الإشارات الإلهيّة إلى المباحث الأصوليّة

نجم الدين أبي الربيع سليمان بن عبدالقوي ابن عبدالكريم الطوفي الصرصري الحنبلي

الإشارات الإلهيّة إلى المباحث الأصوليّة

المؤلف:

نجم الدين أبي الربيع سليمان بن عبدالقوي ابن عبدالكريم الطوفي الصرصري الحنبلي


المحقق: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3779-4
الصفحات: ٦٩٦

(قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) (٦٩) [الأنبياء : ٦٩] سلبها قوتها المحرقة ، ثم لو لم يقل : (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) (٦٩) [الأنبياء : ٦٩] لأهلكته ببردها لمبالغتها في امتثال أمر ربها.

(فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ) (٧٩) [الأنبياء : ٧٩] احتج بها من يرى أن كل مجتهد مصيب وغيره / [٢٩٧ / ل] ، أما الأول ؛ فلأنه أثنى عليهما بالعلم ، وأما الثاني ؛ فلأنه خص سليمان بالتفهيم ، ولو كان داود مع ذلك مصيبا لما كان لتخصيص سليمان بالتفهيم معنى.

وصورة المسألة أن غنما لقوم وقعت ليلا في كرم قوم فرعته فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم ، وقضى سليمان بأن تسلم الغنم إلى صاحب الكرم ينتفع بصوفها ولبنها ، ويعمل صاحب الغنم في إصلاح الكرم حتى يعود كما كان يوم رعته ، ولا شك أن هذا أقرب إلى التحقيق والعدل ، لأن الغنم أتلفت فرع الكرم وهو ورقه وأغصانه ونحو ذلك ، فإذا من فروعها صوفا ولبنا ما يقابل ما أتلفت حتى يعاد الكرم إلى حاله يوم أتلفته كان مناسبا ، أما أخذ الغنم أصلا ورأسا بالكرم مع احتمال تفاوتهما في القيمة ، ففيه ما لا يخفى والثناء عليهما بالعلم لا يدل على إصابة داود ، لأنه لم يقل : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ) (٧٩) [الأنبياء : ٧٩] في هذه الواقعة ، وإنما المراد أصاب سليمان وقد كان داود عالما ، ولا يقتضي ذلك إصابته في هذا الحكم بعينه ، ثم إن قولهم : كل مجتهد مصيب ، ليس معناه : أن قول المجتهدين المختلفين مطابق لما في نفس الأمر وإلا لكان الشيء المختلف في تحريمه حراما في نفس الأمر وأنه محال ، وإنما المراد إصابتهما في ظاهر الاجتهاد بحيث يخرجان عن العهدة مع أن للمصيب أجر الإصابة وفضلها والمخطئ حظه في أنه لا يأثم على خطئه وإن أجر على اجتهاده.

وقد استدل بعضهم على أن ليس كل مجتهد مصيبا بأن القائل : ليس كل مجتهد مصيبا إما مصيب أو مخطئ. فإن كان مصيبا صح أنه ليس كل مجتهد مصيبا لمطابقة خبره مخبره وحكمه الواقع ، وإن كان مخطئا ، فقد اختلت كلية دعواه به نفسه ، فليس كل مجتهد مصيبا. (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ) (٧٩) [الأنبياء : ٧٩] قد سبق أن كل شيء يسبح بحمد

٤٤١

ربه ، وأن خلق التسبيح في الجبال ممكن إما بإظهار حياة كامنة فيها ، أو بخلق حياة لم تكن.

(وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ) (٨٥) [الأنبياء : ٨٥] يحتج به على أن الذبيح هو إسماعيل ؛ لأنه حكى عن / [١٤٠ ب / م] الذبيح أنه قال عند إرادة ذبحه : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (١٠٢) [الصافات : ١٠٢] ثم وصفه هاهنا بالصبر الموصوف به هناك ، فكان ظاهرا في أن الصابر هنا هو الصابر هناك.

(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٨٧) [الأنبياء : ٨٧] [حمله بعضهم على ظاهره في نفي القدرة ، وتأوله] الأكثرون على معنى لن نضيق عليه من قوله ـ عزوجل ـ : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) (٧) [الطلاق : ٧] ، (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) (٢٦) [الرعد : ٢٦] أي يضيق ، تنزيها لنبي الله يونس عن أن يعتقد نفي قدرة الله ـ عزوجل ـ عن شيء ، هو أليق بحال الأنبياء ، بل المتعين في حقهم ، إذ لا يجوز أن يكون نبيا من يجهل صفات ربه ، وما يجوز عليهن وما يمتنع.

فأما ذلك النباش الذي قال لبنيه : إذ مت فاحرقوني وذروني في البحر ؛ فإن ربي إن قدر عليّ عذبني ، ثم إن الله ـ عزوجل ـ غفر له فإنه عذره لجهله مع أن ذلك منه أيضا قد تأوله بعض الناس.

(فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ) (٩٠) [الأنبياء : ٩٠] يعني الأنبياء المذكورين في السورة علل فضله عليهم بطاعتهم ومسارعتهم في الخيرات ودعائهم وخشوعهم ، ويحتج به من يرى النبوة مكتسبة بالاستعداد بالعمل الصالح ونحوه ، والمشهور أنها تخصيص من الله ـ عزوجل ـ دائر مع مشيئته لا غير لقوله ـ عزوجل ـ (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ

٤٤٢

يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) (٢٣) [الزمر : ٢٣] والأشبه أن النبوة نعمة مرتبة على طاعة وتزكية اقتضاها التوفيق ، وإلا لجاز أن ينالها الشيطان وأنه بعيد.

(إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) (٩٨) [الأنبياء : ٩٨].

لما نزلت قال عبد الله بن الزبعرى : «يا محمد ، فقد عبدت الملائكة والمسيح أفتراهم حصب جهنم؟! فيقال : إنه نزل : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (١٠١) [الأنبياء : ١٠١] مخصصة للعموم المذكور ، ويقال إنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لابن الزبعرى : «ما أجهلك بلسان قومك ، إنما قال الله ـ عزوجل ـ : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) (٩٨) [الأنبياء : ٩٨] ولم يقل : ومن «تعبدون» يعني أن «ما» لما لا يعقل ، فلا يتناول العقلاء كالملائكة والمسيح وهذا أحسن الجوابين ، ولعلهما اجتمعا بمنع ورود السؤال ثم تسليمه ، وتخصيص العموم.

(لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ) (٩٩) [الأنبياء : ٩٩] أي أن الإله لا يرد النار وهؤلاء المتخذون من دون الله يردون النار ، فالإله ليس هو هؤلاء فهؤلاء ليسوا آلهة.

(لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ) (١٠٠) [الأنبياء : ١٠٠] إن كانت عامة في كل ما عبد من دون الله ـ عزوجل ـ جماد أو غيره ، فهذا يقتضي أن الجماد يخلق فيه حياة يصبح بها / [١٤١ أ / م] منه الزفير في جهنم ، والأشبه أن يختص ذلك بالأحياء من الآلهة.

(يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) (١٠٤) [الأنبياء : ١٠٤] استدلال على الإعادة بالقياس على الابتداء.

(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (١٠٧) [الأنبياء : ١٠٧] تصريح برسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإثباتها بالبرهان في آخر الفتح إن شاء الله ـ عزوجل.

* * *

٤٤٣

القول في سورة الحج

/ [٢٩٦ / ل] (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (١) [الحج : ١] يحتج بها المعتزلة على أن المعدوم شيء ، لأنه سمى الساعة شيئا ، وهي معدومة لم توجد بعد.

وأجيب بأنه إنما سماها شيئا على تقدير وجودها ، أو لتحقيق وجودها في علمه ؛ فنزل المتحتم الوجود منزلة الوجود.

(يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) (٢) [الحج : ٢] نفي السكر حقيقة وإثباته مجاز ، فلا تعارض.

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) (٣) [الحج : ٣] منطوقه ذم الجدل بغير علم ، ومفهومه جواز الجدل حتى في الله ـ عزوجل ـ بعلم.

(كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) (٤) [الحج : ٤] يعني الشيطان يضل وليه بالوسوسة والضلال مخلوق لله ، عزوجل.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (٥) [الحج : ٥] يستدل على جواز البعث بدليلين :

أحدهما : القياس على ابتداء الخلق من نطفة ثم من مضغة ثم من علقة ، والجامع بينهما الإمكان والمقدورية ، ولا أثر للفرق بأن ابتداء الخلق على طريق التنقل في الأطوار لانتقاضه بآدم وحواء لم ينتقلا في الأطوار ولإمكان التزام مثل ذلك في الإعادة بأن تمطر الموتى ، ويجعل في الأرض قوة مربية كما في الرحم وينقلوا في الأطوار ، ثم تنشق الأرض عنهم.

الدليل الثاني : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ

٤٤٤

وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (٥) [الحج : ٥] وهو قياس إخراج الموتى أحياء من الأرض على إخراج الزرع من الأرض ، والجامع الإمكان والمقدورية ، ووجه الشبه أن أجزاء الموتى تتفرق في الأرض كالحب فيها ثم تجمع الأجزاء ، وتخرج بشرا كما ينبت الحب ويخرج زرعا [وقد سبق].

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (٥) [الحج : ٥] ظاهر في أن إخراج الموتى يكون بمطر يمطرونه ، كما حكي أن السماء تمطر مطرا كمني الرجال أربعين يوما ، فتخرج به الموتى نباتا ، ولما ذكر [هذين القياسين] قال : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٦) [الحج : ٦] هذا هو النتيجة أي : كما بدأ الخلق وأحيا الأرض يحيي الموتى ، ثم أحال بذلك على القدرة التامة ، فقال : (وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٦) [الحج : ٦] ، (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) (٧) [الحج : ٧] إثبات للقيامة لمحاسبة الناس ، والعدل فيهم (وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (٧) [الحج : ٧] تأكيد لما تقدم من أنه يحيي الموتى.

(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (١٠) [الحج : ١٠] أي : بما كسبت (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (١٠) [الحج : ١٠] أما على رأي العدلية / [١٤١ ب / م] فظاهر ، وأما على رأي الجمهور فإما باعتبار كسبهم ، أو على تقدير أن لو فوض إليهم لعصوا.

(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (١٠) [الحج : ١٠] استدلال على عدم الإلهية بعدم النفع والضر ، وبقياس العكس أن من ملك النفع والضر مستقلا فهو الإله.

(يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) (١٣) [الحج : ١٣] لأن الصنم يحتاج إلى خدمة في الدنيا على ما / [٣٠٠ / ل] التزمه له الكفار ، وهو سبب العذاب في الآخرة ، فصار ضره محققا ونفعه معدوما.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ

٤٤٥

الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) (١٨) [الحج : ١٨] تضمنت سجود الجمادات كالجبال والنبات والشجر ، والحيوان كالدواب ، والعقلاء كالناس ، ومن في السماء والأرض والعلويات كالشمس والقمر والنجوم ، ومن في السماوات والسفليات كمن في الأرض والجبال ونحوها. وللسجود مسميان : أحدهما لغوي وهو الذل كقول الشاعر :

ترى الأكم فيها سجدا للحوافر

يعني أن الجبال الصغار تذل لحوافر الخيل حين تصعدها.

والثاني : شرعي وهو وضع الجبهة على الأرض تقربا إلى الله ـ عزوجل ـ وعبادة له ، والمشهور أن سجود العقلاء بالمعنى الشرعي لتصوره منهم ، وسجود غيرهم بالمعنى اللغوي لظهور الذل والتسخير والانقياد للقدرة لتصوره منهما دون الشرعي ، ثم يحتج بالآية من أجاز استعمال اللفظ المشترك في مفهوميه جميعا معا ؛ لأن قوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) (١٨) [الحج : ١٨] هو بالنسبة إلى العقلاء شرعي وإلى غيرهم لغوي ، وقد استعمل في مفهوميه معا ، وكذلك (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٥٦) [الأحزاب : ٥٦] إذ الصلاة من الله ـ عزوجل ـ الرحمة ، ومن الملائكة الاستغفار وقد أريدا من لفظ يصلون.

وأجاب المانع لذلك : بأن التقدير تكرار الفعل أي : ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات والأرض ، ويسجد له الشمس والقمر والنجوم ، ويسجد له الجبال وكذلك باقيها ، وكذا : إن الله يصلي على النبي وملائكته يصلون على النبي.

(هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) (١٩) [الحج : ١٩] نزلت في علي وحمزة وعبيدة حين بارزوا يوم بدر عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة ، قال علي : أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي ربي ، ثم تلا هذه الآية ، وتعلقت به الشيعة ، فقالوا : كان علي يوم بدر

٤٤٦

أول مبارز ، وأبو بكر في العريش مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعلي أعظم جهادا ، فليكن أفضل من أبي بكر لقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) (٩٥) [النساء : ٩٥].

وأجيب بأنه يلزمكم مثله ، في النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأن عليا أفضل منه وإنه محال ؛ فإن قيل : / [١٤٢ أ / م] النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كالإمام شأنه أن يقاتل بين يديه ، قيل : وأبو بكر كالوزير شأنه أن يكون مع الإمام.

(وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ) (٢٤) [الحج : ٢٤] هو قولهم في فاطر (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) (٣٤) [فاطر : ٣٤] وهو الكلم الطيب المذكور في «إليه يصعد الكلم الطيب» أو منه فينبغي المحافظة على الحمد خصوصا [بلفظ الآية خصوصا] عند اندفاع البلاء وتجدد النعماء.

(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٤٠) [الحج : ٤٠] احتج بعض النصارى من هذه بوجهين : أحدهما : أنه قدم ذكر الصوامع والبيع ، وهي من شعار النصارى على المساجد التي هي شعار المسلمين ، وذلك يقتضي أن النصارى ودينهم أفضل.

الثاني : أنه وصف الصوامع / [٣٠١ / ل] والبيع بذكر الله فيها كثيرا كالمساجد على جهة المدح ، وهو يقتضي مدح النصارى وصحة عباداتهم وأذكارهم وإلا لما مدحت.

والجواب عن الأول : أن العطف بالواو ، وهى لا تفيد الترتيب ، ثم يلزمهم من قوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (١٧) [الحج : ١٧] أن تكون هذه الطوائف الثلاث أفضل من النصارى لتقديمها عليهم.

٤٤٧

وعن الثاني : أن (يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً) عائدا إلى المساجد لأنها الأقرب دون غيرها ، سلمنا رجوعه إلى الجميع لكنه [محمول على] بيع المؤمنين من النصارى قبل الإسلام مثل بحيرا الراهب وأشباهه ممن قبل وصية المسيح في الإيمان بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنية.

(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٤٦) [الحج : ٤٦] أي بخلق الصوارف عن النظر والاعتبار.

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٥٢) [الحج : ٥٢] فيه مسائل :

الأولى : الفرق بين الرسول والنبي وإلا لم يكن لعطف أحدهما على الآخر معنى ، وليس عطف خاص على عام بل بالعكس ، ثم قيل : الفرق بينهما أن الرسول من له شريعة وكتاب ، وقيل : هو من يوحي إليه يقظة بخلاف النبي فيهما.

الثانية : جواز النسخ ، وقد سبق ، ولقائل أن يقول : المنسوخ هنا ما يلقيه الشيطان فلا يدل على نسخ كلام الرحمن.

الثالثة : جواز فتنة بعض الناس واستدراجهم إلى الضلال بتقدير الأسباب الموجبة لذلك لأنه ـ عزوجل ـ علل إلقاء الشيطان في أمنية النبي ، ونسخ ذلك بفتنة الذين في قلوبهم مرض ، وهو كقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (٥٣) / [١٤٢ ب / م] [الأنعام : ٥٣] كما ذكر في الأنعام.

(وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ) (٦٦) [الحج : ٦٦] فيه إثبات البعث ونظائره عديدة.

(وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) (٦٨) [الحج : ٦٨] لم يؤمر هاهنا بمجادلتهم لعنادهم وشغبهم ، وكذلك ينبغي ترك جدال كل مشاغب ما لم يلزم من تركه مفسدة.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ

٤٤٨

اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) (٧٣) [الحج : ٧٣] فيه الجدال والمناظرة بضرب الأمثال ، وهي بالحقيقة أقيسة جلية إذ قوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) [الحج : ٧٣] إشارة إلى عجز الآلهة وأنها لا تخلق ، فنظمه إذن هكذا : الآلهة التي تدعونها عاجزة لا تخلق شيئا ، والله ـ عزوجل ـ وهو قياس في الشكل الثاني.

(اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (٧٥) [الحج : ٧٥] هذا جواب من يقدح في الرسل بقوله : (بَشَرٌ مِثْلُنا) / [٣٠٢ / ل] فليس أولى بالرسالة منا إذا يلزم الترجيح بلا مرجح.

وجوابه : أن إرسال من الناس والملائكة مستند إلى اختيار الله ـ عزوجل ـ فهو المرجح ، فلا يلزم ما ذكرتم.

وربما استدل بهذه من رأى تفضيل الملائكة رسلا وأمما على غيرهم لتقديمهم في الذكر وفيه ما عرف.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) [الحج : ٧٧] خاص (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) [الحج : ٧٧] أعم منه (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٧٧) [الحج : ٧٧] أعم منه فهو من باب عطف الأعم على الأخص وقد سبق.

* * *

٤٤٩

القول في سورة المؤمنون

قوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (٤) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) (٥) [المؤمنون : ٢ ـ ٥] يحتج به المعتزلة في إضافة الأفعال إلى الناس وجوابه أن ذلك من جهة الكسب ، أو كونهم محلها كما يقال : تدحرج الحجر وتحرك الشجر ، والمحرك له غيره.

(إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) (٦) [المؤمنون : ٦] الآيتين : [يحتج به الجمهور] على تحريم المتعة ، لأن ذات المتعة لا ملك يمين بإجماع ، ولا هي زوجة لعدم التوارث بينهما فتكون داخلة في حد العدوان ، وأجاب القائلون بالمتعة بأن (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) (٧) [المؤمنون : ٧] عام خص بالمتعة بما سبق من دليلها ، كما خص (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) (٢٤) [النساء : ٢٤] بتحريم نكاح الأخت والعمة ونحوهما ، والاستدلال بعدم الإرث منقوض بالزوجة الذمية لا ترث مع أنها زوجة بإجماع.

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ) (١٣) [المؤمنون : ١٢ ، ١٣] الإنسان هاهنا مطلق بالاستخدام على آدم وذريته ، فآدم خلق من سلالة من طين وذريته جعلوا نطفة في قرار مكين.

(ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (١٤) [المؤمنون : ١٤] يحتج به القدرية ؛ لأنه / [١٤٣ أ / م] أثبت خالقين هو أحسنهم ، ولا خالق للأعيان سواه ، فتعين أن الخالقين للأفعال وهم الناس يخلقون أفعالهم.

وأجيب بأن هذا خرج على اعتقاد الخصم المعتقد أن ثم خالقين ، أو على جهة التنزل أي على تسليم أن هناك خالقين فالله ـ عزوجل ـ هو أحسنهم وأحكمهم ، فيجب

٤٥٠

ترجيحه بذلك فيتعين للعبادة دون غيره.

(ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) (١٦) [المؤمنون : ١٥ ، ١٦] فيه إثبات البعث ، يقال هاهنا : [لم أكد] الموت مع الإجماع عليه دون البعث مع الاختلاف فيه ، [وقد كان العكس أنسب؟!].

وأجيب بوجوه : أحدها : أن (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) (١٦) [المؤمنون : ١٦] فعل و «ميتون» اسم فاعل ودلالته على المصدر الذي هو الموت بواسطة الفعل ، فاحتاج إلى تقويته بلام التأكيد ، بخلاف يبعثون فإن قوة دلالته بنفسه على البعث أغناه عن التأكيد / [٣٠٣ / ل].

الوجه الثاني : أن هذا الكلام مع من ينكر الموت كالتناسخية القائلين بانتقال الروح من حيوان إلى غيره ، فاحتيج إلى تأكيد وقوعه في إخبارهم به.

الوجه الثالث : أن ترك تأكيد البعث إشارة إلى أنه لقوته في نفسه كالمجمع عليه الغني عن التأكيد.

الوجه الرابع : أن المخاطب بالبعث إما مصدق للرسول المخبر به فلا حاجة له إلى التأكيد ، أو مكذب له فلا يفيد معه التأكيد ، فسقط التأكيد لسقوط فائدته في هذا المكان.

(فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) (٢٤) [المؤمنون : ٢٤] هذا قدح في النبوة بلزوم الترجيح من غير مرجح ، وقد سبق جوابه في غير موضع.

(فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٢٨) [المؤمنون : ٢٨] استشهد به أبو عبد الله بن حامد على الاستواء على العرش استقرار كاستواء راكب الفلك عليها ، وقد رد عليه ذلك لاستلزامه التجسيم].

(وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) (٢٩) [المؤمنون : ٢٩] فأنزل الله ـ عزوجل ـ نوحا أرض الجزيرة وهى الموصل وما حولها ، فصارت البلاد المنصوص على بركتها أرض مصر لما مر في الأعراف ، وما حول المسجد الأقصى لما ذكر في سبحان ، وأرض الجزيرة لهذه الآية وهى تعد من مناقب الجزيرة.

