بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٦

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٦

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: عبدالعليم الطحاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٨

وقصّة إسماعيل وأمّه وزمزم ذكرناها فى موضعه من غير هذا الكتاب.

قال :

لا نستطيع لما قضاه ربّنا

ممّا علينا أو لنا تبديلا

لقضائه نبكى ونحزن والبكا

ء وحزننا لا يغنيان فتيلا

أبصر خليل الله جاء مشاورا

فى أمر رؤيا الذّبح إسماعيلا

فاستعصما واستسلما لقضائه

وعلى المهيمن عوّلا تعويلا

طب يا بنىّ فلا مردّ لحكمه

واصبر عليه واتّخذه وكيلا

٤١

٦ ـ بصيرة

فى ذكر إسحاق عليه‌السلام

وهو اسم أعجمىّ غير منصرف للعجمة والعلميّة ، وهى سريانيّة ، وقيل : مشتقّ من السّحق. والإسحاق : الإبعاد ، والسّحق : البعد. ومكان سحيق : بعيد. والسّحق بالفتح : السّهل ، أو هو الدقّ ، ومسك سحيق : مسحوق.

وقد ذكره الله تعالى فى مواضع من التّنزيل فقال : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ)(١) ، وقال : (وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ)(٢) ، (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ)(٣) ، (عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ)(٤) ، (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً)(٥) ، (وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ)(٦) ، (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا)(٧) ، (وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ)(٨) ، وعلى قول من قال هو الذّبيح ، يكون مبشّر ، وغلام ، وعليم ، وحليم ، وصابر ، وآمر ، ومسلم ، من أسمائه عليه‌السلام.

عاش مائة وثمانين سنة ، وقبره عند قبر أبيه ، وولد قبل (٩) إسماعيل بأربعة عشر سنة. قال :

الله [ربى](١٠) كافل الأرزاق

وهو الحسيب لقسمة الأخلاق

قسم السّوائل (١١) والمآكل بيننا

فأتى الخلائق كلّهم بخلاق

فالخلق من حسناته والرّزق من

بركاته والكلّ باستحقاق

عجّل (١٢) وقسّم إن تشأ تصديقها

فاقرأ : وباركنا على إسحاق (١٣)

__________________

(١) الآيات ٨٤ سورة الأنعام ، ٤٩ سورة مريم ، ٧٢ سورة الأنبياء.

(٢) الآية ١١٣ سورة الصافات

(٣) الآية ١١٢ سورة الصافات

(٤) الآية ٣٩ سورة إبراهيم

(٥) الآية ٧٢ سورة الأنبياء

(٦) الآية ١٦٣ سورة النساء

(٧) الآية ٨٤ سورة الأنعام

(٨) الآية ٧١ سورة هود

(٩) الروايات تجمع أن إسماعيل ولد قبل إسحاق فلعل العبارة وولد قبله إسماعيل.

(١٠) تكملة يقتضيها وزن الشعر

(١١) فى ا ، ب : السواكل وما أثبتنا أقرب إلى المراد وبخاصة مع المآكل.

(١٢) فى ا ، ب «محل» تحريف والأقرب ما أثبتناه

(١٣) جر بالكسرة إسحاق للضرورة الشعرية

٤٢

٧ ـ بصيرة

فى ذكر يعقوب عليه‌السلام

وكان اسمه إسرائيل ، وكلا الاسمين أعجمىّ غير منصرف للعجمة والعلمية ، هذا هو الّذى عليه الأكثرون. وتكلّف بعضهم فى القول باشتقاقهما ، فقال فى إسرائيل إسر بالسّريانية : الصّفىّ والخاصّة ، وإيل بلغتهم : الله ، فمعناه صفىّ الله وخاصّته. وقيل : أسرا معناه : الأسرة ، وإيل بمعنى الآل ، أى هو نبىّ وآله وأقاربه أنبياء. وقيل : أسر من الأسر ، وإيل اسم شيطان. وسمّى به لأنّه عليه‌السلام كان خادما للمسجد الأقصى والمسجد الحرام على اختلاف القولين ، وكان يوقد فيه السّرج للعابدين والمصلّين ، وكان الشيطان المسمّى إيل مسلّطا عليها يأتيها ويطفئها ، فلمّا اطّلع على ذلك يعقوب ترصّد له وأسره وربطه إلى سارية حتى رآه الناس عيانا ، فقالوا أسر إيل أى أسر الشيطان ، فخفّفوه وقالوا أسر إيل. وأمّا يعقوب فإنّه سمّى به لأنه كان يعقب أوامر الله تعالى ونواهيه من كتابه فيعمل بها. وقيل : سمّى يعقوب لأنّه عاقب شيطانه المتقدّم ذكره. وقيل : لأنّه يعقبه / ذرّيّته. وقيل : لأنّه خرج من بطن أمّه متعلّقا بعقب أخيه عيصو ، وسمّى أخوه عيصو لأنّه عصى بالتّقدّم عليه. وفى بعض الآثار القدسيّة أنّ الله تعالى قال : لو علمت شيئا أبلغ فى علوّ درجة من الهمّ والحزن لابتليته. وأوحى الله إليه لمّا أكثر من البكاء على فراق يوسف ، يا يعقوب هذا بكاؤك على فراق الولد ، فكيف بكاؤك على فراق الواحد الأحد! وقيل لمّا قدم البشير على يعقوب يبشّره ببقاء يوسف ولقائه قال يعقوب : على أىّ دين تركته؟ قال على الإسلام. فقال : الآن تمّت النّعمة.

