تفسير سورة هل أتى - ج ٢

السيد جعفر مرتضى العاملي

تفسير سورة هل أتى - ج ٢

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المركز الإسلامي للدّراسات
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩١
الجزء ١ الجزء ٢

بستان ، أو ما إلى ذلك ..

رابعا : بما أن الولادة والتناسل إنما تكون في الدنيا .. فذلك يقرّب لنا صحة الرواية التي رواها الكراجكي رحمه‌الله في تفسير هذه الآية ، قال رحمه‌الله :

«قوله تعالى : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنه قال : الولدان هم أولاد أهل الدنيا ، لم يكن لهم حسنات فيثابون عليها ، ولا سيئات فيعاقبون عليها ، فأنزلوا هذه المنزلة» (١).

ولكن هل مراده عليه‌السلام هو أطفال المشركين؟ أو المراد أطفال المؤمنين؟ أو هما معا؟! هناك عدة طوائف من الروايات.

وسنرى أنّ الراجح هو أنهم أطفال وأسقاط المؤمنين ، حيث تربيهم السيدة الزهراء [عليهاالسّلام] ، والنبي إبراهيم [عليه‌السلام] وزوجته ، ليكونوا في خدمة الأبرار ، وتكون هذه الخدمة من مظاهر إكرام آبائهم ، ومن أسباب نعيمهم وأنسهم ، وتقر بذلك أعينهم ..

وعلى كل حال ، فإن هذه الروايات على طوائف ، هي التالية :

الطائفة الأولى :

ما صرح من تلك الروايات بأن أطفال المشركين في الجنة :

فقد روي عن النبي [صلى‌الله‌عليه‌وآله] : أنه سئل عن أطفال المشركين ، فقال : خدم أهل الجنة على صورة الولدان ، خلقوا لخدمة أهل الجنة (٢).

__________________

(١) البحار ج ٥ ص ٢٩١ عن كنز الفوائد للكراجكي.

(٢) البحار ج ٥ ص ٢٩١ عن كنز الفوائد للكراجكي.

١٠١

الطائفة الثانية :

الروايات التي دلت على أن أطفال المؤمنين في الجنة ، ولم تشر إلى أطفال المشركين ، مثل :

١ ـ ما روي عن الإمام الكاظم [عليه‌السلام] ، عن آبائه [عليهم‌السلام] ، قال : قال رسول الله [صلى‌الله‌عليه‌وآله] :

«لا تزوجوا الحسناء الجميلة العاقرة ، فإني أباهي فيكم الأمم يوم القيامة ، أو ما علمت أن الولدان تحت عرش الرحمن يستغفرون لآبائهم ، يحضنهم إبراهيم ، وتربيهم سارة ، في جبل من مسك ، وعنبر ، وزعفران؟!» (١).

٢ ـ وقال الصدوق رحمه‌الله : في الصحيح ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله [عليه‌السلام] قال :

«إن الله تبارك وتعالى يدفع إلى إبراهيم وسارة أطفال المؤمنين ، يغذوانهم بشجرة في الجنة ، لها أخلاف كأخلاف البقر ، في قصر من الدر ، فإذا كان يوم القيامة ألبسوا ، وطيّبوا ، وأهدوا إلى آبائهم ، فهم ملوك في الجنة مع آبائهم ، وهو قول الله تبارك وتعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ..) (٢).

٣ ـ وروى الشيخ حسن بن سليمان في كتاب المختصر من بصائر الدرجات ، لسعد بن عبد الله ، عن كتاب المعراج للشيخ الصالح أبي محمد الحسن : بإسناده عن الصدوق ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي

__________________

(١) البحار ج ٥ ص ٢٩٣ عن نوادر الراوندي.

(٢) البحار ج ٥ ص ٢٩٣ و ٢٩٤ عن من لا يحضره الفقيه ص ٢٣٩.

١٠٢

القاسم ، عن محمد بن علي الكوفي ، عن محمد بن علي بن مهران ، عن صالح بن عقبة ، عن يزيد بن عبد الملك ، عن الباقر عليه‌السلام قال : لما صعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء ، وانته إلى السماء السابعة ، ولقي الأنبياء عليهم‌السلام.

«قال : أين إبراهيم عليه‌السلام؟

قالوا له : هو مع أطفال شيعة علي.

