بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٥

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٥

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: عبدالعليم الطحاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٤

وهبط (١) الرّجل بلد كذا (ومن بلد كذا) (٢) ، وهبطته أنا (٣) ، قال الله تعالى : (اهْبِطُوا مِصْراً)(٤) يعنى فإن أبيتم إلّا ذلك فانزلوا مصرا من الأمصار. وقال الله تعالى : (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)(٥) أى انزلوا إلى الأرض ، يعنى آدم وحوّاء والحيّة وإبليس (٦) ، فهبط آدم بسرنديب (٧) على جبل بوذ ، وحوّاء بجدّة ، وإبليس بالأبلّة ، والحيّة بأصبهان. وقال تعالى : (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً)(٨) قيل : الهبوط الأوّل من الجنّة إلى السّماء الدّنيا ، والهبوط الثانى من السّماء الدنيا إلى الأرض.

وهبطه هبطا : ضربه ؛ والمرض لحمه : هزله. وثمن السّلعة : نقص.

وقول العبّاس للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ثمّ هبطت البلاد لا بشر

أنت ولا مضغة ولا علق (٩)

أراد لما أهبط الله آدم صلوات الله عليه إلى الأرض كنت فى صلبه غير بالغ هذه الأحوال.

__________________

(١) فى القاموس : وهبط بلد كذا : دخله.

(٢) ما بين القوسين من نسخة ب. والمراد انحدر منها إلينا وجاء.

(٣) وهبطته أنا : أى أدخلته بلد كذا.

(٤) الآية ٦١ سورة البقرة.

(٥) الآية ٣٦ سورة البقرة.

(٦) فى الكشاف (١ / ٦٣) : الصحيح أن الخطاب لآدم وحواء ، والمراد هما وذريتهما لأنهما لما كانا أصل الإنس ومتشعبهم جعلا كأنهم الإنس كلهم ، والدليل عليه قوله : (اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ).

(٧) هذه رواية لا سند لها من الأحاديث الصحيحة وإنما هى إسرائيليات مروية عن كعب كما فى نهاية الأرب للنويرى (١٣ / ٢٢) على أن التوراة وهى مصدر الاسرائيليات لم تذكر هذا والذى جاء فيها من سفر التكوين الاصحاح الثالث : فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التى أخذ منها. وكان حقا على المسلمين أن يقفوا عند نصوص القرآن فلا يتعدوا وراء إجمالها إلا بسند صحيح.

(٨) الآية ٣٨ سورة البقرة.

(٩) البيت فى اللسان (هبط). المضغة : القطعة من اللحم قدر ما يمضغ ؛ والمراد هنا الحالة التى ينتهى إليها الجنين بعد العلقة. العلق : الدم الجامد.

٣٠١

الهبوة : الغبرة. والهباء : الغبار ، أو شىء يشبه الدّخان ، وقيل : دقاق التّراب فلا يبدو إلّا فى أثناء ضوء الشمس فى الكوّة ، قال تعالى : (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً)(١).

والهباء أيضا : القليلو (٢) العقول من الناس ، والجمع : أهباء.

وهبا هبوا : سطع. وهبا : فرّ. وهبا : مات.

وأهبى الفرس : أثار الهباء.

__________________

(١) الآية ٢٣ سورة الفرقان والضمير فى فَجَعَلْناهُ راجع إلى قوله (ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) المذكور فى الآية قبل.

(٢) وبه فسر حديث الحسن «ثم اتبعه من الناس هباء ورعاع».

٣٠٢

٣ ـ بصيرة فى هجد وهجر

هجد ، أى نام ، وهجد ، أى سهر ، وهو من الأضداد قال المرقّش الأكبر :

سرى ليلا خيال من سليمى

فأرّقنى وأصحابى هجود (١)

وهجّد البعير : ألقى جرانه (٢) ، وأهجد أيضا بمعناه.

وأهجد صاحبه : أنامه ، وأهجده أيضا : وجده نائما. وأهجد نام : مثل هجد.

والتّهجيد : التّنويم ، قال لبيد رضى الله عنه (٣) :

ومجود من صبابات الكرى

عاطف النّمرق صدق المبتذل (٤)

قال هجّدنى فقد طال السّرى

وقدرنا إن خنا الدّهر غفل

أى نوّمنى. والتّهجيد أيضا : الإيقاظ ، وهو من الأضداد أيضا ، قال الله تعالى : (فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ)(٥) أى تيقّظ (٦) بالقرآن ، وهو حث له على إقامة صلاة اللّيل المذكور فى قوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً)(٧)

__________________

(١) البيت صدر المفضلية رقم ٤٦ ـ المفضليات ٢ / ٢٣ (تحقيق هارون).

