الصلاة خير من النوم شرعة أم بدعة

السيد علي الشهرستاني

الصلاة خير من النوم شرعة أم بدعة

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة المؤمل الثقافية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

ونحن ندرس هذه المدرسة لا اعتقاداً منّا بوقوع الصلاة وصحّته ، بل نبحثها تماشياً مع مرتكزات الآخرين وإن كانت تخالف معتقداتنا وما نذهب إليه .

فنحن لا يمكننا أن نقبل بإمامة أبي بكر للصلاة ، لأنّه في باعتقادنا قد تخلّف عن جيش أُسامة الذي أمر رسول الله بتجهيزه قبل مرضه وموته ، وقد لعن صلى‌الله‌عليه‌وآله المتخلّفين عنه ، فالنصوص التاريخية تؤكّد بأنّ كبار الصحابة ـ ومن جملتهم أبو بكر وعمر ـ كانوا ضمن البعث . فإذا كانا ضمن البعث فرجوعهم إلى المسجد والصلاة بالمسلمين يعني تخطّيهم أوامر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال ابن حجر العسقلاني في « فتح الباري ـ باب بعث النبي أسامة في مرضه الذي تُوفّي فيه » :

 ... كان تجهيز أُسامة يوم السبت قبل موت النبي بيومين ، فبدأ برسول الله وجعه في اليوم الثالث ، فعقد لأسامة لواءً بيده ، فأخذه أُسامة فدفعه إلى بُرَيدة وعسكر بالجرف .

وكان ممّن انتدب مع أُسامة كبار المهاجرين والأنصار ، منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسعد وسعيد وقتادة بن النعمان وسلمة بن أسلم ، فتكلّم في ذلك قوم ... (إلى أن قال :) ثمّ اشتدّ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجعه ، فقال : أنفذوا بعث أُسامة .

وقد روى ذلك عن الواقدي : ابن سعد ، وابن إسحاق ، وابن الجوزي ، وابن عساكر (١) .

هذا أوّلاً .

______________________

(١) فتح الباري ٨ : ١٢٤ . وفي بعض المصادر : كشرح المواقف ٨ : ٣٧٦ ، والملل والنحل للشهرستاني ١ : ٢٩ : لعن الله من تخلّف عن بعث أُسامة ! بدل : (أنفذوا) .

٣٢١
 &

وثانياً : إنّ نصوصاً أُخرى موجودة في المصادر الحديثية والتاريخية تؤكّد بأنّ أبا بكر كان غائباً حينما قال رسول الله : مُروا أبا بكر فليصلِّ بالناس . وإنّ غيابه هذا هو الذي دعا عبدُ الله بن زمعة أن يُعيّن عمرَ بن الخطّاب .

ففي (سنن أبي داود) : لمّا استُعِزَّ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا عنده في نفر من المسلمين ، دعاه بلال إلى الصلاة ، فقال : مروا من يصلّي بالناس . فخرج عبد الله بن زمعة ، فإذا عمر في الناس ، وكان أبو بكر غائباً ، فقلت : يا عمر ، قم فصلّ بالناس . فتقدّم فكبَّر ، فلمّا سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صوته ، وكان عمر رجلاً مُجْهِراً ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : فأين أبو بكر ؟ يأبى الله ذلك والمسلمون ، يأبى الله ذلك والمسلمون . فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلّى عمر الصلاة ، فصلّى بالناس (١) .

وفي خبر آخر : « فأرسلنا إلى أبي بكر » (٢) .

وفي ثالث : « قال عبد الله بن زمعة لعمر لمّا لم أر أبا بكر رأيتك أحقَّ من غيره بالصلاة » (٣) .

وفي (الطبقات الكبرى) قال :

______________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٥١٩ في استخلاف أبي بكر ، مسند أحمد بن حنبل ٤ : ٣٢٢ حديث عبد الله بن زمعة ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ٦٤٠ ـ ٦٤١ ذِكر عبد الله بن زمعة بن الأسود ، البداية والنهاية ٥ : ٢٣١ ـ ٢٣٢ أحداث ١١ هـ ، الاستيعاب ٣ : ٩٦٩ ـ ٩٧٠ ، تاريخ دمشق ٣١ : ٤٨ عتيق أبو بكر .

(٢)

(٣) الطبقات الكبرى ٢ : ٢٠ ـ ٢١ ذكر أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر ، أنساب الأشراف ١ : ٥٥٤ ـ ٥٥٥ / ١١٢٦ باب أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين بُدِئ ، تاريخ دمشق ٣١ : ٤٨ ـ ٤٩ ، عتيق أبو بكر ، نهاية الإرب ١٨ : ٣٧٠ ـ ٣٧١ عن الطبقات .

