بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٦

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٦

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: عبدالعليم الطحاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٨

والرّفق والخلق ، والمداراة ، والمجد ، والشّرف ، والدّيانة ، والصّيانة ، وإنجاز الوعد ، وإكرام الضّيف ، والصّمت ، وكتمان السرّ ، والمروءة ، والفتوّة ، والحياء ، والكرم ، والجود ، والسّخاء ، والعزم ، والحزم ، والرأى الصّائب ، والنّصيحة ، والهيبة والمراقبة واغتنام وقت التّوبة ، والإنابة ، والقناعة ، والزّهد ، والتّوكّل ، والرّضا بالقضاء ، ومجاهدة النفس / والتّقوى ، والخوف ، والخشية ، والخشوع ، والخضوع ، والبكاء ، والحزن ، والرّجاء ، والذّكر ، والشّكر ، والصّبر ، والإرادة ، والشّوق ، والتّوق ، والصّدق ، واليقين ، والإخلاص ، والأنس ، والقرب ، والحيرة ، والمحبّة ، والمودّة ، وتعظيم أمر الله ، والشّفقة على الأمّة.

وقال بعض المحدثين :

كان النبىّ جميع اللّيل أوّاها

والخوف يسكب من عينيه أمواها

باليوم يدعو عباد الله فى لطف

باللّيل يبكى على إشفاقه الله

تورّمت قدماه فى تقدّمه

على قيام الليالى يطلب الجاها

يا جبرئيل أجب وحيا وطر عجلا

وقل لسيّد سادات الورى طاها

٢١

٢ ـ بصيرة

فى ذكر آدم عليه‌السلام

له أسماء خمسة : الإنسان ، والبشر ، وأبو البشر ، وآدم ، والخليفة.

أمّا آدم فمشتقّ من الأدمة (١) ، وهى بياض اللّون. وقيل : لون بين البياض والسّواد كلون الحنطة ، وقيل : لأنّه خلق من أديم (٢) الأرض.

وأمّا الخليفة فلقوله تعالى : (جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)(٣) والخليفة والخليف من يخلف من تقدّمه. وكان آدم خلف قوما من الخلق يسمّون الجان بن الجان ، ولكونه ناب مناب ملائكة السّماء.

وأمّا البشر فلقوله تعالى : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ)(٤) قيل : وسمّى بشرا لمباشرته عظائم الأمور. وقيل : لما كان فى وجهه من البشر والبشاشة.

وسمّى إنسانا لأنسه بجنسه ، فالإنسان (٥) من اجتمع فيه إنسان أنسه بالغير وأنس الغير به ، وقيل : اشتقاق من النّوس (٦) وهو الحركة لكثرة حركته فيما يتحرّاه ، وقيل : من الإيناس وهو الإبصار ، لأنّه ببصره الظّاهر وبصيرته الباطنة يرى رشده ويصل إليه. وفى بعض الآثار أنّ آدم عليه‌السلام قيل له : كيف وجدت نفسك عند الزلّة؟ قال كرجل انكسرت أعضاؤه فلم يبق مفصل مع مفصل ، فقيل له : كيف وجدت نفسك عند الخروج من الجنّة؟ فقال : الموت أهون علىّ من ذلك. وفى الحديث أنّ موسى قال له ليلة المعراج : «يا آدم أخرجتنا من الجنّة! فقال : يا موسى هو شيء كتبه الله علىّ

__________________

(١) قال الإمام الزمخشرى فى تفسيره (سورة البقرة) : واشتقاقهم آدم من الأدمة ومن أديم الأرض نحو اشتقاقهم يعقوب من العقب ، وإدريس من الدرس ، وإبليس من الإبلاس ، وما آدم إلا اسم أعجمى. وأقرب أمره أن يكون على فاعل كآزر وعازر وعابر وشالخ وفالغ وأشباه ذلك.

(٢) راجع لسان العرب (أدم)

(٣) الآية ٣٠ سورة البقرة

(٤) الآية ٧١ سورة ص

(٥) اللسان (آنس)

(٦) اللسان (نوس)

٢٢

أم شيء من ذات نفسى؟ فقال : لا بل شيء كتب الله (١) عليك. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فعند ذلك حجّ آدم موسى» ، أى غلبه (٢).

وقد ذكره الله تعالى فى القرآن فى عشرين (٣) موضعا ، ففى سبعة مواضع مختصّ بالذكر وحده ، وفى سبعة مواضع مقترن بذكر بنيه.

أمّا ذكره منفردا ففى قوله تعالى : (كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ)(٤) ، (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها)(٥) ، (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ)(٦) ، (اسْجُدُوا لِآدَمَ)(٧) ، (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(٨) ، (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ)(٩) ، (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ)(١٠) ، (يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ)(١١) ، (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ)(١٢).

وأمّا المقترن ببنيه ففى قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ)(١٣) ، (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً)(١٤) ، (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)(١٥) ، (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)(١٦) ، (يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي)(١٧) ، (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ)(١٨) ، (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ)(١٩) ، أنشد بعض المحدثين :

__________________

(١) تكملة من ب

(٢) أخرجه البخارى عن أبى هريرة (انظر باب وفاة موسى) ، ج ٤ / ١٣١ (٧٩ باب الأنبياء.

(٣) هى خمسة وعشرون موضعا (انظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن

(٤) الآية ٥٩ سورة آل عمران

(٥) الآية ٣١ سورة البقرة

(٦) الآية ٣٣ سورة البقرة

(٧) الآيات ٣٤ سورة البقرة ، ١١ سورة الأعراف ، ٦١ سورة الإسراء ، ٥٠ سورة الكهف ، ١١٦ سورة طه

(٨) الآيتان ٣٥ سورة البقرة ، ١٩ سورة الأعراف

(٩) الآية ٣٣ سورة آل عمران

(١٠) الآية ٣٧ سورة البقرة

(١١) الآية ١١٧ سورة طه

(١٢) الآية ١٢١ سورة طه

ومما لم يذكره قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) الآية ١١٥ سورة طه ، وقوله تعالى : فى الآية ١٢٠ من سورة طه : (قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى)

