بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٥

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٥

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: عبدالعليم الطحاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٤

٢٩ ـ بصيرة فى وصب ووصد

وصب الشىء يصب وصوبا ، أى دام. ووصب الرّجل على الأمر : إذا واظب عليه. قال الله تعالى : (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً)(١) أى حقّ الإنسان أن يطيعه دائما فى جميع أحواله ، كما وصف به الملائكة حيث قال : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ)(٢) ، قال ابن عرفة : أى ثابتا دائما ، فالمعنى له الحكم دائما أبدا ، وحكم غيره زائل ، فذلك ثبوت دين الله أنّه باق وما سواه مضمحلّ ، وكذلك قوله تعالى : (وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ)(٣) ، أى موصب موجع ، وهذا توعّد لمن اتّخذ إلهين ، وتنبيه أنّ جزاء من فعل ذلك لازم شديد.

قال الفرّاء : مفازة موصبة (٤) : بعيدة ولا غاية لها.

وقيل : الوصب : السّقم اللازم. وأوصبه : أسقمه ، وهو يتوصّب : يتوجّع.

والوصيد : الفناء ، والجمع وصد ووصائد. والوصيد : العتبة. والوصيد : كهف أصحاب الكهف فى بعض الأقوال ، وبالوجوه الثلاثة فسرّ قوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ)(٥).

__________________

(١) الآية ٥٢ سورة النحل.

(٢) الآية ٦ سورة التحريم.

(٣) الآية ٩ سورة الصافات.

(٤) هكذا فى ا ، ب وفى القاموس والأساس والمفردات : واصبة.

(٥) الآية ١٨ سورة الكهف.

٢٢١

والوصيد أيضا : الذى يختن مرّتين. والوصيد : الجبل. والوصيد :النّبات المتقارب الأصول. والوصيد : الضيّق.

ووصد : ثبت. وبالمكان : أقام.

وأوصد الباب ، وآصده : أطبقه وأغلقه ، ومنه قوله تعالى : (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ)(١) أى مطبقة ، همزها (٢) أبو عمرو وحمزة وخلف وحفص ، واختلف على يعقوب ، والباقون بغير همز.

وأوصد ، واستوصد : اتّخذ حظيرة (٣).

__________________

(١) سورة الهمزة ، ووردت أيضا فى الآية ٢٠ سورة البلد.

(٢) من آصدت الماء : أغلقته فهو مؤصد. (الاتحاف).

(٣) كان الأولى أن يقول : أوصد واستوصد : اتخذ وصيدة وهى الحظيرة من الحجارة ، وبخاصة أنه لم يسبق له ذكر الوصيدة بهذا المعنى.

٢٢٢

٣٠ ـ بصيرة فى وصف

وصفت الشىء وصفا وصفة ، والهاء عوض عن الواو. وقوله تعالى : (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ)(١) ، أى جزاء وصفهم الذى هو كذب. وقوله تعالى : (وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ)(٢) ، أى تكذبون.

وفى حديث عمر : «لا تلبسوا نساءكم الكتّان أو القباطىّ ، إلّا (٣) يشفّ فإنّه يصف» أى يصفها الثوب الرّقيق كما يصف الرّجل سلعته.

والصّفة كالعلم والجهل والسّواد والبياض. وقيل : الصّفة الحالة التى عليها الشىء من حليته ونعته. والوصف قد يكون حقّا وباطلا ، قال تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ)(٤) تنبيها على كون ما يذكرونه كذبا.

وقول الشمّاخ يصف ناقته :

إذا ما أدلجت وصفت يداها

لها الإدلاج ليلة لا هجوع (٥)

يريد أجادت السّير. وقيل : معناه : إذا أدلجت سارت اللّيل كلّه ، فذلك وصفها يديها.

__________________

(١) الآية ١٣٩ سورة الأنعام.

(٢) الآية ١٨ سورة يوسف.

(٣) فى ب : فإنه إلا يشف. والمراد من الحديث أن هذا الثوب من الكتان أو القباطى إن لم يبن منه الجسد فإنه لرقته يصف البدن فيظهر منه حجم الأعضاء.

(٤) الآية ١١٦ سورة النحل.

(٥) البيت فى اللسان (وصف) الديوان (ط. السعادة) : ٥٨ ويقال : هذه ناقة تصف الإدلاج ثم كثر حتى قالوا : وصفت الناقة وصوفا : إذا أجادت السير وجدت فيه.

٢٢٣

والوصيف : الخادم غلاما كان أو جارية ، وربّما قالوا للجارية وصيفة ، والجمع الوصائف.

والإيصاف (١) : الوصافة ، يقال : جارية بيّنة [الوصافة والإيصاف (٢)].