وكان يعقوب حفيد الخليل ، وولد الذّبيح ، ووالد الصدّيق ، ومقدّم الأسباط وشيخهم ، وجدّ أنبياء بنى إسرائيل ، وابن أخى إسماعيل ، ووارث جماله. واعتكف فى بيت الأحزان أربعين سنة ، وقيل : سبعين سنة. واستنشق ريح ثوب يوسف من مسافة ثمانين فرسخا.

٤٣

وقد ذكره الله تعالى فى مواضع من القرآن المجيد : الأوّل فى وصيّة الذرّيّة بمحافظتهم على الملّة (: وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ)(١).

الثّانى : فى الخبر من الحال وقت الترحال (٢) : (إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ)(٣).

الثالث : فى موافقة الدّعوة مع أبناء النّبوّة : (وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ)(٤).

الرّابع : نسبة الأسباط إليه للشّرف والمنزلة (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ) إلى قوله (وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ)(٥).

الخامس : البشارة بوجوده قبل مولوده (٦) : (وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ)(٧).

السّادس : المنّة على إبراهيم به وبكونه نافلة (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً)(٨).

السّابع : إخلاصه فى طريق الدّيانة. (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ)(٩).

الثامن : فى وعد يوسف بتمام النّعمة عليه (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ)(١٠)

التّاسع : فى حصول المقصود وقضاء الحاجة : (إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها)(١١).

قيل ثمانية أنفس ابتلوا بفراق ثمانية فوقعوا بإثرها فى منحة أو محنة : ابتلى آدم بفراق الجنّة فوقع على إثرها فى محن الدّنيا (فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ)(١٢). وابتلى نوح بفراق كنعان فوقع فى أثره فى الملامة بسبب شفاعته فيه : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ)(١٣). وابتلى يونس بفراق القوم فوقع فى أثره فى ظلمة البحر وظلمة بطن الحوت (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ)(١٤). وابتلى سليمان بفراق الملك فوقع على أثره

__________________

(١) الآية ١٣٢ سورة البقرة

(٢) فى ا ، ب : الرحال وما أثبتناه من هامش ب

(٣) الآية ١٣٣ سورة البقرة

(٤) الآية ١٣٦ سورة البقرة

(٥) الآية ١٤٠ سورة البقرة

(٦) أى مولده

(٧) الآية ٧١ سورة هود

(٨) الآية ٧٢ سورة الأنبياء

(٩) الآية ٤٥ سورة ص

(١٠) الآية ٦ سورة يوسف

(١١) الآية ٦٨ سورة يوسف.

(١٢) الآية ٢٥ سورة الأعراف

(١٣) الآية ٤٦ سورة هود

(١٤) الآية ٨٧ سورة الأنبياء

٤٤

فى الابتلاء والملامة ، لقوله تعالى : (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً)(١). وابتلى موسى بفراق أمّه فوقع على أثره فى قبض فرعون لقوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ)(٢). وابتلى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بفراق مكّة فصار على أثره فى دار الهجرة والمهاجرة : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ)(٣). وابتلى يوسف بفراق أبيه فوقع على أثره فى بئر الوحشة وحبس البليّة : (وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ)(٤). وابتلى يعقوب بفراق يوسف فوقع فى بيت الأحزان وزاوية الهموم وتوظّفته الآلام والغموم : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ)(٥) ، ثم انتقل من زاوية المحنة إلى بسط المنحة وعالم البشرى والمسرّة. قال :

ورد البشير مبشّرا بقدومه

فملئت من قول البشير سرورا

/ والله لو قنع البشير بمهجتى

أعطيته ورأيت ذاك يسيرا

لو قال هب لى ناظريك لقلتها

خذ ناظرىّ فما سألت كثيرا

وكأنّنى يعقوب من فرحى به

إذ عاد من شمّ القميص بصيرا

__________________

(١) الآية ٣٤ سورة ص

(٢) الآية ٨ سورة القصص

(٣) الآية ٩ سورة الحشر

(٤) الآية ١٠ سورة يوسف

(٥) الآية ٨٦ سورة يوسف

٤٥

٨ ـ بصيرة

فى ذكر يوسف عليه‌السلام

ويثلّث سينه (١) ، وهو اسم أعجمىّ غير منصرف للعلّتين (٢). وقيل : مشتقّ (٣) من الأسف ، فيوسف بكسر السّين يفعل من آسف يوسف إذا أحزن وأهمّ وأغضب ، لأنّه آسف أباه بفراقه. ويوسف بفتح السّين لأن إخوته حزّنوه بفراق أبيه. وقيل : أصله يأسف بفتح الياء والسّين ، يفعل من الأسف ، لأنه أسف فى الغربة والملكة. وفى بعض الآثار : لمّا (٤) أخرج الله الذرّيّة من ظهر آدم وعرض عليه أمثال الذر ، أراه (٥) فى الطبقة السّادسة شخصا مهيبا من الرّجال ، على وجهه بهجة الجمال ، قد توّج بتاج الوقار ، وهو مرتد برداء الكرامة ، متّزر بإزار الشرف ، عليه قميص (٦) البهاء ، وفى يده قضيب الملك ، وعلى يمينه سبعون ألف ملك ، وعلى يساره هكذا ، وخلفه أمم الأنبياء ، لهم زجل (٧) بالتسبيح ، وبين يديه شجر السّعادة يدور (٨) معه حيثما دار. فقال آدم يا ربّ من هذا الّذى أبحت له بحبوحة الكرامة ، وأنزلته (٩) هذه الدّرجة العالية؟ قال الله تعالى : هذا ابنك المحسود من (١٠) إخوته ؛ يا آدم انحله (١١) وسمّه ، فنحله ثلثى جمال أولاده ، وضمّه إلى صدره ، وقبّل ما بين عينيه وقال : يا بنىّ لا تأسف [فأنت يوسف](١٢) ، فأوّل من سمّاه بهذا الاسم آدم. وقيل إنّ يوسف ورث الجمال من إسحاق ، وإسحاق ورثه من أمّه سارة ، وسارة ورثت من أمّها حوّاء.