(١٣) الآية ٧٠ سورة الإسراء

(١٤) الآية ٢٦ سورة الأعراف

(١٥) الآية ٣١ سورة الأعراف

(١٦) الآية ١٧٢ سورة الأعراف

(١٧) الآية ٣٥ سورة الأعراف

(١٨) الآية ٢٧ سورة الأعراف

(١٩) الآية ٦٠ سورة يس

٢٣

/ منّتك نفسك ضلّة فأطعتها

سبل الرّشاد وهنّ غير قواصد

تضع الذّنوب على الذّنوب وترتجى

درك الجنان بها وفوز العابد

أنسيت أنّ الله أخرج آدما

من جنّة المأوى بذنب واحد

قال أبو إسحاق الزّجّاج : اختلفت الآيات فيما بدئ به خلق آدم ، ففى موضع : (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ)(١) ، وفى موضع : (مِنْ طِينٍ لازِبٍ)(٢) ، وفى موضع : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ)(٣) ، وفى موضع : (مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ)(٤) قال : وهذه الألفاظ راجعة إلى أصل واحد ، وهو التّراب الذى هو أصل الطّين ، فأعلمنا الله عزوجل أنّه خلق من تراب جعل طينا ، ثمّ انتقل فصار كالحمإ المسنون ، ثمّ انتقل فصار صلصالا كالفخّار.

وقال الثعالبى فى قوله تعالى حكاية عن إبليس أنّه قال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)(٥). قال الحكماء أخطأ عدوّ الله فى تفضيله النّار على الطّين ، لأنّ الطّين أفضل من النّار لوجوه :

أحدها : أنّ من جوهر الطّين الرّزانة ، والسّكون ، والوقار ، والحلم ، والأناة ، والحياء ، والصّبر ، وذلك سبب توبة آدم وتواضعه وتضرّعه فأورثه المغفرة والاجتباء والهداية ، ومن جوهر النّار الخفّة والطّيش والحدّة والارتفاع والاضطراب ، وذلك سبب استكبار إبليس ، فأورثه اللّعنة والهلاك.

والثّانى : أنّ الجنّة موصوفة بأنّ ترابها المسك ، ولم ينقل أنّ فيها نارا.

الثالث : أنّها سبب العذاب بخلاف الطّين.

الرّابع : أنّ الطّين مستغن عن النار ، والنّار محتاجة إلى مكان وهو التّراب.

الخامس : أنّ الطّين سبب جمع الأشياء ، والنّار سبب تفريقها. وفى صحيح مسلم عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إنّ الله تعالى خلق آدم يوم الجمعة» (٦). وفى تاريخ دمشق

__________________

(١) الآية ٥٩ سورة آل عمران

(٢) الآية ١١ سورة الصافات

(٣) الآيات ٢٦ و ٢٨ و ٣٣ سورة الحجر

(٤) الآية ١٤ سورة الرحمن

(٥) الآيتان ١٢ سورة الأعراف ، و ٧٦ سورة ص

(٦) أخرجه مسلم وأحمد فى مسنده عن أبى هريرة (الفتح الكبير.

٢٤

عن عائشة رضى الله عنها ، قالت : كان النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : أنا أشبه الناس بأبى آدم عليه‌السلام ، وكان أبى إبراهيم أشبه الناس خلقا وخلقا ، خلقه الله عزوجل بيده ، وأسجد له ملائكته ، وأسكنه جنّته. واصطفاه ، وكرّم ذرّيّته ، وعلّمه جميع الأسماء ، وجعله أوّل الأنبياء ، وعلّمه ما لم يعلمه الملائكة المقربون ، وجعل من نسله الأنبياء والمرسلين والأولياء والصّدّيقين.

واشتهر فى كتب التواريخ (١) أنّه عاش ألف سنة ، وأنّه توفّى بمكّة ، ودفن فى جبل أبى قبيس ، وحجّ على رجليه ستّين حجّة من أقصى بلاد الهند.

__________________

(١) راجع فى هذا قصص الأنبياء للثعلبى / ٤٤ ونهاية الأرب ١٣ / ٣٤.

٢٥

٣ ـ بصيرة

فى ذكر نوح عليه‌السلام

ونوح اسم أعجمىّ ، والمشهور صرفه لسكون وسطه ، وقيل : يجوز صرفه وترك صرفه ، قال الله تعالى : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ)(١). وقيل : عربىّ واشتقاقه من النّوح ، ناح ينوح نوحا ونواحا ونياحا ونياحة ، فقيل له نوح لأنّه أقبل على نفسه باللّوم وناح عليها. واختلفوا فى سبب ذلك ، فقيل : سببه أنّه عاب على صورة كلب وقبّحه ، فأوحى إليه هل تعيب الصّورة أو المصوّر؟ فعرف أنّه قد أخطأ ، واشتغل بلوم نفسه ، وقيل : لأنّه دعا على قومه بقوله : (لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً)(٢) ، وقيل : بل لأنّه كان ينوح على قومه ويتأسّف لكونهم غرقوا بلا توبة ورجوع إلى الله ، وقيل غير ذلك. وفى الحديث «إذا أراد الله بعبد خيرا أقام فى قلبه نائحة». قال :

سر فى بلاد الله سيّاحا

وكن على نفسك نوّاحا

وامش بنور الله فى أرضه

كفى بنور الله مصباحا

وفى الحديث : «النّياحة من عمل الجاهليّة» (٣) وفيه : «من نيح [عليه] يعذّب بما نيح عليه» (٤) يعنى إذا أوصى به. قال :

وفتى كأنّ جبينه قمر الضّحى

قامت عليه نوائح ورواجس

غرس الفسيل مؤمّلا لثماره

فنما الفسيل ومات [قبل] الغارس

وقد ذكر الله تعالى نوحا فى القرآن العظيم وسمّاه بثلاثين اسما ، فسمّاه : مرسلا بقوله : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ)(٥) ، ورسولا : (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ)(٦) ، ونذيرا ومبينا :

__________________

(١) الآية ٣ سورة الإسراء

(٢) الآية ٢٦ سورة نوح

(٣) أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس (الفتح الكبير)

(٤) أخرجه الشيخان والترمذى وأحمد عن المغيرة (الفتح الكبير)

(٥) الآية ١٠٥ سورة الشعراء

(٦) الآية ١٠٧ سورة الشعراء

٢٦

(إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)(١) ، ومسلّما : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ)(٢) ، ومباركا : (وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ)(٣) ، ومحسنا : (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)(٤) ، ومؤمنا : (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ)(٥) ، ومنجّى : (وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ)(٦) ، ومنادى : (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ)(٧) ، ومستجاب الدّعوة : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ)(٨) ، وداعيا ، (إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً)(٩) ، ومنذرا : (أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ)(١٠) ، ومنصورا : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا)(١١) ، وصانع الفلك : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا)(١٢) ، وحامدا : (فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا)(١٣) ، ومحمولا : (حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ)(١٤) ، (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ)(١٥) ، وبشرا : (ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا)(١٦) ، ورجلا : (عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ)(١٧) ، وخائفا : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(١٨) ، وعبدا : (فَكَذَّبُوا عَبْدَنا)(١٩) ، وشكورا : (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً)(٢٠) ، ومغلوبا : (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ)(٢١) ، وناصحا : (وَأَنْصَحُ لَكُمْ)(٢٢) ، ومجادلا : (يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا)(٢٣) ، ولابثا : (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً)(٢٤) ، وهابطا : (يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا)(٢٥) ، ومعلنا ومسرّا : (أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً)(٢٦) ، وقومه سمّوه مجنونا.

