مختصر الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ٥

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

مختصر الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ٥

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-533-052-1
ISBN الدورة:
964-533-53-X

الصفحات: ٥٧٩

يوم مقداره خمسين ألف سنة : بعد إيراد قصة العذاب الدنيوي الذي أصاب من طلب العذاب ، تبحث الآيات أمر المعاد والعذاب الاخروي للمجرمين في ذلك اليوم. في البداية يقول تعالى : (تَعْرُجُ الْمَلِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) [أي إلى الله](فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ).

المشهور أنّ المراد من عروج الملائكة هو العروج الروحي ، وليس العروج الجسمي ، يعني أنّهم يسرعون في التقرب إلى المقام الإلهي وهم مهيّئون لإستلام الأوامر في ذلك اليوم الذي يراد به يوم القيامة.

والمراد بالروح هو (الروح الأمين) وهو أكبر الملائكة ، وهذا ما اشير إليه أيضاً في سورة القدر ، حيث يقول تعالى : (تَنَزَّلُ الْمَلِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِمْ مِن كُلّ أَمْرٍ).

وأمّا المراد بكون (خمسين ألف سنة) هو ذلك اليوم الذي بحيث لو وقع في الدنيا كان مقداره خمسين ألف سنة من سني الدنيا ، وهذا لا ينافي ما جاء في الآية (٥) من سورة السجدة من أنّ ذلك يوم مقداره ألف سنة ، ولأجل ذلك ذكر في الروايات أنّ في القيامة خمسين موقفاً ، وكل موقف مثل ألف سنة مما تعدون (١).

فقد كان هذا ما يخصّ المجرمين والظلمة والكفار. روى أبوسعيد الخدري قال : قيل يا رسول الله! ما أطول هذا اليوم؟ فقال : والذي نفس محمّد بيده! إنّه ليخف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا (٢).

ثم يخاطب الله تعالى رسوله الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله في الآية الاخرى ويقول : (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً).

المراد ب (الصبر الجميل) هو ما ليس فيه شائبة الجزع والتأوه والشكوى ، وفي غير هذا الحال لا يكون جميلاً.

ثم يضيف : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَيهُ قَرِيبًا). إنّهم لا يصدقون بوجود مثل ذلك اليوم الذي يحاسب فيه جميع الخلائق حتى أصغر حديث وعمل لهم ، وذلك في يوم مقداره خمسون ألف سنة ، ولكنّهم في الواقع ما عرفوا الله وفي قلوبهم ريب بقدرة الله.

__________________

(١) أمالى الطوسى / ٣٦.

(٢) تفسير مجمع البيان ١٠ / ١٢٠ ؛ تفسير القرطبى ١٣ / ٢٣.

٢٦١

(يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (٩) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (١٠) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (١٦) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧) وَجَمَعَ فَأَوْعَى) (١٨)

تضيف هذا الآيات على البحوث السابقة حول القيامة إيضاحات أكثر ، حيث يقول الله تعالى : (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ). (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ).

«المهل : على وزن (قفل) وهو المذاب من المعدن كالنحاس والذهب وغيرهما.

«العهن : مطلق الصوف المصبوغ ألوناً.

في مثل ذلك اليوم تتلاشى السماوات وتذوب ، تتدكدك الجبال ثم تتناثر في الهواء كالصوف في مهب الريح ، وبما أنّ الجبال ذات ألوان مختلفة فإنّها شبهت بالصوف المصبوغ بالألوان ، ثم يتحقق عالم جديد وحياة جديدة للبشرية بعد كل هذا الخراب.

وعندما يحلّ يوم القيامة في ذلك العالم الجديد فسيكون فيه الحساب عسيراً ومرعباً بحيث ينشغل كل بنفسه ، ولا يفكر بالآخر حتى لو كان من خلّص اصدقائه وأحبائه : (وَلَا يَسَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا) (١).

ولا يعني ذلك أنّ الأصدقاء والأقرباء ينكر بعضهم بعضاً ، بل إنّهم يعرفونهم ويقول تعالى : (يُبَصَّرُونَهُمْ). غاية الأمر هو أنّ هول الموقف ووحشته لايدعه يفكّر بغيره.

وإكمالاً للحديث وتوضيحاً لذلك الموقف الموحش ، يضيف تعالى : (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِى مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ). وليس ببنيه فحسب بل ، يودّ أن يفتدي العذاب بزوجته وأخيه أيضاً (وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ).

وَفَصِيلَتِهِ الَّتِى تْوِيهِ). أي عشيرته وأقرباءه الذين كان يأوي إليهم في الدنيا : (وَمَن فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ).

«يودّ : من (الود) على وزن (حبّ) أي يحب ويتمنى.

__________________

(١) الحميم : في الأصل يعني الماء المغلي والمحرق ، ثم اطلق كذلك على الأصدقاء المخلصين والحقيقيين.

٢٦٢

«يفتدي : من (الفداء) أي حفظ النفس من المصائب والمشاكل بوسيلة تسديد أو دفع شيء ما.

