بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٥

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٥

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: عبدالعليم الطحاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٤

والوعاء ، والوعاء ـ بالكسر والضمّ ـ والإعاء (١) : الظّرف (٢) ، والجمع : أوعية.

وأوعاه ، وأوعى [عليه](٣) : قتّر عليه ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا توعى فيوعى الله عليك» (٤).

والإيعاء : حفظ الأمتعة فى الوعاء ، قال الله تعالى : (وَجَمَعَ فَأَوْعى)(٥) ، قال (٦) :

والشرّ أخبث ما أوعيت من زاد (٧)

وقال تعالى : (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ)(٨).

والواعية : الصّراخ والصّوت لا الصّارخة.

ولا وعى عن ذلك الأمر ، أى لا تماسك دونه.

__________________

(١) الإعاء : على البدل أى إبدال الواو همزة.

(٢) الظرف للشىء.

(٣) ما بين القوسين تكملة من القاموس.

(٤) رواه البخارى عن أسماء بنت أبى بكر (كما فى الفتح الكبير) وتمامه فيه : ارضخى ما استطعت ؛ والمعنى لا تجمعى وتشحى بالنفقة فيشح عليك وتجازى بتضييق رزقك.

(٥) الآية ١٨ سورة المعارج.

(٦) هو عبيد بن الأبرص كما فى التاج (وعى).

(٧) وصدره فى التاج :

الخير يبقى وإن طال الزمان به

(٨) الآية ٧٦ سورة يوسف.

٢٤١

٣٧ ـ بصيرة فى وفد

وفد فلان على الأمير يفد وفدا ووفودا ووفادة (أى ، ورد رسولا ، فهو وافد ، والجمع وفد ، مثل صاحب وصحب. وجمع الوفد : أوفاد (١)) ووفود.

والوافد من الإبل والقطا : ما سبق سائرها ، قال تعالى : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً)(٢).

والوافدان فى قول الأعشى :

رأت رجلا غائب الوافدي

ن مختلف الخلق أعشى ضريرا (٣)

هما الناشزان من الخدّين عند المضغ ، فإذا هرم الإنسان غاب وافداه.

وأمسينا على أوفاد وأوفاز ، أى على سفر قد أشخصنا ، أى أقلقنا (٤).

وأوفدته إلى الأمير أى أرسلته. والإيفاد على الشىء : الإشراف عليه ، قال حميد بن ثور الهلالىّ رضى الله عنه :

ترى العلافىّ عليها موفدا

كأنّ برجا فوقها مشيّدا (٥)

والإيفاد أيضا : الإسراع. وفّدته إلى الأمير توفيدا : مثل أوفدته.

واستوفد الرجل فى قعدته : مثل استوفز.

__________________

(١) ما بين القوسين من نسخة ب.

(٢) الآية ٨٥ سورة مريم.

(٣) البيت فى الأساس (وفد) ـ الصبح المنير : ٦٩.

(٤) فى ا ، ب : أاقلعنا ، وما أثبت عن اللسان.

(٥) المشطوران فى الأساس واللسان بدون عزو وفى التاج عزاهما إلى حميد عن البصائر وفى الديوان (ط. دار الكتب) المشطور الأول برواية : ترى العليفى عليها مؤكدا.

٢٤٢

٣٨ ـ بصيرة فى وفر ووفض

شىء وافر وموفور وموفّر ومتوفّر (١) : كثير ، وقد وفر ووفر.

ووفرته ووفّرته : كثّرته. ووفّرت عليه حقّه فاستوفره ، نحو وفّيته إيّاه فاستوفاه. وهذه أرض فى نبتها وشجرها وفرة (وفرة (٢)) أى وفور لم يرع.

ولفلان وفر ، أى مال وافر ، قال الله تعالى : (فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً)(٣).

وسقاء أوفر ، ومزادة وفراء : لم ينقص من أديمها شىء.

وجارية ذات وفرة : ذات لمّة (٤) إلى أذنيها. ووفّر شعره : أعفاه.

وتوفّر على صاحبه : رعى حرماته.

وفض يفض وفضا ، وأوفض ، واستوفض : عدا وأسرع ، قال الله تعالى : (كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ)(٥) ، أى كأنّهم نصب لهم شىء فهم يسرعون إليه ويسبقون.

