بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٥

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٥

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: عبدالعليم الطحاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٤

اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً)(١) أراد بإنزال الذكر بعثة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسمّاه ذكرا كما سمّى عيسى عليه‌السلام كلمة ، فعلى هذا يكون رسولا بدلا من ذكرا ، وقيل : بل أراد إنزال ذكره ، فيكون رسولا مفعولا لقوله ذكرا. ونازله فى الحرب ، وتنازلوا : تداعوا نزال (٢)

ونزل به ضيف ونزل عليه ، وهو نزيله وهم نزلاؤه ، أى ضيفه قال :

نزيل القوم أعظمهم حقوقا

وحقّ الله فى حقّ النّزيل (٣)

وكنّا فى نزالة فلان أى فى ضيافته. وهو حسن النّزل والنّزالة. وأعدّ لضيفه النّزل. وطعام ذو نزل ونزل وهو ريعه. ويقال : أنزلت حاجتى على كريم. ونزل له عن امرأته. واستنزله عن رأيه. وأنزل المجامع. وفلان من نزالة سوء ، أى لئيم (٤). وله منزلة عند الملك.

وسحاب نزل وذو نزل ، أى كثير المطر ، قال النّمر بن تولب :

إذا يجفّ ثراها بلّها ديم

من واكف نزل بالماء سجّام (٥)

وقال الكميت :

وكالغيث إلّا أنّ نوء نجومها

تخالف أنواء الكواكب فى النّزل (٦)

ورجل ذو نزل : ذو فضل. وخطّ نزل ؛ إذا وقع فى قرطاس يسير شيء كثير.

__________________

(١) الآيتان ١٠ ، ١١ سورة الطلاق.

(٢) فى ا ، ب نزل والتصويب من الأساس.

(٣) البيت فى الأساس واللسان بدون عزو.

(٤) فى الأساس : لئيم الأب.

(٥) البيت فى الأساس.

(٦) البيت فى الأساس.

٤١

١٨ ـ بصيرة فى نسب

النّسب : واحد الأنساب. والنّسبة والنّسبة بالضم والكسر مثله. ورجل نسّابة : عالم بالأنساب ، والهاء للمبالغة فى المدح كأنّهم يريدون به داهية أو نهاية أو غاية. ونسبت الرّجل أنسبه وأنسبه ـ بالضم والكسر ـ نسبة ونسبا. إذا ذكرت نسبه ، قال أبو وجزة السّعدىّ :

ما زلن ينسبن وهنا كلّ صادقة

باتت تباشر عرما غير أزواج (١)

حتّى سلكن الشّوى منهنّ فى مسك

من نسل جوّابة الآفاق مهداج

والنّسب ضربان : نسب بالطّول كالنسب بين الآباء والأبناء ، ونسب بالعرض كالنّسبة بين الإخوة وبين (٢) الأعمام.

وانتسب إلى أبيه اعتزى. وتنسّب : ادّعى أنّه نسيبك.

ونسب الشاعر بالمرأة ينسب وينسب ـ بالكسر والضم ـ نسيبا (٣) ومنسبا ومنسبة. وشعر منسوب فيه نسيب ، والجمع : المناسيب ، قال سلامة بن جندل

هل فى سؤالك عن أسماء من حوب

أم فى السّلام وإهداء المناسيب (٤)

__________________

(١) البيتان فى اللسان (هدج) يصف خمر الوحش لما أتت فى طلاب الماء ليلا وأنها أثارت القطا. وقوله : تباشر عرما : عنى به بيضها. وقوله : غير أزواج ، يريد أن بيض القطا أفراد ولا يكون أزواجا. وقوله : من نسل جوابة الآفاق : يريد الريح يعنى أن الماء من نسل الريح لأنها الجالبة حين يعصر السحاب الريح. مهداج : مصوتة.

(٢) فى المفردات : وبنى الأعمام.

(٣) ونسبا أيضا كما فى القاموس واللسان.

(٤) فى اللسان والتاج بدون عزو وفى التكملة نسبه الصاغانى إلى سلامة وليس فى المفضلية.

٤٢

١٩ ـ بصيرة فى نسأ ونسخ

نسأت الشىء نسأ : أخّرته. ونسأ الله فى أجله. وأنسأت الشىء أيضا أخّرته.