__________________

(١) فى التاج مع الهمز وغيره ، ونص الجوهرى : قال الفراء : يوسف ويوسف ويوسف ثلاث لغات وحكى فيه الهمز أيضا ، وقرأ طلحة بن مصرف «لقد كان فى يؤسف» بالهمز وكسر السين كما فى العباب.

(٢) العلمية والعجمة.

(٣) على قول من يرى أنه ليس بأعجمى

(٤) عن قصص الأنبياء للثعلبى رواية عن كعب الأحبار والعبارة فيه : إن الله تعالى مثل لآدم ذريته بمنزلة الذر فأراه الأنبياء عليهم‌السلام نبيا نبيا.

(٥) ا ، ب : أتى والمثبت من قصص الأنبياء للثعلبى ، وعليه يتسق النص مع نصب كلمة شخص الذى يجب رفعه مع أتى.

(٦) فى ا ، ب : فى نض (تحريف) وما أثبتناه عن الثعلبى والعبارة فيه مقمصا بقميص البهاء.

(٧) زجل : صوت رفيع عال

(٨) الثعلبى : تزول معه حيثما زال ، وتحول معه حيثما حال

(٩) فى الثعلبى : ورفعته الدرجة العالية

(١٠) فى الثعلبى : المحسود على ما آتيته

(١١) انحله : هب له نحلا أى عطية تخصه بها.

(١٢) تكملة من الثعلبى والسياق يقتضيها

٤٦

وقال كعب (١). قسّم الجمال عشرة أجزاء ، تسعة منها ليوسف وواحد لجميع أولاد آدم. وقال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رأيت يوسف ليلة أسرى بى فى السّماء الرّابعة ، فقيل : كيف رأيته يا رسول الله؟ فقال : كالقمر ليلة البدر» ، وقال : أعطى يوسف وأمّه شطر الحسن (٢). وقال : جاءنى جبريل وقال : «يا محمّد إنّ الله تعالى ألبس يوسف الجمال من نور الكرسىّ وألبسك جمالك من نور العرش» (٣). ولمّا قرأ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوله : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) قال : «رحم الله أخى يوسف هلّا سأل الله العفو والعافية» ، ولمّا قرأ قوله (فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي) قال : «رحم الله يوسف لو كنت أنا لبادرت الباب» (٤). قال :

إذا ما أتاك الدّهر يوما بنكبة

وأصبحت منها فى حزون من الحزن

فلا تيأسن فالله ملّك يوسفا

خزائنه بعد الخلاص من السّجن

فرّقت (٥) قصص الأنبياء فى القرآن ، وجمع الله قصّته جميعها فى سورة واحدة ، وسمّاه فى هذه السّورة بثلاثة وثلاثين اسما : المجتبى : (يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ)(٦) ، والمعلّم : (وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ)(٧) ، غلام : (يا بُشْرى هذا غُلامٌ)(٨) ، مكرم : (أَكْرِمِي مَثْواهُ)(٩) ، نافع : (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا)(١٠) ، ولد : (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً)(١١) ، مخلص : (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ)(١٢) ، محسن : (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)(١٣) ، راء : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ)(١٤) ، فتى : (تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ)(١٥) ، أحبّ : (وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا)(١٦) ، ملك كريم : (إِنْ هذا / إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)(١٧) ،

__________________

(١) فى قصص الأنبياء للثعلبى : وقال وهب

(٢) أخرجه الحاكم فى مستدركه عن أنس (الفتح الكبير)

(٣) أخرجه الثعلبى فى قصصه عن ابن مسعود.

(٤) أخرجه ابن حنبل فى باب الزهد وابن المنذر عن الحسن مرسلا (الفتح الكبير) وأخرجه ابن جرير وابن مردويه عن أبى هريرة برواية : رحم الله يوسف أن كان لذا أناة حليما ، لو كنت أنا المحبوس ثم أرسل إلى لخرجت سريعا.

(٥) فى ا ، ب : فرق ، وما أثبتناه يقتضيه النص ووضوح المعنى.