ولقيته على أوفاض ، أى على عجلة ، الواحد وفض ، ووفض ، قال رؤبة :

تمشى بنا الجدّ على أوفاض (٦)

واستوفضه : طرده واستعجله. واستوفضت الإبل : تفرّقت. وفى الحديث : «واستوفضوه عاما (٧)» ، أى غرّبوه.

__________________

(١) فى الأساس : مستوفر.

(٢) ما بين القوسين تكملة من ب ومن الأساس.

(٣) الآية ٦٣ سورة الإسراء.

(٤) اللمة : الشعر يلم بالمنكب أى يقرب. وفى الأساس جمة : وفى اللسان : الجمة من الشعر أكثر من اللمة.

(٥) الآية ٤٣ سورة المعارج.

(٦) الديوان : ٨١ (ق ٣٠ : ١١) برواية يمسى بالسين المهملة وما هنا موافق لرواية اللسان والتاج (وفض).

(٧) من حديث وائل بن حجر «من زنى من بكر فاصفعوه كذا واستوفضوه عاما» والحديث بتمامه أورده الفائق ١ : ٤

٢٤٣

٣٩ ـ بصيرة فى وفق ووفى

الوفق من الموافقة بين الشّيئين كالالتحام ، يقال : حلوبته وفق عياله ، أى لها لبن قدر كفايتهم لا فضل فيها ، قال الرّاعى :

أمّا الفقير الّذى كانت حلوبته

وفق العيال فلم يترك له سبد (١)

وأتيتك لوفق الأمر وتوفاقه وتيفاقه ، ونيفاقه (٢).

والموافقة معروفة ، قال الله تعالى : (جَزاءً وِفاقاً)(٣) أى جازيتهم جزاء وافق أعمالهم. قال مقاتل : وافق العذاب الذنب ، فلا ذنب أعظم من الشّرك ، ولا عذاب أعظم من النّار.

واستوفقت الله : سألته التّوفيق (٤). ووافقته : صادفته. والتّوافق : الاتّفاق. ولا يتوفّق عبد حتى يوفّقه الله.

ووفق الأمر / يفق : كان صوابا موافقا للمراد. ووفّقت أمرك : أعطيته موافقا لمرادك. وإنّك لموفّق (٥) ، أى رشيد.

الوفاء : التّمام. ودرهم واف ، وكيل واف ، وشعر واف. وصار هذا وفاء لذاك ، أى تماما له. ومات فلان وأنت بوفاء (٦) ، أى بتمام عمر.

__________________

(١) البيت فى اللسان والأساس (وفق).

الحلوبة : ذات اللبن تسمن لتحلب لطعامهم. السبد : الوبر ، وقيل الشعر ، والعرب تقول : ما له سبد ولا لبد أى ما له ذو وبر ولا صوف متلبد ، يكنى بهما عن الإبل والغنم ، والمراد هنا لم يترك له شىء يتموله أو يطعم منه.

(٢) وتوفيقه أيضا (تاج).

(٣) الآية ٢٦ سورة النبأ.

(٤) التوفيق : الإلهام للخير.

(٥) فى ا ، ب : لموافق وما أثبت عن الأساس ويمكن توجيه ما فى النسختين على بعد.

(٦) فى الأساس : دعاء له بالبقاء.

٢٤٤

ووفى بالعهد وأوفى به : حفظه وتمّمه. وهو وفىّ من قوم أوفياء ، ووفاة. ووفّاه حقّه وأوفاه. قال الله تعالى : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ)(١) ، وقال تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)(٢).

وقوله تعالى : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى)(٣) ، توفيته أنّه بذل المجهود فى جميع ما طولب به ممّا أشار إليه فى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ)(٤) ، بذل ماله فى الإنفاق فى طاعة الله ، وبذل ولده الذى هو أعزّ من نفسه للقربان ، وإلى ما نبّه عليه بقوله وفّى أشار بقوله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ)(٥).

ووافيته بمكان كذا أتيته وفاجأته.

وتوفية الشّىء : بذله وافيا ، واستيفاؤه : تناوله وافيا ، قال تعالى : (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ)(٦) ، وقال تعالى : (الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ)(٧).

وقد عبّر عن الموت والنّوم بالتوفّى ، قال الله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها)(٨).

وقوله تعالى : (يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ)(٩) فقد قيل : توفّى رفعة واختصاص لا توفّى موت. وقال ابن عبّاس رضى الله عنهما : توفّى موت لانّه أماته ثم أحياه.

__________________

(١) الآية ٣٥ سورة الإسراء.

(٢) الآية ٤٠ سورة البقرة.