وقوله تعالى : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ)(١) قيل : هو فعيل بمعنى مفعول ، من قولك نسأت الشىء فهو منسوء : إذا أخّرته ، ثمّ يحوّل منسوء إلى نسىء كما يحوّل مقتول إلى قتيل. ورجل ناسئ وقوم نسأة مثال عامل وعملة ، وذلك أنهم كانوا / إذا صدروا عن منى يقوم رجل من بنى كنانة ويقول : أنا الّذى لا يردّ لى قضاء ، فيقولون : أنسئنا شهرا ، أى أخّر عنا حرمة المحرّم واجعلها فى صفر ، لأنهم كانوا يكرهون أن يتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا يغيرون فيها ، لأنّ معاشهم كان من الغارة فيحلّ لهم المحرّم. وقال الفرّاء : النّسىء مصدر؟ وقال الأزهرىّ : النّسىء بمعنى الإنساء اسم وضع موضع المصدر الحقيقىّ ، من أنسأت ، قال : وقد قال بعضهم نسأت فى هذا الموضع بمعنى أنسأت ، ومنه قول عمير ابن قيس :

ألسنا النّاسئين على معدّ

شهور الحلّ نجعلها حراما (٢)

البيع : بعته [بنسأة بالضمّ](٣) ونسيئة. ونسأت عنه دينه نساء بالفتح والمدّ ، ومنه قول علىّ رضى الله عنه (٤) : من سرّه النّساء

__________________

(١) الآية ٣٧ سورة التوبة.

(٢) البيت فى اللسان (نسأ).

(٣) تكملة من القاموس.

(٤) فى اللسان : وقال فقيه العرب.

٤٣

ولا نساء فليباكر الغداء ، وليهجر النّساء ، وليخفّف الرداء ويروى : وليقلّ غشيان النّساء. وقوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها)(١) أى نؤخّرها إمّا بإنسائها ، وإما بإبطال حكمها.

والمنسأة : العصا يهمز ولا يهمز ، قال أبو طالب بن عبد المطّلب يخاطب خداش بن عبد الله بن أبى قيس فى قتله عمرو بن علقمة :

أمن أجل حبل لا أباك ضربته

بمنسأة قد جرّ حبلك أحبلا (٢)

وقال آخر فى ترك الهمز :

إذا دببت على المنساة من هرم

فقد تباعد عنك اللهو والغزل (٣)

قال تعالى : (ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ)(٤) سمّيت العصا منسأة لأنّها ينسأ بها أى يؤخّر.

ونسأت اللّبن : خلطته بماء ، واسمه النّسء.

النسخ : إزالة شىء بشيء يتعقّبه ، كنسخ الشمس الظلّ ، والشيب الشّباب ، فتارة تفهم منه الإزالة ، وتارة يفهم منه الإثبات ، وتارة يفهم منه الأمران. ونسخ الكتاب : إزالة الحكم بحكم يتعقّبه قال تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها)(٥) ، قيل معناه ما نزيل العمل بها أو نحذفها (٦) عن قلوب العباد ، وقيل معناه :

__________________

(١) الآية ١٠٦ سورة البقرة وعبارة المفردات : وقرئ (ما ننسخ من آية أو ننسأها) أى نؤخرها الخ ا ه. وهى قراءة أبى عمرو وابن كثير كما فى الاتحاف.

(٢) البيت فى اللسان (نسأ) وفيه أن صواب الرواية قد جر حبلك أحبل بتقديم المفعول وأورد بعده بيتين ، وفى (ب) لا أبا لك صدته ، وقد : حاد حبل بأحبل.

(٣) البيت فى اللسان بدون عزو.

(٤) الآية ١٤ سورة سبأ.

(٥) الآية ١٠٦ سورة البقرة.

(٦) فى ا ، ب يحرفها والتصويب من المفردات.

٤٤

ما نوجده وننزله ، من قولهم : نسخت الكتاب ، وما ننسؤه (١) أى نؤخّره ولم ننزله.

ونسخ الكتاب : نقل صورته المجرّدة إلى كتاب آخر ، وذلك لا يقتضى إزالة الصّورة الأولى بل يقتضى إثبات مثلها (٢) فى مادّة أخرى ، كإيجاد (٣) نقش الخاتم فى شموع كثيرة.

