بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٥

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٥

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: عبدالعليم الطحاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٤

(الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(١).

وتنكير الشيء من حيث المعنى جعله بحيث لا يعرف ، قال تعالى : (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها)(٢).

والنّكير : الإنكار ، قال تعالى : (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ)(٣) أى إنكارى. والنكر : المنكر ، قال تعالى : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً)(٤) ، وقد يحرّك مثل عسر وعسر قال (٥) :

وكانوا أتونى بشيء نكر (٦)

وقال تعالى : (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ)(٧).

والإنكار : تغيير المنكر. ورجل نكر ونكر ، أى داه منكر.

ونكر الأمر ككرم : اشتدّ وصعب.

__________________

(١) الآية ١١٢ سورة التوبة.

(٢) الآية ٤١ سورة النمل.

(٣) الآية ٤٤ سورة الحج.

(٤) الآية ٧٤ سورة الكهف.

(٥) الأسود بن يعفر أعشى بنى نهشل.

(٦) وصدر البيت كما فى اللسان والديوان : أتونى فلم أرض ما بيتوا (وانظر الصبح المنير ـ ٢٩٨).

(٧) الآية ٦ سورة القمر.

١٢١

٥٢ ـ بصيرة فى نكس

نكست الشّىء أنكسه نكسا : قلبته على رأسه. وقوله تعالى : (ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ)(١) قال الفرّاء : أى رجعوا عمّا عرفوا من الحجّة لإبراهيم صلوات الله عليه. وقال الأزهرىّ : أى قلبوا (٢).

وقرأ غير عاصم وحمزة فى قوله تعالى : ومن نعمره نَنْكُسُه في الخلق (٣) بفتح النّون وتخفيف (٤) الكاف ، أى من أطلنا عمره نكسنا خلقه فصار بعد القوّة الضّعف ، وبعد الشّباب الهرم.

وفى حديث علىّ رضى الله عنه : «إذا كان القلب لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا نكس فجعل أعلاه أسفله (٥)».

ونكّسه تنكيسا : قلبه مثل نكسه نكسا ، وإنّما شدّد للمبالغة ، وقرأ عاصم وحمزة (٦) : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ)(٧) بالتّشديد.

والنّكس والنّكاس بالضمّ فيهما : عود المرض بعد النّقه قال أميّة بن أبى عائد (٨) :

__________________

(١) الآية ٦٥ سورة الأنبياء.

(٢) فى ا ، ب : صلوا ولا معنى لها هنا ، ورجحنا قلبوا لأنها المعنى الأصلى للمادة ذلك إلى أنها أقرب الكلمات إلى تصحيف صلوا ، ويمكن أن تكون : أميلوا أو ميلوا ولم نوفق إلى الوقوف على هذه العبارة فيما بين أيدينا من مظان.

(٣) الآية ٦٨ سورة يس.

(٤) فى التاج : وضم الكاف. وفى الإتحاف : بفتح الأول وإسكان الثانى وضم الثالث وتخفيفه (سورة يس).

(٥) المعروف : اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى الناس وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات ، والمنكر ضد ذلك.

(٦) الاتحاف (سورة يس : ٢٢٥).

(٧) الآية ٦٨ سورة يس.

(٨) فى ا ، ب آمنة بن أبى عابد تصحيف والبيت فى اللسان (نكس) ـ شرح أشعار الهذليين ٤٩٥.

١٢٢

خيال لزينب قد هاج لى

نكاسا من الحبّ بعد اندمال

وقد نكس (١) الرّجل نكسا فهو منكوس.

والنّاكس : المطأطئ رأسه ، وجمع فى الشعر على نواكس ، وهو شاذّ.

ونكس كذا داء المريض بعد البرء ، أى ردّه وأعاده ، قال ذو الرمّة :

إذا قلت أسلو عنك يا مىّ لم يزل

محلّ لدائى من ديارك ناكس (٢)

والنّكس بالضمّ (٣) المدرهمّون (٤) من الشيوخ بعد الهرم.

