بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٥

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٥

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: عبدالعليم الطحاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٤

والتّسخير والمنام دلّ عليه قوله تعالى : (إِلَّا وَحْياً)(١) ، وسماع الكلام من غير معاينة دلّ عليه : (مِنْ وَراءِ حِجابٍ)(٢) ، وتبليغ جبريل عليه‌السلام فى صورة معيّنة دلّ عليه : (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ)(٣) وقوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ)(٤) ، فذلك ذمّ لمن يدّعى شيئا من أنواع ما ذكرنا من الوحى ، أىّ نوع ادّعاه من غير أن حصل له.

وقوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ)(٥) فهذا الوحى هو عامّ فى جميع أنواعه ، وذلك أنّ معرفة وحدانيّة الله تعالى ، ومعرفة وجوب عبادته ليست مقصورة على الوحى المختصّ بأولى العزم من الرّسل بل ذلك يعرف بالعقل والإلهام ، كما يعرف بالسّمع ، فإذا القصد من الآية تنبيه أنّه من المحال أن يكون رسول لا يعرف وحدانيّة الله تعالى ووجوب عبادته.

وقوله : (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ)(٦) فذلك وحى بوساطة عيسى عليه‌السلام. وقوله : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ)(٧) فذلك وحى إلى الأمم بوساطة الأنبياء عليهم‌السلام.

ومن الوحى المختصّ بالنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ

__________________

(١) من الآية ٥١ سورة الشورى.

(٢) من الآية ٥١ سورة الشورى.

(٣) من الآية ٥١ سورة الشورى.

(٤) الآية ٩٣ سورة الأنعام.

(٥) الآية ٢٥ سورة الأنبياء.

(٦) الآية ١١١ سورة المائدة.

(٧) الآية ٧٣ سورة الأنبياء (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ).

١٨١

مِنْ رَبِّكَ)(١) ، وقوله : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ)(٢) فوحيه إلى موسى بوساطة جبريل ، وإلى هارون بوساطة موسى عليه‌السلام.

وقوله : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ)(٣) فذلك وحى إليهم بوساطة اللّوح والقلم فيما قيل.

وقوله : (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها)(٤) فإن كان الوحى إلى أهل السماء فقط فالموحى إليه محذوف ذكره (٥) كأنّه قال : أوحى إلى الملائكة ، لأنّ أهل السّماء هم الملائكة ، ويكون كقوله : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ)(٦) ، وإن كان الموحى إليه هى السّماوات فذلك تسخير عند من يجعل السّماء غير حىّ ، ونطق عند من يجعله حيّا.

وقوله : (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها)(٧) قريب من الأوّل.

وقوله : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)(٨) فحثّ له على التثبت فى السّماع ، وعلى ترك الاستعجال فى تلقّيه وتلقّنه.

__________________

(١) الآية ١٠٦ سورة الأنعام.

(٢) الآية ٨٧ سورة يونس.

(٣) الآية ١٢ سورة الأنفال.

(٤) الآية ١٢ سورة فصلت.

(٥) فى ا : فذكر الموحى إليه محذوف وما أثبت عن المفردات.

(٦) الآية ١٢ سورة الأنفال.

(٧) الآية ٥ سورة الزلزلة.

(٨) الآية ١١٤ سورة طه.

١٨٢

١٤ ـ بصيرة فى ود

تقول : وددت لو تفعل ذاك ، ووددت لو أنّك تفعل / ذاك ، أودّ ودّا وودّا وودادا وودادة بالفتح (١) فيهما ، أى تمنّيت ومنه قوله تعالى : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ)(٢) أى يتمنّى ، قال :

وددت ودادة لو أنّ حظّى

من الخلّان ألّا يصرمونى (٣)

ووددت الرّجل أودّه ودّا ومودّة وموددة ، عن الفرّاء ، بإظهار التّضعيف [و] قال : وددته أودّه مثال وضعته أضعه (٤) لغة فيها ، وأنكرها البصريّون قال العجّاج (٥) :

إنّ بنىّ للّئام زهده

لا يجدون لصديق مودده

وقوله تعالى : (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ)(٦) أى بالكتب. وقوله عزوجل (وَدُّوا ما عَنِتُّمْ)(٧) أى ودّ المنافقون ما عنت المؤمنون فى دينهم. وقوله تعالى : (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا)(٨) ، قال ابن عبّاس رضى الله عنهما : أى محبّة فى قلوب الناس. وقال عثمان بن عفّان رضى الله عنه : «ما أحد

__________________

(١) فى القاموس : الود والوداد : الحب ويثلثان كالودادة بالفتح ا ه. وقد صرح ابن السيد فى المثلث بكسر الواو من الودادة ، وحكى غيره فيها الضم أيضا فتكون الودادة مثلثة كالود والوداد (راجع تاج العروس مادة : ودد).