«الفصيلة : هي العشيرة والعائلة التي انفصل وتولّد منها الإنسان.

«تؤيه : من الإيواء من الشدائد واللجوء إليها ويأوي إليها في النسب.

ولكنّه يجيب على كل هذه الأماني والآمال في قوله : (كَلَّا). أي لا تقبل الفدية والإفتداء.

(إِنَّهَا لَظَى) نار ملتهبة تحرق كل من بجانبها وفي مسيرها.

(نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى) تقلع اليد والقدم وجلد الوجه.

«لظى : تعني لهيب النار الخالص ، وهي اسم من أسماء جهنم أيضاً.

«نزاعة : أي أنّها تقتلع وتفصل بالتوالي

وشوى : الأطراف كاليد والرجل ، وتأتي أحياناً بمعنى الشواء ، ولكن المراد هنا هو المعنى الأوّل.

ثم يشير إلى من يكون فريسة لمثل هذه النار ، فيقول : (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى).

وبهذا فإنّ هذه النار المحرقة تدعو اولئك المجرمين إلى نفسها سواء بلسان حالها وجاذبيتها الخاصة المودعة فيها تجاه المجرمين ، أو بلسان مقالها الذي أعطاها الله إيّاها ، إنّها تدعو اولئك المتصفين بهاتين الصفتين : الإعراض عن الإيمان وعدم طاعة الله ورسوله.

(إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (٢٣) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) (٢٨)

أوصاف المؤمنين : بعد ذكر أوصاف الطالحين وجوانب من أنواع العذاب في يوم القيامة ، يأتي هنا وصف المؤمنين للتعرف عن سبب انقسام الناس إلى صنفين ، المعذبون والناجون. يقول أوّلاً : (إِنَّ الْإِنسنَ خُلِقَ هَلُوعًا).

٢٦٣

(إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا).

ثم تذكر الآيات الكريمة صفات الأشخاص الجيدين على شكل استثناء ، وتبيّن لهم تسع صفات ايجابية بارزة ، فيقول تعالى : (إِلَّا الْمُصَلّينَ).

(الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ).

هذه هي الخصوصية الاولى لهم وأنّهم مرتبطين بالله بشكل دائم ، وهذه الرابطة تتوثق بالصلاة ، الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والصلاة التي تربي روح الإنسان وتذكره دائماً بالله تعالى ، والسير بهذا الإتجاه سوف يمنعه من الغفلة والغرور ، والغرق في بحر الشهوات ، والوقوع في قبضة الشيطان وهوى النفس.

والمراد من الإدامة على الصلاة هو المحافظة على أوقات الصلاة المعينة.

بعد توضيح أهميّة الصلاة وأنّها من أهم الأعمال ومن أهم أوصاف المؤمنين تنتقل الآيات إلى ذكر الصفة الثانية فيضيف تعالى : (وَالَّذِينَ فِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ).

وبهذا سوف يحافظون على إرتباطهم بالخالق من جهة ، وعلاقتهم بخلق الله من جهة اخرى.

والمراد من الحق المعلوم هو شيء غير الزّكاة والذي يجب على الإنسان منحه للمحتاجين.

والفرق بين السائل والمحروم هو أنّ السائل يفصح عن حاجته ويسأل ، والمحروم هو الذي لا يسأل لتعففه وحيائه.

الآية الاخرى أشارت إلى الخصوصية الثالثة لهم فيضيف : (وَالَّذِينَ يُصَدّقُونَ بِيَوْمِ الدّينِ).

والخصوصية الرابعة هي : (وَالَّذِينَ هُم مّنْ عَذَابِ رَبّهِم مُّشْفِقُونَ).

إِنَّ عَذَابَ رَبّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ).

وصحيح البخاري أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول : لن يدخل أحداً عمله الجنة. قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا ، إلّاأن يتغمدني الله برحمته.

٢٦٤

(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٢٩) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العَادُونَ (٣١) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (٣٣) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٣٤) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) (٣٥)

في الآيات السابقة ذكرت أربعة أوصاف من الأوصاف الخاصة بالمؤمنين الصادقين من أهل الجنان ، وفي الوصف الخامسة يقول الله عزوجل : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) (١).

لا شك في أنّ الغريزة الجنسية من غرائز الإنسان الشديدة والطاغية ، والكثير من الجرائم الكبيرة سببها هي هذه الغريزة ، ولذا كانت السيطرة على هذه الغريزة وحفظ حدودها من العلامات المهمّة للتقوى ، وبهذا ذكرت أهمية السيطرة على هذه الغريزة بعد تبيان أهمية الصلاة وإعانة المحتاجين والإيمان بيوم القيامة والإشفاق من عذاب الله.

وفي الآية الاخرى يؤكّد بشكل أكثر على نفس الموضوع فيضيف : (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْعَادُونَ).

