أشهد أنّ عليّاً وليّ الله بين الشرعيّة والابتداع

السيد علي الشهرستاني

أشهد أنّ عليّاً وليّ الله بين الشرعيّة والابتداع

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة المؤمل الثقافية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

أمّا ابنه الشيخ محمّد بن محمّد كريم خان ( ت ١٣٢٤ هـ ) فقد ذهب إلى الجزئية ، فقال في رسالته باللغة الفارسية « الوجيزة في الأحكام الفقهية » :

فصول الأذان أن تقول الله أكبر أربع مرّات ، وأشهد أن لا إله إلّا الله مرتين ، وأشهد أن محمّداً رسول الله مرّتين ، وأشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين ولي الله مرّتين ، حيّ على الصلاة مرتين ، حيّ على الفلاح مرتين ، حيّ على خير العمل مرتين ، والإقامة مثلها إلّا أن تقول في أوّلها التكبير مرتين وفي آخرها لا إله إلّا الله مرة واحدة (١) .

أمّا زين العابدين بن محمّد كريم خان ( ت ١٣٦٠ هـ ) فقد كتب رسالته العملية بعد وفاة أخيه محمّد ، واسمها « الموجز في أحكام الطهارة والصلاة والصوم والاعتكاف والخمس والزكاة » والذي طبع في مطبعة السعادة ببلدة كرمان سنة ١٣٥٠ هـ ، جاء فيها :

فصل في كيفية الأذان : الأخبارُ في فصول الأذان والإقامة مختلفة ، والكلّ موسّع ، إلّا أنّ المشهور أنّها خمسة وثلاثون ، ففي الأذان أربع تكبيرات ، ثمّ أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، حيّ على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على خير العمل ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله كلها مثنى مثنى فهي ثمانية عشر ، وفي الإقامة سبعة عشر بنقص تكبيرتين من الأوّل وتهليلة من الآخر ، وزيادة « قد قامت الصلاة » مرّتين قبل التكبيرتين الأخيرتين .

روى عن أبي سلمان (٢) راعي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ليلةَ أُسري بي إلى السماء قال لي الجليل جل جلاله . . وساق الحديث

__________________

(١) الوجيزة في الأحكام الفقهية : ٧٥ ، لمحمّد بن محمّد كريم خان طبعة حجرية لم يذكر فيها تاريخ الطبع والمطبعة التي طبعتها إلّا أن في آخرها : وقد حصل الفراغ من تسويدها قبل الظهر يوم الخميس ثالث عشر من شهر شعبان ١٢٩٧ هـ .

(٢) كذا في المطبوع ، والصواب « أبي سلمى » . انظر قاموس الرجال ١١ : ٣٥٤ وتقريب التهذيب ٢ : ٤٠٩ .

٤٦١
 &

إلى أن قال : ثمّ اطلعت الثانية فاخترت منها علياً ، وشققت له اسما من أسمائي ، فلا أُذْكَرُ في موضع إلّا ذُكِرَ معي ، فأنا الأعلى وهو عليّ عليه‌السلام الحديث .

وعن القاسم بن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث ذكر فيه أنّ الله عزّ وجلّ لمّا خلق العرش كتب على قوائمه « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام » وكذا على الماء والكرسي واللوح وإسرافيل وجبرئيل والسماوات والأرضين والجبال والشمس والقمر ، إلى ان قال : فإذا قال أحدكم : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فليقل : عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام .

أقول : فذكرُ عليٍّ أمير المؤمنين عليه‌السلام بنفسه مستحبّ مندوبٌ إليه أينما ذكر التوحيد والرسالة ، ولا نحكم بأنّه من أجزاء الأذان ، ونفى المجلسي رحمه‌الله والمحدث البحراني البعد من أن يكون من الأجزاء المستحبة للأذان ؛ لشهادة الشيخ والعلّامة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها ، وقال شيخ الجواهر : لولا تسالم الأصحاب لأمكن دعوى الجزئية ، وعن العلّامة الطباطبائي في منظومته عند ذكر سنن الأذان وآدابه :

وأكمل الشهادتين بالّتي

قد أُكمل الدين بها في الملّةِ (١)

وقال الشيخ الميرزا حسن الأسكوئي في « أحكام الشيعة » : فصول الأذان ثمانية عشر ومع الشهادتين عشرون . . إلى أن يقول : الشهادة الثالثة وهي « أشهد أن عليّاً أمير المؤمنين ولي الله » ولو أنّها ظاهراً ليست من فصول الأذان والإقامة وأجزائهما ولكنّها ركن الإيمان وكمال الدين ورمز التشيع فلا ينبغي تركها بنيّة الزينة والاستحباب .

بل أقول كما قال صاحب الجواهر في جواهره : لولا تسالم الأصحاب لأمكن

__________________

(١) الموجز : ١٧٤ ـ ١٧٥ .

