بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٥

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٥

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: عبدالعليم الطحاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٤

المبرز بالصوت. وقد يقال الناطق لما يدلّ على شىء ، وعلى هذا قيل لحكيم : ما الصّامت الناطق؟ فقال : الدّلائل (١) المخبرة ، والعبر الواعظة. وقوله تعالى : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ)(٢) إشارة إلى أنّهم ليسوا من [جنس (٣)] الناطقين ذوى العقول. وقوله : (قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ)(٤) فقد قيل : أراد الاعتبار ، ومعلوم أنّ الأشياء كلّها ليست تنطق إلّا من حيث العبرة. وقوله تعالى : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ)(٥) فإنّ الكتاب ناطق ، لكن نطقه تدركه العين ، كما أنّ الكلام كتاب لكن يدرك بالسمع.

وحقيقة النّطق هو اللّفظ الذى هو كالنّطاق للمعنى فى ضمّه وحصره. والمنطق والمنطقة : ما يشدّ به الوسط وينتطق به. وقول علىّ رضى الله عنه : «من يطل أير أبيه ينتطق به (٦)» ضرب طوله مثلا لكثرة الولد. والانتطاق مثلا للتّقوّى والاعتضاد ، والمعنى : من كثرت إخوته كان منهم فى عزّ ومنعة. وقول خداش بن زهير :

ولم يبرح طوال الدّهر رهطى

بحمد الله منتطقين جودا (٧)

يريد مؤتزرين بالجود منتطقين به.

__________________

(١) فى ا ، ب : الدلالة ، وما أثبت من المفردات.

(٢) الآية ٦٥ سورة الأنبياء.

(٣) ما بين القوسين تكملة من المفردات.

(٤) الآية ٢١ سورة فصلت.

(٥) الآية ٢٩ سورة الجاثية.

(٦) المستقصى : ٢ / ٣٦٣ رقم ١٣٤٠ ـ أراد من كثر إخوته اعتز بهم واشتد ظهره : وضرب المنطقة مثلا لأنها تشد الظهر.

(٧) العباب للصاغانى ، والرواية فى صحاح الجوهرى :

وأبرح ما أدام الله قومى

على الأعداء منتطقا مجيدا

٨١

٣٦ ـ بصيرة فى نظر

النّظر : تأمّل الشىء بالعين ، وكذلك النّظران بالتّحريك ، وقد نظرت إلى الشىء. والنظر أيضا : تقليب البصيرة لإدراك الشىء ورؤيته وقد يراد به التأمّل والفحص ، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص. وقوله تعالى : (انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ)(١) أى تأمّلوا.

واستعمال النّظر فى البصر أكثر استعمالا عند العامّة ، وفى البصيرة أكثر عند الخاصّة ، ويقال : نظرت إلى كذا : إذا مددت طرفك إليه رأيته أو لم تره ، ونظرت إليه : إذا رأيته وتدبّرته ، قال تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ)(٢). ونظرت فى كذا : تأمّلته / قال تعالى : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٣) يراد به الحثّ على تأمّل حكمته فى خلقها.

ونظر الله إلى عباده هو إحسانه إليهم ، وإفاضة نعمه عليهم. قال تعالى : (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ)(٤). وفى الصّحيحين : «ثلاثة لا يكلّمهم الله ولا ينظر إليهم : شيخ زان ، وملك كذّاب ، وعائل مستكبر (٥)».

والنّظر أيضا : الانتظار قال تعالى : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ)(٦) ، (وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)(٧) ، (أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)(٨)

__________________

(١) الآية ١١٠ سورة يونس.

(٢) الآية ١٧ سورة الغاشية.

(٣) الآية ١٨٥ سورة الأعراف.

(٤) الآية ٧٧ سورة آل عمران.

(٥) أخرجه مسلم والنسائى عن أبى هريرة (الفتح الكبير).

(٦) الآية ١٣ سورة الحديد.

(٧) ٢ لآية ١٢٢ سورة هود.

(٨) الآية ١٤ سورة الأعراف.

٨٢

وقوله : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ)(١) فنفى الإنظار عنهم إشارة إلى ما نبّه عليه بقوله : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)(٢). وقوله : (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ)(٣) أى غير منتظرين.

