موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ٧

باقر شريف القرشي

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ٧

المؤلف:

باقر شريف القرشي


المحقق: مهدي باقر القرشي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٥٢

عمر بن الخطّاب وعبد الله بن عباس ، وكلاهما أخذ عن عليّ عليه‌السلام.

أمّا ابن عباس فظاهر ، وأمّا عمر فقد عرف كلّ أحد رجوعه إليه في كثير من المسائل التي أشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة ، وقوله غير مرّة :

لو لا عليّ لهلك عمر.

وقوله : لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن.

وقوله : لا يفتين أحد في المسجد وعليّ حاضر.

فقد عرف بهذا الوجه أيضا انتهاء الفقه إليه ...

وقد روت العامّة والخاصّة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أقضاكم عليّ » ، والقضاء هو الفقه ، فهو إذن أفقههم ، وروى الكلّ أيضا أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له ـ وقد بعثه إلى اليمن قاضيا ـ: « اللهمّ اهد قلبه ، وثبّت لسانه » ، قال عليه‌السلام : فما شككت بعدها في قضاء بين اثنين

، وهو عليه‌السلام الذي أفتى في المرأة التي وضعت لستّة أشهر ، وهو الذي أفتى في الحامل الزانية (١) ، والذي قال في المنبرية صار ثمنها تسعا ، وهذه المسألة لو فكّر فيها الفرضي فكرا طويلا لاستحسن منه بعد طول النظر لهذا الجواب فما ظنّك بمن قاله بديهة وأقضيته ارتجالا (٢).

٣ ـ علم تفسير القرآن

من العلوم التي أخذت عنه علم تفسير القرآن الكريم ، فقد أخذ أكثر تفسيره منه ومن تلميذه حبر الامّة عبد الله بن عباس ، وقد قيل له : أين علمك من علم

__________________

(١) ذكرنا عرضا مفصّلا لأقضيته في كتابنا : ( قضاء الإمام ) ، وهو أحد أجزاء هذه الموسوعة.

(٢) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١ : ١٨ ـ ١٩.

٢١

ابن عمّك؟ فقال : كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط (١) ، وقد أفردنا جزء خاصّا من موسوعة الإمام إلى ما اثر عنه في تفسير القرآن الكريم ، ومن المؤكّد أنّ المصحف الذي قيل عنه إنّه مصحف الإمام عليه‌السلام قد أدرج فيه أسباب النزول ومعاني الكلمات وبيان ما فيه من الأحكام.

٤ ـ علم الفلك والحساب

من العلوم التي أخذت عنه علم الفلك والحساب ، فقد قال عليه‌السلام عن خلق السماء :

« ثمّ زيّنها بزينة الكواكب ، وضياء الثّواقب ، وأجرى فيها سراجا مستطيرا ، وقمرا منيرا ، في فلك دائر ، وسقف سائر ، ورقيم (٢) مائر (٣) » (٤).

وقال عليه‌السلام عن كيفيّة خلق السماء :

« وناداها بعد إذ هي دخان ، فالتحمت عرى أشراجها ، وفتق بعد الارتتاق صوامت أبوابها » (٥).

ذهب بعض علماء الفلك في هذا العصر إلى أنّ أوّل نشوء الكون كان نتيجة انفجار كبير فشاع في الكون سكون وظلام دامس ، ثمّ بدأت الذرات تتجمّع في

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١ : ١٩.

(٢) الرقيم : من أسماء الفلك.

(٣) المائر : المتحرّك.

(٤) نهج البلاغة : ١٥.

(٥) نهج البلاغة : ٣٧.

٢٢

مناطق معيّنة ، مشكلة أجراما ، ثمّ ما لبثت أن بدت فيها التفاعلات النووية التي جعلت هذه الأجرام نجوما مضيئة ، وفي قول الإمام عليه‌السلام : « فالتحمت عرى أشراجها » تشبيه لنجوم المجرة بالحلقات المرتبطة ببعضها بوشاج الجاذبية ، والتأثير المتبادل وبعد نشوء النجوم الملتهبة الدائرة بدأت تقذف بالحمم التي شكّلت الكواكب السيارة كالأرض وغيرها وهو ما عبّر عنه الإمام عليه‌السلام بالفتق بعد الارتتاق.

ثمّ قال عليه‌السلام :

« وأقام رصدا من الشّهب الثّواقب على نقابها ، وأمسكها من أن تمور في خرق الهواء بأيده ـ أي بقوّته ـ ، وأمرها أن تقف مستسلمة لأمره ».

علّق عليها لبيب وجيه بيضون بقوله :

قوله عليه‌السلام : « وأقام رصدا من الشّهب الثّواقب » يشير عليه‌السلام بذلك إلى ما أثبته العلم الحديث من أنّ الشهب تغذّي بعض أجرام الكواكب بما نظّمه لها من التفاتق فما نقب وخرق من جرم عوض بالشهاب.