والنكس بالكسر : الضعيف ، والسّهم ينكسر فوقه فيجعل أعلاه أسفله.

__________________

(١) نكس : عاودته العلة.

(٢) ديوان ذى الرمة : ٣١٢ (ق / ٤١ : ٧) برواية : لم أزل محلّا لدار من ديارك.

(٣) فى القاموس : بضمتين.

(٤) المدرهمون : المعيون من الكبر.

١٢٣

٥٣ ـ بصيرة فى نكص ونكف

النّكوص : الإحجام عن الشّىء ، يقال : نكص على عقبيه ينكص وينكص. وقال ابن دريد : نكص الرّجل عن الأمر نكصا ونكوصا : إذا تكأكأ عنه. ونكص على عقبيه : رجع عمّا كان عليه من خير ، وكذا فسّر فى التّنزيل والله أعلم. قال : ولا يقال إلا فى الرّجوع عن الخير خاصّة. وربّما قيل فى الشرّ.

وقال أبو تراب : نكص ونكف (١) بمعنى.

وقال الأزهرىّ : وقرأ بعض القرّاء : تنكصون (٢) بالضمّ ، قال الصّغانى : لا أعرف من قرأ بهذه القراءة. والمنكص : المتنحّى.

نكف الرّجل عن الأمر ينكف نكفا كفرح يفرح فرحا : إذا أنف منه ، فهو ناكف. وقال الفرّاء : نكفت بالفتح لغة فى نكفت بالكسر.

والاستنكاف : الاستكبار. وقال الزجّاج فى قوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ)(٣) ، أى ليس يستنكف الذى يزعمون [أنّه](٤) إله أن يكون عبدا لله ، ولا الملائكة المقرّبون وهم أكبر (٥)

__________________

(١) فى ا ، ب : نكث وما أثبت عن اللسان.

(٢) أى بضم الكاف منها فى الآية ٦٦ سورة المؤمنين (فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ).

(٣) الآية ١٧٢ سورة النساء.

(٤) تكملة من اللسان.

(٥) فى ا ، ب : لأنهم أكثر ، وما أثبتنا من عبارة الزجاج فى اللسان وهى أولى وأوضح.

١٢٤

من البشر ، قاله الزجّاج ، قال : ومعنى لن يستنكف. لن يأنف ، وقيل :لن ينقبض ولن يمتنع عن عبوديّة الله.

والانتكاف : الانتكاث والانتقاض ، قال أبو النّجم :

ما بال قلب راجع انتكافا

بعد التعزّى اللهو والإيجافا (١)

__________________

(١) المشطوران فى اللسان والصحاح (نكف). الإيجاف : اضطراب القلب وخفقانه.

١٢٥

٥٤ ـ بصيرة فى نكل ونم ونمل

نكل عنه ينكل وينكل نكولا ، ونكل كعلم (١) : نكص وجبن.

ونكّل به تنكيلا : صنع به صنيعا يحذّر غيره. وقيل : نكله : نحّاه عمّا قبله.

والنّكال والنّكلة بالضّمّ ، والمنكل كمقعد : ما نكّلت به غيرك كائنا ما كان.

والنّكل بالكسر : القيد الشديد ، أو قيد من نار ، وضرب من اللّجم ، (٢) ولجام البريد ، وحديدة اللّجام ، والجمع فى الكل (٣) أنكال ، قال الله تعالى : (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً)(٤) وقال تعالى : (فَجَعَلْناها نَكالاً)(٥)

ونكل (٦) : قبل النّكال. وإنّه لنكل شرّ : أى ينكّل به أعداؤه. ورماه بنكلة ، أى بما ينكّله به.

والنّمّ : التّوريش (٧) والإغراء ، ورفع الحديث إشاعة له وإفسادا ، وقيل : تزيين الكلام بالكذب ، ينمّ وينمّ فهو نموم ونمّام ومنمّ ونمّ ، من قوم نمّين وأنمّاء ونمّ ، وهى نمّة ، والاسم منه النّميمة (٨) ، قال الله تعالى : (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)(٩).