(٢) الآية ٩٦ سورة البقرة.

(٣) البيت فى اللسان (ودد) ـ الخلان : جمع خليل وهو الصديق المختص. يصرمونى : يقطعون صلتهم ويهجرونى.

(٤) أى على زنة فعل يفعل مفتوح العين فى الماضى والمضارع ، ولحنه البصريون لأنه لا يفتح إلا الحلقى العين أو اللام وكلاهما منتف هنا فهو على خلاف القياس.

(٥) فى اللسان والتاج وأنشد الفراء. والبيت ليس فى ديوان العجاج ولا فيما ينسب إليه ، ورواية المشطور الثانى فى اللسان ما لي فى صدورهم من مودده

(٦) الآية ١ سورة الممتحنة.

(٧) الآية ١١٨ سورة آل عمران.

(٨) الآية ٩٦ سورة مريم.

١٨٣

من الناس يعمل خيرا أو شرّا إلّا ودّ أنّ الله يرى عمله» ، يعنى أنّه يظهر ذلك عليه فيجعله لباسا له فيعرف به.

والودّ بالكسر والوديد واحد والجمع أودّ ، مثال قدح (١) وأقدح وذئب وأذؤب ، وهم أودّاء.

والودود : المحبّ. ورجال ودداء. والودود فى صفات الله تعالى ، قال ابن الأنبارىّ : هو المحبّ لعباده. ويستوى فى الودود المذكّر والمؤنّث لكونه وصفا داخلا على وصف للمبالغة.

والتودّد : التحبّب. والتوادّ : التحابّ ، وقوله تعالى : (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)(٢) إشارة إلى ما أوقع بينهم من الألفة المذكورة فى قوله : (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)(٣). ومن المودّة الّتى هى المحبّة المجرّدة قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)(٤).

قال أبو القاسم الراغب فى قوله تعالى : (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ)(٥) : الودود يتضمّن ما دخل فى قوله (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)(٦) وقد تقدّم معنى محبّة الله تعالى لعباده ومحبّة العباد له فى بصيرة الحبّ. وقال بعضهم : محبّة الله لعباده هى مراعاته لهم ، روى أنّ الله تعالى قال لموسى عليه‌السلام : «أنا لا أغفل عن الصّغير لصغره ، ولا عن الكبير لكبره ، فأنا الودود الشّكور». ويصحّ أن يكون معنى

__________________

(١) القدح (بالكسر) : السهم قبل أن يراش ويركب نصله.

(٢) الآية ٢١ سورة الروم.

(٣) الآية ٦٣ سورة الأنفال.

(٤) الآية ٢٣ سورة الشورى.

(٥) الآية ١٤ سورة البروج.

(٦) الآية ٥٤ سورة المائدة.

١٨٤

(سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا)(١) معنى قوله : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)(٢).

ومن المودّة التى تقتضى معنى التمنى قوله تعالى : (وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ)(٣).

وقوله تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ)(٤) نهى عن موالاة الكفّار ومظاهرتهم كقوله : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ)(٥) أى بأسباب المحبّة من النّصيحة ونحوها ، وتقدّم عن بعضهم تفسيره بالكتب.

والودّ بالضمّ وبالفتح : اسم صنم كان لقوم نوح عليه‌السلام ، ثم صار لكلب ، وكان بدومة الجندل ، ومنه سمّى عبد ودّ. وقرأ أبو جعفر (٦) ونافع ولا تذرن وُدا (٧) بالضمّ ، والباقون (٨) بالفتح.

والودّ (٩) : الوتد.

__________________

(١) الآية ٩٦ سورة مريم.

(٢) الآية ٥٤ سورة المائدة.

(٣) الآية ٦٩ سورة آل عمران.

(٤) الآية ٢٢ سورة المجادلة.

(٥) صدر سورة الممتحنة.

(٦) اتحاف البشر (سورة نوح).

(٧) الآية ٢٣ سورة نوح.

(٨) هم أبو عمرو وابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائى وعاصم ويعقوب الحضرمى.

(٩) بالفتح وهى لغة نجد. وكأنهم سكنوا التاء من الوتد وأدغموها فى الدال.

١٨٥

١٥ ـ بصيرة فى ودع

المادّة تدلّ على التّرك والتخلية. ودع (١) الرجل فهو وديع ووادع ، أى ساكن ، مثل حمض فهو حامض ، يقال : نال المكارم وادعا ، أى من غير كلفة ومشقّة. وعليك بالمودوع (٢) أى بالسّكينة والوقار. وودّعت فلانا توديعا من وداع السّلام.