(٢) أى على الأرض. وجرانه : مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره فإذا برك البعير ومد عنقه على الأرض ، قيل ألقى جرانه بالأرض أو على الأرض.

(٣) يصف رفيقا له فى السفر غلبه النعاس.

(٤) البيتان فى اللسان (هجد) ـ الديوان : ١٤٢ (ط. بيروت).

المجود : الذى أصابه الجود من النعاس ـ عاطف النمرق : أى ثانيها يريد أنه يطويها ولا يستعملها ـ الصدق : بفتح الصاد الغاية فى كل شىء. فيقول هو منعم مترف فإذا صار فى السفر تبذل وتبذله صبره على غير فراش ولا وطاء.

خنا الدهر : آفاته : غفل : كثير. وإن هنا إن وسكنها ضرورة شعرية.

(٥) ٧٩ سورة الإسراء.

(٦) وفى التاج : تهجدت : إذا سهرت وإذا نمت وهو من الأضداد.

(٧) الآية ٢ سورة المزمل.

٣٠٣

الهجر : ضد الوصل ، وقد هجره هجرا بالفتح وهجرانا بالكسر ، والاسم الهجرة.

والمهاجرة من أرض إلى أرض : ترك الأولى للثانية.

والتّهاجر : التّقاطع.

وقد هجر المريض يهجر هجرا بالضمّ (١) فهو هاجر ، والكلام مهجور. قال أبو عبيد : يروى عن إبراهيم (٢) ما يثبّت هذا القول فى قوله تعالى : (إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً)(٣) قال : قالوا فيه غير الحقّ ألم تر إلى المريض إذا هجر قال غير الحقّ ، وعن مجاهد نحوه.

والهجر بالضمّ : الاسم من الإهجار وهو الإفحاش فى المنطق والخنا.

والهجر والهجران (٤) يكون بالبدن وباللّسان وبالقلب ، وقوله تعالى (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ)(٥) أى بالأبدان ؛ وقوله تعالى : (إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً)(٦) باللّسان أو بالقلب (٧) ؛ وقوله تعالى : (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً)(٨) محتمل للثلاثة ؛ وقوله تعالى : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)(٩) حثّ على المفارقة بالوجوه كلّها والمهاجرة فى الأصل : مصارمة الغير ومتاركته. والمهاجرة فى

__________________

(١) وكذا فى القاموس وفى اللسان : وهجر فى نومه ومرضه يهجر هجرا (بالفتح) وفيه هجرا وبجرا وهجرا وبجرا : إذا فتح فهو مصدر وإذا ضم فهو اسم. والصحيح أن الهجر الاسم من الإهجار.

(٢) هو إبراهيم بن يزيد النخعى.

(٣) الآية ٣٠ سورة الفرقان.

(٤) عبارة المفردات : والهجران : مفارقة الإنسان غيره إما بالبدن أو باللسان أو بالقلب.

(٥) الآية ٣٤ سورة النساء.

(٦) الآية ٣٠ سورة الفرقان.

(٧) فى المفردات : بالقلب أو بالقلب واللسان.

(٨) الآية ١٠ سورة المزمل.

(٩) الآية ٥ سورة المدثر.

٣٠٤

قوله تعالى (وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا)(١) ، و (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ)(٢) وغيرهما من الآيات فالظّاهر منه أنّ المراد الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان ، كمن (٣) هاجر من مكّة إلى المدينة ، / وقيل مقتضى ذلك ترك الشّهوات والأخلاق الذّميمة والخطايا. وقوله : (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي)(٤) أى تارك لقومى وذاهب إليه. وكذا المجاهدة تقتضى مع مجاهدة العدى مجاهدة النفس. وروى : «هاجروا ولا تهجّروا (٥)» أى كونوا من المهاجرين ولا تتشبّهوا بهم فى القول من دون الفعل.

والهجر : الكلام المهجور لقبحه. وفى الحديث : «ولا تقولوا هجرا (٦)». وأهجر (٧) فلان : إذا أتى بهجر من الكلام عن قصد. وهجر المريض : إذا أتى بذلك من غير قصد ، قال تعالى : (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ)(٨) وقرئ تُهجِرون. وقد يشبّه المبالغ فى الهجر بالمهجر [فيقال : أهجر (٩)] إذا قصد ذلك. ورماه بها جرات ومهجرات أى بفضائح.

والهجر (١٠) والهاجرة : نصف النّهار عند اشتداد الحرّ ، وقيل : السّاعة

__________________

(١) الآية ٢١٨ سورة البقرة.

(٢) الآية ٨ سورة الحشر.

(٣) ا ، ب : كما ، وما أثبت عن المفردات.

(٤) الآية ٢٦ سورة العنكبوت.

