السيد علي الشهرستاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة المؤمل الثقافية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٠
وإذا قبلنا بأنّ الصبح وقت غفلة ونوم ، فالظهر وقت غفلة وتجارة أيضاً ، فالصحابة تركوا رسول الله يوم الجمعة وانفضّوا إلى اللهو وإلى التجارة (١) ، فلماذا لم يأمر عمر مناديه أن يقول في صلاة الظهر أو صلاة الجمعة « الصلاة خير من اللهو ومن التجارة » مثلاً ؟ لو وضعت الأولى لايقاظ النائمين وتنبيه الغافلين ؟ فالثانية كذلك .
وهل هناك ترابط عقدي بين رفع الحيعلة الثالثة ووضع « الصلاة خير من النوم » أم جاء الأمر عفوياً ؟ وإذا كان عفوياً فلماذا نرى أنّ من يقول بشرعية « حيّ على خير العمل » لا يقول بشرعية « الصلاة خير من النوم » والعكس بالعكس .
بل لماذا نرى الحكومات الشيعية عندما تحكم تسعى لتحكيم « حيّ على خير العمل » في الأذان وحذف « الصلاة خير من النوم » منها (٢) ، بعكس الحكومات العامّيّة التي تفعل العكس فتضع « الصلاة خير من النوم » وتحذف الحيعلة الثالثة من
______________________
(١) في مناقب آل أبي طالب ١ : ٤٠٧ عن تفسير مجاهد وأبي يوسف يعقوب بن أبي سفيان في سبب نزول هذه الآية : فانفض الناس إلّا علي والحسن والحسين وفاطمة عليهمالسلام وسلمان وأبا ذر والمقداد وصهيب ، وتركوا النبي صلىاللهعليهوآله قائماً يخطب على المنبر ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله : لقد نظر الله يوم الجمعة إلى مسجدي ، فلو لا الفئة الذين جلسوا في مسجدي لأُضرمت المدينة على أهلها ناراً ، وحُصبوا بالحجارة كقوم لوط ، ونزل فيهم ( رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ) .
وفي منتخب مسند عبد بن حميد : ٣٣٥ / ح ١١١١ عن جابر بن عبد الله : قدمت عير فانفضوا إليها فلم يبق إلّا اثنا عشر رجلاً . وهو في صحيح ابن خزيمة ٣ : ١٦١ .
(٢) انظر في ذلك أخبار بني عبيد ١ : ٥٠ ، ٨٤ ، الخطط للمقريزي ٢ : ٣٤٠ ، ٣٤٢ ، وفيات الأعيان ١ : ٣٧٥ ، سير أعلام النبلاء ١٥ : ١٦٠ ، تاريخ ابن خلدون ٤ : ٦٠ ، ٤٨٠ ، الكامل لابن الأثير ٧ : ٣١ ، ٨ : ٨٣ ، المنتظم ١٦ : ٣٢ ، حوادث سنة ٤٥٠ ، تاريخ بغداد ٩ : ٤٠١ .
الأذان (١) ، فماذا يعني فعلهم هذا ؟ وعلى أيّ شيء يدل ؟ ألا يدلّ على أنّ الأمر أكبر مما يقولونه ويفسرونه في معنى الخيرية بين « الصلاة » و « النوم » ؟
باعتقادنا أنّ هناك ترابطاً عقائدياً كبيراً بين عقيدة الولاية و « حي على خير العمل » ، وبين حكومات « الخلافة الانتخابية » و « الصلاة خير من النوم » .
أما عند الشيعة الإمامية فالأمر واضح كما ورد في أخبارنا المعتبرة من أنها تعني الولاية ، لكنّ ما ينبغي التأكيد عليه وإماطة اللثام عنه هو غفلة أبناء العامة عن بيان البعد العقائدي لجملة « حي على خير العمل » وجملة « الصلاة خير من النوم » مكتفين في تسليط الضوء على أنّ الثاني شرع لإيقاظ النائمين وتنبيه الغافلين ولم يشيروا إلى الدوافع العقائدية التي حدت بعمر بن الخطاب وغيره للإصرار على رفع الحيعلة الثالثة .
وعليه فالبحث في « الصلاة خير من النوم » أو « حي على خير العمل » لا يقتصر على البعد الفقهي الخلافي ، بل فيه الإشارة إلى تأسيس اتجاه خاص بالخلفاء يقابل مدرسة أهل البيت ، وهذا ما تفرضه تداعيات الصراع بين النهجين وهو ما نصطلح عليه هنا ؛ بـ « الوضع » بعد « الرفع » ، فغالباً ما يُستعاض عن الشرع الصحيح بما هو بدعة ، وقد جاء هذا صريحاً في كلام ابن عباس الذي قال : تركوا السنة من بغض عليّ (٢) .
______________________
(١) الخطط للمقريزي ٢ : ٢٧١ ، وفيه : وقرا أبو علي العباسي سجلاً فيه بترك « حي على خير العمل » في الأذان وأن يقال في صلاة الصبح « الصلاة خير من النوم » ، وفي النجوم الزاهرة ٤ : ٢٢٢ ، ٥ : ٥٩ ، وغير الأذان وجعل مكان « حي على خير العمل » « الصلاة خير من النوم » ، الكامل ٨ : ٥٩ ، حوادث سنة ٤٤٣ ، وفي ٨ : ٧٩ ، ١٠٧ ، حوادث سنة ٤٦٢ ، المنتظم ١٥ : ٣٣١ ، تاريخ أبي الفداء ٢ : ١٧٠ ، تاريخ الإسلام ٣٠ : ٩ ، البداية والنهاية ١٢ : ٧٣ ، السيره الحلبية ٢ : ٣٠٥ .
