أشهد أنّ عليّاً وليّ الله بين الشرعيّة والابتداع

السيد علي الشهرستاني

أشهد أنّ عليّاً وليّ الله بين الشرعيّة والابتداع

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة المؤمل الثقافية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

وقد نقلنا سابقاً ما حكاه صاحب « الروض النضير » عن كتاب السنام للزيدية ، وما قاله ابن عربي في « الفتوحات » (١) ، وما روي « في من لا يحضره الفقيه » (٢) ، و « الاستبصار » (٣) ، وما جاء في كتاب « الأذان بحي على خير العمل » للحافظ العلوي (٤) ، من أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بلالاً أن يؤذّن بها فلم يزل يؤذن بها حتى قبض الله رسوله .

وفي « علل الشرائع » عن عكرمة ، قال : قلت لابن عباس : أخبرني لأيّ شيء حذف من الأذان « حي على خير العمل » ؟ قال : أراد عمر بذلك ألا يتّكل الناس على الصلاة ويَدَعُوا الجهادَ ، فلذلك حذفها من الأذان (٥) .

وفي كتاب « الأحكام » ـ من كتب الزيدية ـ قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه : وقد صحّ لنا أنّ « حي على خير العمل » كانت على عهد رسول الله يؤذّن بها ولم تطرح إلّا في زمن عمر بن الخطاب ، فإنّه أمر بطرحها وقال : أخافُ أن يتّكل الناس عليها ، وأمر بإثبات « الصلاة خير من النوم » مكانها (٦) .

وعن الباقر ، قال : كان أبي علي بن الحسين يقول : كانت في الأذان الأول ، فأمرهم عمر فكفّوا عنها مخافة أن يتثبّط الناس عن الجهاد ويتّكلوا ، أمرهم فكفّوا عنها (٧) .

وعن الإمام زيد بن علي أنّه قال : ممّا نقم المسلمون على عمر أنّه نحّى من النداء

__________________

(١) الفتوحات المكية ١ : ٤٠٠ .

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٨٤ / ح ٨٧٢ .

(٣) الاستبصار ١ : ٣٠٦ / ح ١١٣٤ .

(٤) الأذان بحي على خير العمل : ٩١ .

(٥) علل الشرائع ، للصدوق ٢ : ٣٦٧ / باب ٨٩ نوادر علل الصلاة .

(٦) الاحكام ١ : ٨٤ .

(٧) الأذان بحي على خير العمل : ٧٩ .

١٦١
 &

في الأذان « حي على خير العمل » ، وقد بلغت العلماء أنّه كان يؤذّن بها لرسول الله حتّى قبضه الله ، وكان يؤذن بها لأبي بكر حتى مات ، وطرفاً من ولاية عمر حتى نهى عنها (١) .

وعن أبي جعفر الباقر ، قال : كان الأذان بـ « حي على خير العمل » على عهد رسول الله وبه أُمروا أيّام أبي بكر ، وصدراً من أيّام عمر ، ثمّ أمر عمر بقطعه وحذفه من الأذان والإقامة ، فقيل له في ذلك ، فقال : إذا سمع الناس أنّ الصلاة خير العمل تهاونوا بالجهاد وتخلّفوا عنه ، وروينا مثل ذلك عن جعفر بن محمّد ، والعامّة تروي مثل هذا (٢) .

وروى الصدوق في « علل الشرائع » بسنده عن ابن أبي عمير أنّه سأل أبا الحسن الكاظم عن سبب ترك « حي على خير العمل » فذكر العلة الظاهرة والباطنة لهذا الامر ، فقال :

أمّا العلّة الظاهرة ، فلئلّا يدع الناس الجهاد اتّكالاً على الصلاة .

وأمّا الباطنة فإنّ « خير العمل » الولاية ، فأراد [ عمر ] من أمرِهِ بترك « حي على خير العمل » من الأذان أن لا يقع حثٌّ عليها ودعاء إليها (٣) .

__________________

(١) الأذان بحي على خير العمل : ٢٩ ، وانظر هامش السنة للإمام زيد : ٨٣ .

(٢) دعائم الإسلام ١ : ١٤٢ ، بحار الأنوار ٨١ : ١٥٦ . وجاء في كتاب الإيضاح للقاضي نعمان المتوفّى ٣٦٣ هـ ، والمطبوع في تراث الحديث الشيعي ١٠ : ١٠٨ ، قال : فقد ثبت أنه أذنّ بها على عهد رسول الله حتى توفّاه الله وأنّ عمر قطعه ، وقد يزيد الله في فرائض دينه بكتابه وعلى لسان نبيه ما شاء لا شريك له ، وأنا ذاكر ما جاءت به الرواية من الأذان بحي على خير العمل . . .

(٣) علل الشرائع ٢ : ٣٦٨ / ٨٩ من نوادر علل الصلاة / ح ٤ ، وعنه في بحار الأنوار ٨١ : ١٤٠ / باب معنى الأذان / ح ٣٤ ، ولا يخفى عليك بأنّ الإمام الكاظم ليس بباطني بل أنّه أراد أن يوضح المعنيين الظاهري والخفي الذي حدا بعمر أن يحذفها ، إذ أنّ البعض كانوا يتوجّهون إلى ظواهر الأشياء ولا يتأمّلون في بطنها من معنى ، حيث يقولون بأن لله يداً ، وبأنّه جالس على عرشه لقوله تعالى : ( يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان ) وقوله تعالى : ( مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) وقوله : ( الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ

=

١٦٢
 &

الحيعلة الثالثة معيار الانتماء ومحك الاختلاف

قال سعد التفتازاني المتوفّى ٧٩٣ هـ ، في شرح المقاصد في علم الكلام وفي حاشيته على شرح العضد ، وكذا القوشجي المتوفّى ٨٧٩ هـ في شرح التجريد في مبحث الإمامة ، وغيرهما : إنّ عمر بن الخطاب خطب الناس وقال : أيّها الناس ، ثلاثٌ كُنَّ على عهد رسول الله أنا أنهى عنهنّ وأحرّمهنّ وأعاقب عليهنّ ، وهي : متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحيّ على خير العمل (١) .

وقال المجلسيّ الأوّل في روضة المتّقين : أنّه روى العامّة أنّ عمر كان يباحث = [ يجادل ] مع رسول الله في ترك حيّ على خير العمل ، ويجيبه [ الرسول ] بأنّها من وحي الله ، وليست منّي وبيدي ، حتى قال عمر : [ أيام خلافته ] : ثلاث كنّ في عهد رسول الله وأنا أحرّمهن وأعاقب عليهنّ : متعة النساء ، ومتعة الحج ، وقول حي على خير العمل ، رواه العامة في صحاحهم (٢) .