وتواصفوا الشىء من الوصف. واتّصف الشىء : صار موصوفا بالحسن قال طرفة بن العبد :

إنّى كفانى من أمر هممت به

جار كجار الحذاقىّ الذى اتّصفا (٣)

أى موصوفا بحسن الجوار.

ونهى عن بيع / المواصفة ، وهو أن يبيع ما ليس عنده ، ثم يبتاعه فيدفعه إلى المشترى ، قيل له ذلك لأنّه باعه بالصّفة.

__________________

(١) الإيصاف : فى التاج : قيل من المصادر التى لا أفعال لها. وفيه أيضا. وأثبت ابن الأعرابى فعله وإياه اتبع صاحب الخلاصة. فهما قولان.

(٢) فى ا ، ب الإصافة وما أثبت عن اللسان والأساس.

(٣) اللسان (وصف) ـ الديوان : ١٥٦ (مما ينسب إلى طرفه).

الحذاقى : أبو دواد الأيادي. وقد اتصف جاره ، أى صار منعوتا متواصفا يين العرب ممدحا.

٢٢٤

٣١ ـ بصيرة فى وصل

وصل الشّىء بغيره فاتّصل. ووصّل الحبال وغيرها توصيلا : وصل بعضها ببعض ، ومنه قوله تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ)(١) أى أكثرنا لهم القول موصولا بعضه ببعض. وخيط موصّل : فيه وصل كثير. وغصن موصّل : فيه غصن غريب ، قال :

وإذا ما نكحت فانكح غريبا

ومن الأقربين لا يتوصّل

فألذّ الثّمار حسنا وطيبا

ثمر غصنه غريب موصّل

ووصلنى بعد الهجر وواصلنى (٢) ، وصرمنى بعد الوصل والصّلة والوصال. ووصلت شعرها بشعر آخر ، «ولعن الله الواصلة والمستوصلة (٣)». وقطع الله أوصاله ، أى مفاصله.

والوصل يكون فى الأعيان وفى المعانى قال الله تعالى : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)(٤). وقوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ)(٥) أى ينتسبون ، يقال : فلان متّصل بفلان : إذا كان بينهما نسبة أو مصاهرة. وقوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ)(٦)

__________________

(١) الآية ٥١ سورة القصص.

(٢) فى ا : وأوصلنى والتصويب من ب ومن الأساس والمعجمات.

(٣) من حديث رواه الطبرانى فى الكبير عن ابن مسعود (الفتح الكبير) وروى عن السيدة عائشة أنها قالت : ليست. الواصلة بالتى تعنون ولا بأس بأن تعرى المرأة عن الشعر فتصل قرنا من قرونها بصوف أسود ، وإنما الواصلة التى تكون بغيا فى شبيبتها فإذا أسنت وصلتها بالقيادة. قال ابن الأثير : قال أحمد بن حنبل لما ذكر له ذلك : ما سمعت بأعجب من ذلك.

(٤) الآيتان ٢٧ سورة البقرة ، ٢٥ سورة الرعد.

(٥) الآية ٩٠ سورة النساء.

(٦) الآية ١٠٣ سورة المائدة.

٢٢٥

قيل هى التى وصلت أخاها من أولاد الغنم فلم تذبح. كان إذا ولدت لهم شاة ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها. وقيل : الوصيلة : الناقة الّتى وصلت بين عشرة أبطن ، ومن الشاء الّتى ولدت سبعة أبطن عناقين عناقين (١) ، فإن ولدت فى السّابعة عناقا وجديا قيل : وصلت أخاها فلا يشرب لبن الأمّ إلّا الرّجال دون النّساء ، ويجرى مجرى السّائبة (٢). وقيل : الوصيلة خاصّة بالغنم ، كانت الشّاة إذا ولدت الأنثى فهى لهم ، وإذا ولدت ذكرا جعلوه لآلهتهم ، فإن ولدت ذكرا وأنثى قالوا : وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم. وقيل : الوصيلة : شاة ولدت ذكرا ثم ولدت أنثى ، فتصل أخاها فلا يذبحون أخاها من أجلها ، فإذا ولدت ذكرا قالوا هذا قربان لآلهتنا.

ووصيلك : من يدخل معك ويخرج معك (٣).