(٢) الأحاديث المختارة ١٠ : ٣٧٨ / ح ٤٠٣ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٦٣٦ / ح ١٧٠٦ ، قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخيين ولم يخرجاه .
كما جاء هذا المفهوم في كلام عمر بن الخطاب والذي ذكره سعد التفتازاني (ت ٧٩٣ هـ) في شرح المقاصد في علم الكلام وفي حاشيته على شرح العضد ، وكذا القوشجي (ت ٧٨٩ هـ) في شرح التجريد في مبحث الإمامة ، حيث قالوا :
« إنّ عمر بن الخطاب خطب الناس وقال : أيّها الناس ، ثلاث كُنَّ على عهد رسول الله أنا أنهى عنهنّ وأحرمهن وأعاقب عليهنّ ، وهي : متعة النساء ومتعة الحجّ وحيّ على خير العمل » (١) .
فما يعني هذا التقارن والترابط ، ولماذا نرى أنّ الذي يدّعي شرعية « الصلاة خير من النوم » لا يقول بوجود النص على إمامة عليّ بن أبي طالب ، ومن يقول بـ « حيّ على خير العمل » يرى النصّ على ولاية عليّ بن أبي طالب وعصمته ؟
وعلى أيّ شيء يدلّ قول الإمام الصادق « ليس منا من لم يؤمن بكرَّتنا ، ويستحلَّ متعتنا » (٢) أو قوله : « من لم يستيقن أن واحدة من الوضوء تجزيه لم يؤجر على الثنتين » (٣) .
هل صدرت هذه الأقوال من قبلهم عليهمالسلام للوقوف أمام ما سنّه الخلفاء من الأمور الباطلة وسعيهم لإماتة السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله ؟
بل لماذا تتوجّه أصابع الاتّهام إلى عمر بن الخطاب على وجه الخصوص ؟
______________________
(١) شرح المقاصد ٢ : ٢٩٤ .
(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٤٥٨ / ح ٤٥٨٣ ، وعنه في وسائل الشيعة ٢١ : ٨ ، باب اباحة المتعة / ح ١٠ ، وفيه : ولم يستحل متعتنا ، وكذا في مستدرك الوسائل ١٤ : ٤٥١ ، باب اباحة المتعة / ح ٤ ، رواه عن الهداية للصدوق : ٢٦٦ .
(٣) الاستبصار ١ : ٧١ / ح ٢١٨ ، تهذيب الأحكام ١ : ٨١ / ح ٢١٣ ، وسائل الشيعة ١ : ٤٣٦ ، باب اجزاء الغرفة الواحدة في الوضوء وحكم الثانية والثالثة / ح ٤ .
عمر وموضوع الإمامة في الأذان
جاء في « علل الشرائع » عن عكرمة ، قال : قلت لابن عباس : أخبرني لأيّ شيء حذف من الأذان « حيّ على خير العمل » ؟ قال : أراد عمر بذلك ألّا يتّكل الناس على الصلاة ويَدَعُوا الجهاد فلذلك حذفها من الأذان (١) .
وفي كتاب الأحكام ـ من كتب الزيدية ـ قال يحيى بن الحسين : وقد صحّ لنا أنّ « حيّ على خير العمل » كانت على عهد رسول الله يؤذّن بها ولم تطرح إلّا في زمن عمر بن الخطاب فإنّه أمر بطرحها وقال : أخاف أن يتّكل الناس عليها وأمر باثبات « الصلاة خير من النوم » مكانها (٢) .
وعن الإمام الباقر عليهالسلام عن أبيه عليّ بن الحسين أنّه قال : كانت في الأذان الأول فأمرهم عمر فكفّوا عنها مخافة أن يتثبط الناس عن الجهاد ويتّكلوا على الصلاة (٣) .
وعن الإمام زيد بن عليّ انّه قال : ممّا نقم المسلمون على عمر أنّه نحّى من النداء في الأذان « حيّ على خير العمل » ، وقد بَلَغَ العلماءَ أنّه كان يؤذّن بها لرسول الله حتّى قبضه الله عزّ وجلّ ، وكان يؤذن بها لأبي بكر حتّى مات ، وطرفاً من ولاية عمر حتّى نهى عنها (٤) .
وعن أبي جعفر الباقر عليهالسلام : كان الأذان بحيّ على خير العمل على عهد
______________________
(١) علل الشرائع للصدوق ٢ : ٣٦٨ الباب ٨٩ نوادر علل الصلاة / ح ٣ .
(٢) الاحكام ليحيى بن الحسين ١ : ٨٤ .
(٣) الأذان بحي على خير العمل للعلوي : ٧٩ / ح ٨٤ .
(٤) الأذان بحيّ على خير العمل للعلوي : ٢٩ وانظر هامش مسند زيد : ٩٣ .
رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وبه أُمروا في أيّام أبي بكر ، وصدراً من أيّام عمر ، ثمّ أمر عمر بقطعه وحذفه من الأذان والإقامة ، فقيل له في ذلك ، فقال : إذا سمع الناس أنّ الصلاة خير العمل تهاونوا بالجهاد وتخلّفوا عنه ، وروينا مثل ذلك عن جعفر بن محمّد ، والعامّة تروى مثل هذا (١) .
وقد روى الصدوق في علل الشرائع بسنده عن ابن أبي عمير أنّه سأل أبا الحسن الكاظم عليهالسلام عن سبب ترك « حيّ على خير العمل » فقال : أمّا العلّة الظاهرة فلئلّا يدع الناس الجهاد اتّكالاً على الصلاة ، وأمّا الباطنة فإن خير العمل الولاية ، فأراد [ عمر ] من أمره بترك حيّ على خير العمل من الأذان أن لا يقع حثّ عليها ودعاءٌ إليها (٢) .