٤٦٢
 &

ادّعاء جزئيتها بناءً على صلاحية العموم في مشروعية الخصوص . لقول أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام المروي عن قاسم في احتجاج الطبرسي « إذا قال أحدكم : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، فليقل : علي أمير المؤمنين » وغيره من الأخبار .

وقال المرحوم أخي المعظم في رسالته العملية « منهاج الشيعة » : ولولا الاتّفاق على عدم جزئيّتها لأمكن القول بها لعموم بعض الأخبار « من قال محمّد رسول الله فليقل علي ولي الله » . . . كما أنه من قال : لا إله إلّا الله ، فليقل : محمّد رسول الله ، بل اسم عليّ عليه‌السلام توأم مع اسم أخيه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كلّما يذكر اسمه أو يكتب في الألواح ، والأشباح ، والسماوات ، والأرضين ، بل والدنيا والآخرة ، فاسم أخيه وابن عمه وصهره علي عليه‌السلام مذكور ومكتوب معه . . . كما في الاحتجاج عن القاسم بن معاوية ابن عمار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : هؤلاء يروون حديثاً في معراجهم أنّه لمّا أسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى على العرش : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله أبو بكر الصديق ، فقال عليه‌السلام سبحان الله ! ! غيّروا كل شيء حتى هذا ؟ ! قلت نعم . . . إلى آخر الخبر (١) .

وعليه فالمشهور بين الإمامية بجميع أطيافها وتشعبّاتها هو حرمة الإتيان بها بقصد الجزئية ، وجواز ما عدا ذلك .

__________________

(١) أحكام الشيعة ٢ : ٣٤ .

٤٦٣
 &

أشهد أنّ عليّا ً وليّ الله بين الشرعيّة والابتداع

٤٦٤
 &

أشهد أنّ عليّا ً وليّ الله بين الشرعيّة والابتداع

٤٦٥
 &

أشهد أنّ عليّا ً وليّ الله بين الشرعيّة والابتداع

٤٦٦
 &



يقع الكلام في هذا الفصل في عدة مراحل :

الأولى : توضيح معنى الشّعاريّة لغة واصطلاحاً وبيان بعض تطبيقاتها .

الثانية : وجوب الحفاظ على الشعائر ، لأنّها طاعة لله ولرسوله ، ولأَولي الأمر المفروض علينا طاعتهم .

الثالثة : كون ولاية علي من الشّعائر الإيمانية .

الرابعة : كيفية ذكر هذه الشعيرة في الأمور العبادية ومنها الأذان .

فالشعار والشعيرة والشعائر لغةً بمعنى العلامَةِ ، وهي كُلُّ ما اُشعر إلى البيت أو المسجد أو الطريق ، ولكلِّ ما جُعِل علماً لطاعة الله ، قال الخليل : ومنه ليت شعري ، أي عِلْمِي ، وما يشعرك وما يدريك . ومنهم من يقول : شَعَرْتُهُ : عقلته وفهمته (١) .

وقال الجوهرى : . . . والمشاعر الحواسّ ، والشعار : ما وَلِيَ الجسدَ من الثياب ، وشعار القوم في الحرب : علامتهم ليعرف بعضهم بعضا (٢) .

وقال الفيروزآبادي : وأشعره الأمر وبه أعلمه ، وأشعرها : جعل لها شعيرة ، وشعار الحجّ : مناسكه وعلاماته ، والشعيرة والشعارة والمشعر : معظمها ، أو شعائره : معالمه التي ندب الله إليها وأمر بالقيام بها (٣) .

__________________

(١) العين ١ : ٢٥١ : مادة : شعر .

(٢) الصحاح ٢ : ٦٩٩ ، مادة : شعر .

(٣) القاموس المحيط ١ : ٥٣٤ .

٤٦٧
 &

وقال ابن فارس : الشعار : الذي يتنادى به القوم في الحرب ليعرف بعضهم بعضاً ، والاصل قولهم شَعَرت بالشيء ، إذا علمته وفطنت له (١) .

وشرعاً : ما يؤدّى من العبادات على سبيل الاشتهار بحيث يكون علامة لطاعة الله وإعلاماً لدينه . « وهي ماخوذة من الاشعار وهي الاعلام من جهة الاحساس ومنه مشاعر البدن وهي الحواس ، والمشاعر أيضاً هي المواضع التي قد اشعرت بالعلامات » (٢) .

« وشعائر الله يُعني بها هي جميع متعبّدات الله التي أشعرها الله ، أي جعلها أعلاماً لنا ، وهي كلّ ما كان من موقف أو مسعى أو مذبح ، وإنما قيل : شعائر الله ، لكلّ عَلَم تعبد به ، لأنّ قولهم : شعرت به ، علمته ، فلهذا سمّيت الأعلام التي هي متعبّدات للهِ شعائر » (٣) ، وقال الحسن : شعائر الله دين الله تعالى (٤) .

