيء آخر وهو أن الله تعالى خلق فينا الشيب والهرم والصحة والسقم ولم يأمرنا بشيء من ذلك ولا نهانا عنه ولا مدح الشاب على شبيبته ولا ذم الشيخ لشيخوخته عدلا منه سبحانه في حكمه فلو كانت الطاعات والمعاصي

١١٢

أيضا من فعله وخلقه لجرت مجرى ذلك وقبح أن يأمرنا بطاعة أو ينهانا عن معصية ولم يصح على شيء من ذلك مدح ولا ذم ولا ثواب ولا عقاب وهذا واضح لمن عقل.

فصل من القول أن الله تعالى لا يريد من خلقه إلا الطاعة وأنه كاره للمعاصي كلها.

وأما الذي يدل على أنه سبحانه لا يريد المعاصي والقبائح ولا يجوز أن يشاء شيئا منها وأنه كاره لها ساخط لجميعها فهو أنه تعالى نهى عنها والنهي أنما يكون نهيا بكراهة الناهي للفعل المنهي عنه.

ألا ترى أن لا يجوز أن ينهى إلا عما يكرهه فلو كان النهي في كونه نهيا غير مفتقرة إلى الكراهية لم يجب ما ذكرناه لأنه لا فرق بين قول أحدنا لغيره لا تفعل كذا وكذا ناهيا له وبين قوله أنا كاره له كما لا فرق بين قوله افعل أمرا له وبين قول أنا مريد منك أن تفعل.

وإذا كان سبحانه كارها لجميع المعاصي والقبائح من حيث كونه ناهيا عنها استحال أن يكون مريدا لها لاستحالة أن يكون مريدا كارها لأمر واحد على وجه واحد.

ويدل على ذلك أيضا أنه لو كان مريدا للقبيح لوجب أن يكون على صفة نقص وذم إن كان مريدا له بلا إرادة وإن كان مريدا بإرادة وجب أن يكون فاعلا للقبيح لأن إرادة القبيح قبيحة ولا يكون كذلك كما في الشاهد كما لا خلاف في قبح الظلم من أحدنا.

وقد دل السمع من ذلك على مثل ما دل عليه العقل قال الله عزوجل

(وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) غافر : ٣١

وفي موضع آخر :

_________________

(١) والأولى مفتقر بدل (مفتقرة).

١١٣

(وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) آل عمران : ١٠٨

وقال الله تعالى:

(كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) الإسراء : ٣٨

وقال تعالى :

(يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة : ١٨٥.

ونعلم أن الكفر أعظم العسر وقال تعالى :

(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات : ٥٦

فإذا كان خلقهم للعبادة فلا يجوز أن يريد منهم غيرها وقال :

(وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) الزمر : ٧

إيراد على أهل الجبر

فصل

وقد سأل أهل العدل المجبرة عن مسألة ألزموهم بها ما لم يجدوا فيه حيلة وذلك أنهم قالوا لهم :

أخبرونا عن رجل نكح إحدى المحرمات عليه بأحد المساجد المعظمة في نهار شهر رمضان وهو عالم غير جاهل أتقولون إن الله تعالى أراد منه هذا الفعل على هذه الصفة؟

قالت المجبرة بل الله أراده.

قال لهم أهل العدل أخبرونا عن إبليس اللعين هل أراد ذلك أم كرهه؟

قالت المجبرة بلى هذا أنما يريده إبليس ويؤثره.

قال لهم أهل العدل فأخبرونا لو حضر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلم بذلك أكان يريده أم يكره؟

قالت المجبرة بل يكرهه ولا يريده.

١١٤

قال لهم أهل العدل فقد لزمكم على هذا أن تثنوا على إبليس اللعين وتقولوا إنه محمود لموافقة إرادته لإرادة الله عزوجل وهذا ما ليس فيه حيلة لكم مع تمسككم بمذهبكم.

حكاية للمؤلف في مجلس بعض الرؤساء

وقد كنت أوردت هذه المسألة في مجلس بعض الرؤساء مستظرفا له بها وعنده جمع من الناس فقال رجل ممن كان في المجلس يميل إلى الجبر إن كان هذه المسألة لا حيلة للمجبرة فيها فعليكم أنتم أيضا مسألة لهم أخرى لا خلاص لكم مما يلزمكم منها.

فقلت وما هي قال يقال لكم إذا كان الله تعالى لا يشاء المعصية وإبليس يشاؤها ثم وقعت معصية من المعاصي فقد لزم من هذا أن تكون مشيئة إبليس غلبت مشيئة رب العالمين.