والاتّصال ضدّ الانفصال ، وهو عند العارفين على ثلاث مراتب :

اتصال العلم والعمل ، واتصال الحال والمعرفة ، واتصال الوجدان والوجود ، وهو أن يجد العبد ربّه بعد أن كان فاقدا ، فهو بمنزلة من كان يطلب كنزا ولا وصول له إليه فظفر به (٤) بعد ذلك ووجده واستغنى به غاية الغنى ، فهذا اتّصال الوجود ، كما فى الأثر : «اطلبنى تجدنى ، فإن وجدتنى وجدت كلّ شىء ، وإن فتّك فاتك كلّ شيء». وهذا الوجود من العبد لربّه يتنوّع بحسب حال العبد ومقامه ، فالتائب الصّادق

__________________

(١) العناق : الأنثى من ولد المعز. قبل استكمالها الحول.

(٢) السائبة : كل ناقة تسيب لنذر فترعى حيث شاءت.

(٣) فى الأساس : مواصله الذى لا يكاد يفارقه.

(٤) فى ا ، ب (يظفر) تصحيف والتصويب من السياق.

٢٢٦

فى توبته إذا تاب إليه وجده غفورا رحيما ، والمتوكّل إذا صدق فى توكّله وجده كافيا حسيبا (١) ، والدّاعى إذا صدق فى الرّغبة إليه وجده قريبا مجيبا ، والمحبّ إذا صدق فى محبّته وجده ودودا حبيبا ، والملهوف (٢) إذا صدق فى الاستعانة وجده كاشفا للكرب مخلّصا منه ، والمضطرّ إذا صدق فى الاضطرار إليه وجده رحيما معينا ، والخائف إذا صدق فى اللجإ إليه وجده مؤمّنا من الخوف ، والراجى / إذا صدق فى رجائه وجده عند ظنّه به ، فمحبّه وطالبه ومريده ومن لا يبتغى (٣) به بدلا ولا يرضى بسواه عوضا إذا صدق فى محبّته وإرادته وجده أيضا وجودا أخصّ من تلك الوجودات ، فإنّه إذا كان المريد منه يجده فكيف مريده ومحبّه! فيظفر هذا الواجد بنفسه وبربّه ، أمّا ظفره بنفسه فتصير منقادة له ، مطيعة تابعة مرضاته ، غير أبيّة ولا أمّارة ، بل تصير خادمة له ومملوكة بعد أن كانت مخدومة مالكة. وأمّا ظفره بربّه فقربه منه وأنسه به ، وعمارة سرّه به ، وفرحه وسروره أعظم فرح وسرور. فهذا حقيقة اتصال الوجود.

وأمّا اتصال العلم والعمل قد يسمّونه اتّصال الاعتصام ، فهو بتصحيح القصد ، ثمّ تصفيته الإرادة ، ثم تحقيق الحال. وتصحيح القصد يكون بشيئين : إفراد المقصود ، وجمع الهمّ عليه ؛ وحقيقته توحيد القصد والمقصود ، فمتى انقسم قصده أو مقصوده لم يكن اتّصاله صحيحا. وأمّا تصفية الإرادة فهو تخليصها من الشوائب وتعلّقها بالسّوى (٤) أو بالأعراض ، بل

__________________

(١) حسيبا : كافيا يعطى للمرء من العلم والحفظ والجزاء مقدار ما يحسبه أى يكفيه.

(٢) الملهوف : المضطر أو المظلوم ينادى ويستغيث.

(٣) فى ب : يبغى.

(٤) السوى : الغير.

٢٢٧

تكون إرادة صافية عن ذلك كله ، بحيث يكون تعلّقه بالله وبمراده الدّينىّ الشرعىّ.

ثم تحقيق الحال بأن يكون له حال محقّق لا يكتفى بمجرّد العلم حتّى يصحبه العمل ، ولا لمجرّد العمل حتى تصحبه الحال ، فتصير الإرادة والمحبّة والإنابة والتوكّل وحقائق الإيمان حالا لقلبه ، بحيث لو انقطعت جوارحه كان قلبه فى العمل والسّير إلى الله ، وربّما يكون عمل قلبه أقوى من عمل جوارحه.

وأمّا اتّصال الحال والمعرفة الّتى يسمّونه اتصال الشّهود ، فهو الخلاص من الاعتلال ، والفناء عن الاستدلال ، وهذه المنزلة أعلى من اتّصال الاعتصام ، لأنّ الأولى اتصال بصحة المقصود والأعمال ، وهذا اتّصال برؤية من العمل له ، فيتخلّص العبد بذلك من علل الأعمال واستكبارها واستحسانها والسّكون إليها.

٢٢٨

٣٢ ـ بصيرة فى وصى

وصّاه توصية : عهد إليه ، والاسم : الوصاة والوصيّة والوصاية. (والوصيّة) (١) : الموصى به أيضا.

والوصىّ : الموصى والموصى. والمرأة وصىّ أيضا ، والجمع أوصياء ، وقيل : لا يثنّى ولا يجمع. قال الله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ)(٢) أى يفرض عليكم. وقوله تعالى : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ)(٣) ، قرئ : وأوصى (٤) وهما بمعنى.