وهذه الشعائر بعضها منصوصة في الذكر الحكيم كالبُدْن (٥) ، والصفا والمروة (٦) والمشعر (٧) ، وأخرى موجودة كقواعد كلية في الذكر الحكيم وكلام سيّد المرسلين وأولاده المعصومين ، كالحبّ لله والبعض لله ، والحبّ في الله والبغض في الله ، وجاءت في مواطن عديدة وعلى لسان الشارع المقدس بحيث يستفاد منها هذه

__________________

(١) مقاييس اللغة ٣ : ١٩٤ .

(٢) أحكام القرآن للجصاص ٢ : ٢٩٩ .

(٣) التهذيب ، للأزهري ١ : ٢٦٦ .

(٤) عمدة القارئ ٩ : ٢٨٥ .

(٥) ( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ) ( الحج : ٣٦ ) .

(٦) ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) ( البقرة : ١٥٨ ) .

(٧) ( فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ) ( البقرة : ١٩٨ ) .

٤٦٨
 &

الكلية ومن تلك المواضيع الاشهاد بالولاية لعلي بن أبي طالب ، مصداقاً لقول الصادق عليه‌السلام : رحم الله من أحيا أمرنا (١) .

وعليه فالبحث في الشعائر ، تارة يكون عن شعائر الإسلام ، وأُخرى عن شعائر الإيمان .

إذن الشعار لغة : العلامة المميزة لكل دين أو طائفة أو معتقد ، بل لكل حزب وشريحة اجتماعية أو وطنية ، ولاجل هذا نرى لكل دولة ، ومؤسسة ثقافية ، أو اجتماعية ، أو خيرية ، أو وطنية شعاراً خاصاً بها يحمل هويتها ويميزها عن غيرها ، وقد يلحظ هذا داخل الدين الواحد أو الحزب الواحد أو المؤسسة الواحدة .

فهنا سؤال يطرح نفسه : هل الإسلام غير التشيع والتشيع غير الإسلام ، فما يعني التفريق بين الامرين والقول هذا من شعائر الايمان وذاك من شعائر الإسلام ؟

الجواب :

كلا ، التشيع هو الإسلام الصحيح الناصع ، وشعارنا هو شعار الإسلام ، لكن القوم اردوا تحريفه بغضاً لعلي الذي جعله الله علماً لهذا الدين ، وان دعوتنا ـ بل دعوة رب العالمين ـ الزمتنا إلى أن نميز انفسنا عن الذين حرفوا هذا الدين ، بدعوى أنّهم خلفاء الرسول والامناء على الشريعة والأمة .

فعن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : أتدري لم أُمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة ؟ فقلت : لا أدري فقال : إن علياً لم يكن يدين الله بدين إلّا خالفت عليه الأمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره ، وكانوا يسألون أمير المؤمنين عن الشيء الذي لا يعلمونه ، فإذا افتاهم ، جعلوا له ضداً من عندهم ، ليلبسوا على الناس (٢) .

__________________

(١) قرب الإسناد : ٣٦ / ح ١١٧ ، اختصاص المفيد : ٢٩ ، أمالي الطوسي : ١٣٥ / ح ٢١٨ .

(٢) علل الشرائع : ٥٣١ / ١ وعنه في وسائل الشيعة ٢٧ : ١١٦ .

٤٦٩
 &

وعن الباقر عليه‌السلام : الحكم حكمان حكم الله عزّ وجلّ وحكم أهل الجاهلية ، وقد قال الله عزّ وجلّ : ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) وأشهد على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية (١) .

وعن محمّد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر [ الباقر ] يقول : ليس عند أحد من الناس حق ولا صواب ولا أحد من الناس يقضي بقضاء حق إلّا ما خرج من عندنا أهل البيت ، وإذا تشعبت بهم الأمور كان الخطا منهم والصواب من علي (٢) .

بلى إن القوم سعوا إلى تحريف كل ما يمت إلى علي وآله بصلة ، فحذف عمر الحيعلة الثالثة ، وادّعوا أن تشريع الأذان كان منامياً لا سماوياً للتشكيك فيما نقل به من مشاهدات لرسول الله عند الاسراء والمعراج ، وقالوا بأن اسم أبي بكر موجود على ساق العرش بدل اسم الإمام علي ، كل هذه التحريفات والاحقاد دعتنا للاصرار على ما حذفوه ، والاتيان بكل ما يمت إلى الدين بصلة .

