الإشارات الإلهيّة إلى المباحث الأصوليّة

نجم الدين أبي الربيع سليمان بن عبدالقوي ابن عبدالكريم الطوفي الصرصري الحنبلي

الإشارات الإلهيّة إلى المباحث الأصوليّة

المؤلف:

نجم الدين أبي الربيع سليمان بن عبدالقوي ابن عبدالكريم الطوفي الصرصري الحنبلي


المحقق: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3779-4
الصفحات: ٦٩٦

القول في سورة المزمل

(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) (٥) [المزمل : ٥] يحتمل أن المراد ثقيل على الكفار طاعته والإيمان به ، أو ثقيل على المكلفين امتثاله ، أو يخلق الله ـ عزوجل ـ عند نزوله ثقلا ، كما روي أن سورة الفتح لما نزلت مرجع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الحديبية كادت قوائم ناقته تندق من تحته لثقل ما أنزل عليه ، وربما احتج بظاهره من يقول بخلق القرآن ؛ لأن الثقيل ذات قام بها الثقل ، [وكل ذات قام بها الثقل] ـ جسم ؛ فالقرآن جسم ، وكل جسم مخلوق. لكن هذا سفسطة ومكابرة للحس والضرورة ، فلا يستحق جوابا.

(إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً) (١٦) [المزمل : ١٥ ، ١٦] هذا هو المثال المشهور في لام العهد ، وهو رجوع المعرف إلى منكر سابق. وقد حكى ابن الخشاب عن بعض أهل العلم : أن اللام إن كان هناك معهود تعينت له وإلا فهي للجنس.

(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٠) [المزمل : ٢٠] أي : بما أحكمه وأتقنه من دوران الفلك ومجاري النجوم فيه ، وإيلاج الليل في النهار والنهار في الليل ، وأخذ أحدهما من الآخر.

واعلم أن الليل والنهار هما الزمان ؛ لقول الشاعر :

هل الدهر إلا ليلة ونهارها

وإلا طلوع الشمس ثم غيارها

فينتظم قياس هكذا : الليل والنهار هما الزمان ، والله ـ عزوجل ـ يقدر الليل والنهار ؛ ينتج من الشكل الرابع : الله ـ عزوجل ـ هو يقدر الزمان ، وحينئذ يكون الزمان مخلوقا ، وكل مخلوق حادث ، فالزمان حادث ؛ خلافا للفلاسفة في قدمه ، وقد سبق القول عليهم في ذلك.

٦٦١

(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٠) [المزمل : ٢٠] هذا عقب ما قبله من الأمر بالأعمال الصالحة يشير إلى ما مر في سورة النور عند : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٣١) [النور : ٣١] من مشروعية التوبة والاستغفار من [٢١٠ أ / م] الأعمال الصالحة لما قرر هناك ، وفى هذا هاهنا نظر ؛ لاحتمال أنه أمر مجرد بالاستغفار ليس المراد به ما ذكر.

* * *

٦٦٢

القول في سورة المدثر

(فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) (٩) [المدثر : ٨ ، ٩] إن قيل : هذا تقديره : فذلك في يومئذ / [٤٣٣ / ل] يوم ، فيلزم أن يكون اليوم في يوم فيكون للزمان زمان ، وإنه محال.

والجواب أن تقديره «فذلك» أي : فالنقر يومئذ نقر يوم عسير على تقدير حذف المضاف ، وهو سؤال وجواب في الإعراب جيدان.

(إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) (٢٦) [المدثر : ٢٥ ، ٢٦] احتج به من يرى قدم القرآن المسموع ، لأنه ـ عزوجل ـ توعد من قال : إنه قول البشر بإصلاء سقر ، وذلك يقتضي أنه ليس قول البشر ، فهو قول الله ـ عزوجل ـ فلا يكون مخلوقا ، فيكون قديما لأنه صفة القديم.

وأجاب الخصم بأن بين البشر وبين الله ـ عزوجل ـ الملك ، فلم لا يجوز أن يكون قوله ، بدليل : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (٤٠) [الحاقة : ٤٠] سلمنا أنه قول الله ـ عزوجل ـ فلم لا يجوز أن يكون صفة فعلية؟ وكل صفة فعلية مخلوقة.

[قال بعض العلماء المحققين المتأخرين ـ رضي الله تعالى عنهم] حكاية غريبة :

أخبرني الشيخ الصالح جمال الدين المعدني الحنبلي بالقاهرة قال : أنشد بحضرة الشيخ الإمام العالم بهاء الدين ابن النحاس الحلبي النحوي ، أو أنشد قول القائل :

لو قيل :

كم خمس لاغتدى

يوما وليلته يعد ويحسب

ويقول :

معضلة عجيب أمرها

ولئن هديت لها لأمري أعجب

حتى إذا خدرت يداه وعورت

عيناه مما قد يخط ويكتب

أوفى على شرف وقال :

ألا انظروا

ويكاد من فرح يجب ويسلب

خمس وخمس ستة أو سبعة

قولان قالهما الخليل وثعلب

فجعل الحاضرون يتعجبون منها ومن غرابة وصفها ، فقال الشيخ بهاء الدين : مم تتعجبون؟ فإن مثل هذا في كتاب الله ـ عزوجل ـ ثم تلا : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ

٦٦٣

كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) (٢٥) [المدثر : ١٨ ـ ٢٥].