وبهذه الطريقة فإنّ الإسلام يخطط لمجتمع يحافظ على غرائزه الفطرية ، ولا يؤدي به إلى الغرق بالفحشاء والفساد الجنسي والمضارّ الناتجة منه.

عندئذ يشير إلى الصفات السادسة والسابعة ، فيقول : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ).

من الطبيعي أنّ للأمانة معنىً واسعاً وليست هي الأمانات المادية المتنوعة للناس فحسب ، بل إنّها تشمل الأمانات الإلهية وأمانات الأنبياء والأئمة المعصومين عليهم‌السلام.

إنّ كل نعمة من النعم الإلهية هي من أماناته تعالى ، منها المقامات الاجتماعية وبالخصوص المسؤولون في الدولة فإنّها تعتبر من أهم الأمانات.

والأهم من ذلك كلّه هو الدين والشريعة الإلهية وكتاب الله ، وهو من الأمانات الكبيرة التي يجب الحفاظ عليها بالسعي.

__________________

(١) فروج : جمع فرج وهو كناية عن الآلة التناسيلة.

٢٦٥

«العهد : وله مفهوم واسع أيضاً ، يشمل العهود الإنسانية وكذلك العهود الإلهية.

ويضيف في الوصف الثامن : (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ). لأنّ القيام بالشهادة العادلة وترك كتمانها من أهم بنود إقامة العدل في المجتمع البشري.

وفي الوصف الأخير ، وهو الوصف التاسع من هذه المجموعة ، يعود مرّة اخرى إلى موضوع الصلاة ، كما كان البدء بالصلاة. يقول تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ). والصلاة هي المدرسة العالية للتربية ، وأهم وسيلة لتهذيب النفوس.

ومن الطبيعي أنّ الوصف الأوّل كان إشارة إلى المداومة ، ولكن الخطاب هنا حول حفظ آداب وشروط الصلاة وخصائصها ، والآداب التي تكمن في ظاهر الصلاة والتي تنهى عن الفحشاء والمنكر من جهة ، وتقوي روح الصلاة بحضور القلب من جهة اخرى وتمحو الأخلاق الرذيلة التي تكون كحجر عثرة أمام قبولها ، ولهذا لا يعتبر ذكرها مرّة اخرى من قبيل التكرار.

وفي النهاية تبيّن الآية الأخيرة عاقبة المتصفين بهذه الأوصاف ، كما بيّنت في الآيات السابقة المسير النهائي للمجرمين ، فيقول تعالى : (أُولئِكَ فِى جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ).

لماذا لا يكونوا مكرمين! وهم ضيوف الله ، وقد وفرّ الله القادر الرحمن لهم جميع وسائل الضيافة.

(فَمَا لِالَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ) (٤٠) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١)

الطمع الواهي في الجنة : جاء البحث في الآيات السابقة من هذه السورة حول علامات المؤمنين والكفار ، ومصير كل من المجموعتين ، في الآيات يعود ليوضح أحوال الكفار واستهزاءهم بالمقدسات.

قال البعض : إنّ هذه الآيات نزلت في جماعة من المشركين فعندما كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله يتلو على المسلمين آيات المعاد ، كان هؤلاء الكفار يقدمون من كل صوب وحدب ويقولون : إذا كان هناك معاد فإنّ حالنا في الآخرة أحسن من حال من آمن بك ، كما أنّ حالنا في هذه الدنيا أحسن منهم!

٢٦٦

يقول القرآن الكريم في جوابهم : (فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ). أي : يقبلون نحوك من كل جانب مسرعين.

(عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشّمَالِ عِزِينَ). أي جماعات متفرقين.

(أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِىٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ). بأي إيمان وبأي عمل يستحقون ذلك؟!

«مهطعين : جمع مهطع ، وتعني الذي يمدّ عنقه مقبلاً على شيء بسرعة للبحث عنه ، وأحياناً تأتي ـ فقط ـ بمعنى مدّ العنق لاستطلاع الأمر.

«عزين : جمع عزة ، على وزن هبة وتعني جماعات متفرقين.

وهنا يجيبهم القرآن المجيد فيقول : (كَلَّا). ليس الأمر كذلك وليس لهم حق الدخول إلى الجنة : (إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ).

في الحقيقة أنّ الله يريد بهذه الجملة أن يحطم غرورهم ، لأنّه يقول : إنّكم تعلمون جيداً مم خلقناكم؟ من نطفة قذرة ، من ماء آسن مهين.

ويجيب ثانياً على المستهزئين بالمعاد فيقول : إذا كنتم في شك من المعاد فتمعنوا في حال هذه النطفة ، وانظروا كيف خلقنا موجوداً بديعاً من قطرة ماء قذرة يتطور فيها الجنين كل يوم يتّخذ شكلاً جديداً ، ألا يقدر خالق الإنسان من هذه النطفة أن يعيد إليه الحياة بعد دفنه؟

ثم يقول تعالى مؤكّداً ذلك : (فَلَا أُقْسِمُ بِرَبّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَن نُّبَدّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ).