فدخل الجنة ، فإذا هو تحت شجرة لها ضروع كضروع البقر ، فإذا انفلت الضرع من فم الصبي قام إبراهيم فردّ عليه .. الخ» (١).

٤ ـ عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن سليمان الديلمي ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :

«إن أطفال شيعتنا من المؤمنين تربيهم فاطمة [عليهاالسّلام] ، قوله : (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (٢) ، قال : يهدون إلى آبائهم يوم القيامة» (٣).

٥ ـ وقال الصدوق أيضا : في الصحيح ، روى أبو زكريا ، عن أبي بصير ، قال : قال أبو عبد الله [عليه‌السلام] :

«إذا مات طفل من أطفال المؤمنين نادى منادي في ملكوت السماوات والأرض : ألا إنّ فلان بن فلان قد مات ، فإن كان مات والداه ، أو أحدهما ، أو بعض أهل بيته من المؤمنين ، دفع إليه يغذوه ، وإلا دفع إلى فاطمة [عليهاالسّلام] تغذوه حتى يقدم أبواه ، أو أحدهما ، أو بعض

__________________

(١) البحار ج ٥ ص ٢٩٤.

(٢) سورة الطور الآية ٢١.

(٣) البحار ج ٥ ص ٢٨٩ عن تفسير القمي.

١٠٣

أهل بيته ، فتدفعه إليه» (١).

قال المجلسي : «يمكن الجمع بين الخبرين ، بأن بعضهم تربّيه فاطمة [عليهاالسّلام] ، وبعضهم إبراهيم وسارة [عليهما‌السلام] على اختلاف مراتب آبائهم ، أو تدفعه فاطمة إليهما» (٢).

٦ ـ وقال الطبرسي : روى زاذان عن علي عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إن المؤمنين وأولادهم في الجنة ، ثم قرأ هذه الآية» (٣).

٧ ـ وروي عن الإمام الصادق [عليه‌السلام] قال :

«أطفال المؤمنين يهدون إلى آبائهم يوم القيامة» (٤).

٨ ـ وروى الكليني عن العدة ، عن سهل ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن ابن بكير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (٥) قال : فقال : «قصرت الأبناء عن عمل الآباء ، فالحقوا الأبناء بالآباء ، لتقر بذلك أعينهم».

وروى الصدوق عن أبي بكر الحضرمي مثله (٦).

__________________

(١) البحار ج ٥ ص ٢٩٣ ، عن من لا يحضره الفقيه ص ٤٣٩.

(٢) البحار ج ٥ ص ٢٩٤.

(٣) البحار ج ٥ ص ٢٨٩ عن مجمع البيان.

(٤) البحار ج ٥ ص ٢٨٩ عن مجمع البيان.

(٥) سورة الطور الآية ٢١.

(٦) البحار ج ٥ ص ٢٩٢ عن الكافي ج ١ ص ٦٨ ، وعن من لا يحضره الفقيه.

١٠٤

الطائفة الثالثة :

الروايات التي صرحت بأن أطفال المشركين مع آبائهم في النار ، فقد :

١ ـ قال المجلسي : في حديث آخر :

«أما أطفال المؤمنين ، فإنهم يلحقون بآبائهم ، وأولاد المشركين يلحقون بآبائهم ، وهو قول الله عزوجل : (بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (١).

٢ ـ قال الصدوق : روى وهب بن وهب ، عن جعفر بن محمد ، عن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام ، قال : قال علي عليه‌السلام :

«أولاد المشركين مع آبائهم في النار ، وأولاد المسلمين مع آبائهم في الجنة» (٢).

٣ ـ وقال الصدوق أيضا : في الصحيح ، روى جعفر بن بشير ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أولاد المشركين ، يموتون قبل أن يبلغوا الحنث؟.

«قال : كفار ، والله أعلم بما كانوا عاملين ، يدخلون مداخل آبائهم» (٣).

الطائفة الرابعة :

الروايات التي دلت على أنهم تؤجّج لهم نار ، ويؤمرون بدخولها ، فمن دخلها كان في الجنة ، ومن أبى كان مصيره إلى النار ، ومن هذه الروايات :

__________________

(١) البحار ج ٥ ص ٢٩٢ عن الكافي ج ١ ص ٦٨.

