بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٦

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٦

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: عبدالعليم الطحاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٨

٢٤ ـ بصيرة

فى ذكر عزيز عليه‌السلام

وعزير (١) اسم عبرانىّ على زنة فعيل وليس بتصغير شيء ، بل هكذا موضوع ، وفى لغتهم لهذا الاسم اشتقاقات كثيرة نحو : عازر ، وعيزر ، وعيزار ، وعزير ، وعازوراء. وكان عزير من أنبياء بنى إسرائيل ، وكان فى زمن بخت نصّر فهرب منه وساح ، فمرّ على بيت المقدس وكان بخت نصّر قد خرّبه ، فتعجّب من خرابه ، وجرى على لسانه أنّى يحيى هذه الله بعد موتها ، فقبض الله تعالى روحه على سبيل التأديب والتّهذيب ، وأحياه بعد مائة سنة على ما هو مذكور فى القرآن والقصص ، ثمّ صارت حياته بعد موته سببا لضلال قوم جهّال حتى سمّوه ابن الله ، كما قال تعالى (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ)(٢) وفى الأثر : «أوحى الله تعالى إلى عزير إذا عصانى من عرفنى سلّطت عليه من لا يعرفنى». قال :

تأهّب للمنيّة وانو خيرا

فليس الله يأخذ فيك غيرا

فإنّ الله يحيى كلّ شخص

كما أحيا بقدرته عزيرا

__________________

(١) ينصرف لخفته ، وإن كان أعجميا ، مثل نوح ولوط لأنه تصغير عزر

(٢) الآية ٣٠ سورة التوبة

٨١

٢٥ ـ بصيرة

فى ذكر طالوت

وهو اسم أعجمىّ (١) لقّب به ، وكان اسمه فى الأصل سارا (٢) وقيل ساوا ، فقيل له : طالوت لطول قامته. ومعنى طالوت فى اللّغة العبرية طويل. وكان ملك بنى إسرائيل ، وكان صفّى أشمويل (٣) وخاصّته ، وخصّه الله تعالى بزيادة بسطة فى العلم والجسم. وبسببه انتقل تابوت آدم الّذى كان ميراث إسرائيل وإسماعيل من العمالقة إلى بنى إسرائيل.

وأجرى الله تعالى نهر الأردنّ بسبب تجربة قومه وابتلائهم ، وأهلك الله جالوت الجبّار وثلاثمائة وثلاثة عشر نفرا من أصحابه ، وأعدمهم بالقتل والقهر على يدى داود نصرة لطالوت.

وذكره الله تعالى فى موضعين من كتابه العزيز : قال تعالى (إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً)(٤) ، ثم قال لإظهار كرامته : (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ)(٥) ، ثم قال بيانا لخاتمة أمره وأمر المؤمنين ونصرهم ، وخاتمة أمر أعدائه من الكافرين وهزيمتهم وقهرهم : (وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ)(٦).

__________________

(١) جعله بعضهم مقلوبا من الطول ، وهو تعسف يرده منع صرفه للعلمية والعجمة.

(٢) كذا فى ا ، ب : وفى قصص الأنبياء للثعلبى (ط الشرفية) واسمه بالسريانية سادل ، وبالعبرانية شاول بن قيش ، وفى نهاية الأرب عن نسخة قصص الأنبياء المخطوطة (شازك) بالزاى المعجمة والكاف (ج ١٤ هامش ص ٣٦) ، وفى متن نهاية الأرب ج ١٤ / ٣٦ شارك بالراء المهملة ، وفى العهد القديم (صموئيل. إصحاح ١٤ و ١٥) : شاول بن قيس.

(٣) فى تاريخ الطبرى (٥٤٧ وما بعدها): «أشمويل» و «شمويل». وفى العهد القديم ٤٣٦ (صموئيل).

(٤) الآية ٢٤٧ سورة البقرة

(٥) الآية ٢٤٩ سورة البقرة

(٦) الآيتان : ٢٥٠ و ٢٥١ سورة البقرة

٨٢

٢٦ ـ بصيرة

فى ذكر داود عليه‌السلام

وداود اسم أعجمىّ ممنوع من الصّرف ، وقيل : داود معناه قصير العمر ، وكان داود أقصر الأنبياء عمرا ، وقيل : معناه داوى جرحه بودّ. وقيل : إنّما سمّى داود لأنّه داوى الذّنوب بودّه الودود ، وقيل داوى ذنبه وودّ ربّه. وهو أبو سليمان / داود بن إيشا (١) بهمزة مكسورة ومثنّاة تحتيّة ساكنة بعدها شين معجمة وألف. وقد تظاهرت الآيات والأحاديث الصّحيحة على عظم فضل الله تعالى عليه ، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ)(٢) وقال تعالى : (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ)(٣) الآيات ، وقال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ)(٤). وقال تعالى : (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ)(٥) الآية ، وقال تعالى : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً)(٦) ، وقال تعالى : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ)(٧) الآيات ، وقال تعالى : (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ)(٨) وقال تعالى : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ)(٩) وقال تعالى : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً)(١٠) ، (كُلًّا هَدَيْنا) إلى قوله (داوُدَ)(١١) ، وقال تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ)(١٢) ، (إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ)(١٣) ، (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ)(١٤). وفى الأثر «إنّ داود كان يقول فى مناجاته : إلهى أتيت أطباء عبادك ليداوونى

__________________

(١) وكذا فى الطبرى (٥٦١ : ق / ١) وفى العهد القديم (يسى) بفتح الياء والسين المهملة المشددة.