وقال ابن أبي عبيد : « إنّما أسقط « حيّ على خير العمل » من نهى عن المتعتين ، وعن بيع أمّهات الأولاد ، خشية أن يتّكل الناس بزعمه على الصلاة ويَدَعُوا الجهاد قال : وقد رُوي أنّه نهى عن ذلك كلّه في مقام واحد » (٣) .
وقال العلّامة الشرفي (ت ١٠٥٥ هـ) من علماء الزيدية : وعلى الجملة فهو ـ أي الأذان بحيّ على خير العمل ـ إجماع أهل البيت وانّما قطعه عمر (٤) .
______________________
(١) دعائم الإسلام ١ : ١٤٢ ، وعنه في بحار الأنوار ٨١ : ١٥٦ / ح ٥٤ ، وفي كتاب الإيضاح للقاضي نعمان (ت ٣٦٣ هـ) فقد ثبت انّه أذن بها على عهد رسول الله حتّى توفّاه الله وأنّ عمر قطعه ...
(٢) علل الشرائع ٢ : ٣٦٨ ، باب ٨٩ من نوادر علل الصلاة / ح ٤ وعنه في بحار الأنوار ٨١ : ١٤٠ باب معنى الأذان / ح ٣٤ .
(٣) البحر الزخار الجامع لمذهب علماء الأمصار ٢ : ١٩٢ ، ذكرى الشيعة ٣ : ٢١٥ ، وانظر شرح الأزهار ١ : ٢٢٣ ، شرح العضدي على المختصر الأصولي لابن الحاجب بحاشية السعد التفتازاني ٢ : ٤١ ـ ٤٢ .
(٤) ضياء ذوي الأبصار مخطوط ١ : ٦١ .
وفي المنتخب من كتب الزيدية : وأمّا « حيّ على خير العمل » فلم تزل على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله حتّى قبضه الله ، وفي عهد أبي بكر حتّى مات ، وإنّما تركها عمر وأمر بذلك فقيل له : لم تركتها ؟ فقال : لئلا يتّكل الناس عليها ويتركوا الجهاد (١) .
فنتساءل لِمَ قطعها ورفعها عمر من الأذان ؟ وهل يصحّ ما علّله في هذا الأمر ؟ وهو خوف الاتّكال عليها وتقاعس الناس عن الجهاد .
الجواب : كلا فإنّ التعليل عليل ، لأنّ الجهاد والغزوات والحروب كانت أعظم وأكبر على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وهي أدعى إلى حذف الحيعلة الثالثة من قِبَلِ رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلماذا لم يحذفها رسول الله صلىاللهعليهوآله وحذفها عمر ؟
وإنّ تعليل عمر يشبه ما علّله عثمان في إتمام الصلاة بمنى وأنّه يخاف أن يظنّ الناس أنّ صلاة القصر هي المفروضة ، فأجابه الصحابة بأنّ النبيّ كان يقصر الصلاة وينبّه على أنّ ذلك مخصوص بمنى .
فلو صحّ تعليل عمر لكان يمكنه أن يقرّ الحيعلة الثالثة وينبّه المسلمين على ضرورة الجهاد كما كان رسول الله يفعل ذلك ، هذا أوّلا .
وثانياً : لو قبلنا التعليل السابق تنزّلا لصحّت مشروعيّة الحذف لفترة معيّنة لا أن يكون تشريعاً حتّى زماننا الحاضر .
______________________
(١) حي على خير العمل : ٣٦ ، عن كتاب المنتخب للإمام الهادي إلى الحق : ٣٠ ، الأحكام ١ : ٨٤ ، تحرير الأفكار : ٥٤١ ، وقد مرّت هذه النصوص في كتابنا « حي علي خير العمل » .
وثالثاً : إنّ ما علّله عمر لا يتّفق مع قوله صلىاللهعليهوآله : « إنّ خير أعمالكم الصلاة » (١) وقوله : « إنّها عمود الدين فمن تركها فقد هدم الدين » (٢) ، فلو صحّ تعليل عمر للزمه ضرب كلّ هذه النصوص .
ورابعاً : إنّ التحزّب الموجود بين المسلمين في هذه المفردة إلى يومنا هذا يرشدنا إلى تخالف فكريّ بين النهجين :
أحدهما يصرّ على الإتيان بها على الرغم من كلّ المصاعب .
والآخر يجدّ لتضعيف الحيعلة الثالثة والقول بأنّها لم تكن على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أو أنّ رسول الله أبدلها بجملة « الصلاة خير من النوم » ، وهذا ليشير إلى أنّ السبب ليس كما قالوه وعلّلوه ، بل يومي إلى هناك هدفاً غير معلن سُتِرَ تحت مزعمة الخوف من اتكّال المسلمين على الصلاة وترك الجهاد .
وباعتقادي أنّ الأمر هو كما قال ابن عباس : تركوا السنة من بغض عليّ (٣) ، فالأمر يعود إلى إمامة الإمام عليّ عليهالسلام إذ كلّ الناس يعلمون أنّ عمر كان لا يرتضي اجتماع النبوة والخلافة في بني هاشم (٤) ، وقد ثبت عنه بأنّه كان من الناهين عن تدوين ورواية شأن النزول مع التنزيل في المصاحف ، وكان ينهى عن كتابة حديث رسول الله بدعوى خوفه من اختلاطه بالقرآن (٥) ، ومعناه أنّه كان لا يرتضي ما جاء
______________________
(١) سنن ابن ماجة ١ : ١٠١ / ح ٢٧٧ ، سنن الدارمي ١ : ١٧٤ / ح ٦٥٥ .
(٢) غوالي اللئالي ١ : ٣٢٢ / ح ٥٥ ، شرح النهج ١٠ : ٢٠٦ .