وذكره الله تعالى باسمه فى ستة وثلاثين موضعا من القرآن : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ)(٢٧) ، (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ)(٢٨) ، (كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً

__________________

(١) الآية ٥٠ سورة الذاريات

(٢) الآية ٧٩ سورة الصافات

(٣) الآية ٤٨ سورة هود

(٤) الآية ٨٠ سورة الصافات

(٥) الآية ٨١ سورة الصافات

(٦) الآية ٧٦ سورة الصافات

(٧) الآية ٧٥ سورة الصافات

(٨) الآية ٧٦ سورة الأنبياء

(٩) الآية ٥ سورة نوح

(١٠) الآية ١ سورة نوح

(١١) الآية ٧٧ سورة الأنبياء

(١٢) الآية ٣٧ سورة هود

(١٣) الآية ٢٨ سورة المؤمنين

(١٤) الآية ١١ سورة الحاقة

(١٥) الآية ١٣ سورة القمر

(١٦) الآية ١٥٤ سورة الشعراء وليست واردة فى الحديث عن نوح وإنما عن صالح وكذلك آية ١٨٦ من سورة الشعراء أيضا فهى واردة فى الحديث عن شعيب.

(١٧) الآية ٦٣ سورة الأعراف

(١٨) الآية ٥٩ سورة الأعراف

(١٩) الآية ٩ سورة القمر

(٢٠) الآية ٣ سورة الاسراء

(٢١) الآية ١٠ سورة القمر

(٢٢) الآية ٦٢ سورة الأعراف

(٢٣) الآية ٣٢ سورة هود

(٢٤) الآية ١٤ سورة العنكبوت

(٢٥) الآية ٤٨ سورة هود

(٢٦) الآية ٩ سورة نوح

(٢٧) صدر سورة نوح

(٢٨) الآية ١٦٣ سورة النساء

٢٧

هَدَيْنا)(١) ، (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ)(٢) ، (خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ)(٣) ، (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ)(٤) ، (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ)(٥) ، (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ)(٦) ، (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ)(٧) ، (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ)(٨) ، (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي)(٩) ، (يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ)(١٠) ، (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ (١١)) (اعْبُدُوا اللهَ)(١٢) ، (وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ)(١٣) ، (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ)(١٤) ، (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ)(١٥) ، (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ)(١٦) ، (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ)(١٧) ، (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً)(١٨) ، (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ)(١٩) ، (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ)(٢٠) ، (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ)(٢١) ، (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ)(٢٢) ، (قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي)(٢٣) ، (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً)(٢٤).

قال الثعلبىّ (٢٥) : هو نوح بن لامك أو لمك بن متوشلح (٢٦) بن أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن أنوش بن قينان بن شيث بن آدم. أرسله الله إلى ولد قابيل ومن تابعهم من ولد شيث.

قال ابن عبّاس وكان بطنان من ولد آدم أحدهما يسكن السّهل والآخر يسكن الجبل ، وكان رجال / الجبل صباحا وفى النّساء دمامة ، وكانت نساء السّهل صباحا وفى الرجال دمامة ،

__________________

(١) الآية ٨٤ سورة الأنعام

(٢) الآية ٣٦ سورة هود

(٣) الآية ٦٩ سورة الأعراف

(٤) الآية ٧١ سورة يونس

(٥) الآية ٧٠ سورة التوبة

(٦) الآية ١٢ سورة غافر

(٧) الآية ١٠٦ سورة الشعراء

(٨) الآية ٤٢ سورة هود

(٩) الآية ٤٥ سورة هود

(١٠) الآية ٤٨ سورة هود

(١١) الآية ٢٣ سورة المؤمنين

(١٢) الآية ٧٦ سورة الأنبياء

(١٣) الآية ٣ سورة الإسراء

(١٤) الآية ٣٣ سورة آل عمران

(١٥) الآيتان ٢٣ سورة المؤمنين و ١٤ سورة العنكبوت

(١٦) الآية ٧ سورة الأحزاب

(١٧) الآية ١٣ سورة الشورى

(١٨) الآيات ١٢ سورة ص ، ١٢ سورة غافر ، ١٢ سورة ق

(١٩) الآية ٤٦ سورة الذاريات

(٢٠) الآية ٣١ سورة غافر

(٢١) الآية ١ سورة نوح

(٢٢) الآية ٢١ سورة نوح

(٢٣) الآية ٢٦ سورة نوح

(٢٤) قصص الأنبياء ٥١

(٢٥) راجع فى اختلاف النسب وضبط أعلامه حواشى صفحة ٤

٢٨

فكثرت الفاحشة من أولاد قابيل ، وكانوا قد كثروا فى طول الأزمان وأكثروا الفساد ، فأرسل الله تعالى إليهم نوحا وهو ابن خمسين سنة ، فلبث فيهم ألف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم إلى الله تعالى كما أخبر الله تعالى به فى كتابه العزيز ، ويحذّرهم ويخوّفهم فلم ينزجروا ولهذا قال الله تعالى : (قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً)(١) ، وقال تعالى : (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى)(٢) ، فلمّا طال دعاؤه لهم وإيذاؤهم له ، وتماديهم فى غيّهم سأل الله تعالى فأوحى إليه (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ)(٣) ولمّا [أخبره](٤) أنّه لم يبق فى الأصلاب ولا الأرحام مؤمن دعا عليهم فقال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً)(٥) ، فأمره الله تعالى بإيجاد السفينة فقال : يا ربّ وأين الخشب؟ فقال : اغرس الشجر. فغرس السّاج ، وأتى على ذلك أربعون سنة ، وكفّ عن الدعاء عليهم ، وأعقم الله تعالى أرحام نسائهم فلم يولد لهم ولد.