__________________

(١) فى التاج : أنكرها الأصمعى وأثبتها غيره. وقيل هى لغة تميم. وفى الاقتطاف : ضم المضارع هو المشهور.

(٢) فى القاموس : أو.

(٣) فى ا : النكل.

(٤) الآية ١٢ سورة المزمل.

(٥) الآية ٦٦ سورة البقرة.

(٦) فى القاموس كسمع.

(٧) التوريش : التحريش.

(٨) النميمة : نقل الحديث من قوم إلى قوم على جهة الإفساد والشر.

(٩) الآية ١١ سورة القلم.

١٢٦

وأصل النّميمة : الهمس والحركة الخفيّة (١) ، ومنه أسكت الله نامّته (٢) ، أى حسّه وما ينمّ عليه من حركته. والنامّة أيضا : حياة النّفس.

والنّميمة أيضا : صوت الكنانة (٣) ، ووسواس همس الكلام ، وحسّ الكتابة.

ونمّ المسك : سطع. والنّمّام : نبت ينمّ عليه ريحه.

ونمنمه : زخرفه ، ونقشه.

النّمل : واحده نملة ونملة أيضا بضمّ الميم ، والجمع : نمال. وأرض نملة كثيرة النّمل ، قال الله تعالى : (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ)(٤).

والنّملة مثلثه : النّميمة ؛ وهو نمل ونامل ومنمل ومنمل ونمّال : نمّام. وقد نمل كعلم ونصر ، وأنمل.

__________________

(١) فى المفردات : الخفيفة.

(٢) الأعرف نأمته بالهمز فهو من النئيم : الصوت الخفى والضعيف.

(٣) فى القاموس : الكتابة وماهنا موافق لنسخة مثبتة بهامش متن القاموس المطبوع ، وهى أولى لذكر الكتابة بعد ذلك.

(٤) الآية ١٨ سورة النمل.

١٢٧

٥٥ ـ بصيرة فى نهج ونهر

النّهج ، والمنهج ، والمنهاج : الطّريق الواضح. وأنهج الطّريق : استبان وصار نهجا واضحا بيّنا. قال الله تعالى : (شِرْعَةً وَمِنْهاجاً)(١)

ونهجت الطّريق : أبنته (٢) وأوضحته. ونهجته أيضا : سلكته. وهو يستنهج سبيل فلان : يسلك مسلكه.

النّهار : ضدّ اللّيل ، ولا يجمع ، كما لا يجمع العذاب (٣) والسّراب (٤) فإن جمعته قلت فى قليله أنهر وفى كثيره نهر ، مثل سحاب وسحب وأنشد ابن كيسان :

لو لا الثّريدان لمتنا بالضّمر

ثريد ليل وثريد بالنّهر (٥)

قال الله تعالى : (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ)(٦) والنّهار : الوقت الذى ينتشر فيه الضوء ، وهو فى الشّرع : ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وفى الأصل ما بين طلوع الشمس إلى غروبها ، قال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً)(٧) ، وقابل به البيات فى قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً)(٨).

__________________

(١) الآية ٤٨ سورة المائدة.

(٢) فى ا ، ب : أثبته ، والتصويب من الصحاح.

(٣) فى مادة (ع ذ ب) جمع على أعذبة وهو قياس كطعام وأطعمة وشراب وأشربة لأنه اسم وليس مصدرا.

(٤) هكذا أيضا فى الصحاح ولعلها الشراب بالشين المعجمة.

(٥) البيت فى الصحاح واللسان (نهر).

(٦) الآية ٢٧ سورة آل عمران.

(٧) الآية ٦٢ سورة الفرقان.

(٨) الآية ٥٠ سورة يونس.

١٢٨

والنّهر والنّهر ، بالتحريك واحد الأنهار ، وقوله تعالى : (فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ)(١) أى أنهار ، وقد يعبّر بالواحد عن الجمع كما قال تعالى : (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)(٢). وقيل : معناه فى ضياء وسعة.

ونهر الماء : إذا جرى فى الأرض وجعل لنفسه نهرا ، وكلّ كثير جرى فقد نهر واستنهر.

