موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

باقر شريف القرشي

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

المؤلف:

باقر شريف القرشي


المحقق: مهدي باقر القرشي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الطبعة: ٢
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: ١٠٩

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ )

البقرة : ٢١٣

( وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ )

النساء : ٥٨

( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ )

المائدة : ٤٩

( يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ )

ص : ٢٦

٣
٤

تقديم

(١)

الإسلام لطف من الله على عباده ، ونور يهديهم للتي هي أقوم ، يقيم أودهم ، ويصلح شئونهم ، وينشر الأمن والاستقرار في نواديهم ومجتمعاتهم.

إنّ رسالة الإسلام بمحتوياتها وبنودها المشرقة تستهدف رفع مستوى الإنسان في سلوكه وتهذيبه وأخلاقه ، وتبعده عن جميع منشئات التخلّف ، وتنشئه نشأة صالحة كريمة يسودها الوعي والقيام بما عليه من حقوق وواجبات اتجاه نفسه واسرته ومجتمعه ، ولا يتردّى في مجاهل الحياة البائسة القاتمة التي تحوطها الفوضى والنزاع والخصومات ، والتي يعيش فيها ابن آدم المجهود المكدود على أعصابه يطارده الرعب ، وينهش جسمه الفقر والحرمان.

(٢)

ولم تشرّع الأديان السماوية والمذاهب الاجتماعية فيما قنّنته من أحكام لصالح الإنسان في جميع قضاياه وشئونه ، وإنّما تبنّت بعض جوانب الحياة ، ولم تستوعبها بصورة دقيقة وشاملة.

٥

أمّا الإسلام ـ والحمد لله ـ فقد تبنّى فيما شرّعه من أحكام تكليفيّة ووضعيّة جميع شئون الإنسان ، ووضع لها الحلول الحاسمة التي تحسم الداء ، وتقضي على جميع مشاكل الإنسان وأزمات حياته ، ولا تدع أية ثغرة يسلك فيها لإفساد مجتمعه إلاّ سدّها وقضى عليها.

(٣)

وكان من أروع ما قنّنه الإسلام في الاصلاح الاجتماعي والفردي أنّه ربط بين الجماعات الإسلامية ربطا وثيقا ، فآخى بين المسلمين ، وجعل الرابطة الإسلامية أقوى من رابطة النسب والدم ، فجعل المسلم أخا المسلم بجميع ما تنشده هذه الكلمة من معنى ، فأمر كلّ مسلم أن يخلص في الحبّ لأخيه المسلم كما يحبّ لنفسه ، ويكره له ما يكره لنفسه ، وجعل المسلم أخا المسلم عينه ودليله.

ومن المؤكّد إذا سادت هذه الروح الطيّبة بين المسلمين فلا يعقل بأي حال من الأحوال أن تحدث بين المسلمين النزاعات والخصومات ، ولا بدّ أن تغلق أبواب المحاكم ، ويلقى الستار على مكاتب المحامين.

(٤)

ولمّا أقام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله دولته الكبرى في يثرب شكّل مجلس القضاء في جامعه الأعظم لأنّه جزء من رسالته الخالدة الهادفة إلى صيانة الحقوق ، وضمان مصالح الناس ، وسيادة العدالة الاجتماعية في البلاد.

وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه يتولّى القضاء بين الناس ويحكم فيهم بما أنزل الله تعالى ، وقد وضع اسس القضاء وطوّر أساليبه ، وأحكم بحوثه ، ونصّ على وظيفة

٦

المدّعي والمنكر ، وغير ذلك ممّا يتّصل به من شئون ، ويعدّ ذلك من أروع ألوان التطوّر في الحياة الإنسانية.

(٥)

أمّا القضاء الإسلامي ـ بحسب ما قنّن فيه من قيم وبحوث ـ فهو من ذخائر الفكر الإسلامي ، ويعتبره علماء القانون من المناجم التي يقتبسون منها ، ويشرّعون من أحكامه ، فقد أخذت منه اوربا وغيرها الكثير من الأحكام السائدة في محاكمهم وكلّياتهم المتخصّصة في هذا الموضوع.

وكان من أروع ما امتاز به القضاء الإسلامي استقلاله وعدم خضوعه لأيّة سلطة في جهاز الدولة ، وأنّه يجب على جميع الأجهزة أن تخضع لما يصدره من أحكام ومقرّرات ، وأنّ المرجع الأعلى في الدولة يجب عليه أن يحضر أمام القضاء إذا اقيمت عليه دعوى من بعض المواطنين ، وليس له أيّة حصانة.