(٢) الآية ١٥ سورة النمل

(٣) الآية ٧٨ سورة الأنبياء

(٤) الآية ١٠ سورة سبأ

(٥) الآيتان : ٢٥ و ٢٦ سورة ص

(٦) الآية ٥٥ سورة الإسراء

(٧) الآية ٨٤ سورة الأنعام

(٨) الآية ٢٥١ سورة البقرة.

(٩) الآيات : ١٧ ـ ٢٠ سورة ص

(١٠) الآية ١٣ سورة سبأ

(١١) الآية ٨٤ سورة الأنعام

(١٢) الآية ١٦ سورة النمل

(١٣) الآية ٢٢ سورة ص

(١٤) الآية ٢٤ سورة ص

٨٣

وكلّهم عليك دلّونى» (١). وفى الصّحيحين : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أحبّ الصّيام إلى الله صيام داود ، كان يصوم يوما ويفطر يوما ، وأحبّ الصّلاة إلى الله صلاة داود ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه ، وينام سدسه» (٢) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبى موسى الأشعرىّ : «لو رأيتنى وأنا أستمع لقراءتك البارحة لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود» (٣). وعند البخارىّ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خفّف على داود القرآن فكان يأمر بدوابّه أن تسرج فيقرأه قبل أن تسرج دوابّه ، وكان لا يأكل إلّا من عمل يديه» (٤) ، المراد بالآن الزّبور. وعن أبى الدّرداء يرفعه : «كان من دعاء داود اللهم إنّي أسألك حبّك وحبّ من يحبّك ، والعمل الّذى يبلّغنى حبّك ، اللهمّ اجعل حبّك أحبّ إلىّ من نفسى وأهلى ومن الماء البارد» (٥). وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا ذكر داود قال : «كان أعبد البشر» (٦) حسّنه الترمذىّ. وعن الفضيل بن عياض قال : قال داود : إلهى كن لابنى سليمان كما كنت لى ، يكن لك كما كنت لك.

قال العلماء : لمّا استشهد طالوت أعطت بنو إسرائيل داود خزائن طالوت وملّكوه على أنفسهم ، وذلك بعد قتل جالوت بسبع سنين ، ولم يجتمع بنو إسرائيل [بعد يوشع ابن نون](٧) على ملك إلّا داود.

قال كعب بن منبّه : كان داود أحمر الوجه سبط الرأس ، أبيض الجسم ، طويل اللّحية ، فيها جعودة ، حسن الصوت والخلق ، طاهر القلب. وقال : وممّا أعطى من الفضائل والخصائص الزّبور وحسن الصّوت ، فلم يعط أحد مثل صوته. وحكى من آثار صوته أشياء عجيبة حتّى إنّ وحوش الصّحراء وطيور الهواء وسكّان الأرض والسّماء كانوا يطربون لسماع صوته / ويتلذّذون بحسن ألحانه ؛ ومنها تسخير الجبال والطّير للتّسبيح

__________________

(١) قصص الأنبياء للثعلبى (ط. الشرفية) ٢٧٣.

(٢) أخرجه الإمام أحمد فى مسنده وأبو داود والنسائى وابن ماجه عن ابن عمرو (الفتح الكبير).

(٣) أخرجه مسلم عن أبى موسى (الفتح الكبير).

(٤) أخرجه الإمام أحمد فى مسنده والبخارى عن أبى هريرة (الفتح الكبير).

(٥) أخرجه الترمذى والحاكم فى مستدركه عن أبى الدرداء. (الفتح الكبير).

(٦) أخرجه الترمذى والحاكم فى مستدركه عن أبى الدرداء. (الفتح الكبير).

(٧) تكملة من قصص الأنبياء.

٨٤

معه ، ومنها الحكمة وفصل الخطاب ، قيل : معرفة الأحكام وإيقانها وتسهيلها ، وقيل : بيان الكلام ، وقيل : قوله أمّا بعد ، وقيل : الشّهود والأيمان ؛ ومنها السّلسلة (١) المشهورة ؛ ومنها القوّة فى العبادة والمجاهدة ؛ ومنها قوّة الملك وتمكينه ؛ ومنها قوّة بدنه وشجاعة قلبه ؛ ومنها إلانة الحديد ، ومنها صنعة اللبوس الباقى إلى يوم القيامة تجاهدون به الغزاة فى سبيل الله.

قال أهل التاريخ : كان عمر داود مائة سنة ، مدّة ملكه منها أربعون سنة. صلوات الله على نبيّنا وعليه. قال بعضهم :

الله رازقنا بالفضل والجود

فاستغن فى جوده عن كلّ موجود

نحن العبيد سراع فى عبادته

بلا اعتراض على تقدير معبود

فاطلب مبرّته وامدد مودّته

وانظر إلى عبده ذى الأيد داود

__________________

(١) فى قصص الأنبياء للثعلبى وصف لهذه السلسلة التى أعطاها الله له ليعرف المحق من المبطل فى المحاكمة ، ونحن كما قلنا فى بدء هذه البصائر نقف عند نصوص القرآن وما أشار إليه ، ولا نقبل مزيدا إلا بثبت من حديث صحيح.