(٣) الأحاديث المختارة ١٠ : ٣٧٨ ، سنن النسائي المجتبى ٥ : ٢٥٣ / ح ٣٠٠٦ .
(٤) المسترشد : ٦١٧ ، ٦٨٤ ، شرح نهج البلاغة ١ : ١٨٩ ، ١٢ : ٥٣ .
(٥) انظر مصنف عبد الرزاق ١١ : ٢٥٧ ح ٢٠٤٨٤ ، تقييد العلم : ٤٩ ، ٥٠ ، ٥١ ، المدخل إلى السنن الكبرى ١ : ٤٠٧ ح ٧٣١ .
في مصاحف الصحابة أمثال ابن مسعود وجابر بن عبد الله الأنصاري وأبيّ بن كعب وغيرهم من القُرّاء ولا يرتضي قراءاتهم .
وخلاصة القول : أننا اذا أخذنا يميناً أو شمالاً فلن نجد إلّا ما قاله ابن عباس ، وهو أنّ علّة ترك السنة هو بغض عليّ أو بغض إمامته أو بغض موقعيته .
فعن مرة قال : كان عبد الله بن مسعود يقرأ ( وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ) بعلي ( وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ) (١) ، فهل تتوقع أن يرضى عمر أو عثمان بمثل ذلك ؟ .
وجاء عنه أيضاً أنّه كان يقرأ آية البلاغ ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) أنّ عليّاً مولى المومنين ( وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ ) (٢) .
وعن شقيق ، قال : قرأت في مصحف عبد الله بن مسعود ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ ) وآل محمّد ( عَلَى الْعَالَمِينَ ) (٣) .
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله قرأ ( فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ ) فقال : بعليّ بن أبي طالب (٤) .
______________________
(١) شواهد التنزيل ٢ : ٧ / ح ٦٢٩ ـ ٦٣٢ ، تاريخ دمشق ٤٢ : ٣٦٠ ، الاكمال ٧ : ٥٣ سورة الاحزاب الآية ٢٥ وفي الدر المنثور ٦ : ٥٩٠ ، قال : أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن مسعود ، ومثله عن ابن عباس شواهد التنزيل ٢ : ١٠ / ح ٦٣٣ ، الآية ٢٥ في سورة الأحزاب .
(٢) الدر المنثور ٢ : ٢٩٨ وعنه : بحارالأنوار ٣٧ : ١٩٠ ، الآية ٦٧ من سورة المائدة .
(٣) العمدة : ٥٥ ح ٥٥ ، شواهد التنزيل ١ : ١٥٢ ـ ١٥٣ / ح ١٦٥ و ١٦٦ من سورة آل عمران الآية ٣٣ .
(٤) المحرر الوجيز ٥ : ٥٦ وانظر تفسير النيسابوري ٦ : ٩٣ من سورة الزخرف الآية ٤١ .
وعن عمرو ، وعبد الله بن مسعود ، وأبيّ بن كعب أنّهم قرأوا ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) ورهطك المخلصين (١) .
فأمثال هذه القراءات كانت لا تعجب عمر بن الخطاب ، فحذفها مع قراءات أخرى لآيات أخرى لصحابة آخرين ، أو قل منع الأخذ بمصاحف الصحابة لما فيها من أسباب النزول ، أو لأنّها دوّنت طبقاً للتنزيل ، فكانت لا تعجبه ، فحذفها ومنعها بدعوى اختلاطها مع القرآن ، والأمر نفسه فيما نحن فيه ، فقد رفع « حيّ على خير العمل » بدعوى مخالفة تباطئهم عن الجهاد ، ووضع « الصلاة خير من النوم » بدعوى تنبيه النائمين .
فهل هذه التعاليل صحيحة وواقعية أم ادعائية سياسية ؟ فنحن لو جمعنا ما رواه مسلم قبل قليل عن زيد بن أرقم عن رسول الله في غدير خم وقوله : « إنّي تارك فيكم ثقلين ... اذكركم الله في أهل بيتي » (٢) مع ما جاء في رواية الترمذي : « إنّي تارك فيكم ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما » (٣) .
______________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٢٠٩ في مصحف عبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب ، وأنظر تفسير الطبري ١٩ : ١٢١ ، في قراءة عمرو بن مرة ، وفيه : ورهطك منهم المخلصين ، وكذا في صحيح البخاري ٤ : ١٩٠٢ / ح ٤٦٨٧ . وصحيح مسلم ١ : ١٩٣ / ح ٢٠٨ . والآية من سورة الشعراء ٢١٤ .
(٢) صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣ / ح ٢٤٠٨ .
(٣) سنن الترمذي ٥ : ٦٦٣ / ح ٣٧٨٨ .
مع وصيته الأخرى في أهل بيته لمّا حضرته الوفاة ومنع عمر كتابة ذلك الكتاب ، بدعوى : انّ النبيّ غلبه الوجع وعندنا كتاب الله (١) .
وقول ابن عباس : الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين كتابه (٢) .
وقول عمر لابن عباس : أراد أن يَذْكُرَهُ للأمر في مرضه فصددته عنه خوفاً من الفتنة ، وانتشار أمر الإسلام ، فعلم رسول الله ما في نفسي وأمسك ، وأبى الله إلّا امضاء ما حتم (٣) .
إذا جمعنا كلّ ذلك عرفنا مغزى حذف الحيعلة الثالثة وإضافة الصلاة خير من النوم .
ويضاف إلى ذلك ما جاء في الطبقات الكبرى لابن سعد عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لمّا كان في مرض رسول الله الذي توفّي فيه دعاء بصحيفة ليكتب فيها لأمّته كتاباً لا يضلون ، قال : فكان في البيت لغط وكلام ، وتكلّم عمر بن الخطاب ، قال : فرفضه النبيّ ... (٤) .