(٢) البحار ج ٥ ص ٢٩٤ عن من لا يحضره الفقيه.

(٣) البحار ج ٥ ص ٢٩٥ عن من لا يحضره الفقيه.

١٠٥

١ ـ ما رواه الصدوق عن علي عليه‌السلام قال :

«يؤجج لهم نارا ، فيقال لهم : ادخلوها. فإن دخلوها كانت عليهم بردا وسلاما ، وإن أبوا قال لهم الله عزوجل : هو ذا أنا قد أمرتكم فعصيتموني. فيأمر الله عزوجل بهم إلى النار» (١).

٢ ـ وروى الصدوق أيضا ، عن الحسين بن يحيى بن الضريس ، عن أبيه ، عن محمد بن عمارة السكري ، عن إبراهيم بن عاصم ، عن عبد الله بن هارون الكرخي ، عن أحمد بن عبد الله بن يزيد ، عن أبيه يزيد بن سلام ، عن أبيه سلام بن عبيد الله ، عن أخيه عبد الله بن سلام مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال :

«سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت : أخبرني أيعذب الله عزوجل خلقا بلا حجة؟ قال : معاذ الله.

فقلت : فأولاد المشركين في الجنة ، أم في النار؟!

فقال : الله تبارك وتعالى أولى بهم. إنه إذا كان يوم القيامة ـ وساق الحديث إلى أن قال ـ : فيأمر الله عزوجل نارا يقال له : الفلق ، أشد شيء في نار جهنم عذابا ..

(ثم ذكر في الحديث صفة تلك النار ، وأنه تعالى يأمرها فتنفخ في وجه الخلائق ، وما يصيب الخلائق من هذه النفخة ، ثم يقول) :

فيأمر الله تعالى أطفال المشركين أن يلقوا بأنفسهم في تلك النار ، فمن سبق له في علم الله عزوجل أن يكون سعيدا ألقى نفسه فيها ، فكانت عليه بردا وسلاما ، كما كانت على إبراهيم عليه‌السلام ، ومن سبق

__________________

(١) البحار ج ٥ ص ٢٩٥ عن من لا يحضره الفقيه.

١٠٦

له في علم الله تعالى أن يكون شقيا امتنع فلم يلق نفسه في النار ، فيأمر الله تعالى النار فتلتقطه ؛ لتركه أمر الله ، وامتناعه من الدخول فيها ، فيكون تبعا لآبائه في جهنم» (١).

الطائفة الخامسة :

وهناك روايات تحدثت عن مصير مطلق الأطفال ، وعن الأصم والأبكم والأبله ، ولم تحدد كونهم أطفال مسلمين أو غير مسلمين. وذكرت أن هؤلاء تؤجّج لهم نار ويؤمرون بالدخول فيها ..

ونذكر من هذه الروايات ما يلي :

١ ـ الصدوق : عن أبيه ، عن محمد العطار ، عن الأشعري ، عن علي بن إسماعيل عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال :

«إذا كان يوم القيامة احتج الله عزوجل على خمسة : على الطفل ، والذي مات بين النبيّين ، والذي أدرك النبي وهو لا يعقل ، والأبله ، والمجنون الذي لا يعقل والأصم والأبكم.

فكل واحد منهم يحتج على الله عزوجل ، قال : فيبعث إليهم رسولا ، فيؤجج لهم نارا ، فيقول لهم : ربكم يأمركم أن تثبوا فيها.

فمن وثب فيها ، كانت عليه بردا وسلاما ، ومن عصى سيق إلى النار» (٢).

وروى ما يقرب منه في معاني الأخبار ، عن أبيه ، عن سعد ، عن

__________________

(١) البحار ج ٥ ص ٢٩١ عن كتاب التوحيد للشيخ الصدوق رحمه‌الله.

(٢) البحار ج ٥ ص ٢٨٩ و ٢٩٠ عن كتاب الخصال ص ١٣٦.

١٠٧

أحمد بن محمد ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة.

وفي الكافي : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد.