فقلت إنما تصح الغلبة عند الضعف وعدم القدرة ولو كنا نقول إن الله تعالى لا يقدر أن يجبر العبد على الطاعة ويضطره إليها ويحيل بينه وبين المعصية بالقسر والإلجاء إلى غيرها لزمنا ما ذكرت وإلا بخلاف ذلك وعندنا أن الله تعالى يقدر أن يجبر عباده ويضطرهم ويحيل بينهم وبين ما اختاروه فليس يلزمنا ما ذكرتم من الغلبة.

وقد أبان الله تعالى فقال :

(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) هود : ١١٨

وقال تعالى :

(وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) السجدة : ١٣

وإنما لم يفعل ذلك لما فيه من الخروج عن سنن التكليف وبطلان استحقاق العباد للمدح والذم فتأمل ما ذكرت تجده صحيحا فلم يأت بحرف بعد هذا.

١١٥

جناية المجبرة على الإسلام

فصل اعلم أيدك الله تعالى أن جناية المجبرة على الإسلام كثيرة وبليتها عظيمة بحملها المعاصي على الله تعالى وقولها إنه لا يكون إلا ما أراده الله تعالى وإنه لا قدرة للكافر على الخلاص من كفره ولا سبيل للفاسق إلى ترك فسقه وإن الله تعالى قضى بالمعاصي على قوم وخلقها لهم وفعلها فيهم ليعاقبهم عليها وقضى بالطاعات على قوم وخلقهم لها وفعلها فيهم ليثيبهم عليها.

وهذا الاعتقاد القبيح يسقط عن المكلف الحرص على فعل الطاعة والاجتهاد والاجتناب عن المعصية لأنه يرى أن اجتهاده لا ينفع وحرصه لا يغني بل لا اجتهاد في الحقيقة ولا حرص لأنه مفعول فيه غير فاعل وموجد فيه غير موجد ومخلوق لشيء لا محيد له عنه ومسبوق لأمر لا انفصال له منه فأي خوف مع هذا يقع وأي وعيد معه ينفع نعوذ بالله مما يقولون ونبرأ إليه مما يعتقدون. وأنشدت لبعض أهل العدل شعرا :

سألت المخنث عن فعله

علام تخنث يا ماذق

فقال ابتلاني بدائي العضال

وأسلمني القدر السابق

ولمت الزناة على فعلهم

فقالوا بهذا قضى الخالق

وقلت لآكل مال اليتيم

[ألؤما] وأنت امرؤ فاسق

فقال ولجلج في قوله

أكلت وأطعمني الرازق

_________________

(١) أضفنا هذه الكلمة لاستقامة الوزن ، وهي في النسخة غير موجودة.

١١٦

وكل يحيل على ربه

وما فيهم أحد صادق

التجوز في التعبير بالاستطاعة عن الفعل وبنفيها عن نفيه

فصل اعلم أيدك الله تعالى أنه قد يعبر عن نفي الفعل بنفي الاستطاعة توسعا ومجازا فيقال لمن يعلم أنه لا يفعل شيئا لثقله على قلبه ونفور طبعه منه إنك لا تستطيعه وإن كان في الحقيقة مستطيعا له ويقول أحدنا لمن يعلم أنه يبغضه إنك لا تستطيع أن تنظر إلي والمعنى أن ذلك يثقل عليك ويقال للمريض الذي يجهده الصوم إنك لا تستطيع الصيام وهو في الحقيقة يستطيعه ولكن بمشقة تدخل عليه وثقل يناله منه.

وعلى هذا المعنى يتأول قول الله جل اسمه فيما حكاه عن العالم الذي تبعه موسى عليهم السلام حيث قال له موسى :

(هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً). الكهف : ٦٦ ـ ٦٧

المعنى فيه إنك لا تصبر ولا يخف عليك وأنه يثقل على طبيعتك فعبر عن نفي الصبر بنفي الاستطاعة وإلا فهو قادر مستطيع فيدل على ذلك قول موسى عليهم السلام في جوابه له :

(سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً) الكهف : ٦٩.

ولم يقل إن شاء الله مستطيعا ومن حق الجواب أن يطابق السؤال فدل جوابه على أن الاستطاعة المذكورة في الابتداء هي عبارة عن الفعل نفسه مجازا كما ذكرنا.

وقد يستعمل الناس هذا كثيرا وأنشده شعرا

أرى شهوات لست أسطيع تركها

وأحذر إن واقعتها ضرر الإثم

١١٧

فلا النفس تنهاني وتبصر رشدها

وأكره إتيان العقاب على علم

ولسنا نشك في أن الشاعر عني بقوله لست أسطيع تركها أن تركها يثقل عليه ولا يلائم طبعه وأنه لم ينف الاستطاعة في الحقيقة عن نفسه ولو كان أراد نفيها لم يكن معنى لقوله وأحذر إن واقعتها ضرر الإثم وقوله وأكره إتيان العقاب على علم.