٣٢٢
 &

« عدتُ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الذي تُوفّي فيه ، فجاءه بلال يؤذّنه بالصلاة ، فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مُرِ الناس فليصلّوا ، قال عبد الله : فخرجت فلقيت ناساً لأُكلّمهم ، فلمّا لقيت عمر بن الخطاب لم أبغِ من وراء ، وكان أبو بكر غائباً ، فقلت له : صلّ بالناس يا عمر . فقام عمر في المقام ، فقال عمر : ما كنت أظنّ حين أمرتني إلّا أنّ رسول الله أمرك بذلك ، ولو لا ذلك ما صلّيتُ بالناس . فقال عبد الله : لمّا لم أرَ أبا بكر رأيتك أحقّ من غيرك بالصلاة » (١) .

فمع ثبوت كون ابن أبي قحافة في بعث أُسامة لا يتّفق أمر رسول الله أبا بكر بالصلاة مكانه مع تخلّفه عن جيش أُسامة ، وأنّ خروجه صلى‌الله‌عليه‌وآله وحضوره الصلاة وهو متّكئ على رَجُلين من أهل بيته وقوله لعائشة وحفصة : « إن قد فعلتنّ » ليشير إلى أنّ أمر إمامة الصلاة لأبي بكر لم يكن بعلمه وأمره ، بل أنّه ذلك من فعلهنّ .

ولبيان أبعاد هذه المسألة لا بدّ من إعطاء صورة مختصرة عن المسجد النبوي الشريف وموقع بيوت النبيّ فيه .

المسجد النبوي ، وحجرة النبي وبيوت أزواجه

إنّ النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله حينما هاجر إلى يثرب = المدينة المنوّرة كان أوّل ما فعله هو بناء المسجد فيه ، ثمّ بنى على يسار المسجد حجرتين : إحداهما لابنته فاطمة الزهراء عليها‌السلام والأخرى لفاطمة بنت أسد أُم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، ثمّ بنى بعد ذلك في قبلة المسجد بيوتاً لأزواجه على أن لا تدخل إحداهنّ في بيت

______________________

(١) الطبقات الكبرى ٢ : ٢٢٠ .

٣٢٣
 &

الأخرى إلّا بإذنها ، وقد جاء ذكر تلك البيوت في القرآن الكريم إذ قال سبحانه : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ... * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ... ) (١) .

كما أنّه سبحانه أمر المؤمنين بعدم دخول بيوت النبيّ إلّا بإذنه وإذن أزواجه ، فقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ )(٢) .

إذن ، فبيت فاطمة الزهراء عليها‌السلام كان أوّل بيت بناه رسول الله بعد مسجده ، وقد اختصَّ هذا البيت بنفسه بعد أن انتقلت الصدّيقة الطاهرة إلى بيت بعلها أمير المؤمنين علي ، فكان هذا البيت محلّ عبادة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومناجاته لربّه ، وهو محلّ لمن يريد أن يخلو به من المؤمنين ، ولم يُسكن فيه أحداً من أزواجه ، وهذا البيت صار محلاً لدفنه بوصيّة منه .

وبعد وفاة رسول الله وفاطمة الزهراء انتقلت عائشة من بيتها الذي هو في قبلة المسجد إلى هذا البيت ، وهذا هو الذي فسح لها المجال أن تدفن فيه الشيخين بدون استئذان أحد من نسائه أو أولاده وأسباطه وأحفاده ، بل منعت الحسن السبط من الدفن بجوار جدّه رسول الله ممّا أساء بعضَ الصحابة وأهل البيت خصوصاً ابن عبّاس (٣) .

وممّا يؤكّد كلامنا ، وأنّ حجرة عائشة كانت في قبلة المسجد ، هو النصوص المحكيّة ، فجاء عن أنس بن مالك بطرق متعدّدة ، وكذا جاء عن غيره ، منها المرويّ في (صحيح البخاري) عن عقيل عن ابن شهاب ، قال : أخبرني أنس قال :

______________________

(١) الأحزاب : ٣٣ ـ ٣٤ .

(٢) الأحزاب : ٥٣ .

(٣) انظر تفاصيل ما قلناه في كتاب « أين دُفن النبي ؟ » لمحمّد علي بُرو .

٣٢٤
 &

بينما المسلمون في صلاة الفجر ، لم يفجأهم إلّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كشف سِتْر حُجرة عائشة ، فنظر إليهم وهم صفوف ، فتبسّم يضحك ونكص أبو بكر رضي الله عنه على عقبيه ليصل له الصف ، فظنّ أنّه يريد الخروج ، وهمَّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فأشار إليهم : أتمّوا صلاتكم . فأرخى الستر وتُوفيّ من آخر ذلك اليوم (١) .

وفيه أيضاً عن شعيب عن الزهري : فكشف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم كأنّ وجهه ورقة مصحف ، ثمّ تبسّم يضحك ، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصفّ .... (٢) .