وقوله : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ)(٤) قال الزجّاج : فيه اختصار تقديره : أرنى نفسك انظر إليك. قال ابن عبّاس : أعطنى النّظر انظر إليك. فإن قيل كيف سأل الرؤية وقد علم أنّ الله لا يرى فى الدّنيا؟ قال الحسن : هاج به الشوق فسأل. وقيل : سأل ظنّا منه أنه يرى فى الدنيا فقال الله : لن ترانى ، أى فى الدّنيا أو فى الحال ، فإنّه كان يسأل الرّؤية فى الحال. ولن ليست للتأبيد كقوله (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً)(٥) ، ثم أخبر عنهم أنهم يتمنّون الموت فى الآخرة ، كما قال : (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ)(٦) و (يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ)(٧) ، ثمّ تعليق الرّؤية بممكن وهو استقرار الجبل يمنع استحالة الرّؤية.

ويستعمل النظر أيضا فى التّحيّر فى الأمر نحو قوله تعالى : (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)(٨) ، (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (٩) (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ)(١٠) ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ)(١١) كلّ ذلك نظر عن تحيّر دالّ على قلّة الغناء.

وقوله : (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)(١٢) ، قيل : تشاهدون ، وقيل : تعتبرون ، قال (١٣) :

__________________

(١) الآية ٢٩ سورة الدخان.

(٢) الآية ٣٤ سورة الأعراف.

(٣) الآية ٥٣ سورة الأحزاب.

(٤) الآية ١٤٣ سورة الأعراف.

(٥) الآية ٩٥ سورة البقرة.

(٦) الآية ٧٧ سورة الزخرف.

(٧) الآية ٢٧ سورة الحاقة.

(٨) الآية ٥٥ سورة البقرة.

(٩) الآية ١٩٨ سورة الأعراف.

(١٠) الآية ٤٥ سورة الشورى.

(١١) الآية ٤٣ سورة يونس.

(١٢) الآية ٥٠ سورة البقرة.

(١٣) هو لبيد كما فى الأساس (يهل).

٨٣

* نظر الدّهر إليهم فابتهل (١) *

قال أبو القاسم : ثانى مفعولى أرنى محذوف ، أى أرنى نفسك انظر إليك. فإن قلت : الرؤية عن النظر ، فكيف قيل أرنى انظر إليك؟ قلت : معنى أرنى نفسك : اجعلنى متمكّنا من رؤيتك بأن تتدلّى لى فأنظر إليك وأراك ، ولمّا علم أنّ المطلوب الرّؤية لا النظر أجيب بلن ترانى دون لن تنظر.

والنّظير : المثل ، والجمع : نظراء ، وأصله المناظر كأنّ كلّ واحد منهما ينظر إلى صاحبه فيباريه.

والمناظرة : المباحثة والمباراة فى النّظر ، واستحضار كل ما يراه ببصيرته.

والنّظر : البحث وهو أعمّ من القياس ، لأنّ كلّ قياس نظر ، وليس كلّ نظر قياسا.

__________________

(١) ديوانه : ١٩٧ وصدر البيت كما فى الديوان والأساس فى قروم سادة من قومه

وابتهل : اجتهد فى إهلاكهم.

٨٤

٣٧ ـ بصيرة فى نعج ونعس ونعق

النعج : الابيضاض (١) وقد نعج ينعج نعجا مثل طلب يطلب طلبا. والنّاعجة : البيضاء من النّوق ، ويقال : هى التى تصاد عليها نعاج الوحش. والنّواعج من الإبل : السّراع. والنّعجة : [الأنثى](٢) من الضأن ، والجمع : نعاج ونعجات. ونعاج الرّمل هى البقر ، واحدتها نعجة. قال أبو عبيد : ولا يقال لغير البقر من الوحش نعاج.

النّعاس (٣) : الوسن ، قال الله : (أَمَنَةً نُعاساً)(٤) ، وفى المثل : «مطل كنعاس الكلب (٥)» أى دائم متّصل ، ومن شأن الكلب أن يفتح من عينيه بقدر ما يكفيه للحراسة ، وذلك ساعة فساعة. وقد نعست أنعس بالضمّ (٦) نعاسا ، قال النابغة الجعدىّ رضى الله عنه :

كأنّ تنسّمها موهنا

سنا المسك حين تحسّ النّعاسا (٧)

/ ويروى جنى النحل. والتنسّم : التنفّس.

ونعست نعسة واحدة. وأنا ناعس ، ولا يقال نعسان ، قاله ثعلب.

__________________

(١) فى القاموس قيده بقوله : الابيضاص الخالص.

(٢) تكملة من القاموس. ومما جاء منه فى القرآن الكريم : (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) الآية ٢٣ سورة ص ، و (قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) الآية ٢٤ سورة ص.

(٣) فترة فى الحواس تحصل من ثقل النوم.

(٤) الآية ١٥٤ سورة آل عمران.

(٥) المستقصى : ٢ / ٣٤٥ رقم ١٢٦٢.