٨٥

٢٧ ـ بصيرة

فى ذكر سليمان عليه‌السلام

وسليمان اسم أعجمىّ غير منصرف ، وقيل مشتقّ من السّلامة ، سمّى به لاستسلام أعدائه له ، ولسلامته من غوائلهم. وفى بعض الأخبار أنّ النمل قال : أتدري لم سمّيت سليمان؟ قال : لا. قال : معناه يا سليم آن لك أن تتوب. وكان فى الأصل يا سليم فخفّف.

ودعاه الله عزوجل فى التنزيل بأحد عشر اسما تصريحا وتعريضا : مفضّل (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا)(١) ، معلّم (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ)(٢) ، ضاحك (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً)(٣) ، شاكر (أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ)(٤) ، صالح (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ)(٥) ، ناظر (سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ)(٦) ، ملك (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً)(٧) ، متفقّد (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ)(٨) ، حاكم (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ)(٩) ، فهيم (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ)(١٠) ، عبد وأوّاب (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)(١١) ، منيب (ثُمَّ أَنابَ)(١٢) ، موهوب وسليمان (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ)(١٣).

وذكره الله تعالى فى التّنزيل فى خمسة عشر موضعا باسمه ، غير المكرّر : (كُلًّا هَدَيْنا) إلى قوله : (وَسُلَيْمانَ)(١٤) ، (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ)(١٥) ، (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً)(١٦) ، (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ)(١٧) ، (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً)(١٨) ، (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ)(١٩) ، (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ

__________________

(١) الآية ١٥ سورة النمل

(٢) الآية ١٦ سورة النمل

(٣) الآية ١٩ سورة النمل

(٤) الآية ٤٠ سورة النمل

(٥) الآية ١٩ سورة النمل

(٦) الآية ٢٧ سورة النمل

(٧) الآية ٣٤ سورة النمل

(٨) الآية ٢٠ سورة النمل

(٩) الآية ٧٨ سورة الأنبياء

(١٠) الآية ٧٩ سورة الأنبياء

(١١) الآية ٣٠ سورة ص

(١٢) الآية ٣٤ سورة ص

(١٣) الآية ٣٠ سورة ص

(١٤) الآية ٨٤ سورة الأنعام

(١٥) الآية ٧٨ سورة الأنبياء

(١٦) الآية ٨١ سورة الأنبياء

(١٧) الآية ١٢ سورة سبأ

(١٨) الآية ١٥ سورة النمل

(١٩) الآية ١٦ سورة النمل

٨٦

جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ)(١) ، (لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ)(٢) ، (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٣) ، (فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ)(٤) ، (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ)(٥) ، (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ)(٦) ، (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ)(٧) ، (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ)(٨) ، (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ)(٩).

قال الثّعلبىّ وورث سليمان داود أى نبوّته وعلمه وحكمته دون سائر أولاد داود. قال : وكان لداود اثنا عشر ابنا. وكان سليمان ملك الشام إلى اصطخر ، وقيل : ملك الأرض. وقد روى عن ابن عبّاس رضى الله عنهما قال : ملك الأرض مؤمنان سليمان وذو القرنين ، وكافران نمروذ وبخت نصّر.

وقال كعب وابن منبّه : كان سليمان أبيض جسيما وسيما وضّاء جميلا خاشعا متواضعا ، يلبس الثياب البيض ، ويجالس المساكين ويقول : مسكين جالس مسكينا ، وكان أبوه يشاوره فى كثير من أموره مع صغر سنّه لوفور عقله وعلمه.

ولمّا ملك سليمان / كان كثير الغزو والجهاد لا يكاد يتركه ، فتحمله الريح هو وعسكره ودوابّهم حيث أراد ، وتمرّ به وبعسكره الريح على المزرعة فلا يتحرّك الزرع.

قال محمّد بن كعب القرظيّ : بلغنا أنّ معسكر سليمان كان مائة فرسخ ، خمسة وعشرون للإنس ، ومثلها للجنّ ، ومثلها للطّير ، ومثلها للوحش.

قال : وقال أهل التاريخ وكان عمر سليمان ثلاثا (١٠) وخمسين سنة ؛ وملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة. وابتدأ بناء بيت المقدس بعد ابتداء ملكه بأربع سنين.

__________________

(١) الآية ١٧ سورة النمل

(٢) الآية ١٨ سورة النمل

(٣) الآية ٣٠ سورة النمل

(٤) الآية ٣٦ سورة النمل

(٥) الآية ٤٤ سورة النمل

(٦) الآية ٣٠ سورة ص

(٧) الآية ٧٩ سورة الأنبياء

(٨) الآية ٣٤ سورة ص

(٩) الآية ٤٠ سورة ص

(١٠) وكذا فى نهاية الأرب (ج ١٤ / ١٤٠) وفيه أيضا عن الكسائى : عاش سليمان ستين سنة منها فى الملك والنبوة أربعون سنة.