ثمّ قال عليه‌السلام :

« وأمسكها من أن تمور في خرق الهواء بأيده » : أي أمسك الكواكب من أن تضطرب في الهواء بقوّته.

« وأمرها أن تقف مستسلمة لأمره » ، أي تلتزم مراكزها لا تفارق مداراتها.

قال عليه‌السلام :

« وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها ، وقمرها آية ممحوّة من ليلها ، وأجراهما في مناقل مجراهما ، وقدّر سيرهما في مدارج درجهما ، ليميّز بين اللّيل والنّهار بهما ، وليعلم عدد السّنين والحساب بمقاديرهما » (١).

__________________

(١) نهج البلاغة : ٣٧ ، الخطبة ٩١.

٢٣

لقد عرض الإمام عليه‌السلام بصورة موضوعية ودقيقة إلى علم الفلك ، وبيّن مقدار ما فيه من الأنظمة الهائلة.

أمّا علم الحساب ، فقد أقام مناهجه وبين غوامضه ، وقد عرض لها بعض المختصّين بهذا العلم كان منها ما يلي :

مقدار قطر الشمس :

سأل شخص الإمام عليه‌السلام عن مقدار قطر الشمس ، فأجاب الإمام عليه‌السلام مرتجلا : « تسعمائة في تسعمائة ميل أي ٨١٠٠٠٠ ميل ».

ومن المعلوم أنّ الميل في صدر الإسلام يساوي أربعة آلاف ذراع بذراع اليد ، وهو من المرفق إلى رءوس الأصابع ، فلو قسنا ذراع رجل متوسط القامة بالانجات ثمّ حوّلنا (٤٠٠٠) إلى انجات فياردات فأميال لوجدنا أنّ ما أخبر به الإمام عليّ عليه‌السلام ٨١٠٠٠٠ ميل على ما كان معروفا في صدر الإسلام تعادل ٨٦٥٣٨٠ ميلا على ما هو معروف اليوم من أنّ الميل ١٧٦٠ ياردا وأنّ كتب الفلك تنصّ أنّ قطر الشمس يساوي (٨٦٥٣٨٠) ميلا فما أخبر به عليّ عليه‌السلام يطابق تمام الانطباق مع ما تجده في كتب الفلك اليوم وذلك بعد تحويل الميل في صدر الإسلام إلى الميل الانكليزي الذي يعادل (١٦٠) ياردا (١).

مسألة الجمال :

كان ١٧ جملا مشتركة بين ثلاثة أشخاص ، فجاؤوا عليّا عليه‌السلام وقالوا : إنّ نصف هذه الجمال لأحدنا وثلثها لآخر وتسعها لثالثنا ، ونريد أن نقسّمها بيننا على أن لا يبقى باق.

__________________

(١) نظرة الإسلام إلى العلم الحديث : ١٧.

٢٤

فدعا عليّ عليه‌السلام بجمل له وأضافه إلى الجمال ، فكانت ١٨ جملا ، فأعطى نصف الجمال ـ أي نصف ١٨ جملا ـ إلى من له النصف ، أي أعطاه ٩ جمال.

وأعطى ثلث الـ ١٨ إلى من كان له الثلث ، أي أعطاه ٦ جمال.

وأعطى تسع الـ ١٨ إلى من كان له التسع ، أي أعطاه جملين ، ثمّ أرجع الجمل الذي أضافه إلى بيته (١).

وبهذا ينتهي الحديث عمّا خاضه وأبدعه الإمام عليه‌السلام في علم الفلك والحساب.

٥ ـ علم الحيوان

من العلوم المهمّة التي خاضها الإمام عليه‌السلام علم الحيوان تحدّث فيها عن خصائصها وبديع صنعها وتركيبها ، انظروا إلى بعض أحاديثه عنها :

وصف الطيور :

ووصف الإمام عليه‌السلام الطيور وصفا دقيقا وملمّا بجميع أصنافها ، قال عليه‌السلام : « ابتدعهم خلقا عجيبا من حيوان وموات ، وساكن وذي حركات ؛ وأقام من شواهد البيّنات على لطيف صنعته ، وعظيم قدرته ، ما انقادت له العقول معترفة به ، ومسلّمة له ، ونعقت في أسماعنا دلائله على وحدانيّته ، وما ذرأ من مختلف صور الأطيار الّتي أسكنها أخاديد الأرض ، وخروق فجاجها ، ورواسي أعلامها ، من ذات أجنحة مختلفة ، وهيئات متباينة ، مصرّفة في زمام التّسخير ، ومرفرفة بأجنحتها في مخارق الجوّ المنفسح ، والفضاء المنفرج.

__________________

(١) نظرة الإسلام إلى العلم الحديث : ٣٧.