٢ ـ وروى الكليني في العدة ، عن سهل ، عن غير واحد ، رفعه : أنه سئل عن الأطفال ، فقال :

«إذا كان يوم القيامة جمعهم ، وأجج نارا ، وأمرهم أن يطرحوا أنفسهم فيها .. إلى أن قال : فيقولون (أي الذين يؤمر بهم إلى النار) : يا ربنا تأمر بنا إلى النار ، ولم يجر علينا القلم؟

فيقول الجبار. قد أمرتكم مشافهة فلم تطيعوني ، فكيف لو أرسلت رسلي بالغيب إليكم» (١).

٣ ـ وروى الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه سئل عمّن مات في الفترة ، وعمن لم يدرك الحنث والمعتوه ، فقال :

«يحتج الله عليهم ، يرفع لهم نارا ، فيقول لهم : ادخلوها ، فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ، ومن أبى قال : ها أنا قد أمرتكم فعصيتموني» (٢).

وبهذا الإسناد قال :

«ثلاثة يحتج عليهم : الأبكم ، والطفل ، ومن مات في الفترة ، فيرفع لهم نارا .. إلخ ..» (٣).

__________________

(١) البحار ج ٥ ص ٢٩١ / ٢٩٢ عن الكافي ج ١ ص ٦٨.

(٢) البحار ج ٥ ص ٢٩٣ عن الكافي ج ١ ص ٦٨.

(٣) المصدر السابق عنه.

١٠٨

التكليف في دار الجزاء :

بقي الكلام في أنه هل يكون في دار الجزاء تكليف أم لا؟ ..

فقد قال المجلسي :

«قال الصدوق رضي الله عنه : إن قوما من أصحاب الكلام ينكرون ذلك ، ويقولون : إنه لا يجوز أن يكون في دار الجزاء ، تكليف. ودار الجزاء للمؤمنين إنما هي الجنة. ودار الجزاء للكافرين إنما هي النار. وإنما يكون هذا التكليف من الله عزوجل في غير الجنة والنار ، فلا يكون كلفهم في دار الجزاء ، ثم يصيّرهم إلى الدار التي يستحقونها بطاعتهم أو معصيتهم ، فلا وجه لإنكار ذلك» (١).

فيلاحظ :

أن الصدوق رحمه‌الله قد جمع بين الأخبار التي تقول تارة : إن أطفال المشركين ، مع آبائهم في النار ، وأخرى بأنهم يؤمرون بدخول نار تضرم لهم. بأن المراد بكونهم مع آبائهم في النار ، هو نار البرزخ ، ولكنها لا تصيبهم من حرها ، لتكون الحجة عليهم أوكد ، فإذا جاء يوم القيامة. فإن النار التي يؤمرون بدخولها تؤجج لهم .. فتكون نار البرزخ حجة عليهم ، ودليلا لهم (٢).

غير أننا نقول :

إن من الواضح : أن طريق الجمع ليس منحصرا فيما ذكره الشيخ الصدوقرحمه‌الله.

__________________

(١) البحار ج ٥ ص ٢٩٠.

(٢) البحار ج ٥ ص ٢٩٥.

١٠٩

فإن من الممكن أن يكون ذلك جاريا وفق علم الله سبحانه بما يكون منهم .. بأن يكون تعالى قد علم أن جميع أولاد الكفار سوف يرفضون دخول النار التي تؤجّج لهم ، وبذلك يستحقون دخول جهنم. فأخبرت طائفة من الروايات عن علم الله تعالى بما سيكون عليه حالهم.

وقد ذكر المجلسي رحمه‌الله جمعا آخر غير ما ذكرناه وذكره الصدوق رحمه‌الله. وهو أنه عليه‌السلام حين أجاب بأنهم كفار ، أو نحو ذلك ، فإنما قصد أنهم محكومون بالكفر في الدنيا تبعا لآبائهم ، ولذلك يحكم بنجاستهم ، وعدم التغسيل والتكفين ، والصلاة ، والتوارث وغير ذلك.

وأما دخولهم في النار مع آبائهم ، فإنما يكون بعد رفضهم الدخول في النار التي تضرم لهم.

ثم ذكر أيضا : أن الظاهر هو أن هذه الروايات قد وردت مورد التقية فراجع (١).

ونحن ، لا نوافق على هذا القول الأخير ، إذ إن الروايات والآراء في هذه المسألة عند أهل السنة مختلفة أيضا. فلا معنى لحمل الأخبار على التقية في أمر مختلف فيه عندهم ، في الرأي أم في الرواية معا.