(٣) الآية ٣٧ سورة النجم.

(٤) الآية ١١١ سورة التوبة.

(٥) الآية ١٢٤ سورة البقرة.

(٦) من الآية ٢٥ سورة آل عمران.

(٧) الآية ٢ سورة المطففين.

(٨) الآية ٤٢ سورة الزمر.

(٩) الآية ٥٥ سورة آل عمران.

٢٤٥

٤٠ ـ بصيرة فى وقب ووقت

وقبت الشمس : إذا غابت ودخلت موضعها (١). ووقب الظلام : دخل على الناس ، قال الله تعالى : (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ)(٢) ، قال الحسن : إذا دخل على الناس. وقالت عائشة رضى الله عنها : أخذ بيدى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم نظر إلى القمر فقال : «يا عائشة تعوّذى بالله من هذا فإنّه الغاسق إذا وقب (٣)» ، ووقوبه : دخوله فى الكسوف. أراد تعوّذى بالله منه عند كسوفه. ووقبت عيناه غارتا.

والوقب فى الجبل : نقرة يجتمع فيها الماء ؛ والثّقب من المحالة ؛ والرجل الأحمق ، قال الأسود بن يعفر :

أبنى نجيح إنّ أمّكم

أمة وإنّ أباكم وقب (٤)

أكلت خبيث الزاد فاتّخمت

عنه فشمّ خمارها الكلب

ووقبة الثّريد : أنقوعته (٥).

والميقاب : الحمقاء.

الوقت : نهاية الزّمان المفروض للعمل ، ولهذا لا يكاد يقال إلّا مقيّدا نحو : وقت العصر ، وقت الراحة [و](٦) نحوه.

__________________

(١) فى قوله : دخلت موضعها تجوز فى اللفظ فإنها لا موضع لها تدخله ، والمراد استتارها وراء الأفق.

(٢) الآية ٣ سورة الفلق ـ الغاسق : الليل.

(٣) رواه ابن حنبل فى مسنده والترمذى فى صحيحه والحاكم فى مستدركه عن عائشة.

(٤) البيتان فى اللسان «وقب» وفى التهذيب برواية : أبنى لبينى.

(٥) أنقوعته : وقبته (وهى النقرة التى فى وسطه) التى فيها الودك.

(٦) ما بين القوسين تكملة يقتضيها السياق.

٢٤٦

ووقتّ كذا كوجدت : إذا جعلت له وقتا يفعل فيه ، قال الله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً)(١).

والتّوقيت : تحديد الأوقات ، تقول منه : وقّتّه ليوم كذا ، مثل أجّلته.

وقوله تعالى : (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ)(٢) قرأ أهل (٣) البصرة : وقّتت بتشديد القاف ، وقرأ أبو جعفر بالواو وتخفيف القاف ، وقرأ الباقون بالألف وتشديد القاف ، وهما لغتان فصيحتان ؛ والعرب تعاقب بين الواو والهمزة كقولهم : وكّدت وأكّدت ، وورّخت وأرّخت. ومعناهما (٤) جمعت لميقات يوم معلوم ، وهو يوم القيامة ليشهدوا على الأمم.

__________________

(١) الآية ١٠٣ سورة النساء.

(٢) الآية ١١ سورة المرسلات.

(٣) راجع الإتحاف سورة المرسلات (٢٦٥ ـ ٢٦٦).

(٤) ومعناهما : أى وقتت وأقتت.

٢٤٧

٤١ ـ بصيرة فى وقد

وقدت (١) النار تقد وقدا ، ووقودا ، ووقودا بالفتح. / وهذا شاذّ (٢) ووقدا بالتحريك ، وقدة كعدة ، ووقدانا بالتحريك. وقرأ الحسن (٣) البصرىّ وأبو رجاء العطاردىّ ويزيد النحوىّ : النار ذات الوُقود (٤) بالضمّ و (الْوَقُودِ) بالفتح أيضا.

والوقاد بالكسر ، والوقيد : الحطب ، وقرأ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أولئك هم وقاد النار (٥). وقرأ عبيد بن عمير : وقيدها الناس والحجارة (٦).

وقال ابن فارس : الوقد بالتحريك نفس النار. والموقد : موضع الوقود ، مثال مجلس لموضع الجلوس.