قلت : [وهذا تنظير] حسن مطابق ، وكلاهما راجع في المعنى إلى قولهم : سكت ألفا ونطق خلفا.

(عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) (٣٠) [المدثر : ٣٠] قيل : إنما كانوا تسعة عشر ؛ لأن الليل والنهار أربع وعشرون ساعة ، عليها في كل / [٢١٠ ب / م] ساعة ملك إلا ساعات المكتوب الخمس فإنها [تخمد أو تغلق] فلا تحتاج إلى سادن ، فلا تبقى إلا تسع عشرة ساعة عليها فيهن تسعة عشر ملكا.

(وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ) (٣١) [المدثر : ٣١] فيه أن الله ـ عزوجل ـ يقصد فتنة من يشاء وضلاله ويفعل أسبابه.

(وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ) (٣١) [المدثر : ٣١] فيه قبول الإيمان [٤٣٤ ل] للزيادة والنقصان.

(ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (٤٣) [المدثر : ٤٢ ـ ٤٣] ، يحتج بها على تكليف الكفار بفروع الإسلام ؛ لأنهم عللوا سلكهم في سقر بتركهم الصلاة والزكاة وبالتكذيب بيوم الدين وما بينهما ، ولو لا تكليفهم بالصلاة لما صلح تركها جزء علة للعقاب.

واعترض الخصم بأن معناه ، لم نكن من أهل الصلاة ؛ أي : من المؤمنين.

٦٦٤

وأجيب بأنه خلاف الظاهر بغير دليل ، ثم هو مع قولهم : (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) (٤٦) [المدثر : ٤٦] فيه ضرب من التكرار فلا يحمل عليه ، وقد سبقت المسألة في أول سورة «المصابيح».

(فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) (٤٨) [المدثر : ٤٨] دليل خطابه أنها تنفع غيرهم من عصاة المؤمنين خلافا للمعتزلة.

* * *

٦٦٥

القول في سورة القيامة

(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (١) [القيامة : ١] فيه إثباتها ، ثم قيل : لا زائدة ، وقيل :

المعنى ، لا أقتصر على القسم بيوم القيامة بل أقسم بأعظم منه ، والقولان جاريان في نظائره نحو : (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) (١٦) [الانشقاق : ١٦] ، (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) (١) [البلد : ١] (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (٢) [القيامة : ٢] المذكور في القرآن ، هذه والنفس الأمارة والنفس المطمئنة ، فاللوامة تلوم على فعل الشر ، والأمارة تأمر به ، والمطمئنة ساكنة لما وعدت ومتواضعة لقبول ما به أمرت ، خاضعة تحت مجاري الأقدار ، خاشعة لله الواحد القهار. ثم قيل : هي ثلاث نفوس على ظاهر القرآن ، وقيل : نفس واحدة لها ثلاث قوى أو ثلاثة أحوال ، تارة تلوم ، وتارة أمر ، وتارة تطمئن ، والله ـ عزوجل ـ أعلم بخلقه.

(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (٣) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) (٤) [القيامة : ٣ ، ٤] هذا إثبات للبعث خلافا لمنكريه ، وأحال الله ـ عزوجل ـ هاهنا على مجرد القدرة ، ثم برهن عليه في آخر السورة.

(بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (٥) يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) (٦) [القيامة : ٥ ـ ٦] تتعلق به الملاحدة ونحوهم على أن لا حقيقة للبعث ، وإنما هو تخويف للناس لئلا ييأسوا من المعاد فيفجروا ويتظالموا فيفسد النظام.

والجواب / [٢١١ أ / م] أن ما ذكره لا ينفي وقوع البعث ، وقد دلت عليه قواطع السمع والعقل ، والتخويف بالشيء لا يمنع وقوعه.

(وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) (٩) لأنهما ما داما دائبين بينهما افتراق بالذات إذ بينهما أربعة أفلاك ، ويوم القيامة تطوى السماء ويستغنى عنهما بما شاء الله ـ عزوجل ـ من نوره ، فيجمعان كمسمارين قلعا من بابين ، ويقال : إنهما يكوران في النار ، فإن قيل : أيهما أفضل؟ قلنا : الشمس ؛ لأنها آية مبصرة / [٤٣٥ / ل] والقمر آية ممحوة ، والمبصرة أفضل ؛ ولأنها أعظم جرما ونورا ، وإذا أردت أن تنظر عظمتها فانظر إلى ملكوت السماء بالليل وما فيها من الزينة والنيرات العظيمة ، ثم الشمس إذا طلعت الشمس تطمس ذلك كله حتى يبقى غيبا بعد أن كان شهادة ، وذكر أهل الهيئة أن جرم الشمس قدر الأرض مائة وإحدى وستين مرة وكسر ، والقمر جزء من تسعة وثلاثين جزءا من الأرض ، فيكون ربع عشر تقريبا ، فتكون الشمس مثل القمر ستة آلاف مرة وأربعمائة مرة تقريبا ؛ ولأن الله ـ

٦٦٦

عزوجل ـ حيث ذكرهما قدم الشمس ، ولأنها أوسط مكانا في السماء وأعلى من القمر وأسعد منه.