وقد ذكر المجلسي نفسه اختلافاتهم في ذلك ؛ في نفس الموضع من الجزء والصفحة المشار إليها آنفا .. فراجع.

إلا أن يقال : إن الاختلاف بين أهل السنة قد تأخر عن زمان صدور الرواية ، فلا بد من إثبات ذلك .. كما أنه لا بد من إثبات : أن أهل السنة ومن يخشى منه فيهم ، لا بد أن يكون لديهم تعصب وحساسية ، تجاه كل

__________________

(١) راجع : البحار ج ٥ ص ٢٩٥ و ٢٩٦.

١١٠

من خالفهم في خصوص هذا الرأي ، إذ كل مورد خالفهم فيه يكون لديهم اندفاع نحو البطش به ، ليكون مضطرا إلى التقية ..

هل يقبح تعذيب غير المكلف؟! :

«هذا .. وقد ذهب المتكلمون منا إلى أن أطفال الكفار لا يدخلون النار ، فهم إما يدخلون الجنة ، أو يسكنون الأعراف.

وذهب أكثر المحدثين منا إلى ما دلت عليه الأخبار الصحيحة ، من تكليفهم في القيامة بدخول النار المؤججة لهم» (١).

واستدل المتكلمون منا على ما ذهبوا إليه ؛ بقبح تعذيب غير المكلف (٢).

ونقول :

أولا : إن المشكلة التي وقف عندها المتكلمون يمكن أن تحلّ .. فإن الأخبار قد دلّت على أنهم يكلفون بدخول نار تضرم لهم .. فإذا امتنعوا وعوقبوا فلا يكون ذلك تعذيبا لغير المكلف ، بل هو تعذيب لمكلف قد عصى .. وليس تعذيب العاصي قبيحا.

وفي جميع الأحوال ، فإن أخبار تكليفهم تدل على أن إدراكهم في تلك النشأة يختلف عنه في الحياة الدنيا .. وربما يكون الله تعالى قد زادهم من عنده ما يؤهلهم للخطاب والتكليف رحمة منه بهم ..

ثانيا : وأمّا قول المتكلمين : إنّه لا تكليف في يوم القيامة ، فهو مردود :

ألف ـ بأن هذه الروايات قد دلت على وجود تكليف في الآخرة أيضا .. والأمر في ذلك بيد الله سبحانه ، وطريق معرفته هو السمع .. وهذه

__________________

(١) البحار ج ٥ ص ٢٩٦ و ٢٩٧.

(٢) راجع : البحار ج ٥ ص ٢٩٧.

١١١

الروايات هي ذلك السمع المثبت لذلك ..

وأمّا ما دل على عدم وجود تكليف في الآخرة ، فيحمل على أن المقصود به خصوص من كلّفوا في دار الدنيا ، دون من عداهم.

ب ـ لو سلمنا أنه لا تكليف في الآخرة مطلقا ، فإننا نقول :

إننا إذا راجعنا الآيات القرآنية الشريفة ، وكذلك الروايات ، فسنجد فيها الكثير مما يشير إلى التصرف الإلهي في المكان والزمان على حد سواء ..

فلعل الله سبحانه يتصرف في الآخرة في الزمان والمكان ، فيجعل لحظة من لحظات الآخرة ، التي لا تعد من عمر الآخرة ـ يجعلها ـ مليارات من الأحقاب ، ويتصرف أيضا في ذرة لا تدخل في عداد الأمكنة ، فيجعل منها سماوات ، وأرضين ، وأفلاكا ، يعيش فيها هؤلاء ، ويكون لهم التبشير والإنذار ، ويكون منهم الهدى والضلال ، والخير والشر.

ثم يبعثون ، فيدخل المطيع الجنة ، ويدخل العاصي منهم النار ، قبل أن يحصل في المحشر أي جديد ..

والتصرف الإلهي في الزمان والمكان ، قد دلت عليه النصوص أيضا.

ونذكر فيما يلي طائفة من الآيات والروايات التي دلت على ذلك ..

فنقول :

التصرف في المكان :

إن مما أشار إلى التصرف في المكان قوله تعالى :

(إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ* وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ* وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) (١).

__________________

(١) سورة الإنشقاق ، الآيات ١ / ٣.

١١٢

وقوله تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) (١).

وقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) (٢).