[قال بعض العلماء المحققين ـ رضي الله عنهم ـ] : وأخبرني بعض المشايخ الصلحاء أنه صعد إلى جبل الجودي فوجد مسمارا كبيرا من مسامير سفينة نوح ، وهو إذا فرك تناثرت

٤٥١

أجزاؤه لاستيلاء البلى عليه لطول العهد واستمرار الدهر ، وأنه جعله في صندوق لأجل البركة ، فلم يزل عنده حتى فقد في غزاة قازان للشام عام سبعمائة أو نحوه للهجرة المحمدية صلوات الله على / [١٤٣ ب / م] من نسبت إليه.

(إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (٣٧) [المؤمنون : ٣٧] قد سبقت شبهة منكري البعث وجوابها في النحل وهي قولهم هاهنا : (قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٨٣) [المؤمنون : ٨٢ ـ ٨٣] قوله عزوجل : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (٩١) [المؤمنون : ٩١] هذا من براهين التوحيد المشهورة ، وتقريره : لو كان مع الله إله آخر لكان كل منهما خالقا لبعض العالم ، ثم لانحاز كل منهما بما خلق ثم طلب العلو على صاحبه ، ويلزم الاختلاف المستلزم لفساد العالم وإنه محال كما مر ، لا يقال : لا نسلم أنه يلزم أن كلا منهما يكون خالقا لبعض العالم ، بل كلاهما خالق لجميع العالم لأنا نقول : يلزم توارد العلتين المستقلتين على معلول واحد وإنه محال.

(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) (١٠١) [المؤمنون : ١٠١] الآيات تضمنت نفخ الصور ووزن الأعمال وعذاب النار وتقريع أهلها.

(أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) (١٠٥) [المؤمنون : ١٠٥] يحتج به المعتزلة لإضافة التكذيب إليهم.

(قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ) (١٠٦) [المؤمنون : ١٠٦] يحتج به الجبرية ونحوهم ، إذ معناه : غلبتنا أقدارك وما خلقته / [٣٠٤ / ل] فينا من دواعي الكفر والصوارف عن الإيمان فلم نستطع هداية فضلنا.

(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) (١١٦) [المؤمنون : ١١٥ ـ ١١٦] أي عن العبث وكل نقص ، العبث هو الفعل الخالي عن غاية معتبرة عقلا أو شرعا ، ومثل هذا

٤٥٢

العالم لا يكون غايته مجرد وجوده ثم عدمه بالكلية ؛ لأن مثل هذه الغاية تقصر عن مثل هذا الفعل العظيم ؛ فإذن للعالم غاية عظمى أعظم من مجرد وجوده ، وما ذاك إلا إعادته ثم إظهار أسرار الوجود فيه.

وقد قرر هذا المعنى بوجهين : أحدهما : أن العالم ما بين مطيع يناسبه الثواب وعاص يناسبه العقاب ، وهذه الدار لا تصلح لثواب المطيع ولا لعقاب العاصي ؛ إذ لذاتها التي ارتبطت بها عقول الناس إنما هي دفع آلام لا لذات في الحقيقة كالأكل والشرب والنكاح إنما هي رفع ألم الجوع والعطش والشبق ، وحينئذ يجب عقلا أن يكون للناس دار ينالون فيها ثواب طاعاتهم ، وينالهم عقاب معاصيهم لذات وآلام حقيقية ، وهي الدار الآخرة وإليه الإشارة بقوله ـ عزوجل ـ : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) (١٨٥) [آل عمران : ١٨٥].

الوجه الثاني : أن في الناس ظالما / [١٤٤ أ / م] ومظلوما ، والظالم يناسبه العقاب على ظلمه عقلا ، ثم نرى كثيرا من الظالمين يخرج من الدنيا سالما موقرا لم تصبه قارعة ولم ترزأه رزية ، فدل على أن هناك دارا يستوفى منه فيها جزاء ظلمه ، وإليه الإشارة بما حكي عن ابن عباس أنه رأى جنازة ، فقال : من هذا؟ قيل : فلان ، لرجل ظالم لم يصب في حياته بمكروه ، فقال ابن عباس : الله أكبر أشهد أن للناس معادا يؤخذ فيه للمظلوم من الظالم ، من الظالم ، أو كما قال.

(وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) (١١٧) [المؤمنون : ١١٧] ليس المراد أن ثم إلها آخر عليه برهان ، بل المراد أن إثبات آخر لا برهان عليه ، فمن ادعاه والحالة هذه فهو كافر تقليدا أو عنادا ، وحسابه عند ربه ـ عزوجل ـ ثم إنه لا يفلح.

* * *

٤٥٣

القول في سورة النور

(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢) [النور : ٢] عام خص بالمكره ومن ليس بمكلف ونحوهم.

(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥) [النور : ٤ ، ٥] هذا استثناء تقدمه جمل تصلح لرجوعه إليها ، وفيه وفي نظائره أقوال :

أحدها : يرجع إلى جميعها إلا لمانع ، وهو مذهب الشافعي وأحمد.

والثاني : يختص بالأخيرة فقط لقربها وحصول المقصود ، وهو تعليق الاستثناء بها ، وهو قول أبي حنفية / [٣٠٥ / ل].