لعل هذه الجملة إشارة إلى أنّنا لسنا قادرين على أن نعيد لهم الحياة بعد الموت فحسب ، بل إنّنا نستطيع أن نبدله إلى أكمل الموجودات وأفضلها ، ولا يمنعنا من ذلك شيء.

أو هو إشارة إلى أنّنا نهلككم جزاءً لأعمالكم ولا يمنعنا من ذلك شيء ، ونستبدل بكم مؤمنين واعين ، ليكونوا أنصاراً للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يضرّنا ذلك شيئاً.

(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) (٤٤)

هذه الآيات وهي آخر آيات سورة المعارج جاءت لتنذر وتهدد الكفار المعاندين

٢٦٧

والمستهزئين. يقول سبحانه : (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِى يُوعَدُونَ) (١).

لا يلزم الإستدلال والموعظة أكثر من هذا ، فإنّهم لا يتعضون وليس لهم الإستعداد للإستيقاظ ، دعهم يخوضوا في أباطيلهم وأراجيفهم كمايلعب الأطفال حتى يحين يومهم الموعود ، يوم البعث ويرون كل شيء بأعينهم.

ثم تبيّن الآية التالية اليوم الموعود ، وتذكر بعض علامات ذلك اليوم المرعب فيقول تعالى : (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ).

إنّ هذا التعبير في الحقيقة استهزاء بعقائدهم التافهة التي كانوا يعتقدون بها في الدنيا.

«الأجداث : جمع جدث ـ على وزن (عبث) ـ وتعني القبر.

«سراع : جمع سريع ، تعني الحركة السريعة للشيء أو الإنسان.

«نصب : جمع نصيب ، والمراد منه هو ما ينصب كعلامة ، وتطلق على الأصنام الحجرية إذ كانوا ينصبونها في مكان ما ليعبدوها ويُقدّم لها القرابين ثم يلطخون دماءها عليها.

«يوفضون : من إفاضة وتعني الحركة السريعة المشابهة لحركة الماء المنحدر من العين.

ثم تذكر الآيات حالات اخرى لهؤلاء فتضيف : (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) (٢).

من شدة الهول والوحشة وقد غرقوا في ذلة مهينة.

وفي آخر الآية يتابع قوله : (ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِى كَانُوا يُوعَدُونَ).

نهاية تفسير سورة المعارج

* * *

__________________

(١) يخوضوا : من أصل خوض ـ على وزن حوض ـ وتعني في الأصل الحركة في الماء ، ثم جاءت بصيغة الكناية في موارد يغطس فيه الإنسان في الباطل.

(٢) ترهقهم : من أصل رهق على وزن (سقف) ويراد به غشيان الشيء بقهر.

٢٦٨

٧١

سورة نوح

محتوى السورة : هذه السورة ، كما هو واضح من اسمها ، تشير إلى قصة نوح عليه‌السلام ، واشير إلى قصة هذا النبي العظيم كذلك في سور متعددة في القرآن المجيد ، منها : سورة الشعراء ، والمؤمنون ، والأعراف ، والأنبياء ، وبشكل أوسع في سورة هود.

وما جاء في سورة نوح عن قصته عليه‌السلام هو مقطع خاص من حياته ، وهو أقل مما ذكر في بقية السور ، وهذا القسم يرتبط بدعوته المستمرة والمتتابعة إلى التوحيد ، وترتبط بكيفيتها وعناصرها.

بلحاظ أنّ هذه السورة نزلت في مكة ، وأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمين القلائل في ذلك الزمان كانوا يعيشون ظروفاً مشابهة لظروف عصر نوح عليه‌السلام وأعوانه ، فإنّها تعلمهم اموراً كثيرة ، وكانت هذه واحدة من أهداف إيراد هذه القصة ، ومنها :

١ ـ أنّها تذكرهم كيف يبلغون الرسالة للمشركين عن طريق الإستدلال المنطقي المقترن بالمحبة والمودة ، واستخدام كل طريقة تكون مفيدة ومؤثرة في الدعوة.

٢ ـ أنّها تعلّمهم الثبات والنشاط في طريق الدعوة إلى الله وعدم التكاسل مهما طالت الأعوام ، ومهما وضع الأعداء العوائق.

٣ ـ أنّها تعلّمهم كيف يرغبونهم ويشجعونهم تارةً ، وتكون لديهم عوامل الإنذار

٢٦٩

والرهبة تارةً اخرى والإستفادة من كلا الطريقين في الدعوة إلى الله جلّ وعلا.

٤ ـ الآيات الأخيرة من هذه السورة هي تحذير للمشركين المعاندين ، بأنّ عاقبتهم وخيمة إذا لم يستسلموا للحق ، وتخلّفوا عن أمر الله.

فإنّ هذه السورة ترسم أبعاد الكفاح الدائم بين أصحاب الحق وأصحاب الباطل ، ترسم منهج أصحاب الحق الذي يجب عليهم إتّباعه.