ونهره وانتهره (٣) : زبره وزجره ، قال الله تعالى : (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ)(٤) ، وفى الحديث : «من انتهر صاحب بدعة (٥) ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا ، وآمنه من الفزع الأكبر» ، قال الشاعر :

لا تنهرنّ غريبا طال غربته

فالدّهر يضربه بالذلّ والمحن (٦)

حسب الغريب من البلوى ندامته

فى فرقة الأهل والأحباب والوطن

وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ)(٧) أراد به نهر الأردنّ بالشام. قال تعالى : (فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ / غَيْرِ آسِنٍ)(٨) ، قيل : معناه عيون. وقوله تعالى : (وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً)(٩) ، أراد بها بساتين الدّنيا وأنهارها. وقوله : (جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)(١٠) أى تجرى تحت غرفها وعلاليها (١١) الأنهار. والله أعلم.

__________________

(١) الآية ٥٤ سورة القمر.

(٢) الآية ٤٥ سورة القمر.

(٣) فى ا : استنهره والتصويب من ب والقاموس.

(٤) الآية ١٠ سورة الضحى.

(٥) البدعة : الحدث وما ابتدع من الدين بعد الإكمال. والبدعة بدعتان : بدعة هدى وبدعة ضلال ، والمراد هنا ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة بخلاف بدعة الهدى فهى داخلة تحت عموم ما ندب إليه الله.

(٦) البيتان فى تاج العروس (نهر).

(٧) الآية ٢٤٩ سورة البقرة.

(٨) الآية ١٥ سورة محمد.

(٩) الآية ١٢ سورة نوح.

(١٠) الآية ٨ سورة البينة.

(١١) علاليها : جمع علية ، وهى الغرفة.

١٢٩

٥٦ ـ بصيرة فى نهى ونوب

نهاه ينهاه نهيا : ضدّ أمره ، فانتهى وتناهى ؛ وهو نهوّ (١) عن المنكر أمور بالمعروف.

والنّهية بالضمّ الاسم منه ، والنّهية أيضا والنّهاية والنّهاء مكسورتين : غاية الشىء. وانتهى الشىء وتناهى ، ونهّى (٢) تنهية بلغ نهايته.

والنّهى عن الشىء من حيث المعنى قد يكون بالقول ، وقد يكون بغيره ، وما كان بالقول لا فرق بين أن يكون بلفظة افعل كاجتنب ، أو بلفظة لا تفعل ، ومن حيث اللفظ هو قولهم : لا تفعل كذا ، فإذا قيل لا تفعل كذا فنهى من حيث اللفظ والمعنى جميعا ، نحو قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ)(٣). وأمّا قوله تعالى : (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى)(٤) فلم يرد أن يقول لنفسه لا تفعل كذا ، بل أراد ظلفها (٥) عن هواها وقمعها عن مشتهاها. وكذا النّهى عن المنكر يكون تارة باليد وتار باللّسان وتارة بالقلب. وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَيَنْهى عَنِ

__________________

(١) قياسه أن يقول نهى (بفتح النون وكسر الهاء مع تشديد الياء) لأن الواو والياء إذا اجتمعتا وسبقت الأولى بالسكون قلبت الواو ياء. ومثل هذا فى الشذوذ فتو (بضم الفاء والتاء وتشديد الواو) فى جمع فتى.

(٢) فى ا ، ب : تنهى والتصويب من القاموس.

(٣) الآيتان ٣٥ سورة البقرة ، ١٩ سورة الأعراف.

(٤) الآية ٤٠ سورة النازعات.

(٥) فى ا ، ب : طلقها ، وظلفها مصدر ظلف يقال : ظلفه عن الأمر يظلفه ظلفا : منعه.

١٣٠

الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)(١) ، أى يحث على فعل الخير ويزجر عن فعل الشرّ ، وذلك بعضه بالعقل الذى ركّبه (٢) فينا ، وبعضه بالشرع الذى شرعه لنا.

والانتهاء الانزجار عن ما نهى عنه ـ قال الله تعالى : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ)(٣).