وقال تعالى : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (٣). ولعل المراد رجوعها إلى خزائن الغيب.

وقال تعالى : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) (٤).

وقال سبحانه : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) (٥).

وقال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) (٦).

وقال تعالى : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) (٧).

وقال عزوجل : (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً) (٨).

وقال تعالى : (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) (٩).

__________________

(١) سورة إبراهيم الآية ٤٨.

(٢) سورة الرعد الآية ٤١ ، ونظيرها في سورة الأنبياء الآية ٤٤.

(٣) سورة الزمر الآية ٦٧.

(٤) سورة الأنبياء الآية ١٠٤.

(٥) سورة الأعراف الآية ١٧١.

(٦) سورة الرعد الآية ٣٢.

(٧) سورة الكهف الآية ٤٧.

(٨) سورة النبأ الآية ٢٠.

(٩) سورة القارعة الآية ٥.

١١٣

ونذكر من الروايات ، ما يلي :

١ ـ عن أبي الحسن الأول في تفسير آية (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) (١). قال عليه‌السلام :

«وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال ، وتقطع به البلدان ، ويحيى به الموتى» (٢).

٢ ـ روى الكليني بسنده عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

«إن اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا ، وإنما كان عند آصف منها حرف واحد ، فتكلم به ، فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس ، حتى تناول السرير بيده ، ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة العين» (٣).

وبهذا المعنى روي أيضا عن أبي الحسن الهادي عليه‌السلام فراجع. وفيه : فانخرقت له الأرض(٤).

وفي نص آخر : عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام :

«فانخسفت الأرض ما بينه وبين السرير ، والتقت القطعتان ، وجعل من هذه على هذه» (٥).

__________________

(١) سورة الرعد الآية ٣١.

(٢) تفسير الميزان ج ١١ ص ٣٧٠ عن الكافي.

(٣) تفسير البرهان ج ٣ ص ٢٠٣ عن الكليني ، وعن بصائر الدرجات ، ونور الثقلين ج ٤ ص ٨٨ و ٨٩ و ٩٠.

(٤) تفسير البرهان ج ٣ ص ٢٠٣ و ٢٠٤ ، ونور الثقلين ج ٤ ص ٩٠.

(٥) تفسير البرهان ج ٣ ص ٢٠٤ عن بصائر الدرجات ، ونور الثقلين ج ٤ ص ٨٨.

١١٤

وقريب منه ما عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وفيه :

«ثم تناول السرير بيده» (١).

وراجع : ما رواه السيد الرضي في الخصائص من أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : ما يقرب من ذلك أيضا (٢).

٣ ـ وجاء في حديث آخر عن الإمام الباقر عليه‌السلام : دعا آصف ، فغار العرش من مكانه بمأرب ، ثم نبع عند مجلس سليمان بالشام بقدرة الله (٣).

٤ ـ وعن علي بن إبراهيم :

«دعا الله عزوجل باسمه الأعظم ، فخرج السرير من تحت كرسي سليمان» (٤).

٥ ـ وعن علي بن مهزيار ، عن أحمد بن محمد ، عن حماد بن عثمان ، عن زرارة قال : سمعت أبا عبد الله يقول :

ما زاد صاحب سليمان .. [إلى أن قال :] بإصبعه هكذا ، فإذا هو قد جاء بعرش صاحبة سبأ.

فقال له حمران : كيف هذا أصلحك الله؟!

فقال : إن أبي كان يقول : إن الأرض طويت له. إذا أراد طواها».

__________________

(١) البرهان ج ٣ ص ٢٠٤ ونور الثقلين ج ٤ ص ٨٨.

(٢) تفسير البرهان ج ٣ ص ٣٠٥.

(٣) تفسير نور الثقلين ج ٤ ص ٨٧.

(٤) تفسير البرهان ج ٣ ص ٢٠٦ وراجع تفسير نور الثقلين ج ٤ ص ٩١ عن تفسير مجمع البيان.

١١٥

٦ ـ حديث دفن الإمام السجاد لأبيه في كربلاء ، حيث إنه عليه‌السلام كان في الكوفة ، فطويت له الأرض في مجيئه إلى كربلاء ، فدفن أجساد الشهداء ، وعاونه بنو أسد ، ثم عاد إلى سجنه في الكوفة بطي الأرض أيضا.