واستوقدت النار : اتّقدت ، واستوقدت النّار : أوقدتها لازم متعد ؛ قال الله تعالى : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً)(٧) قال بعضهم :

نحن حبسنا بنى جديلة فى نا

ر من الحرب جحمة الضرم (٨)

نستوقد النّبل بالحضيض ونص

طاد نفوسا بنيت على الكرم

ويقال : أوقدت النار فاتّقدت وتوقّدت ، قال الله تعالى : (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ)(٩).

__________________

(١) وقدت النار : هاجت واستعرت.

(٢) الأكثر أن الضم للمصدر والفتح للحطب ومن هنا جاء الشذوذ.

(٣) وكذا فى الإتحاف أيضا مقتصرا على قراءة الضم وعزاها فى التاج إلى يعقوب.

(٤) الآية ٥ سورة البروج.

(٥) الآية ١٠ سورة آل عمران والقراءة العامة (وَقُودُ النَّارِ).

(٦) فى الآيتين ٢٤ سورة البقرة ، ٦ سورة التحريم.

(٧) الآية ١٧ سورة البقرة.

(٨) جحمة الضرم : يريد شدة القتل فى معتركها.

(٩) الآية ٦٤ سورة المائدة.

٢٤٨

٤٢ ـ بصيرة فى وقذ ووقر

وقذه يقذه وقذا : ضربه حتى استرخى وأشرف على الموت. وقوله تعالى : (وَالْمَوْقُوذَةُ)(١) ، وهى التى تقتل بعصا أو بحجارة لا حدّ لها فتموت بلا ذكاة.

ويقال : وقذه النّعاس : إذا غلبه. ووقذه الحلم ، أى سكّنه. ورجل وقيذ (٢) الجوانح ، أى حزين القلب كأنّ الحزن ضعّفه وكسر قلبه.

ووقذته وأوقذته : تركته عليلا.

الوقر : الثّقل فى الأذن ، وقد وقرت أذنه بالكسر توقر وقرا ، أى صمّت ، وقياس مصدره التحريك إلّا إنّه جاء بالتسكين. ووقر الله أذنه يقرها وقرا. يقال : اللهمّ قر أذنه. ووقرت أذنه على ما لم يسمّ فاعله فهى موقورة.

ووقرت العظم أقره وقرا : صدعته ، قال الأعشى :

يا دهر قد أكثرت فجعتنا

بسراتنا ووقرت فى العظم (٣)

والوقار : الرّزانة ، وقد وقر الرّجل يقر وقارا وقرة ، فهو وقور ، قال الرّاجز (٤) :

ثبت إذا ما صيح بالقوم وقر (٥)

__________________

(١) الآية ٣ سورة المائدة.

(٢) أضاف الوقيذ إلى الجوانح لأنها تحوى القلب.

(٣) اللسان (وقر) ـ الصبح المنير : ٥٨ (ق / ٢٠٤ : ١).

(٤) العجاج.

(٥) من أرجوزة يمدح بها عمر بن عبيد الله بن معمر ـ الديوان ـ ١٥ (ق ـ ١١ / ٩٣).

٢٤٩

وقال تعالى : وقِرن فى بيوتكن (١) وقرئ : (وَقَرْنَ) بالفتح (٢) فهذا من القرار كأنّه يريد اقررن فتحذف الراء الأولى للتّخفيف وتلقى فتحتها على القاف ، فيستغنى عن الألف بحركة ما بعدها.

ويحتمل قراءة من قرأ بالكسر أيضا أن يكون من اقررن بكسر الراء على هذا ، كما قرئ (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ)(٣) بكسر الظاء وفتحها ، وهو من شواذ التخفيف.

والتّوقير : التعظيم والتّرزين أيضا. وقوله تعالى : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً)(٤) أى لا تخافون لله عظمة ، هكذا عن الأخفش.

ورجل موقّر : مجرّب.

والتّيقور : الوقار ، وأصله الويقور ، قلبت الواو تاء.

وأوقره الدّين : أثقله. وفقير وقير : اتباع.

__________________

(١) الآية ٣٣ سورة الأحزاب.

(٢) الفتح قراءة نافع وعاصم وأبى جعفر والكسر قراءة الباقين (الاتحاف).

(٣) الآية ٦٥ سورة الواقعة.

(٤) الآية ١٣ سورة نوح.

٢٥٠

٤٣ ـ بصيرة فى وقع

الوقوع : مصدر وقع الشىء يقع وقوعا أى هويّا. والوقع : وقعة الضرب (١) بالشىء.