٢٥

كوّنها بعد إذ لم تكن في عجائب صور ظاهرة ، وركّبها في حقاق مفاصل محتجبة ، ومنع بعضها بعبالة خلقه (١) أن يسمو في الهواء خفوفا ، وجعله يدفّ دفيفا ونسقها على اختلافها في الأصابيغ بلطيف قدرته ، ودقيق صنعته.

فمنها مغموس في قالب لون لا يشوبه غير لون ما غمس فيه ؛ ومنها مغموس في لون صبغ قد طوّق بخلاف ما صبغ به » (٢).

أرأيتم هذا الوصف الدقيق الرائع للطيور المختلفة ألوانها البديعة مظاهرها التي تأخذ بأعماق النفوس ألوانها فتعالى الله في صنعه وخلقه وهي من آيات الله تعالى ومن شواهد وحدانيّته.

وصف الطاوس :

وبعد ما أدلى الإمام في وصف مطلق الطيور ذكر عجيب صنع الطاوس قال عليه‌السلام : « ومن أعجبها خلقا الطّاوس الّذي أقامه في أحكم تعديل ، ونضّد ألوانه في أحسن تنضيد ، بجناح أشرج قصبه ، وذنب أطال مسحبه.

إذا درج إلى الأنثى نشره من طيّه ، وسما به مطلاّ على رأسه كأنّه قلع داريّ ، عنجه نوتيّه (٣).

يختال بألوانه ، ويميس بزيفانه (٤).

__________________

(١) العبالة : الضخامة.

(٢) نهج البلاغة ـ محمّد عبده ٢ : ٧٠ ، خطبة ١٦٠.

(٣) القلع : شراع السفينة. عنجه : جذبه.

(٤) يختال : أي يعجب. يميس : يتبختر.

٢٦

يفضي (١) كإفضاء الدّيكة ، ويؤرّ (٢) بملاقحه أرّ الفحول المغتلمة (٣) للضّراب أحيلك من ذلك على معاينة (٤) ، لا كمن يحيل على ضعيف إسناده.

ولو كان كزعم من يزعم أنّه يلقح بدمعة تسفحها مدامعه (٥) ، فتقف في ضفّتي جفونه ، وأنّ أنثاه تطعم ذلك ، ثمّ تبيض لا من لقاح فحل سوى الدّمع المنبجس ، لما كان ذلك بأعجب من مطاعمة الغراب (٦)! تخال قصبه مداري من فضّة ، وما أنبت عليها من عجيب داراته ، وشموسه خالص العقيان ، وفلذ الزّبرجد (٧).

فإن شبّهته بما أنبتت الأرض قلت : جنى جني من زهرة كلّ ربيع (٨).

__________________

(١) يفضي : أي يسافد انثاه كما تسافد الديكة.

(٢) يؤر : أي يأتي انثاه بملاقحة فيفرز فيها مادة تناسله.

(٣) المغتلمة : من اغتلم ، أي غلبة الشهوة.

(٤) أي أحيلك إلى معاينة الطاوس فتجد ذلك صدقا على ما أقول.

(٥) تسفحها : أي ترسلها مدامعة ، وقد أبطل الإمام دعوى من يقول إنّ انثاه تلد لا من لقاح فحل.

(٦) المراد من كلامه عليه‌السلام أنّه لو صحّ ما ذكروه في الطاوس من أنّ تلقيحه يكون بانتقال الماء في جوف الذكر إلى الانثى عند ما تترشفه لجرى ذلك في الغراب أيضا ، وذلك لشبهه للطاوس بذلك ، ومنشأ الزعم في الغراب إخفاؤه لسفاده حتى ضرب به المثل فقيل أخفى من سفاد الغراب.

(٧) القصب : جمع قصبة ، هي عمود الريش. المداري : جمع مدرى ، وهو آلة مصنوعة من حديد أو خشب على شكل أسنان المشط يسرّح بها الشعر. الدارات : هالة القمر. العقيان : الذهب الخالص.

(٨) جنى : أي جمع من كلّ زهر لونا.

٢٧

وإن ضاهيته بالملابس فهو كموشيّ الحلل (١) ، أو كمونق عصب اليمن.

وإن شاكلته بالحليّ فهو كفصوص ذات ألوان ، قد نطّقت باللّجين المكلّل (٢).

يمشي مشي المرح المختال (٣) ، ويتصفّح ذنبه وجناحيه ، فيقهقه ضاحكا لجمال سرباله (٤) ، وأصابيغ وشاحه (٥) ؛ فإذا رمى ببصره إلى قوائمه زقا معولا (٦) بصوت يكاد يبين عن استغاثته ، ويشهد بصادق توجّعه ، لأنّ قوائمه حمش كقوائم الدّيكة الخلاسيّة.

وقد نجمت من ظنبوب ساقه صيصية (٧) خفيّة ، وله في موضع العرف قنزعة خضراء موشّاة.