والاستنساخ : التقدّم بنسخ الشىء ، والتّرشّح للنسخ. وقد يعبّر بالنسخ عن الاستنساخ ، قال تعالى : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(٤)

والقائلون بالتّناسخ ، هم المنكرون للبعث على ما أثبتته الشريعة ، ويزعمون أنّ الأرواح تنتقل فى الأجسام أبدا. وتناسخ القرون مضىّ قوم بعد قوم.

__________________

(١) العبارة فى ا ، ب : نسخت الكتاب ننسوه وما ننسخه أى نؤخره وقد حررناها على ما فى المفردات للراغب.

(٢) فى ا ، ب : مثله ، والتصويب من الراغب.

(٣) كايجاد : فى المفردات كاتخاذ.

(٤) الآية ٢٩ سورة الجاثية.

٤٥

٢٠ ـ بصيرة فى نسر ونسف

النّسر ، طائر. وجمع القلّة : أنسر ، والكثير : نسور. ويقال : النّسر لا مخلب له وإنّما له الظفر كظفر الدّجاجة والغراب.

ونسر : صنم كان لذى الكلاع بأرض حمير ، وكان يغوث لمذحج ، ويعوق لهمدان من أصنام قوم نوح ، قال تعالى : (وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً)(١) وقد تدخل فيه الألف واللام كقوله (٢) :

أما ودماء مائرات تخالها

على قنّة العزّى وبالنّسر عند ما (٣)

والنّسر أيضا : لحمه يابسة (٤) فى بطن الحافر كأنّها نواة أو حصاة. والنّسر أيضا : نتف البازى / اللّحم بمنسره ، وقد نسره ينسره. وفى النّجوم : النّسر الطّائر والنّسر الواقع.

والمنسر ـ كمنبر (٥) ـ لسباع الطّير بمنزلة المنقار لغيرها. والمنسر والمنسر كمجلس ومنبر : قطعة من الجيش تمرّ قدّام الجيش الكثير.

النسف : قلع الشّىء ، نسفت البناء : قلعته ، قال الله تعالى : (فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً)(٦) أى يقلعها من أصولها. يقال : نسف البعير النّبت : إذا قلعه بفيه من الأرض بأصله. وقيل : نسف الجبال :

__________________

(١) الآية ٢٣ سورة نوح.

(٢) الشاعر هو عمرو بن عبد الجن كما فى العباب.

(٣) البيت فى اللسان (نسر) برواية أما ودماء لا تزال كأنها

(٤) فى اللسان : صلبة.

(٥) وكمجلس أيضا.

(٦) الآية ١٠٥ سورة طه.

٤٦

دكّها وتذريتها ، ومنه قوله تعالى : (وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ)(١) أى ذهب بها كلّها بسرعة.

والمنسفة : آلة يقلع بها البناء ، والمنسف : ما ينسف به الطّعام ، ونسفه : نفضه (٢) ، وهو شىء طويل منصوب الصّدر أعلاه مرتفع. تقول كأنّ لحيته منسف.

وقوله تعالى : (ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً)(٣) أى لنذرينّه تذرية.

والنّسافة : ما يسقط من المنسف.

وبعير نسوف : يقتلع الكلأ من أصله بمقدّم فيه. وانتسفت الشّىء : اقتلعته.

وهما يتناسفان الكلام ، أى يتسارّان ، كأنّ كلّا منهما ينسف ما عند الآخر ، وانتسف لونه : تغيّر.

__________________

(١) الآية ١٠ سورة المرسلات.

(٢) نفضه : غربلته وتنقيته.

(٣) الآية ٩٧ سورة طه.

٤٧

٢١ ـ بصيرة فى نسك ونسل

نسك لله ينسك : ذبح لوجهه نسكا ومنسكا. وهذه نسيكة فلان أى ذبيحته ، ومنه مناسك الحجّ ، أى عباداته.

وأرض ناسكة : خضراء حديثة المطر.

نسل الشّعر والرّيش : سقط ، نسولا. وأنسله الطّائر والدّابة. وهذا نسال الطائر ، ونسيل الدّابّة ونسالتها. قال الرّاعى :

أطار نسيله الشّتوىّ عنه

تتبّعه المذانب والقرارا (١)

ونسل الولد ينسل : إذا ولد لأنّه يسقط من بطن أمّه إلى الأرض. ونسل ينسل نسلانا : عدا ، قال تعالى : (مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ)(٢). ورجل عسّال نسّال : عدّاء مسرع الإعناق ، قالت الخنساء (٣) :

حامى الحقيقة نسّال الوديقة مع

تاق الوسيقة جلد غير ثنيان (٤)

وأنسل الرّجل نسلا كثيرا. وتوالدوا وتناسلوا. وما له نسولة ، أى ما يتّخذ للنّسل من الإبل والغنم ، قال تعالى : (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ)(٥) النسل : الولد ، لأنّه يخرج من بطن أمّه.