فهذه النصوص تُفهِم وبوضوح أنّ حجرة عائشة كانت في قبلة المسجد لا على يساره كما يقولون ، لأنّ النبيّ حينما كشف الستر أخذ ينظر إلى المسلمين وينظرون إليه بحيث أمكنهم أن يصفوه « ... وهو قائم كأنّ وجهه ورقة مصحف » ، وهذا لا يمكن تصوّره إذا تصوّرنا كون بيت عائشة في يسار المسجد ، إذ لا يجوز للمسلم أن يلتفت في صلاته إلى اليمين أو الشمال أو الخلف ، إلّا أن نقول بأنّهم كانوا قد رأوه قبل أن يبدؤوا بالصلاة ، هذا من جهة .

______________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٨١ باب هل يُلتفَت لأمر ينزل به ، التاريخ الصغير ١ : ٢٧ باب وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الثقات لابن حبّان ٢ : ١٢٩ ـ ١٣٠ ، مسند أحمد بن حنبل ٣ : ١٦٣ ، وج ٣ : ١٩٦ ، وج ٣ : ١٩٧ ، مسند أنس بن مالك ! مسند أبي عوانة ٢ : ١٢٩ ـ ١٣٠ كتاب الصلاة ، سيرة ابن هشام ٤ : ٣٠٢ ـ ٣٠٣ باب تمريض رسول الله في بيت عائشة ، تاريخ الطبري ٣ : ١٩٨ أحداث سنة ١١ هـ .

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٦٤ كتاب الصلاة ، باب أهل العلم والفضل أحقّ بالإمامة ، صحيح مسلم ٢ : ٢٤ باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر ، التاريخ الصغير ١ : ٢٧ باب وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الطبقات الكبير ٢ : ١٧ ـ ١٨ .

٣٢٥
 &

ومن جهة أخرى فإنّ خبر أنس الآنف لا يتّفق مع الأخبار الأخرى المرويّة عن عائشة وعن غيرها ، فإنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج إلى المسجد وهو متّكئ على العباس ورجلٍ آخر . فلا ندري أنأخذ بخبر أنس أو بخبر عائشة ، أو بخبر غيرهما ؟!

فهناك اضطرابٌ كبير مشهود في روايات صلاة أبي بكر ، فلا ندري ما الذي يصحّ فيه ، هل هو المتواتر المشهور عندهم وأنّ رسول الله قال : مروا أبا بكر فليصلّ بالناس وعائشة تخالف وتشاكس كلامه ، أو الموجود في النصوص الأخرى بأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يعيّن أحداً وترك الأُمّة لشأنها وأنّ عبد الله بن زمعة اختار عمر بن الخطاب لعدم وجود أبي بكر .

فلا ندري ما الصحيح ، فإذا كان رسول الله قد عيّن أبا بكر للصلاة فما يعني سؤاله في مرضه : أصلّى الناس ، وسماعه لجواب نسائه : لا ، هم ينتظرونك لثلاثة مرّات ، ثمّ طلب الرسول أن يضعوا له ماء في المخضب مرّة أخرى ليغتسل وهم يفعلون ذلك ، فيغمى عليه ثمّ يفيق ويسأل السؤال السابق ويسمع بنفس الجواب ، وأخيراً حينما يسمع بصلاة أبي بكر ويجد في نفسه خفّة يخرج بين رجلين إلى المسجد ، فلمّا رآه أبو بكر ذهب ليتأخّر فأومأ النبيّ بأن لا يتأخّر وقال : اجلساني إلى جنبه ، فأجلساه إلى جنب أبي بكر ، فجعل أبو بكر يصلّي قائماً وهو يأتمّ بصلاة النبيّ والناس بصلاة أبي بكر والنبي قاعد (١) .

______________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ٢ : ٥٢ ـ ٥٣ ، وج ٧ : ١٥٢ ـ ١٥٣ مسند عبد الله بن عمر ، صحيح البخاري ١ : ١٦٦ ـ ١٦٧ كتاب الصلاة ، صحيح مسلم ٢ : ٢٠ ـ ٢١ باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر ، سنن النسائي (المجتبى) ٢ : ٧٨ ـ ٧٩ باب الائتمام بالإمام يصلّي قاعداً ، سنن الدارمي ١ : ٢٣٠ ـ ٢٣١ / ١٢٦٠ باب فيمن يصلّي خلف الإمام والإمام جالس .

٣٢٦
 &

وفي آخر عن عائشة : وخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يُهادَى بين رجلين كأنّي أنظر إليه يَخُطُّ برجليه الأرض ، فلمّا رآه أبو بكر ذهب يتأخّر فأشار إليه أنْ صلّ ، فتأخّر أبو بكر وقعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى جنبه ، وأبو بكر يسمع الناس التكبير (١) .