(٥) الفائق : ٢ / ٤٤٥ من حديث عمر رضى الله عنه رواه زر بن حبيش وتمام الحديث فى الفائق. والتهجر : أن يتشبه بالمهاجرين على غير صحة وإخلاص.

(٦) من حديث طويل رواه النسائى عن بريدة كما فى الفتح الكبير ، والحديث (إنى كنت نهيتكم ألا تأكلوا لحوم الأضاحى إلا ثلاثا فكلوا وأطعموا وادخروا ما بدا لكم ، وذكرت لكم ألا تنبذوا فى الظروف الدباء والمزقت والنقير والحنتم انتبذوا فيما رأيتم واجتنبوا كل مسكر ؛ ونهيتكم عن زيارة القبور فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجرا».

(٧) فى ا ، ب هجر فلان ، وأهجر المريض وما أثبت عن المفردات ويؤيده ما فى اللسان بعد ذكر الآية مستكبرين به سامرا تهجرون قال : تهجرون وتهجرون فتهجرون : تقولون القبيح وتهجرون : تهذون.

(٨) الآية ٦٧ سورة المؤمنين.

(٩) ما بين القوسين تكملة من المفردات.

(١٠) زاد فى القاموس الهجير أيضا.

٣٠٥

يمتنع فيها الناس من الحركة والسّير لشدّة الحرّ ، كأنها هجرت الناس أو هجرها الناس لذلك ، تقول منه : هجّر النّهار ، قال امرؤ القيس :

فدعها وسلّ الهمّ عنك بجسرة

ذمول إذا صام النّهار وهجّرا (١)

وتقول : أتينا أهلنا مهجرين ، أى فى وقت الهاجرة ، ومؤصلين أى فى وقت الأصيل.

والهجير يبيس (٢) الحمض ؛ والحوض الكبير.

والهجّير كسكّيت (٣) والإهجيراء (٤) والإهجيرى والهجريّا (٥) بمعنى ، وهو الدأب والعادة. قيل : لا يكاد يستعمل إلّا فى العادة الذميمة ، اللهمّ إلّا أن يستعمله فى ضدّه من لا يراعى مورد هذه الكلمة عن العرب.

والمهجور : الفرس يشدّ رأسه إلى رجله.

__________________

(١) البيت فى اللسان (هجر) ـ الديوان (ط. المعارف) : ٦٣.

الجسرة من النوق : الطويلة الضخمة الماضية فى السير ـ الذمول : السريعة ـ صام النهار : اعتدل وقام قائم الظهيرة.

(٢) فى الصحاح : يبيس الحمض الذى كسرته الماشية.

(٣) فى القاموس أيضا والهجيرى.

(٤) فى ا ، ب : الإهجير وما أثبت عن القاموس.

(٥) ا ، ب الاهجريا والتصويب عن القاموس.

٣٠٦

٤ ـ بصيرة فى هجع

الهجوع والتهجاع : النّوم ليلا. وفرّق بعضهم بين الهجوع والتّهجاع فقال : الهجوع مطلق النّوم ، والتّهجاع : النّومة الخفيفة ، قال أبو قيس بن الأسلت :

قد حصّت البيضة رأسى فما

أطعم نوما غير تهجاع (١)

وقوله تعالى : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ)(٢) ، وذلك يصحّ أن يكون معناه كان هجوعهم قليلا من أوقات اللّيل ، ويجوز أن يكون معناه : لم يكونوا يهجعون ، فالقليل قد يعبّر به عن النفى والمشارف لنفيه.

والهجيع من الليل مثل الهزيع. ويقال : أتيته بعد هجعة من اللّيل ، أى بعد نومة خفيفة من أوّل اللّيل. والهجعة منه كالجلسة من الجلوس.

والهجعة أيضا ، والهجع ، والهجع كصرد ، والهجع ككتف والمهجع كمنبر : الغافل الأحمق (٣).

وهجع جوعه : انكسر (٤). وهجع فلان غرثه (٥) : كسره ، لازم ومتعدّ.

وطريق تهجع : واسع.

__________________

(١) البيت رقم ٤ من المفضلية ٧٥ من المفضليات ج ٢ / ٨٤ والرواية فيها : أطعم غمضا ، وما هنا موافق لرواية الأساس. حصت البيضة رأسى : أذهبت شعره ونثرته لطول مكثها على رأسه. والمراد أنه يطيل لبس السلاح ويقل النوم.

(٢) الآية ١٧ سورة الذاريات.

(٣) وقيل : الأحمق السريع الاستنامة إلى كل أحد.

(٤) ولم يشبع بعد.

(٥) الغرث : الجوع.

