الصلاة خير من النوم شرعة أم بدعة

السيد علي الشهرستاني

الصلاة خير من النوم شرعة أم بدعة

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة المؤمل الثقافية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

أمّا الوجه الآخر وهو فهم المقصود من جملة « الصلاة خير من النوم » فمغفول عنه في كتب الآخرين ؛ إذ قد اكتفوا بذكر معناه الظاهري فقط ، في حين أنّ الواقف على خلفيات الأحداث وملابساتها يمكنه معرفة أهداف الرفع والوضع بشكل آخر إن كان موضوعياً في بحثه ، كما يمكنه الوقوف على أهداف الوضّاعين وتاريخ وضع تلك الأخبار .

لأنّ الباحث حينما يأتي ببعض الأخبار ، تارة يأتي بها للاستدلال ، وهذا يجب أن يكون من الأخبار الصحيحة .

وتارة يأتي بالخبر الموضوع للوقوف على أهداف الوضّاعين في تلك الفترة من تاريخ الاسلام التي وضع فيها هذا الخبر أو ذاك ودواعي انتشارها وإن لم يستدل بالخبر الموضوع .

وإنّك قد ترانا نستدلّ بعمل الحكومات السنية أو الشيعية لتحكيم رؤيتنا ، وذلك لا للاستدلال الشرعي بل للإشارة إلى وجود اتّجاه خاص له تاريخه وجذوره يتبنى الرأي الفلاني .

وهناك اتجاه آخر له تاريخه وجذوره يتبنّى الشيء الفلاني الآخر ، فمقصودنا من ذلك هو الوقوف على امتدادات هذين الفريقين واتّصالها بصدر الإسلامي الأوّل ورجاله لنعرف الأصيل والمحرف منه .

مخالفة الخلفاء مع منهج أهل البيت عليهم‌السلام

وطبقاً لهذه الكلية أقول : مما لا خلاف فيه أنّ الحكومتين الأموية والعباسية كانتا امتداداً لخلافة الشيخين وعثمان ، وتياراً معارضاً لنهج الإمام عليّ النبوي ، فلا

٤٠١
 &

يبعد أن يكون عمل هؤلاء مؤشّراً عن منويّات ومُتَبَنَّيات مَنْ سبقهم من الخلفاء ، وقد مرّ عليك ما قاله معاوية لعمّاله بأن لا يتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلّا ويأتون بمناقض له في الصحابة (١) .

ومعاوية ترك السنّة بغضاً لعلي ، وأنّه حَذَفَ البسملة من الحمد والسورة ، مع علمه بأنّها صادرة من الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ عليّاً لم يصر عليها إلّا لأنّه المدافع عن حرم الله ورسوله الذاب عنهما الباذل مهجته فيهما ، وأنّ المنهج العلوي النبوي يعتبر الجهر بها من علائم المؤمن ،فلا يستبعد أن يكون اهتمامهم بجعل « الصلاة خير من النوم » بدل « حيّ على خير العمل » في الأذان جاء إطفاءً لذكر الله ومخالفةً لعلي عليه‌السلام ، لكنّ الله مُتِمّ نوره ولو كره الكافرون .

قال الشيخ محمد أبو زهرة : لا بدّ أن يكون للحكم الأموي أثر في اختفاء كثير من آثار عليّ في القضاء والإفتاء ، لأنّه ليس من المعقول أن يلعنوا عليّاً فوق المنابر وأن يتركوا العلماء يتحدّثون بعلمه وينقلون فتاواه وأقواله خصوصاً ما يتصل بأسس الحكم الاسلامي (٢) .

أقول : ألم تكن خلافة أبي بكر أو إمامة عليّ هي أساس الحكم الإسلامي ، فهل يعقل أن لا يكون لمعاوية وأترابه أثر في ترسيخ خلافة أبي بكر مقابل إمامة الإمام علي ، وخصوصاً بعد معرفتنا هذا التقابل بدلالة « حي على خير العمل » على الولاية .

______________________

(١) أنظر : شرح نهج البلاغة ١١ : ٤٤ ـ ٤٥ ، ٤ : ٦٣ .

(٢) تاريخ المذاهب الإسلامية : ٢٨٥ ـ ٢٨٦ .

٤٠٢
 &

وعلى هذا الاساس لنا أن نحتمل إن كان من أهداف معاوية وأترابه من التزام وضع جملة « الصلاة خير من النوم » في الأذان هو الإشارة إلى خلافة أبي بكر في قبال إمامة أمير المؤمنين علي عليه‌السلام .