(٦) الآية ٦ سورة يوسف

(٧) الآية ٦ سورة يوسف

(٨) الآية ١٩ سورة يوسف

(٩) الآية ٢١ سورة يوسف

(١٠) الآية ٢١ سورة يوسف

(١١) الآية ٢١ سورة يوسف

(١٢) الآية ٢٤ سورة يوسف

(١٣) الآية ٧٨ سورة يوسف

(١٤) الآية ٢٤ سورة يوسف

(١٥) الآية ٣٠ سورة يوسف

(١٦) الآية ٨ سورة يوسف

(١٧) الآية ٣١ سورة يوسف

٤٧

مستعصم : (فَاسْتَعْصَمَ)(١) ، صدّيق : (أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا)(٢) ، مستخلص : (أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي)(٣) ، حفيظ وعليم : (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)(٤) ، أمين ومكين : (لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ)(٥) ، ممكّن : (مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ)(٦) ، مرسل : (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً)(٧) ، رسول : (وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ ،) إلى قوله : (رَسُولاً)(٨) ، أخ : (إِنِّي أَنَا أَخُوكَ)(٩) ، زعيم : (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ)(١٠) ، عليم : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)(١١) ، رفيع : (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ)(١٢) ، رافع : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ)(١٣) ، عزيز : (يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ)(١٤) ، متصدّق : (إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ)(١٥) ، تقىّ وصابر : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ)(١٦) ، صالح ومسلم : (تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)(١٧).

وذكره تعالى باسمه فى خمسة وعشرين موضعا من التّنزيل :

(إِذْ قالَ يُوسُفُ)(١٨) ، (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ)(١٩) ، (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا)(٢٠) ، (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ)(٢١) ، (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ)(٢٢) ، (ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ)(٢٣) ، (وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا)(٢٤) ، (وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ)(٢٥) ، (كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً) ، إلى قوله : (وَيُوسُفَ)(٢٦) ، (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا)(٢٧) ، (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا)(٢٨) ، (إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ)(٢٩) ، (مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ)(٣٠) ،

__________________

(١) الآية ٣٢ سورة يوسف

(٢) الآية ٤٦ سورة يوسف

(٣) الآية ٥٤ سورة يوسف

(٤) الآية ٥٥ سورة يوسف

(٥) الآية ٥٤ سورة يوسف

(٦) الآية ٥٦ سورة يوسف

(٧) الآية ١٢ سورة يوسف

(٨) الآية ٣٤ سورة غافر

(٩) الآية ٦٩ سورة يوسف

(١٠) الآية ٧٢ سورة يوسف

(١١) الآية ٧٦ سورة يوسف

(١٢) الآية ٧٦ سورة يوسف

(١٣) الآية ١٠٠ سورة يوسف

(١٤) الآية ٨٨ سورة يوسف

(١٥) الآية ٨٨ سورة يوسف

(١٦) الآية ٩٠ سورة يوسف

(١٧) الآية ١٠١ سورة يوسف

(١٨) الآية ٤ سورة يوسف

(١٩) الآية ٧ سورة يوسف

(٢٠) الآية ٨ سورة يوسف

(٢١) الآية ٩ سورة يوسف

(٢٢) الآية ١٠ سورة يوسف

(٢٣) الآية ١١ سورة يوسف

(٢٤) الآية ١٧ سورة يوسف

(٢٥) الآية ٣٤ سورة غافر.

(٢٦) الآية ٨٤ سورة الأنعام.

(٢٧) الآية ٢٩ سورة يوسف.

(٢٨) الآية ٤٦ سورة يوسف.

(٢٩) الآية ٥١ سورة يوسف.

(٣٠) الآية ٥٦ سورة يوسف.

٤٨

(وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ)(١) ، (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ)(٢) ، (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ)(٣) ، (فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها)(٤) ، (وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ)(٥) ، (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ)(٦) ، (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ)(٧) ، (فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ)(٨) ، (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ)(٩) ، (قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ)(١٠) ، (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ)(١١).

محنه الله تعالى بعشر محن ، وكافأه بعشر منح : الأوّل بفراق أبيه ، وختم بمسرّة : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ)(١٢) ، وابتلى بجفاء الإخوة وختم بمسرّة : (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً)(١٣) ، وابتلى بوحشة الجبّ ، وجوزى بفرحة : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا)(١٤) ، وابتلى بملكة عزيز مصر وكوفئ بملكة (١٥) أهل مصر قاطبة : (مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ)(١٦) ، وابتلى بقصد زليخا ، ونجا بشهادة طفل لم ينطق بعد :

(وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها)(١٧) ، وابتلى بحيلة نساء مصر ، وختم ببراءته وقولهنّ : (ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ)(١٨) ، وابتلى بدعوة الشّيطان ، وصين بعصمة الرّحمن : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ)(١٩) ، وابتلى بالسّجن والحبس ، وكوفئ بالملك والسّلطنة : (يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ)(٢٠) ، وابتلى بالزّور والبهتان وصار ذلك أظهر من كلّ عيان : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ)(٢١) ، وابتلى بالمال والملك واتّساع الدّنيا ، وأبعد عنه ضرّها بولاية المولى فى الآخرة والأولى : (أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ)(٢٢).

__________________

(١) الآية ٥٨ سورة يوسف.

(٢) الآية ٦٩ سورة يوسف.

(٣) الآية ٧٦ سورة يوسف.

(٤) الآية ٧٧ سورة يوسف.

(٥) الآية ٨٠ سورة يوسف.

(٦) الآية ٨٤ سورة يوسف.

(٧) الآية ٨٥ سورة يوسف.

(٨) الآية ٨٧ سورة يوسف.

(٩) الآية ٨٩ سورة يوسف.

(١٠) الآية ٩٠ سورة يوسف.

(١١) الآية ٩٤ سورة يوسف.

(١٢) الآية ١٠٠ سورة يوسف.

(١٣) الآية ١٠٠ سورة يوسف.

(١٤) الآية ١٥ سورة يوسف.

(١٥) هكذا فى النسختين ولعلها مملكة فهى التى توافق التمكين فى الأرض.