(٦) وهكذا فى اللسان والمصباح ، وجعله المصنف فى القاموس من باب (منع) وكذا ضبط فى الأساس ضبط حركة.

(٧) اللسان «سنا» برواية : حين تحس النعامى والنعامى من أسماء ريح الجنوب وهى أبل الريح وأرطبها.

٨٥

وقال اللّيث : سمعناهم يقولون : نعسان ونعسى ، حملوا ذلك على وسنان ووسنى ، وربّما حملوا الشىء على نظائره ، وأحسن ما يكون ذلك فى شعر. وقال ابن دريد : رجل ناعس ونعسان ، ولم يفرّق ، وقال الفرّاء : لا أشتهيها يعنى هذه اللّغة نعسان.

وقال الأزهرىّ : حقيقة النّعاس : السّنة من غير نوم ، قال عدىّ ابن زيد بن مالك بن الرّقاع :

وكأنّها وسط النساء أعارها

عينيه أحور من جآذر جاسم (١)

وسنان أقصده النّعاس فرنّقت

فى عينه سنة وليس بنائم

وتناعس : تناوم. وأنعس : جاء ببنين كسالى.

نعق الراعى بغنمه ينعق بالكسر نعيقا ونعاقا ، أى صاح بها وزجرها قال الأخطل :

فانعق بضأنك يا جرير فإنّما

منّتك نفسك فى الخلاء ضلالا (٢)

قال الله تعالى : (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ)(٣) ، وحكى ابن كيسان نعق الغراب بعين مهملة (٤) أيضا.

والناعقان : كوكبان من كواكب الجوزاء.

__________________

(١) البيتان مع أبيات أخرى فى الأغانى ج ٨ / ١٧٤ والشعر والشعراء : ٤٩٣.

الإقصاد : أن يصيبه السهم فيقتله وهو هنا استعارة أى أقصده النعاس وأنامه ـ رنقت : دارت وماجت.

(٢) اللسان (نعق) ـ ديوان الأخطل.

(٣) الآية ١٧١ سورة البقرة.

(٤) الغين فى الغراب أحسن ، والثقات من الأئمة يقولون : كلام العرب : نغق الغراب بالغين المعجمة ، ونعق الراعى بالشاء بالعين المهملة.

٨٦

٣٨ ـ بصيرة فى نعل

النّعل : ما وقيت به القدم من الأرض ، وكذلك النّعلة ، والجمع : نعال. ونعل ـ كفرح ـ ، وتنعّل ، وانتعل : لبسها ، قال تعالى : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ)(١).

والنّعل أيضا : حديد فى أسفل غمد السّيف ؛ والقطعة الغليظة من الأرض يبرق حصاها ولا تنبت ؛ والرّجل الذّليل ؛ والزّوجة (٢) ، وما وقى به حافر الدابة.

ونعلهم (٣) : وهب لهم النّعال.

وأنعل فهو ناعل : كثرت نعاله ، والدابّة : ألبسها النعل كنعلها (٤).

وانتعل الأرض : سافر راجلا. ورجل ناعل ومنتعل (٥) : غنىّ ، كما يقال الحافى للفقير.

__________________

(١) الآية ١٢ سورة طه.

(٢) فى المحكم : والعرب تكنى عن المرأة بالنعل.

(٣) من باب (منع).

(٤) فى القاموس : ونعلها. وقد أنكرها الجوهرى وجوزها ابن عباد.

(٥) فى المفردات : ومنعل.

٨٧

٣٩ ـ بصيرة فى نعم

نعم ونعم ونعام ، ونحم ونحم لغات ، وهى حروف تصديق ووعد وإعلام ، فالأوّل بعد الخبر كقام زيد وما قام زيد ، والثانى بعد افعل أو لا تفعل أو ما فى معناهما ، نحو هلّا تفعل ، وهلّا لم تفعل ، وبعد الاستفهام نحو هل تعطينى ، والثالث بعد الاستفهام فى نحو هل جاءك زيد ، ونحو : (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا)(١).

قيل : وتأتى للتوكيد إذا وقعت صدرا نحو : نعم هذه أطلالهم ، والحقّ أنها فى ذلك حرف إعلام وأنها جواب لسؤال مقدّر.

وقرأ الكسائىّ : نعِم بكسر العين ، وهى لغة كنانة (٢) والباقون (نَعَمْ) بفتح العين. وقرأ ابن مسعود نحم بإبدال العين حاء.