والثالث : أن رجوعه إلى الجميع وإلى الأخيرة وقد استعمل فهو مشترك بين الأمرين ، فالوقف على مرجح واجب ، وهو قول القاضي أبي بكر.

والرابع : الوقف لتردد الحال بينهما ، وهو قول الشريف المرتضى من الشيعة ، فهو وقف ترددي وما قبله اشتراكي ، وعلى هذا فاتفقوا في هذه الآية على أن القاذف إذا تاب لا يسقط الجلد عنه ؛ لأنه حق آدمي كالدين وعلى أن فسقه يزول ، واختلفوا في قبول شهادته فقبلها الشافعي وأحمد ردا لحكم الاستثناء إليها لصلاحيته لذلك من غير مانع بخلاف الجلد ؛ إذ كونه آدميّا مانعا من السقوط ، ولم يقبلها أبو حنيفة لاختصاص الاستثناء بزوال الفسق ، فلم يتعد إلى قبول الشهادة ، ووجهوه بأن استمرار رد شهادته عقوبة على جنايته فلم ترتفع كالجلد ، ولا يلزم من زوال الفسق قبول الشهادة ؛ لأنها قد ترد لمانع كشهادة الوالد لولده وعكسه والرجل على عدوه ونحوه ، ردت شهادتهم للمانع الخاص مع ثبوت العدالة ، فحاصله : أن قبول / [١٤٤ ب / م] الشهادة هل يلحق بالجلد في استمراره أو بالفسق في زواله وهو أشبه ؛ لأن الظاهر أن المراد بهما شيء واحد ، وإنما عبر تارة باللازم ، وهو رد الشهادة وتارة بالملزوم ، وهو الفسق تعظيما للقضية وتقبيحا لها ، كما يقال : الذي يسرق فأقم عليه حده واقطعه ونكل به ، واحرمه الانتفاع بجارحته وكف عاديته عن الناس والكل واحد.

٤٥٤

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢١) [النور : ٢١] أي : لاتبعتم الشيطان وخطواته فلم يزك منكم أحد ، فاقتضى أن العصمة من الشيطان بفضله ، والوصمة بوساوس الشيطان ومكايده بقدر الله ـ عزوجل ـ وعدله ، ويحتج به الجمهور (وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢١) [النور : ٢١] يؤكد ذلك لاختصاص التزكية بمن شاء.

(وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٢) [النور : ٢٢] احتج بها الجمهور على فضل أبي بكر لأنها نزلت فيه ؛ إذ ترك الإنفاق على مسطح وقد وصف فيها بأنه من أولي الفضل [أي والله الذي لا إله إلا هو أنه من أولي الفضل أعظم أولي الفضل من هذه الأمة ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ] وأجابت الشيعة [لعنهم الله] بأن المراد فضل المال وكثرته بدليل اقترانه بالسعة لا الفضل الذي هو الكمال وضد النقص ، لكن يحتج بها الجمهور من موضع ـ آخر وهو قوله ـ عزوجل ـ : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٢) [النور : ٢٢] وهو يدل على أنه مغفور له.

(الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (٢٦) [النور : ٢٦] هذا مع قوله في أول القصة (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١١) [النور : ١١] وما بينهما يحتج به الجمهور على براءة عائشة رضوان الله عليها / [٣٠٦ / ل] مما رميت به ، والأحاديث الصحيحة دلت على ذلك حتى قال بعض الحنفية بكفر من قذف عائشة لمخالفته القاطع دون غيرها.

(وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ

٤٥٥

إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٣١) [النور : ٣١] فيه مسألتان : إحداهما وجوب التوبة على كل مؤمن ، لأنها مأمور بها والأمر للوجوب ، ولأن المؤمن لكونه غير معصوم لا يخلو من ذنب يوجب التوبة ، كيف وإن أكثر أحواله ذنوب إلا من وفق.

الثانية : احتج بها من رأى التوبة من الأعمال الصالحة ، وزعم أن ذلك شأن الأبرار والمقربين ، وتقرير حجته أن المخاطب بالتوبة هم المؤمنون ولا تتجه توبة المؤمن إلا من العمل الصالح ، وهذا ضعيف ، وإنما يصح لو كان المؤمن معصوما من المعاصي أما وهو غير معصوم فتتجه توبته من معاص تقع منه ، نعم لو احتج بأن الآفات المفسدة للأعمال كالرياء والعجب ونحوهما خفية عن المؤمن غالبة عليه جدا ؛ فالظاهر أن عمله لا يسلم منها ، ثم إن القسمة العقلية / [١٤٥ أ / م] تقتضي أن العمل إما أن يقطع بسلامته من المفسدات ، أو بفساده بها ، أو يتردد فيه بين الأمرين ، والعلم بسلامة العمل عزيز نادر أو متعذر في العادة ، فصار الغالب في العمل إما القطع بفساده أو التردد فيه ، فوجب الاستغفار والتوبة منه بناء على الغالب ؛ لأن الطاعة إذا فسدت صارت معصية كالعصير إذا فسد صار خمرا ، وصار الجهل بسلامة العمل كالقطع بفساده فتجب التوبة كما قيل في باب الربا : الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل ، فيجب اجتناب المعاملة فيه ـ لكن هذا تقرير جيد غير خارج عن قواعد الشرع والنظر وهذا المذهب يعزى إلى المحققين من أهل الطريق ، ويرجع إلى أن حسنات الأبرار سيئات المقربين ، فالعارف المقرب يرى الحسنات بالإضافة إلى غيره سيئات بالإضافة إليه فيتوب منها.