٨٧

قال بعضهم :

أعطى سليمان فى دنياه مملكة

لم يعط قطّ كما أعطاه إنسانا

طير بأجنحة ظلّت مظلّته

ريح رخاء أتته حيث ما كانا

آتاه من كلّ شيء ما يلائمه

حتّى لمنطق طير زاد تبيانا

فصار ينصره يوما ويذكره

ليلا ويشكره قلبا وقربانا

أفديه من ملك أقواله حكم

والله قال : «ففهّمنا سليمانا»

٨٨

٢٨ ـ بصيرة

فى ذكر ذى القرنين رحمه‌الله

وذو النين كنيته وإنّما اسمه اسكندر (١) بن فيلفوس (٢) ، وقيل له ذو القرنين لأنه ملك قرنين ، وقيل لأنّه وصل طرفى العالم ، وقيل لأنّه كان على جانبى جنينه طمس (٣) وقيل لأنّه كان فى رأسه ذؤابتان من الشعر ، وقيل لأنه جمع بين ملكين : ملك الدّنيا وملك الآخرة ، وقيل لفضله مع الأولياء ، وعدله مع الأعداء ، وقيل لأنه ضربوا رأسه حين دعا إلى الله (٤). وكان ملكا فى صورة إنسان وسيرة ملك ، وكان عالما عاملا عادلا حكيما عاقلا مؤيّدا ملهما من الحقّ ، صائب الرأى واقفا على أسرار الطّلّسمات (٥) ، مشرفا على دقائق الأمور ، والنّور والظّلمة تحت طاعته ، ناصحا للرّعيّة ، فاضحا للفجرة وأهل المعصية. وذهب بعض النّاس إلى أنّه كان ملكا وكان نبيّا ، سار من الشرق إلى الغرب ، ومن الجنوب إلى الشمال وبنى السدّ فى وجوه يأجوج ومأجوج لمصلحة كلّيّة ، ونفعها باق إلى آخر الزمان.

وقد دعاه الله تعالى فى التنزيل بثلاثة أسماء : ممكّن (ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ)(٦) ، معان (فَأَعِينُونِي)(٧) ، بالغ (بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ)(٨) وذكره فى ثلاثة مواضع بكنيته فقال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ)(٩) ، (قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ)(١٠) ، (قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ)(١١) آتاه الله الملك والملكيّة فقال (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً)(١٢) قال بعضهم :

يا (١٣) ذاهل الذهن كليل العين

بادر فدنياك مدار البين

انظر بعينيك إلى هذين

فى الملك سليمان وذى النين (١٤)

__________________

(١) لحن التبريزى من يستعمله بدون أداة التعريف (ال). وهمزته مكسورة وقد تفتح ، وذكر الوجهين أبو العلاء المعرى

(٢) والمشهور فى كتب التاريخ أيضا فيلبس.

(٣) هكذا فى ا ، ب ولم نتبين قراءتها ولعلها (كعس) بالكاف فالكعس : عظم السلامى أو عظم البراجم من الأصابع فهو يريد نتوءات فى جانبى جبينه فشبهها بذلك والله أعلم.

(٤) أورد ابن كثير فى كتابه البداية والنهاية ج ٢ / ١٠٣ أقوالا أخرى.

(٥) الطلسم (بكسر الطاء وفتح اللام من غير تشديد كسبطر أو بتشديد) : اسم للسر المكتوم ، وقد أكثر الصوفية استعماله فى كلامهم فيقولون : سر مطلسم وحجاب مطلسم. وجمع غير المشدد : طلاسم.

(٦) الآية ٩٥ سورة الكهف

(٧) الآية ٩٥ سورة الكهف

(٨) الآية ٩٠ سورة الكهف

(٩) الآية ٨٣ سورة الكهف

(١٠) الآية ٨٦ سورة الكهف

(١١) الآية ٩٤ سورة الكهف

(١٢) الآية ٨٤ سورة الكهف

(١٣) فى ا ، ب : ما

(١٤) فى ب : وذو القرنين ولها وجه

٨٩

٢٩ ـ بصيرة

فى ذكر لقمان عليه‌السلام

اتفقوا على أنه اسم أعجمىّ ممنوع من الصّرف ، قيل عبرانىّ ، وقيل سريانىّ. قيل هو عاد من قوم هود الذى سأل الله تعالى طول العمر فاستجاب دعاءه وعمّر ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة إلى أن أدرك سليمان ، وكان له من الحكم والتجارب ما لم يكن لأحد. قال وهب بن منبّه : خيّر لقمان بين الحكمة والنبوّة فاختار الحكمة على النبوّة ، كأنه استعظم احتمال أعباء النبوّة. وقيل لم يكن هذا لقمان عاد ، بل كان عبدا أسود أطاع الله تعالى وأطاع مالكه فارتضاه الله تعالى ورزقه الحكمة. ومن الدّليل على علوّ قدره ورفعة شأنه أنّ الله تعالى ذكر مواعظه فى أشرف الكتب السماويّة الذى هو القرآن ، ونقلها / على لسان أشرف الرّسل إلى أشرف الأمم ، وذكر اسمه فى موضعين من التنزيل قال ، تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ)(١) ، الثانى عند ذكر مواعظه (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ)(٢) ، (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(٣) ، (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً)(٤) ، (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ)(٥).

قال الثعلبىّ : كان لقمان مملوكا ، وكان أهون مملوكى سيّده عليه ، وأوّل ما ظهر من حكمته أنّه كان مع مولاه فدخل مولاه الخلاء فأطال الجلوس فناداه لقمان : إنّ طول الجلوس على الخلاء يضرّ بالكبد ويورث الباسور ، ويصعّد الحرارة إلى الرأس ، فاجلس هوينا وقم ، فخرج مولاه وكتب حكمته على باب الخلاء. وروى أنّه كان حبشيّا نجّارا.

وقال أبو هريرة : مرّ رجل بلقمان والنّاس مجتمعون عليه فقال : ألست العبد الأسود الذى كنت ترعى بموضع كذا؟ قال : بلى. قال : فما بلغ بك ما أرى؟ قال : صدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وترك ما لا يعنينى.