كان هذا مجمل ما نريد قوله في تفسير « الصلاة خير من النوم » ، فنحن لو ضممنا الموجود عن أئمة أهل البيت في معنى « حيّ على خير العمل » ، وما قالوه عليهم‌السلام في سبب رفع عمر بن الخطاب للحيعلة الثالثة ، لرجح ما يمكننا قوله في المقصود من جملة « الصلاة خير من النوم » ، وهو رأي بنظرنا قابل للأخذ والردّ ، ويحتمل الصحة والخطأ ؛ لأنّه مُبتن على قرائن وشواهد كثيرة وقفنا عليها من هنا وهناك ، وهي بمجموعها قد تعطي للنفس بعض الاطمئنان برؤيتنا ، لكنّها لا ترتقي الى الدليلية القاطعة والنصّ الصريح الذي لا محيد عن لزومه والأخذ به ، فوجهة نظرنا هذه في تفسير « الصلاة خير من النوم » ليست بمنزلة الأدلة التي سقناها عن أهداف عمر في رفع الحيعلة الثالثة من خلال نصوص أهل البيت فتلك النصوص ثابتة وهذه رؤية محتملة .

وعليه فلا يمكن الجزم بما نقوله في تفسير معنى « الصلاة خير من النوم » على وجه القطع واليقين ، بل كلّ ما نطرحه هنا هو على سبيل الاحتمال والاستفسار ، فالمأمول من اخواننا العلماء أن يعطوا رأيهم فيما كتبناه ويناقشونا فيما حررناه بعلمية وحيادية ، ويوقفونا على نقاط الضعف والقوة فيها ، شاكرين توجههم لمطالعة أمثال هكذا بحوث خلافية ، داعين لهم بما أمرنا الله ورسوله من الدعاء لإخواننا المؤمنين وجزاهم عنّا خير جزاء المحسنين .

٤٠٣
 &

احتمالات ثلاث

وإليك الآن الاحتمالات التي يمكن افتراضها في معنى « الصلاة خير من النوم » ، وكلّها تتفق في ارتباط كلمة « الصلاة » بصلاة أبي بكر ، لكن بفارق في تفسير معنى « النوم » فيها ، وهل يُعني به نوم النبيّ أو نوم عليّ أو شيء آخر .

والاحتمالات المتصوّرة في هذه الجملة المثارة الحساسة هي :

صلاة أبي بكر خير من نوم علي .

صلاة أبي بكر خير من نوم النبي .

الصلاة العبادية هي خير من نوم علي .

الصلاة العبادية هي خير من نوم النبي .

صلاة النبي خير من نومه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمثالها .

وإنّي أُركز البحث على ثلاث احتمالات منها فقط :

الاحتمال الأول :

وهو الذي جاء في كتاب « نور البراهين » للسيّد الجزائري (ت ١١١٢ هـ) حيث قال :

« ... وربما قصدوا به أنّ صلاة أبي بكر في الغار خير من نوم عليّ على فراش رسول الله ليلة الغار» (١) .

______________________

(١) نور البراهين ٢ : ٢٢ .

٤٠٤
 &

ذكر المؤلف ذلك على سبيل الاحتمال دون الإشارة إلى ما يؤيده من الأخبار ، ولم نعهد أحد استدل بصلاة أبي بكر أو بكثرة صلاته في الغار على خلافته ، وهذا ما يجعلنا ان نترك هذا الاحتمال ، ولعل كاتبه كان يقصد ما نريد قوله في الاحتمال الثالث فسها قلمه وقال بصلاة أبي بكر في الغار لا صلاة أبي بكر مكان رسول الله .

أمّا الاحتمالان الآخران فهما قريبان إلى الواقع ، وإن كان الثالث منهما هو الأرجح بنظرنا .

الاحتمال الثاني :

أن تكون الجملة السابقة إشارة إلى وجود اتجاهين في الشريعة بعد وفاة رسول الله :

أحدهما يعتقد بعمق الرسالة ومكانة الرسول ، ولزوم طاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله وعدم جواز مخالفته ، لدلالة آيات كثيرة عليها ، منها قوله تعالى : ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (١) ، وقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ) (٢) ، وقوله تعالى : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (٣) .

والآخر : يتعامل معه كانسان عاديّ يصيب ويخطئ ، ويقول في الغضب ما لا

______________________

(١) سورة النور : ٥١ .

(٢) سورة الأحزاب : ٣٦ .

(٣) سورة النساء : ٦٥ .

٤٠٥
 &

يقوله في الرضا ، وهؤلاء هم الذين رفعوا اصواتهم فوق صوت النبي (١) ، واخذوا يناقضون النبي ويناقضهم (٢) ويلمزونه في الصدقات (٣) وهم الذي إذ راوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوه قائماً (٤) ومنهم من رمى فراش الرسول بالافك (٥) وتواطوا على اغتياله ليلة العقبة (٦) وكانوا يؤذون النبي (٧) حتى نزل فيهم ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ) .

وهؤلاء هم الذي لم يمتثلوا لأمر الرسول في مرض موته حينما قال لهم : ائتوني بكتف ودواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبدا ، واخذوا بثوب النبي لما أراد الصلاة على المنافق ، واجتهدوا مقابل النص .

