اللّمعات العرشيّة

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]

اللّمعات العرشيّة

المؤلف:

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]


المحقق: علي اوجبي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات عهد
المطبعة: نگارش
الطبعة: ٠
ISBN: 964-5763-11-8
الصفحات: ٥١٩

ومنها : أنّ القائل بالزمان الموهوم معترف بأنّه شيء ممتدّ واقعي نفس أمري وقديم أزلي وعاء عدم العالم ؛ وهذا يخالف لما ثبت من الشريعة وانعقد عليه إجماع أهل الملّة من عدم قديم في نفس الأمر سوى الواجب تعالى.

ومنها : أنّ حدود ذلك الامتداد متشابهة ؛ إذ لا اختلاف في العدم ولا مخصّص من استعداد أو حركة أو غير ذلك ؛ فاختصاص حدوث العالم بالحدّ الذي وجد فيه دون حدّ آخر قبله ترجيح بلا مرجّح.

ويمكن الجواب عن هذا بأنّ قبول العالم للوجود لعلّة كان متوقّفا على انقضاء هذا القدر وانتهائه إلى هذا الحدّ.

ومنها : أنّ منشأ ثبوت هذا الامتداد إنّما هو تحقّق موجود ما ـ أيّ موجود كان ـ لأنّهم قالوا : إنّ الباعث لتحقّقه إنّما هو وجود الواجب بملاحظة بقائه ؛ فما دام الواجب موجودا ينتزع عنه هذا الامتداد ـ سواء كان قبل إيجاده أو بعده ـ ولا فرق إلّا بأنّه إذا وجد العالم ينطبق هذا الامتداد على الحركة والزمان ؛ ولذا قيل : إنّ هذا الامتداد بمنزلة المذروع وحركة الاطلس بمنزلة الذراع ؛ فبحركته يستمرّ هذا الامتداد ؛ فيصير قطعة منه نهارا واخرى ليلا واخرى اسبوعا واخرى شهرا واخرى سنة ؛ وإذا انتزع هذا الامتداد من الواجب بملاحظة بقائه مع وحدته وتجرّده وتعاليه عن الزمان لانتزع بطريق أولى من كلّ موجود ـ مجرّدا كان أو مادّيا حيوانا / B ٢٠٠ / كان أو نباتا أو جمادا أو غير ذلك ـ فيتعدّد ذلك الامتداد بتعدّد أفراد جميع الأنواع بحسب بقائها إن متناهية فمتناهيا وإن غير متناهية فغير متناه ؛ فيتحقّق في العالم امتدادات واقعية نفس أمرية غير متناهية وإن انطبق بعضها على بعض إلّا أنّ التغاير بينهما متحقّق كما بين الزمان الموهوم والزمان الذي هو مقدار الحركة الدورية.

ولقائل أن يقول : إذ سلّم وجود هذا الزمان الموهوم فيلتزم انتزاعه عن كلّ فرد

٤٨١

من أفراد الموجودات وإن بلغ عدده أضعاف أفراد الموجودات على أنّها متداخلة بعضها مع بعض ومتوقّفة بعضها على بعض.

فهذا الوجه كسابقه لا ينتهض حجّة مستقلّة للمطلوب. فالعمدة هي الحجج السابقة.

ثمّ نقول ـ تأكيدا للإبطال ـ : هذا الزمان المتقدّم على العالم إمّا أن يكون موجودا أو موهوما.

فعلى الأوّل : يكون ممكنا داخلا في ما سوى الله ؛ فيكون وجوده أيضا مسبوقا بالعدم ، لما مرّ من تناهي الامتدادات الموجودة وللإجماع والنصوص مع أنّ الزمان إذا كان ظرفا للعدم الأولى يجب أن يكون قديما لا حادثا ؛ فيلزم التناقض ؛ وأيضا إذا كان الزمان موجودا قابلا للمساواة واللامساواة (١) كان كمّا والكمّ عرض مفتقر إلى محلّ ومحلّه لا يكون إلّا مادّيا ؛ فيلزم قدم ذلك المادّي ؛ وهو باطل بالإجماع والأخبار ، بل بالدلالة العقلية أيضا.