وفي ثالث : ... فلمّا رآه أبو بكر ذهب ليتأخّر فأومئ إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده ، فأتى برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى أُجلس إلى جنبه ، فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي بالناس ، وأبو بكر يُسمعهم التكبير (٢) .

وفي رابع : ... حتى دخل المسجد ، فلمّا سمع أبو بكر حِسَّه ذهب أبو بكر يتأخّر ، فأومأ إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله [ قم مكانك ] ، فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى جلس عن يسار أبي بكر ، فكان أبو بكر يصلّي قائماً ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي قاعداً يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والناس مقتدون بصلاة أبي بكر (٣) .

إذن فالأخبار متشابكة ، وقد تكون في بعض الأحيان متضاربة ! وأنا لست بصدد مناقشتها وإن كنتُ أبحث بينها عمّا يفيدني في دراستي هذه ، فالذي أستفيده

______________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٧٢ باب من أسمع الناس التكبير ، سنن البيهقي ٣ : ٩٤ باب من أباح الدخول في صلاة الإمام بعد ما افتتحها ، مسند أبي عوانة ٢ : ١٢٦ ـ ١٢٧ كتاب الصلاة .

(٢) مسند أبي عوانة ٢ : ١٢٦ ـ ١٢٧ كتاب الصلاة .

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٧٢ ـ ١٧٣ باب الرجل يأتمّ بالإمام ويأتمّ الناس بالمأموم ، صحيح مسلم ٢ : ٢٢ ـ ٢٣ باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٩ / ١٢٣٢ باب ما جاء في صلاة رسول الله في مرضه ، سنن النسائي (المجتبى) ٢ : ٧٧ ـ ٧٨ باب الائتمام بالإمام يصلّي قاعداً ، مسند أحمد بن حنبل ٦ : ٢٢٤ حديث عائشة ، أنساب الأشراف ١ : ٥٥٧ / ١١٣١ باب أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين بُدِئ ، السنن الكبرى للبيهقي ٣ : ٣٠٤ باب صلاة المريض .

٣٢٧
 &

من مجموع الروايات أنّ أغلب ما استُدِلّ به على صلاة أبي بكر كان من روايات عائشة ، وأنّ ما رُوي عن غيرها من الصحابة قد أُخِذ عنها أو حُكي عن لسانها .

فتلك الأخبار تارةً تشير إلى أنّ النبيّ نظر إليهم من الحجرة ولم يخرج إليهم ، وأخرى أنّه خرج إليهم وهو متّكئ على العباس ورجل آخر (١) . وفي خبرٍ آخر : على بريرة ورجل آخر (٢) . وفي ثالث : على نومة وبريرة (٣) .

وتارةً تراه صلى‌الله‌عليه‌وآله يكشف الستر وهم في صلاة الظهر (٤) ، وأخرى وهم في العشاء الآخرة (٥) ، وثالثة في الصبح (٦) .

وخامسة : ترى رسول الله لم يعيّن لهم شخصاً ، وأخرى : يعيّن أبا بكر .

وسادسة : ترى أسماء : عمر والعباس وأبي بكر وعلي في المرشّحين .

وسابعة : تقف على اقتراح عائشة على النبيّ بأن يعيّن أبا بكر مكانه ، وفي أخرى : ترى الرسول هو المُقترِح وعائشة لا ترضى .

وفي نصوص ثامنة ترى أبا بكر صلّى مع رسول الله ، وأخرى أنّ رسول الله صلّى معه .

وفي نصوص تاسعة أنّه صلّى معه ركعة والباقي مع نفسه ! وهكذا دواليك

______________________

(١)

(٢)

(٣) تاريخ دمشق ٣١ : ٤٦ ـ ٤٧ عتيق ، أبو بكر .

(٤)

(٥)

(٦)

٣٢٨
 &

النصوص المختلفة ، فكلّها تشير إلى عدم ثبوت وقوع الحادثة ، وأنّها لو كانت قد وقعت فقد تداركها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بفعله وخروجه إلى المسجد منبّهاً على تحريفهم للحقيقة وأنّ ذلك لم يكن برضاه ، لكنّهم سعوا لتنصيع وجه الخلافة وما فعلته نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

نصوص تشير إلى وجود إمامين لصلاة واحدة

ولمّا وصل الأمر بنا إلى هنا لا بدّ أن ننقل النصوص الدالّة على وجود إمامين لهذه الصلاة الصلاة ، ثمّ نعطي أخيراً ما نحتمله فيه .

فقد جاء في « صحيح البخاري » بسنده عن عمر بن حفص بن غياث : قال : حدّثني أبي قال : حدّثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود قال :

« كنّا عند عائشة ... فخرج أبو بكر فصلّىٰ ، فوجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من نفسه خفّةً فخرج يُهادىٰ بين رجُلين كأنّي أنظر رِجلَيه تخطّان [ الأرض ] من الوجع ، فأراد أبو بكر أن يتأخّر فأومأ إليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنْ مكانَك . ثمّ أُتِيَ به حتّى جلس إلى جَنْبه .