والدّعة : الخفض والرّاحة ، والهاء عوض من الواو ، وقال :

لا يمنعنّك خفض العيش فى دعة

نزوع نفس إلى أهل وأوطان (٣)

تلقى بكلّ بلاد إن حللت بها

أهلا بأهل وجيرانا بجيران

والوداع : اسم من التّوديع ، قال القطامىّ :

قفى قبل التفرّق يا ضباعا

ولا يك موقف منك الوداعا (٤)

أراد ولا يكن منك موقف الوداع ،

ولكن ليكن موقف غبطة

وإقامة ، لأنّ موقف الوداع يكون للفراق ، ويكون منغّصا بما يتلوه من التباريح والشّوق.

وقولهم : دع ذا ، أى اتركه ، وأصله ودع يدع ؛ ومنه قول النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «دع ما يريبك» (٥). قال عمرو بن معديكرب :

__________________

(١) ومصدره وداعة.

(٢) قال الجوهرى : لا يقال منه ودعه كما لا يقال من المعسور والميسور عسره ويسره.

(٣) البيتان فى ديوان المعانى لأبى هلال العسكرى ٢ / ١٨٦. وفيه قال أبو هلال : النزوع هاهنا ردىء والجيد النزاع. ورواية البيت فى ديوان المعانى : بكل بلاد أنت ساكنها.

(٤) ديوان القطامى : ٤٤ والبيت فى اللسان (ودع).

(٥) رواه الإمام أحمد فى مسنده عن أنس والنسائى عن الحسن بن على ، والطبرانى عن وابصة بن معبد ، والخطيب عن ابن عمر (الفتح الكبير).

١٨٦

إذا لم تستطع أمرا فدعه

وجاوزه إلى ما تستطيع (١)

قال اللغويون : أميت ماضيه ، لا يقال : ودعه إنّما يقال تركه ولا وادع ولكن تارك. قالوا : وربّما [جاء](٢) فى ضرورة الشّعر ودعه وهو مودوع على أصله ، قال أنس بن زنيم (٣) :

ليت شعرى عن خليلى ما الّذى

غاله فى الوعد حتّى ودعه (٤)

وقال سويد بن أبى كاهل اليشكرىّ يصف نفسه :

ورث البغضة عن آبائه

حافظ العقل لما كان استمع (٥)

فسعى مسعاتهم فى قومه

ثمّ لم يظفر ولا عجزا ودع

وقال آخر :

وكان ما قدّموا لأنفسهم

أكثر نفعا من الّذى ودعوا (٦)

وقد اختار النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصل هذه اللغة فيما روى عنه ابن عبّاس رضى الله عنهما أنّه قرأ : ما وَدَعك ربك وما قلى (٧) بتخفيف الدّال (٨) ، وكذلك قرأ بهذه القراءة عروة ومقاتل وأبو حيوة ، وأبو البرهسم وابن أبى عيلة ويزيد النّحوىّ. وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمنّ الله على

__________________

(١) البيت فى اللسان (ودع) وفى معجم الشعراء للمرزبانى ١٦ (ط. الحلبى).

(٢) ما بين القوسين تكملة يقتضيها السياق.

(٣) وروى أيضا لأبى الأسود الدؤلى.

(٤) البيت فى اللسان (ودع) برواية غاله فى الحب. وغاله : أصاب عقله وذهب به.

(٥) البيتان ٨٠ ، ٨١ من المفضلية رقم ٤٠ (المفصليات ١ / ١٩٧). والثانى ، فى اللسان (ودع).

(٦) البيت فى اللسان (ودع) غير معزو.

(٧) الآية ٣ سورة الضحى.

(٨) قال أبو الفتح ابن جنى : هذه قليلة الاستعمال وقال سيبويه فى الكتاب ٢ / ٢٥٦ : «كما أن يدع ويذر على ودعت ووذرت وإن لم يستعمل» وانظر تاج العروس فى المادة.

١٨٧

قلوبهم ثمّ ليكوننّ من الغافلين» (١) ، وقرأ الباقون (ما وَدَّعَكَ) بالتشديد ، أى ما تركك منذ اختارك ، ولا أبغضك منذ أحبّك. وفى الحديث : «إذا لم ينكر الناس المنكر فقد تودّع منهم» (٢) أى أسلموا إلى ما استحقّوه من المنكر عليهم ، وتركوا [و] ما استحبّوه من المعاصى حتى يكثروا منها فيستوجبوا العقوبة.