______________________
(١) صحيح البخاري ١ : ٥٤ / ح ١١٤ ، من كتاب العلم باب كتابة العلم ، وكتاب المغازي باب مرض النبيّ ووفاته ٣ : ٣١٧ / ح ٨٧١ و / ح ٨٧٢ وكتاب المرض والطب باب قول المريض قوموا عنّي ٥ : ٢١٤٦ / ح ٥٣٤٥ ، وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة باب كراهية الخلاف ٦ : ٢٦٨٠ / ح ٦٩٣٢ .
(٢) صحيح البخاري ١ : ٥٤ / ح ١١٤ ، ٤ : ١٦١٢ / ح ٤١٦٩ ، ٥ : ٢١٤٦ / ح ٥٣٤٥ ، ٦ : ٢٦٨٠ / ح ٦٩٣٢ .
(٣) شرح نهج البلاغة ١٢ : ٧٩ ، بحار الأنوار ٣٠ : ٥٥٥ .
(٤)
الطبقات الكبرى ٢ : ٢٤٣ وفي مسند أحمد ٣ : ٣٤٦ / ح ١٤٧٦٨ ، انّ النبيّ دعا عند
موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لا يضلون بعده ، قال : فخالف عليه عمر بن الخطاب حتّى
رفضها . بل سعى هو وأنصاره من الأمويين أن يضعوا ما يضادّه ، فجاء في مسند أحمد ٨ : ١١٥ ، وكنز
العمال ٦ : ٢٦٤ عن عائشة قولها : لمّا ثقل رسول الله قال لعبد الرحمن بن أبي بكر : ائتني بكتف
ولوح حتى
=
فنحن لو جمعنا هذه النصوص مع ما جاء عن ابن عباس وأنّ عمر بن الخطاب سأله في أوائل خلافته عمّا في نفس عليّ بن أبي طالب بقوله : أيزعم أنّ رسول الله نصّ عليه ؟
أجابه ابن عباس : نعم ، وأزيدك : سألت أبي عمّا يدعيه فقال : صدق .
قال عمر : لقد كان من رسول الله في أمره ذَرْوٌ من قول لا يُثْبت حجّة ، ولا يقطع عذراً ، ولقد كان يَرْبَعُ في أمره وقتاً ما ، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعتُ عن ذلك اشفاقاً وحيطة على الإسلام ... فعلم رسول الله أنّي علمت ما في نفسه فأمسك (١) .
وقال العيني في عمدة القاري : واختلف العلماء في الكتاب الذي همّ النبيّ بكتابته ، فقال الخطابي : يحتمل وجهين بأحدهما أنّه أراد أن ينصّ على الإمامة من بعده فترتفع تلك الفتن العظيمة كحرب الجمل وصفين ...(٢) .
وقال العيني في مكان آخر : نسبة مثل هذا إلى النبيّ لا يجوز ، لأنّ وقوع مثل هذا الفعل عنه صلىاللهعليهوآله مستحيل لأنّه معصوم في كلّ حالة في صحّته ومرضه ، لقوله تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ )(٣) ولقوله : إني لا أقول في الغضب والرضا إلّا حقاً .
______________________
أكتب لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه ! فلمّا ذهب عبد الرحمن ليقوم قال : أبى الله والمؤمنون إلّا أن يختلف عليك يا أبا بكر !
(١) شرح نهج البلاغة ١٢ : ٢١ عن أحمد بن أبي طاهر (ت ٢٨٠ هـ) في كتابه تاريخ بغداد في أخبار الخلفاء والأمراء وأيّامهم .
(٢) عمدة القاري ٢ : ١٧١ .
(٣) النجم : ٣ .
وقد تكلّموا في هذا الموضع كثيراً ، وأكثره لا يجدي ، والذي ينبغي أن يقال : انّ الذين قالوا « ما شأنه أهَجَرَ أو هَجَرَ ! » بالهمزة وبدونها ، هم الذين كانوا قريبي العهد بالإسلام ، ولم يكونوا عالمين بأنّ هذا القول لا يليق أن يقال في حقّه ، لأنّهم ظنّوا أنّه مثل غيره من حيث الطبيعة البشرية ، إذا اشتدّ الوجع على واحد منهم تكلّم من غير تحرٍّ في كلامه ، ولهذا قالوا : استفهموه ، لأنّهم لم يفهموا مراده .
ومن أجل ذلك وقع بينهم التنازع حتّى أنكر عليهم النبيّ بقوله « ولا ينبغي عند نبي التنازع » ، وفي الرواية الماضية « ولا ينبغي عندي تنازع » ومن جملة تنازعهم ردّهم عليه وهو معنى قوله « فذهبوا يردّون عليه » (١) .
قال الغزالي : ولما مات رسول الله قال قبل وفاته بيسير : ائتوني بدواة وبياض لأكتب لكم كتاباً لا تختلفوا فيه بعدي . فقال عمر : دعوا الرجل فانّه ليهجر (٢) .
فنحن لو جمعنا هذه النصوص بعضها إلى بعض ، وعرفنا موت الزهراء وهي واجدة على أبي بكر وعمر (٣) في القضية المعروفة ، وكذلك هجوم عمر على باب بيتها وإسقاط جنينها وغير ذلك من المظالم التي جرت عليها ، لعرفنا سرّ ترك الظالمين لـ « برّ فاطمة » ، وترك الدعوة للولاية بـ « حيّ على خير العمل » .
وفي المقابل عرفنا أيضاً معنى ما يقوله الإمامان الباقر والصادق عليهماالسلام بأنّ « حيّ على خير العمل » هو برّ فاطمة وولدها .
______________________
(١) عمدة القاري ١٨ : ٦٢ .
(٢) سر العالمين : ١٨ .