والإنهاء فى الأصل إبلاغ النّهى ، ثم صار متعارفا فى كلّ إبلاغ. قالوا : أنهيت إلى فلان خبر كذا ، أى [بلّغت إليه (٤)] النهاية.

والنّهية : العقل وكذلك النّهى. والنّهى أيضا يكون جمع نهية ، قال الله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى)(٥) ، أى العقول. ورجل منهاة ، أى عاقل.

ونهو ككرم ، فهو نهىّ من أنهياء ، ونه من نهين ، ونه بالكسر على الاتباع ، أى متناهى العقل كامل الفطنة والكيس.

وطلب حاجته حتّى نهى عنها أو أنهى (٦) ، أى تركها ظفر بها أو لم يظفر.

النّوب : القرب ضدّ البعد. وناب عنّى ينوب نوبا ومنابا ، أى قام مقامى. ويقال : لا نوب بى ، أى لا قوّة بى. وخير نائب أى كثير.

والنّوب بالضم : النّحل ، جمع نائب ، مثل عائط (٧) وعوط ، وفاره وفره لأنّها ترعى وتنوب إلى مكانها. وقال الأصمعىّ : هى من النّوبة التى (٨) تنوب النّاس لوقت معروف. وقال أبو عبيدة : سمّيت نوبا لأنّها

__________________

(١) الآية ٩٠ سورة النحل.

(٢) فى ا ، ب : تركته تصحيف عما أثبتناه عن المفردات.

(٣) الآية ٣٨ سورة الأنفال.

(٤) ما بين القوسين تكملة من المفردات يقتضيها السياق.

(٥) الآيتان ٥٤ ، ١٢٨ سورة طه.

(٦) هذه عن ابن سيده. واقتصر الجوهرى على الأولى «نهى عنها».

(٧) العائط من النساء : التى لم تحمل سنين من غير عقر.

(٨) فى ا ، ب : أى ، وما أثبت عن اللسان والتاج.

١٣١

تضرب إلى السّواد ، يشير (١) إلى النّوب جنس من السّودان ، يعنى تشبيهها بهم ، قال أبو ذؤيب يصف مشتار (٢) العسل :

إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها

وخالفها فى بيت نوب عواسل (٣)

وأناب إلى الله : أقبل وتاب ، ورجع إليه بالتّوبة وإخلاص العمل ، قال تعالى : (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ)(٤) ، وقال تعالى : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ)(٥).

وانتاب القوم انتيابا : أتاهم مرّة بعد أخرى.

واستناب فلانا : جعله نائبه.

__________________

(١) فى ا ، ب : نثر والتصويب من السياق.

(٢) المشتار : الذى يجمع العسل من الخلية.

(٣) البيت فى اللسان (نوب) وفى شرح أشعار الهذليين ١٤٤.

لم يرج : لم يخف ولم يبال. وخالفها : جاء إلى عسلها وهى غائبة ترعى. عواسل : فى الهذليين : عوامل أى تعمل العسل وهى بمعنى عواسل.

(٤) الآيتان ٣١ ، ٣٣ سورة الروم.

(٥) الآية ٥٤ سورة الزمر.

١٣٢

٥٧ ـ بصيرة فى نور

النّور : الضّياء والسّناء الّذى يعين على الإبصار ، وذلك ضربان : دنيوىّ وأخروىّ ، فالدّنيوىّ ضربان : معقول بعين البصيرة وهو ما انتشر من الأنوار الإلهيّة كنور العقل ونور / القرآن ، ومحسوس بعين البصر وهو ما انتشر من الأجسام النيّرة كالقمرين والنّجوم [و] النيّرات (١). أنشد بعض المفسّرين :

ثلاثة أنوار تضىء من السّما

وفى سرّ قلبى مثلهنّ مصوّر

فأوّله بدر وثانيه كوكب

وثالثه شمس منير مدوّر

علومى نجوم القلب ، والعقل بدره (٢)