وعلى الثاني : فإن كان موهوما صرفا اختراعيا كأنياب الأغوال لم يكن عدم العالم قبل وجوده في ظرف هو الزمان ، بل يكون عدمه عدما صريحا خالصا ؛ وإن كان موهوما منشأ الانتزاع ننقل (٢) الكلام إليه ؛ فهو إمّا واجب أو ممكن ؛ والأوّل باطل لما مرّ ؛ وعلى الثاني يكون مادّيا ؛ فهذا المادّي إن كان قديما لزم خلاف الإجماع ومقتضى الأخبار ؛ وإن كان حادثا لم يجز أن يكون مسبوقا بعدم يكون في هذا الزمان ؛ إذ الفرض حدوثه وتأخّره عن عدمه ؛ فيكون عدمه في زمان آخر وهكذا إذا نقل الكلام إليه ؛ فيلزم التسلسل وهو باطل أو يكون عدما صرفا بحتا لا في الزمان ؛ فثبت تحقّق العدم البحت الواقعي قبل العالم.

وإذ ثبت بطلان / A ٢٠١ / الحدوث الذاتي بثبوت بطلان عدم تناهي الزمان

__________________

(١). س : الامساواة.

(٢). س : صيقل.

٤٨٢

الموجود وبطلان الزماني ببطلان الزمان الموهوم يثبت حقيقة الحدوث الدهري وهو مسبوقية العالم بعدم صريح واقعي لو قدّر وجود الزمان فيه لكان غير متناه.

ثمّ هذا الحدوث مستلزم للحدوث الذاتي أيضا ؛ لأنّ تأخّر العالم عن الواجب بالعدم الصريح الواقعي مستلزم للتأخّر الذاتي الذي هو محض الفاقد المرادف للحدوث الذاتي ؛ فالحدوث الدهري مستلزم للذاتي بخلاف العكس ، كما أنّ الزماني مستلزم لهما دون العكس ؛ فالمراد بما ذكر من بطلان الحدوث الذاتي هو بطلان انحصار الحدوث فيه ، كما عليه الفلاسفة.

ثمّ تحقيق الكلام في الحدوث الدهري وتوضيح معناه وتحقيق حقيقته على ما لا تبقى فيه شبهة هو أنّه لا ريب في أنّ تقدّم الواجب والعدم على العالم على القول بالحدوث الذاتي تقدّم بالذات ويسمّى بالتقدّم العقلي ؛ لأنّه اعتبار يخترعه العقل من تلقاء نفسه وليس تقدّما بحسب الخارج والواقع ؛ (١) وعلى القول بالحدوث الزماني تقدّم بالزمان بمعنى أنّهما متقدّمان بالزمان على العالم ؛ وعلى القول بالدهري تقدّم دهري بمعنى أنّهما متقدّمان عليه بحسب الدهر الذي هو الواقع ونفس الأمر. فهذا التقدّم ـ أي التقدّم الدهري ـ ليس شيئا من أقسام التقدّم الخمسة المشهورة ، بل هو قسم آخر مغاير لها ؛ ولا ضير فيه.

والحاصل : أنّ العالم مع حدوثه ـ بأيّ معنى اخذ من الأقسام الثلاثة للحدوث ـ مسبوق بالعدم إلّا أنّ العدم على الأوّل لعدم تناهي الحركة والزمان مجرّد عدم ذاتي هو مجامع للعلّة والمعلول وليس عدما واقعيا يمكن أن يفرض فيه وجود شيء إذا وجد فيه يكون متقدّما على العالم وما هو إلّا العدم الذي يلزم ماهيّة الممكن ؛ وهو وإن كان عدما في مرتبة من المراتب هي مرتبة وجود العلّة إلّا أنّه ليس ممّا يمكن أن يقع به الفصل بين العالم وبين الواجب فصل بينونة ، بل

__________________

(١). س : الخارج فالواقع.