فرجال هذا الاتّجاه كانوا يريدون أن يقولوا بأنّ ما أتى به الرسول من عند الله

______________________

(١) في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) . الآية ٢ من سورة الحجرات .

(٢) كما في قصة عبد الله بن عمرو بن العاص ومناقضته للنبي في مدة قراءة القرآن وصيام الدهر ، أُنظر الطبقات الكبرى ٤ : ٢٦٤ ، وتعليقة الذهبي في سير أعلام النبلاء ٣ : ٨٥ ـ ٨٦ على كلامه ، كما اُنظر كتابنا وضوء النبي ٢ : ٤٩٢ .

(٣) اُنظر أقوال المفسرين في تفسير الآية ٥٨ من سورة التوبة .

(٤) اُنظر ما جاء في الآية ١١ من سورة الجمعة عند المفسرين .

(٥) اُنظر ما جاء في الآية ١١ من سورة النور عند المفسرين .

(٦) التوبة : ٧٤ ، واُنظر شرح النووي على مسلم ٧ : ١٢٥ ، المعجم الأوسط ٤ : ١٤٦ / ح ٣٨٣١ ، ٨ : ١٠٢ / ح ٨١٠٠ ، الأحاديث المختارة ٨ : ٢٢٠ / ح ٢٦٠ ، وقال اسناده صحيح ، مجمع الزوائد ١ : ١١٠ ، البداية والنهاية ٥ : ٢٠ ، ورواه مسلم مختصراً في صحيحه ٤ : ٢٤٣ / ح ٢٧٧٩ ، السنن الكبرى للبيهقي ٨ : ١٩٨ ، مسند أحمد ٤ : ٣١٩ / ح ١٨٩٠٥ ، تاريخ الإسلام ٢ : ٦٤٨ ، مسند البغوي ٢ : ٣٠٧ .

(٧) لقوله تعالى في سورة التوبة ٦١ : ( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ) .

٤٠٦
 &

هو أهمّ من نفس الرسول ، فالصلاة أهمّ من النوم ، أي كان حال قولهم : اتركوا رسول الله وشأنه عند مرض موته ، واقدموا على ما دعاكم إليه من الاهتمام بالعبادات مثل : الصلاة ، الصوم ، الزكاة ، الحج ، فـ « الصلاة خير من النوم » .

والأنكى من ذلك ان هذا الاتجاه كان يعتقد بأن النبي كغيره من الناس قد يغلب عليه النوم حتى تطلع الشمس أو أنّهم كانوا يقولون بأكثر من ذلك .

فقد أخرج ابن أبي عاصم (ت ٢٨٧ هـ) في كتاب « الآحاد والمثاني » عن يزيد بن صالح الرحبي ، حدثني ذو مخبر أنهم كانوا في سفر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانصرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأسرع السير فتقطع الناس وراءه ، فقال قائل : يا رسول الله تقطع الناس وراءك ، فجلس حتى تكامل الناس إليه .

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أو قال قائلهم ـ : لو هجعت بنا هجعة ، أو قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : هل لكم بهجعة هجعة ؟ فوافق ذلك منهم فقالوا : نعم جعلنا الله عز وجل فداك ، فنزل فنزلوا .

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من يكلؤنا الليلة ، فقال ذو مخبر : أنا يا رسول الله جعلني الله عز وجل فداك ، فأعطاني ناقته فقال : هاك لا تكونا لكعا .

قال : وأخذت بخطام الناقة فتنحيت غير بعيد ، فأنا أحترس وهما ترعيان ، فأخذني النوم ، فلم أستيقظ حتى وجدت حر الشمس على وجهي ، فنظرت يمينا وشمالا فإذا الراحلتان غير بعيد ، فقمت إليهما فأخذت بخطامهما ، فأتيت القوم فإذا هم نيام ، فأيقظت الأدنى وقلت : صليتم ، قال : لا .

فأقام بعضهم بعضا حتى قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا بلال هل في المبيضة ماء ، قال : نعم ، جعلني الله فداك ، فتوضأ وضوءا لم يلت منه التراب ، فقام فركع

٤٠٧
 &

ركعتين غير معجل ، ثم أمر بلالا ؟ فأذن فثوب فصلى بهم غير عجل ، فقال قائل : يا رسول الله فرطنا ، فقال : قبض الله عز وجل أرواحنا ثم ردها إلينا وقد صلّينا (١) .

انظر كيف اقام المسلمون بعضهم بعضاً وكان النبي آخرهم قياماً للصلاة !

إنّها مهزلة واستنقاص بالرسول وإيما استنقاص بحيث تراه لا يفيق من المنام إلا بعد ان تشرق الشمس على وجوه المسلمين ، وسبحانه يخاطبه وهو غارق في عبادته : ( طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ) .