واحتج من فضل القمر بأنه مذكر ، وهو أسرع حركة وجولانا في الفلك ، ومدار الحساب على تمامه ونقصانه أكثر ، وهو في ذلك أعجب ، وهو أقل ضررا من الشمس ونحو هذا من الوجوه ، ولا شيء منها يعارض ما ذكر للشمس.

(بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) (١٥) [القيامة : ١٤ ، ١٥] أي : يشهد على نفسه وتشهد عليه جوارحه كما مر ، فلو اعتذر بما أمكنه لم ينفعه مع شهادة نفسه عليه.

(فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (١٩) [القيامة : ١٨ ، ١٩] يحتج به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب ؛ لأن ثم للتراخي ، وقد دلت على تأخير البيان عن وقت القراءة ، وقد سبق نظيره أول هود.

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢٣) [القيامة : ٢٢ ـ ٢٣] وهذه عمدة الجمهور في إثبات رؤية الله ـ عزوجل ـ في الآخرة ؛ لأن النظر المقرون بإلى يقتضي الرؤية لغة ، وقد تضمنت الآية ذلك فكانت مقتضية للرؤية.

واعترض المعتزلة بأن قالوا : النظر هاهنا مضاف إلى الوجوه وليست آلة للرؤية ولا محلا لها ، سلمناه لكن لا يعلم أن اقتران النظر بإلى يقتضي الرؤية ، بدليل قوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (١٩٨) [الأعراف : ١٩٨] فاقترن النظر بإلى مع نفي الإبصار والرؤية ، سلمناه ولكن لا نسلم أن هاهنا حرف جر ، وإنما هو اسم / [٢١١ ب / م] وهو أحد الآلاء وهي النعم ، نحو : معى وأمعاء ، والتقدير وجوه يومئذ ناضرة ، نعمة ربها ناظرة أو منتظرة ؛ لأنها تفرح بما ترى من أمارات الثواب ، وهي تراه وتنتظره ، سلمناه لكن ما ذكرتموه إنما هو ظاهر في الرؤية فلا يعارض القاطع في نفيها ، وهو أن الرؤية تقليب الحدقة إلى جهة المرئي واتصال شعاع البصر به وذلك مستلزم للجسمية ، فالرؤية لا تتصور إلا على رأي المجسمة أو على رأي الاتحادية الذين يجيزون أن يظهر الحق ـ عزوجل ـ في المظاهر والأطوار ، فيظهر في مظهر جسماني / [٤٣٦ / ل] فيرى ، كما ورد أنه يأتيهم في صورة ينكرونها ثم في صورة يعرفونها ، ويكشف لهم عن ساقه فيخرون سجدا ، لكن التجسيم والاتحاد باطلان عند الجمهور.

٦٦٧

وأجيب عن الأول بأن الوجوه محل الإبصار والإبصار محل الرؤية وآلة لها ، فالوجوه محل للرؤية وآلة لها ، ودل على ذلك استعمال العرب كقول القائل :

وجوه ناظرات يوم بدر

إلى الرحمن تنتظر الفلاحا

وقول الآخر :

وفى يوم بدر قد رأيت وجوههم

إلى الموت من وقع السيوف نواظرا

فقد أضاف النظر إلى الوجوه ، وعن الثاني بأن وضع اللغة أن النظر المقرر بإلى يقتضي الرؤية ، فإن لم يكن موضوع اللغة فأكثر استعمال العرب عليه نحو قوله :

نظرت إلى من حسن الله وجهه

 ...

وقوله :

نظروا إليك بأعين محمرة

نظر التيوس إلى شفار الجازر

وهو كثير ، وهو يحصل المقصود ؛ ولأن غلبة استعماله تدل على أنه الحقيقة.

فأما : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (١٩٨) [الأعراف : ١٩٨] فلم يكن عدم الإبصار لعدم اقتضاء اللفظ له ، بل لأن المشار إليهم هم الأصنام وهم جماد ليس لهم آلة الإبصار كما سبق في آخر «الأعراف» ، وعن الثالث بأنه خلاف المتبادر إلى فهم كل سامع ، والصحابة ومن بعدهم إنما فهموا أن إلى حرف جر حتى ظهر المعتزلة بتأويله ، ثم إن ما ذكروه لا يصح ؛ لأن الكلام وهم في الجنة والنظر إلى النعيم فيها لا يعد نعمة ؛ إنما ذلك الموضع محل تناول النعم والالتذاذ بها لا محل النظر إليها ، وانتظارها هناك غير مناسب ؛ لأن الانتظار ـ كما قيل يورث الصغار ، ثم إن النعم في الجنة حاصلة فانتظار مناف لحصولها أو تحصيل الحاصل.