وتواصى القوم : وصّى (٥) بعضهم بعضا ، قال الله تعالى : (وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ)(٦).

ووصى الشىء بالشىء : وصله به ، قال ذو الرّمّة :

نصى (٧) اللّيل بالأيّام حتى صلاتنا

مقاسمة يشتق أنصافها السّفر (٨)

ووصى النبت : اتّصل وكثر. وأرض واصية النبات.

وواصى (٩) البلد البلد : واصله.

وأوصيك بتقوى الله. واستوص بفلان خيرا.

__________________

(١) ما بين القوسين تكملة من ب.

(٢) الآية ١١ سورة النساء.

(٣) الآية ١٣٢ سورة البقرة.

(٤) وهى قراءة نافع وابن عامر وكذا أبو جعفر (الاتحاف).

(٥) فى القاموس والأساس : أوصى.

(٦) الآية ٣ سورة العصر.

(٧) فى ا ، ب : يضئ (تصحيف).

(٨) البيت فى اللسان (وصى) ـ الديوان : ٢١٨ (ق / ٢٩ : ٤٠) يقول : رجعت صلاتنا من أربعة إلى اثنتين فى أسفارنا لحال السفر.

(٩) فى ا ، ب : وأوصى وما أثبت عن الأساس.

٢٢٩

وقال تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً)(١) وقال : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً)(٢). وقال : (وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى)(٣). وقال : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ)(٤) وقال : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ)(٥). وقال : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ)(٦). وقال : (غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ)(٧). وقال : (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً)(٨) ، وقال : (وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)(٩) / وقال (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً)(١٠).

__________________

(١) الآية ٨ سورة العنكبوت.

(٢) الآية ١٣ سورة الشورى.

(٣) الآية ١٣ سورة الشورى.

(٤) الآية ١٣١ سورة النساء.

(٥) الآية ٣١ سورة مريم.

(٦) الآية ١٢ سورة النساء.

(٧) الآية ١٢ سورة النساء.

(٨) الآية ١٨٢ سورة البقرة.

(٩) الآية ١٧ سورة البلد.

(١٠) الآية ٥٠ سورة يس.

٢٣٠

٣٣ ـ بصيرة فى وضع

الوضع أعمّ من الحطّ ، وهو ضدّ الرّفع ، ومنه الموضع ، قال الله تعالى : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ)(١) ، [و](٢) يقال ذلك فى الحمل (٣) والحمل ، وضعت الحمل فهو موضوع ، وقال تعالى : (وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ)(٤).

وقوله تعالى : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ)(٥) هذا الوضع عبارة عن الإيجاد والخلق.

ووضعت المرأة الحمل ، قال تعالى : (فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ)(٦). [و] وضع البيت : بناؤه ، قال الله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ)(٧).

وقوله : (وَوُضِعَ الْكِتابُ)(٨) هو إبراز أعمال العباد ، نحو قوله تعالى : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً)(٩).

ووضعت الدّابّة وضعا : أسرعت ، ودابّة حسنة الموضوع (١٠). وأوضعتها (١١) أنا ، قال الله تعالى : (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ)(١٢) قال طرفة بن العبد :

__________________

(١) الآيات ٤٦ سورة النساء ، ١٣ ، ٤١ سورة المائدة.

(٢) زيادة من المفردات.

(٣) الحمل : ما كان فى بطن أو على رأس شجرة. والحمل بالكسر : ما حمل على ظهر أو رأس.

(٤) الآية ١٤ سورة الغاشية.

(٥) الآية ١٠ سورة الرحمن.

(٦) الآية ٣٦ سورة آل عمران.

(٧) الآية ٩٦ سورة آل عمران.

(٨) الآيتان : ٤٩ سورة الكهف ، ٦٩ سورة الزمر.

(٩) الآية ١٣ سورة الإسراء.

(١٠) الموضوع : من المصادر التى جاءت على مفعول ، وهو أيضا ضرب من السير فوق الجنب ودون الشد.

(١١) حملتها على الإسراع.

(١٢) الآية ٤٧ سورة التوبة.

٢٣١

مرفوعها زول وموضوعها

كمرّ غيث لجب وسط ريح (١)

ووضعت الشىء من يدى وضعا وموضعا بفتح الضّاد وموضوعا وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهمّ ارفعنا ولا تضعنا» : ارفع درجتنا ولا تضعها. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من رفع السلاح ثمّ وضعه فدمه هدر» أى قاتل فى الفتنة ، وليس معنى قوله ثمّ وضعه أنّه وضعه من يده ، قال سديف (٢) :

فضع السّوط وارفع السّيف حتّى

لا ترى فوق ظهرها أمويا (٣)

معناه ضع السوط على بدن من تبسطه عليه ، وارفع السّيف له ليقتل به.