قيل للأعمش : وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي وأبو بكر يصلّي بصلاته والناسُ يصلّون بصلاة أبي بكر ؟ فقال : نعم (١) .

وفيه أيضاً : حدّثنا قُتيبة بن سعيد ، قال : حدّثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت :

______________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٦٠ ـ باب حدّ المريض أن يشهد الجماعة ، والخبر موجود في مسند أبي عوانة ٢ : ١٢٦ ـ ١٢٧ كتاب الصلاة ، والبداية والنهاية ٥ : ٢٣٢ أحداث سنة ١١ هـ ، والسيرة النبويّة لابن كثير ٤ : ٤٦٠ عن البخاري .

٣٢٩
 &

لمّا ثقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جاء بلال يؤذّنه بالصلاة ، فقال : مروا أبا بكر أن يصلّي بالناس .... إلى أن تقول :

فلمّا دخل في الصلاة وجد رسول الله في نفسه خفّة ، فقام يُهادى بين رجلين ورجلاه تخطّان في الأرض حتّى دخل المسجد . فلمّا سمع أبو بكر حسّه ذهب أبو بكر يتأخّر ، فأومأ إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله [ قم مكانك ] ، فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى جلس عن يسار أبي بكر ، فكان أبو بكر يصلّي قائماً وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي قاعداً ، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله والناس مقتدون بصلاة أبي بكر (١) .

وفي ثالث بسنده عن أحمد بن يونس ، قال زائدة عن موسى بن أبي عائشة ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، قال : دخلت على عائشة ، فقلت : ألا تحدّثيني عن مرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قالت :

... ثمّ إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وجد من نفسه خفّة فخرج بين رجُلَين أحدهما العباسُ لصلاة الظهر وأبو بكر يصلّي بالناس ، فلمّا رآه أبو بكر ذهب ليتأخّر ، فأومأ إليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنْ لا يتأخّر . قال : أجلِساني إلى جنبه . فأجلساه إلى جنب أبي بكر ... فجعل أبو بكر يصلّي قائماً [ أو : وهو قائم ] وهو يأتمّ بصلاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والناس بصلاة أبي بكر ، والنبي قاعد (٢) .

______________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٧٢ ـ ١٧٣ باب الرجل يأتمّ بالإمام ويأتم الناس بالمأموم ، وانظر : صحيح مسلم ٢ : ٢٢ ـ ٢٣ باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر .

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٦٦ ـ ١٦٧ باب إنّما جُعل الإمام ليُؤتمّ به وصلّى النبيّ في مرضه الذي تُوفّي فيه بالناس وهو جالس ، صحيح مسلم ٢ : ٢٠ ـ ٢١ باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر ، سنن النسائي (المجتبى) ٢ : ٧٨ ـ ٧٩ باب الائتمام بالإمام يصلّي قاعداً ، مسند أحمد ٢ : ٥٢ ـ ٥٣ مسند عبد الله بن عمر ، سنن الدارمي ١ : ٢٣٠ ـ ٢٣١ / ٥١٤١ باب فيمن يصلّي خلف الإمام والإمام جالس ، المصنّف لابن أبي شيبة المغازي باب ما جاء في وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣٣٠
 &

وفي (سنن النسائي) بسنده عن موسى بن أبي عائشة ، قال : سمعت عبيد الله بن عبد الله يحدّث عن عائشة :

أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أبا بكر أن يصلّي بالناس ، قالت : وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بين يدي أبي بكر ، فصلّى قاعداً ، وأبو بكر يصلّي بالناس ، والناس خلف أبي بكر (١) .

وعن أبي إسحاق ، عن الأرقم بن شرحبيل ، عن ابن عباس ، قال :

لمّا مرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أبا بكر أن يصلّي بالناس ، ثمّ وجد خفّة فخرج ، فلمّا أحسّ به أبو بكر أراد أن ينكص ، فأومأ إليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجلس إلى جنب أبي بكر عن يساره ، واستفتح من الآية التي انتهى إليها أبو بكر (٢) .

وقال ابن إسحاق : وحدّثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي مُلَيكة ، قال :

لمّا كان يوم الإثنين خرج رسول الله عاصباً رأسه إلى الصبح ، وأبو بكر يصلّي بالناس ، فلمّا خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تفرّج الناس ، فعرف أبو بكر أنّ الناس لم يصنعوا ذلك إلّا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنكص عن مصلّاه ، فدفع رسولُ الله في ظهره وقال : صلِّ بالناس . وجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى جنبه فصلّى قاعداً عن يمين أبي بكر (٣) .