__________________

(١) البيت فى الأساس.

أطار : فى ا ، ب : أطائر والتصويب من الأساس ، المذانب : جمع مذنب وهو المسيل فى الحضيض ليس بشق واسع. القرار : مستقر الماء فى الروضة.

(٢) الآية ٩٦ سورة الأنبياء.

(٣) فى اللسان : أبو المثلم الهذلى ، وفى الأساس معزو كما هنا إلى الخنساء.

(٤) البيت فى اللسان ـ الأساس (نسل) وفى شرح أشعار الهذليين ٢٨٤ (شعر أبى المثلم) ـ الوديقة : شدة الحر ، الوسيقة : الطريدة. الثنيان : الضعيف ، أو هو من دون السيد.

(٥) الآية ٢٠٥ سورة البقرة.

٤٨

٢٢ ـ بصيرة فى نسى

النّسيان : ترك الإنسان ضبط ما استودع ، إمّا لضعف قلبه ، وإمّا عن غفلة ، وإمّا (١) عن قصد حتى يرتفع (٢) عن القلب ذكره. نسيته نسيانا وتناسيته ، وأنسانيه شيطان ونسّانيه ، قال تعالى : (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(٣).

وقوله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى)(٤) إخبار وضمان من الله تعالى أنّه يجعله بحيث إنّه لا ينسى ما يسمعه من الحقّ.

وكلّ نسيان من الإنسان ذمّه الله تعالى به فهو ما كان أصله عن تعمّد منه لا يعذر فيه ، وما عذر فيه فإنّه لا يؤاخذ به نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «رفع عن أمّتى الخطأ والنّسيان (٥)» ، فهو ما لم يكن سببه (٦) منه.

وقوله (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا)(٧) هو ما كان نسيه (٨) عن تعمّد منهم وتركه على طريق الإهانة. وإذا نسب ذلك إلى الله تعالى فهو تركه إيّاهم استهانة بهم ومجازاة لما تركوه.

وقوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ)(٩)

__________________

(١) فى ا ، ب : «أو» وما أثبت عن المفردات.

(٢) فى المفردات : «ينحذف».

(٣) الآية ١١٥ سورة طه.

(٤) الآية ٦ سورة الأعلى.

(٥) أخرجه الطبرانى عن ثوبان كما فى (الفتح الكبير).

(٦) فى ا ، ب : «ونسيه» وما أثبت من المفردات.

(٧) الآية ١٤ سورة السجدة.

(٨) فى المفردات : «سببه».

(٩) الآية ١٩ سورة الحشر.

٤٩

تنبيه أنّ الإنسان بمعرفته لنفسه (١) يعرف الله ، فنسيانه لله هو من نسيانه نفسه (٢).

ويقال : نسيت الشىء أى تركته ، ومنه / قوله تعالى : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ)(٣).

وقوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ)(٤) قال ابن عبّاس رضى الله عنهما : إذا قلت شيئا ولم تقل إن شاء الله فقله إذا تذكّرته. وبهذا (٥) أجاز الاستثناء بعد مدّة. وقال عكرمة : معنى نسيت ارتكبت ذنبا ، ومعناه اذكر الله إذا أردت وقصدت (٦) ارتكاب ذنب يكن ذلك دافعا (٧) لك.

والنّسى أصله ما ينسى كالنقض لما ينقض ، وصار عرفا اسما لما يقلّ الاعتداد به. ومن هذا يقول العرب : احفظوا أنساءكم (٨). أى ما من شأنه أن ينسى.

وقوله تعالى : نِسيا منسيا (٩) أى جاريا مجرى النسى القليل الاعتداد به ، ولهذا عقّبه بقوله منسيّا لأنّ النسى يقال لما يقلّ

__________________

(١) فى المفردات : «بنفسه».

(٢) فى ا ، ب «لنفسه» ، وما أثبت عن المفردات

(٣) الآية ٦٧ سورة التوبة.

(٤) الآية ٢٤ سورة الكهف.