ووضع منه (٤) : حطّ من قدره. ووضع عن غريمه : نقص ممّا له عليه ومنه الحديث : «من انظر معسرا أو وضع له أظلّه الله تحت ظلّ عرشه» (٥).

ووضع يده فى الطّعام : إذا أخذ فى الأكل.

ووضع يده عن فلان : كفّ عنه ، ومنه الحديث : «واضع يده لمسيء اللّيل ليتوب بالنّهار» (٦) أى لا يعاجل المسىء بالعقوبة بل يمهله ليتوب.

__________________

(١) البيت فى اللسان (رفع. ووضع) ـ الديوان : ١٥٠.

المرفوع : أرفع السير. الموضوع دونه. وزول : عجب ـ ويقال غيث لجب : بالرعد. أى أرفع سيرها عجب لا يدرك وصفه وتشبيهه ، وأما موضوعها وهو دون مرفوعها فيدرك تشبيهه وهو كمر الريح المصوتة التى يتوسطها الغيث الراعد.

(٢) سديف : هو سديف بن ميمون ، مولى خزاعة ، شاعر مقل حجازى من مخضرمى الدولتين ، وكان شديد التعصب لبنى هاشم مظهرا لذلك فى أيام بنى أمية.

(٣) البيت فى اللسان (وضع) : فضع السيف وارفع السوط ، والرواية فى مختار الأغانى ج ٤ : ٢٢٨ :

جرد السيف وارفع العفو حتى

لا ترى فوق ظهرها أمويا

(٤) فى ا ، ب : عنه وما أثبت عن الأساس.

(٥) رواه ابن حنبل فى مسنده والترمذى فى صحيحه عن أبى هريرة (الفتح الكبير).

(٦) من حديث أخرجه الخطابى فى غريبه (جمل الغرائب. كتاب التوحيد) والحديث برواية «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسىء النهار» ورواه مسلم وابن حنبل فى مسنده عن أبى موسى كما فى (الفتح الكبير) والفائق : ٢ / ٣٤٥.

٢٣٢

وامرأة واضع : لا خمار عليها.

ووضعت المرأة حملها وضعا بالضّمّ وتضعا بالضمّ ، وتضعا بضمّتين ، أى حملت فى آخر طهرها فى مقتبل الحيضة فهى واضع.

ووضع فى تجارته كعنى : خسر. قال ابن دريد : وضع يوضع كوجل يوجل لغة فيه (١).

وفى حسبه ضعة وضعة بالكسر أى انحطاط ، والهاء عوض عن الواو. وقد وضع الرّجل ككرم يوضع ضعة وضعة.

قال الفرّاء : يقال : له فى قلبى موضعة وموقعة ، أى محبّة.

ووضعت عنده وضيعا ، أى استودعته وديعة.

وقوله تعالى : (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ)(٢) أى حملوا ركابهم على العدو السّريع. ومنه الحديث : «أنّه أفاض من عرفة وعليه السّكينة وأوضع فى وادى محسّر (٣)». وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أيّها الناس عليكم بالسّكينة فإنّ البرّ ليس بالإيضاع».

ورجل موضّع كمعظّم : فيه تخنّث (٤).

وتواضع : تذلّل ؛ وما بيننا (٥) : بعد. وإنّ بلدكم لمتواضع عنّا : متباعد ، قال ذو الرّمّة :

فدع ذا ولكن ربّ وجناء عرمس

دواء لغول النازح المتواضع (٦)

__________________

(١) فى التاج : وصيغة ما لم يسم فاعله أكثر.

(٢) الآية ٤٧ سورة التوبة.

(٣) وادى محسر : بين مكة وعرفة ، وقيل بين منى وعرفة ، وقيل بين منى والمزدلفة.

(٤) فى اللسان : ليس بمستحكم الخلق.

(٥) أى وتواضع ما بيننا : بعد.

(٦) البيت فى تاج العروس (وضع) ـ ديوان ذى الرمة ٣٥٩ (ط كمبردج) : الوجناء : الناقة التامة الخلق أو الغليظة الصلبة. عرمس : صلبة شديدة ـ غوله : بعده وامتداد أطرافه.

٢٣٣

٣٤ ـ بصيرة فى وضن ، ووطر ، ووطؤ

وضنه يضنه فهو موضون ووضين : ثنى بعضه على بعض ، وضاعفه أو نضّده ، قال الله تعالى : (عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ)(١) ، وقيل : موضونة ، أى / منسوجة بالجواهر. ووضن النسع (٢) : نسجه.