ومن ذلك أنّهم جعلوا شعارهم لختمة القران : « صدق الله العظيم » حصراً دون غيره ، متناسين ما قاله الله عن نفسه ( لَهُ مَا فِي السَّماوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (٣) وقوله تعالى : ( وَلاَ يَؤُدُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (٤) كل ذلك بغضاً لعلي ، أو اعتقاداً منهم بأن الشيعة تعتقد بالوهية الإمام علي بن أبي طالب إلى غيرها من الترهات ، مع أن جملة ( العلي العظيم ) موسعة على المسلم وواردة في الذكر الحكيم رفضوها بغضاً له عليه‌السلام ليس إلّا ، وإليك الآن بعض النصوص على ترك العامّة للسنة النبوية مخالفة لعلي ولنهجه :

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٠٧ / ح ١ التهذيب ٦ : ٢١٧ / ح ٥١٢ ، وعنهما في وسائل الشيعة ٢٧ : ٢٣ .

(٢) الكافي ١ : ٣٩٩ / ح ١ ، وعنه في وسائل الشيعة ٢٧ : ٦٨ .

(٣) الشورى : ٤ .

(٤) البقرة : ٢٥٥ .

٤٧٠
 &

عن سعيد بن جبير ، قال : كنت مع ابن عباس بعرفات فقال لي : ما لي لا اسمع الناس يلبون ؟

قلت : يخافون من معاوية .

فخرج ابن عباس من فسطاطه ، فقال : لبيك اللهم لبيك لبيك فإنهم تركوا السنة من بغض علي (١) .

وقال الإمام الرازي في تفسيره : أن علياً كان يبالغ في الجهر بالتسمية في الصلاة ، فلما وصلت الدولة إلى بني امية بالغوا في المنع من الجهر ، سعياً في إبطال آثار علي (٢) .

قال ابن أبي هريرة : أن الجهر بالتسمية [ أي البسملة ] إذا صار في موضع شعاراً للشيعة فالمستحب هو الاسرار بها ، مخالفة لهم (٣) .

قال المناوي ـ عند شرحه خطبة السيوطي في الجامع الصغير والتي فيها الصلاة على محمّد وعلى آل محمّد ـ : قلت : نعم ، وهي الإشارة إلى مخالفة الرافضة والشيعة ؛ فإنّهم مطبقون على كراهة الفصل بين النبي وآله بلفظ « على » وينقلون في ذلك حديثاً . . . (٤) .

وقال ابن حجر في فتح الباري : وتكره الصلاة في غير الأنبياء لشخص مفرد بحيث يصير شعاراً كما يفعله الرافضة ، فلو اتفق وقوع ذلك مفرداً في بعض الأحايين من غير أن يكون شعاراً فلا بأس به (٥) .

__________________

(١) سنن النسائي ( المجتبى ) ٥ : ٢٥٣ / ح ٣٠٠٦ ، وهو في صحيح بن خزيمة ٤ : ٢٦٠ / ح ٢٨٣٠ ، وفي مستدرك الحاكم ١ : ٦٣٦ / ح ١٧٠٦ ، قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .

(٢) تفسير الرازي ١ : ٢٠٦ .

(٣) فتح العزير ٥ : ٢٣٣ ـ ٢٣٤ .

(٤) فيض القدير ١ : ٢٤ .

(٥) فتح الباري ١١ : ١٤٦ .

٤٧١
 &

وقال ابن أبي هريرة أيضاً : الأفضل الآن العدول من التسطيح في القبور إلى التسنيم ؛ لأنّ التسطيح صار شعاراً للروافض ، فالأولى مخالفتهم وصيانة الميت وأهله عن الاتهام بالبدعة (١) .

ونقل الميرداماد في تعليقاته على الكشي عن بعض شراح صحيح مسلم قوله : إنّما ترك القول بالتكبيرات الخمس في صلاة الميت إلى القول بالأربع ؛ لأنّه صار علماً للتشيع (٢) .

وقال ابن أبي هريرة : ويستحب ترك القنوت في صلاة الصبح ؛ لأنّه صار شعار قوم من المبتدعة ؛ إذ الاشتغال به تعريض النفس للتهمة (٣) .

وفي شرح الزرقاني على المواهب اللدنية : لما صار إرخاء العذبة من الجانب الايمن شعاراً للإمامية فينبغي تجنبه (٤) .

وقال الغزالي : تسطيح القبور عند الشافعي أفضل من تسنيمها ، لكن التسنيم الآن أفضل مخالفة لشعار الروافض ، حتى ظن ظانون إن القنوت إن صار شعاراً لهم كان الأولى تركه ، هذا بعيد في إبعاض الصلاة ، وإنما نخالفهم في هيئات مثل التختم في اليمين وأمثاله (٥) .

وقال الحلواني عن صدر الإسلام : وجب التحرز عن التختم باليمين لأنه من شعار الروافض (٦) .

وقال الشربيني لبس الخاتم سنة سواء أكان في اليمين أم في اليسار ، لكن اليمين

__________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٢٣١ ـ ٢٣٢ .

(٢) رجال الكشي ١ : ١٦٧ .

(٣) فتح العزيز ٣ : ٤٣٥ .

(٤) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ٥ : ١٣ .

(٥) الوسيط ٢ : ٣٨٩ .