قوله : ما ذكرتموه ، ظاهر في الرؤية ، قلنا : بل قاطع لتبادر الفهم / [٢١٢ أ / م] إليه ، وإجماع السلف على فهم الرؤية منه ، وهم أهل العصمة الإجماعية واللسان العربي ، سلمنا أنه ظاهر لكن لا نسلم أن عندكم قاطعا يعارضه.

قوله : إن الرؤية تقليب الحدقة إلى جهة المرئي.

قلنا : هذا على اختلاله لا يضر ؛ لأن مثبتي الجهة يلتزمونها ، ووجه اختلال هذا القول أن الرؤية ليس نفس تقليب الحدقة بل هي نوع إدراك يلزمه تقليب الحدقة فتقليب الحدقة من لوازم الرؤية لا أنه نفسها ، وأما من لا يثبت / [٤٣٧ / ل] الجهة كالأشعرية ، فإنهم يفسرون الرؤية بنوع كشف نسبته إلى الرب ـ عزوجل ـ كنسبة الرؤية إلى المرئيات.

٦٦٨

قوله : واتصال شعاع البصر بالمرئي.

قلنا : الناس لهم في كيفية رؤية المرئيات أربعة أقوال :

أحدها : اتصال الشعاع.

والثاني : انطباع صورة المرئي في الرطوبة الجليدية كانطباع الوجه في المرآة.

والثالث : أنه نار تخرج من البصر فيدرك به المرئي ، وهذا شبيه بالقول بالشعاع.

والرابع : أنه علم يخلقه الله ـ عزوجل ـ في نفس الرائي مقارنا للرؤية ، وهو مذهب المتكلمين.

فنقول أولا : لم قلت : إن رؤية الباري ـ عزوجل ـ أو الرؤية مطلقا باتصال الشعاع؟

وما أنكرت أن يكون بخلق العلم في نفسه كما هو رأي المتكلمين.

وثانيا : أنه قد ثبت لنا رؤية لا باتصال شعاع وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تختلفوا عليّ ـ يعني في الصلاة ـ فإني أراكم من وراء ظهري كما أراكم من أمامي» (١) وما ذاك إلا لخارق إلهي ومعجز نبوي أيد به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما كان يرى الثريا اثني عشر كوكبا وغيره إنما يراها ستة أو سبعة ، وذلك لقوة خص بها في بصره خرقا للعادة ، فجاز إذ كان الآخرة محل خرق العادة أن تتجدد للمؤمنين خرق عادة يرون بها ربهم من غير انطباع ولا اتصال شعاع ، ولا جهة أصلا على رأي نفاة الجهة ، كالدودة في وسط البلورة تراها لا في جهة ، وكرة العالم يراها الله ـ عزوجل ـ وقد قام البرهان على أنها ليست في جهة على ما قيل ، وحينئذ لا يلزم مثبتي الرؤية لا رأي المجسمة ولا رأي الاتحادية.

(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (٣٦) [القيامة : ٣٦] أي هملا لا راعي له ، ولا معترض عليه ولا بعث ولا معاد ، وهذا إنكار لنفي البعث فيقتضي إثبات البعث ، وهذا شبيه بقوله ـ عزوجل : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (١١٥) [المؤمنون : ١١٥].

(أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) (٣٧) [القيامة : ٣٧] [٢١٢ ب / م] إلى : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) (٤٠) [القيامة : ٤٠] هذا احتجاج على إمكان البعث ووقوعه بالقياس على النشأة الأولى كما سبق في أول «الحج» وغيره.

__________________

(١) رواه البخاري [١ / ١٦١] ح [٤٠٨] ورواه مسلم [٤٢٤].

٦٦٩

القول في سورة الإنسان

(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) (١) [الإنسان : ١] ، قيل : معناه قد أتى ، وهو ضعيف ، بل معناه : هل تسلمون وجودكم بعد عدمكم أو نقرره عليكم بالبرهان ، ثم قد برهن على ذلك بعد على تقدير منعهم لما ذكر بقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (٢) [الإنسان : ٢] وهو قاطع في ابتداء خلقه بعد أن لم يكن ، وقد سبق الكلام في : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (٢) [الإنسان : ٢] في أول مري. / [٤٣٨ / ل].

(إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (٣) [الإنسان : ٣] إشارة إلى أن الحكمة في خلق الإنسان ابتلاؤه واختباره هل هو يطيع فيثاب أو يعصي فيستحق العقاب؟

فإن قيل : ما مقدار الإنسان حتى يبتلى ويختبر ويخاطب هذا الخطاب العظيم؟ وما فائدة ابتلائه بعد علم الله ـ عزوجل ـ بما سيكون منه؟

قلنا : هذا وراءه أسرار غريبة موضع ذكرها في غير هذا العلم ، والمفزوع إليه هاهنا (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ [وَهُمْ يُسْئَلُونَ]) (٢٣) ، وهو المتصرف بحق ملكه الأكمل.

(إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (٣) [الإنسان : ٣] أي أرشدناه إلى طريق الحق والسلامة ، والسؤال الجواب هاهنا كما قلنا في «ثمود» (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١٧) [فصلت : ١٧] ثم هذه السورة تضمنت إثبات العذاب والنعيم الحسيين.

(عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) (٦) [الإنسان : ٦] قيل : يشرب منها على إبدال بعض الحروف ببعض ، والأشبه أنه من باب التضمين أي : يروى بها ، ضمن يشرب معنى يروى ؛ لأنه أبلغ وأخص من يشرب ، ثم اعتبر حرف التعدية بالفعل المضمن تنبيها عليه ؛ ومثله قول عنترة :

شرب بماء الدحرضين ... (١)

__________________

(١) انظر القاموسي [٨٢٨].

٦٧٠

وقول الآخر :

شربن بماء البحر

البيتين ...

ومنه : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) (٥٩) [الفرقان : ٥٩].

وقوله :

فإن تسألوني بالنساء

البيت ...

أي : ذاكر به وتذاكروني بالنساء.

وقوله :

يضرب بالسيف ونرجو بالفرح ...

أي : يتعلل بالفرح.

وقوله :

سود المحاجر لا يقرأن بالسور

أي : لا يصوتن أو يترنمن بها ، وهو كثير ، وهي قاعدة نافعة يعتصم بها من لزوم الزيادة في أكثر الكلام.

(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) (٧) [الإنسان : ٧] [فيه استحباب الوفاء بالنذر ومدح أهله ؛ لأنه من باب الوفاء بالعقود إما التزام] ابتداء فيحتمل تحريمه للنهي عنه ، ويحتمل جوازه ؛ لأنه عقد وعهد بين العبد وربه ـ عزوجل ـ أشبه الإحرام بالحج ، ويحتمل المنع منه في الأموال دون العبادات ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «النذر / [٢١٣ أ / م] لا يأتي بخير ، وهو إنما يستخرج به من مال البخيل» (١) فدل على أن المنع منه في المال دون غيره :

(إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) (٢٢) [الإنسان : ٢٢] أي صورة جزاء على كسبكم وسعيكم ، وإلا فهو في الحقيقة فضل من الله ـ عزوجل ـ لو لا توفيقه

__________________

(١) رواه البخاري [٦ / ٢٤٣٧] [٦٢٣٤] و [٦٢٣٤ ، ٦٣١٦] ومسلم [١٦٣٩] [١٦٤٠].

٦٧١

لما وصلوا إلى شيء منه ، وهم أعني الأبرار قد اعترفوا بذلك حيث قالوا : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٤٣) [الأعراف : ٤٣] اللهم اهدنا إليك وإلى رضوانك بفضلك المحض ، ولا تكلنا إلى سواك من نفل أو فرض.

(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) (٢٤) [الإنسان : ٢٤] قيل : معناه ولا كفورا ، والمعنى وإن كان عليه إلا أنه ضعيف من جهة أن «أو» تنوب عن واو العطف وحرف النفي ، ونيابة كلمة عن كلمتين غير معهود ، أو هو قليل لا يقاس عليه لمخالفته القياس وتخريجه / [٤٣٩ / ل] على أصله بوجهين :

أحدهما : أن يكون هذا طبق كلام مقدر ، كأنه قيل له : أطع فلانا الآثم ، أو فلانا الكفور ، فقيل : لا تطع منهما آثما أو كفورا.

الثاني : أن يقال : إنما دلت هذه الآية على تخييره في معصية أحدهما ، أي اعص هذا أو هذا ، ودل على وجوب معصيتهما جميعا دليل منفصل لا يقال : نحن نفهم من مجرد هذه الآية وجوب معصيتهما جميعا من غير شعور بدليل منفصل ؛ لأنا نقول : إما من موضوع لفظ بمجرده فلا نسلم أنه يفهم ذلك ، وإلا لما استغرب واحتيج فيه إلى تخريج وتأويل ، وأما فهم ذلك من المعنى عقلا أو عرفا أو شرعا فذلك هو الدليل المنفصل ولكنه ظاهر ، فلظهوره لا ينتبه له.

(إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) (٢٩) [الإنسان : ٢٩] احتج بها المعتزلة ؛ لأنها تقتضي أن الإنسان مخير بحسب مشيئته ، وأجاب الجمهور بالآية بعدها :

(وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) (٣٠) [الإنسان : ٣٠] فمشيئة الإنسان تابعة للمشيئة الإلهية وأثر من آثار القدرة الأزلية ، وحينئذ أكثر ما يقال :

إن فعل الإنسان أثر مشيئته أثر القدرة الإلهية ، وأثر أثر الشيء لذلك الشيء ، ففعل الإنسان أثر القدرة الأزلية وهو المطلوب ، وقد سبق تقرير هذا في مقدمة الكتاب.

(يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (٣١) [الإنسان : ٣١] هذا هو سر القدر ؛ لأنه ـ عزوجل ـ جعل الدخول في الرحمة منوطا بمشيئته ، ولم يعلل

٦٧٢

بتقوى ولا صلاح ولا بغيره ، فدل على أنه إذا أراد الرحمة وفق للصلاح ، فكان الفوز والفلاح ، فالصلاح أمارة الفلاح ، والعلة المؤثرة هي المشيئة [وهكذا في الطرف الآخر الظلم أمارة العذاب ، والعلة المؤثرة هي المشيئة] ، غير أنه ـ عزوجل ـ آثر هاهنا قيام حجته ، فقرن العذاب بوصف الظلم من باب اقتران الحكم بالوصف المناسب ، إقامة للحجة ونفيا للتهمة ، وانتهى تقدير الكلام إلى : إني أرحم هؤلاء بمشيئتي / [٢١٣ ب / م] وعنايتي بهم ، وأعذب هؤلاء لظلمهم المناسب لعقوبتهم مع أن مشيئته هي المؤثرة في ذلك قطعا ، وقد تقدم لنا كلام في سر القدر في مقدمة هذا الكلام وفى الأعراف عند : (فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) (٣٠) [الأعراف : ٣٠] وفي أول سورة «يس» وسورة «المؤمن» ، هاهنا فاجمع بينه ، وتلمحه يظهر لك المقصود من هذا الباب ـ إن شاء الله عزوجل ـ.

* * *

٦٧٣

القول في سورة المرسلات

(فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) (٨) [المرسلات : ٨] أي : ذهب نورها ، (وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ) (٩) [المرسلات : ٩] أي : انشقت ، وفيه دليل / [٤٤٠ / ل] على قبولها للخرق والالتئام ، كما مر ، وأن الأجرام السماوية تقبل التغير والاستحالة عن صفاتها الآن ، خلافا للفلاسفة ، وأصل الخلاف القول في قدم العالم ، وقد سبق.

(وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ) (١٠) [المرسلات : ١٠] إما بتسليط الريح عليها فتنسفها ، أو بتسليط المطر العظيم ثم الشمس العظيمة عليها فتحلها ، كما يشاهد في الجبال الآن ، أو أنه ـ عزوجل ـ إذا قبض الأرض والسماوات في قبضة قدرته ضرب بالجبال فانحلت أجزاؤها ، بدليل : (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) (١٤) [الحاقة : ١٤] أو بغير ذلك من تصرفات القدرة الأزلية التي لا نهاية لمقدورها.

(أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) (٢٠) [المرسلات : ٢٠] الآيات ، احتجاج على البعث الذي دل عليه قوله ـ عزوجل ـ قبل (لِيَوْمِ الْفَصْلِ) (١٣) [المرسلات : ١٣] (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) (٢٣) [المرسلات : ٢٣] إن ثبت للإنسان قدرة يستقل بها ، وإلا فهذا على نحو : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (١٤) [المؤمنون : ١٤] أي على زعم من اعتقد أن ثم قادرا وخالقا غيره ، واعلم أنه لا خلاف أن للإنسان قدرة خلقها الله ـ عزوجل ـ كما خلق ذاته ، لكن الخلاف في أنه هل مستقل بقدرته مفوض إليه أعمال لا مجبر ولا معاوق ، أم لا ، أثبت ذلك القدرية ونفاه الجمهور ، وهو أصل الخلاف ومنشأ الاختلاف.

(هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (٣٦) [المرسلات : ٣٥ ، ٣٦] هذا بعد أن يسألوا ويحاسبوا ، فمن اعترف منهم بما قرر عليه ثبت عليه ما اعترف به ولزمته الحجة ، ومن أنكر ختم على فيه واستشهدت عليه أعضاؤه كما سبق في يس وغيرها ، وإليه الإشارة بقوله ـ عزوجل ـ : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) (١٥) [القيامة : ١٤ ، ١٥] ولو كان عدم الإذن لهم في الاعتذار مطلق

٦٧٤

البتة ، لتناقض مع قوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١١١) [النحل : ١١١] وإنه محال.

(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) (٤٨) [المرسلات : ٤٨] يحتج به على أن الأمر للوجوب الفوري ؛ لأنه ـ عزوجل ـ ذمهم على ترك الركوع وقت أمرهم به ؛ لأن «إذا) ظرفية وقتية فصار التقدير : لا يركعون وقت الأمر لهم بالركوع ، وهو يقتضي ما ذكرناه / [٢١٤ أ / م].