(٥) هذه العبارة من كلام الراغب فى مفرداته.

(٦) فى ا ، ب : «قصد» وما أثبت عن المفردات وهو أوضح.

(٧) فى التاج : «كافا لك».

(٨) فى ا ، ب : نساءكم ، وما أثبت عن المفردات ، والعبارة فى اللسان : انظروا أنساءكم ، وفى التاج : تتبعوا أنساءكم.

(٩) الآية ٢٣ سورة مريم.

٥٠

الاعتداد به وإن لم ينس. وقرئ (نَسْياً) بالفتح (١) ، وهو (٢) مصدر موضوع موضع المفعول ، نحو عصى عصيا وعصيانا.

وقوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها)(٣) فإنساؤها حذف ذكرها عن القلوب بقوّة إلهيّة.

والنّسوة بالضمّ ، والنّسوة والنّساء والنّسوان والنّسون ، بكسرهنّ ، جموع المرأة من غير لفظها.

والنّسوة بالفتح : التّرك للعمل. والجرعة من اللبن.

والنّسا : عرق ممتد من الورك إلى الكعب. ونسيه (٤) نسيا : ضرب نساه.

__________________

(١) أى بفتح النون وبها قرأ حفص وحمزة ، وقرأ الباقون بكسرها والكسر أرجح كما فى (الإتحاف).

(٢) أى النسى بفتح النون.

(٣) الآية ١٠٦ سورة البقرة.

(٤) كذا أيضا فى القاموس وكتب شارحه : «هكذا فى النسخ والذى فى الصحاح وغيره : نسيته فهو منسى : صبت نساه أى من حد رمى وهو الصواب ، فكان عليه أن يقول : نساه نسيا». ا ه.

٥١

٢٣ ـ بصيرة فى نشأ

ناشئة اللّيل : أوّل ساعاته. وقال ابن عرفة : كلّ ساعة قامها قائم من اللّيل فهى ناشئة ، وقيل : كلّ ما حدث فى اللّيل وبدأ فهو ناشئ ، والجمع ناشئة. وقال الأزهرىّ : ناشئة الليل مصدر جاء على فاعلة ، وهو بمعنى النّشء كالعافية بمعنى العفو ، والعاقبة بمعنى العقب ، والخاتمة بمعنى الختم.

والنّشأة والنّشاءة بالفتح فيهما وبالمدّ فى الثانية عن أبى عمرو ابن العلاء اسم من أنشأ الله الخلق.

وأنشأ يفعل كذا ، أى ابتدأ ، وفلان ينشئ الأحاديث أى يضعها.

وقوله تعالى : (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ)(١) قال مجاهد : هى السفن التى رفعت قلوعها ، وإذا لم ترفع قلوعها فليست بمنشئات ، وقيل : هى الّتى ابتدئ بهنّ فى البحر لتجرى فيه. وقرأ حمزة بن حبيب الزّيّات وعلىّ بن حمزة الكسائى : المنشِئات بكسر (٢) الشين ، ومعناها المبتدئات فى الجرى.

وقال أبو القاسم الأصفهانىّ : الإنشاء إيجاد الشىء وتربيته ، وأكثر ما يقال ذلك فى الحيوان ، قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ)(٣) ،

__________________

(١) الآية ٢٤ سورة الرحمن.

(٢) وهى قراءة أبى بكر والأعمش أيضا ، والباقون بالفتح اسم مفعول وبالوجهين جميعا جمهور المغاربة والمصريين كما فى (الاتحاف).

(٣) الآية ٩٨ سورة الأنعام.

٥٢

(ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ)(١) ، (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ)(٢) هذه كلّها فى الإيجاد المختصّ بالله تعالى. وقوله تعالى (أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها)(٣) فلتشبيه إيجاد النار المستخرجة بإيجاد الإنسان.

وقوله : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ)(٤) أى يربّى تربية كتربية النّساء ، [وقرئ ينشأُ](٥) أى يتربّى.

والنّاشئ الحدث الذى جاوز حدّ الصغر ، والجارية ناشئ أيضا

والنّشء والنشأة : إحداث الشىء وتربيته ، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى)(٦).

وجمع النّاشئ نشأ كطالب وطلب ، ويجمع على نشء أيضا كصاحب وصحب.

والنشء : أوّل ما ينشأ من السّحاب. ونشأت فى بنى فلان نشأ ونشوءا ، أى نشّئت فيهم. ونشأت السحابة ارتفعت.