فهنا سؤال يرد على الأذهان ، وهو : ما وجه الترابط بين المنع عن المتعتين وبين رفع حي على خير العمل من الأذان ؟ وعلى أيّ شيء يدل ؟ ولماذا نرى الذي يقول

__________________

اسْتَوَىٰ ) ، ولا يتدبّرون في معناها وأنّها القوة والبأس والإحاطة . ولو أرادوا أخذ الأمور على ظواهرها فعليهم أن يقولوا بضلالة الأعمى في الآخرة لقوله تعالى : ( وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا ) في حين لا يقول أحد من الأمّة بذلك ، ولأجل ذلك تهجّم كثير من العلماء على الظاهرية والباطنية في وقت واحد ، والإمام كان لا يريد إلّا بيان المعنيين ـ الخفيّ والظاهر منه ـ كي لا يلتبس الأمر على الآخرين ، ولكي يقف المؤمن على السبب الخفيّ في محو تشريع الحيعلة الثالثة وما دعا عمر لأن يحذفها ، لان السائل سأل عن سبب الترك ، والإمامُ وضّحها لأنّ عمر حذفها كي لا يقف المسلمون على تفسيرها معها ، فحذفها خوفاً من مستلزماتها .

(١) شرح المقاصد في علم الكلام ٢ : ٢٩٤ ، شرح التجريد : ٣٧٤ ، كنز العرفان ٢ : ١٥٨ . وانظر الغدير ٦ : ٢١٣ ، والصراط المستقيم ٣ : ٢٧٧ ، والمسترشد : ٥١٦ .

(٢) انظر روضة المتقين ٢ : ٢٢٧ ـ ٢٢٨ .

١٦٣
 &

بشرعيّة « الصلاة خير من النوم » لا يقول بإمامة علي بن أبي طالب ، ومن يقول بـ « حي على خير العمل » يرى شرعية الولاية لعلي بن أبي طالب ؟

وهل حقاً أنّ « حي على خير العمل » يرتبط بموضوع الإمامة والخلافة ؟ وإذا كان فكيف يستدلّ به ؟

وهل من الصدفة في شيء أن يكون الإمام عليٌّ هو محور هذه الفقرات الثلاث ؟

إنّ موضوع « حي على خير العمل » ما هو إلّا نافذة واحدة من النوافذ الكثيرة إلى الفقه الأصيل والفقه المحرَّف ، وإنّ شأنه في مفردات الفقه الخلافيّ شأنُ التكبير على الميّت أربعاً أم خمساً ، وشأن حكم الأرجل في الوضوء هل هو المسح أو الغسل ؟ وأنّ المتعة جائزة أم حرام ؟ والتختّم في اليمين أو الشمال ؟ والمصلي هل عليه القبض أو الارسال ؟ وهل أن الجهر بالبسملة سنة أم الإخفات بها هو السنة ؟ وأن صلاة الضحى والتراويح شرعية أم بدعية ؟ وهكذا عشرات المسائل في الفقه المقارن .

فالذي يكبّر على الميّت خمساً يقول : لا أتركها لقول أحد (١) ، والقائل بالمسح على الأرجل يراها موافقه للذكر الحكيم ، حيث لا يوجدُ في كتاب الله إلّا غسلتان ومسحتان (٢) ، وأمّا الذي يمنع من المتعة فيستدلُّ بمنع عمر لها (٣) ، وهكذا الحال بالنسبة إلى غيرها من الأُمور الخلافيّة عند الطرفين ، فالبعض يستدلّ بالنصّ القرآنيّ والحديث المتواتر النبويّ ولا يرتضي استبدالهما بقول أحد ، وهناك من يأخذ بسيرة الشيخين معياراً للنفي والإثبات .

إذن هناك سنّة لرسول الله ، وهناك سنّة للشيخين ، فالبعض كان لا يرتضي ترك

__________________

(١) أنظر مسند أحمد ٤ : ٣٧٠ / ١٩٣١٩ ، وشرح معاني الأثار ١ : ٤٩٤ عن زيد بن أرقم .

(٢) سنن الدارقطني ١ : ٩٦ / ح ٥ ، سنن البيهقي الكبرى ١ : ٧٢ / ح ٣٤٥ عن ابن عباس .

(٣) مسند أحمد ٣ : ٣٢٥ / ح ١٤٥١٩ ، وانظر ١ : ٥٢ / ح ٣٦٩ ، معرفة السنن والآثار ٥ : ٣٤٥ / ح ٤٢٣٧ ، سنن سعيد بن منصور ١ : ٢٥٢ / ح ٨٥٣ ، مسند أبي عوانة ٢ : ٣٣٨ / ح ٣٣٤٩ .

١٦٤
 &

سنّة رسول الله لقول أحد ، والآخر يرى الخليفة هو الأعلم بالأحكام وروح التشريع فيجب اتّباعه حتّى لو خالف سنّة النبيّ الثابتة .

إنّ ربط عمر بن الخطاب بين هذه المسائل الثلاث ـ المتعتين وحيَّ على خير العمل ـ يعني في آخر المطاف ارتباط الأمر بالخلافة والإمامة ومنزلة الهاشميّين ، لأنّ هذه المسائل الثلاث أبرز عناوين مدرسة التعبّد المحض التي ترى وتعتقد بإمامة علي عليه‌السلام ، وقول عمر : « أنهي عنها » أو « اعاقب عليها » بمثابة اعتراف مبدئيّ منه بشرعية « حيّ على خير العمل » واعتراف ضمنيّ كاشفٌ عمّا يجول في دواخله ، ولذلك ربط نهيه عن « حي على خير العمل » بنهيه عن متعتي النساء والحج اللَّتين أكّد الإمام علي (١) وابن عباس (٢) ورعيل من الصحابة على شرعيّتهما (٣) ، بخلاف عمر والنهج الحاكم اللذين دعيا إلى تركهما .

فترك هذه الثلاث عمري ، وأمّا لزوم الاعتقاد بشرعيّتها فهو علوي ونبوي ، إذاً

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٥٦٧ / ح ١٤٨٨ ، مسند أحمد ١ : ٥٧ / ح ٤٠٢ ، سنن النسائي ( المجتبى ) ٥ : ١٥٢ / ح ٢٧٣٣ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٦٤٤ / ح ١٧٣٥ ، الموطّأ ١ : ٣٣٦ / ح ٧٤٢ .

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٥٦٨ / ح ١٤٩٢ ، مسند أحمد ١ : ٥٢ / ح ٣٦٩ ، و ١ : ٢٣٦ / ح ٢١١٥ و ١ : ٣٣٧ / ح ٣١٢١ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٨٥ / ح ١٢١٧ .