فلمّا أدرك الشجر أمر الله تعالى بقطعه وتجفيفه وصنعه الفلك ، وأعلمه كيف يصنعه وجعل بابه فى جنبه. وكان طول السّفينة ثمانين ذراعا (٦) وعرضها خمسين ، وسمكها إلى السّماء ثلاثين ذراعا ، والذراع من اليد إلى المنكب (٧). وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنّ طولها كان ستمائة ذراع وستّون ذراعا ، وعرضها ثلاثمائة وثلاثين ذراعا ، وسمكها ثلاثة وثلاثين ذراعا. وأمر الله تعالى أن يحمل فيها من كلّ جنس من الحيوان زوجين اثنين ، وحشرها الله تعالى إليه من البرّ والبحر. قال مجاهد وغيره : كان التّنّور (٨) الذى ابتدأ فوران الماء منه فى الكوفة ، ومنها ركب نوح السّفينة. وقال مقاتل : هو بالشام فى قرية يقال لها عين الوركة (٩) قريب من بعلبكّ. وعن ابن عبّاس أنّه بالهند.

__________________

(١) الآيتان ٥ و ٦ سورة نوح

(٢) الآية ٥٢ سورة النجم

(٣) الآية ٣٦ سورة هود

(٤) تكملة من قصص الأنبياء

(٥) الآية ٢٦ سورة نوح

(٦) فى ا ، ب : مائتين ذراعا تصحيف ، وما أثبت عن قصص الأنبياء.

(٧) أردف الثعلبى بعد هذا التحديد للفلك قوله : هذا قول أهل الكتاب.

(٨) فى التنور أقوال ، قال على كرم الله وجهه ، هو وجه الأرض وكل مفجر ماء تنور ، وقيل أيضا تنوير الصبح ، وقيل هو الذى يخبز فيه (وانظر اللسان «تنر»).

(٩) فى قصص الأنبياء : عين ورد

٢٩

قالوا : وأوّل ما حمل فى السّفينة الذرّة وآخره الحمار ، وجعل السّباع والدّوابّ فى الطّبقة السّفلى ، والوحوش فى الطبقة الثانية ، والذرّ والآدميين فى الطّبقة العليا. قيل : كان الآدميّون فى السّفينة سبعة : نوح وبنو نوح : سام ، وحام ، ويافث ، وأزواج بنيه. وقيل ثمانية ، وقيل عشرة ، وقيل اثنان وسبعون ، وقيل : ثمانون من الرجّال والنّساء ، حكاه ابن عبّاس.

وعن ابن عبّاس أيضا أنّ الماء ارتفع حين صارت السّفينة أعلى من أطول جبل فى الأرض خمسة عشر ذراعا.

قالوا : وطافت السّفينة بأهلها الأرض كلّها فى ستّة أشهر ، ثمّ استقرّت على الجودىّ ـ جبل بالموصل ـ وكان ركوبهم السّفينة لعشر خلون من رجب (١) ، ونزلوا منها يوم عاشوراء من المحرّم. وبنى هو ومن معه فى السفينة ، حين نزلوا ، قرى فى أرض الجزيرة. ولمّا حضرته الوفاة وصّى إلى ابنه ، وكان سام قد ولد قبل الطوفان بثمان وتسعين سنة ، ويقال إنّه كان بكره.

وكان نوح أطول الأنبياء عمرا حتى قال بعضهم كان عمره ألفا وثلاثمائة سنة. ولمّا نزل الوحى عليه كان عمره ثلاثمائة وخمسين سنة ، فلبث ألف سنة / إلا خمسين عاما يدعوهم. وقالوا ما أسلم من الشياطين إلّا شيطانان ، شيطان نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وشيطان نوح عليه‌السلام.

وقال إبليس لنوح عليه‌السلام : خذ منىّ خمسا ، فقال لا أصدّقك ، فأوحى إليه أن صدّقه فى الخمس. قال : قل. قال : إيّاك والكبر فإنّى وقعت فيما وقعت بالكبر. وإيّاك والحسد ، فإنّ قابيل قتل هابيل أخاه بالحسد. وإيّاك والطّمع ، فإنّ آدم أورثه ما أورثه بالطّمع ، وإيّاك والحرص فإنّ حوّاء وقعت فيما وقعت بالحرص ، وإيّاك وطول الأمل فإنّهما وقعا فيما وقعا بطول الأمل.

__________________

(١) فى قصص الأنبياء للثعلبى ، كان ذلك فى شهر آب بالرومية. اه ونحن نمسك عن كل ما يرد فى هذه البصائر من تاريخ أو حوادث فصلت ما أجمله القرآن ، لأن أغلب ما وصل إلينا فيها حكايات لإسرائيليات الله أعلم بها وبمرمى واضعيها عصمنا الله من سرف القول ، وصاننا من الزلل فيه.

٣٠

مر النّاس بالمعروف واغد صبوحا

وحافظ عليهم روحة وصبوحا

عظ بعضهم وارفق وأعرض ولا تخف

بصبر وممّن تستميل جموحا

ألم تر نوحا ألف عام دعاهم

تأوّب أبوابا لهم وسطوحا

يلاطفهم قولا ويدعوهم إلى

مواعيد صدق فالتقوه كلوحا

يهدّونه صرحا ويرمونه حصى

وعند الدّعاء زادوا أذى وجموحا

فدمّرهم طوفان أمر عقوبة

من الله للإنذار أرسل نوحا

٣١

٤ ـ بصيرة

فى ذكر إبراهيم عليه‌السلام

وإبراهيم اسم أعجمىّ (١) ، وفيه لغات : إبراهام ، وإبراهوم ، وإبراهم ، وإبراهم ، وإبراهم ، وأبرهم ، وإبرهم ، قال عبد المطّلب :

عذت بما عاذ به إبراهم

[مستقبل القبلة وهو قائم (٢)

انفى (٣) لوجه القدس عان راغم

مهما تجشّمنى فإنّى جاشم

والجمع أباره وأباريه وأبارهة وبراهم وبراهيم وبراهمة وبراه (٤) وتصغيره (٥) بريه (٦) ، وقيل أبيره (٧) ، وقيل بريهيم (٨). وأكثر المحقّقين على هذا أنّه اسم جامد غير مشتقّ. وقال بعض المتكلّفين ، قال : إنّه اسم مركّب من البراء والبرء والبراءة ، ومن الهيمان والوهم والهمّة ، فقالوا : برئ من دون الله ، فهام قلبه بذكر الله. وقال بعضهم : برأ من علّة الزلّة فهمّ بالحلول فى محلّة الخلّة. وقيل برأه الله فى قالب القربة فهّم بصدق النيّة إلى ملكوت الهمّة. قال بعضهم :

وكنت بلا وجد أموت من الهوى

وهام علىّ القلب بالخفقان

فلمّا أرانى الوجد أنّك حاضرى

شهدتك موجودا بكلّ مكان

وقال بعضهم : إب بالسّريانيّة معناه الأب ، وراهيم معناه الرّحيم ، فمعناه أب رحيم.