وعلى هذا المعنى يتأول قول الله عزوجل (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ). هود : ٢٠

وهو أنهم لاستثقالهم استماع آيات الله تعالى وكراهتهم تأملها وتدبرها جروا مجرى من لا يستطيع السمع كما يقال لمن عهد منه العناد واستثقال استماع الحجج والبينات ما يستطيع استماع الحق وما يطيق أن يذكر له.

قال الأعشى (١)

ودع هريرة إن الركب مرتحل

وهل تطيق وداعا أيها الرجل

ونحن نعلم أنه قادر على الوداع وأنما نفى قدرته عليه من حيث الكراهية والاستثقال ومعنى قوله (وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) أن أبصارهم لم تكن نافعة لهم ولا مجدية عليهم نفعا لإعراضهم عن تأمل آيات الله عزوجل وتفهمها فلما انتفت عنهم منفعة الإبصار جاز أن ينفي عنهم الإبصار نفسه كما يقال عن المعرض عن الحق العادل عن تأمله (٢) ما لك لا تسمع ولا تعقل.

وقد تأول الشريف المرتضى رحمه‌الله هذه الآية على وجه آخر (٣) وهو أن يكون ما في قوله (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) ليست للنفي بل تجري مجرى

_________________

(١) هذا البيت مطلع معلقة الأعشى المشهورة وهو من شعراء الجاهلية المشهورين أدرك الإسلام ولم يسلم توفّي سنة (٧) للهجرة و (٦٢٩ م) وهو الأعشى ميمون بن قيس ينتهي إلى نزار ، ويقال له صناجة العرب لجودة شعره.

(٢) في الأصل تأملها.

(٣) انظر كلامه على هذه الآية في الآمالي م ٢ صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٦٣ = ١ ٦٧.

١١٨

قولهم لا واصلتك ما لاح نجم لا أقيمن على مودتك ما طلعت شمس.

قال الله تعالى :

(يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) هود : ٢٠.

ويكون المعنى اتصال عذابهم ودوامه ما كانوا أحياء.

مسألة :

وقد سألت المجبرة عن معنى قول الله تعالى (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) وظنوا أن لهم في هذه الآية حجة يتشبثون بها.

والجواب أن ظاهر هذه الآية يقتضي أن المنافقين كانوا بهذه الصفات ومعلوم من حالهم أنهم كانوا بخلافها ولا شيء أدل على فساد التعلق بظاهرها من أن يعلم أن العيان بخلافه فوجب ضرورة صرف الآية عن ظاهرها إلى ما يقتضيه الصواب من تأويلها.

والمراد بها أنهم لما لم ينتفعوا بهذه الحواس والآلات فيما خلقت له وأنعم عليهم بها لأجله صاروا كأنهم قد سلبوها وحرموها وهذا مستعمل في الشاهد يقول أحدنا لغيره وقد بين له الشيء وبالغ في إيضاحه وهو غير متأمل بوروده إنك أصم وأعمى فلا تستطيع كذا تسمع قد ختم (١) على قلبك.

وربما تجاوز ذلك فقال له إنك ميت لا تفهم ولا تعقل قال الله تعالى :

(إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) النمل : ٨٠.

وفي هذا المعنى قال الشاعر :

لقد أسمعت لو ناديت حيا

ولكن لا حياة لمن تنادي (٢)

_________________

(١) قد أضفنا ما بين القوسين تصحيحا للتعبير.

(٢) هذا البيت على ما أحفظه لأبي تمام الطائي الشاعر المشهور توفّي سنة ٢٣١ ، وبعد البيت قوله :

ونارا إن نفخت بها أضاءت

ولكن أنت تنفخ في رماد

١١٩

شبهة للمجبرة

وقد احتجت في تصحيح قولها أن الله تعالى خلق طائفة من خلقه ليعذبهم بقوله سبحانه :

(وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) الإعراف : ١٧٩.

قالت فبين أنه خلقهم لمجرد العذاب في النار لا في غيره.

نقض عليهم

يقال لهم حمل هذه الآية على ظاهرها مناف للعدل والحكمة ومباين لما وصف نفسه به من الرأفة والرحمة ومناقض لقوله عزوجل:

(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات : ٥٦.

ولقوله تعالى :

(إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) الفتح ٤٥ ـ ٤٦.

من صلى الله عليه وآله وسلم ٧٧ إلى صلى الله عليه وآله وسلم ١٨٤

ولقوله سبحانه

(لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) الفرقان : ٥٠

ولقوله جل اسمه :

(أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) الحديد : ٢٥

ولقوله تبارك وتعالى :

(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) الحديد : ٩

فالواجب ردها إلى ما يلائم هذه الآيات المحكمات ويوافق الحجج العقلية والبينات.

١٢٠