قال سيبويه : أمّا نعم فعدة وتصديق (٣) ، وأمّا بلى فيوجب بها بعد النّفى ؛ فكأنّه رأى أنّه إذا قيل : قام زيد فتصديقه نعم ، وتكذيبه لا ، ويمتنع دخول بلى لعدم النّفى ، وإذا قيل : ما قام فتصديقه نعم ، وتكذيبه بلى ، ومنه : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى).(٤) وأمّا نعم فى بيت جحدر :

__________________

(١) الآية ٤٤ سورة الأعراف وجواب الآية (قالُوا نَعَمْ)

(٢) فى اتحاف فضلاء البشر (سورة الأعراف) : واختلف فى (نَعَمْ) فالكسائى بكسر العين حيث جاء وهو أربعة هنا موضعان وفى الشعراء والصافات لغة صحيحة لكنانة وهذيل خلافا لمن طعن فيها ، ووافقه الشنبوذى ، والباقون بالفتح لغة باقى العرب.

(٣) يريد أنها عدة فى الاستفهام وتصديق للإخبار ولا يريد اجتماع الأمرين فيها فى كل حال.

(٤) الآية ٧ سورة التغابن.

٨٨

أليس الليل يجمع أمّ عمرو

وإيّانا فذاك بنا تدانى (١)

نعم وأرى الهلال كما تراه

ويعلوها النّهار كما علانى

فجواب لغير مذكور ، وهو ما قدّره فى اعتقاده من أنّ اللّيل يجمعه وأمّ عمرو ، أو هو جواب لقوله : وأرى الهلال. البيت ، وقدّمه عليه ، أو لقوله : فذاك بنا تدانى ، وهو أحسن. والله أعلم.

ونعم : كلمة مستوفية لجميع المدح ، كما أنّ «بئس» كلمة مستوفية لجميع الذمّ ، فإذا وليهما اسم جنس (٢) [ليس](٣) فيه ألف ولام انتصب ، تقول بئس رجلا زيد ونعم صديقا أنت على التمييز. وهما فعلان ماضيان / لا يتصرّفان لأنّهما أزيلا عن موضعهما ، فنعم منقول من قولك : نعم فلان : إذا أصاب نعمة ، وبئس منقول من قولك [بئس](٤) فلان : إذا أصاب بؤسا ، فنقلا إلى المدح والذمّ فشابها الحروف فلم يتصرّفا.

وفى نعم لغات : نعم كعلم ، ونعم بكسرتين ، ونعم بكسر النون وسكون العين ، ونعم بفتح النون وسكون العين. ويقال : إن فعلت كذا فبها ونعمت ، بتاء ساكنة وقفا ووصلا (٥) أى نعمت الخصلة. وتدخل عليه (٦) ما فيكتفى (٧) بهما عن صلته ، نحو : دققته دقّا نعمّا ونعمّا بفتح العين (٨) أى نعم ما دققته.

__________________

(١) جامع الشواهد : ٦٦.

(٢) فى ا ، ب : فإذا وليا اسما جنسا ، وما أثبتناه هنا هو ما تقتضيه العبارة والسياق. قال الأزهرى : إذا كان مع نعم وبئس اسم جنس بغير ألف ولام فهو نصب أبدا وإن كانت فيه الألف واللام فهو رفع أبدا.

(٣) تكملة يقتضيها السياق وقواعد النحو.

(٤) ما بين القوسين سقط من ا ، ب والسياق يقتضيه.

(٥) لأنها تاء تأنيث.

(٦) أى فعل نعم.

(٧) فى ا ، ب : فيكفى والتصويب من القاموس.

(٨) أى مع كسر النون وهو ما نقله الأزهرى عن أبى الهيثم. قال : ومثله فى النعوت فرس هضب أى كثير الجرى وبعير خدب للظليم وهجف للظليم. وقد قرأ ابن عامر وحمزة والكسائى وخلف بفتح النون وكسر العين مشبعة على الأصل كعلم ووافقهم الأعمش قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) الآية ٢٧١ سورة البقرة ، وقوله تعالى (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) الآية ٥٨ سورة النساء.

٨٩

والنّعمة والنّعيم والنّعمى : الخفض والدّعة ، والمال. وجمع النّعمة : نعم ، وأنعم. والتنعّم : التّرفّه. والاسم النّعمة ، وقد نعم بالكسر ينعم وينعم وينعم. وهذا منزل ينعمهم مثلّثا ، وينعمهم عن الفرّاء ، قال تعالى : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ)(١) الإنعام : الإحسان إلى الغير ولا يقال إلّا إذا كان المحسن إليه من النّاطقين ، فلا يقال أنعم على فرسه.

ونعّمه تنعيما : جعله فى نعمة ولين عيش. وطعام ناعم ، وجارية ناعمة ومناعمة ومناعمة ومنعّمة : حسنة العيش والغذاء.