في حين هناك اتجاه آخر لا يرتضي هذا الفهم ، بل يعتقد بأنّ أوامر الرسول والحفاظ على نفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله هو أهمّ من الصلاة ، ومن هؤلاء الإمام عليّ الذي لم يتحرّك للصلاة في أوّل وقتها ، لأنّ رسول الله كان رأسه في حجر عليّ ، والوحي كان ينزل عليه ، فبقي الإمام علي على هذه الحالة امتثالا لأمر الله ورسوله حتّى كادت الشمس أن تغيب ، وفاته أن يصلي في وقت الفضيلة من قيام ، فجازاه الله سبحانه بردّ الشمس عليه (٢) .

إذن كان بين الصحابة من يعتبر أمر رسول الله أهمّ من الصلاة ، بعكس مجموعة أخرى التي ترى أداء الصلاة أهمّ من أمر الرسول ، في حين أنّ رسول الله نفسه كان من القسم الأوّل ؛ إذ في البخاري وغيره أنّ أبا سعيد بن المعلى

______________________

(١) الآحاد والمثاني ٥ : ١٢٣ / ح ٢٦٦٤ .

(٢) قرب الإسناد : ١٧٥ / ح ٦٤٤ ، علل الشرائع ٢ : ٣٥٢ / ح ٣ ، من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٠٣ / ح ٦١٠ ، تهذيب الأحكام ٢ : ٢٧٧ / ح ١ ، المعجم الكبير ٢٤ : ١٤٤ / ح ٣٨٢ ، مجمع الزوائد ٨ : ٢٩٧ ، قال : رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح عن إبراهيم بن حسن وهو ثقه .

٤٠٨
 &

الأنصاري كان في الصلاة ، فدعاه رسول الله التباطؤ حتى أكمل صلاته ثمّ جاء إلى رسول الله ، فاعترض رسول الله على هذا التباطأ موبّخاً إيّاه بقوله : ألم تسمع قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) (١) .

وهو قد وقف أمام من منع من تدوين حديثه بدعوى أنّه يقول في الرضا ما لا يقوله في الغضب ولزوم الاكتفاء بالقرآن دون سُنّته ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا وإنّي قد أُوتيت الكتاب ومثله معه (٢) .

فقد يكون في الشعار (٣) ، إشارة إلى هذين الاتجاهين عند وفاة رسول الله ثم من بعده .

وبما أنّ النهج الحاكم كان من الذين يأخذون بظواهر الأمور ، ومخالفيهم كانوا يأخذون بالاتّجاه الآخر ، لذلك جعلت مدرسة الخلافة شعار : « الصلاة خير من النوم » في الصبح خاصة شعاراً مميّزاً لها عن غيرها .

وقد يمكننا أن نؤيد هذا التقسيم الثنائي بعد رسول الله بما بدر من عمر من تقديمه الصلاة العبادية على النّبي .

ففي سنن النسائي (المجتبى) عن عطاء ، قال : سمعت ابن عباس

______________________

(١) سورة الأنفال : ٢٤ . والجز في ص ٦٤ وهو الصديق .

(٢) مسند أحمد ٤ : ١٣٠ / ١٧٢١٣ و ١٣٢ / ١٧٢٣٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦ / ١٢ ـ باب تعظيم حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، سنن أبي داود ٤ : ٢٠٠ / ٤٦٠٤ باب في لزوم السنّة ، السنن الكبرى للبيهقي ٩ : ٣٣١ / ١٩٢٥٢ ، الكفاية للخطيب : ٢٣ .

(٣) أعني « الصلاة خير من النوم » .

٤٠٩
 &

يقول : أعتم رسول الله ذات ليلة العتمة حتى رقد الناس واستيقضوا ، ورقدوا واستيقظوا ، فقام عمر فقال : الصلاة الصلاة (١) .

وفي صحيح البخاري عن سهل بن سعد الساعدي : إنّ رسول الله ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم ، فحانت الصلاة ، فجاء المؤذن إلى أبي بكر ، فقال : أتصلّي للناس فاقيم ؟ قال : نعم ، فصلى أبو بكر ، فجاء رسول الله والناس في الصلاة ... (٢)

فها هو أبو بكر وعمر ، يتقدّم أولّهما على الرسول للصلاة بالمسلمين ثمّ يأتي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيتنحّى ليترك المصلّى لرسول الله ، ويحاول الثاني تعليمه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يعلم الصلاة ولا مواقيتها .

ألم يكن الأولى أن ينتظروا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مصدر التشريع ، وأن لا يتقدموا عليه . لأنّه من غير المعقول أن يترك رسول الله الصلاة في أول وقتها ، فالتقدم عليه من غير إذنه تجاوز وخروج عن الأدب والدين ، وهو لا يقل سوء أدباً من رفع صوته بمحضر النبي .

وفي كتاب الوصية عن الإمام الكاظم عليه‌السلام : إنّ النبيّ لما ثقل في مرضه دعا عليّاً فوضع رأسه في حجره وأغمي عليه ، وحضرت الصلاة فأُذّن بها ، فخرجت عائشة فقالت : يا عمر أخرج فصل بالناس ،

______________________

(١) سنن النسائي (المجتبى) ١ : ٢٦٥ / ح ٥٣١ ، صحيح مسلم ١ : ٤٤٤ / ح ٦٤٢ مثله .