(٣) كسعد بن أبي وقاص ؛ انظر سنن الترمذي ٣ : ١٨٥ / ح ٨٢٣ ، موطأ مالك ١ : ٣٤٤ / ح ٧٦٣ ، سنن النسائي ( المجتبى ) ٥ : ١٥٢ / ح ٢٧٣٤ ، مسند أحمد ١ : ١٧٤ / ح ١٥٠٣ .

وكابنِ عمر ؛ انظر سنن الترمذي ٣ : ١٨٥ / ح ٨٢٤ ، معجم الشيوخ : ٢٧٦ ـ ٢٧٧ ، شرح سنن ابن ماجة ١ : ٢١٤ / ح ٢٩٧٨ .

وكأبي موسى الأشعري ؛ انظر صحيح مسلم ٢ : ٨٩٦ / ح ١٢٢٢ ، مسند أحمد ١ : ٥٠ / ح ٣٥١ ، سنن النسائي ( المجتبى ) ٥ : ١٥٣ / ح ٢٧٣٥ ، السنن الكبرى للبيهقي ٥ : ٢٠ / ح ٨٦٥٤ ، الجمع بين الصحيحين ١ : ٣١٣ / ح ٤٦٩ ، باب المتفق عليه من مسند أبي موسى الاشعري ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٩٢ / ح ٢٩٧٩ .

وكعمران بن حصين ؛ انظر صحيح مسلم ٢ : ٨٩٨ / ح ١٢٢٦ ، شرح صحيح مسلم للنووي ٨ : ٢٠٥ / باب جواز التمتع / ح ١٢٢٦ ، سنن النسائي ( المجتبى ) ٥ : ١٥٥ / ح ٢٧٣٩ ، الجمع بين الصحيحين ١ : ٣٤٩ / ح ٥٤٨ من المتفق عليه من حديث عمران بن الحصين .

١٦٥
 &

الأمر لم يكن اعتباطاً ، بل جاء لوجود رابطة وعلاقة متينة بين كلّ الأُمور المنهيّ عنها متأخراً والمعمول بها عند الرعيل الأول ، ولأجل هذا نرى ارتباطاً تاريخيّاً وثيقاً بين القول بامامة عليّ والقول بشرعيّة الحيعلة الثالثة ، وبين رفض الولاية والإمامة لعليّ والقول برفع « حي على خير العمل » .

قال ابن أبي عبيد : إنّما أسقط « حي على خير العمل » مَنْ نهى عن المتعتين ، وعن بيع أمّهات الأولاد ، خشيةَ أن يتّكل الناس بزعمه على الصلاة ويَدَعُوا الجهاد ، قال : وقد رُوي أنّه نهى عن ذلك كلّه في مقام واحد (١) .

وثبت أيضاً أنّ رسـول الله أذّن ، وكان يقول : « أشهد أنِّي رسول الله » ، وتارة يقول : « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » ، وأنكر العامّة أذانه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

نعم ان النهج الحاكم طرح مفاهيم وتبنى افكاراً تصب فيما يهدفون إليه ، منها تشكيكهم في أذان الرسول ؛ لعدم ارتضاء الشيخين التأذين بها في خلافتهما ، فأرادوا القول بعدم أذان رسول الله ، لكي يعذروا الشيخين ولكي يقولوا بأنّهم اقتدوا برسول الله في عدم أذانه ! !

__________________

(١) البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ٢ : ١٩٢ ، وشرح الأزهار ١ : ٢٢٣ . وانظر شرح العضدي على المختصر الأصولي لابن الحاجب بحاشية السعد التفتازاني ٢ : ٤١ ـ ٤٢ .

(٢) الكلام السابق وما بعده نقلناه عن ذكرى الشيعة ٣ : ٢١٥ للشهيد الأوّل رحمه‌الله ، والرواية موجودة في « من لا يحضره الفقيه » ١ : ٢٩٧ / ذيل الحديث ٩٠٥ ، ووسائل الشيعة ٥ : ٤١٨ / ح ٦٩٧٤ عن الفقيه ، وانظر حاشية الجمل على شرح المنهاج ١ : ٣٨٧ .

١٦٦
 &

إِبعادُ قريش آلَ البيت عن الخلافة ! !

لا شكّ ـ نظراً لرواية الإمام الكاظم عليه‌السلام الآنفة ـ في أنّ موضوع الخلافة والإمامة يرتبط بنحو وآخر بمسألة الحيعلة الثالثة في الأذان ، وأنّ عمر أراد أن لا يكون حَثٌّ عليها كي يوقف مستلزماتها وتواليها معها ، وأنّ البحث عن دواعي إبعاد عمر أهل البيت عن الخلافة له ارتباط وثيق مع تصريحات رسول الله عن آل البيت وأنّهم عترته وخلفاؤه من بعده ، وهم القربى المأمور بمودّتهم في القرآن ، والمؤكَّد على اتّباعهم في سنّة رسول الله ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي » (١) .

وبما أنّ الإمام عليّاً هو أعلم الناس وأقضاهم (٢) ، وهو خير البشر (٣) ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين (٤) ، وأنّ عمر كان قد عرف بأنْ ليس بين هذه النصوص وبين التصريح باسم عليّ إلّا خطوات ، سعى لإبعاده وإبعاد كلّ شيء

__________________

(١) صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣ / ح ٢٤٠٨ ، سنن الدارمي ٢ : ٥٢٤ / ح ٣٣١٦ ، مسند أحمد ٤ : ٣٦٦ / ١٩٢٨٥ .

(٢) الكافي ٧ : ٤٠٨ / ح ٥ ، الخصال : ٥٥١ ، سمط النجوم العوالي ٢ : ٤٠٧ ، أحكام القرآن لابن العربي ٤ : ٤٣ ، ٤٥ ، تاريخ دمشق ٥١ : ٣٠٠ . انظر المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٥ / ح ٤٦٥٦ ، وفيه عن ابن مسعود قال : كنّا نتحدّث أن اقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب ، صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . وروي عن عمر قوله : أقضانا علي . . . ، المعجم الأوسط ٧ : ٣٥٧ ، طبقات ابن سعد ٢ : ٣٣٩ ، أخبار المدينة ١ : ٣٧٤ .

(٣) تاريخ بغداد ٧ : ٤٢١ / ت ٣٩٨٤ ، تاريخ دمشق ٤٢ : ٣٧٢ ، ٣٧٣ ، حديث خيثمة : ٢٠١ ، وانظر الدرّ المنثور ٨ : ٥٨٩ .