ومخرج عنقه كالإبريق ، ومغرزها إلى حيث بطنه كصبغ الوسمة اليمانيّة ، أو كحريرة ملبسة مرآة ذات صقال (٨) ، وكأنّه متلفّع بمعجر أسحم (٩) ، إلاّ أنّه يخيّل لكثرة مائه ، وشدّة بريقه ، أنّ الخضرة النّاضرة ممتزجة به.

__________________

(١) الموشّى : المنقوش.

(٢) المكلّل : المزيّن بالجواهر.

(٣) المختال : الزاهي بحسنه.

(٤) سرباله : لباسه.

(٥) الوشاح : نظامان من لؤلؤ وجوهر.

(٦) زقا : صاح. معول : رافع صوته.

(٧) ظنوب : عظم حرف الساق. الصيصة : هي الشوكة.

(٨) الصقال : الجلاء.

(٩) المعجر : الثوب. الأسحم : الأسود.

٢٨

ومع فتق سمعه خطّ كمستدقّ القلم في لون الأقحوان ، أبيض يقق (١) ، فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق.

وقلّ صبغ إلاّ وقد أخذ منه بقسط ، وعلاه بكثرة صقاله ، وبريقه ، وبصيص (٢) ديباجه ورونقه ، فهو كالأزاهير المبثوثة ، لم تربّها أمطار ربيع ، ولا شموس قيظ.

وقد ينحسر (٣) من ريشه ، ويعرى من لباسه ، فيسقط تترى ، وينبت تباعا ، فينحتّ من قصبه انحتات (٤) أوراق الأغصان ، ثمّ يتلاحق ناميا حتّى يعود كهيئته قبل سقوطه ، لا يخالف سالف ألوانه ، ولا يقع لون في غير مكانه! وإذا تصفّحت شعرة من شعرات قصبه أرتك حمرة ورديّة ، وتارة خضرة زبر جديّة ، وأحيانا صفرة عسجديّة (٥) ، فكيف تصل إلى صفة هذا عمائق الفطن (٦) ، أو تبلغه قرائح العقول ، أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين! وأقلّ أجزائه قد أعجز الأوهام أن تدركه ، والألسنة أن تصفه! فسبحان الّذي بهر العقول عن وصف خلق جلاّه للعيون » (٧).

وألمّ هذا الوصف الرائع بخلقة الطاوس وما فيه من العجائب التي يذهل

__________________

(١) اليقيق : شديد البياض.

(٢) البصيص : اللمعان.

(٣) ينحسر : وهو من حسره أي كشفه.

(٤) ينحت : يسقط.

(٥) العسجدية : الذهب.

(٦) العمائق : هي العميقة أو القعر.

(٧) نهج البلاغة ـ محمّد عبده ٢ : ٧٣ ـ ٧٥.

٢٩

الفكر البشري من إدراكها ، فسبحان المصوّر الذي خلق الطاوس بهذه الكيفيّة التي يقصر الوصف عن بيانها إلاّ أنّ باب مدينة علم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاط بذكر عجائب هذا الطائر الغريب في شكله والعجيب في خلقته.

الخفّاش :

وصف الإمام الخفّاش وصفا دقيقا وملمّا بجميع خواصّه وصفاته قال عليه‌السلام : « ومن لطائف صنعته ، وعجائب خلقته ، ما أرانا من غوامض الحكمة في هذه الخفافيش الّتي يقبضها الضّياء الباسط لكلّ شيء ، ويبسطها الظّلام القابض لكلّ حيّ ؛ وكيف عشيت أعينها (١) عن أن تستمدّ من الشّمس المضيئة نورا تهتدي به في مذاهبها ، وتتّصل بعلانية برهان الشّمس إلى معارفها. وردعها بتلألؤ ضيائها عن المضيّ في سبحات إشراقها (٢) ، وأكنّها في مكامنها عن الذّهاب فى بلج ائتلاقها (٣) ، فهي مسدلة الجفون بالنّهار على أحداقها ، وجاعلة اللّيل سراجا تستدلّ به في التماس أرزاقها ؛ فلا يردّ أبصارها إسداف ظلمته ، ولا تمتنع من المضيّ فيه لغسق دجنّته.

فإذا ألقت الشّمس قناعها ، وبدت أوضاح نهارها (٤) ، ودخل من إشراق نورها على الضّباب في وجارها (٥) ، أطبقت الأجفان على مآقيها ،

__________________

(١) العشا : ضعف البصر.

(٢) سبحات النور : أطواره ودرجاته.

(٣) الاتلاق : اللمعان. البلج : وضوح الضوء وظهوره.

(٤) أوضاح النهار : بياض الصبح.

(٥) الوجار : مكمنها الذي تأوي إليه.

٣٠

وتبلّغت (١) بما اكتسبته من المعاش في ظلم لياليها.

فسبحان من جعل اللّيل لها نهارا ومعاشا ، والنّهار سكنا وقرارا! وجعل لها أجنحة من لحمها تعرج بها عند الحاجة إلى الطّيران ، كأنّها شظايا (٢) الاذان غير ذوات ريش ولا قصب (٣) ، إلاّ أنّك ترى مواضع العروق بيّنة أعلاما (٤).