(٢) صحيح البخاري ١ : ٢٤٢ / ح ٦٥٢ .

٤١٠
 &

فقال : أبوك أولى بها مني ... قالت [ عائشة ] : مع أنّ محمداً مغمى عليه لا أراه يُفيق منها ، والرجل مشغول به لا يقدر أن يفارقه ـ تريد علياً ـ فبادر بالصلاة من قبل أن يفيق (١) .

كما أنّ الشيخين وأتباعهما ، ورؤوس الأنصار ، تركوا رسول الله وهو على فراش الموت وذهبوا يتنازعون فيمن يكون له الأمر ، وظلّ عليٌّ مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّهم كانوا يعتقدون بأنّ أمر الخلافة أهم من الرسول وموته وتغسيله وتكفينه ، لكن علياً كان يرى خلاف ذلك وأنّ النبيّ هو الأهم .

فحين أحتج أمير المؤمنين على المهاجرين والأنصار وكانت معه فاطمة عليها‌السلام ، كانوا يقولون :

يا بنت رسول الله مضت بيعتنا لهذا الرجل [ أي أبا بكر ] ، ولو أنّ زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به .

فقال علي عليه‌السلام : « أفكنت أدع رسول الله في بيته لم أدفنه ، وأخرج أنازع الناس سلطانه ؟ »

فقالت فاطمة عليها‌السلام : « ما صنع أبو الحسن إلّا ما كان ينبغي له ، ولقد صنَعوا ما الله حسيبهم وطالبهم » (٢) .

إذن كان علي وفاطمة ورهط من الصحابة يرون أنّ ذات النّبي المقدسة هي أهم من كل العبادات ، خلافاً للذين يأخذون بالظواهر والقشور ويتركون اللّبّ .

______________________

(١) كتاب الوصية : ١٤٢ ، وانظر الطرف للسيّد ابن طاووس أيضاً .

(٢) الإمامة والسياسة ١ : ١٩ .

٤١١
 &

إذن ليس من المستبعد ـ بل من القريب جدّاً ـ أن يكون أبو بكر وعمر المتبنّين والواضعين لـ « الصلاة خير من النوم » دفعاً لمساءة تركهما النبي واشتغالهما بالصلاة وأمور الخلافة .

فيكون الأوّل ـ أبو بكر ـ قد أسس المقولة أو أُسّس ذلك في عهده ، ورسّخها الثاني وقنّنها بنو أمية بأحاديث مفتعلة مرويّ عن الصحابة والتابعين إلى الأبد ؛ لأنّ هؤلاء يسيرون على نفس المنهج الذي يهتم بظواهر الأُمور العبادية فيحفظون آيات الذكر الحكيم تاركين العمل به ويدعون إلى تلاوة القرآن تاركين الرسول وسنّته .

وعليه فـ « الصلاة خير من النوم » هي بيان للكلية التي يعتقدون بها وإشارة إلى المنحى الفكري الذي يدعون الناس إليه بعد رسول الله ، لأنّهم في منهجهم هذا قد حددوا عصمة النبي ـ بل عصمة الأنبياء ـ في اطار ما أتوا به من عند الله ، لأنّ الله سبحانه قال : ( بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ) ، ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) أي أنّه معصوم في إطار التشريع والأحكام ولم ينزهونهم إلّا فيما جاءوا به من الوحي ، وهذا يعني وجوب اتباعهم فيما أتوا به من الله فقط ، ولأجل ذلك تراهم لا يحترمون النّبي محمد بقدر ما يهتمون بظواهر الإسلام كالصلاة وتلاوة القرآن و ... ، فلا يقصدون المدينة المنورة إلّا للصلاة في مسجد النبي ، بخلاف بلال الذي قصدها لزيارة رسول الله بعد منام راى فيه النبي وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له ما هذه الجفوة يا بلال ؟! أما آن لك أن تزورني يا بلال ؟

٤١٢
 &

فانتبه حزيناً وجلاً خائفاً ، فركب راحلته وقصد المدينة [ من الشام ] ، فأتى قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل يبكي عنده ويمرّغ وجهه عليه (١) .

وفي مستدرك الحاكم : أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه على القبر فأخذ برقبته فقال : أتدري ما تصنع ؟ قال : نعم ، فاقبل عليه فإذا هو أبو أيوب الأنصاري ؟ ، فقال : جئت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم آت الحجر ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله ، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (٢) .

حتّى وصل الأمر بمحمد بن عبد الوهاب ان يستنقص الرسول في قوله : عصاي خير من رسول الله ، لأنّها تفيدني ورسول الله مسلوب المنفعة عنه اليوم ، لأنّه ميت ليس له ارتباط بعالم الدنيا والعياذ بالله .