(١٦) الآية ٥٦ سورة يوسف.

(١٧) الآية ٢٦ سورة يوسف.

(١٨) الآية ٥١ سورة يوسف.

(١٩) الآية ٢٤ سورة يوسف.

(٢٠) الآية ٨٨ سورة يوسف.

(٢١) الآية ٥١ سورة يوسف.

(٢٢) الآية ١٠١ سورة يوسف.

٤٩

قال :

كم نعمة مستورة فى الظّلام

كم نعمة مغمورة فى الكلام

آدم فى الجنّة نال النّوى

ونال فى الطّوفان نوح سلام

يعقوب قد عوقب فى هجره

بيت أحزان رهين اغتمام

ثم ابنه قد صرّ من بئره (١)

فقيل يا بشرى هذا غلام

__________________

(١) أقمنا تصحيف ما أفسد الناسخ وتحريف ما سطره فى هذا النظم بقدر ما ألهمنا من فهم واستصحاب للمراد ، وقد كانت عبارة هذا الشطر : ثم ابن وعرسر موسره.

٥٠

٩ ـ بصيرة

فى ذكر إدريس عليه‌السلام

واسمه بالسّريانية خنوخ ويقال أخنوخ ، ومعناه كثير العبادة ـ وأمّا إدريس فاسم أعجمىّ غير منصرف. وقيل : مشتق من الدّرس (١) والدّراسة بمعنى القراءة ، سمّى به لكثرة ما درس من كتب الله عزوجل ، فإنّه كان يحفظ صحف آدم وصحف شيث / على ظهر قلبه ، وكانت صحف آدم واحدا وخمسين صحيفة ، وصحف شيث عشرين ، وصحفه خاصّة ثلاثين ، وكان يحفظ الجميع ويدرّسه.

قال النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما اجتمع قوم فى مسجد من مساجد الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه إلّا نزلت عليهم السّكينة وغشيتهم الرّحمة ، وذكرهم الله فيمن عنده (٢)»

قال :

العلم أنفس علق أنت ذاخره

من يدرس العلم لم تدرس مفاخره

فاجهد لتعلم ما أصبحت تجهله

فأوّل العلم إقبال وآخره

وكان إدريس أوّل من خطّ ، وأوّل من خاط ، وأوّل من أخبر عن علم الهيئة والحساب وأحكام النّجوم وتأثير الكواكب بالتّأييد السّماوىّ والمدد الرّبّانىّ ، رفع الله عنه بدعائه إحساس حرارة الشمس ، وعبد الله حتّى تمنّت الملائكة المقربون صحبته.

ودعاه الله فى التّنزيل باثنى عشر اسما : السّاجد ، والباكى (خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا)(٣) مجتبى ومهدىّ (وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا)(٤) ، رفيع الشّأن علىّ المكان (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا)(٥). صالح (وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ)(٦) ، صابر (كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ)(٧) ، صدّيق ونبىّ

__________________

(١) اشتقاقه من الدرس فرع عربيته والأرجح أنه اسم أعجمى.

(٢) أخرجه أبو داود فى سننه عن أبى هريرة كما فى الفتح الكبير.

(٣) الآية ٥٨ سورة مريم

(٤) الآية ٥٨ سورة مريم.

(٥) الآية ٥٧ سورة مريم.

(٦) الآية ٧٢ سورة الأنبياء

(٧) الآية ٨٥ سورة الأنبياء.

٥١

(إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا)(١) ، مذكور وإدريس (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ)(٢) وذكره باسمه فى موضعين (٣) :

(وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ)(٤) ، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ)(٥).

أنشدنا بعضهم :

اصدق ولا تأت قطّ تلبيسا

ولا يرى الله منك تدليسا

إدريس فى علمه وحكمته

بالأنجم الزّهر كان نقريسا

مكانه عزّ من مكانته

أنزله صدقه الفراديسا

وآية إجلاله وعزّته

فى «واذكر فى الكتاب إدريسا»

__________________

(١) الآية ٥٦ سورة مريم.

(٢) الآية ٥٦ سورة مريم.

(٣) فى المخطوطتين : ثلاثة مواضع ، ولم يصرح باسمه فى القرآن إلا فى موضعين كما هو مذكور فى المعجم المفهرس

(٤) الآية ٨٥ سورة الأنبياء.

(٥) الآية ٥٦ سورة مريم.

٥٢

١٠ ـ بصيرة

فى ذكر يونس عليه‌السلام

وفيه ثلاث لغات : ضمّ نونه وفتحه وكسره ، وهو اسم علم أعجمىّ ممتنع من الصّرف ، وقيل : مشتق وزنه يفعل من آنس يؤنس إيناسا بمعنى أبصر ، قال الله تعالى : (آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً)(١) ، وقيل من الأنس ضدّ الوحشة ، سمّى به لأنسه بطاعة الله ، أو لأنّه أبصر رشده فى العبادة. قيل : أوحى الله تعالى إلى يونس أن قل لأمّتك قولوا لا إله إلّا الله ثم اعملوا ما شئتم.

وقال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تفضّلونى على يونس بن متّى» (٢) وقال : «من قال أنا خير من يونس بن متّى فقد كذب» (٣).