٤٨٣

المتحقّق بينهما معه وصل كينونة لو أمكن وقوع الفصل والوصل بين الواجب وبين غيره بشيء ؛ وأمّا العدم على الثاني فهو عدم زماني / B ٢٠١ / ممتدّ متصرّم ؛ وهو باطل ؛ وأمّا على الثالث فهو عدم واقعي صريح غير مجامع للعلّة والمعلول ويحصل به فصل بينونة بينهما لو فرض جواز الفصل بين الواجب وبين غيره بشيء ؛ ولو فرض وقوع الحركة أو الزمان فيه لكانا غير متناهيين ؛ فهذا العدم هو بعينه العدم الذي أثبته المتكلّم سابقا على العالم إلّا أنّه يقول بتحقّق زمان غير متناه موهوم نفس أمري لظهور بطلانه ـ كما تقدّم ـ وإن امكن تقدير زمان غير متناه وتخييله فيه بخلاف العدم الذاتي ؛ فإنّه لا يمكن التقدير والتخييل أيضا فيه.

فإن قيل : هذا العدم الواقعي إن اتّصف بالسابقية وحصل به الفصل بين الواجب والعالم وكان له وعاء البتّة ، فيكون قولا بالزمان الموهوم ؛ وإن يتّصف بالسابقية ولم يحصل به الفصل لزم الحدوث الذاتي.

وبتقرير آخر : إن كان العدم والوجود في وعاء الدهر متعاقبين كانا زمانيين وإن كانا مجتمعين في الحالة الواحدة لزم الحدوث الذاتي.

والجواب : أنّ الفصل بين الحوادث الزمانية إنّما هو بالزمان ولا يعقل الانفصال والانفكاك بينهما إلّا به ؛ وأمّا الفصل بين الثابت والحادث ـ كالواجب والعالم ـ إنّما هو بالدهر الذي هو نسبة بينهما ووعاء للزمان ولكلّ ما يوجد مبدعا في غير زمان ولعدمه أيضا.

قال أرسطو في أثولوجيا : «اصول العالم وأركانه كالأفلاك والعناصر ليست موجودة في الزمان ، بل في الدهر.»

وصرّح أساطين الحكمة بأنّ كون الثابت مع مثله سرمد ومع المتغيّر دهر وكون المتغيّر مع مثله زمان. فالدهر وعاء للمبدعات من غير زمان ولعدمها السابق

٤٨٤

عليها ؛ وحقيقة هذا الوعاء حاقّ الواقع ومتن نفس الأمر ؛ وكون عدم العالم في هذا الوعاء فاصلا بين الواجب وبين العالم كناية عن كون الواجب ثابتا في الخارج والواقع وفي حدّ ذاته مع كون العالم معدوما بحيث لو فرض زمان في هذا الواقع المعبّر عنه بالدهر الذي كان الواجب فيه موجودا والعالم معدوما لكان غير متناه وإن لم يكن في هذا الواقع وفي العدم المحقّق فيه امتداد وتصرّم وتجدّد.

وحاصله : / A ٢٠٢ / أنّه كان الواجب موجودا في الواقع الذي يعبّر عنه بالدهر ولم يكن معه عالم وفي متن الدهر وإن لم يكن زمان وامتداد إلّا أنّه يمكن فرضه وتخييله ، كما تقدّم. فالزمان التقديري التخييلي الذي تحقّق فيه الواجب ولم يتحقّق فيه العالم غير متناه ؛ ولو فرض وقوع الزمان الموجود في هذا الزمان التقديري وانطباقه عليه لكان غير متناه. فحقيقة الحادث الدهري أن يسبقه العدم الصريح الواقعي في متن الدهر وحاقّ الواقع وليس فيه امتداد زماني وفصل كمّي إلّا بمجرّد التقدير والتخييل إلّا أنّ [هذا] الانفكاك والفصل لمّا لم يكن زمانيا (١) يتعسّر عليهم تعقّل الانفكاك الدهري ولكنّ المسافرين من صقع الزمان والزمانيات يعرفون بصفاء عقولهم وتجرّد نفوسهم هذا الانفكاك والفصل ويعلمون أنّه مع عدم توهّم تجدّد وتجزّى هناك يتحقّق به الانفكاك بين الواجب والعالم وعدم المعيّة بينهما في الوجود الواقعي ؛ ولا يلزم من الانفكاك في الوجود والتحقّق ثبوت الامتداد والتجزّي ؛ لأنّهما من خواصّ الزمانيات ؛ وليس وجود الواجب زمانيا ؛ ولا معنى لاتّصال العالم وانفكاكه عنه في الحقيقة ؛ ومرادنا من الانفكاك والفصل ـ كما اشير إليه ـ ارتفاع المعيّة بين الواجب والعالم في الوجود والتحقّق الواقعي بحيث يصحّ أن يقال : «كان الواجب بالمعنى الذي يصحّ الآن ولم يكن العالم.»