مع أنّهم يقرءون في القرآن والأحاديث ما يلزمهم التسليم عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصلاة ، فلو كان ميتاً لا يفقه ـ والعياذ بالله ـ فما يعني التسليم عليه في الصلاة والتوجّه إليه بلفظ الخطاب « السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته » .

وعليه فهذا الاعتقاد الفاسد قد يسوق الآخرين للقول بأنّ المسيح والبوذي لو عملا بالاحكام الشرعية الإسلامية فهي منجيه لهما وإن لم يشهدا بالشهادتين ، لأن المهم عند هؤلاء الأعمال لا الايمان .

______________________

(١) تاريخ دمشق ٧ : ١٣٦ / ت ٤٩٣ ، تاريخ الإسلام ١٧ : ٦٧ ، أسد الغابة ١ : ٢٠٨ ، التحفة اللطيفة ١ : ٢٢١ .

(٢) مستدرك الحاكم ٤ : ٥٦٠ ، تاريخ دمشق ٥٧ : ٢٥٠ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ : ٣٩٨ . ورواه أحمد أيضاً في مسنده ٥ : ٤٢٢ / ح ٢٣٦٣٣ ، وليس فيه : فأخذ برقبته .

٤١٣
 &

تأييد الوجه الثاني

وقد يمكن تأييد هذا الاحتمال الثاني بالخبر الذي جئنا به عن المعجم الأوسط للطبراني ، عن بلال وأنّه سمع قول النبي « مرو أبا بكر فليصل بالناس » فذهب واذن وزاد في اذانه « الصلاة خير من النوم » فقال النّبي له : ما هذا الذي زدت في اذانك ، قال : رأيت فيك ثقلة فأحببت أن تنشط ، فقال : اذهب فزده في اذانك ومروا أبا بكر فليصل بالناس .

تأمل في هذا النص لتعرف هدف الوضاعيين وما يريدون قوله في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ بلالاً الحبشي رأى فيه ثقلة وأحب أن ينشط رسول الله فقال « الصلاة خير من النوم » ، وهذا الكلام من هؤلاء يشبه كلام عمر : « إن الرجل ليهجر » ، وفي نص آخر : « غلبه الوجع » .

وعلى كل حال يمكننا تلخيص الاحتمال الثاني بأن الاتجاه الحاكم يريد أن يُعلم الآخرين بأن الاهتمام بالعبادات أهم من نفس النبي ، فكيف لا يكون أهم مما يستتبعه في الاصول والفروع كولاية علي وفاطمة و ... ، وهو معنى آخر لـ « حسبنا كتاب الله » أو « حسبكم القرآن » حسب تعبير عائشة ، فهم قد ضربوا قدسية النبي ، وبضربهم هذه القدسية ضربوا كل ما يستتبع هذه القدسية ، ولاجل ذلك ترى عمر يقول لمن اخبره بوجود فاطمة الزهراء عليها‌السلام في بيت علي ـ حينما أراد الهجوم على ذلك البيت ـ ، قال عمر : وإن (١) .

______________________

(١) الإمامة والسياسة : ١٩ .

٤١٤
 &

وفي ذلك يقول شاعر النيل (١) :

وقولة لعلي قالها عمر

أكرم بسامعها أنعم بملقيها

حرقت دارك لا أبقي عليك بها

إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما إنّ غير أبي حفص يفوه بها

أمام فارس عدنان وحاميها

وهم يقولون بتشريع الأذان في المنام فكيف لا يقولون من عند أنفسهم بـ « الصلاة خير من النوم » .

تشريع الأذان منامياً أو وحيانياً

لقد مرّ عليك سابقاً أنّهم جعلوا تشريع الأذان منامياً استنقاصاً بالنبي وبالرويا التي راها في بني اُمية في قوله تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (٢) ومن خلال هذه المفردات تعرف عمق النزاع الدائر بين أهل البيت وبني اُمية ، ولماذا يصر الآخرون على كون تشريع الأذان مناماً بخلاف أهل البيت الذين يصرون على تشريعه عند الأسراء والمعراج ويقولون عن أُولئك بأنّهم عمدو إلى اعظم شيء في الدين فحرفوه .

أجل إنّ هؤلاء كانوا هم الامتداد القائل بأن النبي كان يريد أن يرفع بضبع ابن عمه علي ، وإن الإمامة ليست بإمامة إلهية عندهم ، بل هي حكومة ظاهرية ومنصب يحصل عليه الانسان بالشورى والغلبة .

______________________

(١) ديوان حافظ إبراهيم ١ : ٧٥ ، دار الكتب المصرية ، القاهرة .

(٢) الأسراء : ٦٠ .

٤١٥
 &

وإنّ قول عمر لرسول الله في رزية الخميس « حسبنا كتاب الله » دالة على هذا الأمر وأنّه كان يريد بكلامه هذا أن يقول بأن ظاهر القرآن ونصه مقدم على نفس رسول الله ، فكيف في قوله عند مرض موته !