وقوله تعالى : (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ)(٢) أى واجب على الكفار ، ومنه قوله تعالى : (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ)(٣) أى وجب وقيل : ثبتت الحجّة عليهم ، وقيل معناه : إذا ظهرت أمارات القيامة التى تقدّم القول فيها. وكذلك قوله تعالى : (فَوَقَعَ الْحَقُ)(٤) أى ثبت.

وفى الحديث : «اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة ، فإنّها تقع من الجائع موقعها من الشبعان (٥)» ، قال بعضهم : أراد أن شقّ التمرة لا يغنى من الجوع ولا يتبيّن له موقع (٦) على الجائع إذا تناوله ، كما لا يتبيّن على الشبعان إذا أكله ، فلا تعجزوا / أن تتصدّقوا به. وقيل : لأنّه يسأل هذا شقّ تمرة وذا شقّ تمرة ، والثالث والرابع ، فيجتمع له ما يسدّ جوعته.

ويقال للطّير على شجر أو على أرض : هنّ (٧) وقوع ووقّع ، قال المرّار بن سعيد الفقعسىّ :

أنا ابن التارك البكرىّ بشر

عليه الطير تأكله وقوعا (٨)

__________________

(١) مثل وقع المطر ووقع الحوافر على الأرض وما أشبهها.

(٢) الآية ٦ سورة الذاريات.

(٣) الآية ٨٢ سورة النمل.

(٤) الآية ١١٨ سورة الأعراف.

(٥) رواه البزار عن أبى بكر (كما فى الفتح الكبير).

(٦) فى ا : موضع.

(٧) فى ا ، ب : هو ، وما أثبت عن القاموس.

(٨) البيت فى التاج (وقع) وجامع الشواهد : ٦٩ ـ وما هنا رواية سيبويه ويروى بشرا وترقبه بدلا من تأكله.

٢٥١

والواقعة لا تقال إلّا فى الشدّة والمكروه.

وأكثر ما جاء فى القرآن من لفظ وقع جاء فى العذاب والشدائد ، نحو : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ)(١) أى القيامة.

ووقوع القول : حصول متضمّنه ، قال تعالى : (وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا)(٢) أى وجب العذاب الّذى وعدوا لظلمهم ، وقوله تعالى : (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ)(٣) استعمال لفظ على مع الوقوع هاهنا تأكيد للوجوب كاستعمال : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)(٤). وقوله : (فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ)(٥) عبارة عن مبادرتهم إلى السجود.

والوقعة (٦) فى الحرب : صدمة بعد صدمة. والاسم الوقيعة والواقعة. ووقائع (٧) العرب أيّامها التى كانت فيها حروبهم.

والواقعة : النازلة من شدائد الدّهر.

ومواقع الغيث : مساقطه ، وفى الحديث : «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر ، يفرّ بدينه من الفتن (٨)».

والوقع [و](٩) بكسر القاف : السّحاب الرّقيق. وبالتحريك : الحجارة والحفاء (١٠) ، وقد وقع كفرح.

ورجل وقّاع ووقّاعة : يغتاب النّاس كثيرا.

__________________

(١) صدر سورة الواقعة.

(٢) الآية ٨٥ سورة النمل.

(٣) من الآية ١٠٠ سورة النساء.

(٤) الآية ٤٧ سورة الروم.

(٥) الآية ٢٩ سورة الحجر.

(٦) فى ا : الواقعة وما أثبت عن ب والقاموس.

(٧) جمع وقيعة.

(٨) أخرجه البخارى وابن حنبل وأبو داود والنسائى وابن ماجه عن أبى سعيد (الفتح الكبير).

(٩) تكملة يقتضيها السياق لمتابعة المصنف فى قاموسه وليصح ما بعده من قوله وبالتحريك.

(١٠) الحفاء : وهن القدم ورقته من الحجارة التى يمشى عليها.

٢٥٢

وأوقع بالقوم : بالغ فى قتالهم. والرّوضة (١) : أمسكت الماء.

وطريق موقّع : مذلّل. ورجل موقّع : أصابته البلايا.

ووقع القوم : عرّسوا (٢) قال ذو الرمّة :

إذا وقّعوا وهنا كسوا حيث موّتت

من الجهد أنفاس الرّياح الحواشك (٣)

والاستيقاع : تخوّف ما يقع به ، وهو شبه التوقّع.