__________________

(١) الآية ٢ سورة لقمان

(٢) الآية ١٣ سورة لقمان

(٣) الآية ١٧ سورة لقمان

(٤) الآية ١٨ سورة لقمان

(٥) الآية ١٩ سورة لقمان

٩٠

ويروى عن لقمان أنّه قال : ضرب الوالد [ولده] كالسّماد للزّرع.

وقال لابنه : من يقارن قرين السّوء لا يسلم ، ومن لا يملك لسانه يندم. يا بنىّ كن عبدا للأخيار [ولا تكن خليلا للأشرار](١). يا بنىّ كن أمينا تكن غنيّا ، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ، خذ منهم (٢) والطف بهم فى السّؤال ولا تضجرهم. إن تأدّبت صغيرا انتفعت به كبيرا ، كن لأصحابك موافقا فى غير معصية ، ولا تحقرنّ من الأمور صغاره ، فإنّ الصّغار غدا تصير كبارا. إيّاك وسوء الخلق والضّجر وقلّة الصّبر. إن أردت غنى الدّنيا فاقطع طعمك ممّا فى أيدى النّاس.

قال بعضهم :

لقمان ألقم (٣) حكمة محكيّة

عنه إلى يوم القيامة فى الأمم

الله فى القرآن عظّم شأنه

ويقول [قد] آتيت لقمان الحكم

__________________

(١) تكملة من قصص الأنبياء للثعلبى : ٣٣٦ (ط. الشرقية).

(٢) فى قصص الأنبياء : ولا تجادلهم فيمنعوك حديثهم.

(٣) لعلها ألهم وإن كان الشعراء يميلون إلى الجناس.

٩١

٣٠ ـ بصيرة

فى ذكر زكريّا عليه‌السلام

وزكريّا اسم أعجمىّ يقصر (١) ويمدّ (٢) ، وقرئ بهما فى السّبع. ويقال : زكريا بتخفيف (٣) الياء وتشديدها ، وزكر كقلم ، خمس لغات.

أرسله الله تعالى إلى بنى إسرائيل ، وكان عالما بالتوراة والإنجيل ، وكان إمام علماء بيت المقدس ومقدّمهم ، وكان فى تلاميذه أربعة آلاف عالم قارئ التوراة ، وقد استجاب الله دعاءه فى حصول ولده يحيى بعد أن كان زكريا عقيما وزوجته آيسا (٤) عاقرا (٥). ودعاه الله فى التّنزيل بأحد عشر اسما : كفيل (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا)(٦) ، داع (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ)(٧) ، منادى (إِذْ نادى رَبَّهُ)(٨) ، منادى (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ)(٩) ، قائم ومصلّى (وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي)(١٠) ، مبشّر (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى)(١١) ، مستجاب الدّعوة (فَاسْتَجَبْنا لَهُ)(١٢) ، مسارع فى الخير (إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ)(١٣) ، راغب وراهب (وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً)(١٤) ، خاشع (وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ)(١٥) ، ذاكر (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً)(١٦) ، مسبّح (وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ)(١٧) ، عبد وزكريّا (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا)(١٨).

__________________

(١) وبه قرأ حمزة والكسائى وحفص (الإتحاف).

(٢) وبه قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (الإتحاف).

(٣) قال الأزهرى : وهذا مرفوض عند سيبويه (التاج).

(٤) كذا فى ا : وهو مقلوب يائس. وفى ب : إيساعا عاقرا ، وفى نهاية الأرب : امرأته أسباع وقيل تلشفع بنت فاقود.

(٥) العاقر : المرأة لا تحمل.

(٦) الآية ٣٧ سورة آل عمران

(٧) الآية ٣٨ سورة آل عمران

(٨) الآية ٨٩ سورة الأنبياء

(٩) الآية ٣٩ سورة آل عمران

(١٠) الآية ٣٩ سورة آل عمران

(١١) الآية ٣٩ سورة آل عمران

(١٢) الآية ٩٠ سورة الأنبياء

(١٣) الآية ٩٠ سورة الأنبياء

(١٤) الآية ٩٠ سورة الأنبياء

(١٥) الآية ٩٠ سورة الأنبياء

(١٦) الآية ٤١ سورة آل عمران

(١٧) الآية ٤١ سورة آل عمران

(١٨) الآية ٢ سورة مريم.

٩٢

وذكره باسمه فقال : (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا)(١) ، (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا)(٢) ، (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا)(٣) ، (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى) إلى قوله : (مِنَ الصَّالِحِينَ)(٤) ، (وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ)(٥) ، (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا)(٦) ، (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ)(٧)

وثبت فى صحيح مسلم أنّ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كان زكريّا نجّارا» (٨) وهذه من الفضائل لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أفضل ما أكل الرّجل من عمل يده» (٩).

/ وذكر المؤرخون أنّ زكريّا كان من ذرّيّة سلمان بن داود عليهم‌السلام ، وقتل زكريّا بعد قتل ابنه يحيى صلوات الله وسلامه عليهما.