والوضين : بطان (٣) عريض منسوج من سيور أو شعر. وقيل لا يكون إلّا من جلد ، والجمع : وضن.

والموضونة : الدّرع ، وقيل الدّرع (٤) المقاربة النسج ، أو المنسوجة حلقتين.

والتوضّن : التذلّل. واتّضن : اتّصل.

الوطر : الحاجة المهمّة ولا يبنى منه فعل ، والجمع الأوطار ، قال الله تعالى : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها)(٥).

وطئت الشىء برجلى وطأ ، ووطئ زوجته يطأ فيهما ، سقطت الواو من يطأ سقوطها من يسع لتعدّيهما ، لأنّ فعل يفعل ممّا اعتلّ فاؤه لا يكون إلّا لازما ، فلما جاءا من بين أخواتهما متعدّيين خولف بهما نظائرهما.

__________________

(١) الآية ١٥ سورة الواقعة.

(٢) النسع : سير يضفر على هيئة أعنة النعال تشد به الرحال.

(٣) البطان : الحزام يجعل تحت بطن البعير.

(٤) فى ا ، ب : المذرع (تصحيف).

(٥) الآية ٣٧ سورة الأحزاب.

٢٣٤

قال الله تعالى : (وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً)(١). والموطأ بفتح الطاء : موضع وطء القدم. قال اللّيث : هو الموطئ بكسر الطّاء. قال : وكلّ شىء يكون منه الفعل على فعل يفعل مثل سمع يسمع فإن المفعل منه مفتوح العين ، إلّا ما كان من بنات الواو على بناء وطئ يطأ وطأ.

ووطؤ الموضع يوطؤ ، وطاءة أى ، صار وطيئا ، وكذلك الطّئة والطّأة مثال الطّعة والطّعة فى المصدر ، فالهاء عوض عن الواو كما قال الكميت :

أغشى المكاره أحيانا ويحملنى

منه على طأة والدّهر ذو نوب (٢)

أى على حال ليّنة ، ويروى على طئة بالكسر.

وقوله تعالى : (لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ)(٣) ، أى تنالوهم بمكروه. وبنو فلان يطؤهم الطّريق أى ينزلون قريبا منه ، والمعنى : يطؤهم أهل الطّريق.

وأوطأته الشىء فوطئه. ورجل موطّأ العقب ، أى سلطان يتّبع ، وتوطأ عقبه. ووطّأه توطئة : جعله وطيئا. ووطّأه فتوطّأ (٤) ، وهيّأه فتهيّأ.

__________________

(١) الآية ١٢٠ سورة التوبة.

(٢) البيت فى اللسان (وطأ) ـ وليس فى الهاشميات.

(٣) الآية ٢٥ سورة الفتح.

(٤) فى ا ، ب : فتوطأه وتفريعه توطأه على وطأه إشعار منه أنه مطاوعه وهذا يقتضى أن يكون قاصرا فحقه أن يكون وطأه فتوطأ كما أثبتنا إلا أن يعديه بمفعول ثان فيقول : وطأه الشيء فتوطأه على أنه فى التاج تعليقا على قول المصنف وطئه كوطأه وتوطأه قال : وتوطأه حكاه الجوهرى وابن القطاع وهذا مما جاء فيه فعل وفعل وتفعل. فإن كان هذا هو مراده هنا فالعبارة يجب أن تكون ووطأه وتوطأه إلا أنه يعكر على ذلك تنظيره بقوله وهيأه فتهيأ.

٢٣٥

وقوله تعالى : (لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ)(١) أى ليوافقوا ويماثلوا قاله الأخفش.

وقوله تعالى : هي أشد وِطاءً (٢) بالكسر والمدّ وهى قراءة (٣) أبى عمرو وابن عامر ، أى مواطأة ، وهى المواتاة ، أى مواتاة السمع والبصر إيّاه ، وذلك أنّ اللّسان يواطئ العمل ، والسّمع يواطئ فيها القلب.

وقرأ [غير](٤) أبى عمرو وابن عامر : (أَشَدُّ وَطْئاً) بسكون الطّاء أى قياما ، أى هى أبلغ فى القيام وأوطأ للقائم ، وهى أبلغ فى الثواب. ويجوز أن يكون معناه أغلظ على الإنسان من القيام بالنّهار لأنّ اللّيل جعل سكنا.

وتواطئوا عليه : توافقوا.

__________________

(١) الآية ٣٧ سورة التوبة.

(٢) الآية ٦ سورة المزمل.