وقيل : النّعمة ، والنّعمى بالضمّ ، والنّعماء بالفتح والمدّ : اليد البيضاء الصّالحة ، والجمع : أنعم ونعم ونعمات (٢). وأنعمها الله عليه ، وأنعم بها.

ونعيم الله : عطيّته ، ومنه (جَنَّةَ نَعِيمٍ)(٣). ونعم (٤) الله ، بك ونعمك ، وأنعم بك عينا : أقرّ بك عين من تحبّه ، أو أقرّ عينك بمن تحبّه.

ونعم عين ونعم عين ، ونعمة ، ونعمة ، ونعمة ، ونعمى ، ونعام ، ونعام ، ونعام ، ونعيم ، ونعامى عين ، ينصب الكلّ بإضمار الفعل ، أى أفعل ذلك إنعاما لعينك وإكراما.

والنّعم مختصّ بالإبل ، وقيل : بها وبالشاء (٥) ، قيل : وبالبقر ، والجمع أنعام ، وأناعيم جمع الجمع ، قال تعالى : (وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً)(٦)

__________________

(١) الآية ٨٣ سورة الإسراء.

(٢) بكسر النون والعين وبفتح العين أيضا.

(٣) فى ا ، ب جسم تصحيف والتصويب من سياق المفردات. والآية ٣٨ سورة المعارج.

(٤) كسمع (قاموس).

(٥) فى ا ، ب الشاة والتصويب من القاموس.

(٦) الآية ١٤٢ سورة الأنعام.

٩٠

قيل : ولا يقال الأنعام حتى يكون فى جملتها الإبل ، قال تعالى : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ)(١) : وقوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ)(٢) والأنعام هاهنا عامّ فى الإبل وغيرها.

والنّعامى بالضمّ : ريح الجنوب ، وقيل : ريح بين الجنوب والصّبا.

والنّعام (٣) والنّعائم : من منازل القمر.

وتنعّمه بالمكان : طلبه.

__________________

(١) الآية ١٢ سورة الزخرف.

(٢) الآية ٢٨ سورة فاطر.

(٣) فى اللسان (ن ع م) عن الأزهرى : النعائم : منزلة من منازل القمر ، والعرب تسميها النعام وانشد ثعلب :

باض النعام به فنفر أهله

إلا المقيم على الدوى المتأفن

قال أراد مطرا وقع بنوء النعائم بقول : إذا وقع هذا المطر هرب العقلاء وأقام الأحمق. (وانظر مادة بيض).

٩١

٤٠ ـ بصيرة فى : نغض ، ونفث ، ونفح ، ونفخ

النّغض : الظليم الّذى ينغض رأسه كثيرا ، قال العجّاج :

واستبدلت رسومه سفنّجا

أصكّ نغضا لاينى مستهدجا (١)

ونغض رأسه ينغض وينغض كينصر ويضرب نغضا ونغوضا ونغضانا ، أى تحرّك ، ويقال أيضا : نغض فلان رأسه أى حرّكه ، لازم ومتعدّ ، حكاه الأخفش. وكلّ حركة فى ارتجاف نغض ، قال :

سألت هل وصل فقالت : مضّ

وحرّكت إلىّ رأسها بالنغض (٢)

وأنغض رأسه ، أى حرّكه كالمتعجّب من الشىء قال الله تعالى : (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ)(٣) أى يحرّكونها على سبيل الهزء (٤).

والنّغض ـ بالضمّ وبالفتح ـ والناغض : [غرضوف](٥) الكتف ، وقيل : فرع الكتف لتحركه ونغضانه.

النّفث : شبيه بالنّفخ ، وهو أقل من التّفل. وقد نفث الراقى

__________________

(١) اللسان (ن غ ض) ـ أراجيز العرب : ٧١

سفنجا : فى ا ، ب سحفا. تصحيف ، والسفنج : السريع. مستهدجا : عجلان ، ويروى بكسر الدال : مستعجلا ـ أصك : متقارب الركبتين يصيب بعضها بعضا إذا عدا.

(٢) الصحاح ، وفى اللسان (نغض) : سألتها الوصل.

المض : كلمة تستعمل بمعنى لا وهى مع ذلك مطمعة فى الإجابة. وقيل : أن يقول الإنسان بطرف لسانه شبه لا.

(٣) الآية ٥١ سورة الإسراء.

(٤) فى ا ، ب : الفقر والتصويب من التاج (نغض).

(٥) سقط من ا ، والغرضوف هو الغضروف وهو كل عظم رخص يؤكل.