__________________

(١) فى تاج العروس : أى سريانى ، ومعناه عندهم : أب رحيم.

(٢) تكملة من اللسان (برهم).

(٣) فى ا ، ب : أهى والتصويب من التاج والرواية فى اللسان (برهم): * إنى لك اللهم عان راغم*

(٤) أجازه ثعلب

(٥) فى التاج : قال شيخنا : كأنهم جعلوه عربيا وتصرفوا فيه بالتصغير وإلا فالأعجمية لا يدخلها شيء من التصريف بالكلية

(٦) بطرح الهمزة والميم. نقله الجوهرى.

(٧) بناء على أن الألف من الأصل لأن بعدها أربعة أحرف أصول ، والهمزة لا تلحق بنات الأربعة زائدة فى أولها وذلك يوجب حذف آخره كما يحذف من سفرجل فيقال : سفيرج. وهذا قول المبرد.

(٨) وهذا على توهم أن الهمزة زائدة ولا يعلم اشتقاق الاسم لأنه أعجمى.

٣٢

وقد ذكر الله سبحانه إبراهيم بالتّعريض والتّصريح فى كتابه بخمسين اسما ، منه : المبتلى بقوله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ)(١) ، والمتمّ بقوله : (فَأَتَمَّهُنَ)(٢). والإمام بقوله : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً)(٣) ، والمطهّر بقوله : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ)(٤) ، والرّافع بقوله : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ)(٥) ، والحنيف والمسلم بقوله : (حَنِيفاً مُسْلِماً)(٦) ، والصّالح بقوله : (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)(٧) ، والمطمئنّ : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(٨) ، والأمّة والقانت : (أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ)(٩) ، والشاكر والمجتبى والمهدىّ : (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ)(١٠) ، والرّائى : (رَأى كَوْكَباً)(١١) ، والبرئ : (إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)(١٢) ، والمتوجّه إلى الله : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ)(١٣) ، والحليم ، والأوّاه ، والمنيب بقوله : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ)(١٤) ، والمتبرّئ عمّا دون الله بقوله : (تَبَرَّأَ مِنْهُ)(١٥) ، والمبشّر بقوله : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ)(١٦) ، والبعل والشّيخ : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً)(١٧) ، ومبارك : (وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ)(١٨) ، والمضيف بقوله : (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ / إِبْراهِيمَ)(١٩) ، والمذكور : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ)(٢٠) ، والصّدّيق والنبىّ : (إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا)(٢١) ، والرّشيد بقوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ)(٢٢) ، والفتى بقوله : (سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ)(٢٣) ، والوافى : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى)(٢٤) ، والطّامع بقوله : (أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي)(٢٥) ، ووارث الجنّة : (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ)(٢٦) ، وأبو الملّة : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ)(٢٧) ، ومؤذّن الحجّ : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ)(٢٨) ، وسقيم الحبّ : (إِنِّي سَقِيمٌ)(٢٩) ، وشيعة الأنبياء : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ)(٣٠) ،

__________________

(١) الآية ١٢٤ سورة البقرة

(٢) فى الآية ١٢٤ سورة البقرة

(٣) الآية ١٢٤ سورة البقرة

(٤) الآية ٢٦ سورة الحج

(٥) الآية ١٢٧ سورة البقرة

(٦) الآية ٦٧ سورة آل عمران

(٧) الآية ١٣٠ سورة البقرة

(٨) الآية ٢٦٠ سورة البقرة

(٩) الآية ١٢٠ سورة النحل

(١٠) الآية ١٢١ سورة النحل

(١١) الآية ٧٦ سورة الأنعام

(١٢) الآية ٧٨ سورة الأنعام

(١٣) الآية ٧٩ سورة الأنعام

(١٤) الآية ٧٥ سورة هود

(١٥) الآية ١١٤ سورة التوبة

(١٦) الآية ١١٢ سورة الصافات

(١٧) الآية ٧٢ سورة هود

(١٨) الآية ٧٣ سورة هود

(١٩) الآية ٥١ سورة الحجر

(٢٠) الآية ٤١ سورة مريم

(٢١) الآية ٤١ سورة مريم

(٢٢) الآية ٥١ سورة الأنبياء

(٢٣) الآية ٦٠ سورة الأنبياء

(٢٤) الآية ٣٧ سورة النجم

(٢٥) الآية ٨٢ سورة الشعراء

(٢٦) الآية ٨٥ سورة الشعراء

(٢٧) الآية ٧٨ سورة الحج

(٢٨) الآية ٢٧ سورة الحج

(٢٩) الآية ٨٩ سورة الصافات

(٣٠) الآية ٨٣ سورة الصافات

٣٣

والذاهب إلى الله : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي)(١) ، والمهاجر إلى ربّه : (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي)(٢) ، ومنادى الحقّ : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ)(٣) ، والمحسن : (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)(٤) ، والمؤمن : (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ)(٥) ، والمرسل : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ)(٦) ، والحامد : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ)(٧) ، والموهوب [له] : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً)(٨) : والخليل وإبراهيم : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً)(٩).