٣٠٧

٥ ـ بصيرة فى هد

هدّ البناء يهدّه هدّا : كسره وضعضعه. وهدّته المصيبة : أوهنت ركنه. وفى دعاء النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهمّ إنّى أعوذ بك من الهدّة (١)». الهدّ : الهدم الشديد كحائط منهدم. والهدّة : الخسوف. والهدّة أيضا : صوت وقع الحائط ونحوه ، تقول منه : هدّ يهدّ بالكسر هديدا ، قال الله تعالى : (وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا)(٢).

والهادّ : صوت يسمعه أهل السّاحل يأتيهم من قبل البحر له دوىّ فى الأرض ، وربّما كانت منه الزلزلة ، ودويّه : هديدة.

ويقال : فلان يهدّ (٣) : إذا أثنى عليه بالجلد والقوّة.

وتقول : مررت برجل هدّك (٤) من رجل ، معناه : / أثقلك وصف محاسنه. وفيه لغتان : منهم من يجريه مجرى المصدر فلا يؤنّثه ولا يثنّيه ولا يجمعه ؛ ومنهم من يجعله فعلا فيثنّى ويجمع ، فتقول : مررت برجل هدّك من رجل ، وبامرأة هدّتك من امرأة ، وبرجلين هدّاك ، وبرجال هدّوك ، وبامرأتين هدّتاك ، وبنسوة هددنك.

ولمّا نزل قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)(٥) جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنى عبد المطّلب وأنذرهم ، فقال أبو لهب : لهدّ

__________________

(١) الذى فى رواية النسائى والحاكم فى مستدركه عن أبى اليسر «اللهم إنى أعوذ بك من التردى والهدم والغرق والحرق» كما فى الفتح الكبير.

(٢) الآية ٩٠ سورة مريم.

(٣) على ما لم يسم فاعله.

(٤) وتكسر الدال أيضا من هدك.

(٥) الآية ٢١٤ سورة الشعراء.

٣٠٨

ما سحركم صاحبكم. الهدّ كلمة يتعجّب بها. وقال الأصمعىّ : لهدّ الرّجل ، أى ما أجلده.

والهدهد والهداهد : الطائر المعروف ، قال الرّاعى يصف نفسه وحاله :

يدعو أمير المؤمنين ودونه

خرق تجرّ به الرّياح ذيولا (١)

كهداهد كسر الرّماة جناحه

يدعو بقارعة العقيق هديلا

والجمع : هداهد. قال تعالى : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ)(٢). قال ابن دريد : يقال : هدهد وهداهد للحمام الكثير الهدهدة أى الصّوت ، قال : والهداهد أيضا : الحمام الذّكر. وقال الليث : الهداهد : طائر يشبه الحمام ، وكلاهما (٣) أنشد بيت الراعى. وقال الأصمعىّ : الهداهد (٤) فى هذا البيت الفاختة أو الورشان أو الدّبسىّ أو الدّخل أو الهدهد ، ولا أعرفه تصغير هدهد كما روى عن الكسائىّ. وقال القتيبىّ : لم يرد الرّاعى بالهداهد هذا إلا حمامة ذكرا يهدهد فى صوته. والذى يحتجّ للكسائىّ يقول : هو تصغير هدهد قلبوا ياء التصغير (٥) ألفا كما قالوا : دوابّة فى تصغير دابّة.

__________________

(١) البيتان من قصيدة للراعى فى جمهرة أشعار العرب ١٧٢ ، والثانى فى اللسان (هدد) و (هدل).

الخرق : الفلاة الواسعة ـ الهديل : الفرخ ، قيل هنا صوت الهدهد. العقيق : واد بالحجاز.

(٢) الآية ٢٠ سورة النمل.

(٣) كلاهما : ابن دريد والليث.

(٤) فى ا ، ب : اقحمت عبارة طائر يشبه الحمام بعد قوله الهداهد. الفاختة : ضرب من الحمام المطوق. الورشان : طائر يشبه الحمام وهو من الوحشيات يقال له ساق حر ـ الدبسى : طائر صغير أدكن يقرقر قيل إنه ذكر اليمام. الدخل : صغار الطير أمثال العصافير يأوى الغيران والشجر الملتف.

(٥) أى ياء هديهد الذى هو تصغير هدهد ، أما دوابة فهم يقولون إن أصلها دويبة تصغير دابة.

٣٠٩

ورجل هدادة : جبان ، والجمع هداد ، قال أميّة بن أبى الصّلت يمدح عبد الله بن جدعان :

له داع بمكّة مشمعلّ

وآخر فوق دارته ينادى (١)

إلى الخير ابن جدعان بن عمرو

طويل السّمك مرتفع العماد

إلى ردح من الشّيزى ملاء

لباب البرّ يلبك بالشهاد

فأدخلهم على ربذ يداه

بفعل الخير ليس من الهداد

وقيل الهداد : الطّاشة (٢) ، الواحد : هدادة

وهدهد الطّفل : حرّكه لينام.