وفى الحديث : «دع داعى اللّبن» (٣) أى اترك منه فى الضرع شيئا يستنزل اللّبن.

ووادع بنى فلان : صالحهم (٤).

والتّوديع عند الرّحيل معروف ، وهو تخليف المسافر الناس خافضين وادعين ، وهم يودّعونه إذا سافر تفاؤلا بالدّعة التى يصير إليها إذا قفل ، أى يتركونه وسفره ، قال الأعشى :

ودّع هريرة إنّ الركب مرتحل

وهل تطيق وداعا أيّها الرّجل (٥)

واستودعته وديعة : استحفظته إيّاها قال :

استودع العلم قرطاس فضيّعه

فبئس مستودع العلم القراطيس (٦)

__________________

(١) الحديث رواه مسلم والنسائى والإمام أحمد فى مسنده عن ابن عباس وابن عمر (الفتح الكبير).

(٢) النهاية ـ الفائق : ٣ / ١٥٢ وقيل أيضا فى معناه فقد صاروا بحيث يتحفظ منهم ويتصون كما يتوقى شرار الناس.

(٣) رواه البخارى فى التاريخ وابن حبان فى صحيحه وأحمد فى مسنده والحاكم فى مستدركه عن ضرار بن الأزور (الفتح الكبير).

(٤) سالمهم على ترك الحرب والأذى.

(٥) الصبح المنير : ٤١ (ق / ٦ : ١).

(٦) البيت فى اللسان (ودع). وفى ا : قرطاسا كرواية الأساس.

١٨٨

وقوله تعالى : (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ)(١) أى مستودع فى الصلب فى وقيل فى الثّرى.

والمستودع فى قول عبّاس بن عبد المطّلب رضى الله عنه :

من قبلها طيب فى الظّلال وفى

مستودع حيث يخصف الورق (٢)

المكان الذى جعل فيه آدم وحوّاء عليهما‌السلام من الجنّة واستودعاه ، وقيل : الرّحم.

__________________

(١) الآية ٩٨ سورة الأنعام.

(٢) البيت فى اللسان (ودع) ـ معجم الشعراء للمرزبانى (ط. الحلبى) ١٠٢.

١٨٩

١٦ ـ بصيرة فى ودق

الودق : المطر ، قال الله تعالى : (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ)(١) وقد ودق (٢) يدق ودقا ، أى قطر قال عامر بن جوين الطّائىّ :

فلا مزنة ودقت ودقها

ولا أرض أبقل إبقالها (٣)

هكذا أنشده سيبويه ، وفى شعره : ولا روض فلا يحتاج إلى تأويل. وذات ودقين : الدّاهية ، قال علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه :

تلكم قريش تمنّانى لتقتلنى

فلا وربّك ما برّوا ولا ظفروا (٤)

فإن هلكت فرهن ذمّتى لهم

بذات ودقين لا يعفو لها أثر

قال المازنىّ : لم يصحّ أنّ عليّا تكلّم بشيء من الشعر [غير] هذين البيتين (٥) ، ويروى بذات روقين (٦) أى ذات قرنين.

وأودقت السّماء : جاءت بودق مثل ودقت. وقال غيره : ودقت ذات الحافر وودقت واستودقت : اشتهت الفحل.

وودقت به ودقا : استأنست به.

والوديقة : شدّة الحرّ ، قال ربيعة بن مقروم (٧).

__________________

(١) الآية ٤٣ سورة النور.

(٢) كوعد.

(٣) البيت فى اللسان (ودق) و (بقل). ولم يقل أبقلت وكان هذا متعبنا لأن الفعل هنا مسند إلى الضمير فيستوى فيه الحقيقى والمجازى. وعليه فهذا البيت شاذ أو مؤول.

(٤) البيتان فى اللسان (ودق) والثانى فى الأساس (ودق).

(٥) فى التاج (ودق) نقل صاحبه عن شيخه ردا على هذا عقب عبارة المصنف (وصوبه الزمخشرى رحمه‌الله) فراجعه.

(٦) فى ا : ودقين (تصحيف).

(٧) أحد شعراء مضر المعدودين فى الجاهلية والإسلام أسلم وحسن إسلامه.

١٩٠

كلّفتها فرأت حقّا تكلّفه

وديقة كأجيج النار صيخودا (١)

وقال أبو المثلّم الهذلىّ يرثى صخر الغىّ :

حامى الحقيقة نسّال الوديقة مع

تاق الوسيقة جلد غير ثنيان (٢)

وقيل : الودق (٣) شىء يكون خلال المطر كأنّه غبار ، لكن قد يعبّر به عن المطر.