(٦)

وليس السبب في روعة القضاء الإسلامي وأصالته استقلاله وعدم خضوعه وارتباطه بأيّة سلطة من جهاز الدولة ، وإنّما لما احيط به من أحكام ، قنّنت في منتهى الدقّة والإحكام ، مضافا إلى ما حوته مصادر القضاء من آداب وتعاليم تتعلّق بالقضاة من حيث طاقاتهم العلمية ، وأن يكونوا في أرقى المستويات من حيث النزاهة والعدالة ، فإذا لم تتوفّر فيهم هذه الصفات فليس لهم من سبيل للتصدّي لهذه الوظيفة التي يجب أن تناط بأفضل أهل العلم كفاءة وتحرّجا في الدين.

٧

(٧)

والشيء المحقّق أنّ صلاح الامّة بجميع شرائحها منوط بصلاح القضاء ، الذي فيه يسود الأمن ، ويحسم الاعتداء والظلم ، وتنشر العدالة في البلاد ، وأمّا إذا فسد القضاء وخضع للمؤثّرات الخارجية فإنّ الامّة تشيع فيها الجريمة ، وتصاب بشلل فكري واجتماعي ، وتسود فيها الفوضى واللاّمبالاة ولا يأمن أي فرد على نفسه وعرضه وماله.

إنّ فساد القضاء من أقسى الكوارث وأمرّ الخطوب التي تحلّ بالمجتمع ، فإنّه يفقد الأمن والاستقرار ، ويفقد جميع مقوّمات الحياة ، وقد اهتمّ الإسلام اهتماما بالغا بصلاح القضاء وسلامته من كلّ زيغ وانحراف.

(٨)

وموضوع هذا الكتاب التحدّث عن قضاء الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وإنّما ذكرنا الفصول المتقدّمة تمهيدا أو استطرادا ـ كما يقول علماء الاصول ـ للبحث عن قضاء الإمام عليه‌السلام ، فقد برز على مسرح القضاء الإسلامي كألمع شخصية علمية موهوبة عرفها التاريخ الإسلامي في فنّ القضاء وغيره من البحوث الفقهية.

لقد كان الإمام الملهم العظيم أوّل من وضع معظم اسس القضاء ، وميّز بين الحقّ والباطل في دعوى المتخاصمين التي احيطت بكثير من الغموض والإبهام ، وقد استطاع بأروع الأساليب أن يكشف الحقّ ، ويزيح الالتباس ، الأمر الذي أثار إعجاب علماء القانون والقضاة ، ومنه استمدّوا الكثير من المعلومات في التمييز بين الدعاوى ومعرفة الحقّ فيها.

٨

(٩)

وتقلّد الإمام عليه‌السلام منصب القضاء أيام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك حينما بعثه إلى اليمن ، ولم يختبره وذلك لعلمه به ، وإنّما نبّهه على أدب القضاء (١) فقال له :

« إذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتّى تسمع من الآخر كما سمعت من الأوّل ، فإنّه أحرى أن يتبيّن لك القضاء ».

قال الإمام :

« فما زلت قاضيا ، وما شككت في قضاء بعد » (٢).

وقد نبغ الإمام عليه‌السلام في القضاء والفتيا ، ولم يضارعه أحد في هذه الظاهرة ، وقد قلّده النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وساما رفيعا وميّزه على بقيّة أصحابه فقال :

« أقضاكم عليّ ».

(١٠)

وأجمع الرواة على أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام كان المرجع الأعلى للقضاء والفتيا أيام حكومة الخلفاء لا يعدون رأيه فيما يقضي ويفتي به ، خصوصا في عهد عمر بن الخطّاب ، فقد شاعت كلماته : « لو لا عليّ لهلك عمر » ، وقال غير مرّة : « لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن » ، لقد اعترف عمر بتفوّق الإمام الملهم العظيم عليه وعلى

__________________

(١) الآداب السلطانية : ٤٦.

(٢) النظم الإسلامية : ٣١٩.

٩

غيره في ميدان القضاء ، وغيره من بحوث الفقه ، ومن المؤكّد أنّه ليس أحد من الصحابة وغيرهم من يضارع الإمام في القضاء وغيره من مسائل الفقه.

(١١)

وأثار إعجاب العلماء والمحقّقين من قدامى ومحدّثين روعة قضاء الإمام عليه‌السلام ، وما فيه من أصالة وإبداع ، فألّفوا مجموعة من الكتب تناولت بصورة شاملة قضاءه في مختلف القضايا والشؤون منها ما يلي :

١ ـ كتاب قضايا أمير المؤمنين لمحمّد بن قيس البجلي ، وهو من أصحاب الإمام الصادق والكاظم عليهما السّلام (١).