__________________

(١) الآية ٣١ سورة المؤمنون.

(٢) الآية ١٤ سورة المؤمنون.

(٣) الآية ٧٢ سورة الواقعة.

(٤) الآية ١٨ سورة الزخرف.

(٥) ما بين القوسين تكملة من ب والمفردات ، وهى تكملة يقتضيها السياق.

(٦) الآية ٦٢ سورة الواقعة.

٥٣

٢٤ ـ بصيرة فى نشر

نشر الثّوب والسّحاب والصحيفة والنّعمة والحديث : بسطها ، قال تعالى : (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ)(١). وقوله : (وَالنَّاشِراتِ نَشْراً)(٢) أى الملائكة الّتى تنشر الرّياح ، أو الرّياح الّتى تنشر السّحاب. ويقال فى جمع الناشر : نشر ونشر. وقرئ : نشرا بين يدى رحمته (٣) فيكون كقوله : (وَالنَّاشِراتِ).

/ ونشر الميّت ينشر نشورا ، أى عاش بعد الموت قال الأعشى :

حتّى يقول النّاس ممّا رأوا

يا عجبا للميّت. النّاشر (٤)

ومنه يوم النّشور ، قال تعالى : (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)(٥). وأنشر الله الميّت فنشر ، وقيل : نشر الله الميت من نشر الثوب ، وأنشره : أحياه ، ومنه قراءة ابن عبّاس : كيف ننشرها (٦) قال الفرّاء : [ومن قرأ ننشرها وهى قراءة الحسن فكأنّه](٧) ذهب إلى النشر والطّىّ ، قال : والوجه أن يقول أنشرهم الله فنشروا ، وأنشد الأصمعىّ لأبى ذؤيب الهذلىّ :

__________________

(١) الآية ١٠ سورة التكوير.

(٢) الآية ٣ سورة المرسلات.

(٣) الآيات ٥٧ سورة الأعراف ، ٤٨ سورة الفرقان ، ٦٣ سورة النمل.

وهى قراءة نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب ، وقرأ ابن عامر بضم النون وإسكان الشين ، وقرأ عاصم بالموحدة المضمومة وإسكان الشين (انظر الاتحاف).

(٤) البيت فى اللسان «نشر» ـ الصبح المنير : ١٨ (ق / ١٨ : ١٣).

(٥) الآية ١٥ سورة الملك.

(٦) الآية ٢٥٩ سورة البقرة.

(٧) ما بين القوسين تكملة من اللسان يقتضيها السياق.

٥٤

لو كان مدحة حىّ أنشرت أحدا

أحيا أبوّتك الشمّ الأماديح (١)

ونشر الخشبة بالمنشار. وله نشر طيّب ، وهو ما انتشر من رائحته ، قال المرقّش (٢) :

النّشر مسك والوجوه دنا

نير وأطراف الأكفّ عنم (٣)

ونشرت الخبر أنشره وأنشره : أذعته. وصحف منشّرة ، شدّدت للكثرة.

ونشرت عن العليل نشرا ، ونشّرت عنه تنشيرا : إذا رقيته بالنّشرة ، كأنّك تفرّق عنه العلّة. وفى الحديث : «فلعلّ طبّا أصابه ، أى سحرا ، ثم نشّره بقل أعوذ بربّ الناس (٤)» ، سمّوا السحر طبّا تفاؤلا بالبرء.

__________________

(١) البيت فى اللسان (نشر) ـ شرح أشعار الهذليين : ١٢٧ ، ويروى «منشرا أحدا» كما يروى أيضا (نشرت أحدا) بتشديد الشين.

(٢) هو المرقش الأكبر وهو عمرو بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس.

(٣) البيت رقم ٦ من المفضلية : ٥٤.

والعنم : شجر أحمر تشبه خمرة أطراف الأصابع به.

(٤) النهاية ـ الفائق : ٢ / ٧٦ (طبب).

٥٥

٢٥ ـ بصيرة فى نشز

النشز ـ بالفتح ـ والنشز ـ بالتحريك ـ : المكان المرتفع ، وجمع النشز فى القلّة أنشز ، مثال فلس وأفلس ، قال منظور بن حبّة (١) :

كأنّه فى الرّمل لمّا حلّزا

أمار مسحاه يشقّ الأنشزا (٢)

وجمع الكثرة : نشوز مثل : فلس وفلوس ، وجمع النّشز : أنشاز ونشاز مثل : جبل وأجبال وجبال. وأمّا النّشاز بالفتح فهو المكان المرتفع.