__________________

(١) البيت رقم ٦ من المفضلية رقم ٤٣ (المفضليات ٢ : ١٤). والضمير فى كلفتها يعود على ناقته المذكورة فى البيت قبله. والصيخود : الشديد.

(٢) البيت فى شرح أشعار الهذليين : ٢٨٤).

حامى الحقيقة : يحمى ما يحق عليه أن يحميه ـ نسال الوديقة : عداء فى شدة الحر ـ الوسيقة : الطريدة ـ الثنيان : الضعيف أو غير السيد.

(٣) عن المفردات.

١٩١

١٧ ـ بصيرة فى ودى ووذر

الدّية بالكسر : حقّ (١) القتيل. ووداه كوعاه : أعطى ديته. قال الله تعالى : (فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ)(٢).

والوادى : كلّ مفرج بين جبال أو تلال أو آكام. وكلّ مسيل (٣) ماء واد ، والجمع : أوداء (٤) وأودية (٥) ، وأوداة (٦) ، وأوداية. قال تعالى : (إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً)(٧) وهو واد بجانب الطّور من الأرض المقدّسة.

[و](٨) يقال : أنا فى واد وأنت فى واد. وفلان فى واد غير واديك ، قال الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ)(٩) أى من أودية الكلام (١٠).

والودى (١١) كفتى : الهلاك. وكغنىّ : صغار الفسيل ، الواحدة وديّة.

__________________

(١) أى ما يعطى مقابل دمه.

(٢) الآية ٩٢ سورة النساء.

(٣) جعله فى المفردات أصلا فقال : أصل الوادى الموضع الذى يسيل فيه الماء ومنه سمى المفرج بين الجبلين واديا.

(٤) كصاحب وأصحاب.

(٥) أودية جمع على غير قياس فإنه لم يسمع أفعلة جمع لفاعل وقالوا سمع فى ناد وأندية وناج وأنجية وقيل هو جمع ودى للنهر.

(٦) على القلب وهى لغة طيئ.

(٧) الآية ١٢ سورة طه. ومما جاء فى القرآن الكريم مجموعا قوله تعالى : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) (الآية ١٧ سورة الرعد) وقوله تعالى فى الآية ٢٤ سورة الأحقاف (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا).

(٨) فى المفردات : ويستعار الوادى للطريقة كالمذهب والأسلوب فيقال : فلان فى واد غير واديك. وكان حق المصنف ألا يسقط هذه الجملة لتستقيم عبارته ويظهر الاتصال بما سبقها.

(٩) الآية ٢٢٥ سورة الشعراء.

(١٠) يعنى أساليب الكلام من المدح والهجاء والجدل والغزل وغير ذلك من الأنواع.

قال الشاعر :

إذا ما قطعنا واديا من حديثنا

إلى غيره زدنا الأحاديث واديا

(١١) فى التاج : اسم من أودى : إذا هلك وقلما يستعمل ، والمصدر الحقيقى الإيداء.

١٩٢

وأودى : هلك ، وتكفّر (١) بالسّلاح. وبه الموت : ذهب به. واستودى بحقّى : أقرّ به ، وفى الحديث الصّحيح (٢) : «لو كان لابن آدم واديان من مال ، ويروى من ذهب ، ويروى من نخل ، لابتغى إليهما ثالثا» (٣).

والمودى : الأسد

وذره أى دعه ، وهو يذره أى يدعه. والأصل وذره يذره مثال وسعه يسعه ، ولكن قد أميت مصدره [والفعل الماضى](٤) ، فلا يقال وذره ولا واذر استغنوا عنهما بتركه وتارك.

وذّرت اللحم توذيرا : قطّعته ، والجرح : شرّطته. قال الله تعالى : (قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ)(٥) وقال تعالى (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ)(٦).

والوذرة : قطعة من اللحم ، سمّيت بذلك (٧) لقلّة الاعتداد بها (٨) ، والجمع : وذر (٩) كتمرة وتمر.

ومن سبّ العرب : يا ابن شامّة الوذرة (١٠).

__________________

(١) قال ابن برى : إنما هو آدى : إذا كان ذا أداة وقوة من السلاح.

(٢) كان من حقه أن يرد بعد الآية الكريمة (إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) فهو بالمعنى الحقيقى للوادى ألصق وبخاصة فإنه انتقل إلى المعانى المجازية للمادة.

(٣) رواه البخارى ومسلم وابن حنبل والترمذى عن أنس ومن طرق أخرى عن ابن عباس وعن أبى هريرة وغيرهما (الفتح الكبير).

(٤) ما بين القوسين تكملة من التاج. وفى اللسان عن الليث : فإذا أرادوا المصدر قالوا : ذره تركا ويقال : هو يذره تركا.