قال [بعضهم] :

قال النبىّ المستجاب دعاؤه

ما كنت ربّى بالدّعاء شقيّا

هب لى بفضلك وارثا متعبّدا

واجعله يا ربّ العباد رضيّا

فأجاب دعوته وأنجز وعده

بفتاه أعنى عبده زكريّا

__________________

(١) الآية ٣٧ سورة آل عمران

(٢) الآية ٣٧ سورة آل عمران

(٣) الآية ٣٨ سورة آل عمران

(٤) الآية ٨٥ سورة الأنعام

(٥) الآية ٨٩ سورة الأنبياء

(٦) الآية ٢ سورة مريم

(٧) الآية ٧ سورة مريم

(٨) اخرجه مسلم وابن ماجه وأحمد فى مسنده عن أبى هريرة (الفتح الكبير).

(٩) رواه الإمام أحمد فى مسنده برواية : «أفضل الكسب بيع مبرور وعمل الرجل بيده» (الفتح الكبير).

٩٣

٣١ ـ بصيرة

فى ذكر يحيى عليه‌السلام

ويحيى اسم على زنة يفعل مشتق من الحياة ، وأطلق عليه هذا الاسم لأنه [جاء] فى حال شيخوخة الوالدين ، وغالبا لا يطول عمر من كان كذلك ، فوهبه الله هذا الاسم اطمئنانا لقلبهما وشرحا لصدرهما أنّه يحيا كبيرا ، وأنّه ولد حىّ القلب بالمحبّة ، حىّ الجسم بالطاعة ، حىّ اللّسان بالذّكر ، حىّ السرّ بالمعرفة ، معصوما من الزّلّة.

وقد دعاه الله تعالى بخمسة عشر اسما فى التنزيل ، طيّب : (ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً)(١) ، مصدّق (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ)(٢) ، وسيّد وحصور ونبىّ وصالح قال ، (وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ)(٣) ، هبة الله (وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى)(٤) ، ولىّ (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا)(٥) ، وارث (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)(٦) ، رضىّ (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا)(٧) غلام (نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ)(٨) ، زكىّ (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً)(٩) ، تقىّ (وَكانَ تَقِيًّا)(١٠) قوىّ (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ)(١١) ، حكم صبىّ (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(١٢) ، بارّ (وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ)(١٣). وذكره باسمه يحيى فى مواضع منها : (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى)(١٤) ، (نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى)(١٥) ، (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى)(١٦) ، (وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى)(١٧) ، (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ)(١٨).

قال المفسّرون أوّل من آمن بعيسى يحيى. وقتل يحيى قبل أبيه زكريّا ، وثبت فى

__________________

(١) الآية ٣٨ سورة آل عمران

(٢) الآية ٣٩ سورة آل عمران

(٣) الآية ٣٩ سورة آل عمران

(٤) الآية ٩٠ سورة الأنبياء

(٥) الآية ٥ سورة مريم

(٦) الآية ٦ سورة مريم

(٧) الآية ٦ سورة مريم

(٨) الآية ٧ سورة مريم

(٩) الآية ١٣ سورة مريم

(١٠) الآية ١٣ سورة مريم

(١١) الآية ١٢ سورة مريم

(١٢) الآية ١٢ سورة مريم

(١٣) الآية ١٤ سورة مريم

(١٤) الآية ٣٩ سورة آل عمران

(١٥) الآية ٧ سورة مريم

(١٦) الآية ٨٥ سورة الأنعام

(١٧) الآية ٩٠ سورة الأنبياء

(١٨) الآية ١٢ سورة مريم

٩٤

الصّحيحين أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ثم عرج بى إلى السّماء الثانية فاستفتح جبريل ففتح لنا ، وإذا أنا بابنى الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريّا ، فرحّبا ودعوا لى بخير» (١). وفى مسند أبى يعلى الموصلىّ بسند عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما أحد من ولد آدم إلّا قد أخطأ أو همّ بخطيئة ، ليس يحيى بن زكريا» فى سنده علىّ بن زيد بن جدعان وهو ضعيف ، ويوسف بن مهران وهو مختلف فيه.

قال الثعلبىّ كان مولد يحيى قبل مولد عيسى بستّة أشهر. وقال الكلبىّ : كان زكريّا يوم بشّر بالولد ابن ثنتين وتسعين سنة ، وقيل تسع وتسعين سنة ، وعن ابن عبّاس :كان ابن عشرين ومائة ، وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة.

قال كعب الأحبار : وكان يحيى حسن الصورة والوجه ، ليّن الجناح ، قليل الشّعر (٢) ، قصير الأصابع ، طويل الأنف ، مقرون الحاجبين ، رقيق الصّوت ، كثير العبادة ، قويّا فى طاعة الله تعالى ، وساد النّاس فى عبادة الله تعالى وطاعته. وقالوا فى قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(٣) قيل : إنّ يحيى قال له أترابه من الصبيان اذهب بنا نلعب ، فقال : ما للّعب خلقت. وقيل إنّه نبّئ صغيرا ، وكان يعظ الناس ويقف لهم فى أعيادهم ومجامعهم ويدعوهم إلى الله تعالى ، ثمّ ساح يدعو الناس (٤).

واتفقوا على أنّه / قتل ظلما شهيدا. وغضب الله على قاتليه وسلّط عليهم بختنصر (٥) وجيوشه ، وكان وعد الله مفعولا. قال بعضهم :

ألا طهّر فؤادك واقض سعيا

وعارض بالنّهى أمرا ونهيا

طوى كشحا عن الكونين طرّا

نبىّ الله فى موت ومحيا

حياة كله حيّا وميتا

لذاك الله سمّاه بيحيى

__________________

(١) أخرجه الشيخان والإمام أحمد والنسائى عن مالك بن صعصعة (الفتح الكبير).