٢ ـ كتاب قضايا الإمام أمير المؤمنين للمعلّى بن محمّد البصري (٢).

٣ ـ عجائب أحكام الإمام عليه‌السلام لمحمّد بن عليّ بن إبراهيم (٣) ، وهذه من المخطوطات ، ولعلّها توجد في بعض خزائن المخطوطات في العالم الإسلامي وغيره.

٤ ـ عجائب أحكام وقضايا ومسائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب العجيبة للإمام السيّد محسن الأمين ، طبعت عام ١٣٦٦ ه‍.

٥ ـ قضاء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب للعلاّمة المحقّق الشيخ محمّد تقي التستري ، طبع بالمطبعة الحيدرية سنة ١٣٧٣ ه‍.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٢٦.

(٢) رجال النجاشي : ٢٩٦.

(٣) رجال النجاشي : ٢٣٤. عجائب أحكام أمير المؤمنين : ٣١.

١٠

(١٢)

وحيث أنّا وفّقنا إلى دراسة ( حياة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ) فلا بدّ لنا من البحث عن قضائه ، الذي يمثّل سعة علومه ، وقدراته العلمية على حلّ المسائل المعقّدة التي يصعب على القضاة والحكّام حلّها وكشف ما فيها من التباس وغموض. ولا أدّعي أنّي قد ألممت في هذا الكتاب بجميع ما اثر عن هذا الإمام الملهم العظيم في مسائل القضاء ، فإنّ هذا أمر بعيد المنال.

(١٣)

يعرض هذا الكتاب في أوّل بحوثه إلى مدلول القضاء في اللغة والشرع ، وما يرتبط بذلك من بحوث ، كما يعرض إلى بعض أقضية الإمام في عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأيام الخلفاء ، وفي عهد حكومته.

ومن الجدير بالذكر أنّ قضاء الإمام عليه‌السلام هو من ركائز الفقه الإسلامي الذي يتناول جميع متطلّبات الحياة وشئونها ، وقد برز فيه الإمام عليه‌السلام ، فكان من عمالقته ومن منابعه ، ومنه استمدّ الفقهاء والعلماء في ما يفتون به.

(١٤)

وليس من الوفاء في شيء أن أنسى أو أغضّ النظر عن الجهود الخلاّقة التي أسداها إليّ أخي فقيد الإسلام الحجّة الشيخ هادي شريف القرشي نضّر الله مثواه ، فقد كانت له

١١

آراؤه الوثيقة وملاحظاته القيّمة فيما ألّفته في أئمّة الهدى عليهم‌السلام ، وقد تمنّيت أن يمثل هذا الكتاب أمامه مع بقيّة أجزاء موسوعة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام لينظر فيه ويصلح ما فيه من خلل ، ولكنّ الله تعالى بالغ أمره ، ولا رادّ لقضائه ، فقد اختطفته المنيّة برا تقيّا زكيّا حشره الله مع أوليائه ، وأثابه أجزل الثواب على ما أسداه عليّ من ألطاف ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وبهذا نطوي الحديث عن هذا التقديم.

النّجف الأشرف

باقر شريف القريشى

٢٧ / شعبان / ١٤٢٠ هـ

١٢

مدلول القضاء

لغة وشرعا

١٣
١٤

لعلّ من المفيد أن أعرض إلى مدلول القضاء في اللغة والشرع ، ثمّ أعرض إلى ما أثر عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام من بحوث في هذا الموضوع.

في اللغة :

القضاء في اللغة الحكم ، وأصله قضاي مشتق من قضيت (١) ، نصّ على ذلك الجوهري ، ويستعمل القضاء في معان متعدّدة ، أمّا حقيقة بناء الاشتراك اللفظي ، وهو الوضع لمعان متعدّدة ، أو مجازا بناء على أنّه موضوع لمعنى واحد ، ويستعمل في غيره مجازا.

وهذه بعض المعاني التي استعمل فيها.

١ ـ الإمضاء : ومنه قوله تعالى : ( ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ ) (٢).

٢ ـ البيان : ومنه قوله تعالى : ( مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) (٣) ، أي يبين.

٣ ـ الحكم والفعل : ومنه قوله تعالى : ( إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ ) (٤) ، أي يحكم ويفعل.