ولو شئت زيادة توضيح نقول : (٢) لو لم يوجد انفكاك واقعي بين العالم والواجب

__________________

(١). س : الانفكاك والفصل الا ما هو زماني.

(٢). س : يقول.

٤٨٥

بحيث لو فرض تحقّق الزمان فيه لكان غير متناه لزم إمّا كون الواجب محلّا للزمان الواقعي النفس الأمري أو عدم تناهي الزمان والحركة من جانب البداية أو كون بقاء الواجب بقدر زمان متناه ؛ والكلّ قطعي البطلان ؛ فلا بدّ أن يكون بين الواجب والعالم امتداد واقعي لو فرض فيه الزمان لكان غير متناه ؛ وهذا الانفكاك إنّما هو في وعاء الواقع ـ أعني الخارج ـ وظاهر أنّ الخارج من حيث هو خارج ليس شيئا موجودا على حدة مغايرا للموجودات الخارجية ، بل هو حدّ ذات الشيء ومرتبته في / B ٢٠٢ / الوجود. فالخارج المتحقّق للواجب كونه ثابتا موجودا بذاته وقائما بنفسه لا في زمان ولا في مكان ولا مع شيء آخر من الموجودات ؛ ويعبّر عنه بالسرمد ؛ وللمجرّدات ونفس الزمان والأفلاك والعناصر كونها موجودة بغيرها لا في زمان ولأعدامها كونها ثابتة كذلك ويعبّر عنه بالدهر ؛ وللحوادث اليومية كونها موجودة في الزمان والمكان.

فنحن إذا أردنا أن نعبّر عن كون الواجب موجودا (١) بذاته بدون شيء آخر نقول : «موجود في السرمد» تجوّزا ؛ وإذا أردنا أن نعبّر عن ثبوت عدم العالم قبل وجوده لا في زمان نقول : «إنّه في الدهر» على سبيل التوسّع مع أنّ السرمد والدهر ليسا شيئين موجودين منفردين. فالسابق على وجود العالم ليس إلّا عدمه الصّرف ووجوده الواجب الحقّ ؛ ولا يلزم مع ذلك معيّة الواجب للعالم في الخارج ؛ إذ لا نسبة بينه وبين غيره من الموجودات بوجه حتّى يتصوّر بينهما معيّة في الوجود الخارجي ؛ فإنّ المجرّد الصّرف القائم بذاته يتعالى (٢) عن الانتساب إلى الزمان [و] أيّ معيّة ومقارنة يكون له بالنسبة إلى الزمان والزمانيات ؛ لأنّ المعيّة والمقارنة في الشيئين في الزمان فرع كونهما زمانيين ؛ وإذا انتفت المعيّة عنه يثبت انفكاكه عن العالم وإن لم يكن انفكاكا زمانيا ؛ فإنّه لو فرض قدم الزمان لكان منفكّا عنه

__________________

(١). س : موجود.

(٢). س : بذاته والمتعالي.

٤٨٦

بهذا المعني أيضا إلّا أنّه مع قدمه لا يتحقّق قبل العالم عدمها الصريح الواقعي الذي يصدق لأجله «الواجب كان فيه ولم يكن العالم.» فلم يتحقّق الفصل الدهري ولا الزماني ؛ وأمّا مع تناهي العالم والزمان فيتحقّق قبله عدم واقع محض يصحّح صدق كون الواجب فيه دون العالم ويصدق أنّه لو وجد فيه زمان لكان غير متناه ؛ إذ جميع الأزمنة بإزائها وآثارها ؛ بل أضعاف أضعافه لعدّة غير متناهية لو فرض وقوعها فيه يوسعها وحينئذ يتحقّق الفصل الدهري الواقعي وإن لم يتحقّق الفصل الزماني.