وذكر الله تعالى إبراهيم باسمه فى بضع وخمسين موضعا من الكتاب العزيز منها : (نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(١٠) ، (قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً)(١١) ، (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ)(١٢) ، (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى)(١٣) ، (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ)(١٤) ، (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى)(١٥) ، (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ)(١٦) ، (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ)(١٧) ، (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ)(١٨) ، (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا)(١٩) ، (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا)(٢٠) ، (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ)(٢١) ، (رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى)(٢٢) ، (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ)(٢٣) ، (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا)(٢٤) ، (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً)(٢٥) ، (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ)(٢٦) ، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ)(٢٧) ، (آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ)(٢٨) ، (بَرْداً وَسَلاماً

__________________

(١) الآية ٩٩ سورة الصافات

(٢) الآية ٢٦ سورة العنكبوت

(٣) الآية ١٠٤ سورة الصافات

(٤) الآية ١٠٥ سورة الصافات

(٥) الآية ١١١ سورة الصافات

(٦) الآية ٢٦ سورة الحديد

(٧) الآية ٣٩ سورة ابراهيم

(٨) الآية ٧٢ سورة الأنبياء

(٩) الآية ١٢٥ سورة النساء

(١٠) الآية ٧٥ سورة الأنعام

(١١) الآية ٧٤ سورة الأنعام

(١٢) الآية ٨٣ سورة الأنعام

(١٣) الآية ١٢٥ سورة البقرة

(١٤) الآية ١٢٧ سورة البقرة

(١٥) الآية ٢٦٠ سورة البقرة

(١٦) الآية ١٣٠ سورة البقرة

(١٧) الآية ٩٥ سورة آل عمران

(١٨) الآية ١٣٢ سورة البقرة

(١٩) الآية ٦٧ سورة آل عمران

(٢٠) الآية ٦٨ سورة آل عمران

(٢١) الآية ٥٤ سورة النساء

(٢٢) الآية ٦٩ سورة هود

(٢٣) الآية ٧٤ سورة هود

(٢٤) الآية ٧٦ سورة هود

(٢٥) الآية ٣٥ سورة إبراهيم

(٢٦) الآية ٢٤ سورة الذاريات

(٢٧) الآية ٤١ سورة مريم

(٢٨) الآية ٥١ سورة الأنبياء

٣٤

عَلى إِبْراهِيمَ)(١) ، (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ)(٢) ، (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ)(٣) ، (وَنادَيْناهُ. أَنْ يا إِبْراهِيمُ)(٤) ، (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ)(٥) ، (وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ)(٦) ، (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ)(٧) ، (صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى)(٨) ، (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً)(٩).

قالوا وكان لإبراهيم عليه‌السلام فى طريق الحقّ عشر مقامات نال بها غاية المرامات : الأوّل مقام الطّلب : (هذا رَبِّي)(١٠) ، الثّانى مقام الدّعوة : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ)(١١) ، الثالث مقام الفضيلة : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى)(١٢) ، الرابع مقام الفقر والفاقة : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ)(١٣) ، الخامس مقام النّعمة : (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ)(١٤) ، السّادس مقام المغفرة : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي)(١٥) ، السّابع مقام المحبّة : (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى)(١٦) ، الثامن مقام المعرفة : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ)(١٧) ، التّاسع مقام الهيئة : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)(١٨) ، العاشر مقام الوراثة : (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ)(١٩) ، وفى هذا المقام حصل له الاستغناء عن الواسطة والوسيلة فقال : حسبى من سؤاله علمه بحالى.

هاج نسيم الوصل فاستعرت

نار إليه تحسن المطلبا (٢٠)

ما ذكراى له مطّرحا

وغير سراى له مشربا

بيت جمال رامه مسكنا

حبل وصال راضه مركبا

لا يبتغى غير رضا ربّه

لا يدّعى دون الوفا مذهبا

هذا خليل الله فى غارة

غار على الكونين فاستغربا

__________________

(١) الآية ٦٩ سورة الأنبياء

(٢) الآية ٢٦ سورة الحج

(٣) الآية ٦٩ سورة الشعراء

(٤) الآية ١٠٤ سورة الصافات

(٥) الآية ١٠٩ سورة الصافات

(٦) الآية ١٣ سورة الشورى

(٧) الآية ٤ سورة الممتحنة

(٨) الآية ١٩ سورة الأعلى

(٩) الآية ١٢٥ سورة النساء

(١٠) الآيات ٧٦ ، ٧٧ ، ٧٨ سورة الأنعام

(١١) الآية ٢٧ سورة الحج

(١٢) الآية ١٢٥ سورة البقرة

(١٣) الآية ٤٠ سورة الحجر

(١٤) الآية ٧٩ سورة الشعراء

(١٥) الآية ٨٢ سورة الشعراء

(١٦) الآية ٢٦٠ سورة البقرة

(١٧) الآية ٨٤ سورة الشعراء

(١٨) الآية ١١٤ سورة التوبة

(١٩) الآية ٨٥ سورة الشعراء

(٢٠) قومنا هذا النظم بقدر الطاقة لخفائه فى المخطوطتين.

٣٥

أرسل طير الفكر مستغنيا (١)

عن عالم العزّة حتّى كبا

/ جنّ عليه اللّيل فى ظلمة

راود بدرا ورأى كوكبا

قال المؤرّخون ؛ هاجر إبراهيم عليه‌السلام من العراق إلى الشام ، وبلغ عمره مائة وخمسا وسبعين سنة ، وقيل مائتى سنة (٢) ودفن بالأرض المقدّسة (٣) ، وقبره مقطوع به أنّه فى تلك المربعة (٤) ، ولا يقطع بقبر نبىّ ومكانه غير قبر نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومكان قبر إبراهيم عليه‌السلام :

وروينا فى الصّحيحين قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اختتن إبراهيم عليه‌السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم» (٥). وفى الصّحيحين مرفوعا : «أوّل الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم» (٦) وفى صحيح مسلم : قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : حين أسرى بى ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به» (٧) ، وفيه أيضا : أنّ رجلا قال للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا خير البريّة ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ذاك إبراهيم». وهذا محمول على التّواضع لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا سيّد ولد آدم» (٨). وعند البخارىّ عن ابن عباس قال : «كان آخر قول إبراهيم حين ألقى فى النّار حسبى الله ونعم الوكيل» (٩) وفى الصّحيحين فى حديث الإسراء ورؤيته الأنبياء ، وأنّه رأى إبراهيم فى السّماء السّادسة وأنّه رآه مسندا ظهره إلى البيت المعمور.

وروينا فى الموطّإ عن سعيد بن المسيّب قال : «كان إبراهيم النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوّل النّاس ضيّف الضيف (١٠) ، وأوّل النّاس اختتن ، وأوّل النّاس قصّ شاربه ، وأوّل

__________________

(١) ا ، ب : مستيقنا «تحريف» وما أثبتنا يوافق السياق

(٢) وهو رواية الثعلبى فى قصصه صفحة ٩٤.