(٥) الآية ٩١ سورة الأنعام.

(٦) الآية ١٢٧ سورة الأعراف.

(٧) فى ا : به وما أثبت عن المفردات لوضوحه.

(٨) فى ا : به والسياق يقتضى ما أثبت.

(٩) وفى القاموس ويحرك أى وذر. وفى اللسان : قال ابن سيده فإن كان ذلك فوذر اسم جمع لأجمع.

(١٠) الوذرة : بظارة المرأة وكأنه يسبه بأن أمه خافضة وهو يشبه قولهم يا ابن مقطعة البظور ، وقيل ابن شامة الوذر كناية عن الزنا ، كأنها تشم كمرا مختلفة.

١٩٣

١٨ ـ بصيرة فى ورث وورد

ورثت أبى ، وورثت المال من أبى ، أرثه بالكسر فيهما ، ورثا ووراثة ، وإرثا ، الألف منقلبة عن الواو (١) ورثة كعدة الهاء عوض عن الواو ، وإنّما سقطت الواو من المستقبل لوقوعها بين ياء وكسرة وهما متجانسان ، والواو مضادّتهما فحذفت لاكتنافهما إيّاها ، ثم جعل حكمهما مع الألف والياء والنون كذلك لأنهنّ مبدلات منها ، والياء هى الأصل ، يدلّ على ذلك أنّ فعلت وفعلنا وفعلت مبنيّات على فعل ، ولم تسقط الواو من يوجل لوقوعها بين ياء وفتحة ، ولم تسقط الياء من ييسر لتقوّى إحدى الياءين بالأخرى.

والميراث : أصله موراث صارت الواو ياء لسكونها وكسر ما قبلها.

والوارث فى أسماء الله تعالى : الّذى يرث الخلائق ، ويبقى بعد فنائهم ، لما روى أنّه ينادى لمن الملك اليوم؟ فيقال : لله الواحد القهّار ، قال الله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها)(٢) وقال تعالى : (وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ)(٣) ، وقال تعالى : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٤) وقال : / (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ)(٥) وقال تعالى : (وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ)(٦). وكلّ من حصل له شىء من غير تعب يقال فيه قد ورث كذا.

ويقال لمن خوّل شيئا مهنّئا : أورث ، قال تعالى : (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا)(٧) ، وقوله : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ

__________________

(١) فى ا بعد هذه الكلمة أقحمت عبارة من المستقبل والمعنى لا يستقيم بها وهى مقدمة من السطر الذى يليها.

(٢) الآية ٤٠ سورة مريم.

(٣) الآية ٨٩ سورة الأنبياء.

(٤) الآيتان ١٨٠ سورة آل عمران ؛ ١٠ سورة الحديد.

(٥) الآية ١٦ سورة النمل.

(٦) الآية ٥٣ سورة غافر.

(٧) الآية ٦٣ سورة مريم.

١٩٤

آلِ يَعْقُوبَ)(١) فإنه يريد وراثة النبوّة والعلم والفضيلة دون المال ، فالمال لا قدر له عند الأنبياء عليهم‌السلام حتى يتنافسوا فيه ، بل قلّما يقتنون المال ويتملّكونه (٢) ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» (٣) وقيل أيضا : ما تركناه هو العلم وهو صدقة تشترك فيها الأمّة. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «العلماء ورثة الأنبياء» (٤) إشارة إلى ما ورثوه من العلم ، وليس لفظ الوراثة (٥) إلا لكون ذلك بغير ثمن ولا منّة. وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلىّ : «أنت أخى ووارثى. قال : وما أرثك؟ قال : ما ورّثت الأنبياء قبلى ، كتاب الله وسنّتى (٦)».

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهمّ متّعنى بسمعى وبصرى واجعلهما الوارث منّى (٧) أى أبقهما صحيحين سليمين إلى أن أموت. وقيل : أراد بقاءهما وقوّتهما عند الكبر وانحلال القوى النّفسانيّة ، فيكون السّمع والبصر وارثى سائر القوى والباقيين بعدها. وقيل : أراد بالسّمع وعى ما يسمع والعمل به ، وبالبصر الاعتبار بما يرى. وفى رواية : «واجعله الوارث منّى» فردّ الهاء إلى الإمتاع ، فلذلك وحّده.

ويقال : ورثت من فلان علما ، أى استفدت منه. قال تعالى :

__________________

(١) الآية ٦ سورة مريم.

(٢) فى المفردات : ويملكونه.

(٣) نحن معاشر الأنبياء : أخرجه البخارى عن أبى هريرة : وفيه زيادة (وإنما يأكل آل محمد فى هذا المال).