وممّا يوضح (١) ذلك قياس الزمان على المكان بالنسبة إليه تعالى ؛ فإنّ الواجب مع عدم كونه في مكان وعدم انتسابه إليه / A ٢٠٣ / بقرب أو بعد أو معيّة يمكن أن يقال بتحقّق الانفكاك بينه وبين كلّ مكان إلّا أنّه ليس بانفكاك مكاني ؛ ويرجع حقيقة هذا الانفكاك إلى عدم تحقّق نسبة مكانية بينهما.

وكذا الحكم في الزمان بعينه ؛ فكما يصدق أنّه تعالى مباين عن كلّ مكان وموجود في ما لم يوجد متمكّن فيه كذلك يصدق أنّه مباين عن كلّ زمان وموجود في ما لم يوجد العالم فيه.

وممّا يوضح (٢) قبول العدم الواقعي المذكور لوقوع الأزمنة فيه وإحالته بها واتّصافها بالامتداد والزيادة والنقصان بعد وقوعها فيه أنّه لو فرض وجود الواجب تعالى وحده بدون تحقّق شيء من الزمان والزمانيات والمكان والمكانيات إلى هذا الآن فعلى هذا الفرض يلزم أن لا يتحقّق قبل هذا الآن غير واجب الوجود ؛ فلا يتحقّق امتداد أصلا ، بل المتحقّق هو الواجب في الواقع ونفس الأمر ولا ثبوت لغيره سوى عدم الغير ـ أعني عدم الواقعي البحت ـ مع أنّه بعد فرض وجود العالم فيه ـ كما هو المطابق للواقع ـ حصل فيه الامتداد القابل للزيادة والنقصان ؛ فإنّ

__________________

(١). س : توضيح.

(٢). س : توضيح.

٤٨٧

الامتداد الحاصل من وقت حدوث العالم إلى هذا الآن أكثر من الحاصل من زمان نوح إلى هذا الآن ؛ وظاهر أنّ الزمان بامتداده إنّما وقع في وعاء الواقع والدهر الذي لو لم يوجد فيه زمان لم يتحقّق فيه إلّا العدم الصّرف ؛ فكما يصدق أنّ الزمان الذي وجد في العدم الصّرف له امتداد وتصرّم يصدق أنّ العدم الخالص الذي لم يوجد فيه الزمان وهو العدم الواقعي للعالم بحيث لو فرض فيه وجود الزمان لكان غير متناه.

فإن قيل : هذا الواقع المسمّى بالدهر الذي هو وعاء عدم العالم إن كان معدوما صرفا فكيف يتحقّق به الانفكاك الواقعي ويكون وعاء للموجود من الواجب أو غيرها من المجرّدات؟! وإن كان موجودا قديما لزم وجود قديم سوى الله وإن كان حادثا لزم التسلسل أو الانتهاء إلى القديم.

وأيضا : الدهر إمّا ثابت بنفسه من غير حاصله ؛ فيكون واجبا ؛ وهو باطل أو بالواجب لذاته ومعلول له ؛ فإن كان منتزعا عنه تعالى لزم قيامه / B ٢٠٣ / بذاته تعالى ؛ وهو محال ، لبطلان قيام مثله بالواجب على أنّ ما قام به كيف يصير ظرفا للعالم ولغيره من المبدعات وإن لم يكن منتزعا عنه تعالى؟! بل كان موجودا منفصلا عنه تعالى قديما أو حادثا ؛ فمع لزوم كون الواجب موجودا لا في الدهر والواقع يعود بعض الإشكالات المتقدّمة أيضا.