* * *

٦٧٥

القول في سورة عمّ

(وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً (١٤) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (١٦) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً) (١٧) [النبأ : ١٤ ـ ١٧] هذا إثبات للبعث ، ودليله ما قبله من إحياء الأرض بالمطر.

(وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً) (١٩) [النبأ : ١٩] دل على ما سبق من قبولها للخرق.

(لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) (٢٣) [النبأ : ٢٣] يحتج به من يرى أن عذاب أهل النار منقطع ؛ لأن الأحقاب جمع قلة وأكثره عشرة ، / [٤٤١ / ل] والحقب ثمانون سنة فمجموعها ثمان مائة سنة ، وهب أنها من سني الآخرة كل يوم منها بألف سنة أو سبعين ألف سنة كما قيل ، فهي متناهية على كل حال.

وجوابه من وجهين : أحدهما أنه ليس المراد حصر لبثهم في أحقاب ، بل يلبثون أحقابا طعامهم الحميم والغساق لا برد ولا شراب ، ثم ينقلون إلى حالة أخرى من العذاب كذلك أبدا.

الثاني : أن الأحقاب بمعنى الحق جمع كثرة ، ولكنه وضع جمع القلة موضع الكثرة ؛ تنبيها على أن القليل المنقطع من عذاب النار جدير بأن يكون سببا للإيمان والازدجار.

(إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) (٢٧) [النبأ : ٢٧] أي لا يخافونه ، وهو حجة على أن الكفار يحاسبون ، وقد سبقت المسألة في «الحاقة».

(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) (٣٨) [النبأ : ٣٨] قيل : الروح صنف من الملائكة يخفون عن الملائكة كما يخفى الملائكة عن البشر ، وقيل : الروح ملك عظيم يقوم وحده صفّا والملائكة صف.

(ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) (٣٩) [النبأ : ٣٩] مثل (إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) (١٩) [المزمل : ١٩] وقد سبق.

(إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) (٤٠) [النبأ : ٤٠] قد سبق أن القرب معنى إضافي لكنه لا بد واقع.

* * *

٦٧٦

القول في سورة النازعات

(أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) (١١) [النازعات : ١١] إنكار منهم للبعث ، ودليله في أثناء السورة.

(فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) (٢٠) [النازعات : ٢٠] هي العصا.

(أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) (٢٧) [النازعات : ٢٧] إلى (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها) (٣١) [النازعات : ٣١] دليلان على البعث السابق منهم إنكاره ؛ أحدهما في ضمن الآخر.

الأول : قياس إعادتهم على خلق السماوات والأرض ، وهي أولى ؛ لأن خلق السماوات والأرض أعظم.

الثاني : القياس على إحياء الأرض ، وإليه الإشارة بقوله ـ عزوجل ـ : (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها) (٣١) [النازعات : ٣١].

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) (٤٢) [النازعات : ٤٢] سبق في سورة «الأعراف».

* * *

القول في سورة عبس

(أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) (٦) [عبس : ٥ ، ٦] الآيات تعلق بها من لا يعلم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا متعلق لهم فيها ؛ لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما أعرض عن المسلم ، وهو ابن أم مكتوم ، إلى خطاب الكافر حرصا على إسلامه وسعيا في الدعاء إلى الله ـ عزوجل ـ على عادته ، و «الأعمال بالنيات» فهو مجتهد / [٢١٤ ب] في ذلك مصيب ، غير أن الله ـ عزوجل ـ اشتدت عنايته بذلك المسلم حتى عاتب رسوله من أجله ، وذلك أمر غيب ليس إلى الرسول ، ولو علم أن العناية بذلك المسلم شديدة إلى هذا الحد لما اشتغل عنه بخطاب غيره ، والذي تضمنته صدر هذه السورة / [٤٤٢ / ل] ليس تقرير ذنب على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإنما هو عتاب لطيف.

(مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) (١٩) [عبس : ١٩] إلى : (ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) (٢٢)

٦٧٧

[عبس : ٢٢] تضمن المبدأ والمعاد وما بينهما وهو البرزخ.

(كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) (٢٣) [عبس : ٢٣] إشارة إلى الناس يردون القيامة ، وليس فيهم من قام بواجب الأمر الإلهي على ما ينبغي ، فلا بد من تقصير ، وقد ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ما منا أحد يأتي يوم القيامة إلا وله ذنب إلا يحيى بن زكريا».

(فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ) (٣٣) [عبس : ٣٣] أي : الصيحة التي تصمّ الأسماع من نفخ الصور ، وزلزلة الساعة وهو إثبات للبعث ، ودليله قبله وهو (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا) (٢٥) [عبس : ٢٥] إلى آخره وهو قياس إحياء الأرض ، كأنه ـ عزوجل ـ يقول : انظروا إلى طعامكم الذي تأكلون وأنتم دائما له مباشرون ، فإنه إنما يخرج بطريق مساو للبعث ، وإخراج الموتى في الإمكان والمقدورية ، فلما ذا تكذبون به؟.