(٤) من حديث أخرجه ابن النجار عن أنس كما فى الفتح الكبير.

(٥) فى المفردات : الورثة.

(٦) أخرجه الترمذى والحاكم عن ابن عمر برواية أنت أخى فى الدنيا والآخرة كما فى الفتح الكبير.

(٧) من حديث طويل رواه الترمذى والحاكم فى مستدركه عن أبى هريرة (الفتح الكبير).

١٩٥

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا)(١) ، وقال تعالى : (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)(٢). والوراثة الحقيقية أن يحصل للإنسان شىء لا يكون عليه فيه تبعة ولا عليه محاسبة. وعباد الله الصّالحون لا يتناولون شيئا من الدّنيا إلّا ما لا يحاسبون عليه ، فمن حاسب نفسه فى الدّنيا لم يحاسب فى الآخرة.

الورد : الّذى يشمّ ، الواحدة وردة ، وقوله تعالى : (فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ)(٣) قال ابن عرفة : سمعت أحمد بن يحيى يقول : هى المهرة تنقلب حمراء بعد أن كانت صفراء. وقال الأزهرىّ : أى فصارت وردة أى كلون الورد تتلوّن ألوانا يوم الفزع الأكبر ، كما تتلوّن الدّهان المختلفة (٤) ، وهى جمع دهن. وقيل : إذا احمرّت السّماء كالورد قامت القيامة.

وعشيّة وردة : إذا احمرّ أفقها عند غروب الشمس وكذلك عند طلوعها ، وذلك علامة الجدب.

والورد : خلاف الصّدر ، والورد أيضا : الورّاد وهم الذين يردون الماء.

وقوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها)(٥) قال ابن عرفة : الورود عند العرب موافاة المكان قبل دخوله ، وقد يكون الورود دخولا ، ويبيّن ذلك حديث عائشة رضى الله عنها عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه ليس

__________________

(١) الآية ٣٢ سورة فاطر.

(٢) الآية ١٠٥ سورة الأنبياء.

(٣) الآية ٣٧ سورة الرحمن.

(٤) قالوا : ودليل ذلك قوله تعالى : (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) أى كالزيت الذى قد أغلى ، وفى اللسان : الدهان فى القرآن : الأديم الأحمر الصرف.

(٥) الآية ٧١ سورة مريم.

١٩٦

بدخول ، ويؤيّد ذلك القرآن ، ألا تسمع قوله : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها)(١) وقوله تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ)(٢) أى بلغه.

وقوله : (وَهُو أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)(٣) ، حبل الوريد : عرق يزعم العرب أنّه من الوتين (٤) / ، وهما وريدان مكتنفا صفقى (٥) العنق ممّا يلى مقدّمه غليظان.

والمورد : الطّريق ، قال جرير يمدح هشام بن عبد الملك :

أمير المؤمنين على صراط

إذا اعوجّ الموارد مستقيم (٦)

والموارد : الشّوارع. وقول أبى بكر مشيرا إلى لسانه : «إن ذا أوردنى الموارد» ، أى موارد الهلكات فاختصر لوضوحه.

__________________

(١) الآية ١٠٢ سورة الأنبياء.

(٢) الآية ٢٣ سورة القصص.

(٣) الآية ١٦ سورة ق.

(٤) الوتين : الشريان الرئيسى الذى يغذى جسم الإنسان بالدم النقى الخارج من القلب.

(٥) صفقا العنق : جانباه.

(٦) ديوان جرير (ط. الصارى) : ٥٠٧.

١٩٧

١٩ ـ بصيرة فى ورق

الورق ، والورق مثال كبد وكبد وكبد : الدّرهم ، هكذا قال الفرّاء ، وزاد غيره : الورق بفتحتين : والورق بالضمّ (١). وقرأ أبو عمرو وأبو بكر وحمزة وخلف : بورْقِكم (٢) بفتح الواو وسكون الراء ؛ وعن أبى عمرو أيضا وابن محيصن : (بوِرْقكم) بكسر الواو وسكون الراء ، وقرأ أبو عبيدة : (بِوَرَقِكم) بفتح الواو والرّاء ، وقرأ أبو بكر : (بوُرْقكم) بضمّ الواو وسكون الرّاء (٣).

والرّقة كعدة : الورق أيضا ، والهاء عوض من الواو ، وفى الحديث «فى الرّقة ربع العشر» (٤) ويجمع على رقين ، مثل إرة وإرين. ويقال : «إنّ الرّقين تغطّى أفن الأفين (٥)».