قلنا : أمّا أوّلا فإنّ الواقع والخارج ونفس الأمر والدهر وما يساوقها ممّا لم يختصّ بإثباته القائلون بالحدوث الدهري ، بل الكلّ متّفقون على ثبوته ، فالترديد فيه بأنّه كذا أو كذا مع فساد كلّ شيء يرد عليهم أيضا والجواب الجواب ولا فرق منشأ بين الحكماء والمتكلّمين في ذلك إلّا أنّ الحكماء يقولون : «إنّ الواقع لا ينفكّ عن وجود العالم» والمتكلّمون يقولون : «إنّه لا ينفكّ عن الزمان الموهوم» ونحن نقول : «ينفكّ عنهما ويحصل به الانفكاك» وجواب ذلك

٤٨٨

قد تقدّم.

وأمّا ثانيا : فإنّ الواقع أو الخارج أو نفس الأمر أو الدهر أو ما يرادفها ليس إلّا حدّ ذات كلّ شيء ومرتبته ؛ فوجود كلّ شيء في الواقع هو كونه في حدّ ذاته ومرتبته ؛ فهو من لوازم وجود كلّ موجود ؛ فليس موجودا منفصلا ولا معدوما (١) صرفا ، بل هو شيء واقعي نفس أمري له منشأ انتزاع هو موجود ما ؛ وهو في القديم قديم وفي الحادث حادث وفي كلّ موجود بحسبه ؛ فالواقع الثابت للواجب تعالى هو ما يليق بذاته وليس هو ثابتا لغيره وكذا الثابت للعقول غير الثابت للأفلاك وهكذا ؛ وليس شيئا ممتدّا كالزمان حتّى يقال : لا يناسب أن ينتزع عن ذاته.

قلنا : إنّا نختار (٢) من الترديدات كونه قديما منتزعا عن ذاته تعالى ولا يلزم فساد ؛ لأنّ حدّ ذاته ومرتبته ليس شيئا مغايرا له حتّى يلزم وجود قديم سواه ؛ وهذه المرتبة ليست لغيره حتّى يلزم أن يكون ما ينتزع عنه وعاء لغيره.

وعلى هذا يتّضح ما ذكر من حصول الانفكاك (٣) بين الواجب والعالم ؛ لأنّ منشأ الانفكاك حقيقة بين الأشياء إنّما هو حدود ذواتها ومراتبها ؛ فالانفكاك الواقعي بين الواجب والعالم ؛ ونفي (٤) المعيّة عنهما لا يتوقّف على / A ٢٠٤ / تخلّل شيء على حدة ، بل هما يحصلان بمجرّد اعتبار وجودهما في حدّ ذاتهما وتحقّقهما في مرتبة حقيقتهما المستلزم لتخلّل العدم ، لعدم الفرق بينهما. فوجود الواجب في حدّ ذاته وحاقّ مرتبته يكفي لانفكاكه عن العالم وعدم وجوده معه ؛ وهذا الحدّ والمرتبة هو المعبّر عنه بالدهر أو السرمد ؛ فالدهر أو السرمد ليس سببا على حدة أزليا مساوقا للواجب في الوجود.

انظر إلى كلام بارع المحقّقين حيث قال في شرح رسالة العلم : «أزليته تعالى

__________________

(١). س : بعدوما.

(٢). س : ان يختار.

(٣). س : + وبه.

(٤). س : يفى.

٤٨٩

إثبات سابقيته على غيره ونفي المسبوقية عنه ؛ ومن تعرّض للدهر أو الزمان أو السرمد في بيان الأزلية فقد ساوق غيره في الوجود» ومراده أنّ جعل أحد الثلاثة شيئا مغايرا له في الوجود وظرفا له يوجب الفساد المذكور لا أنّ مجرّد الإطلاق بعد الإرجاع إلى الحدّ والمرتبة أيضا يوجبه بالحدّ الذي للقديم ـ أي الواجب بذاته ـ في الوجود هو السرمد ؛ ولا شيء في هذا الحدّ سوى ذاته ولا نسبة وجود ولا عدم ؛ والذي للحادث الدهري المبدع في العدم الواقعي هو الدهر ؛ ولا شيء في هذا الحدّ والمرتبة إلّا المبدعات الحادثة بالحدوث الدهري وأعدامها الواقعية السابقة على وجودها ؛ والحدّ الذي للحوادث اليومية هو الزمان وهو وعاء وجودها وأعدامها السابقة عليها ؛ وكلّ سابق من الحدّ وذي الحدّ وإن وجد مع اللاحق منهما إلّا أنّ الحدّ اللاحق ليس ظرفا ومرتبة له ؛ والواجب وإن كان موجودا مع الدهر والزمان بمعنى أنّ بعد وجودهما أيضا موجود إلّا أنّه يتقدّس عن الانتساب إليهما ؛ وهذا إنّما هو على تقدير تناهي الزمان وكون العالم بأسره من العقول والنفوس والأفلاك والعناصر حادثة بالحدوث الدهرى ؛ أي مبدعة بعد العدم الواقعي.