[والوقاع](٤) والمواقعة : المحاربة ، قال القطامىّ :

ولو يستخبر العلماء عنّا

ومن شهد الملاحم والوقاعا (٥)

بتغلب فى الحروب ألم يكونوا

أشدّ قبائل العرب امتناعا

وقال :

وكلّ قبيلة نظروا إلينا

وخلّوا بيننا كرهوا الوقاعا (٦)

وواقع المرأة : خالطها وباضعها.

وتوقّعه : انتظر كونه.

__________________

(١) أى وأوقعت الروضة.

(٢) عرسوا : نزلوا ليلا ليستريحوا.

(٣) التاج (وقع) ـ الديوان : ٤٢٢ (ق / ٥٥ : ٣٦).

وهنا : الوهن : نحو من نصف الليل ـ الرياح الحواشك : المختلفات المهاب.

(٤) تكملة من التاج يقتضيها السياق والاستشهاد.

(٥) البيتان فى التاج (وقع) ديوان القطامى : ٤٠ (ق / ١٣ : ٢٩).

(٦) البيت فى التاج (وقع) ـ ديوان القطامى : ٣٩ (ق / ١٣ : ١٦).

٢٥٣

٤٤ ـ بصيرة فى وقف

الوقف لازم متعدّ ، تقول : وقفت الدابّة والرّجل وقوفا ، ووقفته أنا وقفا ، قال امرؤ القيس :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل (١)

وقال الله تعالى : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ)(٢) ، وقال ذو الرّمّة :

وقفت على ربع لميّة ناقتى

فما زلت أبكى عنده وأخاطبه (٣)

ووقفته على ذنبه : أطلعته عليه.

والموقف : الموضع الذى تقف [فيه](٤) حيث كان.

والواقف : خادم البيعة (٥) لأنّه وقف نفسه على خدمتها. والوقّيفى. مثال خصّيصى : الخدمة.

وأوقفت وقفا للمساكين لغة (٦) رديئة ، وليس فى الكلام أوقفت إلّا حرف واحد ، يقال : أوقفت عن الأمر الّذى كنت فيه ، أى أقلعت ، قال الطرمّاح :

فتطرّبت للهوى ثمّ أوقف

ت رضا بالتقى وذو البرّ راضى (٧)

__________________

(١) مطلع معلقته (القصائد السبع صفحة ٤).

(٢) الآية ٢٤ سورة الصافات.

(٣) ديوان ذى الرمة : ٣٨ (ق / ٥ : ١) ـ التاج (وقف).

(٤) ما بين القوسين تكملة من اللسان.

(٥) البيعة : معبد للنصارى.

(٦) هى لغة تميمية.

(٧) الرواية فى اللسان (وقف) :

جامحا فى غوايتى ثم أوقف

ت رضا بالتقى وذو البر راضى

وقبله :

قل فى شط نهروان اغتماضى

ودعانى هوى العيون المراض

٢٥٤

وحكى أبو عمرو : وكلّمتهم ثم أوقفت ، أى سكتّ.

وقال أبو عمرو بن العلاء : لو مررت برجل واقف فقلت : ما أوقفك هاهنا لرأيته حسنا. وعن الكسائىّ : أىّ شىء أوقفك هاهنا ، أى أىّ شىء صيّرك إلى الوقوف؟

وتوقّف : تلبّث. وفى الشىء : تلوّم.

/ وتواقف الفريقان فى القتال وواقفا مواقفة ووقافا.

واستوقفه : سأله الوقوف. ويقال : امرؤ القيس أوّل من استوقف الرّكب على رسم الدّار بقفا نبك.

٢٥٥

٤٥ ـ بصيرة فى وقى

وقاه الله كلّ سوء وقاية ووقيا وواقية ، ووقّاه (١) توقية : صانه ، وفى المثل : «الشّجاع موقّى» (٢).

والوقاء والوقاء بالفتح والكسر ، والوقاية والوقاية والوقاية : ما وقيت به.

والتّوقية : الكلاءة والحفظ ممّا يؤذيه ويضرّه ، قال الله تعالى : (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ)(٣) واتّقيت الشّىء أتّقيه وتقيته (أتقيه تقى وتقيّة) (٤) وتقاء ككساء : حذرته ، والاسم التّقوى ، قال الله تعالى : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى)(٥) أى أهل أن يتّقى عقابه.