لها جناحان لمّا يرقّا فينشقّا ، ولم يغلظا فيثقلا. تطير وولدها لاصق بها لاجئ إليها ، يقع إذا وقعت ، ويرتفع إذا ارتفعت ، لا يفارقها حتّى تشتدّ أركانه ، ويحمله للنّهوض جناحه ، ويعرف مذاهب عيشه ، ومصالح نفسه.

فسبحان الباريء لكلّ شيء ، على غير مثال خلا من غيره! » (٥).

أرأيتم هذا الوصف الدقيق للخفّاش الذي تفرّد عن بقيّة الطيور بخصائصه ومميزاته ، ولم يحط علما بهذه الأوصاف إلاّ باب مدينة علم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي غذّاه النبي بعلومه ومعارفه.

الجراد :

ووصف عليه‌السلام خلقة الجراد بقوله :

« وإن شئت قلت في الجرادة ، إذ خلق لها عينين حمراوين ، وأسرج لها

__________________

(١) تبلّغت : اكتفت.

(٢) شظايا : جمع شظية ، وهي شقق الاذن.

(٣) القصب : جمع قصبة ، وهي عمود الريشة.

(٤) أعلاما : ذي رسوم ظاهرة.

(٥) نهج البلاغة : ٤٦.

٣١

حدقتين قمراوين ـ أي مضيئة كالقمر ـ ، وجعل لها السّمع الخفيّ ، وفتح لها الفم السّويّ ، وجعل لها الحسّ القويّ ، ونابين بهما تقرض ، ومنجلين بهما تقبض (١). يرهبها الزّرّاع في زرعهم ، ولا يستطيعون ذبّها ، ولو أجلبوا بجمعهم ، حتّى ترد الحرث في نزواتها ، وتقضي منه شهواتها » (٢).

أرأيتم هذا الوصف الرائع الدقيق الذي أحاط بكنه هذا المخلوق وبصفاته وخواصّه.

النملة :

انظروا إلى وصف الإمام للنملة ، وما فيها من عجائب الإبداع وجمال الاسلوب قال عليه‌السلام :

« ولو فكّروا في عظيم القدرة ، وجسيم النّعمة ، لرجعوا إلى الطّريق ، وخافوا عذاب الحريق ، ولكن القلوب عليلة ، والبصائر مدخولة! ألا ينظرون إلى صغير ما خلق ، كيف أحكم خلقه ، وأتقن تركيبه ، وفلق له السّمع والبصر ، وسوّى له العظم والبشر! انظروا إلى النّملة في صغر جثّتها ، ولطافة هيئتها ، لا تكاد تنال بلحظ البصر ، ولا بمستدرك الفكر ، كيف دبّت على أرضها ، وصبّت على رزقها ، تنقل الحبّة إلى جحرها ؛ وتعدّها في مستقرّها.

تجمع في حرّها لبردها ، وفي وردها لصدرها ؛ مكفول برزقها ، مرزوقة

__________________

(١) يقصد بالمنجلين : رجليها.

(٢) نهج البلاغة : ٨٥ ، الخطبة رقم ١٨٥.

٣٢

بوفقها ؛ لا يغفلها المنّان ، ولا يحرمها الدّيّان ، ولو في الصّفا اليابس ، والحجر الجامس ـ أي الجامد ـ! ولو فكّرت في مجاري أكلها ، في علوها وسفلها ، وما في الجوف من شراسيف بطنها ، وما في الرّأس من عينها وأذنها ، لقضيت من خلقها عجبا ، ولقيت من وصفها تعبا! فتعالى الّذي أقامها على قوائمها ، وبناها على دعائمها! لم يشركه في فطرتها فاطر ، ولم يعنه على خلقها قادر.

ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ، ما دلّتك الدّلالة إلاّ على أنّ فاطر النّملة هو فاطر النّخلة ، لدقيق تفصيل كلّ شيء ، وغامض اختلاف كلّ حيّ.

وما الجليل واللّطيف ، والثّقيل والخفيف ، والقويّ والضّعيف ، في خلقه إلاّ سواء » (١).

٦ ـ علم الكلام

من العلوم التي وضع اصولها وقواعدها علم الكلام ، ومنه أخذ المتكلّمون مناهج بحوثهم.

يقول ابن أبي الحديد : « ومن كلامه اقتبس ، وعنه نقل ، وإليه انتهى ، ومنه ابتدأ ، فإنّ المعتزلة الذين هم أهل التوحيد والعدل وأرباب النظر ، ومنه تعلّم الناس هذا الفنّ ، تلامذته وأصحابه لأنّ كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفية وأبو هاشم تلميذ أبيه ، وأبوه تلميذه عليه‌السلام.