ومعرفة الرّحمن شمس منوّر

إمامى كتاب الله ، والبيت قبلتى

ودينى من الأديان أعلى وأفخر

شفيعى رسول الله ، والله غافر

ولا ربّ إلّا الله والله أكبر

فمن النّور الإلهىّ ، قوله تعالى : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ)(٣) ، وقوله : (نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ)(٤) ، أنشد بعضهم :

فى القلب نور ونور الحقّ يمدده

يا حبّذا نوره من واحد أحد

نور على النّور فى نور تنوّره

نور على النّور دلّال على الصّمد

إن رمت أوّله يهدى إلى أزل

أو رمت آخره يطوى على الأبد

__________________

(١) فى ا ، ب : النيران وما أثبت عن المفردات.

(٢) فى ا : بدؤه ، وما أثبت عن ب.

(٣) الآية ١٥ سورة المائدة.

(٤) الآية ٣٥ سورة النور.

١٣٣

ومن النّور المحسوس الّذى يرى بعين البصر نحو قوله : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً)(١). وتخصيص الشمس بالضّوء ، والقمر بالنّور من حيث إنّ الضّوء أخصّ من النّور ، وقوله : (وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً)(٢) أى ذا نور. وممّا هو عامّ فيهما قوله : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ)(٣) ، (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها)(٤). ومن النّور الأخروىّ قوله : (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ)(٥).

وسمّى الله نفسه نورا من حيث إنّه المنوّر فقال : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٦) ، وتسميته تعالى بذلك لمبالغة فعله ، وقيل : النّور هو الذى يبصر بنوره ذو العماية ويرشد بهداه ذو الغواية ، وقيل : هو الظاهر الذى به كلّ ظهور ، فالظّاهر فى نفسه المظهر لغيره يسمّى نورا. وسئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هل رأيت ربّك؟ فقال : «نور أنّى أراه»! أى هو نور كيف أراه! وسئل عنه (٧) الإمام أحمد فقال : ما زلت (٨) منكرا له ، وما أدرى ما وجهه. وقال ابن خزيمة : فى القلب من صحّة هذا الحديث شىء.

وقال بعض أهل الحكمة : النّور جسم وعرض ، والله تعالى ليس بجسم ولا عرض ، وإنما حجابه النّور ، وكذا روى فى حديث أبى موسى ، والمعنى كيف أرى وحجابه النّور! أى النّور يمنع من رؤيته. وفى الحديث :

__________________

(١) الآية ٥ سورة يونس.

(٢) الآية ٦١ سورة الفرقان.

(٣) الآية ١ سورة الأنعام.

(٤) الآية ٦٩ سورة الزمر.

(٥) الآية ١٢ سورة الحديد.

(٦) الآية ٣٥ سورة النور.

(٧) عنه : أى عن الحديث المذكور.

(٨) فى النهاية : ما رأيت.

١٣٤

«اللهمّ اجعل فى قلبى نورا (١)» وذكر سائر الأعضاء ، والمعنى : استعمل هذه الأعضاء منّى فى الحقّ ، واجعل تصرّفى وتقلّبى فيها على سبيل الصّواب والخير.

وقوله تعالى : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ)(٢) يعنى سيّد المرسلين محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ)(٣) أى القرآن ، (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ)(٤) قيل : أى الليل والنّهار. وقوله : (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ)(٥) يعنى به الإسلام. وقوله (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ)(٦) : وقوله (رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا)(٧) المراد به نور العناية والنّار تقال للهيب الذى يبدو للحاسّة نحو قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ)(٨) ، وللحرارة المجرّدة ؛ ولنار جهنّم المذكورة فى قوله تعالى : (النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٩) : وفى حديث شجر جهنم (١٠) : «فتعلوهم نار الأنيار» يحتمل أن يكون معناه نار النّيران فجمع النار على أنيار وأصلها أنوار / كما جاء فى ريح وعيد رياح وأعياد ، وأصلهما واو. ولنار الحرب المذكورة فى قوله تعالى : (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا

__________________

(١) رواه أحمد فى مسنده والبخارى ومسلم والنسائى عن ابن عباس كما فى الفتح الكبير.

(٢) الآية ١٥ سورة المائدة.