رجل تقىّ من أتقياء وتقواء (٦). وفيه تقيّا تصغير تقوى ، قال النّمر ابن تولب :

وإنّى كما قد تعلمين لأتّقى

تقيّا وأعطى من تلادى للحمد (٧)

وأصل التّقوى وقوى ، أبدلت الواو تاء كما أبدلت فى تراث وتخمة وتجاه. وكذلك اتّقى يتّقى أصله اوتقى يوتقى ، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ، وأبدلت منها التاء وأدغمت ، فلمّا كثر استعماله على

__________________

(١) فى التاج : والتخفيف أعلى ومنه قوله تعالى : (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ).

(٢) المستقصى : ١ / ٣٢٦ رقم ١٤٠٩ : لأن شجاعته ترهب قرنه فيولى عنه ، وجبن الجبان يطمع فيه ، يضرب فى مدح الشجاعة.

(٣) الآية ١١ سورة الإنسان.

(٤) ما بين القوسين تكملة من ب ومن اللسان.

(٥) الآية ٥٦ سورة المدثر.

(٦) نادرة ونظيرها سخواء وسرواء وسيبويه يمنع ذلك كله.

(٧) البيت فى الأساس (وق ى). وفى سمط اللئاّلي برواية : لأتقى تقاى وأعطى.

٢٥٦

لفظ الافتعال توهّموا أنّ التّاء من نفس الكلمة ، فجعلوه اتقى (١) يتقى بفتح التاء فيهما ، ثمّ لم يجدوا له مثالا فقالوا : تقى يتقى مثل قضى يقضى. وتقول فى الأمر : تق ، والمرأة تقى ومن ذلك قوله (٢) :

زيادتنا نعمان لا تقطعنّها

تق الله فينا والكتاب الّذى تتلو (٣)

بنى الأمر على المخفّف «ومن عصى الله لم تقه منه واقية».

قال أبو عبد الله التّونسى : حقيقة التّقوى عبارة عن امتثال المأمورات واجتناب المنهيّات.

وقال الغزالى : التّقوى فى قول شيوخنا : تنزيه القلب عن ذنب لم يسبق منك (٤) مثله حتى يحصل للعبد من قوّة العزم على تركه وقاية بينه وبين المعاصى. وأمّا تفصيلا فإنّ التقوى تطلق فى القرآن الكريم على ثلاثة أشياء :

أحدها : بمعنى الخشية والهيبة ، قال الله تعالى : (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ)(٥) وقال تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ)(٦).

والثانى : بمعنى الطّاعة والعبادة ، قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ)(٧) ، قال ابن عبّاس : أطيعوا الله حقّ طاعته. قال مجاهد : هو أن يطاع ولا يعصى وأن يذكر فلا ينسى ، وأن يشكر فلا يكفر.

__________________

(١) فى ا ، ب : تقى ، والتصويب من اللسان.

(٢) عبد الله بن همام السلولى.

(٣) البيت فى اللسان (وقى) برواية تنسينها.

(٤) فى ب : عنك.

(٥) الآية ٤١ سورة البقرة.

(٦) الآية ٢٨١ سورة البقرة.

(٧) الآية ١٠٢ سورة آل عمران.

٢٥٧

الثالث : بمعنى تنزيه القلب عن الذّنوب ، وهذه هى الحقيقة فى التّقوى دون الأوّلين ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ)(١) ، ذكر الطّاعة والخشية ثمّ ذكر التّقوى ، فعلمت بهذا أنّ حقيقة التقوى بمعنى غير الطاعة والخشية ، وهى تنزيه القلب عمّا ذكرناه.

ومنازل (٢) التقوى ثلاثة على ما ذكره الشيوخ الجلّة : تقوى عن الشّرك ؛ وتقوى عن البدعة ؛ وتقوى عن المعاصى الفرعيّة. وقد ذكرها الله سبحانه فى آية واحدة وهى قوله عزوجل : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(٣) ، التّقوى الأولى تقوى عن الشّرك ، والإيمان فى مقابلة التوحيد ؛ والتّقوى الثانية عن البدعة ، والإيمان المذكور معها إقرار السنّة والجماعة ؛ والتّقوى الثالثة عن المعاصى الفرعيّة ، والإقرار فى هذه المنزلة قابلها بالإحسان وهو الطّاعة والاستقامة عليها.

قال الغزالى : ووجدت التّقوى بمعنى اجتناب فضول الحلال ، وهو ما فى الخبر المشهور عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : «إنّما سمّى المتّقون متقين لتركهم ما لا بأس حذرا عمّا به بأس» فأحببت أن أجمع بين ما قاله علماؤنا وبين ما فى الخبر النّبوىّ فيكون حدّا جامعا ، ومعنى بالغا فأقول : التّقوى اجتناب ما تخاف ضررا فى دينك وذلك

__________________

(١) الآية ٥٢ سورة النور.