في حين ان هذا القرآن ـ الذي يرجعون الناس إليه هو ـ نفسه أمرهم بلزوم اتباع الرسول وأنّ كلامه لا يختلف عن القرآن لقوله : « وإنّي قد أُوتيت الكتاب ومثله معه » وعليه فيجب التعبّد بقوله وفعله وعدم الخروج عن اوامره صاحياً كان أم مريضاً .

وعليه فإنّ وضع جملة « الصلاة خير من النوم » عند هؤلاء تعني بأنّ الصلاة ـ والتي هي رأس العبادات ـ خير من نفس النّبي ، وإذا كانت هي خير من النبي في حالة صحوه فكيف لا تكون خير منه في حالة نومه وغلبة الوجع عليه !!! ـ والعياذ بالله ، ما أكبرها من كلمة !!! ـ

أي أنّ الالف واللام في هذا الاحتمال يكون للجنس مع لحاظ خصوصية نوم النبي .

وباعتقادي ـ طبقاً للنصوص ـ أنّ جملة « الصلاة خير من النوم » قد وضعت ـ في أذان الفجر ـ بعد وفاة رسول الله وفي عهد أبي بكر ، لكن لما كانت فترة خلافته قصيرة ومملوة بالحروب الداخلية ، ثبتت هذه المقولة بجهود عمر وفي عهده في الأذان ، ويتّفق هذا مع ما قاله الإمام مالك في الموطّأ .

فعمر كان جريئاً وله أوّليات في الشريعة والتاريخ وهو أوّل من اتهم الرسول بالهجر ، ومنعه من كتابة الكتاب ، وكان زعيم الاتجاه الذاهب إلى كون العبادات ـ وعلى رأسها الصلاة ـ هي أهم من نفس النّبي ، وبذلك تكون « الصلاة » عنده خير من « النوم » بهذا التفسير .

٤١٦
 &

الاحتمال الثالث :

وهي رؤيتنا ، ويمكن التدرّج في طرحها وتلخيصها في نقاط :

صلاة أبي بكر أهم ما استدلّ به على خلافته

أولاً : من المعلوم بأنّ الجمهور استدلّوا على إمامة أبي بكر بعدّة أمور ؛ منها : صلاة أبي بكر بالناس بأمر النبيّ ، مدَّعين أنّ من ارتضاه رسول الله لديننا نرتضيه لدنيانا ، ناسبين هذه المقولة إلى الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام (١) .

لكنّ الواقع يكذّب ما قالوه وما نسبوه إلى الإمام عليّ عليه‌السلام عنوة ؛ لأنّ عليّاً لم يترك مناسبة إلّا وأعلن سخطه وإدانته لأبي بكر ، وأنّ الأخير غصب الخلافة منه ، فكيف يستدل هو لصحة تلك الخلافة المزعومة بأمثال هكذا استدلالات باطلة .

نحن لسنا بصدد ردّ هذه المقولة لوضوح كذبها ولمضادتها ومصادمتها مع العقل السليم والمنطق لكنّا نأتي بما قالوه لنؤكّد أنّ القوم استدلوا بصلاة أبي بكر على خلافته . وإليك تلك النصوص :

فعن الحسن البصري أنّه قال : أمر رسول الله أبا بكر وهو مريض أن يصلّي بالناس . ثم قال الحسن : ليعلمهم والله مَنْ صاحبهم بعده (٢) .

وفي آخر : بعث عمرُ بن عبد العزيز محمد بنَ الزبير الحنظلي إلى الحسن البصري وسأله : هل كان رسول الله استخلف أبا بكر ؟

______________________

(١) انظر التمهيد لابن عبد البر ٢٢ : ١٢٩ ، تاريخ دمشق ٣٠ : ٢٦٥ ، الاستيعاب ٣ : ٩٧١ ، شرح اصول اعتقاد أهل السنة ٧ : ١٢٩٥ .

(٢) انساب الأشراف ٢ : ٢٣٣ .

٤١٧
 &

فقال الحسن : أَوَ في شكّ صاحبُكَ ؟ واللهِ الذي لا إله إلّا هو استخلفه حين أمره بالصلاة دون الناس ، ولهو كان أتقى لله من أن يتوثَّب عليها (١) .

وقال أبو عوانة (ت ٣١٦ هـ) في مسنده ـ بعد أن نقل بعض أحاديث صلاة أبي بكر ـ :

إنّ هذه الأحاديث بيان خلافة أبي بكر لقول النبي : ليؤمكم أقرأُكم ، وقد كان في أصحابه مَن هو أقرأ منه ، وفيهم من هو أرفع وأبين صوتاً منه ... فدل قوله في خبر أبي مسعود حيث قال : « ولا يؤمّن رجل في سلطانه » أنّه الخليفة عليهم بعده (٢) .