__________________

(١) نهاية الأرب للنويرى : ٥ / ٣٩ ، سمط اللآلى ٣٦٣ الأول والثالث.

مشمعل : خفيف سريع ـ ردح : جمع رداح : الجفان العظيمة ـ الشيزى : شجر تتخذ منه الجفان ، يقال : هو الآبنوس ـ لباب البر : نصب على نزع الخافض فأصله : ملاء من لباب البر ـ ربذ يداه : سريعتان بفعل الخير : يقال : ربذت يده بكذا : خفت وأسرعت به. وفى ا ، ب : زيد ، تصحيف.

(٢) الطاشة : جمع طائش وهو الخفيف العقل.

٣١٠

٦ ـ بصيرة فى هدم

الهدم : نقض البناء وإسقاطه ، وكذلك التّهديم ، قال الله تعالى : (لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ)(١).

وهدم فلانا يهدمه : كسر ظهره.

والهدم والهدم بالتّحريك : المهدر من الدّماء.

والهدم ـ بالكسر ـ : الشيخ (٢) الكبير. والثّوب البالى (٣) أو المرقّع ، وقيل : خاصّ بالكساء من الصّوف ، والجمع : أهدام ، وهدم.

والهدم محرّكة : ما تهدّم (٤) من جوانب البئر فسقط فيها.

__________________

(١) الآية ٤٠ سورة الحج.

(٢) على التشبيه بالثوب البالى.

(٣) فى ب : البالغ ولعلها البالغ قدما.

(٤) فى ا ، ب : فانهدم والتصويب من القاموس.

٣١١

٧ ـ بصيرة فى هدى

الهدى بضمّ الهاء وفتح الدّال : الرّشاد ، والدّلالة ، يذكّر ويؤنّث. هداه هدى ، وهديا [وهداية (١)] وهدية بكسرهما : أرشده ، فاهتدى وتهدّى (٢) ، وهداه الله الطّريق وللطّريق ، وإلى الطّريق. ورجل هدوّ كعدوّ (٣) : هاد. وهو لا يهدى الطريق ولا يهتدى ، ولا يهدّى ولا يهدّى.

قال تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)(٤) والمعنى أرشدنا ، وقيل : أى قدّمنا إليه ، وقيل : ثبّتنا عليه ؛ وقيل : وفّقنا ؛ وقيل : ارزقنا ، وكلّها أقوال متقاربة.

قال ابن عطيّة : الهداية فى اللّغة : الإرشاد لكنّها تتصرّف على وجوه يعبّر عنها / المفسّرون بغير لفظ الإرشاد ، وكلّها إذا تؤمّلت رجعت إليه. انتهى كلامه ، وهو صحيح ، ولم يذكر أهل اللغة فيها إلّا أنّها بمعنى الإرشاد ، والأصل عدم الاشتراك.

وأصل هدى أن يصل ثانى مفعوليه بإلى أو اللّام ، قال تعالى : (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٥) ، (اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٦) ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا)(٧). وقد يتّسع فيه فيحذف الحرف ويعدّى بنفسه ، ومنه : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)(٨) ، (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ)(٩).

__________________

(١) ما بين القوسين تكملة من القاموس يقتضيها السياق.

(٢) الذى فى القاموس : فهدى واهتدى. وقوله هنا : تهدى هو بمعنى اهتدى ولذا أبقينا عبارته كما هى فى بصائره.

(٣) فى اللسان : ولم يحكها يعقوب فى الألفاظ التى حصرها كحسو.

(٤) الآية ٦ سورة الفاتحة.

(٥) الآية ١٦١ سورة الأنعام.

(٦) الآية ١٢١ سورة النحل.

(٧) الآية ٤٣ سورة الأعراف.

(٨) الآية ٦ سورة الفاتحة.

(٩) الآية ١٠ سورة البلد.

٣١٢

وقال أبو النّصر (١) : هديته الطّريق لغة أهل الحجاز ، وهديته إلى الطريق لغة غيرهم ، حكاه الأخفش. قال الزمخشرىّ : هداه لكذا أو إلى كذا إذا لم يكن فيه فيصل إليه بالهداية ، وهداه كذا يحتمل كونه فيه وكونه ليس كذلك ، فلا يجوز (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا)(٢) كون أصله باللام أو إلى ، هكذا قال ، والمشهور ما قدّمناه.

وقال الراغب : الهداية : دلالة بلطف ، ومنه الهديّة. وهوادى الوحش أى المتقدّمات الهادية لغيرها. وخصّ ما كان (٣) دلالة بهديت وما كان إعطاء بأهديت ، نحو أهديت الهديّة ، وهديت (٤) إلى البيت.