(٤) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٨ / ح ٤٦٦٨ ، المعجم الصغير ٢ : ١٩٢ / ح ١٠١٢ ، حلية الأولياء ١ : ٦٣ ، ورواه ابن حجر في الإصابة ٤ : ٦ / ت ٤٥٣١ ، مبتوراً ، الإصابة ٤ : ٦ / ت ٤٥٣١ ، الخصال : ١١٦ / ح ٩٤ ، أمالي الصدوق : ٤٣٤ / ح ٥٧٣ ، مستدرك الوسائل ١٦ : ١٧١ / ح ١٩٤٨٣ .

١٦٧
 &

يَمُتُّ إليه .

ومن المعلوم أنّ عمر بن الخطّاب كان لا يرضى باجتماع النبوّة والخلافة في بني هاشم ، لذلكَ سأل ابنَ عبّاس عمّا في نفس عليّ بن أبي طالب بقوله : أيزعم أنّ رسول الله نصّ عليه ؟

قال ابن عباس : نعم ، وأزيدك : سألت أبي عما يدّعيه ، فقال : صدّق ، قال عمر : لقد كان من رسول الله في أمره ذَروٌ من قول لا يثبت حجّة ، ولا يقطع عذراً ، كان يَرْبَعُ في أمره وقتاً ما ، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعتُ من ذلك إشفاقاً وحيطةً على الإسلام . . . فعلم رسولُ الله أنّي علمت ما في نفسه فأمسك (١) .

وقال العيني في عمدة القاري : واختلف العلماء في الكتاب الذي هَمَّ النبيّ بكتابته ، فقال الخطّابي : يحتمل وجهين ، أحدهما أنّه أراد أن ينصّ على الإمامة بعده فترتفع تلك الفتن العظـيمة كحرب الجمل وصفين (٢) .

وقد تناقل أصحاب كتب التاريخ والسـير أنّ عمر بن الخطاب منع من تدوين حديث رسول الله ، كي لا يختلط التنزيل مع أسباب النزول ، ونحن فصّلنا البحث عن هـذا الأمر في كتابنا ( منع تدوين الحديث ) فليراجع .

قال المعلمي ـ من علماء العامّة ـ تعليقاً على مرسلة ابن أبي مُليكة في منع أبي بكر لحديث رسول الله : إنْ كان لمرسل ابن أبي مُليكة أصل فكونه عقب الوفاة يشعر بأنّه يتعلّق بأمر الخلافة .

كأنّ الناس عقب البيعة بقوا يختلفون يقول أحدهم : أبو بكر أهلها ، لأنّ النبي

__________________

(١) شرح النهج ١٢ : ٢١ ، عن أحمد بن أبي طاهر ( ت ٢٨٠ هـ ) في كتابه « تاريخ بغداد في أخبار الخلفاء والأمراء وأيّامهم » .

(٢) عمدة القارئ ٢ : ١٧١ .

١٦٨
 &

قال : كيت وكيت ، فيقول آخر : وفلان [ أي علي ] قد قال له النبي : كيت وكيت .

فأحبّ أبو بكر صرفهم عن الخوض في ذلك وتوجيههم إلى القرآن (١) .

فقريش كانت لا ترتضي أن تكون الخلافة في عليّ وولده ، بل كانت تريد مشاركة الرسول في الوصاية والخلافة ، وقد اشترطت على رسول الله بالفعل أن يشركها في أمر الخلافة ، وأنّهم لا يبايعوه إلّا أن يجعل لهم في الأمر نصيباً ، فنزل فيهم قوله تعالى : ( يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ ) (٢) ، مؤكداً سبحانه وتعالى لهم بأن ليس بيده صلى‌الله‌عليه‌وآله شيء ، فإنّ الله هو الذي ينصب الخليفة .

لكنّهم كانوا يتصوّرون أنّ بمقدورهم التلاعب بالذكر الحكيم وتغيير الآي الكريم .

وممّا قيل بهذا الصدد : أنّ ضيفين نزلا قرية انطاكية ، فأبى أهلها أن يضيّفوهما ، فنزل فيهم الوحي ، وصار هذا عاراً وشناراً عليهم ، فأرادوا أن يغيّر الرسول ما نزل فيهما بإبدال حرف الباء في ( أبوا ) ويجعلها تاءاً ( أتوا ) في قوله تعالى : ( حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا ) (٣) فجاؤوه بأحمال الذهب والفضة والحرير كرشوة له صلى‌الله‌عليه‌وآله في مقابل ما يريدونه ، لكنّه أبى مستنكِراً فعلهم (٤) .

إنّ قبائل العرب ـ وخصوصاً قريشاً ـ كانوا لا يعلمون بأنّ دين الله خالصٌ نقيٌّ ، ورسوله مُطهّرٌ زكيٌّ مصطفى ، بعيدٌ عن الأهواء والمغريات ، ولاجل هذا نزل الوحي موضحاً لهم ، بأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ) (٥) ، وأنّه ( مَا

__________________

(١) الأنوار الكاشفة للمعلمي : ٥٤ .

(٢) سورة آل عمران : ١٥٤ .

(٣) سورة الكهف : ٧٧ .

(٤) انظر التفسير الكبير ٢١ : ١٣٤ وفيه : قيل ان اسم تلك القرية الأيلة .

(٥) سورة الحاقة : ٤٤ ـ ٤٧ .

١٦٩
 &

يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم ) (١) .

فنحن لو جمعنا ما مرّ عن ابن عباس آنفاً ، وما قاله عمر بأنّه عرف مقصود رسـول الله ، وأنّه أراد أن يصـرّح باسم الإمام عليّ وأن ينصّ عليه بالإمامـة ، فمنعه إشفاقاً على الإسلام ، كلّ ذلك لو جمعناه مع قوله « إن الرجل ليهجر » (٢) أو « إنّ النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا » (٣) ، لعلمنا أنّ تلك النصوص قيلت تعريضاً بالنبيّ وآله ، لأنّه وحسب كلامه كان قد عرف تأكيدات النبي على أهل البيت في حجّة الوداع « أُذكّركم الله في أهل بيتي ، أُذكّركم الله في أهل بيتي ، أُذكركم الله في أهل بيتي » (٤) ، وفي حديث الثقلين « كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا » ، وفي عشرات بل مئات الأحاديث الأخرى .

فإنّ تأكيد النبيّ على العترة ، وأنّ تركهم يعني الضلال عن الجادّة ، يفهمنا بارتباط أمر آل البيت بالشريعة ، لا بالمحبّة فقط كما يصوّره البعض .

__________________

(١) سورة يونس : ١٥ .