(٣) فى الثعلبى : فى مزرعة جبرون عند قبر سارة

(٤) هكذا فى ا ، ب : ولعلها المزرعة أى مزرعة جبرون

(٥) بعض حديث أوله يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة (عن ابن عباس وأخرجه مع الشيخين الترمذى وابن حنبل والنسائى كما فى الفتح الكبير وأخرجه الشيخان وابن حنبل عن أبى هريرة (الفتح الكبير).

(٦) اخرجه البزار برواية «أول من يكسى من الخلائق إبراهيم» كما فى الفتح الكبير.

(٧) أخرجه البخارى عن أبى هريرة فى بابين : باب (قوله تعالى : وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً برواية : (.. ورأيت عيسى فإذا هو رجل ربعه أحمر كأنما خرج من ديماس وأنا أشبه ولد إبراهيم به ...) ، وباب قوله تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ) برواية : «ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به» وهى الرواية هنا.

(٨) من حديث طويل أخرجه الترمذى وابن خزيمة عن أبى سعيد. (كما فى الفتح الكبير).

(٩) أخرجه الخطيب فى تاريخه عن أبى هريرة وقال : غريب ، والمحفوظ عن ابن عباس موقوفا (الفتح الكبير).

(١٠) أخرجه ابن أبى الدنيا فى قرى الضيف عن أبى هريرة (الفتح الكبير) برواية : كان أول من أضاف الضيف إبراهيم».

٣٦

النّاس رأى الشيب. فقال يا ربّ ما هذا؟ فقال الله تعالى : وقار ، فقال : يا ربّ زدنى وقارا». وروينا فى تاريخ دمشق بزيادة «وأوّل من استحدّ وقلّم أظفاره».

أخبرنى المسند المعمّر الشيخ محيى الدّين أبو زكريّا يحيى بن محلى بن الحدّاد عن الشيخ أبى زكريّا يحيى النّواوىّ عن أبى محمّد بن قدامه عن أبى حفص بن طبرزد ، عن أبى فتح الكروخىّ ، عن القاضى ابن عامر ، عن أبى محمّد الجرّاحىّ ، عن أبى العباس المحتوى ، عن أبى عيسى التّرمذىّ ، عن عبد الله بن أبى زياد عن يسار ، عن عبد الواحد بن زياد ، عن عبد الرّحمن ابن إسحاق ، عن القاسم بن عبد الرّحمن عن أبيه عن ابن مسعود رضى الله عنه ، قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقيت إبراهيم ليلة أسرى بى فقال يا محمّد أقرئ أمّتك منى السّلام وأخبرهم أنّ الجنّة طيّبة التّربة ، عذبة الماء ، وأنّها قيعان ، وأنّ غراسها سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله ، والله أكبر» (١). قال الترمذىّ : حديث حسن.

وفى تاريخ دمشق : ولد إبراهيم بغوطة دمشق بقرية يقال لها برزة (٢) هكذا فى هذه الرواية ، والصحيح أنّه ولد بكوثى (٣) من أرض العراق بإقليم بابل ، وإنما نسب إليه هذا للمقام ببرزة ، لأنّه صلّى فيه لما جاء معينا للوط عليه‌السلام.

وفى التاريخ المذكور : أنّ أبا إبراهيم آزر كان من أهل حرّان ، وأنّ أمّ إبراهيم اسمها بونا (٤) وقيل نونا ، وأنّ نمروذ حبسه سبع سنين ثم ألقاه فى النار. وأنّه كان يدعى أبا الضّيفان ، وتجارته كانت فى البرّ ، ـ وأنّ النار لم تنل منه إلّا وثاقه لتنطلق يداه. ولمّا قال الله تعالى : (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ)(٥) بردت النار فى ذلك الوقت على أهل المشرق والمغرب ، وأنّ (٦) جبريل مرّ به حين ألقى فى الهواء فقال : / «يا إبراهيم

__________________

(١) أخرجه الترمذى عن ابن مسعود (الفتح الكبير) وبرواية رأيت إبراهيم أخرجه الطبرانى عن ابن مسعود (الفتح الكبير).

(٢) وفى معجم البلدان (برزة) : وهو غلط وأجمعوا على أن مولده كان ببابل من أرض العراق.

(٣) وانظر معجم البلدان (كوثى) ففيه تفصيل.

(٤) فى ا ، ب : «لونا وقيل ايلونا» من غير نقط وفى معجم البلدان (كوثى) ، أمه بونا بنت كونبا بن كوثى وفيه أيضا : قال أبو بكر أحمد بن أبى سهل الحلوانى كنا روينا عن الكلبى «نونا» بنونين وحفظى «بونا «بالباء فى أوله

(٥) الآية ٦٩ سورة الأنبياء

(٦) من هنا إلى قوله نسلها فى نهاية الأرب ١٣ / ١١٢

٣٧

ألك حاجة؟ فقال : أمّا إليك فلا». وعن علىّ رضى الله عنه ، أنّ (١) البغال كانت تتناسل وأنّها كانت أسرع الدّواب فى نقل الحطب لنار إبراهيم فدعا عليها فقطع الله نسلها. وعن الحسن البصرىّ فى قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ)(٢) قال : ابتلاه بالكوكب فوجده صابرا ، وابتلاه بالقمر فوجده صابرا ، وابتلاه بالشّمس فوجده صابرا ، ثمّ ابتلاه بالنّار فوجده صابرا ، ثمّ ابتلاه بذبح ولده فوجده صابرا.

وعن مجاهد أنّ إبراهيم وإسماعيل حجّا ماشيين. وعنه فى قوله تعالى : (ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ)(٣) إكرامهم أنّه خدمهم بنفسه. وفى حديث مرفوع أنّه كان من أغير النّاس. وكان سبب وفاة إبراهيم أنّه (٤) أتاه ملك فى صورة شيخ كبير يضيّفه ، وكان يأكل ويسيل طعامه على لحيته وصدره ، فقال إبراهيم : يا عبد الله : ما هذا؟ قال : بلغت الكبر الذى يكون صاحبه هكذا ، قال وكم أتى عليك؟ قال مائتا (٥) سنة ، ـ ولإبراهيم يومئذ مائتا (٦) سنة ، فكره الحياة لئلا يصير إلى هذه الحال ، فمات بلا مرض.

وقال بعض العلماء توفّى إبراهيم وداود وسليمان صلوات الله عليهم فجأة ، وكذلك موت الصّالحين. وهو تخفيف على المؤمن المراقب.