(٢) لم ترد هذه العبارة فيما نقله صاحب نهاية الأرب عن كعب الأحبار.

(٣) الآية ١٢ سورة مريم.

(٤) نهاية الأرب (ج ١٤ / ٢٠١) قصص الأنبياء للثعلبى / ٣٦١ وفيها : «ثم ساح ودخل الشام يدعو الناس».

(٥) يقال فى اسمه بختنصر (بتشديد الصاد وإسكانها) ، ويقال فيه : بختناصر ، ويقال أيضا (بنوخذنصر) و (بنوكدنصر) ، وفى العهد القديم / ٦٢٩ : «نبوخذ ناصر» وهو ملك بابل.

٩٥

٣٢ ـ بصيرة

فى ذكر هود عليه‌السلام

وهو هود بن عابر بن شالخ بن فالغ بن ارفخشذ بن سام بن نوح. قيل اسم أعجمى كنوح ولوط ممنوع (١) من الصّرف ، وأكثرون على أنّه عربىّ من هاد إذا رجع ، فهو هائد والجمع هود. وهود أيضا اسم جنس لليهود. وأضيفت سورة هود إليه لاشتمالها على خطاب الله تعالى إيّاه بقوله : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ)(٢).

وقد دعاه الله تعالى فى نصّ التنزيل باثنى عشر اسما منها : مرسل (كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ)(٣) ، رسول (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ)(٤) ، ناصح وأمين (وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ)(٥) ، مبلّغ (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي)(٦) ، رجل (جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ)(٧) ، منذر (لِيُنْذِرَكُمْ)(٨) ، أخ (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ)(٩) ، واعظ (أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ)(١٠) ، ناجى (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً)(١١) ، متوكّل (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ)(١٢) ، برئ (أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)(١٣).

وذكره تعالى باسمه هود فى مواضع من القرآن أيضا فقال : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً)(١٤) ، وأكّد أخوّته بقوله : (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ)(١٥) ، (يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ)(١٦)(نَجَّيْنا هُوداً)(١٧) ، (أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ)(١٨) ، (أَوْ قَوْمَ هُودٍ)(١٩) ، إذ قال لهم أخوهم هود (٢٠)

__________________

(١) هكذا فى ا ، ب ، والصواب «غير ممنوع من الصرف» فالقاعدة أن كل اسم أعجمى ثلاثى ساكن الوسط منصرف ، وتنظيره بقوله كنوح ولوط يؤيد هذا.

(٢) الآية ١١٢ سورة هود

(٣) الآية ١٢٣ سورة الشعراء

(٤) الآية ١٢٥ سورة الشعراء

(٥) الآية ٦٨ سورة الأعراف

(٦) الآية ٦٨ سورة الأعراف

(٧) الآية ٦٩ سورة الأعراف

(٨) الآية ٦٩ سورة الأعراف

(٩) الآية ١٢٤ سورة الشعراء

(١٠) الآية ١٣٦ سورة الشعراء

(١١) الآية ٥٨ سورة هود

(١٢) الآية ٥٦ سورة هود

(١٣) الآية ٥٤ سورة هود

(١٤) الآية ٥٠ سورة هود.

(١٥) الآية ٢١ سورة الأحقاف

(١٦) الآية ٥٣ سورة هود

(١٧) الآية ٥٨ سورة هود

(١٨) الآية ٦٠ سورة هود

(١٩) الآية ٨٩ سورة هود

(٢٠) الآية ١٢٤ سورة الشعراء

٩٦

وكان عليه‌السلام من أشبه الناس بآدم بعد نبيّنا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وأهلك الله بدعائه قومه بالرّيح ، ووسم سورة من القرآن باسمه. قال بعضهم :

أهزءا بالمواعظ والوصايا

أردّا للشّواهد والشّهود

إلى كم ذا المرون على المرود

وكم منك الخيانة فى العهود

قديما قيل فى مثل أجيدوا

بضرب الكلب تأديب اليهود

فما أجداك قول الله ردعا

«أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ»

٩٧

٣٣ ـ بصيرة

فى ذكر عاد

وهو اسم عربىّ لأن العادين كانوا يتكلّمون بلغة العرب ، مشتقّ من العدوان والاعتداء. وأصله عادى مثل قاضى. وعاد كان أبا هذا القوم ، وكان من أحفاد نوح عليه‌السلام ، وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح ، وسمّوه عاديا وقومه عادين ؛ لاعتدائهم وتجاوزهم مدّة الحياة ، الثانى فى زيادة القهر والقوة ؛ الثالث فى زيادة المال والنّعمة ؛ الرابع فى زيادة الملك والمكنة ، الخامس فى زيادة القدّ والقامة ، السّادس فى زيادة الفساد والمعصية.

قال ابن عبّاس كان طول أطولهم مائة ذراع ، وطول أقصرهم ستّين ذراعا.