وقال ابن كثير ـ بعد ايراد تلك الأحاديث :

والمقصود أنّ رسول الله قَدَّم أبا بكر الصديق إماماً للصحابة كلّهم في الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام العملية (٣) .

وفي شرح نهج البلاغة : انّ عويم بن ساعدة قال ـ لما نصب الأنصار سعداً ـ :

فوالله ما هلك رسول الله حتّى عرفنا أنّ أبا بكر خليفة حين أمره أن يصلّي بالناس ، فشتمه الأنصار وأخرجوه ... (٤) .

وهذه النصوص تؤكّد بأنّ الاستدلال بصلاة أبي بكر كانت من الأدلّة التي استند عليها سلف العامة للدلالة على إمامة أبي بكر ، وأنّه هو صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي استخلفه بهذه الصلاة وقد مرّ عليك ما قلناه في « أذانان ، مؤذّنان إمامان لصلاة واحدة » .

______________________

(١) انساب الأشراف ٢ : ٢٣٤ وعنه في سبل الهدى والرشاد ١٢ : ٣١٧ .

(٢) مسند أبي عوانة ١ : ٤٤٧ .

(٣) تاريخ ابن كثير ٥ : ٢٣٦ .

(٤) شرح نهج البلاغة ٦ : ١٩ .

٤١٨
 &

استدلال عمر بفضيلة الغار على خلافة أبي بكر

ثانياً : من المعروف ـ والذي لا خلاف فيه ـ بأنّ عمر بن الخطاب كان من الداعمين لإمامة أبي بكر في يوم السقيفة وبعدها .

فعن سالم بن عبيد قال : لما تُوفّي رسول الله وقالت الأنصار : منّا أمير ومنكم أمير ، أخذ عمر بيد أبي بكر وقال : سيفانِ في غمد واحد ؟! إذاً لا يصلحان ، ثمّ قال : مَن له هذه الثلاث : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ) من هما ؟ ( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ ) من صاحبه ؟ ( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) مع من ، ثمّ بسط يده إلى أبي بكر فبايعه الناس أحسن بيعة وأجملها (١) .

إذن فضيلة الغار كانت من أهمّ الفضائل التي استُدِلَّ بها لأبي بكر ، وانّ عمر بن الخطاب كان من أولئك المستدلّين بها له في يوم السقيفة ، فلا يستبعد أن يستفيد منها عمر في هدفه التعويضي في الأذان ، وإِنّ دعوته موذِّنَهُ بأن يجعل بعد « حي على الفلاح » « الصلاة خير من النوم » مرتين قد يشير إلى أنّه كان يريد التأكيد على إمامة أبي بكر كنائياً ، أي أنّه كان يهدف إلى بيان ما يقصدونه من وضعهم لهذه الجملة ، وأنّها تضاهي وتُقابل ما قاله أئمة أهل البيت في المعنى المكنون لـ « حي على خير العمل » .

ومعنى كلامنا أنّه حينما أمر موذِّنه بوضع جملة « الصلاة خير من النوم » في الأذان كان لا يعني جنس الصلاة وجنس النوم فقط ؛ لانّ الاقتصار على هذا الفهم

______________________

(١) شرح نهج البلاغة ٦ : ٣٨ ، السنن الكبرى للنسائي ٤ : ٢٦٣ / ح ٧١١٩ ، ٥ : ٧ / ح ٨١٠٩ .

٤١٩
 &

يسيء إلى واضعها ، فعنى المعنى المكنون والباطني فيها ، وقد جاء هذا فيما استدل به على الأنصار في السقيفة ، وهو استدلاله بصلاة أبي بكر وفضيلة الغار معاً ، واللَّذان اعتُبِرتا في العصور المتأخرة من أدلة خلافة أبي بكر .

وإنّ استدلال معاوية بفضيلة الغار والمضادة مع فضيلة المبيت مما لا يمكن انكاره بل الأكثر من ذلك فإنه حرّف شأن نزول الآيات الواردة في علي وجعلها في شأن ارذل الناس ابن ملجم وصهيب وأمثالهما .

قال أبو جعفر : وقد روي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة الف درهم حتى يروي ان هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ .... إلى قوله : وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ) ، وإن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم وهي قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ ) ، فلم يقبل فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل ، فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل ، فبذل له اربعمائة ألف فقبل ، وروى ذلك (١) .

تأمل في موقف معاوية كيف يريد أن يحرف شأن نزول الآية ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ) والتي نزلت في مبيت الإمام علي إلى نزولها في عدوه ابن ملجم لكي لا يستدل الشيعة بها في زمانه وبعد وفاته .

أضف إلى ذلك أن معاوية حينما كتب إلى عمرو بن العاص يستميله على قتال أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، جاء في كتابه إلى عمرو : فلن يخفى عليك احتراق قلوب

______________________

(١) شرح نهج البلاغة ٤ : ٧٣ ، واُنظر الغدير ١١ : ٣٠ .

٤٢٠