وأمّا الأشعرية فإنّهم ينتمون إلى أبي الحسن عليّ بن إسماعيل أبي بشر

__________________

(١) نهج البلاغة : ٨٤ ، الخطبة ١٨٥.

٣٣

الأشعري ، وهو تلميذ أبي علي الجبائي ، وأبو علي أحد مشايخ المعتزلة ، فالأشعرية ينتهون بآخره إلى استاذ المعتزلة ومعلّمهم هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

وأمّا الإمامية والزيدية فانتمائهم إليه ظاهر » (١).

ونهج البلاغة طافح بالبحوث الكلامية خصوصا فيما يتعلّق بالتوحيد الذي هو الأساس لهذا العلم قال عليه‌السلام :

« الحمد لله الدّالّ على وجوده بخلقه ، وبمحدث خلقه على أزليّته ؛ وباشتباههم على أن لا شبه له.

لا تستلمه المشاعر (٢) ، ولا تحجبه السّواتر ، لافتراق الصّانع والمصنوع ، والحادّ والمحدود ، والرّبّ والمربوب ؛ الأحد بلا تأويل عدد ، والخالق لا بمعنى حركة ونصب (٣) ، والسّميع لا بأداة (٤) ، والبصير لا بتفريق آلة (٥) ، والشّاهد لا بمماسّة ، والبائن لا بتراخي مسافة (٦) ، والظّاهر لا برؤية ، والباطن لا بلطافة.

بان من الأشياء بالقهر لها ، والقدرة عليها ، وبانت الأشياء منه بالخضوع له ، والرّجوع إليه.

من وصفه فقد حدّه (٧) ، ومن حدّه فقد عدّه ، ومن عدّه فقد أبطل أزله ،

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١ : ١٧.

(٢) لا تستلمه المشاعر : لا تصل إليه الحواس.

(٣) النصب ـ بالتحريك ـ : التعب.

(٤) الأداة : الآلة.

(٥) تفريق الآلة : فتح الأجفان بعضها عن بعض.

(٦) البائن : المنفصل عن خلقه.

(٧) أي من كيّفه بكيفيات المحدّثين.

٣٤

ومن قال : « كيف » فقد استوصفه ، ومن قال : « أين » فقد حيّزه.

عالم إذ لا معلوم ، وربّ إذ لا مربوب ، وقادر إذ لا مقدور » (١).

وهذه اللوحة من كلامه عليه‌السلام صميم البحوث الكلامية التي عرضت إلى صفات الله تعالى الثبوتية والسلبية.

٧ ـ علم الطبيعة ـ الفيزياء

من العلوم التي تستند معرفتها وبرامجها إلى الإمام عليه‌السلام هو علم الطبيعة الفيزياء ، وهذه بعض نظرياته :

قال عليه‌السلام : « وكلّ بصير غيره يعمى عن خفيّ الألوان ولطيف الاجسام » (٢).

إنّ كثيرا من الحيوانات لا ترى الألوان ، بل ترى الصور سوداء أو بيضاء فقط ، أمّا الإنسان فإنّه يرى الألوان السبعة التي هي ألوان الطيف المرئي ، والتي تنحصر أطول موجاتها بين ( ٤ و٠ ) مكرون ( البنفسجي ) و ( ٨ و٠ ) مكرون ( الأحمر ) ، أمّا الأضواء التي تقع أطوال موجاتها خارج هذا المجال ، فإنّ الإنسان لا يراها ، ومنها الأشعة فوق البنفسجية ، والأشعة تحت الحمراء ، إذن فقدرة الإنسان البصرية محدودة.

أمّا الله تعالى فهو يرى كلّ جسم ، وكلّ لون مهما كان نوعه أو لطافته ، وقد وجد بقدرة الله تعالى أنّ النحلة تستطيع أن تميّز بين أنواع الزهور وهي تطير في أعلى السماء (٣).

__________________

(١) نهج البلاغة ـ محمّد عبده ٢ : ٥٣.

(٢) نهج البلاغة ـ محمّد عبده ١ : ١٠٨.

(٣) تصنيف نهج البلاغة : ٣١٢.

٣٥

وقال عليه‌السلام : « في التّجارب علم مستأنف » ، فهو حقّا واضع الطريقة التجريبية في العلوم الطبيعية ، وهو بذلك يسبق « بيكون » قرونا ، الذي نسب إليه الغربيّون وضع الطريقة التجريبية (١).

٨ ـ الكهرباء

أشار الإمام عليه‌السلام إلى الكهرباء الذي هو مفتاح التقدّم والتطوّر في حياة الإنسان ، فقد كان عليه‌السلام جالسا على نهر الفرات وبيده قضيب ، فضرب به على صفحة الماء وقال : « لو شئت لجعلت لكم من الماء نورا ونارا ».

وفي قوله عليه‌السلام دلالة إلى ما في الماء من طاقة يمكن أن تولّد النور وهو الكهرباء والنار وهو الطاقة الحرارية ... وأنّا نجد في الماء عنصرين : هما الهيدروجين والأوكسجين.