وقد ذكرهم الله تعالى فى القرآن فى مواضع : قال تعالى (كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ)(١) وقال تعالى (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) إلى قوله (إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ)(٢) ، (وَعادٍ وَثَمُودَ)(٣)(أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ)(٤) ، (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ)(٥) ، (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ)(٦) ، (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ)(٧) ، (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ)(٨) ، (وَأَنَّهُ / أَهْلَكَ عاداً الْأُولى)(٩) ، (كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ)(١٠) ، (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ)(١١) قال بعض المحدثين :

دعا لومى فلومكما معاد

وموت العاشقين له معاد

فلو قتل الهوى أهل التّصابى

لما ماتوا ولو ردّوا لعادوا

فمولانا أرانا فى عداه

نكالا حين سيم الخسف عاد

__________________

(١) الآية ١٢٣ سورة الشعراء

(٢) الآيتان ٦٥ ، ٦٦ سورة الأعراف

(٣) الآيات ٩ سورة ابراهيم ، ٤٢ سورة الحج ، ٣١ سورة غافر ، ١٢ سورة فصلت

(٤) الآية ٦٠ سورة هود

(٥) الآية ٣١ سورة غافر

(٦) الآية ١٥ سورة فصلت

(٧) الآية ٢١ سورة الأحقاف

(٨) الآية ١٢ سورة ص

(٩) الآية ٥٠ سورة النجم

(١٠) الآية ١٨ سورة القمر

(١١) الآية ٦ سورة الفجر

٩٨

٣٤ ـ بصيرة

فى ذكر صالح عليه‌السلام

وصالح اسم علم عربىّ. وهو أوّل من سمّى بهذا الاسم. قال الثعلبى : هو صالح بن عبيد (١) ابن آسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر (٢) بن ثمود بن عوص بن إرم بن سام بن نوح. قال أبو عمرو بن العلاء : سمّيت ثمود لقلة مائها. والثّمد : الماء القليل.

وكانت مساكن ثمود الحجر بين الحجاز والشام ، وكانوا عربا ، وكان صالح عليه‌السلام من أفضلهم نسبا ، فبعثه الله إليهم رسولا وهو شابّ ، فدعاهم إلى أن شمط (٣) ولم يتّبعه منهم إلّا قليل مستضعفون. ولمّا طال دعاؤه إيّاهم اقترحوا أن تخرج له النّاقة من الحجر آية ، وكان من أمرها وأمرهم ما ذكره الله عزوجل فى كتابه ، وكان عقر النّاقة يوم الأربعاء.

وانتقل صالح بعد هلاك قومه إلى الشام بمن أسلم معه ، فنزلوا رملة فلسطين ، ثم انتقل إلى مكّة ، فتوفّى صالح بها ، وهو ابن ثمان وخمسين سنة ، وكان أقام فى [قومه](٤) عشرين سنة وقيل صار بقيّة المؤمنين من قوم صالح بمدينة جابلص (٥) من ناحية المشرق ، وبقية المؤمنين من قوم هود بمدينة جابلق من ناحية المغرب. والعامة تلحن وتقول : جابلقا وجابلصا. وعرض القومان على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة المعراج ، فدعاهم إلى دينه وشريعته فآمنوا به وصاروا من أمّته ، وسيدخلون يوم القيامة فى شفاعته.

ودعا الله تعالى صالحا فى القرآن بعشرة أسماء : مرسل (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ)(٦) رسول وأمين (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ)(٧) ، أخ (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ)(٨) ، مبلّغ (لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي)(٩) ، صادق (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)(١٠)

__________________

(١) فى نهاية الأرب عن تاريخ العينى «كانوه» والنسب المذكور هنا موافق لما فى قصص الأنبياء للثعلبى.

(٢) فى ا ، ب «محادو» تصحيف عما أثبت من قصص الأنبياء / ٦٣.

(٣) شمط : خالط البياض شعر رأسه ولحيته ، وهو دلالة على كبر سنه.

(٤) تكملة من قصص الأنبياء للثعلبى.

(٥) فى معجم البلدان (ياقوت) (٢ / ٢ ط. ليبزج) : جابرس.

(٦) الآية ١٤١ سورة الشعراء

(٧) الآية ١٤٣ سورة الشعراء

(٨) الآية ١٤٢ سورة الشعراء

(٩) الآية ٧٩ سورة الأعراف

(١٠) الآية ٧ سورة الأعراف وليست الآية فى قصة ثمود وإنما فى قصة هود ، والآية التى فى قصة صالح هى الآية رقم ٧٧ (ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).

٩٩

ناجى (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً)(١) ، بشر وواحد (فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ)(٢) ناصح (وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)(٣) ، صالح (يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا)(٤) ، وقال تعالى (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ)(٥) ، (يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا)(٦) ، (نَجَّيْنا صالِحاً)(٧) ، (لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي) إلى قوله : (أَوْ قَوْمَ صالِحٍ)(٨).

قال [بعضهم] :

يعيبك قوم حين لقّيت صالحا

ولامك قوم حين سمّيت طالحا

لقيت البلايا إن عددت محاربا

وجرت العطايا إن أتيت مصالحا

ألم ينجينّ الله بيت نبيّه (٩)

وأردى ثمودا حين كذّب صالحا

__________________

(١) الآية ٦٦ سورة هود

(٢) الآية ٢٤ سورة القمر

(٣) الآية ٧٩ سورة الأعراف

(٤) الآية ٦٢ سورة هود

(٥) الآية ١٤٢ سورة الشعراء

(٦) الآية ٧٧ سورة الأعراف

(٧) الآية ٦٦ سورة هود

(٨) الآية ٨٩ سورة هود

(٩) ا ، ب : السوس سه من غير نقط فلم نتبينها وأصلحناها بما يقيم البيت ويفهم معناه.

١٠٠