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٦٩ ، المسترشد : ٥٥٣ / ح ٢٣٤ ، شرح أصول الكافي ١٢ : ٤١٢ في شرح الحديث ٤٥٤ ، وفيه « إنّ الرجل ليهذر » ، المنتقى في منهاج الاعتدال : ٣٤٧ . وانظر الجمع بين الصحيحين للحميدي ٢ : ٩ ـ ١٠ / ح ٩٨٠ ، وفيه : قالوا : ما شأنه هجر استفهموه ، من المتفق عليه من حديث ابن عباس .

(٣) صحيح البخاري ١ : ٥٤ / ح ١١٤ ، و ٤ : ١٦١٢ / ح ٤١٦٩ ، و ٦ : ٢٦٨٠ / ح ٦٩٣٢ ، مسند أحمد ١ : ٣٢٤ / ح ٢٩٩٢ ، الطبقات الكبرى ٢ : ٢٤٤ . وانظر البداية والنهاية ٥ : ٢٢٧ وفيه فقال بعضهم : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله غلبه الوجع . . .

(٤) صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣ / ح ٢٤٠٨ ، مسند أحمد ٤ : ٣٦٦ / ح ١٩٢٨٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٥٢٤ / ح ٣٣١٦ .

١٧٠
 &

فنحن لو جمعنا كلّ هذه المفردات ، وطابقناها مع مواقف النهج الحاكم بعد رسول الله من أهل بيت الرسالة ، وموت الزهراء وهي واجدة على أبي بكر وعمر (١) ، لعرفنا مدى المفارقة بين ترك بِرِّ فاطمة وترك الدعوة للولاية بـ « حيّ على خير العمل » في الأذان ، ولماذا جاء تفسير « حيّ على خير العمل » في كلام الإمامين الباقر والصادق بـ « بر فاطمة وولدها » وغيرها من النصوص الأخرى .

إنّ وقوف الرسول كل يوم على باب فاطمة ولمدّة ستة أشهر بعد نزول آية التطهير ، وقوله لأهل بيت الرسالة : « الصلاة ، الصلاة إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً » (٢) يؤكّد على وجود ترابط بين التوحيد والنبوّة والإمامة في الأذان وكذا في الصلاة ، بل في كلّ شيء ، وقد كان الرسول الأكرم هو حلقة الوصل والرابط بين ركيزتي التوحيد ( الصلاة ) والعترة ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٣) .

وكان القوم قد عرفوا هذا الارتباط من خلال الآيات الكثيرة النازلة في حقّ أهل البيت ، وتأكيدات الرسول المتوالية عليهم ، فأرادوا إبعادهم عما خصهم به الله ورسوله حسداً وازوراراً ، وهم يعلمون بهذه الحقيقة ، وأنّ موضوع آل البيت ولزوم اتّباع عترته كان من موارد الابتلاء والفتنة التي أخبر بها رسول الله أُمّته ،

__________________

(١) سنن الترمذي ٤ : ١٥٧ / ح ١٦٠٩ ، صحيح البخاري ٤ : ١٥٤٩ / ح ٣٩٩٨ ، وانظر ٦ : ٢٤٧٤ / ح ٦٣٤٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٨٠ / ح ١٧٥٩ .

(٢) الفضائل لأحمد بن حنبل ٢ : ٧٦١ / ح ١٣٤٠ ، ذخائر العقبى ١ : ٢٤ ، سير أعلام النبلاء ٢ : ١٣٤ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٧٢ / ح ٤٧٤٨ ، سنن الترمذي ٥ : ٣٥٢ / ح ٣٢٠٦ ، المصنف لابن أبي شيبة ٦ : ٣٨٨ / ح ٣٢٢٧٢ ، المعجم الكبير ٣ : ٥٦ / ح ٢٦٧٢ ، الدرّ المنثور ٦ : ٦٠٥ .

(٣) سورة الاحزاب : ٣٣ .

١٧١
 &

وقد نقلنا سابقاً ما جاء عن أبي سفيان (١) ومعاوية (٢) في الأذان وأنّهما كانا لا يحبّان أن يذكر اسم النبي محمّد في الأذان .

بل إنّ معاوية (٣) ، وعثمان (٤) حذفا اسمه صلى‌الله‌عليه‌وآله من آخر الأذان .

وجاء في مجمع الزوائد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : كان علي ابن أبي طالب إذا سمع المؤذّن يؤذّن ، قال كما يقول ، فإذا قال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمّداً رسول الله .

قال علي : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله ، وأنّ الذين جحدوا محمّداً هم الكاذبون (٥) .

وفي هذا الكلام من الإمام علي معنى لطيف وتنويه ظريف إلى الجاحدين بنبوّة محمّد من القرشيّين وغيرهم من الكاذبين .

لكن لا يتسنى لأولئك الذين أسلموا والسيفُ على رقابهم في فتح مكة أن يجحدوا النبوة بصراحة أو أن يجحدوا ارتباط القربى بالرسول والرسالة ، لذلك عمدوا إلى أن لا يذكر النبيّ في الأذان ، ومع كلّ هذا الصلف والحقد كيف يرضون بذكر وصيه وخليفته من بعده علي بن أبي طالب ، فيما لو تصوّرنا ثبوت التشريع بذكره في الأذان ؟ ! وقس على ذلك بترهم الآل من الصلاة على محمّد وآل محمّد ،

__________________

(١) انظر الباب الأوّل من هذه الدراسة المطبوعة تحت عنوان ( حي على خير العمل الشرعية والشعارية : ١٠٥ ) .

(٢) انظر الباب الأوّل من هذه الدراسة المطبوعة تحت عنوان : ( حي على خير العمل الشرعية والشعارية : ١٠٧ ) .

(٣) بحار الأنوار ٨١ : ١٧٠ عن العلل لمحمّد بن علي بن إبراهيم بن هاشم . وانظر ( حي على خير العمل ) لنا صفحة ١٢٥ .

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٩٩ / ح ٩١٣ .

(٥) مسند أحمد ١ : ١١٩ / ح ٩٦٥ ، مجمع الزوائد ١ : ٣٣٢ .

١٧٢
 &

وغير ذلك .

وجاء في ( الفقيه ) عن الصادق أنّه قال : من سمع المؤذّن يقول : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمّداً رسول الله ، فقال مصدقاً محتسباً : « وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمّداً رسول الله ، أكتفي بهما عن كل من أبى وجحد ، وأعين بهما من أقرَّ وشهد » ، كان له من الأجر عدد من أنكر وجحد ، وعدد من أقرَّ وشهد (١) .