إن قيل كيف جعلت الهداية دلالة بلطف والله تعالى يقول : (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ)(٥)؟ قيل : ذلك على سبيل التهكّم مبالغة فى المعنى نحو قوله : (فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(٦) ومنه قوله :

تحيّة بينهم ضرب وجيع (٧)

وهداية الله تعالى للإنسان على أربعة أضرب :

الأوّل : الهداية التى عمّ بها كلّ مكلّف من العقل والفطنة والمعارف الضروريّة ، بل عمّ بها كلّ شىء حسب احتماله ، كما قال تعالى : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى)(٨).

__________________

(١) أبو نصر : الجوهرى صاحب الصحاح.

(٢) الآية ٦٩ سورة العنكبوت.

(٣) فى ا ، ب : كانت وما أثبت عن المفردات.

(٤) فى ا ، ب : أهديت والتصويب من السياق والمعجمات

(٥) الآية ٢٣ سورة الصافات.

(٦) الآية ٧ سورة لقمان ٨ سورة الجاثية.

(٧) المفردات للراغب

(٨) الآية ٥٠ سورة طه.

٣١٣

الثانى : الهداية التى جعلت للنّاس بدعائه إيّاهم على ألسنة الأنبياء وإنزال القرآن ونحو ذلك ، وهو المقصود بقوله : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا)(١).

الثالث : التّوفيق الذى يختصّ به من اهتدى ، وهو المعنىّ بقوله : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً)(٢) ، وقوله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)(٣).

الرّابع : الهداية فى الآخرة إلى الجنّة ، وهو المعنىّ بقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا)(٤).

وهذه الهدايات الأربع مترتّبة (٥) فإنّ من لم تحصل له الأولى لا تحصل له الثانية ، بل لا يصحّ تكليفه. ومن لم تحصل له الثانية لا تحصل له الثالثة والرابعة.

والإنسان لا يقدر أن يهدى أحدا إلا بالدّعاء وتعريف الطّرق دون سائر الهدايات ، وإلى الأوّل أشار بقوله : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٦) ، وبقوله : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)(٧) أى داع ، وإلى سائر الهدايات أشار بقوله : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ)(٨). وكلّ هداية ذكر الله تعالى أنّه منع الكافرين والظّالمين فهى الهداية الثالثة ، التى هى التّوفيق الذى يختصّ به المهتدون ، والرّابعة التى هى الثواب فى الآخرة ، وإدخال الجنّة المشار إليها بقوله تعالى : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ)(٩) إلى قوله (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(١٠).

__________________

(١) الآية ٧٣ سورة الأنبياء.

(٢) الآية ١٧ سورة محمد.

(٣) الآية ١١ سورة التغابن.

(٤) الآية ٤٣ سورة الأعراف.

(٥) فى ا ، ب : مرتبة وما أثبت عن المفردات.

(٦) الآية ٥٢ سورة الشورى.

(٧) الآية ٧ سورة الرعد.

(٨) الآية ٥٦ سورة القصص.

(٩) الآية ٨٦ سورة آل عمران.

(١٠) الآية ٨٦ سورة آل عمران.

٣١٤

وكلّ هداية نفاها عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعن البشر وذكر أنّهم غير قادرين عليها فهى ما عدا المختصّ به من الدّعاء وتعريف الطريق ، وذلك / كإعطاء العقل والتوفيق ، وإدخال الجنّة ، وإلى هذا المعنى أشار بقوله : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)(١). وقوله : (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ)(٢) أى طالب الهدى ومتحرّيه هو الّذى يوفّقه ويهديه إلى طريق الجنّة لا من ضادّه فتحرّى طريق الضلالة والكفر كقوله : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ)(٣) ، وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ)(٤) الكاذب الكفّار هو الّذى لا يقبل هدايته ؛ فإنّ ذلك راجع إلى هذا وإن لم يكن لفظه موضوعا لذلك ، ومن لم يقبل هدايته لم يهده كقولك : من لم يقبل هديّتى لم أهد له (٥) ، ومن لم يقبل عطيّتى لم أعطه ، ومن رغب عنّى لم أرغب فيه. وقوله (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى)(٦) فقوله : لا يهدّى أى لا يهدى غيره ولكن يهدى ، أى لا يعلم شيئا ولا يعرف. وقرئ إلّا أن يُهَدَّى (٧) أى لا هداية له ولو هدى أيضا لم يهتد لأنّها موات من حجارة ونحوها.

__________________

(١) الآية ٩٩ سورة يونس.

(٢) الآية ٩٧ سورة الإسراء. وورد من يهد فى آيتى ١٨٧ سورة الأعراف ، ١٧ سورة الكهف.

(٣) الآية ٢٦٤ سورة البقرة ، ٣٧ سورة التوبة.