الأوّل قابل للاحتراق وإعطاء النور ، والثاني يساعد على الاحتراق ويعطي الحرارة.

وأبعد من ذلك فإنّ وجود الماء الثقيل في الماء الطبيعي بنسبة ٢ إلى ١٠٠٠٠ يجعله أفضل مصدر طبيعي للهيدروجين الثقيل الذي نسمّيه ( الدوتيريوم ) وهذا النظير المشعّ هو حجر الأساس في تركيب القنبلة الهيدروجينيّة القائمة على اندماج ذرّتين من الدوتيريوم لتشكيل الهليوم ، علما بأنّ الطاقة الناتجة عن هذا الاندماج والتي هي منشأ طاقة الشمس تفوق آلاف المرّات الطاقة الناتجة عن القنبلة الذرية التي تقوم على انشطار اليورانيوم ...

إنّ هذه المعاني الدقيقة والأسرار العميقة تضمّنها قول الإمام عليه‌السلام الذي هو

__________________

(١) نظرة الإسلام إلى العلم الحديث : ٧٤.

٣٦

باب مدينة علم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو القائل :

« بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطّويّ البعيدة! » (١).

٩ ـ علم الطبّ

وأثرت عن الإمام عليه‌السلام الكثير من الآراء الذهبية في علم الطب تدلّ على استيعابه لهذا العلم ، ومعرفته الكاملة بأسراره وهو القائل فيما يحتويه جسم الإنسان من الأجهزة والأنظمة العجيبة :

أتحسب أنّك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

دواؤك فيك وما تبصر

وداؤك منك وما تشعر

عرض المرحوم الحاجّ محسن شلاش هذين البيتين على الدكتور جاك عبود طالبا منه تحليلهما على ضوء علم الطب فأجاب بعد المقدّمة ما يلي :

« لقد ثبت في الاكتشافات الأخيرة بأنّ المناعة الموجودة في الإنسان طبيعية أو مكتسبة هي الخطّ الإمامي والاستحكام الدفاعي الذي يصدّ هجمات العوارض الخارجية عن الإنسان ، مكروبية كانت أو فيزيائية ، حيث آخر ما وصلت إليه النظريات في الطب الوقائي الحديث استثمار هذه المناعة وتقويتها بالطرق الطبيعية أو الفيزيائية ، فإذا دخلت أو نفذت العوارض الخارجية إلى جسم الإنسان وأصبحت داء يتطلّب العلاج ، فالدواء موجود في جسم الإنسان الذي فيه إمكان تعبئة عامّة من جيوش جرّارة مكنونة في الإنسان لمحاربة هذه الآفة العرضية ، ومثال ذلك إذا اصيب الجسم بمرض ( أنتاني ) يحدث ارتفاعا فوريا في حرارة الجسم ( الحمى )

__________________

(١) نهج البلاغة ـ محمّد عبده ١ : ٣٦.

٣٧

التي ليست هي بمرض ، وإنّما هي ظاهرة من ظواهر القوى المحاربة للدفاع ، وإذا اصيب شخص بذات الرئة مثلا ولم ترتفع حرارة جسمه من الحمى بالنسبة المطلوبة يتشاءم الأطباء من عواقب المرض لقلّة الدفاع أو عدمه ، وفي علم المناعة الطبيعية الموجودة في الإنسان تؤيّد هذا القول تأييدا فنّيا لا مناقشة فيه ، وتقتصر مهمّة الطبيب في اتّباع طرق المعالجة التي ترشده عليه الطبيعة ، وعليه أن يتّبع ذلك الإرشاد ، ويعزو النقص الحاصل بما توصّل إليه العلم الحديث عن بصيرة كاستعمال مواد ( السلفا والبنسلين ) التي تشلّ حركة المكروبات وتضعّفها عن النمو والتكاثر فيصبح حينئذ في استطاعة الجسم اكتساحها : « وداؤك منك وما تشعر ».

لقد فرضت المشيئة وقوانينها الطبيعية لصيانة الجسم من الخلل من قواه إلى حدّه المحدود ، وهيّأت له أسبابا للبقاء من طرق المعيشة والانتعاش من مواهب الطبيعة في جميع أنحاء المعمورة ، وحسبما يلائم كلّ محيط منها بحكم الطبيعة التي يجب على الإنسان أن يشعر فيها ويتبعها كما أرشد فيها هذا الكلام ، وأرشد إلى وجود المدارك والحواس التي ترشد الإنسان إلى ما يتطلّبه هذا الجسم من تلك المواهب فعليه أن يتطلّع الشعور بها ويتبعها لصيانة الجسم من العلل ؛ لأنّ الطبيعة تجعله يدرك في احتياجه إلى الهواء الطلق وأشعة الشمس والمواد الغذائية الرئيسية بكمياتها وأنواعها التي تؤمّن نموّ ذلك الجسم ، والمحافظة على كيانه المطلوب ، ويشعر بحدود ما يتحمّله الجسم من الأتعاب وما يتطلّبه من الراحة والنوم ، وما هو المفروض من ضرورة التجنّب عن الأغذية المصطنعة من تصرفات الإنسان على خلاف مقتضيات الطبيعة أو الغريبة عن طبيعة ذلك المحيط الذي يعيش فيه ، فإذا قصر عن تطبيق هذه الواجبات أو أسرف فيها جهلا أو قهرا أو اختيارا فيكون دائه منه بطبيعة الحال كما جاء في هذا الكلام :