ولو فرض مع تناهي الزمان كون العالم الجسماني كذلك و (١) كانت المجرّدات من العقول وغيرها حادثة ذاتية ـ أي بمجرّد العدم الذاتي دون الواقعي ـ كان السرمد حدّ وجود الواجب والأعدام الذاتية للمجرّدات ، والدهر حدّ وجودها ووجود اصول الأجسام / B ٢٠٤ / والحركة والزمان وأعدامها الواقعية السابقة عليها.

ولو فرض مع الحدوث الذاتي للمجرّدات عدم تناهي الزمان ـ كما هو مذهب الحكماء ـ كان السرمد حدّ وجود الواجب والعدم الذاتي للمجرّدات والعالم الجسماني ، والدهر حدّ وجودهما ؛ ويمكن جعل حدّ العدم الذاتي للمجرّدات

__________________

(١). س : + ان.

٤٩٠

أيضا الدهر أو جعل وجودهما أيضا من السرمد ؛ إذ أمثال ذلك مجرّد اصطلاح وإطلاق لا مشاحّة فيه ؛ والمناط أنّ حدّ وجود كلّ من الواجب والمجرّدات واصول الأجسام والحوادث الزمانية مغاير لحدّ وجود الآخر.

ثمّ على ما ذكر [ثبت] حدوث العالم الجسماني بالحدوث الدهري كما يثبته العقل أيضا نظرا إلى ما تقدّم من تناهي الامتدادات في العالم الجسماني من البداية ؛ ولا ينافيه علوّ القدرة وأشرفية استمرار الفيض وعدم تناهيه في الاستطاعة (١) وتناهيه ؛ لأنّ ذلك فرع قابلية المعلول واستعداده ؛ والعالم الجسماني لقصوره في مراتب الوجود لا يقبل من حيث حقيقته عدم التناهي كما تقتضيه البراهين ؛ وأمّا المجرّدات فلا يدلّ دليل عقلي على حدوثها الدهري ومسبوقيتها بالعدم الواقعي الذي لو فرض فيه امتداد لكان غير متناه ؛ فلا ضير عقلا من كون العقول وغيرها من المجرّدات حادثة بالحدوث الذاتي وكون غيرها من الأفلاك والعناصر حادثة بالحدوث الدهري. فالمناط في حدوثها كذلك إجماع الملّيّين والظواهر من الكتاب والسنّة هذا ومن المتأخّرين.

قد بلغ الكتاب هنا إلى النصف والمناسب أن يجلّد ما بعده بجلد آخر. الحمد لله الموفّق (٢) لإتمامه إلى هنا ونسأله التوفيق في إتمام ما بقي من الكتاب ؛ وإنّي قد استكتبت هذا الكتاب وكتبت بعضه بيدي ؛ وأنا العبد المذنب الجاني محمّد ... (٣)

الكاشاني الشهير ... (٤) ولوالديه وفّقهم لتحصيل مراضيه. / A ٢٠٥ /

__________________

(١). س : استطاعه.

(٢). س : الموافق.

(٣). النصّ غير مقروء.

(٤). النصّ غير مقروء.

٤٩١
٤٩٢

تصوير نسخه اساس

٤٩٣
٤٩٤

٤٩٥

٤٩٦

٤٩٧

٤٩٨

فهرستها

١. آيات

٢. روايات

٣. اشعار

٤. اعلام

٥. گروه ها

٦. كتابها

٧. منابع ومآخذ

٤٩٩
٥٠٠