(٦) كشف الاسرار ٤ : ٥٥ .

٤٧٢
 &

أفضل على الصحيح ، وقيل اليسار أفضل لان اليمين صار شعاراً للروافض (١) .

هذه بعض النماذج المميزة لنهج التعبد المحض عن نهج الاجتهاد والراي (٢) ذكرناها كي يعرف القارئ أن ما نقوله ليس إدعاءً طائفياً بل بياناً لحقيقة تاريخية ثابتة ، وهو الاخر توضيح لما قاله الأئمة من أهل البيت في لزوم ترك مرويات العامة ، لان الرشد في خلافهم (٣) .

وعليه فشعائر الإيمان هو ما يعتبر شاخصاً ومميزاً للمؤمن عن غيره ، وهذا ما يطلبه كل مسلم خصوصاً في المسائل الخلافية والحاكيه عن العقائد الحقة .

أمّا شعائر الإسلام فهي متعبدات الله ، وهي كل ما نصبه الله للعبادة كالصفا والمروة .

إذن بيان شعائر الإيمان يرتبط بنحو وآخر بعلم الكلام والعقائد ، وهو يبحث في الفقه الكلامي .

أمّا شعائر الإسلام فهو ما يبحث في الفقه الخاص بكل مذهب وتدور مدار الفروع وما يترتّب عليها من أحكام عبادية .

وقد خلط بعض الكتاب بين الأمرين ، فبحثوا ما هو أمر اعتقادي إيماني في أمر أذانيّ شرعيّ ، واتخذوه كدليل مستقل لاثبات جزئية الشهادة الثالثة في الأذان مثلاً ، وهذا غير صحيح . نعم ان تلك النصوص لها دلالة على المحبوبية والشعارية فقط .

ومثال شعائر الإسلام : الفرائض والسنن الشرعيّة ، كالصّلاة ، والصّوم ، ودفع الزّكاة ، وأداء الحج ، وأمثال ذلك .

ومثال شعائر الإيمان : كأصول العقائد الأساس من قبيل ما يتعلّق بالاعتقاد

__________________

(١) مغني المحتاج ١ : ٣٩٢ .

(٢) وضحنا آفاق هذين النهجين في كتابنا ( منع تدوين الحديث ) فراجع .

(٣) انظر احاديث الباب ٩ من كتاب القضاء في وسائل الشيعة ٢٧ : ١١٨ .

٤٧٣
 &

بالإمامة ـ عندنا ـ وما يستتبعها من الطّاعة للمعصوم ، بل كلّ أمر حَبَّذَهُ الشارع ودعا إليه ، مثل : الجهر بالبسملة في الفرائض ، والصلاة إحدى وخمسين ، والتختّم باليمين ، وتعفير الجبين ، وزيارة الأربعين ، وهي الخمس اللاتي عُدَّت من علامات المؤمن (١) ، وكذا المسح على القدمين وعدم جواز غسلهما ، وعدم الاتّقاء في المسح على الخفين (٢) ، والقول بجواز المتعتين (٣) والقول بحرمة الفقّاع (٤) ، وجعل يوم الغدير ـ وهو الثامن عشر من ذي الحجة ـ عيداً (٥) ، وجعل يوم عاشوراء يوم حزن (٦) ، إلى غيرها من الأمور التي تختص بها الشيعة الإمامية .

وقد اعتبرت العامة صلاة التراويح جماعة (٧) ، وتسنيم القبور (٨) ، والتختم باليسار (٩) ، من شعائر الإيمان والإسلام .

ولا يخفى عليك بأنّ الشعائر ممّا يجب الحفاظ عليها وإقامتها ، لقوله تعالى : ( لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ ) ومثله الحج ؛ لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللهِ ، وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلاَئِدَ وَلاَ ءَآمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ) ، ولقوله تعالى : ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْ تُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِر يَأَتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ

__________________

(١) انظر : تهذيب الطوسي ٦ : ٥٢ / ح ١٢٢ .

(٢) الكافي ٣ : ٣٢ / باب مسح الخفّ / ح ٢ .

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٤٥٩ / باب المتعة / ح ٤٥٨٣ ، وسائل الشيعة ١٦ : ٢١٦ / ح ٢١٣٩٦ .

(٤) الكافي : ٤١٥ / باب من اضطر إلى الخمر للدواء أو للعطش أو للتقية / ح ١٢ .

(٥) اقبال الاعمال ٢ : ٢٧٩ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٢٧٦ / ح ٦٨٤١ .

(٦) مسار الشيعة : ٤٣ ، الحدائق الناظرة ٧ : ١١٨ وارشاد العباد إلى استحباب لبس السواد : ٢٩ .

(٧) انظر نيل الأوطار ٣ : ٦٠ / باب صلاة التراويح ، وانظر أيضاً شرح النووي على مسلم ٦ : ٣٩ / ٧٥٠ .