ودعاه الله تعالى فى القرآن بأحد عشر لقبا : ذو النّون ومغاضب فقال (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً)(٤) ، ومنادى الحقّ (فَنادى فِي الظُّلُماتِ)(٥) ، ومستجاب الدّعوة (فَاسْتَجَبْنا لَهُ)(٦) والمنجّى (وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِ)(٧) ، والمرسل (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ)(٨) والآبق إلى الحقّ (إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)(٩) ، والمدحض (فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ)(١٠) ، مليم (وَهُوَ مُلِيمٌ)(١١) ، مسبّح (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ)(١٢) ، صاحب الحوت (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ)(١٣) ، مكظوم (إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ)(١٤) ، مجتبى وصالح (فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ)(١٥).

__________________

(١) الآية ٢٩ من سورة القصص

(٢) أخرجه البخارى عن ابن عباس برواية لا يقولن أحد إنى خير من يونس بن متى ، وبرواية أخرى : ما ينبغى لعبد أن يقول (باب قوله تعالى وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ).

(٣) أخرجه البخارى والترمذى وابن ماجه عن أبى هريرة (الفتح الكبير).

(٤) الآية ٨٧ سورة الأنبياء.

(٥) الآية ٨٧ سورة الأنبياء.

(٦) الآية ٨٨ سورة الأنبياء.

(٧) الآية ٨٨ سورة الأنبياء.

(٨) الآية ١٣٩ سورة الصافات.

(٩) الآية ١٤٠ سورة الصافات.

(١٠) الآية ١٤١ سورة الصافات.

(١١) الآية ١٤٢ سورة الصافات

(١٢) الآيتان ١٤٣ ، ١٤٤ سورة الصافات.

(١٣) الآية ٤٨ سورة القلم.

(١٤) الآية ٤٨ سورة القلم

(١٥) الآية ٥٠ سورة القلم.

٥٣

وذكره الله تعالى باسمه فى مواضع من التّنزيل : (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ)(١). (فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ)(٢) ، (وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ)(٣). ويروى أنّه لمّا التهمه الحوت جعل يسبّح الله تعالى فى بطنه فقالت ملائكة السّماء يا ربّنا إنّا نسمع صوت عبد معروف من مكان مجهول ، فقال الله تعالى : ذاك صوت عبدى يونس قنّط عبادى / من رحمتى فأوقعته فى ظلمة البحر وبطن الحوت. وكان يونس ينوح على نفسه فى جوف الحوت ويقول : إلهى من الجبال انزلتنى ، ومن بين العباد أخرجتنى ، وفى البحار صيّرتنى ، وفى بطن الحوت حبستنى ، وبشؤم الزلّة ابتليتنى ، فلو نجّيتنى من سجنك لأعبدنّك عبادة لم يعبدك أحد من العالمين ، (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)(٤).

قال :

آثر الله فارض بالقوت

لا تسخّط قضاء موقوت

إنّما الصّبر والرّضا عقدا

عقدين من لؤلؤ وياقوت

أخو الرّضا صائر إلى مقة

وصاحب السّخط شرّ ممقوت

قيل لصدر الأنام ارض ولا

تكن جزوعا كصاحب الحوت

__________________

(١) الآية ١٣٩ سورة الصافات.

(٢) الآية ٩٨ سورة يونس.

(٣) الآية ٨٦ سورة الأنعام.

(٤) الآية ٨٧ سورة الأنبياء.

٥٤

١١ ـ بصيرة

فى ذكر لوط عليه‌السلام

وهو اسم أعجمىّ مثال نوح يجوز (١) صرفه ، وهو أوّل من سمّى بهذا الاسم ، وهو لوط ابن هارون بن تارح ويقال تيرح ، وهو ابن أخى إبراهيم الخليل عليه‌السلام.

وقد ذكره الله فى القرآن بعشرة أسماء : النّاجى (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ)(٢) ، الشّاكر (كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ)(٣) ، نذير (فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ)(٤) ، منذر (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا)(٥) مرسل (وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ)(٦) ، الأخ (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ)(٧) ، رسول (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ)(٨) ، متطهّر (إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ)(٩).

ودعاه باسمه فى عشرة مواضع من القرآن : (وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا)(١٠) ، (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ)(١١) ، (يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ)(١٢) ، (إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ)(١٣) ، (جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ)(١٤) ، (يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ)(١٥) ، (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ)(١٦) ، (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ)(١٧) ، (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ)(١٨).

خرج لوط من أرض عراق (١٩) مع عمّه إبراهيم تابعا له على دينه مهاجرا إلى الشّام ،

__________________

(١) إنما الجواز فى المؤنث كهند ودعد أما المذكر فقد ألزموه الصرف وذلك لأنه على ثلاثة أحرف أوسطه ساكن وهو على غاية الخفة فقاومت خفته أحد السببين لسكون وسطه.

(٢) الآية ٣٤ سورة القمر

(٣) الآية ٣٥ سورة القمر.

(٤) الآية ٣٦ سورة القمر.

(٥) الآية ٣٦ سورة القمر.

(٦) الآية ١٣٣ سورة الصافات.

(٧) الآية ١٦١ سورة الشعراء.

(٨) الآية ١٦٢ سورة الشعراء.

(٩) الآيتان : ٨٢ سورة الأعراف ، ٥٦ سورة النمل

(١٠) الآية ٨٦ سورة الأنعام.

(١١) الآية ٨٠ سورة الأعراف

(١٢) الآية ٧٤ سورة هود.

(١٣) الآية ٧٠ سورة هود

(١٤) الآية ٧٧ سورة هود

(١٥) الآية ٨١ سورة هود

(١٦) الآية ١٦٠ سورة الشعراء.