نعم ، إنّ مسألة اصطفاء النبي محمّد من بين ولد آدم ، واصطفاء أهل بيت الرسول من بين قريش ، دعت الناس أن يحسدوهم ( عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ ) ، فسعوا ليطفئوا نور الله بأفواهم ، محرّفين ومزوّرين كلامه جلّ جلاله .

فهم أوّلاً أرادوا أن يكون التحريف على لسان رسوله الأمين ـ كما مرّ عليك في قضيّة أهل أنطاكية ـ ولمّا علموا عدم إمكان ذلك سعوا إلى التحريف المعنويّ وسلكوا شتى من الطرق الملتوية التي كانوا يرونها مناسبة ، لكن الحقيقة بقيت واضحة لا غبار عليها رغم كلّ محاولات التضليل والإيهام من القرشيّين ، وعلى سبيل المثال ـ لا الحصر ـ فإنّ عبد الله بن الزبير مكث أيّام خلافته أربعين جمعة لا يصلّي على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في صلاة الجمعة ، فقيل له في ذلك ، فقال : لا يمنعني من ذكره إلّا أن تشمخ رجال بآنافها ؛ إنّ له أُهيل بيت سوء ينغضون رؤوسهم عند ذكره (٢) !

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٨٨ / ح ٨٩١ ، مكارم الاخلاق : ٢٩٨ .

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٦١ ، شرح النهج لابن أبي الحديد ٤ : ٦٢ والنصّ من الاخير .

١٧٣
 &

الاسراء والمعراج ، الهاشميون والقرشيون

فلنأخذ مثالاً على ذلك ، وهو موضوع الإسراء والمعراج ؛ لأنّه يرتبط بموضوع الأذان ، والمطالع فيما قلناه سابقاً يقف على الأقوال التي قيلت في مكان الإسراء ، فهو : إمّا من شعب أبي طالب (١) ، أو من بيت خديجة (٢) ، أو من بيت أُمّ هاني بنت أبي طالب (٣) ـ أُخت الإمام عليّ ـ هذه هي الأقوال المشهورة ، وكلّها ترتبط بنحو ما بآل أبي طالب .

لكنّهم حرَّفوا الأمر وجعلوه من بيت عائشة ، في حين يعلم المحقّق الخبير وبتأمّل بسيط بأنّ هذا تحريف للحقائق ؛ لأنّ المعروف عن عائشة أنّها كانت صغيرة لم تشاهد ، ولا حدثت عن النبي ، وكذا معاوية فإنّه كان كافراً في ذلك الوقت غير مشاهد للحال ولم يحدث عن النبي ، هذان الشخصان هما مَن روى بأنّ إسراء رسول الله كان في المنام ، لا في اليقظة ، في حين أنّ الباري جلّ شأنه يقول في محكم كتابه : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا ) والعرب لا تقول للنائم : ( أَسْرَى ) وخصوصاً لو جاء مع قوله : ( بعبده ) والذي هو عبارة عن مجموع الروح والجسد (٤) .

نعم ، قد يمكن أن يقال للذي يرى الأُمور في المنام أنّها ( رؤيا ) لا إسراء ، وهذا ما كانت بنو أُميّة تريد التأكيد عليه في موضوع الإسراء ، والأذان المشرّع فيه ، إذ القول بأنّ الإسراء كان مناماً ينسف إعجازه ، ومن ثمّ يتسنى لهم الطعن والتلاعب بالأذان المشرّع فيه ، لذلك كان أئمّة مدرسة أهل البيت يصرّون على أنّ الإسراء كان جسمانياً ، وأنّه معجز ربّانيّ فوق الفهم الإنساني ، وليس كما تقوله بنو أُميّة .

__________________

(١) فتح الباري ٧ : ٢٠٤ ، الدر المنثور ٥ : ٢٢٧ .

(٢) التفسير الكبير للرازي ٤ : ١٦ ، المجموع للنووي ٩ : ٢٣٥ ، شرح الازهار ١ : ١٩٩ .

(٣) تفسير الطبري ١٥ : ٢ ، الدر المنثور ٥ : ٢٠٩ ، فتح الباري ٧ : ٢٠٤ .

(٤) انظر تفسير القرطبي ١٠ : ٢٠٩ ، والتفسير الكبير ٢٠ : ١٢١ ، واضواء البيان ٣ : ٣ .

١٧٤
 &

وقد اعترف بعض العامة بذلك ؛ فقال ابن كثير : . . . فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شيء ولم يكن مستعظَماً ، ولَمَا بادرت قريش إلى تكذيبه ، ولما ارتدّت جماعة ممّن كان قد أسلم (١) .

وأجاب ابن عطية عن دعوى عائشة ومعاوية ، بقوله : . . واعتُرِضَ قولُ عائشة بأنّها كانت صغيرة لم تشاهد ، ولا حدّثت عن النبي ، وأمّا معاوية فكان كافراً في ذلك الوقت ، غير مشاهد للحال ، صغيراً ، ولم يحدّث عن النبي (٢) .

بلى ، إنّهم بتشكيكهم هذا أرادوا أن يقولوا بأنّ الأذانَ لم يُشرّع في السماء بل شُرّع في المنام (٣) ، وأنَّ بعض الصحابة قد شُرّف بهذا المنام الوحياني الذي لم يُحْظَ به رسول الله ، إذ سمع النداءَ السماويَّ : عبد الله بن زيد ، أو عمرُ ، أو معاذُ ، ولم يسمعه رسول الله ، فأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله بلالاً أن يأخذ الأذان من عبد الله بن زيد ! !

وجاءت روايات أُخرى تقول : إنّ رسول الله استشار بعض الصحابة في هذا الحكم الإلهيّ ، فأشاروا عليه بأشياء استقبح الرسول بعضها ، ورضي بالآخر منها .

وفي آخر : إنّ عمر أضاف الشهادة بالنبوّة في الأذان (٤) ، إلى غيرها من التمحّلات الكثيرة التي أُسْقِطَتْ على الأذان وحرّفته عن وجهته الحقيقية .

في حين قد وقفت سابقاً على كلام الإمامين الحسن والحسين وكلام محمّد بن

__________________

(١) تفسير ابن كثير ٣ : ٢٤ ، سورة الاسراء : ١ .

(٢) المحرر الوجيز ٣ : ٤٣٥ ، تفسير القرطبي ١٠ : ٢٠٩ .

(٣) سنن أبي داود ١ : ١٣٤ / باب بدء الاذان / ح ٤٩٨ ، الجامع الصحيح للترمذي ١ : ٣٥٨ / باب ما جاء في الاذان / ح ١٨٩ ، الموطّأ ١ : ٦٧ / ح ١٤٧ ، مصنف عبد الرزاق ١ : ٤٥٥ / ح ١٧٧٤ ، كنز العمال ٧ : ٢٨٣ / ح ٢٠٩٥٢ .