(٣) أنظر : صحيح البخاري ٣ : ١١٢٦ ـ باب فرض الخمس / ح ٢٩٢٦ ، وفيه : فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت . و ٤ : ١٥٤٩ ، باب غزوة خيبر / ح ٣٩٩٨ ، شرح النهج ٦ : ٥٠ .
إنّ وقوف الرسول صلىاللهعليهوآله كلّ يوم على باب فاطمة الزهراء ولمدة ستّة أشهر بعد نزول آية التطهير ، وقوله لأهل بيت الرسالة : « الصلاة الصلاة إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً » (١) ليوكد على وجود ترابط بين التوحيد والنبوة والإمامة في كلّ شيء ، وكأنّ الرسول هو حلقة الوصل والرابط بين ركني التوحيد والعترة في قوله ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) (٢) .
وعمر بن الخطاب ومن قبله أبو بكر وأئمة النهج الحاكم كانوا قد عرفوا هذا الارتباط بين الرسول وأهل بيته في المنظومة الدينية ، وأنّ ولاية الإمام عليّ هي خير العمل ، وأنّ ضربته يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين (٣) ، وأنّ آية المباهلة والتطهير وسورة الدهر وقوله ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) (٤) وغيرها من عشرات الآيات أنّها نزلت في عليّ وفي أهل بيته ، فسعوا إلى تحريف المسائل المرتبطة بالعترة واضعين مكانها مسائل تخصّهمم ، وإليك بعض التحريفات في الأذان ناهيك عن تحريفاتهم الأخرى في عموم الشريعة .
______________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٦٠٦ ، أخرجه ابن جرير وابن مردويه عن أبي الحمراء ؟ ، تفسير الطبري ٢٢ : ٦ ، الاستيعاب ٤ : ١٥٤٢ / ت ٢٦٩١ لهلال بن الحمراء ، المطالب العالية ١٥ : ١٢٤ / ح ٣٦٨٦ ، شرح الأخبار ٣ : ٤ / ح ٩١٥ .
(٢) الأحزاب : ٣٣ .
(٣) المواقف ٣ : ٦٢٨ ، شرح المقاصد ٢ : ٣٠١ ، وجاء في الفردوس بمأثور الخطاب ٣ : ٤٥٥ / ح ٥٤٠٦ ، والمستدرك على الصحيحين ٣ : ٣٤ / ح ٤٣٢٧ ، قال رسول الله : « لمبارزة علي بن أبي طالب عليهالسلام لعمرو بن ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة ، وكذا في كشف الغمة ١ : ١٤٨ ، وأنظر : شرح النهج ١٩ : ٦٠ .
(٤) المائدة : ٥٥ .
التحريفات في خصوص الأذان
لو ألقى الباحث نظرة سريعة إلى أخبار الأذان عند الفريقين ، وما يرتبط به من مباحث كمبحث الإسراء والمعراج (١) ، لوقف على عمق الخلاف الفكري بين النهجين والتحريفات الواقعة فيه .
فغالب الجمهور يعتبرون أنَّ تشريع الأذان كان منامياً ، رآه أحد الصحابة ـ عبد الله بن زيد ، أو عمر بن الخطاب ، أو أبي بن كعب أو غيرهم ـ ثمّ أخذ عنه بلال ذلك الأذان بأمر رسول الله .
أمّا مدرسة أهل البيت فيرون تشريعه في الإسراء والمعراج ويسخّفون ذاك الراي ويبدّعونه .
فالذين اعتبروه مناماً من الأمويين وغيرهم كانوا يريدون أن يشكّكوا أو يقلّلوا من قيمة الرؤيا التي أراها الله لنبيّه في بني أميّة وأنّهم ينزون على منبره الشريف نزو القردة (٢) ، وذلك ما نزل فيه قوله تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ ) (٣) .
كما أنّ القائلين بالتشريع المنامي ـ من أهل الرأي الأموي ـ سعوا للتقليل من مكانة الإسراء والمعراج والقول بأنّه كان بالروح لا بالجسد ، أي أنّه كان في المنام لا في اليقظة ، مستدلّين بما روته عائشة وطَبَّل له معاوية !!
______________________
(١) والذي مرّ في المجلّد الأوّل من هذه الدراسة (حي على خير العمل) .
(٢) مسند أبي يعلى ١١ : ٣٤٨ ح ٦٤٦١ ، المطالب العالية ١٨ : ٢٧٩ ، مجمع الزوائد ٥ : ٢٤٤ ، تاريخ الخلفاء ١ : ١٣ وغيره .
(٣) الإسراء : ٦٠ .
ولا ينطلي على الباحث المحقق بأنّ الأمويين وقفوا أمام انتشار ذكر محمّد وآله في الأذان والتشهد والخطبة بل في كل شيء .
وحرّفوا مكان الإسراء من شعب أبي طالب (١) أو من بيت خديجة (٢) أو من بيت أمّ هاني بنت أبي طالب (٣) أخت الإمام عليّ ، فجعلوه من بيت عائشة ، وأغفلوا وجود اسم الإمام علي ضمن المضطجعين مع النبيّ عند العروج أو البعثة ، كما أنّهم غيّروا اسم الإمام علي الموجود على ساق العرش إلى أبي بكر كما جاء في رواية القاسم بن معاوية الذي قال للصادق عليهالسلام : هؤلاء يروون حديثاً في معراجهم أنّه لمّا أُسري برسول الله رأى على العرش مكتوباً « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، أبو بكر الصدّيق » .
فقال : سبحان الله !! غيّروا كلّ شيء ، حتّى هذا !
قلت : نعم .