(١٧) الآية ١٦١ سورة الشعراء.

(١٨) الآية ٣٤ سورة القمر.

ويلاحظ أن المواضع هنا تسعة ولعل الموضع العاشر هو الوارد فى الآية ٢٦ سورة العنكبوت (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) وقد عدها المعجم المفهرس ٢٧.

(١٩) فى قصص الأنبياء للثعلبى (ط. الشرفية) ٩٧ : (بابل).

٥٥

ومعهما سارة امرأة إبراهيم ، وخرج معها آزر أبو إبراهيم مخالفا لإبراهيم فى دينه ، مقيما على كفره ، حتّى وصلوا حرّان ، فمات آزر ومضى إبراهيم ولوط وسارة إلى الشّام ، ثمّ مضوا إلى مصر ثمّ رجعوا إلى الشّام ، فنزل إبراهيم فلسطين ، ونزل لوط الأردنّ ، فأرسله الله تعالى إلى أهل سدوم وما بينهما ، وكانوا كفّارا يأتون الفواحش ، ومنها إتيان الذّكران ما سبقهم بها من أحد من العالمين ، ويتضارطون فى مجالسهم ، فلمّا طال تماديهم فى غيّهم ولم ينزجروا دعا عليهم لوط وقال : (رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ)(١) فأجاب الله دعاءه وبعث جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم‌السلام لإهلاكهم وبشارة إبراهيم بالولد ، فأقبلوا فى صورة رجال مرد حسان ، فنزلوا على إبراهيم ضيفانا وبشّروه بإسحاق ويعقوب. ولمّا جاء آل لوط العذاب فى السّحر اقتلع جبريل قريات لوط الأربع ، فى كلّ قرية مائة ألف ، ورفعهنّ على جناحه بين السّماء والأرض حتى سمع أهل الدّنيا نباح كلابهم وصياح ديكتهنّ ثمّ قلبهنّ فجعل عاليها سافلها وذلك قوله تعالى : (جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ)(٢). وهلكت امرأة لوط مع الهالكين. قال أبو بكر بن عيّاش (٣) : استغنت رجالهم برجالهم ، ونساؤهم بنسائهم ، فكان عليهم من العذاب ما كان. قال بعضهم :

طهّر فؤادك واحتضنه محوطا

لا تمنحنه قساوة وقنوطا

/ إنّ الّذين استبدلوا من طيّب

خبثا رأوا فى إثر ذاك حبوطا

بحجارة منضودة موسومة

الله أمطرها فشدّ سقوطا

جعلت أعالى دارهم كأسافل

وأباد خضراهم ونجّى لوطا

__________________

(١) الآية ٣٠ سورة العنكبوت.

(٢) الآيتان : ٨٢ ، ٨٣ سورة هود.

(٣) انظر قصص الأنبياء للثعلبى / ١٠١.

٥٦

١٢ ـ بصيرة

فى ذكر شعيب عليه‌السلام

وهو شعيب (١) بن يصهر ، قال عطاء وغيره : هو شعيب بن ميكيل (٢) بن يشجر بن مدين ابن إبراهيم الخليل. وكان يقال لشعيب خطيب الأنبياء ، وكان رسولا إلى أهل مدين أصحاب الأيكة ، وكان كثير الصّلاة والعبادة ، وكان عذاب قومه بالنّار ، وكان عصى موسى تذكرة منه إليه. وقد ذكره الله تعالى فى مواضع من التّنزيل ، ودعاه بأربعة عشر اسما : مرسل (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ)(٣) ، أخ (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً)(٤) ، رسول : (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ)(٥) ، أب وشيخ كبير (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ)(٦) ، صادق (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)(٧) ، صالح (إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ)(٨) ، خائف (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ)(٩) ، حليم ورشيد : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)(١٠) ، متوكّل ومنيب (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)(١١).

وذكره باسمه فى مواضع : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً)(١٢) ؛ (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ)(١٣)(لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً)(١٤) ، (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ)(١٥) ، (يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ)(١٦) ، (يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ)(١٧) ، (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً)(١٨).

__________________

(١) فى نهاية الأرب ١٣ / ١٦٧ ، وقصص الأنبياء / ١٥٧ : «شعيب بن صنعون بن عفا بن نابت بن مدين بن إبراهيم.

(٢) فى الثعلبى : ميكائيل.

(٣) الآية ١٧٦ سورة الشعراء.

(٤) الآية ٨٥ سورة الأعراف.

(٥) الآية ١٧٨ سورة الشعراء.

(٦) الآية ٢٣ سورة القصص.

(٧) الآية ٧٠ سورة الأعراف وهى واردة على لسان قوم هود والآية ١٠٦ من السورة نفسها وهى واردة على لسان فرعون مع موسى.

(٨) الآية ٢٧ سورة القصص.

(٩) الآية ٨٤ سورة هود. وقد جاء فى النسختين (يوم عظيم) وهى واردة فى آية ٥٩ من سورة الأعراف على لسان نوح إلى قومه وما أثبتناه هو الوارد على لسان شعيب.

(١٠) الآية ٨٧ سورة هود.

(١١) الآية ٨٨ سورة هود.

(١٢) الآية ٨٥ سورة الأعراف والآية ٣٦ سورة العنكبوت.

(١٣) الآية ٨٨ سورة الأعراف.

(١٤) الآية ٩٠ سورة الأعراف.

(١٥) الآية ٩١ سورة الأعراف.