٩٢

ينفث ، وينفث. والنفّاثات (١) فى العقد : السّواحر. وفى المثل : «لا بدّ للمصدور أن ينفث». ونفاثة السّواك ما بقى (٢) منه فى فيك.

نفح الطّيب ينفح ، أى فاح. وله نفحة طيّبة.

ونفحه بشيء : أعطاه. ولفلان نفحات من المعروف ، قال (٣) :

لمّا أتيتك أرجو فضل نائلكم

نفحتنى نفحة طابت لها العرب (٤)

/ أى طابت لها النّفس. ونفحت الرّيح : هبّت. قال الأصمعىّ : ما كان من الرّياح نفح فهو برد ، وما كان لفح فهو حرّ. ونفحة من العذاب : قطعة منه ، قال تعالى : (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ)(٥) أى قطعة منه ، وهى إمّا من نفحت الدّابّة : إذا رمت بحافرها ، أو من نفحه بالسّيف : ضربه به ، أو من نفحت الرّيح : هبّت.

ونافحه : كافحه وخاصمه.

النّفخ : نفخ الرّيح فى الشىء ، نفخ فيه ونفخه لغتان ، قال تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ)(٦) نحو قوله : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ)(٧) قال الشاعر :

__________________

(١) فى قوله تعالى : (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) (الآية ٤ سورة الفلق).

(٢) يريد الشظية من السواك تبقى فى الفم فتنفث (اللسان).

(٣) هو الرماح بن ميادة يمدح الوليد بن يزيد بن عبد الملك.

(٤) اللسان (نفح) ومعجم الأدباء ١١ / ١٤٦ برواية طارت. العرب : جمع عربة وهى النفس.

(٥) الآية ٤٦ سورة الأنبياء.

(٦) الآيات ٩٩ سورة الكهف ، ٥١ سورة يس ، ٦٨ سورة الزمر ، ٢٠ سورة ق.

(٧) الآية ٨ سورة المدثر.

٩٣

لو لا ابن جعدة لم يفتح قهندزكم

ولا خراسان حتّى ينفخ الصّور (١)

وقال تعالى : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي)(٢).

وانتفخ البطن : امتلأ ريحا. وانتفخ النّهار : علا.

__________________

(١) اللسان (نفخ).

قهندزكم : فى معجم البلدان بفتح القاف والهاء وسكون النون وفتح الدال وزاى وهو فى الأصل اسم الحصن أو القلعة فى وسط المدينة ولا يقال فى القلعة إذا كانت مفردة فى غير مدينة مشهورة ، وأكثر الرواة يسمونها قهندز بالضم ... الخ.

(٢) الآية ٢٩ سورة الحجر ، ٧٢ سورة ص.

٩٤

٤١ ـ بصيرة فى نفد ونفذ

نفد الشّىء بالكسر نفادا : فنى ، وأنفدته أنا ، قال تعالى : (لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ)(١) ، وقال تعالى : (إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ).(٢)

وأنفد القوم : ذهبت أموالهم أو فنيت أزوادهم. قال إبراهيم بن على بن محمد بن هرمة :

أغرّ كمثل البدر يستمطر النّدى

ويهتزّ مرتاحا إذا هو أنفدا (٣)

وأنفدوا : صادفوا نفادا لما كانوا يطلبونه.

واستنفد ما عند فلان وانتفده : استوفاه. وفيه منتفد عن غيره ، أى مندوح وسعة ، قال الأخطل يمدح عبد الله بن معاوية بن أبى سفيان :

لقد نزلت بعبد الله منزلة

فيها عن الفقر منجاة ومنتفد (٤)

نفذ السّهم الرّميّة ينفذ نفاذا ونفوذا : خرج. ونفذ الأمر والحكم والقضاء : مضى. ورجل نافذ فى أمره ، أى ماض. وأنفذته أنا قال تعالى : (فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ)(٥)

ونفّذ الأمر تنفيذا : أمضاه ، وفى الحديث : «نفّذوا جيش أسامة».

__________________

(١) الآية ١٠٩ سورة الكهف. وتمام الآية (قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي).

(٢) الآية ٥٤ سورة ص.

(٣) اللسان (نفد). ويهتز مرتاحا : يهش المعروف وتسخو نفسه.

(٤) اللسان (نفد) والرواية فيه فيها عن العقب منجاة. من قصيدة فى ديوانه ١٦٩.

(٥) الآية ٣٣ سورة الرحمن.