ورجل ورّاق : صاحب (٦) الدّراهم ، ومنه قراءة علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه فابعثوا أحدكم بوراقكم (٧) أى بصاحب دراهمكم ، قال جرير :

__________________

(١) عبارة القاموس : الورق مثلثة وككتف : الدراهم المضروبة.

(٢) من الآية ١٩ سورة الكهف.

(٣) الذى فى إتحاف البشر : واختلف فى (بورقكم) فنافع وابن كثير وابن عامر وحفص والكسائى وأبو جعفر ورويس بكسر الراء وافقهم ابن محيصن والحسن ، والباقون بإسكان الراء ، والكسر هو الأصل والإسكان تخفيف منه كنبق ونبق.

(٤) من حديث رواه البخارى والإمام أحمد عن أبى بكر (الفتح الكبير).

(٥) المشهور فى المثل : كثرة الرقين تعفى على أفن الأفين ، ويروى عن ثعلب : وجدان الرقين يغطى أفن الأفين. الأفن : الحمق وضعف الرأى. الأفين : الأحمق.

(٦) فى الصحاح : كثير الدراهم.

(٧) الآية ١٩ سورة الكهف والقراءة (بِوَرِقِكُمْ).

١٩٨

جارية من ساكنى العراق

كأنّها فى القمص الرّقاق (١)

مخّة ساق بين كفّى ناق (٢)

تأكل من كيس امرئ ورّاق

[والورق](٣) من أوراق الشجر والكتاب الواحدة ورقة. وشجرة وريقة وورقة : كثيرة الأوراق ، قال تعالى : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها)(٤).

وورّق الشجر : خرج ورقه. والوارقة : الشجرة الخضراء الورق الحسنة. وورقت الشجرة أرقها : أخذت ورقها.

والورق أيضا : المال من دراهم وإبل وغير ذلك ، قال العجّاج :

إيّاك أدعو فتقبّل ملقى

واغفر خطاياى وثمّر ورقى (٥)

__________________

(١) البيتان فى الديوان ٣٩٢ ، ٣٩٣ والرواية فيه :

جارية من ساكنى الأسواق

لباسة للقمص الرقاق

أبغض ثوبيها إليها الباقى

تأكل من كيس امرئ وراق

وأراد بالأسواق الأمصار لأنه يكون فيها الأسواق.

(٢) ناق : ناقى وصف من نقوت العظم ونقيته : استخرجت النقى منه ، وهو مخ العظام وشحمها. قوله : مخة ساق يصفها بالسمن والبضاضة.

(٣) تكملة من اللسان.

(٤) الآية ٥٩ سورة الأنعام.

(٥) ديوان العجاج ـ ٤٠ (ب ٣ ، ٤ من أرجوزة رقم ٢٤

١٩٩

٢٠ ـ بصيرة فى ورى

ورى الزّند كوعى ، وورى كولى وريا ووريّا ورية ، وهو وار وورىّ : خرجت ناره. وأوريته واستوريته قال الله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ)(١) وأصله من التّوارى وهو الاستتار ، كأنّما تصوّر من خروج النّار من وراء المقدح استتارها فيه ، كما قال (٢) :

ككمون النار فى حجره (٣).

وواراه : أخفاه ، قال الله تعالى : (أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ)(٤). وتوارى : اختفى ، قال تعالى : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ)(٥) وورّاه تورية : أخفاه ، ومنه الحديث : «إذا أراد النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم غزوا ورّى بغيره» (٦).

الورى : الخلق. وقال الخليل بن أحمد : الورى : الأنام الّذين هم على وجه الأرض فى الوقت ، ليس من مضى ولا من يتناسل بعدهم ، فكأنّهم الذين يسترون الأرض بأشخاصهم.

ووراء ووراء ووراء مثلثة الآخر مبنيّة. والوراء معرفة يكون بمعنى خلف وبمعنى قدّام ، فمما هو بمعنى ما خلفه قوله تعالى : (وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ)(٧) ، ومما هو بمعنى قدّام قوله تعالى : (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ)(٨) أى

__________________

(١) الآية ٧١ سورة الواقعة.

(٢) هو أبو نواس الحسن بن هانئ.

(٣) الديوان : ٤٢٧ ـ مختار الأغانى ٣ : ١٠٦ وصدر البيت :

كمن الشنآن فيه لنا

وتدور أقوال فيما يعود عليه الضمير فى (حجره).

(٤) الآية ٢٦ سورة الأعراف.

(٥) الآية ٣٢ سورة ص.

(٦) الفائق : ٣ / ١٥٥ ـ أى كنى عنه وستره.

(٧) الآية ٧١ سورة هود.

(٨) الآية ٧٩ سورة الكهف.

٢٠٠