ويقال للرّجل إذا أسنّ ولم ينقص : فلان والله نشز من الرّجال.

ونشز الرّجل ينشز وينشز نشزا : ارتفع فى المكان. ومنه قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا)(٣). وقرأ بالضمّ المدنىّ والشامىّ وعاصم غير حمّاد بن أبى زياد ، والباقون بالكسر (٤) ، وقيل معناه : انهضوا إلى حرب أو إلى أمر من أمور الله. وقال أبو إسحاق معناه : إذا قيل انهضوا فانهضوا وقوموا. وقيل : قوموا إلى الصّلاة أو قضاء حقّ أو شهادة. وقال أبو زيد : نشزت بقرنى أنشز به (٥) : إذا حملته فصرعته ، وقال شمر : كأنّه مقلوب شزن.

ونشزت المرأة تنشز وتنشز نشوزا : استعصت على بعلها وأبغضته ، ونشز عليها بعلها : إذا ضربها وجفاها ، ومنه قوله تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ

__________________

(١) وهو منظور بن مرثد ، وحبة أمه عرف بها.

(٢) حلز : نشط وتحرك. أماره : أثاره وحركه. والمسحاة : المجرفة من حديد.

(٣) الآية ١١ سورة المجادلة.

(٤) فى الإتحاف : والوجهان صحيحان عن أبى بكر وهما لغتان.

(٥) فى ا ، ب : أنشرته والتصويب من اللسان.

٥٦

خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً)(١) ، وقوله تعالى : (تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ)(٢) أى عصيانهنّ وتعاليهنّ عمّا أوجب الله عليهنّ. وقال الأزهرىّ : والنّشوز : كراهة كلّ واحد من الزوجين صاحبه. ونشزت نفسى : جاشت.

وتلّ ناشز ، وجمعه نواشز ، قال الشمّاخ :

عفا بطن قوّ من سليمى فعالز

فذات الغضا فالمشرفات النّواشز (٣)

وقلب ناشز : ارتفع عن مكانه من الرّعب. وعرق ناشز : لا يزال منتبرا ، يضرب من وجع به. وركب ناشز.

وإنشاز عظام الميّت : رفعها إلى مواضعها وتركيب بعضها على بعض. ومنه قوله تعالى : (كَيْفَ نُنْشِزُها)(٤) ، قال ثعلب : وهذه هى القراءة المختارة (٥).

__________________

(١) الآية ١٢٨ سورة النساء.

(٢) الآية ٣٤ سورة النساء.

(٣) ديوانه (ط. السعادة) : ٤٣.

عفا : درس. بطن المكان وسطه. عالز : موضع. ذات الغضا فى الديوان : ذات الصفا. المشرفات : الأماكن المرتفعة.

(٤) الآية ٢٥٩ سورة البقرة.

(٥) يشير إلى قراءة الكوفيين «ننشرها» بالراء.

٥٧

٢٦ ـ بصيرة فى نشط

نشط الرّجل ـ بالكسر ـ ينشط نشاطا ـ بالفتح ـ فهو ناشط ونشيط ، أى طيّب النفس للعمل وغيره. والمنشط كمنبر : الكثير النّشاط.

وقوله تعالى : / (وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً) أى النجوم تنشط من برج إلى برج ، كالثّور الناشط من أرض إلى أرض ، قال ذو الرّمّة :

أذاك أم نمش بالوشى أكرعه

مسفّع الخدّ هاد ناشط شبب (١)

النّاشط : الثور الوحشىّ يخرج من أرض إلى أرض. وقال الفرّاء : هى الملائكة تنشط نفس المؤمن بقبضها. وقال ابن دريد : قال أبو عبيدة : ينشط من بلد إلى بلد. وقال ابن عرفة : هى الملائكة تنشط أرواح المسلمين ، أى تحلّها حلّا رفيقا. ويقال : الهموم تنشط بصاحبها قال هميان بن قحافة السّعدىّ :

أمست همومى تنشط المناشطا

الشّام بى طورا وطورا واسطا (٢)

وقال بعضهم (٣) فى : (وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً) إنّه أراد بها النّجوم الخارجات من الشّرق إلى الغرب مسير الفلك ، أو السّائرات من المغرب إلى المشرق بسير أنفسها. وقيل : الملائكة الّتى تعقد الأمور من قولهم : نشطت العقدة

__________________

(١) اللسان (نمش ، نشط) ـ الديوان : ١٧ (ق / ١ : ٦٧).