(١٦) الآية ٨٧ سورة هود.

(١٧) الآية ٩١ سورة هود.

(١٨) الآية ٩٤ سورة هود.

٥٧

ولم يكن فى الأنبياء بعد نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفصح ولا أبلغ من شعيب. قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قصّته فى سورة وما كان منه ومن قومه وتأمّل فى ألفاظ تذكيره لقومه فقال : «رحم الله أخى شعيبا ، ذاك خطيب الأنبياء ، كان يحسن مراجعة قومه».

قال بعضهم :

أصاح أنّ الفصاحة خير خلّ

تكلّف حولها سيف وسيب

فما فى مبتداه عمر وعى

وما فى المنتهى شكّ وريب

حديث جاءنا حسن صحيح

رواه عن الرّسول لنا خبيب

فقال لقوله لمّا تلاه

خطيب الأنبياء أخى شعيب

٥٨

١٣ ـ بصيرة

ذكر أيّوب عليه‌السلام

وأيّوب اسم أعجمىّ غير منصرف كسائر نظائره ، وقيل : عربىّ معناه الرّجّاع إلى الحقّ فى جميع أحواله من المحنة والبلاء ، والمنحة والرّخاء ، من آب يئوب أوبا وإيابا ، فهو آئب وأوّاب. وقيل : هو فى اللّغة العبرية معناه أيضا الرّجّاع إلى الله فى كلّ حال. وروينا فى الصّحيحين عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «بينا أيّوب يغتسل عريانا خرّ عليه رجل جراد من ذهب ، فجعل يحثى فى ثوبه ، فناداه ربّه : يا أيّوب ألم أكن أغنيتك عمّا ترى؟ قال بلى يا ربّ ولكن لا غنى بى عن بركتك (١)» : ويروى أنّ أيّوب ناجى ربّه وقال : إلهى ما رأيت عريانا إلّا ألبسته ، ولا جائعا [إلا] أشبعته ، فلم ابتليتنى؟ فنودى صدقت ، ولكنّك لو أصبحت أسيرا فى يد عبد من عبيدى يحكّم فيك ما يريد لأصبحت فى بلاء أشدّ من هذا ، ولكنّك أصبحت فى يدى وأنا أرحم الرّاحمين. وقيل : لمّا اشتدّ البلاء بأيّوب قيل له لو دعوت الله حتّى يشفيك! فقال : قد أتى علىّ فى الرّخاء سبعون ، لأصبرنّ إلى أن يأتى علىّ فى البلاء سبعون ، فإن زاد البلاء على الرّخاء ، فحينئذ أدعو ربّى. وقيل : لمّا قدّم أيّوب فى البلاء جسمه قدّم الله فى الثّناء اسمه ، إشارة إلى أنّ أسماء جميع الأنبياء فى / أثناء قصصهم واسم أيّوب فى صدر قصّته.

وقد دعاه الله تعالى فى القرآن بأسماء : صابر (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ)(٢) ، أوّاب : (إِنَّهُ أَوَّابٌ)(٣) منادى : (إِذْ نادى رَبَّهُ)(٤) ، وهو أوّل من دعا الله بأرحم الرّاحمين.

وذكره الله تعالى باسمه فى كتابه العزيز قال تعالى : (كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً) إلى قوله : (وَأَيُّوبَ)(٥) ، (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ)(٦) ، (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ)(٧) ،

__________________

(١) أخرجه الإمام أحمد فى مسنده والبخارى والنسائى عن ابى هريرة (الفتح الكبير) ، ورجل جراد : جماعة كثيرة منه.

(٢) الآية ٤٤ سورة ص.

(٣) الآية ٤٤ سورة ص.

(٤) الآيتان : ٨٣ سورة الأنبياء ، ٤١ سورة ص.

(٥) الآية ٨٤ من سورة الأنعام.

(٦) الآية ٨٣ سورة الأنبياء.

(٧) الآية ٤١ سورة ص.

٥٩

ويروى أنّ الله تعالى أوحى إلى أيّوب بأنّ هذا البلاء قد اختاره سبعون نبيّا قبلك ، فما اخترته إلّا لك ، فلمّا أراد الله كشفه قال : (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ)(١) حتّى زال عنه ما اختاره الله له. قال بعضهم :

استصحب الصّبر يوما ظلّ منكوبا

إن كنت ذا قدرة أو كنت مغلوبا

الصّبر للفرج المرجوّ منعرج

الصّبر صبر أمرّ المرّ مقلوبا

يعقوب فى أسف يرثى لصاحبه

فالصّبر جاء به أعطاه يعقوبا

أيّوب فى صبره يشكو مضرّته

أشفى عليه الشفا فانتاب أيّوبا

وكان أيّوب ببلاد حوران من الشّام ، وقبره فى قرية بقرب نوى (٢) ، عليه مشهد ومسجد وقرية موقوفة على مصالحه ، وعين جارية فيها قدم فى حجر يقولون إنّه أثر قدمه ، والناس يغتسلون من العين ويشربون متبرّكين ، ويقولون إنّها المذكورة فى القرآن ، وهناك صخرة عليها مشهد يقولون إنّه كان يستند إليها.

__________________

(١) الآية ٨٣ سورة الأنبياء.

(٢) فى معجم البلدان : من أعمال حوران وقيل هى قصبتها ، بينها وبين دمشق منزلان ، وهى منزل أيوب عليه‌السلام.

٦٠