٧ ـ حديث مجيء الإمام علي عليه‌السلام من المدينة المنورة في الحجاز إلى المدائن قرب بغداد ، حيث غسل وكفن وصلى على سلمان المحمدي (الفارسي) ودفنه ، ثم رجع إلى المدينة وإنما قطع تلك المسافات ذهابا وإيابا بطي الأرض أيضا.

٨ ـ حديث مجيء الإمام الجواد عليه‌السلام من المدينة المنورة في الحجاز إلى خراسان ليغسل ، ويكفّن ، ويصلي على أبيه الإمام الرضا عليه‌السلام ويدفنه .. ثم رجع ، وكان ذلك بطي الأرض كما هو معلوم.

٩ ـ وهناك الحديث الذي يقول : إن الإمام الكاظم عليه‌السلام خرج من سجنه ببغداد إلى المدينة المنورة ليعهد إلى ولده الإمام الرضا عليه‌السلام ؛ وقد جاء فيه :

«ثم قال : إني أدعو الله عزوجل باسمه العظيم ، الذي دعا به آصف حتى جاء بعرش بلقيس ، ووضعه بين يدي سليمان عليه‌السلام ، قبل ارتداد طرفه إليه ، حتى يجمع بيني وبين ابني علي بالمدينة.

قال المسيب فسمعته يدعو ، ففقدته عن مصلاه ، فلم أزل قائما على قدميّ حتى رأيته قد عاد إلى مكانه ، وأعاد الحديد إلى رجله إلخ ..» (١).

١٠ ـ وحول طي الأرض للأئمة عليهم‌السلام عقد في بصائر

__________________

(١) راجع : تفسير نور الثقلين ج ٤ ص ٨٩ عن عيون الأخبار.

١١٦

الدرجات بابا فيه خمسة عشر حديثا ..

وحول طي الأرض لمن شاء من أصحابه عقد بابا فيه أحاديث كثيرة ، بالإضافة إلى أبواب أخرى ذكر فيها أحاديث كثيرة ، تفيد أن الله قد أعطاهم عليه‌السلام قدرات عظيمة في هذا المجال وفي غيره فراجع (١).

التصرف في الزمان :

وبعد ما قدمناه عن التصرف في المكان ، نجد أننا في غنى عن السعي لجمع الشواهد الدالة على وقوع التصرف في الزمان أيضا .. بل يكفينا اعتقادنا المستند إلى الدليل بإطلاق قدرة الله سبحانه.

ومع ذلك ، نقول : قد روى أبو سعيد الخدري في تفسير قوله تعالى : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (٢) قال :

قيل : يا رسول الله ، ما أطول هذا اليوم!!

فقال : والذي نفس محمد بيده ، إنه ليخف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا (٣).

وعن الإمام الرضا عليه‌السلام في حديث : الأئمة اثنا عشر ، جاء قوله :

«وليس بعزيز أن يجمع هذه الأمة يوما أو نصف يوم ، وإن يوما عند

__________________

(١) راجع : بصائر الدرجات ص ٣٩٧ ـ ٤١٠ والكافي.

(٢) سورة المعارج الآية ٤.

(٣) مجمع البيان ج ١٠ ص ١٢٠ وتفسير البرهان ج ٤ تفسير سورة المعارج.

١١٧

ربك كألف سنة مما تعدون» .. (١).

بل قد يستفاد التصرف بالزمان من نفس قضية دفن الإمام السجاد عليه‌السلام للأجساد الطاهرة في كربلاء ، ومن الإتيان بعرش بلقيس حسبما تقدم ..

خلاصة لأجل التوطئة :

وبناء على ذلك نقول : قد تقدم أن الرواية ذكرت : أن الولدان المخلدين هم أطفال المؤمنين ، يهدون لآبائهم ليسرّهم الله بهم. وأن فاطمة عليهاالسّلام هي التي تربيهم ، أو تدفعهم إلى سارة وإبراهيم عليهما‌السلام ..

وورد أيضا : أن السقط من المؤمنين يقف محبنطئا على باب الجنة ، ويقول : لا أدخل حتى يدخل أبواي ، أو نحو ذلك (٢).

وأما أطفال المشركين والكفار ، فتضرم لهم نار ، ويؤمرون بالدخول فيها ، فمن أطاع دخل الجنة ، ومن عصى دخل النار ..