______________________

(١) سنن النسائي (المجتبى) ٢ : ٦٥ ـ ٦٦ باب الائتمام بمن يأتمّ بالإمام ، مسند أحمد ٦ : ٢٤٩ حديث عائشة ، مسند أبي عوانة : ١٢٤ كتاب الصلاة .

(٢) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٢٣١ ـ ٢٣٢ مسند عبد الله بن عباس ، الطبقات الكبير ٢ : ٢١ ـ ٢٢ ، وج ١ : ١٣٠ ذكر أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر يصلّي بالناس في مرضه ، أنساب الأشراف ١ : ٥٦٠ / ١١٣٦ ـ باب أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين بُدِئ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٩١ / ١٢٣٥ .

(٣) سيرة ابن هشام ٤ : ٣٠٣ ـ ٣٠٤ باب تمريض رسول الله في بيت عائشة ، تاريخ الطبري ـ أحداث سنة ١١ هـ ، الطبقات الكبير ٢ : ١٧ باب ذكر أمر رسول الله أبا بكر أن يصلّي بالناس في مرضه .

٣٣١
 &

ما نذهب إليه

والآن لنُعطِ وجه جمع بين تلك الوجوه ، ونظرنا أنّ تلك الواقعة لو كانت قد وقعت فالنبيّ أراد بخروجه أن يبيّن عدم صلاحيّة أبي بكر للخلافة والإمامة ، وكان فعل ذلك معه حينما خرج إلى بني عمرو بن عوف ، فقد جاء في « فتح الباري » :

« إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة ، فجاء المؤذّن إلى أبي بكر فقال : أتصلّي للناس فأقيم ؟ قال : نعم . فصلّى أبو بكر ، فجاء رسول الله والناس في الصلاة ، فتخلّص حتّى وقف في الصف ، فصفّق الناس ، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته ، فلمّا أكثر الناس التصفيق التفت فرأىٰ رسولَ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأشار إليه رسول الله أن امكث مكانك . فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله من ذلك ، ثمّ استأخر أبو بكر حتّى استوى في الصف ، وتقدّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فصلّى ، فلمّا انصرف قال : يا أبا بكر ، ما منعك أن تثبت إذ أمرتك ؟ فقال أبو بكر : ما كان لابن أبي القحافة أن يصلّي بين يدي رسول الله » (١) .

المهم أنّ الجميع يعلم أنّ رسول الله لم يعيّن أبا بكر مباشرة ، بل كلّ ما وقفنا عليه من نصوص هو حكاية الآخرين في تعيين رسول الله له ، وأنّ خروجه إلى المسجد وهو بذلك الحال يؤكّد عدم صحّة ما نقلوه عن رسول الله ، وأنّ ما قالوه من صلاة أبي بكر بصلاة رسول الله وصلاة الناس بصلاة أبي بكر ، إنّما يعني أنّه كان المكبّر لتلك الصلاة ، والناس كانوا يصلّون بصلاة أبي بكر ، بمعنى أنّهم يصلّون بتكبيره وإعلامه حكايةً لفعل رسول الله ، وهو ما يؤكّده حديث ابن مُسْهر :

______________________

(١) فتح الباري ٢ : ١٣٣ .

٣٣٢
 &

فأُتي برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى أُجلس إلى جنبه ، وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي بالناس وأبو بكر يُسمعهم التكبير .

وفي حديث عيسىٰ :

فجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي وأبو بكر إلى جنبه ، وأبو بكر يُسمع الناس (١) .

وفي « صحيح البخاري » و « مسند أبي عوانة » بسندهما عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة : ... فتأخّر أبو بكر وقعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى جنبه ، وأبو بكر يُسْمِع الناسَ التكبير (٢) .

المهمّ أنّ هذه المسألة راودت فكري وشغلتني ومنذ زمن ، وأراها تحتاج إلى مزيد بحثٍ ودراسة ، خصوصاً بعد معرفتنا ارتباطها بمسألة الخلافة والإمامة بعد رسول الله ، ومرض الرسول وصلاة أبي بكر مكانه ، وها نحن سنبحثها بعد قليل في الجانب الكلامي .

كان هذا بعض أقوال علماء أهل السنّة والجماعة في مسألة الأذان قبل الفجر وعدمه ، وما طرحناه من وجه في الجمع بين مشهور قول الجمهور وما يتّفق مع الأُصول الدينية إذ قلنا بأنّ ما يعنون به الأذان الأوّل هو النداء والإعلام لا غير ، فلو

______________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٧٢ ـ ١٧٣ باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم ، صحيح مسلم ٢ : ٢٢ ـ ٢٣ باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر .

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٧٢ باب من أسمع الناس التكبير ، سنن البيهقي ٣ : ٩٤ باب من أباح الدخول في صلاة الإمام بعد ما افتتحها ، مسند أبي عوانة ٢ : ١٢٦ ـ ١٢٧ كتاب الصلاة ، وانظر سنن البيهقي ٣ : ٣٠٤ باب صلاة المريض ، أنساب الأشراف ١ : ٥٥٧ / ١١٣١ باب أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين بُدِئ .

٣٣٣
 &

كان فلا يجوز أن يكون بصيغ الأذان الشرعي بل يُكتفى بالقول « الصلاة خير من النوم » وأمثاله .

وكذا هو الحال بالنسبة إلى وجود مؤذّنين ، فالأمر جاء للتمييز بينهما ولو كان بلال أحدهما يجب أن يكون مؤذّن الصبح لا الليل ، ولمّا لم يثبت عنه أذانه بـ « الصلاة خير من النوم » المعمول بها اليوم في أذان الفجر أحالوا أذانه إلى الليل .

وهكذا هو الحال وجود إمامين لصلاةٍ واحدة .

فهذه الأُمور طُرحت قديماً ولم تُبحَث موضوعيّاً وعلميّاً ، والباحث لو قارن بين ما قرأه وعلمه ـ من وجود مؤذّنَين لصلاة الفجر ، مع ما قالوه من وجود إمامين لصلاة الفجر عند مرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ الناس صلّوا بصلاة أبي بكر وأبو بكر صلّى بصلاة رسول الله ، والسلام على الأُمراء في العهد الأموي والعباسي ومشروعيّته أو بدعيّته ـ لَعَرف ارتباط مسألة التثويب بما روي عن أئمّة أهل البيت في معنى « حيّ على خير العمل » ، وأنّ الإمامة الإلهيّة منظورة في الأذان بجنب التوحيد والنبوّة والشهادة ، لكنّهم حرّفوها إلى خلافة الخلفاء .

٣٣٤
 &

الجانب الكلامي

٣٣٥
 &

الصلاة خير من النوم شرعة أم بدعة ـ السيد علي الشهرستاني

٣٣٦
 &



« الصلاة خير من النوم » هي جملة تُردد في أذان الفجر خاصّة ، وقد اختلف الأعلام في تفسير معناها ودلالتها ، وهل « الألف » و « اللام » فيها للجنس أم للعهد ، وقد ذهب الغالب منهم إلى أنّها إشارة إلى جنس « الصلاة » وجنس « النوم » ، لكنّهم مع ذلك شكّوا في انسجام لحاظ الخيرية بين الصلاة التي هي عبادة والتي هي ( لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ) ، والنوم الذي هو راحة ودعة .

فقد فسر ابن عابدين هذه الجملة مريدا حلّ هذه الإشكالية بقوله : « الصلاة خير من النوم » إنّما كان النوم مشاركة للصلاة في أصل الخيرية ، لأنّه قد يكون عبادة كما إذا كان وسيلة إلى تحصيل طاعة أو ترك معصية أو لأنّ النوم راحة في الدنيا والصلاة راحة في الآخرة فتكون أفضل (١) .

قال الصنعاني في سبل السلام : « قلت : وعلى هذا ليس الصلاة خير من النوم من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلى الصلاة والإخبار بدخول وقتها ، بل هو من الألفاظ التي شرعت لإيقاظ النائم وهو كألفاظ التسبيح الأخير الذي اعتاده الناس في هذه الأعصار المتأخّرة عوضاً عن الأذان الأوّل » .

______________________

(١) حاشية ردّ المحتار على الدرّ المختار ١ : ٤١٨ .

٣٣٧
 &

وإذا عرفت هذا هان عليك ما اعتاد الفقهاء من الجدال في التثويب ، هل هو من ألفاظ الأذان أو لا ؟ وهل هو بدعة أو لا ؟ ثمّ ما المراد من معناه اليقظة للصلاة خير من النوم ، أي من الراحة التي يعتاضونها في الأجل خير من النوم ، ولنا كلام في هذه الكمة اودعناه رسالة لطيفة (١) .

إذن فسرت هذه الجملة بتفاسير متعدّدة ، وكتبت فيها رسائل لطيفة !! استساغها بعض واستهجنها بعض آخر ، لعدم تناغمها مع الفصول الأخرى فيه ، إذ لا معنى للمقارنة بين الخيرية الملحوظة في الصلاة والخيرية الملحوظة في النوم ، علماً بأنّ الأذان هو أمر إسلامي وقد شرّع في الإسراء والمعراج وفيه تنسيق بين الشهادات والحيعلات .

فكما أنّ الشهادة الأولى ـ أشهد أن لا إله إلّا الله ـ تعني التوحيد ، فلا بدّ أن تكون الحيعلة الأولى مرتبطة بالتوحيد وطاعة الله وعبادته ، ولأجله جاءت الدعوة إلى العبودية من خلال جملة « حيّ على الصلاة » لأنّ الصلاة لا تكون إلّا لله .