(٤) روى ابن خزيمة عن ابن عمر أنّ بلالاً كان يقول أول ما أذن : أشهد أن لا إله إلّا الله ، حي على الصلاة ، فقال له عمر : قل في أثرها أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قل ما أمرك عمر . صحيح ابن خزيمة ١ : ١٨٨ / ح ٣٦٢ ، كنز العمال ٨ : ١٥٧ / ح ٢٣١٥٠٤ .

١٧٥
 &

الحنفية وغيرهم في بدء الأذان وعدم قبولهم لما طُرح من قبل الامويّين في هذا الأمر ، مؤكِّدين بأنّ الله سبحانه رفع ذكر الرسول في الصلاة والتشهد والأذان (١) ، فلا حاجة بعد ذلك لمدح المادحين ولا خوف من جحود الضالّين المعاندين .

وممّا يجب التنبيه عليه كذلك هو أنّ قريشاً كانت تقول لمن مات الذكور من أولاده : أبتر ، فلمّا مات أبناء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ القاسم وعبد الله بمكة ، وإبراهيم بالمدينة ـ قالوا : بُتِرَ ، فليس له من يقوم مقامه (٢) .

فنزلت سورة الكوثر ردّاً على من عابه بعدم الأولاد ، فالمعنى أنّه جل شأنه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان .

قال الفخر الرازي : فانظُرْ كم قُتِلَ من أهل البيت ثم العالم ممتلئ منهم ، ولم يبق من بني أُميّة في الدنيا أحد يُعبأ به .

ثم انظُر كم فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر ، والصادق ، والكاظم ، والرضا ، والنفس الزكية وأمثالهم (٣) .

تحريفات مقصودة

إنّ أُطروحة كون حقيقة الأذان مناميّة وليست سماويّة هي اُطروحة أموية طُرحت بعد صلح الإمام الحسن مع معاوية للاستنقاص من الرسول ومن آله الكرام ، لأنّ أوّل نصّ وصلنا في ذلك هو لسفيان بن الليل ، إذ قال :

__________________

(١) انظر تفسير قوله تعالى : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ، في تفسير الطبري ٣٠ : ٢٣٥ ، والتفسير الكبير ٣٢ : ٦ ، والكشاف ٤ : ٧٧٥ ، وكذلك في مسند الشافعي : ٢٣٣ / كتاب الرسالة إلّا ما كان معاداً ، ومصنّف بن أبي شيبة ٦ : ٣١١ / ح ٣١٦٨٩ ، وسنن البيهقي الكبرى ٣ : ٢٠٩ / باب ما يستدل به على وجوب ذكر النبي / ح ٥٥٦٢ .

(٢) التفسير الكبير ٣٢ : ١٢٤ ، تفسير القرطبي ٢٠ : ٢٢٣ . وانظر طبقات ابن سعد ٣ : ٧ .

(٣) التفسير الكبير ٣٢ : ١١٧ .

١٧٦
 &

لمّا كان من أمر الحسن بن علي ومعاوية ما كان ، قدمتُ عليه المدينة وهو جالس في أصحابه . . . فتذاكرنا عنده الأذان ، فقال بعضنا : إنّما كان بدء الأذان برؤيا عبد الله بن زيد ، فقال له الحسن بن علي : إنّ شأن الأذان أعظمُ من ذلك ، أذَّن جبرائيل في السماء مثنى مثنى وعلَّمَهُ رسول الله . . . الخبر (١) .

وجاء عن الإمام الحسين أنّه سئل عن هذا الأمر كذلك ، فقال : الوحيُ يتنزّل على نبيّكم وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبد الله بن زيد ؟ ! والأذان وَجْهُ دينكم (٢) .

وجاء عن أبي العلاء قال : قلت لمحمّد بن الحنفية : إنّا لنتحدث أنّ بدء هذا الأذان كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه .

قال : ففزع لذلك محمّد بن الحنفية فزعاً شديداً ، وقال : عمدتم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم دينكم ، فزعمتم أنّه إنّما كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه ،تحتمل الصدق والكذب ، وقد تكون أضغاث أحلام ؟

قال : فقلت [ له ] : هذا الحديث قد استفاض في الناس !

قال : هذا والله هو الباطل ، ثم قال : وإنما أخبرني أبي : أنّ جبريل . . . الخبر (٣) .

إذاً الأمر يتعلّق بالأمويين وأنّهم يريدون أن يشكّكوا في قوله تعالى ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ ) (٤) وفي منام الرسول الأكرم

__________________

(١) نصب الراية ١ : ٢٦١ ، المستدرك للحاكم ٣ : ١٨٧ / ح ٤٧٩٨ ، كتاب معرفة الصحابة .

(٢) دعائم الإسلام ١ : ١٤٢ ، ورواه الاشعث الكوفي في الجعفريات ( المطبوع ضمن كتاب قرب الاسناد للحميري ) : ٤٢ ، وليس فيه ( والأذان وجه دينكم ) ، وعنه في مستدرك الوسائل ٤ : ١٧ / ح ٤٠٦١ .

(٣) أحكام القرآن للجصاص ٤ : ١٠٣ ، السيرة الحلبية ٢ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، أمالي أحمد بن عيسى بن زيد ١ : ٩٠ ، الاعتصام بحبل الله ١ : ٢٧٧ ، النص والاجتهاد : ٢٣٧ .

(٤) سورة الاسراء : ٦٠ .

١٧٧
 &

الّذي شاهد فيه بني أمية ينزون على منبره الشريف نزو القردة (١) ، وربط هذا المنام بخبر الإسراء والمعراج ، والذي جاء في صدر هذه السورة المباركة .

فأبو سفيان ، ومعاوية ، ويزيد كانوا يريدون طمس ذكر محمّد ، فكيف بذكر عليّ وآل محمّد ، والذي مرَّ عليك كلامهم (٢) .

وحكى الأبشيهي في ( المستطرف في كلّ فنّ مستظرف ) عن الإمام [ علي بن ] الحسين أنّه دخل يوماً على يزيد بن معاوية ، فجعل يزيد يفتخر ويقول : نحن ونحن ، ولنا من الفخر والشرف كذا وكذا ، و [ علي ابن ] الحسين ساكت ، فأذّن المؤذّن ، فلمّا قال : أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، قال [ علي بن ] الحسين : يا يزيد جَدُّ من هذا ؟ فخجل يزيد ولم يردَّ جواباً (٣) .