وذكرنا أيضا : أنه لو كان لا بد من الإصرار على عدم وجود تكليف في الآخرة حتى لهؤلاء الأطفال والأسقاط ، فإنه لا شيء يمنع من حصول تصرف إلهي في الزمان والمكان ، على النحو الذي ذكرناه ، ليصبح من الممكن تكليفهم بالطاعة وبالمعصية. فإنكار ذلك يصبح غير ظاهر الوجه ..

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٥١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٣٤ ومن لا يحضره الفقيه ج ٣ ص ٣٨٣ والتوحيد للصدوق ص ٣٩٥.

١١٨

سؤال تقف وراءه أسئلة :

وهنا سؤال ، تقف وراءه أسئلة .. هو التالي :

إنه إذا كان هذا هو حال الطفل ، والأبله ، والمجنون ، والأصم ، والأبكم ، وأمثال هؤلاء .. فكيف تكون حال المكلفين الجاهلين؟

ويتبع هذا السؤال أسئلة كثيرة ، نذكر منها على سبيل المثال :

السؤال عن حكم :

١ ـ الجاهل القاصر ، أو الغافل من المشركين والملحدين ، الذي لو علم لعمل.

٢ ـ الجاهل القاصر أو الغافل من أهل الكتاب الذي يحب أن ينال رضا الله تعالى ، ويحب أن يصل إليه ، ولا عناد لديه.

٣ ـ الجاهل القاصر أو الغافل من أهل الخلاف ، الذي يعتقد أن ما هو عليه يوصله إلى الله ، ولو علم أن غير ذلك هو الذي يوصله ، لأخذه ، وعمل به.

٤ ـ الجاهل المقصر من الصنف الأول ..

٥ ـ ثم من الصنف الثاني ..

٦ ـ ثم من الصنف الثالث ..

٧ ـ وإذا كان هذا الجاهل القاصر ، أو المقصر من أهل الخلاف ، واستشهد في سبيل الدفاع عن الدين بحسب اعتقاده ، فهل يدخل الجنة؟!

٨ ـ وكيف يدخل الجنة ، مع وجود أحاديث تدل على أن من لا يوالي عليا عليه‌السلام فليس له في الجنة من نصيب ، حتى لو صام

١١٩

نهاره ، وقام ليله ، وحج دهره ..

إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة التي تدخل في هذا السياق ..

ونجيب على هذه الأسئلة باختصار شديد ، بما يلي :

الناس أصناف مختلفة ، فمنهم :

ألف ـ كتابي ، أو مخالف ، أو مشرك ، ولكنه عالم مطلع ، وملتفت ، ومصر على ما هو عليه ، كعلماء أهل الأديان الباطلة ، وعلماء الفرق المختلفة .. أو كالذين رأوا الآيات الباهرة بأم أعينهم كأبي جهل ، وعتبة ، وشيبة ، وأضرابهم ..

ب ـ وهناك كتابي أو مخالف ، أو مشرك ، راض بما هو عليه ، لا يقبل بأن يفكر ، وأن يناقش ، بحجة أنه لا يريد أن يشغل باله بمثل هذه الأمور ، التي لا يرى لها ذات أهمية ، فهو يقدم راحة باله ، وتفرغه لشؤونه على أي شيء آخر ..

ج ـ وهناك مشرك ، أو كتابي ، أو مخالف يريد أن ينجو بنفسه من كل خطر ، وهو مستعد لقبول الحق ، والالتزام به ، والعمل بمقتضاه.

ولكنه غافل عن وجود شيء سوى ما هو عليه ..

كما لو كان يعيش في صحراء ، أو في غابة ، ولا يعرف ما وراءها ..

د ـ وهناك من هو مستعد لقبول الحق ، وعارف بوجود اختلافات بين الناس فيه ، ولكنه عاجز عن الوصول إلى هذا الحق. إما لموانع قسرية انتهت بحجز حريته ضمن نطاق بعينه ، أو لعدم قدرته الفكرية ـ في نفسه ـ على التمييز بين الحق والباطل ، أو لوجود شبهات أو خدع أثّرت على فهمه للأمور ، ولو أنه اكتشف الزيف لرفضه ، والتزم بالحق.

١٢٠