(٣) فى ا ، ب غير أبى عمرو وما أثبت عن التهذيب والإتحاف وفيه : واختلف فى أشد وطأ فأبو عمرو وابن عامر بكسر الواو وفتح الطاء وألف ممدودة بعدها همزة بوزن قتال مصدر واطأ لمواطأة القلب اللسان فيها أو موافقته لما يرد من الخلاص والخضوع ولذا فضلت صلاة الليل على صلاة النهار وافقهم اليزيدى والحسن وابن محيصن بخلفه والثانى له ذلك مع فتح الواو. والباقون بفتح الواو وسكون الطاء بلا مد مصدر وطئ أى أشد ثبات قدم وأبعد من الزلل أو أثقل من صلاة النهار أو أشد نشاطا للمصلى أو أشد قياما أو أثبت قياما وقراءة ، أو أثبت للعمل وأدوم لمن أراد الاستكثار من العبادة.

(٤) زيادة يقتضيها تصويب النص السابق فى رقم ٣ وقد ذكر الغير فى التهذيب فقال : ابن كثير ونافع وعاصم وحمزة والكسائى.

٢٣٦

٣٥ ـ بصيرة فى وعد

الوعد يستعمل فى الخير والشرّ. قال الفرّاء : يقال وعدته خيرا ووعدته شرّا ، قال القطامى :

ألا علّلانى كلّ حىّ معلّل

ولا تعدانى الشرّ والخير مقبل (١)

والعدة : الوعد ، وفى الحديث : «العدة عطيّة (٢)» ، و «العدة دين (٣)» قال الرّاعى يمدح سعيد بن العاص :

وأنضاء أنخن إلى سعيد

طروقا ثمّ عجّلن ابتكارا (٤)

على أكوارهنّ بنو سبيل

قليل نومهم إلّا غرارا

حمدن مزاره فلقين منه

عطاء لم يكن عدة ضمارا

والموعدة ، والميعاد : المواعدة ، والوقت ، لأنّ ما كان فاء الفعل منه واوا أو ياء ثمّ سقطتا فى المستقبل مثل يعد ويزن ويهب ، ويضع ، ويئل ، فإنّ المفعل منه مكسور فى الاسم والمصدر جميعا ، ولا تبالى مفتوحا كان يفعل منه أو مكسورا بعد أن تكون الواو منه ذاهبة ، إلّا أسماء / جاءت نوادر ، والقياس الكسر. فإن كانت الواو من يفعل ثابتة

__________________

(١) البيت فى اللسان (وعد). ديوان القطامى : ٣١ (ق / ١١ : ١).

(٢) رواه أبو نعيم فى الحلية عن ابن مسعود (الفتح الكبير).

(٣) رواه الطبرانى فى الأوسط عن على وابن مسعود (الفتح الكبير).

(٤) البيتان الأول والثالث فى اللسان (ضمر).

أنضاء : جمع نضو أى مهزول ـ طروقا : أنخن ليلا ـ ابتكارا : سراعا أول النهار ـ أكوار : جمع كور (بضم الكاف) : الرحل بأداته وهو للناقة كالسرج للفرس ـ غرارا : قليلا ـ الضمار من العدات : ما لا تكون منه على ثقة أو ما كان منها عن تسويف.

٢٣٧

نحو يوجل ويوجع ويوسن ففيه الوجهان ، فإن أردت به المكان أو الاسم كسرت ، وإن أردت به المصدر فتحت ، فقلت : موجل وموجل.

وقوله تعالى : (ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ)(١) قال مجاهد : عهدك ، وكذلك قوله تعالى : (فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي)(٢) أى عهدى. وقوله تعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ)(٣) ، رزقكم : المطر ، وما توعدون : الجنّة. وقوله تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ)(٤) أى يخوّفكم به فيحملكم على منع الزكوات.

قال الفرّاء : إذا أسقطوا الخير والشرّ قالوا فى الخير : الموعد والعدة ، وقالوا فى الشرّ : الوعيد والإيعاد. قال عامر بن الطّفيل :

ولا يرهب ابن العمّ ما عشت صولتى

ولا أختتى من صولة المتهدّد (٥)

وإنّى وإن أوعدته أو وعدته

لمخلف إيعادى ومنجز موعدى

وتواعد القوم : وعد بعضهم بعضا فى الخير ، وأمّا فى الشرّ فيقال اتّعد ، (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ)(٦). وقال تعالى فى الوعد بالخير : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها)(٧). ومن الوعد بالشرّ قوله تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ)(٨). وممّا يتضمّن الأمرين جميعا قوله تعالى : (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(٩) فهذا وعد بالقيامة وجزاء العباد إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ.

__________________

(١) الآية ٨٧ سورة طه.

(٢) الآية ٨٦ سورة طه.

(٣) الآية ٢٢ سورة الذاريات.