(٤) الآية ٣ سورة الزمر.

(٥) ا ، ب : اهده وما أثبت عن المفردات.

(٦) الآية ٣٥ سورة يونس.

(٧) بتشديد الدال فى ا ، ب ويقويه ما فى الكشاف : وقرئ إلا أن يهدى من هداه وهداه للمبالغة والذى فى المفردات : وقد قرئ يهدى إلا أن يهدى. وإليها أشار صاحب إتحاف البشر فقال : وقرأ حمزة والكسائى خلف بفتح الياء وإسكان الهاء وتخفيف الدال ووافقهم الأعمش (الاتحاف : ١٥٠).

٣١٥

وظاهر اللّفظ أنّه إذا هدى اهتدى لإخراج الكلام على أنها أمثالكم كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ)(١) وإنّما هى موات ، وقد قال فى موضع [آخر] : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ)(٢).

وقوله : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ)(٣) ، وقوله : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ)(٤) ، وقوله : (وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)(٥) إشارة إلى ما عرّف من طريق الخير والشرّ ، وطريق الثّواب والعقاب ، والعقل والشّرع. وقوله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)(٦) إشارة إلى التّوفيق الملقى فى الرّوع فيما يتحرّاه الإنسان ، وإيّاه عنى بقوله : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً)(٧).

ولما كانت الهداية والتّعليم يقتضى شيئين : تعريفا من المعرّف وتعرّفا من المعرّف ، وبهما (٨) يتمّ الهداية والتّعلّم ، فإنّه متى حصل البذل من الهادى والمعلّم ولم يحصل (٩) القبول صحّ أن يقال لم (١٠) يهد ولم يعلّم اعتبارا بعدم القبول ، وصحّ أن يقال : هدى وعلّم اعتبارا ببذله ، فإذا كان كذلك صحّ أن يقال إنّ الله لم (١١) يهد الكافرين والفاسقين من حيث إنّه لم يحصل القبول الّذى هو تمام الهداية والتّعليم. وصحّ أن يقال قد هداهم وعلّمهم من حيث إنّه حصل البذل الذى هو مبدأ الهداية ، فعلى الاعتبار الأوّل يصحّ أن يحمل قوله : والله لا يهدى القوم

__________________

(١) الآية ١٩٤ سورة الأعراف.

(٢) الآية ٧٣ سورة النحل.

(٣) الآية ٣ سورة الإنسان.

(٤) الآية ١٠ سورة البلد.

(٥) الآية ١٨ سورة الصافات.

(٦) الآية ١١ سورة التغابن.

(٧) الآية ١٧ سورة محمد.

(٨) ا ، ب : بها وما أثبت عن المفردات.

(٩) فى ا ، ب : يصح وما أثبت عن المفردات.

(١٠) ا ، ب : لهم والتصويب من المفردات.

(١١) فى ا ، ب : لا يهدى وما أثبت عن المفردات.

٣١٦

الكافرين والظالمين ؛ وعلى الثانى قوله : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى)(١) والأولى حيث لم يحصل القبول أن يقيّد فيقال هداه الله فلم يهتد وقوله : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ)(٢) وهم الذين قبلوا هداه فاهتدوا به.

وقوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)(٣) فقد قيل عنى به الهداية العامّة التى هى العقل وسنّة (٤) الأنبياء ، وأمرنا بأن نقول ولكن بألسنتنا ، وإن كان قد فعل ، ليعطينا ثوابا ، كما أمرنا بأن نقول : اللهمّ صلّ على محمّد وإن كان قد صلّى الله عليه بقوله : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ)(٥). وقيل إنّ ذلك دعاء بحفظنا عن استغواء الغواة واستهواء الشّهوات. وقيل : هو سؤال للتّوفيق الموعود فى قوله : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً)(٦).

والهداية والهدى فى موضوع (٧) اللغة واحد كما تقدّم ، لكن قد خصّ الله لفظ الهدى. بما تولّاه وأعطاه ، واختصّ هو به دون ما هو إلى الإنسان ، نحو : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)(٨) ، (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى)(٩) وغيرها.

والاهتداء يختصّ بما يتحرّاه الإنسان على طريق الاختيار إمّا فى الأمور الدنيويّة أو الأخرويّة ، قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها)(١٠) ويقال ذلك لطلب الهداية نحو قوله : (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا

__________________

(١) الآية ١٧ سورة فصلت.

(٢) الآية ١٤٢ سورة البقرة.

(٣) الآية ٦ سورة الفاتحة.

(٤) فى ا ، ب : ألسنة وما أثبت عن المفردات.

(٥) الآية ٥٦ سورة الأحزاب.

(٦) الآية ١٧ سورة محمد.