فضيلة تلاوة السورة : في تفسير مجمع البيان عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ومن قرأ سورة نوح كان من المؤمنين الذين تدركهم دعوة نوح.

ولا يخفى أنّ الهدف من قراءة السورة هو الإقتباس من منهج وسلوك هذا النبي العظيم ، من صبره واستقامته في طريق الدعوة إلى الله تعالى ليدركوا دعوة النبي.

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ

(إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢) أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (٣) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٤)

قلنا : إنّ هذه السورة تبيّن من أحوال نوح عليه‌السلام وما يرتبط بأمر دعوته ، وتبدأ أوّلاً بذكره في بعثته عليه‌السلام فيقول تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

من الممكن أن يكون هذا العذاب الأليم هو عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة ، والأنسب أن يكون الإثنان معاً ، وإن كانت القرائن في آخر آيات هذه السورة تشير إلى أنّ هذا العذاب هو عذاب الدنيا.

نوح عليه‌السلام الذي كان هو من اولي العزم ، وصاحب أوّل شريعة إلهيّة ، وله دعوة عالمية ، جاء إلى قومه بعد صدور هذا الأمر إليه قال : (قَالَ يَا قَوْمِ إِنّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ).

الهدف هو أن تعبدوا الله الذي لا إله إلّاهو ، وتتركوا من دونه ، وتتقوا وتطيعوا أمري الذي هو أمر الله : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ).

ثم ذكر النتائج المهمّة المترتبة على استجابتهم الدعوة في جملتين لترغيبهم فقال : (يَغْفِرْ

٢٧٠

لَكُم مّن ذُنُوبِكُمْ).

ثم يضيف : (وَيُؤَخّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذَا جَاءَ لَايُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).

يستفاد جيداً من هذه الآية أنّ الأجل وموعد عمر الإنسان قسمان ، هما : الأجل المسمّى ، والأجل النهائي. أو بعبارة اخرى : الأجل المعلق ، والأجل الحتمي. القسم الأوّل للأجل قابل للتغير والتبديل ، فقد يتدنى ويقل عمر الفرد كثيراً بسبب الذنوب والأعمال السيئة وهذا نوع من أنواع العذاب الإلهي ، وبالعكس فإنّ التقوى وحسن العمل والتدبير يمكن أن تكون سبباً لتأخير الأجل ، ولكن الأجل النهائي لا يتغير بأي حال من الأحوال.

وفي الروايات الإسلامية أيضاً تأكيد على هذا المعنى ، منها ما ورد ـ في الأمالي الشيخ الطوسي ـ عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : من يموت بالذنوب أكثر ممّن يموت بالآجال ، ومن يعيش بالإحسان أكثر ممن يعيش بالأعمار.

(قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً (٦) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً (٧) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً (٨) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً) (٩)

استخدام مختلف الوسائل لهدايتهم ، ولكن : تتحدث هذا الآيات عن استمرار مهمّة نوح في دعوته قومه ولكن هذه المرّة جاء الحديث على لسانه مخاطباً ربّه وشاكياً إليه أمره معهم بعبارة مؤثّرة بليغة. خطاب نوح عليه‌السلام في هذا الإطار يمكن أن يعبّد الطريق لكل المبلغين الرساليين : (قَالَ رَبّ إِنّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً وَنَهَارًا).

وإنّني لم أتوانى لحظة واحدة في إرشادهم وإبلاغ الرسالة لهم ، ثم يقول : (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَاءِى إِلَّا فِرَارًا).

ومن العجيب أن تكون الدعوة سبباً لفرارهم ، ولكن بما أنّ كل دعوة تحتاج إلى نوع من الإستعداد وصفاء القلب والتجاذب المتبادل فليس عجيباً أن يكون هنا أثر معاكس في القلوب الخاملة.

ثم إنّ نوحاً عليه‌السلام يضيف : (وَإِنّى كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِىءَاذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا).

٢٧١

ولكي لا يسمعوا صوت الحق كانوا يضعون أصابعهم في آذانهم ، ويلفون ثيابهم حول أنفسهم أو يضعونها على رؤوسهم لئلا تصل أمواج الصوت إلى أدمغتهم! وربّما كانوا يتقنعون لئلا تقع أعينهم على الهيئة الملكوتية لهذا النبي العظيم ، وكانوا يصرون على أن تتوقف الآذان عن السماع والعيون عن النظر.

هذه الآية يشير إلى أحد الأسباب المهمة لتعاستهم وهو الغرور والتكبر ، فكان هذا الغرور والكبر أحد الموانع المهمة والدائمة في طريق الحق ، ونحن نشاهد النتائج المشؤومة لذلك على طول التاريخ في حياة اناس لا إيمان لهم.

واستمر نوح عليه‌السلام في حديثه عند المقام الإلهي ، فيقول : (ثُمَّ إِنّى دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا).

ثم لم أكتفي بهذا : (ثُمَّ إِنّى أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا).

كان صبره عجيباً ، والأعجب ما فيه رأفته ، وكانت همته واستقامته الفريدة رأس ماله في السير في طريق الدعوة إلى دين الحق.