(٢) منازل التقوى : مراتبها ومواضعها.

(٣) الآية ٩٣ سورة المائدة.

٢٥٨

قسمان : محض الحرام ، وفضول الحلال ، لأنّ استعمال فضول الحلال قد يخرج صاحبه إلى الحرام ومحض العصيان ، وذلك لشرّة (١) النّفس وطغيانها ، فمن أراد أن يأمن الضّرر فى دينه اجتنب المحظور وامتنع عن فضول الحلال حذرا أن يجرّه إلى محض الحرام. وحصل من ذلك أنّ التّقوى على قسمين : فرض ونفل ، فالفرض ما تقدّم من أنّها تنزيه القلب عن شرّ لم يسبق عنك مثله لقوّة العزم على تركه حتّى يصير ذلك وقاية بينك وبين كلّ شرّ. والنّفل : ما نهى عنه نهى تأديب ، وهو فضول الحلال (٢) ، فالمباحات المأخوذات بالشّبهات ؛ فالأولى يلزم بتركها عذاب النار ، والثّانية خير وأدب يلزم بتركها الحبس والحساب ، والتّعيير واللّوم. فمن أتى بالأولى فهو فى الدّرجة الأدنى من التّقوى ، ومن أتى بالأخرى فهو فى الدّرجة العليا.

واعلم أنّ التّقوى كنز عزيز ، إن ظفرت به فكم (٣) تجد فيه من جوهر شريف وعلق نفيس ، وخير كثير ، ورزق كريم ، وغنم جسيم وملك عظيم. فهى الخصلة الّتى تجمع خير الدّنيا والآخرة. وتأمّل ما فى القرآن من ذكرها كم علّق بها من خير ، وكم وعد عليها من ثواب ، وكم أضاف إليها من سعادة ، قال الله تعالى : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً)(٤) وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا

__________________

(١) شرة النفس : شدة حرصها وتطلعها إلى رغباتها وهواها.

(٢) فضول : جمع فضل والمراد بفضول الحلال : ما يترخص فيه من المباحات فهى مدرجة إلى الدخول فى حيز المحظور.

(٣) فى ب : (لم) تصحيف ، وفى ا : كم.

(٤) الآية ١٢٠ سورة آل عمران.

٢٥٩

وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)(١) ، وقال : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)(٢) وقال : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)(٣). وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ)(٤) فوعد فيها بإصلاح العمل ثم بغفران الذّنوب فقال : (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)(٥). وبشّر بمحبّة الله تعالى بقوله : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)(٦) ، ولو لم يكن فى تقوى الله تعالى إلّا هذه الخصلة الّتى هى محبّة الله تعالى لكفت عمّا عداها. ومنها أنّ العمل لا يتقبّل إلّا منهم (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)(٧) ، ومنها الإكرام والإعزاز ، قال الله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)(٨) ، ومنها البشارة عند الموت ، قال الله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ)(٩). ومنها النّجاة من النار ، قال الله تعالى : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا)(١٠) ، (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى)(١١) ، ومنها الخلود فى الجنّة ، قال الله تعالى : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)(١٢).

ثمّ تأمّل أصلا واحدا ، هب أنّك جاهدت وثابرت (١٣) جميع عمرك فى العبادة ، وعشت ما عشت ، وحصل لك من العنايات ما حصل ، أليس ذلك كلّه متوقّفا على القبول؟ وإلّا كان هباء

__________________

(١) الآية ١٢٨ سورة النحل.

(٢) الآيتان ١٩٤ سورة البقرة ، ١٢٣ سورة التوبة.

(٣) الآيتان ٢ ، ٣ سورة الطلاق.

(٤) الآيتان ٧٠ ، ٧١ سورة الأحزاب.

(٥) الآية ٧١ سورة الأحزاب.

(٦) الآيتان ٤ ، ٧ سورة التوبة.

(٧) الآية ٢٨ سورة المائدة.

(٨) الآية ١٢ سورة الحجرات.

(٩) الآيتان ٦٣ ، ٦٤ سورة يونس.

(١٠) الآية ٧٢ سورة مريم.

(١١) الآية ١٧ سورة الليل.

(١٢) الآية ١٣٣ سورة آل عمران.

(١٣) ا ، ب : كابرت (تصحيف).

٢٦٠