فقال الصادق عليهالسلام ـ ما ملخصه ـ انّ الله تعالى لمّا خلق العرش ، والماء ، والكرسي ، واللوح ، وإسرافيل ، وجبرائيل ، والسماوات والأرضين ، والجبال ، والشمس ، والقمر كتب على كلّ منها : « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، عليّ أمير المؤمنين » ثمّ قال عليهالسلام : فإذا قال أحدكم لا إله إلّا الله محمّد رسول الله فليقل : « عليّ أمير المؤمنين » (٤) .
______________________
(١) فتح الباري ٧ : ٢٠٤ ، الدر المنثور ٥ : ٢٢٧ .
(٢) التفسير الكبير للرازي ٤ : ١٦ ، المجموع للنووي ٩ : ٢٣٥ ، شرح الازهار ١ : ١٩٩ .
(٣) تفسير الطبري ١٥ : ٢ ، الدر المنثور ٥ : ٢٠٩ ، فتح الباري ٧ : ٢٠٤ .
(٤) أنظر الاحتجاج ١ : ٢٣١ ، بحار الأنوار ٢٧ : ١ / ح ١ .
وما رواه القاسم بن معاوية عن الإمام الصادق عليهالسلام ـ ورواه العامة في مصادرهم عن أنس بن مالك إذ قال ـ قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : لما عرج بي رأيت على ساق العرش مكتوباً : « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، أيّدته بعليّ ، ونصرته بعليّ » (١) .
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله : مكتوب على باب الجنة قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، أيّدته بعلي » (٢) .
وعن أبي الحمراء ـ خادم الرسول ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لمّا أسري بي إلى السماء نظرت إلى ساق العرش الأيمن فإذا عليه : « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، أيّدته بعليّ ونصرته بعليّ » (٣) .
وعن الإمام الصادق عليهالسلام قال : إنّا أوّل أهل بيت نَوَّه الله بأسمائنا ، إنّه لمّا خلق السماوات والأرض أمر منادياً فنادى : أشهد أن لا إله إلّا الله ثلاثا ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله ثلاثاً ، أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً ثلاثاً (٤) .
ونحن وضّحنا في المجلّد الأول من (موسوعة الأذان بين الأصالة والتحريف) بأنّ أطروحة كون حقيقة الأذان منامية وليست سماوية هي أطروحة أمويّة طرحت
______________________
(١) الدر المنثور ٥ : ٢١٩ ، الخصائص للسيوطي ١ : ١٣ ، تاريخ دمشق ٤٢ : ٣٦٠ والنص منه .
(٢) تاريخ دمشق ٤٢ : ٣٣٦ ، شواهد التنزيل ١ : ٢٩٦ ح ٣٠٢ ، كنز العمال ١١ : ٢٨٧ / ح ٣٣٠٤٢ .
(٣) المعجم الكبير ٢٢ : ٢٠٠ / ح ٢٥٦ ، تاريخ دمشق ١٦ : ٤٥٦ و ٤٢ : ٣٣٦ ، ٣٦٠ ، حلية الأولياء ٣ : ٢٧ ، معجم الصحابة ٣ : ٢٠٢ / ت ١١٨٠ لأبي الحمراء السلمي .
(٤) الكافي ١ : ٤٤١ / ح ٨ .
بعد صلح الإمام الحسن عليهالسلام ، وكانت تهدف إلى استنقاص الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله الكرام ، لأنّ أوّل نصّ وصلنا في هذا السياق كان في عهد معاوية ، وهو لسفيان بن الليل إذ قال :
لمّا كان من أمر الحسن بن عليّ ومعاوية ما كان ، قدمتُ عليه المدينة وهو جالس في أصحابه ... فتذاكرنا عنده الأذان ، فقال بعضهم : إنّما كان بدء الأذان برؤيا عبد الله بن زيد ، فقال له الحسن بن عليّ : إنّ شأن الأذان أعظم من ذلك ، أذَّن جبرائيل في السماء مثنى مثنى وعلّمه رسول الله ... (١) .
وجاء عن الإمام الحسين عليهالسلام أنّه سئل عن هذا الأمر كذلك فقال : الوحي يتنزل على نبيّكم وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبد الله بن زيد ؟ والأذان وَجْهُ دينكم (٢) .
وجاء عن أبي العلاء قال : قلت لمحمد بن الحنفية : إنّا لنتحدث أنّ بدء هذا الأذان كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه ، قال : ففزع لذلك محمّد بن الحنفية فزعاً شديداً وقال : عمدتم إلى ما هو الأصل في شرائع الاسلام ومعالم دينكم ، فزعمتم أنّه إنّما كان من رؤيا رجل من الأنصار في منامه ، تحتمل الصدق والكذب ، وقد تكون أضغاث أحلام ؟
قال : فقلت : هذا الحديث قد استفاض في الناس ؟
______________________
(١) نصب الراية ١ : ٢٦١ ، المستدرك ٣ : ١٨٧ ح ٤٧٩٨ ، وأورده الجصاص في أحكام القرآن ٤ : ١٠٣ ، باب الأذان من طريق آخر .
(٢) دعائم الاسلام ١ : ١٤٢ ، وأنظر : مستدرك الوسائل ٤ : ١٧ ، باب ١ / ح ١ .
قال : هذا والله هو الباطل ، ثمّ قال : ... (١)
وفي الكافي انّ الإمام الصادق خاطب عمر بن أُذينة بقوله : يا عمر بن أُذينة ما تروي هذه الناصبة ؟
قال : قلت جعلت فداك في ماذا ؟
قال : في أذانهم وركوعهم وسجودهم .
قال : قلت : إنّهم يقولون انّ أبيّ بن كعب رآه في النوم .
قال : كذبوا فانّ دين الله أعزّ من أن يُرى في النوم ... (٢) .