نمش : فيه نقط ، وهى نعت للأكرع ، أراد أذاك أم ثور نمش أكرعه. شبب : بلغ تمام شبابه.

(٢) البيت فى اللسان (نشط).

(٣) التفسير الوارد بعد ، هو فى المفردات.

٥٨

وتخصيص النشط وهو العقد الّذى يسهل حلّه تنبيه على سهولة الأمر عليهم ، قال أبو زيد : نشطت الحبل أنشطه نشطا : عقدته أنشوطة. والأنشوطة : عقدة يسهل انحلالها مثل عقدة التكّة ، يقال : ما عقالك بأنشوطة [أى](١) ما مودّتك بواهية.

والنّشيطة ما يغنمه الغزاة فى الطّريق قبل وصولهم إلى المقصد. وقال الليث : النّشيطة من الإبل أن تؤخذ فتساق من غير أن يعمد لها ، قال عبد الله بن عنمة الضّبىّ :

لك المرباع منها والصّفايا

وحكمك والنّشيطة والفضول (٢)

وأنشطت البعير ، وأنشطت العقال : إذا مددت أنشوطته فانحلّت.

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط فى ا.

(٢) البيت فى اللسان (نشط).

المرباع : ربع الغنيمة يكون لرئيس القوم دون أصحابه (وكان ذلك فى الجاهلية) ـ الصفايا : جمع صفى ، وهو ما يصطفيه لنفسه مثل : السيف والقوس والجارية قبل القسمة مع الربع الذى له.

٥٩

٢٧ ـ بصيرة فى نصب

النصب مصدر نصبت الشىء : إذا أقمته ، قال النابغة الذّبيانى :

ظلّت أقاطيع أنعام مؤبّلة

لدى صليب على الزوراء منصوب (١)

والنّصب أيضا : المنصوب ، قال الله تعالى : (إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ)(٢) إلى علم منصوب لهم.

وهمّ ناصب : ذو نصب مثل لابن وتامر ، فاعل بمعنى مفعول فيه لأنّه ينصب فيه ويتعب كقولهم : ليل نائم ، أى ينام فيه. وهمّ ناصب ، أى منصب ، قال النابغة الذبيانى :

كلينى لهمّ يا أميمة ناصب

وليل أقاسيه بطيء الكواكب (٣)

وقرأ زيد بن علىّ : فإذا فرغت فانصِب (٤) بكسر الصّاد ، قيل لغة فى فتحها ، ومعنى كسر الصّاد وفتحها واحد ، وقيل : معناها فانصب نفسك للدّعاء. ونصبه المرض أيضا : أتعبه.

__________________

(١) ديوان النابغة (ط. السعادة) : ٤٧.

الأقاطيع : الطائفة من الإبل. مؤبلة : متخذة للقنية فلا تركب ولا تستعمل. صليب : هدف ينصب علامة. الزوراء : مسكن بنى حنيفة.

(٢) الآية ٤٣ سورة المعارج ـ وقرأ ابن عامر وحفص بضم النون والصاد جمع نصب ، كسقف وسقف ، أو جمع نصاب ككتب جمع كتاب. وقرأ الحسن بفتح النون والصاد فعل بمعنى مفعول ، والباقون بفتح النون وإسكان الصاد اسم مفرد بمعنى المنصوب للعبادة (راجع الاتحاف).

(٣) اللسان (نصب ، كل) : صدر البيت ـ ديوانه (ط. السعادة) : ٤٢. أميمة بالفتح أجراها على لفظها مرخمة والأحسن بالضم ـ بطيء الكواكب : أى طويل ، وذلك لأنه لا يزول إلا بغروبها.

(٤) قال الزمخشرى فى تفسيره الكشاف عند تفسير هذه الآية : «ومن البدع ما روى عن بعض الرافضة أنه» قرأ فانصبِ (بكسر الصاد) أى فانصب عليا للإمامة ، ولو صح للرافضى هذا لصح للناصر أن يقرأ هكذا ويجعله أمرا بالنصب الذى هو بغض على وعداوته.

٦٠