وروى صاحب الأغاني بسنده إلى يحيى بن سليمان بن الحسين العلوي ، قال :

كانت سكينة في مأتم فيه بنتٌ لعثمان ، فقالت بنتُ عثمان : أنا بنت الشهيد ، فسكتت سكينة ، فلمّا قال المؤذّن : أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، قالت سكينة : هذا أبي أو أبوكِ ؟

__________________

(١) مسند أبي يعلى ١١ : ٣٤٨ / ح ٦٤٦١ ، المطالب العالية ١٨ : ٢٧٩ ، مجمع الزوائد ٥ : ٢٤٤ ، تاريخ الخلفاء ١ : ١٣ . . . وغيره .

(٢) انظر كلام أبي سفيان في قصص الأنبياء للراوندي : ٢٩٣ بالإسناد عن الصدوق ، جاء فيه ، قال ابن عباس : لقد كنا في محفل فيه أبو سفيان وقد كف بصره ، وفينا علي عليه‌السلام فأذن المؤذن ، فلما قال أشهد أن محمّداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال أبو سفيان : ههنا من يحتشم ؟ قال واحد من القوم : لا ، فقال : لله در أخي بني هاشم أنظروا اين وضع اسمه ، فقال علي عليه‌السلام : أسخن الله عينك يا ابا سفيان ، الله فعل ذلك بقوله عزّ من قائل : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ، فقال أبو سفيان : أسخن الله عين من قال لي : ليس ههنا من يحتشم ، وعنه في بحار الأنوار ٣١ : ٥٢٣ ، وكلام معاوية في الموفّقيات للزبير بين بكار : ٥٧٦ ، وعنه في كشف الغمة ٢ : ٤٦ ، وشرح النهج ٥ : ١٣٠ ، ومروج الذهب ٣ : ٤٥٤ .

(٣) المستطرف في كل فنّ مستظرف ١ : ٢٨٩ / باب في الفخر والمفاخرة .

١٧٨
 &

فقالت العثمانية : لا جَرَمَ ، لا أفخر عليكم أبدا (١) .

وهذا معناه أنّ القرشيين كانوا يتحينون الفرص للحطّ من شأن قربى الرسول وأهل بيته علاوة على أمير المؤمنين علي الذي هو على رأس هذا البيت المقدس ، وهذا يوقفنا على أنّ الشهادة بالولاية لعلي مع افتراض تشريعها أو محبوبية ذكرها أو جواز ذكرها من باب التفسير سيعارض الاتّجاه القرشي أقوى معارضة ، ولهذا وأدلّة أخرى احتملنا أنّ الشهادة بالولاية لعلي في الأذان لم ينشرها النبيّ بنحو الجزئية خوفاً على الأمّة من التقهقر ؛ إذ بالنظر لمجموع الأدلة في الشهادة الثالثة ـ علاوةً على اعتراف الشيخ الطوسي بوجود أخبار شاذّة فيها ، وأنّ الشاذّ ـ كما عرفه المجلسي ـ هو الصحيح غير المعمول به ، وذهاب طائفة عظيمة من فقهاء الأصحاب إلى محبوبيّتها ـ يمكن احتمال أنْ يكون ملاك التشريع موجوداً فيها لكنّ المانعَ أيضاً موجود آنذاك .

ومما يدل على ان القوم كانوا بصدد اخماد ذكر محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله هو ما جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : أن فاطمة الزهراء لامت الإمام عليّاً على قعوده ، وأطالت عتابَهُ ، وهو ساكت حتى أذّن المؤذّن ، فلمّا بلغ إلى قوله : « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » قال لها : أتحبّين أن تزول هذه الدعوة من الدنيا ؟

قالت : لا .

قال : فهو ما أقول لك (٢) .

وفي نص آخر : قد روي عن عليّ أنّ فاطمة حرّضته يوماً على النهوض والوثوب ، فسمع صوت المؤذّن « أشهد أن محمّداً رسول الله » فقال لها : أيسرك زوال هذا النداء من الأرض ؟

قالت : لا .

__________________

(١) الأغاني ١٦ : ١٥٠ .

(٢) شرح النهج ٢٠ : ٣٢٦ / الرقم ٧٣٥ .

١٧٩
 &

قال : فإنّه ما أقول لك (١) .

فقريش كانت لا تريد الجهر باسم الرسول الأكرم ، فكيف ترضى الجهر باسم وصيّه وخليفته من بعده ؟ ! وحسبك أنّ أبا محذورة المؤذن خفض صوته بالشهادة الثانية استحياءً من أهل مكة ، لأنّهم لم يعهدوا ذكر اسم رسول الله بينهم جهراً ، ففرك رسول الله أذُنه وقال : ارفع صوتك (٢) . فماذا يمكن أن نتوقّع لو ذكر اسم علي في الأذان على سبيل الجزئية كل يوم ؟ !

بلى ان بلالاً كان لا يستحي من قريش ولا يداهن فكان يجهر ويصيح بأعلى صوته : « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » من على بيت أبي طلحة (٣) .

ونقل الواقدي قصة فتح مكة ، وفيه : إنّ رسول الله أمر بلالاً أن يؤذّن فوق ظهر الكعبة . . . فلمّا أذّن وبلغ إلى قوله « أشهد أن محمّداً رسول الله » رفع صوته كأشدّ ما يكون ، فقالت جويرية بنت أبي جهل : قد لعمري « رفع لك ذكرك » . . . وقال خالد بن سعيد بن العاص : الحمد لله الذي اكرم أبي فلم يدرك هذا اليوم .

وقال الحارث بن هشام : وا ثكلاه ، ليتني مت قبل هذا اليوم ، قبل ان اسمع بلالاً ينهق فوق الكعبة ! (٤) .

وغيرها من النصوص الكثيره الدالة على وجود مجموعتين إحداهما تحرص على إعلاء ذكر محمّد ، والأُخرى تسعى لإخماده ، وهذا هو الذي كان يدعو آل البيت لأن يشيدوا بهذه المفخره أمامَ من ينكرونها .

ولأجل هذا وغيره نرى النصوص الحديثية تؤكّد على لزوم رفع الصوت

__________________

(١) شرح النهج ١١ : ١١٣ .

(٢) انظر المبسوط للسرخسي ١ : ١٢٨ ـ ١٢٩ .

(٣) أخبار مكة للازرقي ١ : ٢٧٥ ، شرح النهج ١٧ : ٢٨٤ ، إمتاع الإسماع ١ : ٣٩٦ ، سبل الهدى والرشاد ٥ : ٢٤٩ .

(٤) شرح النهج ١٧ : ٢٨٤ ، إمتناع الإسماع ١ : ٣٩٦ ، و ١٣ : ٣٨٥ ، السيرة الحلبية ٣ : ٥٤ .

١٨٠