واحتج الآخرون بأن التوبة هي الندم على الفعل والعزم على تركه ، والطاعات لا يجوز الندم على فعلها ولا العزم على تركها فالتوبة منها لا تجوز.

والجواب : أن هذا خارج عن محل النزاع ، لأن الطاعة التي يقطع بصحتها وسلامتها من مفسد لا تجب التوبة منها ، وإنما تجب التوبة من الطاعة لا من حيث هي طاعة ، بل من حيث

٤٥٦

اشتملت غالبا على معصية كالرياء ونحوه من المفسدات ، وهذا كمن اشترى دراهم أو سلعة مغشوشة وجب له ردها على صاحبها لا من حيث هي فضة بل من حيث هي مغشوشة ، فينبغي للإنسان أن يتوب بهذا الاعتبار من جميع أفعاله احتياطا ، ولا يعول / [٣٠٧ / ل] منها على شيء ، ولا يلقى الله ـ عزوجل ـ إلا فقيرا إلى رحمته غير ملتفت إلى غيرها ، أما توبته من المعاصي فلقبحها ، وأما من الطاعات فلعدم القطع بسلامتها لغلبة المفسدات الخفية والظاهرة عليها ، ولا يلتفت إلى إنكار الظاهريين لهذا فإنه مقام نظري لم يصلوا إليه.

(وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣٣) [النور : ٣٣] هذا عطف واجب على مندوب ؛ إذ الكتابة ندب والإيتاء فيها واجب.

(وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣٣) [النور : ٣٣] يحتج به من لم ير المفهوم حجة ؛ لأن مفهوم هذا : إن لم يردن تحصنا فأكرهوهن على البغاء وليس الحكم كذلك.

وأجيب بأن هذا المفهوم لا يتصور ، فبطلانه لعدم تصوره ، لا لأن المفهوم ليس حجة ، وبيانه أن الإكراه إنما يكون على خلاف الإرادة والاختيار ، فالأمة إذا أرادت التحصن صح إكراهها على الزنا ، أما إذا لم ترد التحصن وأرادت الزنا فلا يصح إكراهها عليه ؛ لأن الإكراه / [١٤٥ ب / م] حينئذ على وفق مرادها ، فهو تحصيل الحاصل ، وهذا كما إذا امتنع الإنسان من دخول الدار صح أن يدفع في قفاه أو يلبب ويجر ليدخلها ، أما إذا دخلها مختارا فلا يصح ذلك منه وكان تحصيل الحاصل.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٣٩) [النور : ٣٩] فيه أن الكفر لا يزكو معه عمل ولا تنفع معه حسنة ، وأخذ بقياس عكسه قوم ، فقالوا : الإيمان لا تضر معه سيئة فأرجئوا العمل وأبطلوا الوعيد عن العصاة وهم المرجئة ، وليس كذلك.

٤٥٧

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) (٤١) [النور : ٤١] هو من باب (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) (٤٤) [الإسراء : ٤٤] واحتج به من قال بأن من أعتق طائرا زال ملكه عنه ؛ لأنه مصل مسبح بهذا النص فصح عتقه كالآدمي ، ويعترض عليه بأن الصلاة والتسبيح ليست متحدة فيهما بالحقيقة فلم يتحد جامع القياس فلا يصح.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) (٤٣) [النور : ٤٣] اختلف في كاد فقيل : هي كسائر الأفعال نفيها نفي وإثباتها إثبات ، وقيل عكسه : نفيها إثبات وإثباتها نفي ، فكاد زيد يقوم معناه ما قام ، ولم يكد زيد يقوم معناه قام ، والصحيح الأول ؛ لأن كاد معناها مقاربة الفعل فإذا دخل عليها نفي انتفت مقاربة الفعل ، فانتفاء نفس الفعل أولى إلا بدليل يثبته ، وفى الإثبات يثبت مقاربة الفعل ويبقى نفس الفعل على استصحاب النفي إلا بدليل يثبته ، فقولنا : كاد زيد يقوم أي قارب القيام أما كونه قام فالأصل عدمه إلا أن يثبت بدليل ، وقولنا / [٣٠٨ / ل] : ما كاد زيد يقوم ، أي : ما قارب القيام ، فانتفاء القيام بنفسه أولى إلا أن يثبت بدليل ؛ فههنا (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) (٤٣) [النور : ٤٣] إثبات لمقاربة ذهاب البصر فنفس ذهابه على أصل العدم ولا دليل عليه ثبته ، أما (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (٤٠) [النور : ٤٠] فمعناه : لم يقارب رؤيتها فانتفاء رؤيتها أولى ، لكن ثبت رؤيتها بدليل العادة أن اليد لقربها ترى على كل حال ، فهذه قاعدة كاد وحاصلها أن كاد لمقاربة الفعل وهو من لوازم الفعل ، وانتفاء اللازم يوجب انتفاء الملزوم ، وثبوته لا يقتضي ثبوته إلا لدليل منفصل فيهما وقد تبين ذلك ، وهذه القاعدة مطردة في كاد حيث وقعت ، وعليها يتخرج قول ذي الرمة :