(٨) اقتضاء الصراط ، لابن تيمية : ١٣٦ ، ١٣٨ ، منهاج السنة النبوية ٤ : ١٣٦ .

(٩) منهاج السنة النبوية ٤ : ١٣٧ ، الشمائل الشريفة : ٢٧٨ .

٤٧٤
 &

عَمِيق ) إلى قوله تعالى ( ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ) لأنّ الدين لا يزال قائماً ما قامت الكعبة (١) .

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام قوله : أَما إنَّ الناس لو تركوا حجّ هذا البيت لنزل بهم العذاب وما نوظِرُوأ (٢) .

وقد أفرد الحرُّ العامليُّ في وسائل الشيعة باباً تحت عنوان « وجوب إجبار الوالي الناس على الحجّ وزيارة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والإقامة بالحرمين كفايةً ، ووجوب الإنفاق عليهم من بيت المال إن لم يكن لهم مال » (٣) .

وقد قال الشيخ البهائي (٤) من الشيعة ، والعيني (٥) من العامة ، وغيرهما (٦) : إنّ أهل بلدة إذا اجتمعوا على ترك الأذان فإنّ الإمام يقاتلهم ، وجاء في صحيح مسلم والبخاري ان رسول الله كان يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الأذان فإذا سمع اذاناً امسك وإلّا أغار (٧) وكذلك كلّ شيء من شعائر الإسلام ، كلُّ ذلك لأنّها شعائر يجب الحفاظ عليها .

والأذان والإقامة ـ حسب النصّ السابق ـ هما من شعائر الله ، وممّا يجب الحفاظ عليهما بأيّ شكل من الأشكال (٨) ، لكنّ الكلام في مطلوبية الإتيان بالشهادة الثالثة

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٧١ / باب انه لو ترك الناس الحجّ لجاءهم العذاب / ح ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٤٣ / ح ٢٣٠٧ .

(٢) علل الشرائع ٢ : ٥٢٢ / الباب ٢٩٨ / ح ٤ .

(٣) وسائل الشيعة ١١ : ٢٣ / الباب الخامس .

(٤) انظر الحبل المتين : ١٣٣ .

(٥) عمدة القارئ ١ : ١٨٢ .

(٦) الاستذكار ١ : ٣٧١ ، ٥ : ٢٧ ، التمهيد ١٣ : ٢٧٧ ، ٢٧٩ ، ٢٨٠ .

(٧) صحيح البخاري ١ : ٢٢١ / باب ما يحقن بالأذان من الدماء ، صحيح مسلم ١ : ٢٨٨ ، شرح النووي على مسلم ٤ : ٨٤ ، فتح البارئ ٢ : ٩٠ ، مصنف ابن أبي شيبة ٦ : ٤٧٧ ، مسند أحمد ٣ : ٤٤٨ ، نيل الاوطار ٨ : ٦٩ ، تحفة الاحوذي ٥ : ٢٠٣ .

(٨) انظر في ذلك تحفة الاحوذي ٥ : ٢٠٣ ، النبوات ١ : ١٩٧ .

٤٧٥
 &

أو جوازه فيها من باب الشعارية في هذه الأعصار ، هل يجوز ذلك أم لا ؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من توضيح المرحلة الثالثة من مراحل البحث ، وهو كون ولاية الإمام علي من أهمّ الشعائر الدينية ، وأنّ القوم سعوا لطمس ذكره وذكر آله حقداً وحسداً وحاولوا محوه ، ولأجل ذلك ترحّم الإمام عليه‌السلام على من أَحْيا أمرهم ، وأنّ الحوراء زينب خاطبت يزيد بقولها « فوالله لا تمحو ذكرنا » موضحة أهداف القوم وأنّهم يريدون طمس ذكر محمّد وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وعليه فإنّ كلّ ما يؤدِّي لطاعة الله ويكون إعلاماً لدينه فهو من شعائر الله ، وإنّ الشهادة بالتوحيد لله وبالنبوة لرسوله في الأذان من أسمى أنواع الاظهار والإقرار بالعبودية لله والإقرار برسالة رسوله محمّد ، فسؤالنا هو : هل يمكن ذكر ما هو أمرٌ إيمانيّ كالشهادة بالولاية لعلي في أمر عباديّ كالأذان جنباً إلى جنبِ ذكرِ التوحيد والشهادة بالرسالة أم لا ؟

نحن لا ننكر أنّ ولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام وأولاده المعصومين أولى الشعائر الإيمانية لمذهب الحقّ وعصابة الصدق ؛ الإمامية الاثني عشرية ، وأنّ هذه الولاية الشريفة هي عنوان كامل لحقيقة مذهب الحق ؛ وشعار عظيم له ؛ وأنّ المذهب متوقّف عليها كتوقف الأربعة على الزوجية بنص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المتواتر في حديث الثقلين وغيره .