(٧) موضوع اللغة : وضعها وهو مصدر جاء على زنة مفعول.

(٨) الآية ٢ سورة البقرة.

(٩) الآية ٧١ سورة الأنعام.

(١٠) الآية ٩٧ سورة الأنعام.

٣١٧

مِنَ الْمُهْتَدِينَ)(١) ولتحرّى الهداية نحو قوله : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(٢).

ويقال المهتدى لمن يقتدى بعالم نحو : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)(٣) ، تنبيها أنّهم لا يعلمون بأنفسهم ولا يقتدون بعالم.

وقوله : (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ)(٤) فالاهتداء هاهنا يتناول وجوه الاهتداء من طلب الهداية ومن الاقتداء ومن تحرّيها.

وقوله : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى)(٥) معناه ثمّ أدام طلب الهداية ولم يفتر عن تحرّيه ولم يرجع إلى المعصية.

وقوله : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)(٦) ، أى الذين تحرّوا الهداية وقبلوها وعملوا بها ، وكذلك قوله : (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ)(٧) إلى قوله (إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ)(٨).

والهدى مختصّ بما يهدى إلى البيت ، قال الأخفش : واحده هديّة (٩) ، قال : ويقال للأنثى هدى كأنّه مصدر وصف به ، قال الله تعالى : (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ)(١٠).

والهديّة مختصّة باللّطف الّذى يهدى بعضنا إلى بعض ، قال تعالى

__________________

(١) الآية ٥٦ سورة الأنعام.

(٢) الآية ٥٣ سورة البقرة.

(٣) الآية ١٠٤ سورة المائدة.

(٤) الآية ٩٢ سورة النمل.

(٥) الآية ٨٢ سورة طه.

(٦) الآية ١٥٧ سورة البقرة.

(٧) الآية ٤٩ سورة الزخرف.

(٨) الآية ٤٩ سورة الزخرف.

(٩) فى المصباح واحده هدية بالتثقيل والتخفيف أيضا ا ه ، والهدى يخفف ويثقل أيضا. وفى المصباح : وقيل المثقل جمع المخفف.

(١٠) الآية ٢ سورة المائدة.

٣١٨

(وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ)(١).

والمهدى : الطبق الّذى يهدى عليه (٢). والمهداء من يكثر إهداء الهديّة ، قال :

وإنّك مهداء الخنا نظف الحشا (٣)

والهدىّ يقال فى الهدى وفى العروس. يقال : هديت العروس إلى زوجها هداء.

وما أحسن هدية فلان [وهديه (٤)] ، أى طريقته.

وفلان يهادى بين اثنين : إذا مشى بينهما معتمدا عليهما.

وتهادت المرأة : إذا مشت مشى الهدى.

__________________

(١) الآية ٣٥ سورة النمل.

(٢) ولا يقال للطبق مهدى إلا وفيه ما يهدى (اللسان ـ هدى).

(٣) الخنا : الفحش ، وقبيح الكلام. الحشا : ما فى البطن من كرش وطحال وكبد.

(٤) ما بين القوسين تكملة من القاموس.

٣١٩

٨ ـ بصيرة فى هرب وهرع وهرت

الهروب ، والهرب ، والهربان : الفرار. وقد هرب يهرب.

ويقال : ما له هارب ولا قارب ، أى صادر ولا وارد. وقيل معناه : ليس أحد يهرب منه ولا أحد يقرب منه ، أى ليس هو بشيء. قال الله تعالى : (وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً)(١).

هرب كعنى (٢) أى هرم. وأهربه : اضطرّه إلى الهروب.

الإهراع : الإسراع. وقوله تعالى : (وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ)(٣) قال أبو عبيدة يستحثّون إليه كأنّه يحثّ بعضهم بعضا.

وأهرع الرّجل على ما لم يسمّ فاعله : إذا كان يرعد (٤) من غضب أو حمّى أو فزع ، قال مهلهل :

فجاءوا يهرعون وهم أسارى

يقودهم على رغم الأنوف (٥)

وقوله تعالى : (فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ)(٦) ، قيل : كأنّهم يزعجون من الإسراع. وقيل : يتبعونهم مسرعين.

والمهرع كمحسن ، والمهراع : الأسد لأنّه فيما يقال / لا تفارقه الرّعدة والحمّى.

__________________

(١) الآية ١٢ سورة الجن.

(٢) هكذا فى ا ، ب والذى فى القاموس : هرب كفرح : هرم ا ه فكأن الباء بدل من الميم.

(٣) الآية ٧٨ سورة هود.

(٤) فى ا ، ب : نزعه وهو تصحيف وما أثبت عن اللسان.

(٥) البيت فى اللسان (هرع) والمعنى : يساقون ويعجلون.

(٦) الآية ٧٠ سورة الصافات.

٣٢٠