(٣) الآية ١٥٧ سورة الأعراف.

(٤) صدر سورة الأنعام.

(٥) الآية ٨ سورة الصف.

(٦) الآية ١٣ سورة الحديد.

(٧) الآية ٨ سورة التحريم.

(٨) الآية ٧١ سورة الواقعة.

(٩) الآية ٧٢ سورة الحج.

(١٠) فى ا ، ب : وفى الحديث تسجر جهنم فتعلوهم والتصويب من اللسان والنهاية ، وقال ابن الأثير : لم أجده مشروحا ولكن هكذا روى فان صحت الرواية فيحتمل أن يكون معناه ... الخ.

١٣٥

اللهِ)(١).

وقال بعضهم : النّار والنّور من أصل واحد ، وهما كثيرا ما يتلازمان ، لكنّ النّار متاع للمقوين (٢) فى الدّنيا ، والنّور متاع للمتّقين (٣) فى الدّنيا والآخرة ، ولأجل ذلك استعمل فى النّور الاقتباس ، فقال : (نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ)(٤).

وتنوّرت نارا : أبصرتها.

__________________

(١) الآية ٦٤ سورة المائدة.

(٢) المقوى : الذى ينزل القفر ، أو الذى خلت بطنه ومزادته من الطعام.

(٣) فى المفردات : والنور متاع لهم فى الآخرة وعلى هذا فالضمير فى لهم يعود على المقوين.

(٤) فى الآية ١٣ سورة الحديد.

١٣٦

٥٨ ـ بصيرة فى نوش ونوص

النّوش : التّناول. قال ابن السكّيت : إذا تناول رجلا برأسه ولحيته قيل : ناشه ينوشه نوشا. قال غيلان (١) :

باتت تنوش الحوض نوشا من علا

نوشا به تقطع أجواز الفلا

أى تتناول ماء الحوض من فوق وتشرب شربا كثيرا ، وتقطع بذلك الشرب فلوات فلا تحتاج إلى ماء آخر.

وناشت الإبل : أسرعت : النهوض. وناش : طلب. وناش : مشى. وتناوش : تناول ، قال الله تعالى : (وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ)(٢) أى كيف لهم تناول ما بعد منهم وهو الإيمان وقد كان قريبا فى الحياة فضيّعوه.

وقال ابن عبّاد : التّناوش فى الآية الكريمة الرّجوع. والانتياش : التّناول أيضا. قال :

باتت تنوش العنق انتياشا (٣)

والمنتاش : المستخرج قال :

أرضا بأرض ومنتاشا بمنتاش

وانتاشه من المهالك : أخرجه منها.

النّوص : التأخّر. والنّوص : مصدر نصت الشىء أنوصه نوصا :

__________________

(١) غيلان : هو غيلان بن حريث الربعى كما فى اللسان والتاج.

(٢) الآية ٥٢ سورة سبأ.

(٣) المشطور فى اللسان نوش. والعنق : ضرب من السير.

١٣٧

إذا طلبته (١) لتدركه. وقيل : ناصنى نوصا ، أى تنحّى عنّى وفارقنى. وناصوا نوصا ومناصا ونويصا ونياصة ونوصانا : إذا تحرّكوا.

وأصل نياصة نواصة صارت الواو ياء لانكسار ما قبلها.

والمناص أيضا : المفرّ والملجأ ، قال الله تعالى : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ)(٢) والألف فى مناص محوّلة عن الواو.

__________________

(١) فى اللسان : ناصه ليدركه : حركه ، وفى التاج عن ابن دريد : ونصت الشىء أنوصه نوصا : طلبته.

(٢) الآية ٣ سورة ص.

١٣٨

٥٨ ـ بصيرة فى نوس ونوص

النّاس ، قيل أصله من ناس ينوس : إذا اضطرب ، وتصغيره على هذا نويس. وقيل : أصله أناس فحذف فاؤه لمّا أدخل عليه الألف واللام. وقيل (١) من نسى ، وأصله إنسيان على افعلان.