__________________

(١) لسان العرب ١٥ : ١٨٦.

(٢) يونس : ٧١.

(٣) طه : ١١٤.

(٤) يونس : ٩٣.

١٥

٤ ـ العهد : ومنه قوله تعالى : ( وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ ) (١) ، أي عهدنا.

٥ ـ انصرم : يقال : انقضى الشيء انصرم (٢).

٦ ـ الموت : يقال : قضى فلان نحبه ، أي مات ، وهو مجاز (٣).

٧ ـ الخلق : ومنه قوله تعالى : ( فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ ) (٤) ، أي خلقهنّ.

٨ ـ الانتهاء من الشيء : يقال : فلان قضى حاجته ، أي انتهى منها.

٩ ـ الأداء : يقال : قضى فلان دينه ، أي أدّاه.

١٠ ـ الحتم : ومنه قوله تعالى : ( وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ) (٥) ، أي حتم (٦).

ونكتفي بهذه المعاني لكلمة القضاء ، وأفاد اللغويّون لها معاني اخرى (٧) ، وهي إمّا معان مجازية أو من لوازم المعنى الأوّل وهو الحكم.

في الاصطلاح الشرعي :

أمّا القضاء في اصطلاح الفقهاء فقد أدلى بتعريفه الشهيد الأوّل رحمه‌الله قال : إنّ القضاء عبارة عن الولاية على الحكم في الدعاوى والمنازعات وفي الامور العامّة (٨) ،

__________________

(١) الإسراء : ٤.

(٢) البستان : ١٦٩.

(٣) البستان : ١٦٩.

(٤) فصّلت : ١٢.

(٥) الإسراء : ١٧.

(٦) تاج العروس ١٠ : ٢٩٦.

(٧) لسان العرب ١٥ : ١٨٦. معجم متن اللغة ٤ : ٥٩٠.

(٨) الدروس : ٦٦.

١٦

ووافقه على ذلك الشهيد الثاني إلاّ أنّه خصّه بالدعاوى والمنازعات (١) ، وعرضت كتب المذاهب الإسلامية في الفقه إلى تحديد القضاء بتعاريف اخرى (٢) ، وذكرها يستدعي الاطالة بلا فائدة.

القضاء في الجاهلية :

أمّا القضاء في أيام الجاهلية فقد كان العرب يتحاكمون فيما شجر بينهم من خلاف إلى رئيس القبيلة أو إلى كاهن أو إلى من عرف بأصالة الرأي وجودته ، ولكنّهم كانوا يحكمون حسب ما يرونه من دون أن يستندوا إلى قانون أو قواعد معروفة.

ولكن في مكّة تأسّس حلف الفضول ، وكان من أوّليات مبادئه على أن لا يظلم بمكّة غريب ولا حرّ ولا عبد حتى يأخذوا له بحقّه ويؤدّوا له ظلامته ، وهذا يعتبر تطوّرا هائلا في ميدان القضاء في العرف الجاهلي.

القضاء في الإسلام :

ولمّا أقام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله دولته العظمى في يثرب أقام مجلس القضاء في جامعه الأعظم ، وتولّى بنفسه الشريفة القضاء وفصل الخصومات ، كان من بينها أن شخصا من الأنصار قد اشترى بستانا من سمرة بن جندب ، وقد استثنى منها نخلة ، فكان سمرة يتعاهدها في معظم الأوقات من دون أن يستأذن من الأنصاري فارتاب منه ، فرفع أمره إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فبعث خلفه ، فلمّا مثل أمامه طلب منه حسم النزاع ، فلم يستجب له ، وعرض عليه أن يعوّضه عنها بستانا فأبى ، وضمن له أن يعطيه نخلة في الفردوس الأعلى فامتنع ، ولمّا أصر سمرة على العدوان التفت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى

__________________

(١) المحاكمة في القضاء ـ محمّد حسين الحسني : ٢٢

(٢) تبصرة الحكّام ١ : ١٢. جامع العلوم في اصطلاحات الفنون ٣ : ٧٢. الفروق ٤ : ٥٣.

١٧

الأنصاري وقال له :

« اذهب فاقلعها وارم بها في وجهه ، فإنّه لا ضرر ولا ضرار في الإسلام » (١).

هذه صورة رائعة من القضاء الإسلامي الذي يصون حقوق الناس ويضمن كرامتهم.

__________________

(١) الحضارة العربية الإسلامية ـ الدكتور الخربوطلي : ٤٩.

١٨

اهمّيّة القضاء

و

شروط القضاة

١٩
٢٠