٩٥

وفى حديث ابن مسعود رضى الله عنه : «إنّكم مجموعون فى صعيد واحد ، يسمعكم الدّاعى وينفذكم البصر» (١) ، يقال منه : أنفذت القوم إذا خرقتهم ومشيت فى وسطهم ، فإن جزتهم حتى تخلّفهم قلت : نفذتهم أنفذهم.

قال أبو زيد : ينفذهم البصر إنفاذا : إذا جاوزهم.

وقال الكسائى : نفذنى البصر ، أى بلغنى وجازنى (٢).

قال أبو عبيد : معناه أنّه ينفذهم بصر الرّحمن (٣) تبارك وتعالى حتى يأتى عليهم كلّهم ويسمعهم داعيه.

__________________

(١) الفائق : ٣ / ١١٧. قال أبو حاتم : أصحاب الحديث يروونه بالذال المعجمة وإنما هو بالدال المهملة ، أى يبلغ أو لهم وآخرهم حتى يراهم ويستوعبهم من نفد الشيء وأنفدته.

(٢) فى اللسان : وجاوزنى.

(٣) فى اللسان : قال أبو حاتم وحمل الحديث على بصر المبصر أولى من حمله على بصر الرحمن.

٩٦

٤٢ ـ بصيرة فى نفر ونفس ونقش

نفرت الدّابّة تنفر وتنفر نفارا ونفورا ، أى انزعجت عن شىء فزعت منه ، قال تعالى : (ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً)(١). وفى الدّابة نفار ، وهو اسم مثل الحران (٢).

ونفر القوم فى الأمر : مضوا فيه. ونفر الحاجّ من منى نفرا. والنّفير : الذين يتقدّمون فى الأمر. وجاءت نفرة بنى فلان ونفيرهم ، أى جماعتهم الّذين ينفرون فى الأمر.

والإنفار عن الشىء ، والتّنفير [عنه](٣) والاستنفار كلّه بمعنى واحد. والاستنفار أيضا مثل النّفور قال الشاعر :

ازجر حمارك إنّه مستنفر

فى إثر أحمرة عمدن لغرّب (٤)

ومنه قوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ)(٥) أى نافرة ، وقرئ بفتح الفاء (٦) ، أى مذعورة.

النّفس : الرّوح ، يقال : خرجت نفسه ، أى روحه قال (٧) :

نجا سالم والنّفس منه بشدقه

ولم ينج إلّا جفن سيف ومئزرا

__________________

(١) الآية ٤٢ سورة فاطر.

(٢) فى ا ، ب : الحيوان (تصحيف) والتصويب من الصحاح.

(٣) تكملة من الصحاح. وفى القاموس للمصنف أيضا : نفرته واستنفرته وأنفرته.

(٤) اللسان (نفر) ، والرواية فيه : اربط حمارك.

(٥) الآية ٥٠ سورة المدثر.

(٦) وهى قراءة نافع وابن عامر وأبى جعفر (الإتحاف).

(٧) هو حذيفة بن أنس الهذلى ، والبيت فى اللسان والصحاح معزو لأبى خراش وهو فى شعر حذيفة (شرح اشعار الهذليين ٥٥٨).

٩٧

أى بجفن سيف وبمئزر. والنّفس أيضا الدّم (١). والنّفس : الجسد. والنّفس : العين ، أصابته نفس أى عين. والنافس : العائن ، «ونهى عن الرّقى (٢) إلّا فى ثلاث : النّملة والحمّة والنّفس».

وقال تعالى : (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً)(٣) قال ابن عرفة : أى بأهل الإيمان / وأهل شريعتهم. وقوله تعالى : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ)(٤) فترك ذكر الخلق وأضيف إلى النّفس وهذه كما قال النّابغة الذّبيانىّ :

وقد خفت حتّى ما تزيد مخافتى

على وعل فى ذى المطارة عاقل (٥)

أى على مخافة وعل.

والنّفس : العند ، قال تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ)(٦) أى تعلم ما عندى ولا أعلم ما عندك ، وقال ابن الأنبارى : أى تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى غيبك. وقيل : تعلم حقيقتى ولا أعلم حقيقتك.

ونفس الشيء : عينه ، يؤكّد به يقال : رأيت فلانا نفسه ، وجاءنى الملك بنفسه.

والنّفس : قدر دبغة من القرظ ونحوه. بعثت أعرابيّة ابنتها إلى جارتها فقالت : تقول لك أمّى أعطينى نفسا أو نفسين أمعس به

__________________

(١) وإنما سمى الدم نفسا لأن النفس تخرج بخروجه وشاهده قول السموأل :

تسيل على حد الظبات نفوسنا

وليست على غير الظبات تسيل

(٢) اللسان : الرقية والحديث فى الفائق ٣ / ٣٠ عن ابن سيرين.