أتحسب أنّك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

٣٨

لست مغاليا إذا قلت : إنّ هذا الكلام ينجرّ إلى بحوث فلسفية عالية قد يكون معظمها ليس من اختصاص الأطباء ، ولكنّني أشرح منها ما أستطيع.

حقّا إذا تأمّل الإنسان في عظمة الكون ، وتبصّر في انطواء هذا العالم يحسب نفسه جرما صغيرا إلاّ أنّه لو تبحّر في تركيب جسمه ، ودرس علم التشريح بدقائقه وعلم الفلسفة الحديثة من جميع نواحيه لأخذه الهول من عظمة تكوين هذا الجسم الذي كلّ عضو من أعضائه كوّن في بابه يحتوي على ملايين من الحجيرات تقوم بأعمال ذات اختصاص مرتبطة ببعضها بغاية الدقّة والإحكام ، وحفظ التوازن والانتظام ومع هذه العظمة في تكوينه فإنّه حقّا جرم صغير غير أنّه المكون الصانع أضاف في طبيعة هذه المنظومة لهذا الجسم كونا آخر أعظم شأنا هو ( الدماغ ) الذي رفع ذلك الجرم الصغير إلى الجرم الكبير ، وجعل فيه انطواء هذا العالم الأكبر ، ذلك الدماغ الذي لم يكتشف العلم جميع مكنوناته الدقيقة ولم يتوصّل إلى الوقوف على كيفيّة قيامه بمهمّاته التي من نتيجتها العقل والتعقّل ذلك العقل الذي جعل الإنسان متمكّنا من التغلب على عظمة هذا الكون ، وممارسة انطواء مقتضيات السيطرة على هذا العالم » (١).

وانتهى حديث الدكتور جاك عبود في تحليل كلام الإمام عليه‌السلام ، وكان ذلك قبل ثلاثين عامّا ، والآن قد تطوّر الطبّ إلى مرحلة هائلة في العمليات ، وغرس الأعضاء وغيرها.

وقد اكتشف حديثا أنّ بعض الأعضاء إذا كان مصابا بدمّل ونحوه فإنّه يعالج بأخذ زرقة من العضو الصحيح ، وتزرق فيه ، وما يدرينا لعلّ الطبّ قد يكتشف أنّ في بصاق الإنسان وغيره من فضلاته دواء لبعض الأمراض ، وبذلك تكون صيدلية كامنة

__________________

(١) اسبوع الإمام عليه‌السلام : ١٩٥ ـ ١٩٦.

٣٩

في جسم الإنسان لعلاج بعض أمراضه.

أمّا الدماغ فهو المخلوق العجيب الذي تجسّدت فيه عظمة الخالق المبدع العظيم ، فقد انطوت فيه العوالم وذلك بما فيه من خزائن أسرار وعجائب اكتشف العلم بعضها ، وجهل القسم الأكبر منها.

الوقاية من الأمراض :

ووضع الإمام منهجا خاصّا للوقاية من الأمراض والسّلامة من العلل قال عليه‌السلام :

« لا تجلس على الطّعام إلاّ وأنت جائع ، ولا تقم منه إلاّ وأنت تشتهيه ، وجوّد المضغ ، واعرض نفسك على الخلاء إذا نمت فإذا استعملت هذه استغنيت عن الطّبّ » (١).

إنّ الإسراف في الطعام والشراب ، هما من أهمّ الأسباب التي تؤدّي إلى مرض الإنسان وانهيار صحّته ، فإنّه ـ على الأكثر ـ يسبّب السمنة التي هي من موجبات مرض السكر وارتفاع ضغط الدم ومرض القلب ، وقد وضع الإسلام دستورا كاملا للصحّة العامّة قال تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا ).

ومن المؤكّد أنّه لو امتنع الإنسان من الإفراط في تناول الطعام وغيره لما احتاج إلى الطبّ ، وقد أكّد الإمام ذلك بقوله :

« يضرّ النّاس أنفسهم في ثلاثة أشياء : الإفراط في الأكل اتّكالا على الصّحّة ، وتكلّف حمل ما لا يطاق اتّكالا على القوّة ، والتّفريط في العمل اتّكالا على القدرة ».

__________________

(١) مستدرك نهج البلاغة : ١٢٦.

٤٠