* * *
نستخلص ممّا سبق عدّة أمور :
أحدها : أهميّة مسألة الإمامة في الفكر الإسلامي ، وأنّها منحة ربّانية لا سلطة تكون لمن غلب ، سواء كان فاسقاً أم مؤمناً ـ كما يقولون ـ فالله تعالى يقول : ( ... وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٣) .
ثانيها : إنّ جملة « حيَّ على خير العمل » هي جزء الأذان ، وكان يؤتى بها على عهد رسول الله .
ثالثها : انّ جملة « حيّ على خير العمل » في الأذان ترمز للإمامة حسب تعبير
______________________
(١) السيرة الحلبية ٢ : ٣٠٠ ، أمالي أحمد بن عيسى ١ : ٩٠ ، الاعتصام بحبل الله ١ : ٢٧٧ ، والنصّ والاجتهاد : ٣٣٧ عن السيرة الحلبية .
(٢) الكافي ٣ : ٤٨٢ باب النوادر / ح ١ ، وعلل الشرائع ٢ : ٣١٤ باب علل الوضوء والأذان / ح ١ ، وعنه في بحار الأنوار ١٨ : ٣٥٤ / ح ٦٦ و ٧٩ : ٢٣٩ / ح ١ .
(٣) البقرة : ١٢٤ .
الإمام الباقر عليهالسلام (١) والإمام الصادق عليهالسلام (٢) والإمام الكاظم عليهالسلام (٣) ، وقد فهم هذا المعنى بعض الصحابة أمثال عمر بن الخطاب ؛ إذ مر عليك قول عمر لابن عباس :
|
« هل بقي في نفس علي شيء من أمر الخلافة » ، وكذا قوله لابن عباس أيضاً : « أراد أن يذكره للأمر في مرضه فصددته عنه خوفاً من الفتنة .... » . |
إذن المانعون لحي على خير العمل كانوا لا يريدون أن يكونَ حثٌّ على الولاية ودعاء إليها حسب تعبير الإمام الكاظم عليهالسلام ، أي أنّ الظالمين أرادوا دفع الخلافة عن الإمام علي وولده فسعوا إلى رفع كل ما يمت إلى الإمامة بصلة ومنها الحيعلة الثالثة في الأذان .
رابعها : أكّدت النصوص المارّة عن الزيدية والاسماعيليّة والإماميّة بأنّ عمر بن الخطاب حذف جملة « حيّ على خير العمل » من الأذان لارتباطها بالإمامة بالنحو الذي بيناه ، وفي كلام القوشجي والتفتازاني من العامة ما يشير إلى هذا المخطط حيث نَقَلا أنّه منع معها متعة النساء ومتعة الحج اللَّتَيْنِ كان يجوزهما الإمام علي .
خامسها : وجود ترابط بين الشهادات الثلاث والحيعلات الثلاث في الأذان ، والتأكيد في القرآن والسنّة على الولاية لله ولرسوله ولأهل بيته وعلى رأسهم أمير
______________________
(١) معاني الأخبار : ٤٢ ، باب معنى حروف الأذان والإقامة / ح ٣ ، علل الشرائع : ٣٦٨ الباب ٨٩ / ح ٥ ، وعنهما في بحار الأنوار ٨١ : ١٤١ / ح ٣٥ ، فلاح السائل : ١٥ ، الأذان بحيّ على خير العمل : ١٣٥ / ح ١٦٩ .
(٢) التوحيد للصدوق : ٢٤١ ، الباب ٣٤ / ح ٢ ، عنه في بحار الأنوار ٨١ : ١٣٤ .
(٣) علل الشرائع : ٣٦٨ العلّة ٨٩ / ح ٤ ، وعنه في بحار الأنوار ٨١ : ١٤٠ / ح ٣٤٤ .
المؤمنين علي عليهالسلام ، وإنّ هذا التأكيد حدا بمراض النفوس لأن يحسدوا أهل البيت على ما آتاهم الله من فضله .
وإنّ جملة « حي على خير العمل » التي تعني برّ فاطمة وولدها ، يفسّرها موقف الظالمين من فاطمة وإيذاؤهم لها وإسقاطهم محسناً ـ كما قلنا قبل قليل ـ وإنّ هؤلاء كانوا هم أنفسهم وراء حذف الحيعلة الثالثة الدالة على الإمامة ، وإنّ الزهراء سلام الله عليها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر حسب رواية البخاري الآنفة الذكر (١) .
إذا اتّضح هذا فيمكن أن يقال وضع جملة « الصلاة خير من النوم » من قبل عمر بن الخطاب جاء في سياق ترسيخ قواعد خلافة أبي بكر ، لأنّ نفسه التحررية في الاجتهاد في مقابل النص من جهة ، ومحاولة دفع ولاية أهل البيت من جهة أخرى ، ودفاعه المستميت عن خلافة أبي بكر من جهة ثالثة .
كلّ هذا يدعوه إلى أن يقول بهذا الأمر ، وقد يكون من الصعب القبول بهذا الاحتمال لأنّه مُبْتَن على دليل غير منصوص ، لكنَّ مجموع القرائن والملابسات تجعله قريباً من المعقول على بعده عند من لا يرتضيه ، إذ قد يلحظ العقل السنخية بين الرفع والوضع في مثل هذه الأمور ، فبما أنّ عمر رفع الحيعلة الثالثة ـ حسب النصوص السابقة ـ كي لا يكون دعاءٌ إليها وحثّ عليها ، فلا يستبعد أن يضع « الصلاة خير من النوم » للدلالة على خلافة أبي بكر ؛ لأنَّ ذلك محور النزاع بين
______________________
(١) صحيح البخاري ٣ : ١١٢٦ ، باب فرض الخمس / ح ٢٩٢٦ ، و ٤ : ١٥٤٩ ، باب غزوة خيبر / ح ٣٩٩٨ .