النملة : قروح تخرج فى الجنب. والحمة (وقد يشدد) : السم يريد لدغ العقرب وأشباهها.

(٣) الآية ١٢ سورة النور.

(٤) الآية ٢٨ سورة لقمان.

(٥) ديوانه (ط. السعادة) : ٩٠.

(٦) الآية ١١٦ سورة المائدة.

٩٨

منيئتى فإنى أفدة. أى مستعجلة لا أتفرّغ لاتخاذ الدّباغ.

وقال ابن الأعرابىّ : النّفس : العظمة ، والنّفس : الكبر ، والنّفس : العزّة ، والنّفس : الهمّة ، والنّفس : الأنفة.

والنّفس بالتحريك : واحد الأنفاس. وفى الحديث : «أجد نفس ربّكم من قبل اليمن» (١) وهو مستعار من نفس الهواء الذى يردّه المتنفّس (٢) إلى جوفه فيبرد من حرارته ويعدّلها ، أو من نفس الرّيح الّذى يتنسّمه فيستروح إليه وينفّس عنه ، أو من نفس الرّوضة ، وهو طيب روائحها الّذى يتشمّمه فينفرج به لما أنعم به ربّ العزّة من التّنفيس والفرج وإزالة الكربة. ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تسبّوا الرّيح فإنّها من نفس الرّحمن» (٣) يريد بها أنّها تفرّج الكرب وتنشر الغيث وتنشئ السّحاب ، وتذهب الجدب. وقوله : من قبل اليمن أراد به ما تيسّر له من أهل المدينة على ساكنيها السّلام من النّصرة والإيواء ، ونفّس الله الكرب عن المؤمنين بأهلها ، وهم يمانون. ويقال : أنت فى نفس من أمرك ، أى فى سعة. واعمل وأنت فى نفس من عمرك ، أى فى فسحة قبل الهرم (٤) والمرض ونحوهما. قال : الأزهريّ : النّفس فى هذين الحديثين اسم وضع موضع المصدر الحقيقىّ من نفّس ينفّس تنفيسا ونفسا ، كما يقال : فرّج يفرّج تفريجا ، وفرجا ، كأنّه قال أجد تنفيس

__________________

(١) الفائق : ٣ / ١١٥. وقوله : من قبل اليمن أراد به ما تيسر له من أهل المدينة من النصرة والإيواء ، والمدينة يمانية (فائق).

(٢) فى اللسان : التنفس إلى الجوف.

(٣) من حديث أخرجه الإمام أحمد فى مسنده عن أبى هريرة كما فى (الفتح الكبير) برواية فإنها من روح الله تعالى.

(٤) فى ب : الفقر وبعدها حرف (م) مما يشير إلى تصحيفه عن الهرم.

٩٩

ربّكم من قبل اليمن. وكذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنّه من نفس الرحمن ، أى من تنفيس الله بها عن المكروبين.

والنّفس : الجرعة ، يقال : اكرع فى الإناء نفسا أو نفسين ولا تزد عليه. وشراب غير ذى نفس ، أى كريه آجن أى متغيّر (١) ، إذا ذاقه ذائق لم يتنفّس فيه ، إنّما هى الشّربة الأولى. قال الراعى : (٢)

وشربة من شراب غير ذى نفس

فى كوكب (٣) من نجوم القيظ وهّاج

سقيتها صاديا تهوى مسامعه

قد ظنّ أن ليس من أصحابه ناجى

وشراب ذو نفس ، أى فيه سعة ورىّ.

وشىء نفيس ومنفوس : يتنافس (٤) فيه ويرغب ، قال جرير :

لو لم ترد قتلنا جادت بمطرف

مما يخالط حبّ القلب منفوس

المطّرف : المستطرف. ولفلان نفيس ، أى مال كثير.

ونفست عليه (٥) الشىء : إذا لم تطب نفسك له به. ونفست به عن فلان : بخلت عليه وعنه ، ومنه قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ)(٦).

ونفس الشىء نفاسة ككرم كرامة : صار مرغوبا فيه. ومال منفس ومنفس : كثير نفيس ، قال النّمر بن تولب رضى الله عنه :

__________________

(١) ليس فى ب.

(٢) هكذا فى الأساس وفى اللسان : لأبى وجزة السعدى.

(٣) فى اللسان فى صرة.

(٤) فى ا ، ب : تتنافس وترغب والتصويب من الصحاح.

(٥) فى ا ، ب : عليك الشيء والسياق يقتضى ما أثبتناه.

(٦) الآية ٣٨ سورة محمد.

١٠٠