والأعجب من ذلك هو أنّ طيلة دعوته التي دامت (٩٥٠) عاماً لم يؤمن به إلّاثمانون شخصاً.

(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً (١٢) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً)(١٤)

ثمرة الإيمان في الدنيا : يستمر نوح عليه‌السلام في تبليغه المؤثر لقومه المعاندين العصاة ، ويعتمد هذه المرّة على عامل الترغيب والتشجيع ، ويوعدهم بانفتاح أبواب الرحمة الإلهية من كل جهة إذا ما تابوا من الشرك والخطايا ، فيقول : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا).

ولا يطهركم من الذنوب فحسب بل : (يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا) (١).

ثم يضيف : (وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا). وبهذا فإنّه وعدهم بنعمة معنوية كبيرة ، وبخمس نعم اخرى مادية كبيرة ، والنعمة المعنوية الكبيرة هي

__________________

(١) مدراراً : من أصل درّ وتعني في الأصل انسكاب الحليب من ثديي الام ويعطي معنى هطول الأمطار.

٢٧٢

غفران الذنوب والتطهير من درن الكفر والعصيان ، وأمّا النعم المادية فهي هطول الأمطار المفيدة والمباركة في حينها ، كثرة الأموال ، كثرة الأولاد (الثروات الإنسانية) ، الحدائق المباركة والأنهار الجارية.

نعم ، إنّ الإيمان والتقوى يبعثان على عمران الدنيا والآخرة بشهادة القرآن المجيد.

ويعود نوح عليه‌السلام مرّة اخرى لينذرهم ، فيقول : (مَّا لَكُمْ لَاتَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) (١). ولا تخافون عقابه وقد خلقكم في مراحل مختلفة. ويقول أيضاً : (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا).

كنتم في البداية نطفة لا قيمة لها ، ثم صوركم علقة ثم مضغة ، ثم وهبكم الشكل الإنساني ، ثم ألبسكم لباس الحياة ، فوهب لكم الروح والحواس والحركة.

وليست أجسامكم هي المتغيرة فقط بل إنّ الروح هي أيضاً في تغيّر مستمر ، لكل منكم استعداده الخاص. وعلى هذا فإنّه معكم في كل مكان هو يهديكم في كل خطوة ويشملكم بلطفه وعنايته ، فلم كل هذا الكفران والإستهانة.

(أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً (١٦) وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً (١٨) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطاً (١٩) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً) (٢٠)

كان نوح عليه‌السلام يبيّن للمشركين المعاندين حقائق عميقة ومستدلة ، إذ كان يأخذ بهم إلى أعماق وجودهم ليشاهدوا حقائق هذه الآيات (كما مرّ في الآيات السابقة) ودعاهم إلى ما خلق الله من علامات في هذا العالم الكبير ، فكان يسير بهم إلى تلك الآفاق.

يبدأ أوّلاً بالسماء فيقول : (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَموَاتٍ طِبَاقًا).

«طباقاً : مصدر من باب (مفاعلة) بمعنى مطابقة ، وأحياناً تأتي بمعنى وضع الشيء فوق شيء آخر ، وتأتي أحياناً اخرى بمعنى مطابقة ومماثلة شيئين أحدهما مع الآخر ، والمعنيان يصدقان هنا.

__________________

(١) الوقار : الثقل والعظمة ؛ وترجون : من أصل رجاء بمعنى الأمل وهو ملازم للخوف ، ومعنى الآية لماذا لاتخضعون لعظمة الله تعالى.

٢٧٣

وعلى الإحتمال الثاني فإنّ القرآن يشير إلى مطابقة وتناسق السماوات السبع في النظم والعظمة والجمال.

ثم يضيف : (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا).

التعبير بالسراج للشمس وبالنور للقمر هو أنّ نور الشمس ينشأ من ذاتها كالسراج ، وأمّا نور القمر فإنّه ليس من باطنه بل انعكاس لنور الشمس.

ثم يعود ذلك إلى الإنسان فيقول : (وَاللهُ أَنبَتَكُم مّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا).

التعبير ب الإنبات ، في شأن الإنسان لأسباب ؛ أوّلاً : خلق الإنسان الأوّل من التراب.

ثانياً : إنّ المواد الغذائية التي يتناولها الإنسان وبها ينمو ويحيى ، هي من الأرض ، فهو إمّا يتناول الخضار والحبوب الغذائية أو الفواكه مباشرة ، أو بطريق غير مباشر كلحوم الحيوانات.

ثالثاً : هناك تشابه كثير بين الإنسان والنبات ، وهناك كثير من القوانين التي يسري حكمها على نمو وتغذية النباتات هي سارية أيضاً على الإنسان.

ثم يمضي إلى مسألة المعاد والتي كانت من المسائل المعقدة عند المشركين فيقول : (ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا).