(٤) الآية ٢٦٨ سورة البقرة.

(٥) البيتان فى ديوانه (ط بيروت) ٥٨ ، اللسان (ختا) ورواية الأول فيه

ولا يختتى ابن العم ما عشيت صولتى

ولا أختتى من صولة المتهدد

اختتى : ذل أو انكسر خشوعا.

(٦) الآية ٤٢ سورة الأنفال.

(٧) الآية ٢٠ سورة الفتح.

(٨) الآية ٤٧ سورة الحج.

(٩) الآية ٥٥ سورة يونس.

٢٣٨

والمواعدة معروفة ، قال الله تعالى : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا)(١) أى نكاحا ، وقال : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)(٢) ، (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً)(٣) فثلاثين وأربعين مفعول لا ظرف ، أى انقضاء (٤) ثلاثين. قال الزجّاج : كان من الله الأمر ومن موسى القبول ، فلذلك (٥) ذكر بلفظ المفاعلة. وقرأ أبو عمرو وأهل البصرة : وعدنا (٦) من الوعد. وقال تعالى : (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ)(٧) وقوله : (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ)(٨) يعنى القيامة ، كقوله تعالى : (إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ)(٩).

ومن الإيعاد قوله تعالى : (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ)(١٠) وقوله تعالى : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ)(١١) أى أوعدت من عصانى من العذاب. قال ابن عباس قالوا يا رسول الله لو خوّفتنا فنزلت : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ).

وقوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ)(١٢) فقوله : (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ) تفسير للوعد ، كما أنّ قوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)(١٣) تفسير للوصيّة. وقوله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ)(١٤) فقوله : أنّها لكم بدل من إحدى الطّائفتين.

__________________

(١) الآية ٢٣٥ سورة البقرة.

(٢) الآية ٥١ سورة البقرة.

(٣) الآية ١٤٢ سورة الأعراف.

(٤) فى ا ، ب : ائتنا وما أثبت عن المفردات.

(٥) فى ا ، ب : فكذلك (تصحيف).

(٦) الاتحاف (سورة الأعراف) ١٣٨ وفيه بغير ألف أبو عمرو ويعقوب وأبو جعفر.

(٧) الآية ٨٠ سورة طه.

(٨) الآية ٢ سورة البروج.

(٩) الآية ٥٠ سورة الواقعة.

(١٠) الآية ٨٦ سورة الأعراف.

(١١) الآية ٤٥ سورة ق.

(١٢) الآية ٥٥ سورة النور.

(١٣) الآية ١٠ سورة النساء.

(١٤) الآية ٧ سورة الأنفال.

٢٣٩

٣٦ ـ بصيرة فى وعظ ووعى

الوعظ والعظة والموعظة (١) مصادر قولك : وعظته أعظه ، وهو زجر مقترن بتخويف. وقال الخليل : هو التّذكير (٢) بالخير ، ومنه قول النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣) : «السّعيد من وعظ بغيره» قال الله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ)(٤) قال رؤبة ويروى للعجّاج :

لما رأونا عظعظت عظعاظا

نبلهم وصدّقوا الوعّاظا (٥)

يقول : كان وعظهم النوب واعظ وقال لهم إن ذهبتم هلكتهم ، فلمّا ذهبوا أصابهم ما وعظهم به فصدّقوا الوعّاظ [حينئذ](٦). وفى الحديث : «يأتى على النّاس زمان يستحلّ فيه الرّبا بالبيع ، والقتل بالموعظة» (٧) وهو أن يقتل البريء ليتّعظ به المريب.

/ الوعى مصدر وعاه يعيه : حفظه ، وجمعه كأوعاه (٨) ، قال الله تعالى : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ.)(٩) وما لي منه (١٠) وعى ، أى بدّ.

__________________

(١) فى ا ، ب : المواعظة (خطأ من الناسخ).

(٢) فى التاج : هو التذكير بالخير بما يرقق القلب.

(٣) فى اللسان : وتمام هذه الحكمة : والشقى من اتعظ به غيره.

(٤) الآية ٤٦ سورة سبأ.

(٥) ديوان العجاج : ٨١ (ق : ٣١ / ١ ، ١٠).

عظعظ النبل : مر مضطربا ولم يقصد ، أى التوى عن الرمية.

(٦) ما بين القوسين تكملة من التاج.

(٧) النهاية عن الهروى. كما قال الحجاج فى خطبته وأقتل البريء بالسقيم.

(٨) فى القاموس كأوعاه فيهما ، أى فى الجمع والحفظ.

(٩) الآية ١٢ سورة الحاقة.

(١٠) فى القاموس والمفردات ما لي عنه.

٢٤٠