ومثله حال الشهادة الثانية ـ أشهد أنّ محمّداً رسول الله ـ فهي تعني الإقرار بكلّ ما أتى به الرسول من أحكام وسنن وأخلاق ، لأنّ النبيّ بدأ دعوته تدريجاً بعد قوله : « قولوا لا إله إلّا الله تفلحوا » ثمّ أعقبتها تعاليمه في الصلاة والزكاة فقال سبحانه : ( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ) وقال : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) .

فالفلاح هو كلّ ما جاء به رسول الله من أحكام وغيره ، وقد وصف سبحانه

______________________

(١) سبل السلام ١ : ١٢٠ .

٣٣٨
 &

الذين اتبعوا رسول الله بالمفلحين في قوله تعالىٰ : ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) .

فإذن فـ « حيّ على الفلاح » تعني اتباع سنّة رسول الله بعد عبادة الله . وهذا يرشدنا إلى الترابط الأُصولي بين فصول الأذان الشهادات والحيعلات .

لكنّا لا نشاهد هذا الترابط بين الخيرية الملحوظة في الصلاة والخيرية في النوم .

وعليه فالإنسان لو نظر إلى الأذان نظرة معرفية وقيمية وعرف أنّه ليس إعلاماً لوقت الصلاة فقط ، بل هو بيان لأُصول العقيدة وأركان الدين من التوحيد والنبوّة و ... وقد شرّع هذا الأمر في الإسراء والمعراج لا في المنام لأحسّ بالتهافت الملحوظ بين هذه الجملة وبين الفصول الأخرى الموجودة في الأذان بناء على التفسير الساذج الذي إليه أغلب العامّة .

ولعرف أيضاً بأنّ التقليل من شأن الأذان ومكانته وجعله منامياً جاء من قبل اتباع الشجرة الملعونة في القرآن الذين رأهم رسول الله في منامه ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك وأنزل سبحانه فيهم قوله : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ ) .

وهؤلاء كانوا يحسدون محمّداً وآل محمّد ويسعون في طمس ذكرهم ، لكنّ الله أبى إلّا أن يرفع ذكرهم في قوله تعالىٰ : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) وقوله : ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) .

إذن الصراع بين الحقّ والباطل والنفاق والإيمان والتحريف والأصالة كان ولا يزال قائماً .

وإنّي في هذا الجانب أُريد أن أُفسّر هذه الجملة من وجهة نظر عقائدية لا فقهية ،

٣٣٩
 &

كاشفاً الوجه الآخر لها ، لأنّهم غالباً ما يشيرون إلىٰ المعنى الظاهري لهذه الجملة وأنّ الصلاة هي أفضل وأحسن من النوم دون بيان خلفيات المسألة العقائدية والفكرية ، فما جئت به هنا هو وجهة نظر جديدة ، قد ترضي بعضاً وقد تغيض آخرين ، أطرحها للنقاش والمداولة ، لارتباطها بمسألة مهمّة ، وهي مسألة الإمامة والخلافة بعد رسول الله ، مؤكّداً بأنّ الإمام الإلهيّة ملحوظة في كثير من الأحكام الشرعية ، لكن من المؤسف بأنّ يد التحريف قد طالت أُصولها وقوائمها وحرفتها عن أُصولها وجاءت بالبديل عنها ، كما طالت أُموراً أخرى غيرها في الشريعة والتاريخ .

من المباحث الأساسية والهامّة في علم الكلام وأصول العقيدة هو مبحث الإمامة ، وهل الإمامة هي إمامة إلهية أم إمامة سياسيّة واجتماعية ويأتي تعيين الإمام على يد الأمّة لا من قبل الله .

فذهبت الإماميّة الاثنا عشرية إلى القول الأوّل ، والآخرون إلى القول الثاني . وقد استدلّ الشيعة الإماميّة على عقيدتهم الحقّة بأدلّة من القرآن والسنّة المطهرة ويعضدهما الدليل العقلي ، كما استدلّ الآخرون بأدلّة أخرى ، هي ألصق بالمصادرات والتبرعات .

وإنّي في هذا الجانب أُريد أن أوكد على زاوية جديدة في عملنا العقائدي الكلامي ، وهي بيان الاقتران العقلي والشرعي بين أصل الإمامة ومسائل الفقه ، وهو وإن لم يكن دليلا برأسه لإثبات سماوية الإمامة لكن يمكن الاستفادة منه كشاهد ومويّد لما نقوله ونعتقد به .

فإنّ ممّا لا سبيل إلى إنكاره أنّ للإمامة مدخليّة مباشرة في كثير من الأحكام الشرعية ، وقد لا نغالي إذا اعتقدنا أنّ علاقة الإمامة بفروع الدين وأحكامه كعلاقة

٣٤٠