ولا كلام في ذلك ؛ إذ الكلام في كيفية جعله شعاراً عبادياً للمذهب بعد الاعتقاد بكونه أمراً إيمانيّاً له ؛ وهو ما نريد أن نبيّن وجه مشروعيته ، والمسوّغ الشرعيّ لذكره في الإذان .

فهل تكفي الشّعارية الإيمانيّة للولاية للقول بأنّها شعار عباديّ يسوغ ذكره في الأذان شرعاً ؟ أم إننّا بحاجة لدليل شرعيّ يثبت هذه الشّعارية في الأذان على وجه الخصوص ؟

٤٧٦
 &

بالطبع لا تكفي الأدلّة الإيمانية وحدها لإثبات الأحكام الشرعية العبادية ، لأنّ الشهادة الثالثة هي من لوازم الإيمان لا من أحكام الإسلام الظاهرية ، كما قال بعض الأعاظم .

نعم دلّت الأدلّة على رجحان الشهادة بالولاية ـ رجحاناً ذاتياً في نفسه ـ وكذا محبوبية التعبّد بها مطلقاً سواء في الأذان أو في غيره من دون اعتقاد الجزئية ، نظراً للأدلّة التي تقدمت .

وبعض الفقهاء لم يكتفوا في إثبات جواز الشهادة بالولاية في الأذان من خلال المحبوبيّة والعمومات ، بل أضافوا إليها دليلاً آخر أطلقوا عليه اسم « الشعاريّة » ، وهو ما تمسك به السيّد الحكيم في المستمسك ، والسيّد الخوئي قدس الله سِرَّيْهما في مستند العروة ، إذ قال السيّد الحكيم :

 . . . بل ذلك في هذه الأعصار معدود من شعائر الإيمان ، ورمزٌ إلى التشيع ، فيكون من هذه الجهة راجحاً ، بل قد يكون واجباً ، لكن لا بعنوان الجزئية من الأذان (١) .

وقال السيّد الخوئي قدس‌سره : وممّا يهوّن الخطب أنّنا في غنىً عن ورود النص ؛ إذ لا شبهة في رجحان الشهادة الثالثة بعد أن كانت الولاية من متمِّمات الرسالة ومقوِّمات الإيمان ومن كمال الدين بمقتضى قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي . . . ) (٢) ، بل من الخَمْس التي بني عليها الإسلام لا سيّما وقد أصبحت في هذه الأعصار من أجلى أنحاء الشعائر ، وأبرز رُموز التشيع ، وشعار مذهب الفرقة الناجية ؛ فهي إذن أمرٌ مرغوب فيه شرعاً وراجح قطعاً

__________________

(١) مستمسك العروة الوثقى ٥ : ٥٤٥ .

(٢) المائدة : ٣ .

٤٧٧
 &

في الأذان وفي غيره (١) .

لكن قد يقال ـ على سبيل التوهّم ـ بأنّ هذا الاستدلال من قبل فقهاء كبار كالسيّد الحكيم والسيّد الخوئي قُدِّس سِرَّهما غريب ؛ إذ ما هو الدليل الشرعيّ الذي يسوّغ أن يقال أَنَّ الشهادةَ الثالثة أمرٌ مرغوبٌ فيه شرعاً وراجحُ قطعاً ، في الأذان وفي غيره كما جزم به السيّد الخوئي رحمه‌الله ، أو : « قد يكون واجباً » كما احتمله السيّد الحكيم رحمه‌الله ، انطلاقاً من الشعارية ؟

والأغرب من ذلك أنّ السيّد الخوئي قدس‌سره يقول : « نحن في غنىً عن ورود النص » ؛ إذ ما الذي سوّغ له الإفتاء بجواز الشهادة الثالثة في الأذان بلا نصّ ؛ انطلاقاً من الشعارية فقط ؟ بل ماذا تعني الشعارية عندهم بحيث تأخذ هذه القيم الشرعية في هذه الأزمان ؟

يبدو أنّ الامامين الحكيم والخوئي ، ومن قبلهما ومن بعدهما من فقهاء الطائفة ـ قدّس الله أسرارهم ـ قد جعلوا من الشعارية دليلاً أقوى للفتوى بالجواز بل الاستحباب .

لكن من أين تأَتَّت شرعية الشعارية عندهم حتى يجعل منها دليلاً أقوى من مرسلة الاحتجاج ، وحسنة ابن أبي عمير المتقدّمتين ، وسيرة المتشرعة ؟

الحقيقة هي أنّ السيّد الخوئي قدس‌سره أجاب عن كلّ ذلك إجابة مجملة بما يلائم مقام بحثه ، في قوله : « لا شبهة في رجحان الشهادة الثالثة باعتبارها من متمِّمات الرسالة . . . » ، وهذا هو ما نريد توضيحه ، لأنّ الاجابة الإجمالية لا تغني غير العلماء ولا تُشبِع إلّا الفقهاء ، وهو الذي دعانا لتفصيل الكلام في هذا الإجمال ، لتعمّ الفائدة لكل القرّاء .