القول في سورة التكوير

(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (١) [التكوير : ١] إلى (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) (١٤) [التكوير : ١٤] هذه جملة من أحكام اليوم الآخر تضمنها صدر هذه السورة ، ولذلك روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من أراد أن ينظر إلى يوم القيامة رأي عين فليقرأ إذا الشمس كورت» (١).

(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (١٩) [التكوير : ١٩] يتنازعه القائلون بخلق القرآن وقدمه ، كما مر في سورة «الحاقة» ، ثم الرسول هاهنا هل هو جبريل عليه‌السلام أو محمد ـ عليهما الصلاة والسّلام؟ فيه قولان ؛ الأشبه أنه جبريل.

(لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) (٢٨) [التكوير : ٢٨] يحتج بها المعتزلة ، وجوابها بما بعده كما سبق في آخر (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) (١) [الإنسان : ١].

__________________

(١) رواه الترمذي في كتاب التفسير ح [٣٣٣٠] [٩ / ٦٩] وأحمد [٢ / ٢٧] [٤٨٠٦].

٦٧٨

القول في سورة الانفطار

صدرها شبيه بصدر السورة قبلها : (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) (٨) [الانفطار : ٨] يحتج به التناسخية ولا حجة لهم فيه ؛ لأن المراد في أي صورة من الصور الإنسانية طويلا أو قصيرا ، أسود أو أبيض ونحو ذلك جعلك.

(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) (١٢) [الانفطار : ١٠ ـ ١٢] فيه إثبات الحفظة ، وقد سبق القول فيه في «الأنعام».

* * *

القول في سورة المطففين

(يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٦) [المطففين : ٦] فيه إثبات الموقف والحشر.

(كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١٤) [المطففين : ١٤] أي : طمس نور قلوبهم ظلمة ذنوبهم فإذا هم / [٢١٥ أ / م] (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (١٧١) [البقرة : ١٧١].

(كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (١٥) [المطففين : ١٥] يحتج بمنطوقه على أن الكفار لا / [٤٤٣ / ل] يرون الله ـ عزوجل ـ ومقتضى حجبهم عنه ، وبمفهومه على أن المؤمنين يرونه ، وربما ارتفع ذلك عن كونه مفهوما إلى كونه قياس عكس أو عكس نقيض ؛ لأنه إذا ثبت أن الكافر يعاقب بالحجاب ، اقتضى أن المؤمن يثاب برفع الحجاب.

* * *

القول في سورة الانشقاق

صدرها شبيه بصدر سورة «الانفطار» و «التكوير» : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) (٦) [الانشقاق : ٦] إلى (بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) (١٥) [الانشقاق : ١٥] يتعلق بأحكام الآخرة كالحساب وأخذ الكتاب ونحوه.

* * *

٦٧٩

القول في سورة البروج

(إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) (١٣) [البروج : ١٣] إشارة إلى إثبات المعاد قياسا على المبدأ.

(فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (١٦) [البروج : ١٦] يستدل به على عموم تعلق إرادته بالكائنات ، والمعتزلة قالوا : إنما صح ذلك بعد ثبوت أنه مريد لكل كائن وهو فعال لما يريد ، والأولى :

ممنوعة ؛ لأنه إنما يريد الخير لا الشر والمعاصي. وجوابه : أنا نثبت أنه مريد لكل كائن ، لأن المصحح لتعلق إرادته ، بالخيرات والطاعات إنما هو إمكانها ، والإمكان مشترك بين ذلك غيره ، فيكون مريدا لسائر الكائنات الممكنة ، وهو المطلوب ، وفى المسألة بحث.

القول في سورة الطارق

(إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) (٤) [الطارق : ٤] يحتمل إرادة الحفظة ، ويحتمل أن المراد كون الله ـ عزوجل ـ قائما على كل نفس بما كسبت ورقيبا عليها.

(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) (٧) [الطارق : ٥ ـ ٧] وهو قياس المعاد على المبدأ.

* * *

القول في سورة الأعلى

(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (١) [الأعلى : ١] يحتج به من يرى أن الاسم هو المسمى وقد سبق. (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (١) [الأعلى : ١] اختلف هل هو علو محسوس أو معقول؟ فيبنى عليه الخلاف في الجهة.

(ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) (١٣) [الأعلى : ١٣] هما نقيضان لا واسطة بينهما حقيقة ، وإنما يثبت هاهنا مجازا نحو (يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ) (١٧) [إبراهيم : ١٧] أي : ليس بحي حياة ينتفع بها ولا هو بميت فيستريح.

(إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى) (١٨) [الأعلى : ١٨] يعني قضايا هذه السورة

٦٨٠