وقوله : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ، [قد يراد بالناس الفضلاء دون من يتناوله اسم الناس (٢)] تجوّزا ، وذلك إذا اعتبر معنى الإنسانيّة وهو وجود العقل (٣) والذكر وسائر القوى (٤) المختصّة به ، فإنّ كلّ شىء عدم فعله المختصّ به لا يكاد يستحقّ اسمه ، كاليد فإنّها إذا عدمت فعلها الخاصّ بها فإطلاق اليد عليها كإطلاقها على يد السرير ورجله.

وقوله تعالى : (آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ)(٥) أى كما يفعل من وجد فيه معنى الإنسانية ، ولم يقصد بالإنسان عينا بل قصد المعنى ، وكذا قوله : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ)(٦) أى من وجد فيه معنى الإنسانيّة أىّ إنسان كان. وربّما قصد به النّوع كما هو (٧) وعلى هذا قوله : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ)(٨).

__________________

(١) فى المفردات : وقيل قلب من نسى. وفى التاج : وقيل أصل الناس الناسى. قال تعالى (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) بالرفع والجر ، الجر اشارة إلى أصله إشارة إلى عهد آدم حيث قال (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) وقال الشاعر :

وسميت إنسانا لأنك ناسى

(٢) ما بين القوسين تكملة من المفردات لا يستقيم المعنى إلا بها.

(٣) فى المفردات : الفضل.

(٤) فى المفردات : المعانى.

(٥) الآية ١٣ سورة البقرة.

(٦) الآية ٥٤ سورة النساء.

(٧) فى ا ، ب هم وما أثبت عن المفردات.

(٨) الآيتان ٢٥١ سورة البقرة ، ٤٠ سورة الحج.

١٣٩

قال ابن عبّاس رضى الله عنهما : آدم إنّما سمّى إنسانا لأنّه عهد إليه فنسى. والأناس لغة فى النّاس. وهو الأصل ، قال ذو جدن (١) :

إنّ المنايا يطّلع

ن على الأناس الآمنينا (٢)

فيدعنهم شتّى وقد

كانوا جميعا وافرينا

وكلّ اثنين من الإنسان مثل السّاعدين والزّندين والقدمين ، فما / أقبل منهما على الإنسان فهو إنسىّ ، وما أدبر عنه فهو وحشىّ.

والإنسان (٣) : الأنملة قال :

أشارت لإنسان بإنسان كفّها

لتقتل إنسانا بإنسان عينها (٤)

والإنسان أيضا : ظلّ الإنسان. والإنسان : رأس الجبل. والأرض التى لم تزرع.

وجارية آنسة : إذا كانت طيّبة النّفس تحبّ قربك وحديثك ، قال الكميت :

فيهنّ آنسة الحديث خريدة

ليست بفاحشة ولا متفال (٥)

النّوم (٦) : النّعاس أو الرّقاد كالنّيام ، والاسم : النّيمة بالكسر ، وهو نائم ، ونؤوم ، ونوم ، ونومة ، والجمع : نيام ، ونوّم (٧) ، ونيّم (٨) ،

__________________

(١) ذو جدن : هو علس بن يشرح بن الحارث بن صيفى جد بلقيس وهو أول من غنى باليمن (قاموس).

(٢) البيت الأول فى اللسان والتاج (أنس) وفيه برواية الأناس الآنسينا.

(٣) وردت المعانى الآتية فى مادة (أنس) من القاموس وكذا اللسان.

(٤) البيت فى اللسان والتاج (أنس) بدون عزو.

(٥) اللسان والتاج (أنس).

آنسة الحديث : تأنس حديثك ولم يرد أنها تؤنسه لأنه لو أراد ذلك لقال مؤنسة ـ المتفال : المنتنة الريح لتركها الطيب.

(٦) وقد ورد فى القرآن الكريم فى الآيات ٢٥٥ سورة البقرة (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) و ٤٧ سورة الفرقان (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً) و ٩ سورة النبأ (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً).

(٧) نوم كركع بالواو على الأصل.

(٨) نيم على اللفظ قلبوا الواو ياء لقربها من الطرف.

١٤٠