وكذا لوجود شبهة مفادها : أن الاستدلال بالشعاريّة لإثبات الشهادة الثالثة في

__________________

(١) مستند العروة الوثقى ١٣ : ٢٥٩ .

٤٧٨
 &

الأذان هو مصداق من مصاديق الرأي المذموم والظنّ الذي لا يغني من الحق شيئاً ، وهو كإثبات عمر بن الخطاب لجملة « الصلاة خير من النوم » في الأذان ؛ إذ ما الفرق بين الإثباتين ، ولماذا تنكرون على عمر فعله وتعملون بعمله وهو الذي جاء في كلام الأردبيلي فيما سبق ؟ !

لكن يجاب عن هذا الإشكال والتوهّم بافتراق الأمر كلياً بين الأمرين ، لانّ عمر ابن الخطاب حينما أمر المؤذّن أن يضعها في الأذان (١) كان يعني بعمله التشريع في الدين وإدخاله كجزء لقوله : « اجعلها في الأذان » ، وهو الذي دعا ابن رشد أن يشكّ في كون « الصلاة خير من النوم » سنة رسول الله ، لقوله في بداية المجتهد : وسبب اختلافهم :

هل ذلك قيل في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو إنّما قيل في زمان عمر (٢) ؟

وهذا يختلف عما تأتي به الإمامية ، فإنّهم حينما يأتون بالشهادة الثالثة يؤكّدون على عدم جواز الاتيان بها على نحو الجزئيّة ، والفرق واضح بين الأمرين ، فذاك إدخال في الدين ما ليس فيه بلا دليل شرعي اتباعاً للرأي (٣) ، وهذا بيان لوجه مشروعيّة جواز الإتيان بالشهادة الثالثة من منطلق القربة المطلقة والمحبوبية الذاتية وأدلّة الاقتران ، والعمومات ، والأخبار الشاذّة ، وأخيراً الشعارية مع التأكيد على عدم جزئيّتها وعدم كونها من أصل الأذان .

وبما أنّا قد تكلّمنا بعض الشيء عما يدل على محبوبيّتها ، فالآن نريد أن نوضّحها من خلال كونها شعاراً للإيمان ، وأنّ الشهادة بالولاية لعلي هي علامة للخطّ

__________________

(١) موطأ مالك : ٧٢ / ح ١٥٤ .

(٢) بداية المجتهد ١ : ٧٧ وانظر كلام الالباني في تمام المنة : ١٤٦ ـ ١٤٩ كذلك .

(٣) انظر ما كتبناه في الباب الثاني من هذه الدراسة ( الصلاة خير من النوم شرعة أم بدعة ) والذي أثبتنا فيه أنّها ليست بسنة رسول الله بل أنّها بدعة محدثة حسب تصريح الأعلام وخصوصاً الحنفية .

٤٧٩
 &

الصحيح ، والمنهج القويم ، وصراط الله المستقيم ، بل لا توجد حقيقة في دين الإسلام ـ من بعد الشهادتين ـ ناهضة لتكون علامة للمنهج الصحيح أجلى من الشهادة الثالثة ، وهذا ما يجب أن يعتقد به المؤمن قلباً ، وأمّا الإتيان بها لساناً في الأذان فهو ما يجب أن يبحث عن دليله .

أمّا كونها من أصل الأذان وأنّها جزء منه ، فلا دليل عليه إلّا الأخبار الشاذّة التي حكاها الشيخ الطوسي والعلّامة ويحيى بن سعيد الحلي ، والتي لم يعمل بها الأصحاب ، ورمي الصدوق لها بأنّها من وضع المفوّضة .

وإمّا الإتيان بها من باب القربة المطلقة والمحبوبية الذاتية وأدلّة الاقتران ، فقد مرّ البحث فيها سابقاً . والآن مع أدلّة جواز الإتيان بها من باب الشعارية ، والبحث فيه يقع في مقامين :

الأول : إثبات كونها شعاراً من شعائر المذهب والدين الحنيف .

والثاني : التخريج الفقهي لجواز الإتيان بها في الأذان لا بقصد الجزئية .

شعاريّة الشهادة بالولاية

وإليك أُمّهات الأدلّة على كون الشهادة بالولاية لعلي هي من أسمى الشعائر الإسلامية الإيمانية :

* ما أخرجه الكليني قدس‌سره عن علي بن إبراهيم ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي الربيع القزاز ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت له : لمَّ سمي أمير المؤمنين ؟ قال : « الله سمّاه وهكذا أنزل في كتابه ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) وأنّ محمّداً رسولي وأنّ علياً أمير المؤمنين » (١) .

__________________

(١) الكافي ١ : ٤١٢ / باب نادر / ح ٤ .

٤٨٠