٤٥٨

إذا أغير النأي المحبين لم يكد

رسيس الهوى من حب مية يبرح

أي لم يقارب البراح ، وإذا انتفت مقاربة البراح فانتفاء نفس البراح الذي هو ملزوم مقاربته المنفية أولى ، وبهذا يتبين خطأ ابن شبرمة في اعتراضه على ذي الرمة حيث قال له : أراه قد برح ، وخطأ ذي الرمة حيث يرجع إلى ابن شبرمة وغير «يكد» «أجد» ما استدرك عليهما / [١٤٦ أ / م] أبو البختري ، والأشبه أن الوهم إنما هو من ابن شبرمة وحده ، فأما ذو الرمة فإنما رجع إليه ؛ لأنه لما رأى المكان موضع وهم يهم فيه مثل ابن شبرمة مع فضله وأدبه أراد رفع الاستدراك عن كلامه ، والوهم فيه بالكلية وتخلصه عن شوائب الاستدراكات والأوهام هذا عذر ذي الرمة.

(وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤٥) [النور : ٤٥] عام ، واعترض عليه بعض النصارى بأن العقرب ونحوها من الحشرات مخلوقة من التراب لا من الماء وجوابه من وجوه.

أحدها : منع أن التراب المحض يتكون منه حيوان أصلا.

الثاني : أنه ليس المراد بتكوين الدواب من الماء البسيط الذي هو أحد العناصر الأربعة بل من الماء المستل من الأبوين وهو النطفة والعقارب تتناسل كغيرها.

الثالث : أن المراد بخلقها من ماء أن بدنها لا يتقوم إلّا برطوبة مائية ، وهذا لازم في كل حيوان.

الرابع : هب أن ما ذكرته صحيح لا جواب عنه فيكون الكلام عاما مخصوصا بالعقرب ونحوها ، أو عاما أريد به الخاص ، وذلك لا يعد تعارضا ولا تناقضا ولا خلفا من القول ولا يقدح في القرآن ، ولا في غيره ، من الكلام بوجه.

وأما تناقض إنجيلهم فقد قررنا منه شيئا كثيرا في كتاب مستقل.

(لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٤٦) [النور : ٤٦] يحتج به الجمهور في تعليق الهداية / [٣٠٩ / ل] بالمشيئة وجودا وعدما ، وأما الآيات فالمقصود بها إقامة الحجة بالكشف عن طريق المحجة لا غير ، أما أنها تهدي الهداية المخلصة فلا وإنما هي مرشدة.

(قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ

٤٥٩

ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٥٤) [النور : ٥٤] هذا وعيدي محكم نحو : (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٤١) [يونس : ٤١] وليس بمنسوخ.

(أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٥٥) [النور : ٥٥] يحتج بها الجمهور على صحة خلافة الأشياخ الثلاثة قبل علي ، وتقريره : أن الله ـ عزوجل ـ وعد مؤمني هذه الأمة بالاستخلاف في الأرض وتمكين الدين وتبديل خوفهم بالأمن ، ووعد الله ـ عزوجل ـ واقع لا محالة ، ثم لا يخلو أن يكون المراد بالذين آمنوا المستخلفين في الأرض عليا وحده ، أو عموم مؤمني الأمة ، أو عموم خلفائها ، أو الأشياخ الثلاثة الخصوص وليس المراد عليا وحده ؛ لأن الوعد للذين آمنوا ، وعلي وحده ليس جمعا ولا يصح التعبير عنه بلفظ الجمع إلا مجازا من باب العام أريد به الخاص ولا ضرورة إليه ، سلمنا أنه المراد لكن الآية تضمنت أن استخلافه كاستخلاف من قبله ، الذين قبله الأشياخ الثلاثة ، فيلزم صحة استخلافهم [كصحة استخلافه] تحقيقا للتشبيه ، وإلا لزم بطلان استخلافه تحقيقا للشبيه أيضا وإنه باطل / [١٤٦ ب / م] باتفاق ولا يجوز أن يكون المراد عموم مؤمني الأمة إذ لم يستخلف كل واحد منهم ولا حاجة إلى ذلك ؛ إذ الخلفاء رعاة وواحد من كل عصر يكفي ، فتعين أن المراد إما الأشياخ الثلاثة على الخصوص فيحصل المقصود ، أو عموم خلفاء الأمة فيحصل أيضا لاندراج الأشباح الثلاثة تحت عموم الخلفاء ، هذا أحسن ما قرر به الدليل من هذه الآية.

واعترضت الشيعة [أبعدهم الله] بأن قالوا : لا نسلم أن الاستخلاف هاهنا من الخلافة التي هي الإمامة والسلطنة ، وإنما هو من الخلف المقابل للسلف ، وقولهم : خلف فلان فلانا على زوجته أو ماله ونحوه ، وحينئذ لا دلالة في الآية على ما ذكرتم أصلا ، ويكون الخطاب لجميع الأمة أنهم يخلفون من تقدمهم من الأمم في الأرض كما قال عزوجل : (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (١٤) [يونس : ١٤] وقد أنجز الله ـ عزوجل ـ وعده بأن جعل هذه الأمة خلفاء في الأرض عمن قبلها من الأمم ولا تعرض في ذلك للخلافة والإمرة أصلا ، سلمنا ذلك لكن الموعود باستخلافه هو المهدي عند نزول عيسى ، يمكن الله له الدين بعد اضطرابه بالدجال ، ويبدل به الخوف أمنا والجور عدلا ، أما في أول الإسلام فتمكين الدين / [٣١٠ / ل] وتبديل الخوف حصل

٤٦٠