__________________

(١) فى نهاية الأرب : فيقال : إن الدواب امتنعت من حملها (أى الأحطاب) إلا البغال فأعقمها الله عقوبة لذلك.

(٢) الآية ١٢٤ سورة البقرة

(٣) الآية ٢٤ سورة الذاريات

(٤) انظر فى هذا أيضا نهاية الأرب ١٣ / ١٢٢ الذى ينقل عن قصص الأنبياء للكسائى وقصص الأنبياء للثعلبى.

(٥) فى نهاية الأرب عن قصص الأنبياء للكسائى : قد جزت مائتى سنة.

(٦) فى نهاية الأرب : قال إبراهيم وأنا فى المائتين إلا سنة وإذا مضى على مائتان أصير كذا؟ قال : نعم.

٣٨

٥ ـ بصيرة

فى ذكر إسماعيل بن إبراهيم الخليل

صلوات الله وسلامه عليهم

وهو اسم أعجمىّ (١) كسائر أسماء الأعلام الأعجميّة ، وهو أوّل (٢) من يسمّى بهذا الاسم من بنى آدم ، واحترزنا بهذا القيد عن الملائكة فإنّ فيهم إسماعيل وهو أمين (٣) الملائكة. وتكلّف بعض النّاس وجعل له اشتقاقا من سمع ، وتركيبا منه ومن إيل ، وهو اسم الله عزوجل ، قال : فإن كان وزنه افعاليل فمعناه : أسمعه الله أمره فقام به. والّذى قال : وزنه فعاليل لأنّ أصله سماعيل قال : معناه سمع من الله قوله فأطاعه (٤).

وكان له عليه‌السلام عشر خصائص : الأوّل أنّ لغته كانت لغة العرب ، وإليه يرجع أنسابهم ، وكان مركز نور النّبىّ المصطفى ، وولد الخليل ، وجدّ الحبيب ، وشريك إبراهيم فى بناء الكعبة ، ومستسلما منقادا للذّبح عند امتحان إبراهيم به. واختصّ بخلعة (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)(٥). ومن مفاخر قول النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنا ابن الذّبيحين (٦) ، والثانى عبد الله بن عبد المطّلب.

وقد دعاه الله فى القرآن باثنى عشر اسما : غلام ، وعليم ، وحليم ، ومسلم ، ومستسلم (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)(٧) ، آمر (وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ)(٨) ، وصابر (إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)(٩) ، مرضىّ (وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا)(١٠) ، صادق الوعد (كانَ صادِقَ الْوَعْدِ)(١١) رسول نبىّ (وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا)(١٢) ، مذكور (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ)(١٣).

__________________

(١) فى التاج : معناه بالسريانية : مطيع الله ، ولذا يكنى من كان اسمه إسماعيل بأبى مطيع.

(٢) انظر التاج (سمعل) وفيه أن هذه العبارة من كتاب للمصنف هو كتاب فى لغات القرآن وسماه «مطلع زواهر النجوم» وقال : وله كلام أوسع من هذا فى كتابه تحفة القماعيل فيمن تسمى من الملائكة إسماعيل.

(٣) فى ا ، ب : أمير الملائكة. وفى التاج نقلا عن (مطلع زواهر النجوم) : أمين ملائكة سماء الدنيا.

(٤) فى التاج : ويقال فيه : اسماعين بالنون ، وزعم ابن السكيت أن نونه بدل من اللام.

(٥) الآية ١٠٧ سورة الصافات.

(٦) فى بيان المقصود بالذبيح خلاف. وتفصيل الأقوال فى شرح المواهب للزرقانى فراجعه.

(٧) الآية ١٠٣ سورة الصافات

(٨) الآية ٥٥ سورة مريم

(٩) الآية ١٠٢ سورة الصافات

(١٠) الآية ٥٥ سورة مريم

(١١) الآية ٥٤ سورة مريم

(١٢) الآية ٥٤ سورة مريم

(١٣) الآية ٥٤ سورة مريم

٣٩

وذكره الله تعالى باسمه فى عشرة مواضع من القرآن :

(وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ)(١) ، (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ)(٢) ، (نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ)(٣) ، (وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ)(٤) ، (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) إلى قوله (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(٥) ، (وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ)(٦) ، (وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ)(٧) ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ)(٨) ، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ)(٩) ، وفى صحيح البخارىّ (١٠) : «كان النبىّ يعوّذ الحسن والحسين رضى الله عنهما ؛ أعيذكما بكلمات الله التامّة من كلّ شيطان وهامّة ، ومن كل عين / لامّة ، ويقول : إنّ أباكما كان يعوّذ بها إسماعيل وإسحاق» ، وفى البخارى : «أنّ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرّ على قوم (١١) وهم ينتضلون (١٢) ، فقال : «ارموا بنى إسماعيل فإنّ أباكم كان راميا» (١٣).

وكان أكبر من إسحاق ، واختلف (١٤) فى الذّبيح منهما ، والأكثرون على أنّه إسماعيل. وفى الصّحيح : «إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ، واصطفى من ولد إسماعيل بنى كنانة ، واصطفى من بنى كنانة قريشا ، واصطفى من قريش بنى هاشم ، واصطفانى من بنى هاشم» (١٥).

__________________

(١) الآية ١٢٥ سورة البقرة

(٢) الآية ١٢٧ سورة البقرة

(٣) الآية ١٣٣ سورة البقرة

(٤) الآيتان ١٣٦ سورة البقرة و ٨٤ سورة آل عمران

(٥) الآية ١٤٠ سورة البقرة

(٦) الآية ٨٦ سورة الأنعام

(٧) الآية ٨٥ سورة الأنبياء

(٨) الآية ٣٩ سورة إبراهيم

(٩) الآية ٥٤ سورة مريم

(١٠) كتاب أحاديث الأنبياء ، باب «وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً» عن ابن عباس.

(١١) هم نفر من قبيلة أسلم

(١٢) ينتضلون : يترامون على سبيل المسابقة

(١٣) كتاب أحاديث الأنبياء باب «وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ» عن سلمة بن الأكوع.

(١٤) انظر فى تفصيل الأقوال شرح المواهب للزرقانى

(١٥) اخترنا رواية الترمذى كما أوردها صاحب الفتح الكبير لعدم استقامة النص فى المخطوطتين ولأن المصنف لم يعين بقوله «الصحيح» الكتاب المراد.

٤٠