كنتم في البدء تراباً ، ثم تعودون إلى التراب ثانية ، ومن كانت له القدرة على أن يخلقكم من التراب هو قادر على أن يحييكم بعد الموت.

ثم يعود مرّة اخرى إلى آيات الآفاق وعلامات التوحيد في هذا العالم الكبير ، ويتحدث عن نعم وجود الأرض فيقول : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا).

ليست هي بتلك الخشونة بحيث لا يمكنكم الإنتقال والاستراحة عليها ، وليست بتلك النعومة بحيث تغطسون فيها ، وتفقدون القدرة على الحركة ، مضافاً إلى ذلك فهي كالبساط الواسع الجاهز المتوفر فيه جميع متطلباتكم المعيشية.

وليست الأراضي المسطحة كالبساط الواسع فحسب ، بل بما فيها من الجبال والوديان والشقوق المتداخلة بعضها فوق بعض والتي يمكن العبور من خلالها.

(لِّتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجًا). فجاج : على وزن (مزاج) ، وهو جمع فج ، وبمعنى

٢٧٤

الوادي الفسيح بين الجبلين ، وقيل الطريق الواسعة.

(قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَاراً (٢١) وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (٢٢) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (٢٣) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالاً (٢٤) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصَاراً) (٢٥)

لطف الله معك : عندما رأى نوح عليه‌السلام عناد قومه وقد بذل في سبيل هدايتهم منتهى مساعيه التي طالت مئات السنين ، وما كانوا يزدادون فيها إلّافساداً وضلالاً ، يئس منهم وتوجّه إلى ربّه ليناجيه ويطلب منه أن يعاقب قومه ، كما نقرأ في هذه الآيات محل البحث : (قَالَ نُوحٌ رَّبّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِى وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا).

تشير هذه الآية إلى أنّ رؤساء هؤلاء القوم يمتازون بكثرة الأموال والأولاد ، ولكنّها لا تستخدم لخدمة الناس بل للفساد والعدوان ، ولا يخضعون لله تعالى ، وهذه الإمتيازات الكثيرة سببت في طغيانهم وغيهم.

ثم يضيف في قوله تعالى : (وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا).

إنّهم كانوا يضعون خططاً شيطانية واسعة لتضليل الناس ، ورفض دعوة نوح عليه‌السلام ، ومن المحتمل أن يكون عبادة الأصنام واحدة من هذه الخطط والأساليب ، وذلك طبقاً للروايات التي تشير إلى عدم وجود عبادة الأصنام قبل عصر نوح عليه‌السلام وأن قوم نوح هم الذين أوجدوها.

وتدل الآية الاخرى على هذا الأمر ، إذ أنّها تضيف بعد الإشارة إلى خفاء هذا المكر في قوله تعالى : (وَقَالُوا لَاتَذَرُنَّءَالِهَتَكُمْ).

ولا تقبلوا دعوة نوح إلى الله الواحد ، وغير المحسوس ، وأكدوا بالخصوص على خمسة أصنام ، وقالوا : (وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا).

ويستفاد من القرائن أنّ هذه الأصنام الخمسة لقيت عناية بالغة من القوم الظالمين ، ولهذا كان رؤسائهم المستغلون لهم يعتمدون على عبادتهم لها.

٢٧٥

ثم يضيف عن لسان نوح عليه‌السلام : (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَللاً).

المراد من زيادة الضلال للظالمين هو الدعاء بسلب التوفيق الإلهي منهم ليكون سبباً في تعاستهم ، أو أنّه دعاء منه أن يجازيهم الله بكفرهم وظلمهم ويسلبهم نور الإيمان ، ولتحلّ محله ظلمة الكفر.

وبالتالي فإنّ الآية الأخيرة في البحث ، يقول الله تعالى فيها : (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مّن دُونِ اللهِ أَنصَارًا).

تشير الآية إلى ورودهم النار بعد الطوفان ، وممّا يثير العجب هو دخولهم النار بعد الدخول في الماء! وهذه النار هي نار البرزخ ، لأنّ بعض الناس يعاقبون بعد الموت ، وذلك في عالم البرزخ كما هو ظاهر في سياق بعض الآيات القرآنية ، وكذا ذكرت الروايات أنّ القبر إمّا روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النيران.

(وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً (٢٧) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً) (٢٨)

على الفاسدين والمفسدين أن يرحلوا : هذه الآيات تشير إلى استمرار نوح عليه‌السلام في حديثه ودعائه عليهم فيقول تبارك وتعالى : (وَقَالَ نُوحٌ رَّبّ لَاتَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا).

دعا نوح عليه‌السلام بهذا الدعاء عندما يئس من هدايتهم بعد المشقّة والعناء في دعوته إيّاهم ، فلم يؤمن إلّاقليل منهم.

والتّعبير ب على الأرض يشير إلى أنّ دعوة نوح عليه‌السلام كانت تشمل العالم ، وكذا مجيء الطوفان والعذاب بعده.

ثم يستدل نوح عليه‌السلام للعنه القوم فيقول : (إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا). وهذا يشير إلى أنّ دعاء الأنبياء ومن بينهم نوح عليه‌السلام لم يكن ناتجاً عن الغضب والإنتقام والحقد ، بل إنّه على أساس منطقي.

٢٧٦

«الفاجر : يراد به من يرتكب ذنباً قبيحاً وشنيعاً.

«كفّار : المبالغ في الكفر.

والإختلاف بين هذين اللفظين هو أن أحدهما يتعلق بالجوانب العملية ، والآخر بالجوانب العقائدية.

ثم يدعو نوح عليه‌السلام ، لنفسه ولمن آمن به فيقول : (رَّبّ اغْفِرْ لِى وَلِوَالِدَىَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا).

طلب المغفرة هذا من نوح عليه‌السلام كأنّه يريد أن يقول إنّني وإن دعوت قومي مئات السنين ولقيت ما لقيت من العذاب والإهانة ، ولكن يمكن أن يكون قد صدر منّي الترك الأولى ، فلذا أطلب العفو والمغفرة لا ابريء نفسي أمام الله تعالى.

نهاية تفسير سورة نوح

* * *

٢٧٧
٢٧٨

٧٢

سورة الجن

محتوى السورة : تتحدث هذه السورة حول نوع من الخلائق المستورين عن حواسنا وهم الجن ، كما سمّيت السورة باسمهم ، وأنّهم يؤمنون بنبيّنا الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن خضوعهم للقرآن وإيمانهم بالمعاد ، وأنّ فيهم المؤمن والكافر وغير ذلك ، وفي هذا القسم من السورة (١٩) آية من (٢٨) آية تصحح ما حُرّف من معتقدات حول الجن.

وهناك قسم آخر من السورة يشير إلى التوحيد والمعاد ، والقسم الأخير يتحدث عن العلم الذي لا يعلمه إلّامن شاء لله.

فضيلة تلاوة السورة : في تفسير مجمع البيان عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : من أكثر قراءة (قُلْ أُوحِىَ) لم يصبه في الحياة الدنيا شيء من أعين الجن ، ولا من نفثهم ، ولا من سحرهم ، ولا من كيدهم ، وكان مع محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فيقول : يا ربّ ، لا اريد بهم بدلاً ، ولا أريد بدرجتي حولاً.

وطبعاً التلاوة مقدمة وتمهيد لمعرفة محتوى السورة والتدبّر بها ، ثم العمل بما فيها.

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ

(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً (٢) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً (٣) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللهِ شَطَطاً (٤) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً (٥) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً) (٦)

٢٧٩

سبب النّزول

ما جاء في سبب نزول سورة الأحقاف في تفسير الآيات (٢٩ ـ ٣٢) مطابق لسبب نزول هذه السورة ، ويدل على أنّ السورتين يتعلقان بحادثة واحدة ، ونوضح سبب النزول باختصار كما يلي :

١ ـ إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج من مكة إلى سوق عكاظ ومعه زيد بن حارثة يدعو الناس إلى الإسلام ، فلم يجبه ولم يجد من يقبله ، ثم رجع إلى مكة فلما بلغ موضعاً يقال له وادي مجنة تهجد بالقرآن في جوف الليل فمر به نفر من الجن فلما سمعوا قراءة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ... فأسلموا وآمنوا وعلمهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شرائع الإسلام (١).

٢ ـ عن ابن عباس قال : انطلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ. وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب ، فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا : ما لكم؟ فقالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب. قالوا : ما حال بينكم وبين خبر السماء ، فاضربوا في مشارق الأرض ومغاربها ، فانطلقوا يضربون في مشارق الأرض ومغاربها ، فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو بنخلة عامداً إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القران استمعوا له ، فقالوا : هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء. فهناك حين رجعوا إلى قومهم وقالوا : يا قومنا (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا * يَهْدِى إِلَى الرُّشْدِ فَامَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبّنَا أَحَدًا) (٢).

ولكن جاء في سبب نزول هذه السورة ما يخالف هذا المعنى ، وهو أنّ علقمة بن قيس قال : قلت لعبدالله بن المسعود : من كان منكم مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة الجن؟ فقال : ما كان منّا معه أحد ، فقدناه ذات ليلة ونحن بمكة فقلنا : اغتيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو استطير. فانطلقنا نطلبه من الشعاب ، فلقيناه مقبلاً من نحو حراء ، فقلنا : يا رسول الله! اين كنت لقد أشفقنا عليك؟ وقلنا له : بتنا الليلة بشرّ ليلة بات بها قوم حين فقدناك! فقال لنا : إنّه أتاني داعي الجن فذهبت أقرئهم القرآن (٣).

__________________

(١) تفسير علي بن ابراهيم ٢ / ٢٩٩ و ٣٨٨.

(٢) في ظلال القرآن ٧ / ٤٢٩.

(٣) تفسير مجمع البيان ١٠ / ١٤٥.

٢٨٠